الزهر الفاتح في ذكر من تنزه عن الذنوب والقبائح - دار الكتب العلمية المؤلف شيخ القراء ابن الجزري
الزهر الفاتح في ذكر من تنزه عن الذنوب والقبائح لابن الجزري
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
رب
يسر ولا تعسر، بسم الله أبتدئ، وبكتابه أقتدي، وبسنّة نبيَه أهتدي. وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى اله
وأصحابه وسام تسلما كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد.. فإن حقوق الله تعالى أعظم من أن يقوم العبد بها، وأن نعمه اكثر من أن
تحصى وتعد، ولكن عباد الله أصبحوا نادمين، و أمسوا تائبين. فإن الله سبحانه وتعالى
له علينا حقوق، وشرط علينا شروطاً كثيرة، فينبغي لنا أن نؤديها.
فلا تكن يا أخي غافلاً عنها فأنت تحاسب بها يوم القيامة، وإذا أردت أمراً من أمور
الدنيا فعليك بالتردد فيه، فإن رأيته موافقاً لآخرتك فخذه، وإلا فقف عنه حتى تنظر
من أخذه? كيف عمل في? وكيف نجا منه? ونسأل الله السلامة.
وإذا أردت أمراً من أمور الآخرة فشمر إليه وأسرع من قبل أن يحول بينك وبينه
الشيطان.
وإياك أن تخون مؤمناً، فمن خان مؤمناً فقد خان الله ورسوله.
وعليك بتقوى الله والعمل بما علمك الله، والمراقبة لله تعالى حيث لا يراك أحد إلا
الله.
وإياك والحرام، فإنه لا يدخل الجنة لحم نبت من حرام.
وإياك والطمع، فإن الطمع هلاك الدين وإياك أن تضلل نفسك.
و أحذر يا أخي أن يراك الله مشتغلاً بغيره فتسقط من عينه، ولا تكن غافلاً عنه فإنه
ليس بغافل عنك.
وعليك بتقوى الله العظيم وأن لا يفارق ذكر الموت قلبك، وأن يكون ذكر الله عز وجل
لازماً لسانك وقلبك، وأن تديم النظر في كونه مطلعاً عليك.
فعليك بالاستغفار لما قد سلف عن ذنوبك، واسأل الله السلامة لما بقي من عمرك. وإياك
أن تخرج من الدنيا على غير توبة.
واعلم يا أخي أنك ميت، ومبعث، ومحاسب بعملك، ثم الوقوف بين يدي الله وأنت خاضع
وذليل، قد نشر ديوانك وطهر كتابك، والجنة عن يمينك والنار عن يسارك والصراط بين
يديك والله عز وجل مطلع عليك، يقول لك: إقرأ كتابك.. وأنت مشفق مما فيه حذراً من
فضائحه ودواهيه. فإن كنت سعيداً فإلى جنة عالية، وإن كنت شقيا فإلى نار حامية.
فتزود يا أخي لنفسك... ومثل الآخرة عليك بقلبك. واجعل الموت بين عينيك.. ولا تنس
وقوفك بين يدي الله عز وجل... وكن من الله على وجل.. وأد فرائض الله... وكف عن
محارم الله وخالف هواك.. واذكر الله عز وجل في كل وقت.. واحمد الله على كل حال..
واجعل شوقك إلى الجنة... واستعذ بالله تعالى من النار.. وإياك ومخالفة الله تعالى
فيما أمرك به ودعاك إليه.. واعلم أن بين يديك أهوالا وموقف.
فإن استطعت يا أخي أن تعد لك كل يوم زاد لما بين يديك فافعل، فإن الأمر أعجل من
ذلك.
فتزود يا أخي لنفسك وخذ في جهازك، وكن وصي نفسك..
واعلم يا أخي أن الليل والنهار لا يرجعان، والعمل لا يعود والطالب حثيثما، والليل
والنهار يسرعان في هدم نفسك وفناء عمرك وانقضاء أجلك.
فلا تطمئن يا أخي حتى تعلم أين مسكنك ومصيرك ومستقرك ومنزلك.
فانظر لنفسك، واَقض ما فاتك، وأقض ما أنت قاض من أمرك. وكأني بالأمر يأتيك على
بغتة .
وإنني لا أقول ولا اًعلم أحدا أشد تضييقاً مني لذلك، فكأنك بالقيامة وقد قامت، وبالنفس
الأمارة وقد لامت، وانفجعت عين طال ما نامت، ونحرت قلوب العصاة وقد هامت وقيل في
المعنى شعر:
غدا توفي النفوس ما كـسـبـت |
|
ويحـصـد الـزارعـون مـا |
زرعوا إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم |
|
وإن أساؤوا فبئس ما صنـعـوا |
فالـلـه ذو رحـمة وذو كــرم |
|
وإن جهلنا فـحـمـلـه يسـع |
يا رب اكتبنا الـيوم فـي مـلاء |
|
تمسكوا بالكتاب فانـتـفـعـوا |
و أغننا واعف عن جريمـتـنـا |
|
وافـن بـأمـن نـتـضــرع |
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:.
"يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة عطاشا سكارى حيارى من أهوال يوم القيامة،
لا يعلم الرجل بالمرأة، ولا تعلم المرأة بالرجل" .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ثم يوكل الله بكل رجل وامرأة ملكين يسوقانه
إلى المحشر" وذلك قوله تعالى: "وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد"
قال
أيضا: "ثم تقف الخلائق يومئذ مائة وعشرين صفاً،ُ أمة محمد صلى الله عليه وسلم
معزولون، وهم ثمانون صفاً، ينظرون إلى السماء، وكل أحد منهم مشغول بنفسه، نادم على
أفعاله" قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ثم يقفون ثلاثمائة سنة من سنين
الدنيا، مائة سنة في العرق يلجمون: ومائة سنة في الظلمة يتحيرون، ومائة سنة بعضهم
في بعض يموجون. قد شخصت منهم يومئذ الأحداق، وتطاولت الأعناق، وكثر العطش، وقل
الإلتفات، وانقطعت الأصوات وضاقت المذاهب، واشتد القلق، وعظمت الأمور، وطاشت
العقول ، وكثر البكاء، وفنيت الدموع، وبرزت الخفيات، وظهرت الخطيئات، وبانت
الفضائح، وظهرت القبائح، ووضعت الموازين، ونشرت الأعلام، وبرزت الجحيم، وزفرت
النار، وبئس الكفار، وشاب الصغير وسكت الكبير، وسعرت النيران، وتغيرت الألوان،
وعظمت الأهوال، وطال القيام، وانقطع الكلام، فلا تسمع إلا همساً".
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "ثم يأمر الله ملكاً أن ينصب الصراط على متن
جهنم، وهو أرق من الشعرة، وأحدّ من السيف. طوله ألف عام، عليه كلاليب وخطاطيف، وله
سبعة جسور.
فأول ما يحاسب العبد على الإيمان، فإن سلم وإلا هوى في النار. والثاني يحاسب على
الصلاة، فإن سلم وإلا هوى في النار . والثالث يحاسب على الزكاة، فإن سلم وإلا هوى
في النار. والرابع يحاسب على الصيام، فإن سلم وإلا هوى في النار. والخامس يحاسب
على الحج، فإن سلم وإلا هوى في النار. والسادس يحاسب على الوضوء، فإن سلم وإلا هوى
في النار. والسابع يحاسب على بر الوالدين، فإن سلم وإلا هوى في النار.
ثم ينادي مناد. يا محمد: قدم أمتك على الحساب، والجواز على الصراط، فمنهم من يجوز
على الصراط كالبرق الخاطف، ومنهم من يجوز عليه كالريح العاصف، ومنهم من يجوز
كالفرس الجواد، ومنهم من يجوز يحبو على ركبتيه، ومنهم، يجوز يزحف على وجهه، ومنهم
من يجز على وجهه ثم ينجو، ومنهم من يسقط على وجهه في النار. أعاذنا الله وإياكم
عنها.
الحشر يوم القيامة
إخواني:
تفكروا ما في الحشر والميعاد، ودعوا طول النوم والرقاد، وتفقدوا أعمالكم، فالمناقش
ذو انتقام. إن في القيامة لحسرات، وإن عند الميزان لزفرات. فريق في الجنة، وفريقه
في السعير. ففريق يرتقون إلى الدرجات، وفريق يهبطون إلى الدركات، وما بينك وبين
هذا الأمر إلا أن يقال: فلان قد مات.
يا من كان له قلب فمات.. يا من كان له وقت ففات.. أشرف الأشياء قلبك ووقتك، فإن
أنت ضيعت وقتك وأهملت قلبك فقد ذهب منك الفوائد، إن كنت تبكي على ما فات فابك على
فرقتك، وإن كنت تبكي على ما مات فابك على قلبك.
وقيل في المعنى شعر:
تأهب للذي لا بـد مـنـه |
|
فإن الموت ميقات العبـاد |
أترضى أن تكون رفيق قوم |
|
لهم زاد وأنت بغـير زاد |
وقال
أبو أيوب رضي الله عنه: "مررت بواعظ وهو يقول لأهل مجلسه : اعملوا فإن
أعمالكم تعرض على موتاكم ومعارفكم من الموتى، قال أبو أيوب: اللهم لا تفضحني على
رؤوس عبادك يوم القيامة".
وقال صلى الله عليه وسلم: "يحاسب الناس يوم القيامة على ثلاثة أنفار: يوسف
الصديق، وسليمان ابن داود، وأيوب عليهم السلام. فأول ما يدعى بالمماليك، فيقول: ما
شغلكم عن طاعتي? فيقولون: يا ربنا، جعلتنا تحت الآدميين، وابتليتنا بالرق فاشتغلنا
بخدمتهم عن خدمتك، فيدعى بيوسف عليه السلام، فيقول الله عز وجل: هذا كان مملوكاً
وما شغله ذلك عن طاعتي، ثم يأمر بهم إلى النار.
ثم يدعى بأهل البلاء، فيقول الله عز وجل: ما شغلكم عن عبادتي? فيقولون: يا ربنا،
ابتليتنا ببلائك فشغلنا ذلك عن عبادتك، فيدعى بأيوب عليه السلام، فيقول: هذا
ابتليته بأشد البلاء، وما شغله ذلك عن طاعتي، فيؤمر بهم إلى النار.
ثم يدعى بالأغنياء، فيقول لهم: ما شغلكم عن طاعتي? فيقولون: يا ربنا، أعطيتنا
المال فاشتغلنا به عن طاعتك، فيدعى بسليمان عليه السلام، فيقول: هذا أعطيته المال
أكثر مما أعطيتكم، وما شغله ذلك عن طاعتي، فيؤمر بهم إلى النار".
حاسب نفسك
إخواني: للدنيا تخدمون، وبالليل على فراشكم تنامون، ثم تقولون وانتم لا تفعلون، وكم تعاهدون وتنقضون، وكم تشاهدون اليسر ولا تعتبرون.
يا
مضيعون الأعمار في الغفلة على ماذا تتكلون? والموت والحسام والعقالب بين أيديكم..
أما تعلمون? كلا سوف تعلمون، ثم كلا سوف تعلمون، هنالك تطلبون الإقالة فلا تقالون،
وتطلبون الرجعة فلا ترجعون.
أي تطلبون الرجعة إلى الدنيا طمعاً في أن تعملوا عملا صالحاً غير الذي كنتم
تعملون، فلا إلى الدنيا ترجعون، فإنا لله و إنا إليه راجعون.
وقال الحسن البصري: "عجبت لأقوام أمروا بالزاد ونودي فيهم بالرحيل وهم
يلعبون".
وقيل في المعنى شعر:
لو يعلم الخلـق مـا يراد بـهـم |
|
وأيمـا مـورد غـــدا يردوا |
ما استعذبـوا لـذة الـحـياة ولا |
|
طاب لهم عيشهـم ولا رقـدوا |
خوفا من العرض والصراط على |
|
نار تلـظـي وحـرهـا يقـد |
قال
إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه : "دخلت على بعض إخواني أعوده، فجعل يتنفس
ويتأسف، فقلت له: على ماذا تتنفس وتتأسف? فقال: ما تأسفي على البقاء في الدنيا،
ولكن تأسفي على ليلة نمتها، ويوم افطرته، وساعة غفلت فيها عن ذكر الله
تعالى"..
وقال الجنيد رضي الله عنه : "لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا ".
وقال بعض الصالحين: "لي أربعون سنة ما غمني إلا طلوع الفجر".
وقيل لزيد بن هارون: "كم تصلي في الليل? فقال: أو أنام منه شيئاً إذا لا أنام
الله لي منه عيناً أبداً ".
وروي عن مطرف رضي الله عن أنه كان يقول: "لا يراني الله آكلا نهاراً، ولا
نائماً ليلاً أبداً".
وكان ثابت البناني رضي الله عنه يصلي كل يوم ثلاثمائة وستين ركعة، وكان يقول في
دعائه: "اللهم إن كنت أعطيت أحداً الصلاة في فبره، فأعطني ذلك. وذكر بعض
أصحابه أنه كان يقول:"رأيته في منامي وهو قائم يصلي في قبره".
وروي عن علي بن عبد الله عنه، أنه كان يسجد في كل يوم ألف سجدة وكانوا يسمونه
السجاد.
وروي عن أويس القرني رضي الله عنه أنه قال:"و الله لأعبدن تعالى عبادة
الملائكة ، فليلة معظمها قائماً ، و ليلة معظمها سجداً" و قيل أن عامر بن قيس
رضي الله عنه كان يقول: "و الله لاجتهدن ، فإن نجوت فبرحمة الله ، و أن هلكت
فبعد جهدي" و كان مسروق رضي الله عنه يصلي حتى انتفخت عيناه و قدماه.
و كان مسلم الخولاني رضي الله عنه قد علق صوتاً ببيته يخوف به نفسه ، و كان يقول
لنفسه: "قومي خيراُ لله، فو الله لأرجفن بك حتى يكون الكل منك لامني. فإذا
دخل أنفرد و تناول السوط، فيضرب به رجليه و يقول لنفسه: " أنت أحق بالضرب من
دابتي" ..
وكان يقول: لا يظن أصحابي أنهم قد فازوا، فو الله لزاحمهم يوم القيامة حتى يعلموا
أنهم خلفوا ورائهم رجالاً".
وكان ضيغم قد تعبد قائماً حتى أقعد، ومقعداً حتى استلقى، ومستلقياً حتى مات وهو
ساجد، وكان يقول في دعائه: لا اللهم إني أحب لقاء فأحبب".
وقالت امرأة حسان رضي الله عنها: "كان حسان إذا آوى إلى فراشه جعل يخادعني
كما تخادع المرأة ولدها، فإذا نمت شد روحه وقام إلى الصلاة، فأقول له: يا عبد الله
رفقاً بنفسك، فيقول: اسكتي، ويحك، فو الله لأرقدن رقدة لا أقوم منها زمناً
طويلا" .
وكان الربيع بن خثيمة رضي الله عنه لا ينام الليل ويخاف البيات، وكان يبكي ليلاً
ولا نهاراً، ولا يفتكن البكاء.
وكان السري السقطي رضي الله عنه يدافع البكاء في أول الليل، فإذا نام الناس أخذ في
البكاء إلى الصباح .
وكان ضيغم رضي الله عنه يقول:"لو علمت أن رضاه لي في تقريض لحمي بالمقاريض
لفعلت ذلك ".
وكان بشر رضي الله عنه لا يزال مهموماً، فقيل له في ذلك، فقال: "إني مطلوب،
وكان لا ينام الليل": وكان يقول: "أخاف أن يأتيني أمره وأنا نائم".
وكانت أم سليمان رضي الله عنها، على نبينا وعليه افضل الصلاة والسلام تقول له:
"يا بني، لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرا يوم
القيامة. يا بني، من يرد الله لا ينام الليل لأن من نام الليل ندم بالنهار".
وقيل في المعنى شعر:
يا أيها الغافل جد في الرحـيل |
|
وأنت في لهـو وزاد قـلـيل |
لو كنت تدري ما تلاقي غـدا |
|
لذبت من فيض البكاء والعويل |
فاخلص التوبة تحظـى بـهـا |
|
فما بقي في العمر إلا القلـيل |
ولا تنم إن كنـت ذا غـبـطة |
|
فإن قـدامـك نـوم طـويل |
وقال
بعض الصالحين رضي الله عنه: "كانت رابعة العدوية رضي الله عنها تقوم الليل،
وتهجع عند السحر، فإذا انتبهت قالت: يا نفس، كم تنامي? يوشك أن تنامي فلا تقومي
إلى يوم القيامة ".
وروي عن يحيى بن زكريا عليهما السلام، أنه شبع ليلة من خبز الشعير، فنام عن حزبه،
فأوحى الله تعالى إليه: "يا يحيى، هل وجدت داراً خيرا من داري، أو جواراً
خيرا من جواري، وعزتي و جلالي لو اطلعت على الفردوس إطلاعة لذاب جسمك وذهبت نفسك،
ولو اطلعت على وجهي إطلاعة لتبكين الصديد بدل الدموع، ولتلبس الحديد بدل
المسوح" .
وقيل: أوحى الله تعالى. إلى داود عليه السلام: "يا داود، إذا حدثتك نفسك
بالنوم فاذكر مصرع أهل النار، وصول الزبانية، وغلق أبواب جهنم، فإنك إن فعلت ذلك انتفى
النوم عنك. يا داود، خذ حظك من الليل ولا تغفل عن الصلوات، واجعل موضوع الضحك بكاء
خوفاً مني أنجيك من حر نار جهنم يوم القيامة.
وكان سعيد بن المسيب يقول: "أيما رجل قام من الليل فتوضأ وصلى ركعتين، إلا
تبسم الجبار في وجهه وقال: "يا ملائكتي، أشهد كم أني قد غفرت له".
وقيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام:"يا داود، قل لبني إسرائيل: من
صلى في السحر ركعتين بقلب حاضر توجه الله بتاج كرامته يوم القيامة".
وحكي عن واصلة بن هشام رضي الله عنه أنه كان يصلي الليل كله، وإذا كان وقت السحر،
قال: "إلهي، ليس مثلي يسألك الجنة، ولكن أجرني من النار".
وكان عمر بن عتبة رضي الله عنه يخرج كل ليلة إلى المقابر، ويقول: "يا أهل
القبور، طويت الصحف ورفعت الأقلام، ثم يصف قدميه ويصلي إلى الصباح".
وكان أسيد رضي الله عنه إذا آوى إلى فراشه يتقلب كالحبة على المقلى، ويقول:
"إنك لين وفراش ألين منك. ولا يزال راكعاً وساجداً إلى الصباح".
وكان الأسود رضي الله عنه يصوم في الصيف وشدة الحر حتى يحمر مرة ويصفر مرة أخرى.
وكان سفيان الثوري.رضي الله تعالى عنه من شدة تفكره يبول الدم، وكان إذا سمع
المؤذن يتغير لونه ويبكي حتى يغمى عليه.
وكان أبو عبيدة الخواص رضي الله عنه يبكي ويقول: "قد كبرت فاعتقني من
النار".
وكان يزيد الرقاشي رضي الله عنه يبكي حتى أظلمت عيناه وأحرقت ألد موع مجاريها.
وكان مالك بن دينار رضي الله عنه يبكي حتى سودت الدموع خده، وكان يقول: "لو
ملكت البكاء لبكيت أيام حياتي".
وقيل لعطاء السلمي رض الله عنه: ما تشتهي? فقال: "أشتهي أن أبكي حتى لا أقدر
أن أبكي"، وكان يبكي في الليل والنهار، وكانت دموعة سائلة على خديه.
وكان حذيفة رضي الله عنه يبكي بكاء شديداً، فقيل له: "ما بكاؤك? فقال: لا
أدري على ما أقدم? على رضا أم على سخط?".
وبكى معاذ رضي الله عنه بكاء شديداً، فقيل له:"ما يبكيك? فقال: لأن الله عز
وجل قبض قبضتين، فجعل واحدة في الجنة، والأخرى في النار، فأنا لا أدري من أي
الفريقين أكون".
وقال الفضيل بن عياض رضي الله عنه: "بكى أبني علي رضي الله عنه، فقلت له: يا
بني، ما يبكيكَ? فقال: يا أبت، إني أخاف أن لا تجمعنا القيامة وتفرق بيننا".
وقيل لزيد بن يزيد رضي الله عنه: "ما لنا لا نرى عينك تجف من الدموع، فقال:
إن الله توعدني إن أنا عصيته يسجنني في النار "..
وقيل: إن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال له عليه
الصلاة والسلام: "يا جبريل، ما بكاؤك? فقال: يا محمد، ما غفلت عيني منذ خلق
الله جهنم مخافة أن أعصيه، فيلقيني فيها" .
وقال عليه الصلاة والسلام: "ما أتاني جبريل عليه السلام إلا وهو يرعد خوفاً
من الجبار، فقلت له: يا جبريل مما هذا البكاء وهو الخوف? فقال: يا محمد، والذي
بعثك بالحق نبياً ما ضحكت منذ خلق الله تعالى جهنم، فقلت له: يا جبريل، صفها لي،
فقال: يا محمد، أرضها الرصاص، وسقفها النحاس، وحيطانها الكبريت" .
وقيل: "مر عيسى عليه السلام بفتى قائم على صخرة وحوله دم طري ودم يابس، فقال
عيسى عليه السلام: ما الذي أصابك? فقال: يا روح الله، دخل علي خوف جهنم في قلبي،
فانشق له قلبي وجلدي وسائر لحمي، فهذا الدم الذي يسيل من جسدي لذلك. فخرج عيسى
عليه السلام إلى قومه وجمع الناس، وقال: هذا من أبناء الدنيا وخاف النار فانشق
جلده وسائر جسده ولم يدخلها، فكيف حال من دخلها ".
وقيل:
"مر بعض العصاة بمقبرة، فتناول عظاما فتفتت في يده، فقال: ويل من تقصيري،
وإلى هذا مصيري. فذهب إلى أمه فقال لها: يا أماه، مالي آبق، وما يصنع بالأبق إذا
وجده سيده، فقد وجدت شدة، فقالت: يا بني، لا تضيق علي، فصاح صيحة وخر مغشياً عليه،
فقالت له: يا بني، فأين يكون التقي? فقال: يا أماه، إذا قدمت على يوم القيامة فسلي
عني مالكا خازن النار،. ثم صاح صيحة عظيمة فمات. فنودي عليه بين الناس من يصلي على
قتيل جهنم".
وقيل في المعنى شعر:
لما تذكرت عذاب النـار أزعـجـنـي |
|
ذاك التذكر عن أهـلـي و أوطـانـي |
فصرت في القفر أراعي الوحش منفرداً |
|
كما تراني على وجـدي وأحـزانـي |
وهذا قليل لمثلي في جـراءتـه |
|
فما عصى الله عبد مثل عصياني |
نادوا علي وقولوا في مجالسكـم |
|
هذا المسيء وهذا المذنب الجاني |
فما بكيت ومما قصرت عن زللي |
|
ولا غسلت بماء الدمع أجفانـي |
قال
إبراهيم الخواص رضي الله عنه: "كنت كثير المشي إلى المقابر، فجلست يوما
فغلبتني عيناي فنمت،فسمعت قائلاً يقول: خذوا سلسلة فأدخلوها في فيه وأخرجوها من
أسفله، وإذا الميت يقول: يا رب، ألم أكن أصلي? ألم أكن أقرأ القرآن? ألم أكن أحج
البيت الحرام? وإذا بقائل يقول: بلى، ولكنك إذا خلوت بالمعاصي لم تراقبني".
وكان ضيغم قد حج عشرين حجة، وجاهد عشرين سنة، فلما مات رؤي في النوم، فقيل له:
"ما فعل الله بك? فقال: أوقفني بين يديه، وقال: بماذا جئتني? فقلت: يا رب بحج
عشرين سنة، فقال: ما قبلت منها شيئا، فقلت: بقراءة القرآن عشرين سنة، فقال: ما
قبلت منها شيئآَ، فقلت: بجهاد عشرين سنة فقال: ما قبلت منها شيئاً، فقلت: يا رب،
أنا بين يديك فقيراً، فقال: وعزتي و جلالي لولا اطلاعي عليك يوماً وقد خرجت من
بيتك إلى صحن دارك لتنظر وقت الزوال لئلا يفوت الوقت احتراز لما فرضته عليك لعذبتك
في النار. فأدخلني الجنة".
وحكي عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه رؤي في المنام بعد موته، فسئل عن حاله،
فقال: "أقامني الله بين يديه وقال: يا حسن تذكر صلاتك في المسجد يوم كذا
وكذا، إذا رمقك الناس بأبصارهم فزدت حسناً في صللاتك، وعزتي و جلالي لولا أن صلاتك
لي خالصة لطردتك عن بابي، ولقطعتك عني مرة واحدة ".
اعرف قدرك عند الله
يا
هذا ، إن أردت أن تعرف قدرك عند الملك فانظر بم تشتغل? إن كنت من أهل القرب خالص
العمل، وإن كنت من أهل البعد قطعك بمقاطع الأمل.
كم بالباب من واقف بقصة ما يدخل إلا من به نال ماتمى،ويعطي ما سئل. نحن قسمنا ما
كان وما يكون.
وقيل إن بعض الرجال الصالحين قام ليلة يتهجد، فسبقه مدامعه ، فقال:"يا رب،
أما ترحم بكائي? فنودي: إن شئت فابك، وإن شئت فلا تبك، لو بكيت الدماء ما صلحت
لك".
وقيل أوصى الله تعالى إلى داود عليه لا السلام: " ليس كل من صلى قبلت صلاته،
ولا من عبد الله قبلت عبادته، يا داود، كم من ركعة لا تساوي عندي شيئاً، لأني نظرت
إلى قلب صاحبها فوجدته إن برزت له امرأة متعرضة أجابها، وإن عامله إنسان في تجارة
خانه. يا داود، طهر ثيابك الباطنة، لأن الظاهر لا ينفعك عندي، وأني بكل شيء
محيط".
قالع رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بأقوام يوم القيامة لهم حسنات
كآمال الجبال، فيؤمر بهم إلى النار، فقالوا: يا رسول الله، وكيف ذلك? فقال صلى
الله عليه وسلم: كانوا يصلون كما تصلون، ويصومون كما تصومون، لكنهم كانوا إذا لاح
لهم شيء من الدنيا وثبوا عليه ".
وقيل:
مر عيسى عليه السلام بقرية، فإذا أهلها في الأزقة والطرق موتى، فقال: يا معشر
الحواريين، إن هؤلاء ماتوا من سخط الله تعالى، فقالوا: يا روح الله، وددنا لو
علمنا بخبرهم. فأوحى الله تعالى إليه: يا عيسى، إذا كان الليل نادي:ة?نهم يجيبونك.
فلما كان الليل ناداهم: يا أهل القرية، ما حالكم، وما أصابكم، وما قصتكم? فأجابه
مجيب: لبيك يا روح الله، بيأ نحن بتنا في عافية أصبحنا في الهاوية، فقال: وما ذلك?
فقال: يا روح الله، بحبنا للدنيا وعصياننا المولى في الآخرة، فقال عيسى عليه
السلام: فما بال أصحابك لا يجيبوني? فقال: إنهم ملجمون بلجام من نار بأيدي ملائكة
غلاظ شداد، فقال عيسى عليه السلام: وكيف تجيبني أنت من بينهم، فقال: إنني كنت
نزيلا عندهم ولم أكن منهم، فلما نزل بهم العذاب أصابني معهم، فإني معلق على شفير
جهنم ولا ادري أنجو منها أم ألبث. فيها. فقال عيسى عليه السلام: إنا لله و إنا
إليه راجعون.
وقال بعض للصالحين: رأيت أبا عبد الله بن أبي سلمة في المنام، فقلت له: كيف حالك?
فقال: يا أخي، نمشي غافلين، ونقف غافلين، فعشنا معهم غافلين، ومتنا غافلين.
آفات الغفلة
إخواني
لا ظلم أشد من الغفلة، ولا عمى أشد من عمى القلب، ولا خذلان أشد من التسويف.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليلة أسري بي إلى السماء، رأيت أقواما
تقرض شفاهم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل? فقال: هؤلاء خطباء أمتك يوم
القيامة يقولون ولا يفعلون، ويقرءون كتاب الله ولا يعملون به، ويجدون ولا يصبرون
".
وقال عليه الصلاة والسلام: "يأتي على أمتي زمان يتعلمون القرآن ويحفظون
حروفه، ويضيعون حدوده، فويل لهم مما حفظوا، وويل لهم مما ضيعوا".
وقال عليه الصلاة والسلام: " من لقي الله وهو مضيع للصلاة لم يعبأ الله بشيء
من حسناته ".
وقيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، قل لبني إسرائيل، من ترك
صلاة واحدة لقيني يوم القيامة وأنا عليه غضبان.
وقال عليه الصلاة والسلام: "من ترك الصلاة عمدا بريء من دينه، ومن لم يصل فقد
كفر".
وقال عليه الصلاة والسلام: "عشرة من أمتي يسخط الله عليهم يوم القيامة ويؤمر
بهم إلى النار، قيل: يا رسول الله، من هؤلاء? قال: أولهم الشيخ الزاني، والإمام
الجائر، ومدمن الخمر، ومانع الزكاة، واكل الربا، والذي يطلق ويمسك، والذي يحكم
بالجور، والماشي بالنميمة، وشاهد الزور، وتارك الصلاة، والذي ينظر لوالديه بعين
الغضب".
وقال عليه الصلاة والسلام: "أخبرني جبريل عليه السلام أن في النار كهوفاً
ومضائر أعدت لقاطع الرحم، والعاق لوالديه".
وقال عليه الصلاة والسلام: "ليعمل البار لوالديه ما شاء من الخطايا، فلا يدخل
النار، وليعمل العالق لوالديه ما شاء من الطاعات، فلن يدخل الجنة، ولا تنفعه
الطاعة ولا تنفعه الشفاعة".
إياك وعقوق الوالدين
وقيل:
سأل موسى عليه السلام ربه أن يريه رفيقه في الجنة? فأوحى الله تعالى: يا موسى،
انطلق إلى مدينة كذا وكذا، فإنك ترى رفيقك في الجنة. فسار موسى عليه السلام حتى
انتهى إلى المدينة، فتلقاه شاب فسلم عليه، فقال له موسى عليه السلام: عليك يا عبد
الله السلام، أنا ضيفك الليلة. فقال له الشاب: يا هذا، رضيت إن رضيت بما عندي
أنزلتك وأكرمتك، فقال له موسى عليه السلام: قد رضيت بما عندك.
فأنزله، وأخذه الشاب ومضى إلى حانوته، وكان الشاب جزاراً، فأجلسه حتى فرغ من بيعه
وشرائه، وكان الشاب لا يمر بشحم ولا مخ إلا عزله، فلما كان وقت الإنصراف أخذ بيد
موسى عليه السلام، وانطلق به إلى منزله، ثم أخذ الشاب الشحم والمخ وطبخه.
ثم دخل بيتاً فيه قفتان معلقتان في السقف فأنزل أحدهما إنزالا رفيقاً، وإذا فيها
شيخ كبير قد سقط حاجباه على عينه من الكبر، فأخرجه من القفة وغسل وجهه وثيابه
وبخرها، ثم ألبسه إياها، ثم أخذ خبزاً وثرده، وصب عليه الشحم والمخ وأطعمه حتى
شبع، وسقاه حتى روي، فقال الشيخ: يا ولدي لا خيب الله سعيك معي، وجعلك رفيقاً
لموسى بن عمران في الجنة.
ثم
أنزل القفة الثانية وفعل بها مثل الأولى، وإذا فيها عجوز كبيرة، فصنع معها مثل ما
صنعه بالشيخ، فقالت: الحمد لله يا ولدي الذي لا خيب الله سعيك معي، وجعلك رفيق
موسى بن عمران في الجنة. ثم ردهما إلى مكانهما.
وخرج موسى عليه السلام وهو يبكي رحمة لهما، فتبعه الشاب وقدم له طعاماً، فقال: يا
أخي، ما أنا محتاج إلى طعامك، ولكن سألت الله أن يريني رفيقي في الجنة، فأوحى الله
تعالى إلى أن رفيقي في الجنة أنت، فقال الشاب: من أنت يرحمك الله? فقال: أنا موسى
بن عمران، فخر الشاب مغشياً عليه، و دخل على والديه وأخبرهما أن الله عز وجل قد
استجاب دعاءهما وأن هذا موسى قد أخبره بذلك عن رب العالمين. فلما سمعا ذلك شهقا
فماتا معاً، فغسلهما موسى وصلى عليهما، وصحبه الشاب إلى أن مات رضي الله عنه.
وقيل: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: يا موسى، من بر والديه فليس له عندي
جزاء إلا الجنة، ومن لم يبر والديه فليس له عندي جزاء إلا النار.
وقال أحمد التمار رضي الله عنه: مات لي أخ في الله تعالى، فرأيته في المنام، فقلت
له: ما فعل الله بك? فقال لي: منعني بعقوق الوالدين أن لا أشم رائحة الجنة وأنا
منتظر قدومهما لعلهما يرضيان عني فيرضى الله علي.
إياك والزنا
وقيل:
أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، قل لبني إسرائيل: إياكم وعقوق
الوالدين ، وقتل النفس، وأكل الربا، والإصرار على الزنا. يا داود، أدنى ما أفعل
بالزاني أن أكوي حدقتيه ظاهراً وباطناً بمكاو من نار.
وقال صلى الله عليه وسلم: "يحشر الزاني يوم القيامة أنتن من ريح الجيفة"
وقال عليه الصلاة والسلام: "من صافح امرأة وقبلها وباشرها، فعليه الوزر في
الدنبا، والعقاب في الآخرة " .
لا تنظر إلى مالا يحل لك.
وقال عليه الصلاة والسلام: "من حفظ طرفه حفظ الله عليه أهله، ومن نظر إلى
عورة أخيه المسلم هتك الله عورته، وكحله بالنار يوم القيامة".
وحكي عن الشبلي رحمه الله تعالى أنه قال: رأيت فتى في الطواف تفرست فيه الخير،
فنظر الفتى إلى امرأة كانت تطوف، وإذا بسهم قد أصاب عينه، فذهبت إليه وأخرجت من
عينه السهم فإذا عليه مكتوب: نظرت بعينك إلى غيرنا فأعميناها، ولو نظرت بقلبك إلى
غيرنا لكويناه.
وقيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، كيف غفلت حتى مددت عينك إلى
ما لا يحل لك، يا داود، أما علمت أني غيور. يا داود، لو علمت ما سطر في الكتاب
لكففت عينك ولما جفت لك عين. يا داود، لولا سري فيك لمحوتك من ديوان الأنبياء. يا
داود إني جعلت في النار قطعاً من الزجاج والرصاص لمن ينظر إلى ما لا يحل له. يا
داود، من نظر إلى ما لا يحل له حرمت عليه النظر إلى وجهي.
وحكي عن يحيى بن زكريا عليهما السلام أنه قال لعيسى عليه السلام:لا تكن حديد النظر
إلى ما لا يحل لك فإنه لن يزني فرجك ما حفظت عينك، فإن استطعت أن لا تنظر إلى ثوب
المرأة التي لا تحل لك فافعل، ولن تستطيع ذلك إلا بإذن الله تعالى.
وقيل: إن حسان بن ثابت رضي الله عنه خرج يوم عيد، فصلى ثم عاد إلى زوجته، فقالت
له: يا حسان، كم رأيت من وجه مليح? فقال: والله رفعت. طرفي ولا علمت ما كان من
الناس، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من نظر إلى ما لا يحل
له حرم الله عليه النظر إلى وجهه وألقاه في النار".
وقيل: إن أبا عبيدة التراز - وأنه أبو عبد الله الرزاز - رضي الله عنه، رؤي في
المنام بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك، فقال: أوقفني بين يديه وغفر لي كل ذنب
عملته إلا ذنبا واحداً استحيت أن أذكره، فأوقفني في العرق حتى سقط لحم وجهي، فقيل:
وما هو? فقال: نظرت إلى شخص جميل فاستحيت أن أذكره.
وقيل: إن راهبا تعبد في صومعته ستين سنة، فقال في نفسه: لو نزلت إلى الأرض ومشيت
فيها لأنظر إلى ثمارها وأنهارها ، فنزل ومعه رغيف، فتعرضت له امرأة فلم يملك نفسه
إلى أن واقعها، ورأى كل سائلاً فأعطاه الرغيف ومات في تلك الحالة، فجيء بعمل ستين
سنة فوضع في كفة من الميزان، ثم جيء بالخطيئة فوضعت في الكفة الأخرى، فرجحت على
عمل الستين، ثم جيء بالرغيف فوضع في أعماله فرجحت أعماله على خطيئته.
وقيل:إن
بعض الصالحين تعرضت له امرأة في طريقه فلم يلتفت إليها، فلما كان الليل كتبت له
رقعة وهي تقول فيها: الله الله في أمري، فكل عضو مني مشغول بحبك فلما وقف على
الرقعة تشوش باطنه. وكتب إليها: إن الله تعالى إذا عصاه العبد أول مرة حلم عليه،
وإذا عصاه ثاني مرة ستره، وإذا عصاه ثالث مرة غضب عليه غضباً تضيق منه السموات
والأرض، فمن ذا يطيق غضب الله سبحانه وتعالى. فلما وقفت على الرقعة لزمت بيتها
وتابت إلى الله تعالى.
وحكي أن رجلاً خلا مع امرأة، فقال لها: إغلقي الأبواب وارخي الستور، ففعلت ذلك،
فلما دنا منها قالت له: إنه بقي باب لم أغلقه، فقال لها: وأي باب هو? فقالت له:
الذي بينك وبين الله تعالى. فصاح الرجل صيحة، فخرجت روحه فيها.
وقال بعض الصالحين: رأيت حداداً وهو يخرج الحديد من النار بيده ويقلبها باًصابعه،
فقلت في نفسي: هذا عبد صالح، فدنوت منه وسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت له: يا
سيدي، بالذي عليك بهذه المنزلة ألا ما دعوت الله لي، فبكى وقال: يا أخي، ما أنا من
القوم الذين تزعم ، ولكن أحدثك أمري، وذلك أني كنت كثير المعاصي والذنوب، فوقعت
على امرأة من أحسن الناس وجهاً، فقالت لي: هل عندك شيء لله تعالى، فأخذت قلبي?
فقلت لها أمضي معي إلى البيت وادفع لك ما يكفيك، فتركتني وذهبت ثم عادت وهي تبكي،
وقالت: والله لقد أحوجني الوقت إلى أن رجعت إليك، فأخذتها ومضيت بها إلى البيت ثم
أجلستها، وتقدمت أليها، فإذا هي تضطرب كالسفينة في الريح العاصف، فقلت: مم
اضطرابك، فقالت: خوفا من الله تعالى أن يرانا على هذه الحالة، فإن تركتني ولم
تصبني فلا أحرقك الله بناره لا في الدنيا ولا في الآخرة.
فقمت عنها ودفعت لها ما كان عندي لله تعالى، فخرجت من عندي، وأغمي علي، فرأيت في
النوم امرأة أحسن منها، فقلت لها: من أنت? فقالت: أنا أم الصبية التي جاءت إليك،
هي من نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن يا أخي جزاك الله عني خيراً، ولا
أحرقك الله بناره لا في الدنيا ولا في الاخرة، فإنتبهت وأنا فرح مسرور فأنا من ذلك
اليوم تركت ما كنت عليه من المعاصي، ورجعت إلى الله تعالى.
إياك مخالفة الله في أمره
وقال
بعض الصالحين: رأيت غلاماً قد انقطع عن الناس وهو قائم يصلي، فانتظرته حتى فرغ من
صلاته، فسلمت عليه وقلت له: أما معك مؤنس? قال: نعم، قلت: و أين هو? قال: أمامي،
وخلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، ومن تحتي، فقلت في نفسي: إن عنده معرفة،
فقلت له: هل عندك زاد? قال: نعم، فقلت: وأين هو? قال: الإخلاص لله عز وجل
والتوحيد، والإقرار لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، قلت له: يا سيدي: إن لي عندك
حاجة، قال: وما هي? فقلت: أن تدعو الله تعالى لي، فقال: حجب الله طرفك من كل معصية
وألهمك بفكرة فيما يرضيه حتى لا يكون لك همة إلا هو، قلت: يا سيدي، متى ألقاك? قال
لي: أما اللقاء في الدنيا فلا تحدث نفسك بلقائي، وأما الآخرة فإنها لجميع المتقين،
وإياك أن تخالف الله تعالى فيما أمرك به وندبك إليه، وإياك إن كنت تبتغي لقائي
فاطلبني مع الناظرين إليه، قلت له: وكيف ذلك، قال: بتغضيض بصري عن كل محرم
واجتنابي عن كل مسكر، وقد سألت الله تعالى أن يجعل جنتي النظر إليه، ثم صاح يسعى
وأقبل يسعى، حتى غاب عن بصري.
وقال الأصمعي رضي الله تعالى عنه: رأيت، أعرابياً في الطواف وهو أرمد العينين
والقذى يسبل من عينيه وهو لم يزل قذاهما، فقلت له: ما بالك لا تزيل القذى من
عينيك? فقال: إن الطبيب زجرني عن ذلك، ولا خير فيمن لا يزجر بالطبيب، إذا نهاه فلا
ينتهي، فقلت له: أي شيء تشتهي? فقال: أشتهي لكن أحتمي، لأني رأيت أهل الجنة غلبت حميتهم
على شهوتهم، فهم لا يشتهون بعدها أبداً. ورأيت أهل النار غلبت شهوتهم على حميتهم
فلذلك افتضحوا وشقوا شقاوة لا يسعدون بعدها أبداً.
وحكي
عن الحسن البصري رضي الله عنه انه مشى خلف جزارة، فلما بلغ سكة الجزارة وقف وبكى
بكاء شديداً، فقيل له في ذلك، لقال: كان ههنا رجل عابد، فدخل يوما هذه السكة، فرأى
امرأة نصرانية، فافتتن بها فخاطبها، فامتنعت منه إلا أن يدخل في دين النصرانية،
فغلب عليه الشيطان، ودخل في دينها، فلما سمعت المرأة بذلك خرجت إليه وبصقت في
وجهه، وقالت له:أفٍ لك من رجل تركت دين الاسلام لشهوة ساعة وأنا تركت دين
النصرانية لشهوة ساعة، وأنا تركت دين النصرانية لشهوة الأبد، فأسلمت وقالت: أشهد
أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وحسن إسلامها.
وقال الحسن الرازي رضي الله عنه: رأيت ولدي في المنام عليه ثياب النيران، ومقطعات
النيران، فقلت له: يا بني، مالي أرى عليك زي أهل النار، فقال: يا أبت، حدثتني نفسي
بشيء، وغلبني هواي، وقد هوى بي في النار، فإياك يا أبت ثم إياك أن تضلل نفسك.
وقال سفيان الثوري رضي الله عنه: رأيت رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة، وهو يقول:
اللهم سلم، فقلت له: ما شأنك? ومم تطلب السلامة? فقال لي: يا أخي، كنا أربعة أخوة
تنصر أحدنا عِنْداً، وتهوَّد الآخر، وتمجس الثالث، وبقيت أنا خائفاً من الله
تعالى، وراغباً في السلامة.
وحكى بعضهم أنه اصطاد سمكتين، فنادته أحدهما: أتأخذني وأنا أطوع منك إلى الله
تعالى، فجاوبتها الأخرى: لا تمني عليه بطاعتك، فما عبده أحد إلا بما سبق له في
القدر.
وقال ذو النون المصري رضي الله عنه: مررت بدير فوجدت فيه رجلاً يعبد الشمس من دون
الله تعالى، فقلت له: يا شيخ لمن تعبد? فقال: الشمس، فقلت له: دع، واعبد الله الذي
خلقك وخلق السموات والأرض، والشمس والنجوم، والليل والنهار، والشجر والجبال، وخلق
كل شيء فقدره تقديراً، فقال: تصرم حبلي وفني عمري، ولا حصل لي تقوى الله، ولا
انصلح لي شأن، فو الله إنني خائف من فضيحتي منه، إذا نصب الميزان، يا ذا النون،
القلب مغلوق، والمفتاح معدوم، والشقاء قد قيد القدمين، والقضاء قد أعمى العينين،
وكيف لي بالصلح والباب في وجهي مردود وأنا منه مهزوم ومعبود. فقال ذو النون: يا
إلهي، هذا عبدك قد عزم على الصلح، والخير كله بيدك، فناداه المجوسي: يا ذا النون،
قد جاء المفتاح من عند الفتاح، فبكى ذو النون بكاء شديداً، فقيل له: تبكي? فقال:
إني خائف حين فتح عليه الباب أن يغلق في وجهي. فنودي: ياذا للنون، لا تظن بنا إلا
خيراً.
أقوال الصالحين في التوبة والإقلاع عن الذنوب
وقال
أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه: حججت سنة من السنين إلى بيت الله الحرام، فجعلت
أدعو وأتملق تملقاً، وإذا بهاتف يقول: يا أبا يزيد، لو دعوتنا بهذا الدعاء ألف
سنة، وحججت ألف حجة ما قبلنا ولا ذرة واحدة، فقلت: لماذا? قال: لأنك ترى عملك ولا
ترى من استعملك، قلت: يا رب، إذا لم تقبل مني عبادتي ولا عبري، وعزتك لأتقطعن
الوصال بيني وبينك، فقيل له: يا أبا يزيد إن كان بيدك فاقطعه، نحن أوصلناك نسيتنا،
فقلت: وعزتك لا ألبرح من حرمك حتى أعلم رضاك عني، فقل لي: قل يا أبا يزيد، ما
تريد? وعزتي و جلالي لو يعلم العالم ما أعلمه من باطنك لرجوك، فقلت: وعزتك وجلالك،
لو يعلم العالم ما أعلمه من كرمك ما عبدوك. وإذا بهاتف يقول: يا أبا يزيد، لا نقول
ولا تقول، أنت عندنا مقبول.
وقال يحيى بن سعيد رضي الله عنه: رأيت رب العزة في المنام، فقلت: يا !لهي أدعوك
وأنت لا تستجيب لي، فقال لي: إني أحب أن أسمع صوتك.
وقال سفيان الثوري رضي الله عنه: سمعت أعرابياً يقول في الطواف: إلهي من أولى
بالتقصير مني وقد خلقتني ضعيفاً، ومن أولى بالكرم منك وقد سميت نفسك رؤوفا، ولك
المنة علي وقد عصيتك بعلمك، ولك الحجة علي فبانقطاع حجتي ووجوب حجتك وفقري إليك
وغناك عني إلا ما غفرت لي.
وقال بشر بن الحارث رضي الله عنه: رأيت شاباً ولع به الوله، وهو يقول هذه الأبيات:
كم زللت فلم أذكرك فـي زلـل |
|
وأنت يا واحد في الغيب تذكرني |
كم أهتك السر جهراً عند معصيتي |
|
وأنت تلطف بي حباً وتستـرنـي |
ولا بكيت بدمع العين من أسـف |
|
ولا بكيت بكاء الواله الـحـزن |
وقال
بعض السلف الصالحين رضي الله عنهم: رأيت شاباً في سفح جبل وعليه آثار القلق،
ودموعه تنحدر كالموج إذا اندفع، فقلت له: ما أنت? فقال: عبد آبق من مولاه، فقلت له:
يعود ثم يعتذر، فقال: العذر يحتاج إلى إقامة حجة ولا حجة للمفرط، فقلت: يتعلق
بشفيع، فقال: كل الشفعاء يخافون منه، قلت: من هو? قال: مولاي، رباني صغيراً فعصيته
كبيراً، قد حباني من حسن صنعه فقابلته بقبيح فعلي، ثم صاح صيحة عظيمة ودفع مغشياً
عليه، فحرجت عجوز وقالت: من أعان على قتل هذا اليائس الحيران، فقلت: عبدك يعينك
عليه، فقالت: دعه ذليلا بين يدي قاتله عسى أن يراه بعين عفوه ورحمته.
وقيل في المعنى شعر:
إلهي لا تـعـذبـنـي فـإنـي |
|
مقر بالذي قـد كـان مـنـي |
ومـالـي حـيلة إلا رجـائي |
|
وعفوك إن عفوت وحسن ظني |
وكم من زلة لي في الخـطـايا |
|
وأنت علي ذو فضـل ومـن |
إذا فكرت في جرمي علـيهـا |
|
قرعت أناملي غيظا بسـنـي |
يظن الناس بـي خـيراً وإنـي |
|
أشر الناس إن لم تعف عنـي |
وقال
كعب الأحبار رضي الله عنه: أتى رجل فاحشة فدخل نهراً يغتسل فيه، فناداه إن إِ تتب
من هذا الزنا، فخرج ص من النهر فزعاً مرعوباً، وهو يقول: والله لا أعصى الله بعدها
ابداً.
وقال إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه: أتيت يوماً من الأيام بيت المقدس، وإذا فيه
حلقة عظيمة وفيهم شاب حسن الثياب وهو جالس على كرسي وعنده أشربة وأدوية، وهو يصف
لكل علة دواء، فأردت أن امتحنه، فقلت له: يا أخي، عندك دواء لهذا الجرح الذي أعضل
وتكامل، فنظر إلي وقال لي: إليك عني يا بطال، هذا الكلام كلام من عصى الله وساء
عمله، قل أستغفر الله، يا أخي عصيته ليلاً أو نهاراً? فقلت: نهاراً، فقال: صوماً
أو إفطاراً? فقلت: صوما فنظر إلي وقال: يا أخي، عليك بصحبة الأبرار، واجتناب
الأشرار، واخلع نعل الفخر من قدميك، ورداء الكبر من منكبيك ، وخذ من أهليج الخشوع،
وماء القنوع، وسناء الزهد، وورق الفقر، وعيدان الصبر، ودقه في هون التوكل، واطرحه
في طاجن القلق و أوقد تحته عيدان الصفا، فإن على فعليك بتحريكه بمغرفة المعرفة، وإذا
أزيد الحكمة حركه بأسطام الخشية، وفرغه في أقداح الفكرة، وروح عليه بمراوح
الاستغفار، واشربه بالعشي والأسحار، وتمضمض، عليه بالمراقبة، وقل في غسق الدجى:يا
من لا يقطع الرجاء.
وقيل في المعنى شعر:
يا رب أنت أمرتني ونـهـيتـنـي |
|
وسلكت في طرق الضلالة والهدى |
وعلمت أنـي لا أفـر مـن الـذي |
|
قدرت لي إن كـان خـيراً أوردي |
وسلكت بي ما شئت للسـر الـذي |
|
في الخلق قد أخفـيتـه يا سـيدي |
ودخلت في غير اختيار تـحـتـه |
|
فالعبد محكوم عـلـيه وإن عـدى |
فأقبل بفضلك توبتي لك مخلـصـا |
|
فارحم فإني قد بسطت لـك الـيدا |
وحكي عن بعض الصالحين أنه كان يقول في مناجاته: إلهي، كيف أفرح وقد عصيتك? وكيف أحزن وقد عرفتك? وكيف أدعوك وأنا خاطئ، وكيفا لا أدعوك وأنت كريم? وقيل في المعنى شعر:
ذنوبي وإن فكرت فيها عظيمة |
|
ورحمة ربي من ذنوبي أوسع |
وما طمعي في صالح قد عملته |
|
ولكنني في رحمة الله أطمـع |
وقال آخر:
إلهي أنت ذو فضـل ومـنّ |
|
وإني ذو الخطايا فاعف عني |
فظني فيك يا ربي جـمـيل |
|
فحقق يا إلهي فيك ظـنـي |
يظن الناس بي خيرا وإنـي |
|
أشر الناس إن لم تعف عني |
وقيل:
أذنب عبد لعبد العزيز بن عمر رضي الله عنهما ذنباً، فأوقفه بين يديه وأمر بضربه،
فقال له: يا مولاي، أما بينك وبين الله تعالى ذنب فأمهلك فيه، فقال: وأي ذنب ما
أمهلني، فقال: بالذي أمهلك إلا ما أمهلتني. فعفا عنه وتركه.
تم أذنب ثانياً، فأوقفه بين يديه وأمر بضربه، فقال: مولاي، أما عصيت الله تعالى
ثانياً فأمهلك، قال: بلى، فقال: يا مولاي، بالذي أمهلك إلا ما أمهلتني، فعفا عنه
وتركه.
ثم أذنب ثالثاً، فأوقفه بين يديه وأمر بضربه، فاًطرق برأسه إلى الأرض ولم يتكلم،
فقال له سيده: ما بالك لا تقول القول الذي كنت تقوله في كل مرة، فقال: يا سيدي،
منعني الحياء من كثرة ما أتوب ثم أعود.
وقيل في المعنى شعر:
عصيت مولاك يا سعيد |
|
ما هكذا تفعل العبـيد |
فراقب اللـه واتـقـيه |
|
يا عبد سوء غدا الوعيد |
قال
الحسن البصري رضي الله عنه: رأيت رب العزة في المنام، فقلت له: اللهم اغفر لي،
فقال: إن أحسنت فيما بقي غفرت لك فيما مضى، وإن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى وما
بقي.
وقال بعض الصالحين: رأيت شاباً وهو يقول: يا قديم الإحسان إحسانك القديم، فقلت له
يوماً: أراك لا تغفل عن هذه الكلمة، فقال لي: لذلك سبب عجيب، وذلك أن من عادتي إذا
كانت ضيافة أو عرس أبرز مثل النساء فاًتزر وأتقنع وأدخل بينهن وأجلس، فاتفق أن كأن
عرس في دار الأمير، فحضرت على العادة فضاعت جوهرة في دار الأمير، فأمر الأمير
بتفتيش النساء، فكشفوا عن اقنعتهن، وأنا كنت اقول: يا قديم الإحسان إحسانك القديم،
ونذرت مع الله نذراً إن سترني لا أعود إلى ذلك أبداً، فلما وصلوا إلي نودي في
القوم: أن اتركوا البقية فقد وجدنا الدرة. قال: فتبت من ذلك اليوم وعاهدت الله أن
لا أعود.
وقيل في المعنى شعر:
لا عدت أفعل ما قد كنت أفعلـه |
|
جهلاً فخذ بيدي يا خير من رحما |
هذا مقام ظلـوم خـائف وجـل |
|
لم يظلم الناس لكن نفسه ظلمـا |
فاصفح بعفوك عمن جاء معتذرا |
|
بذلة سبقت منـه وقـد نـدمـا |
مالي سقاك و لا علم و لا عمـل |
|
فامنن بعفوك يا من عفوه كرما |
وقال
بعض الصالحين: رأيت كأن القيامة قد قامت، وكأن الناس يساقون إلى الحساب، وأنا مع
طائفة منهم عليهم الحلل والتيجان، فمروا إلى ساحل بحر فجلسوا، فأردت أن أجلس معهم،
فقالوا: إليك عنا، فلست منا أطلب أصحابك المذنبين، فسرت قليلاً وإذا أنا بأقوام
على كراسي من نور فأردت أن أجلس معهم، فقال لي قائل منهم: لا تجلس معنا اطلب
أصحابك المذنبين، فمشيت قليلاً وإذا أنا بأقوام عليهم ثياب رثة، و وجوه غيره
مصفرة، فقالوا: إجلس معنا فأنت منا، فقلت: من أنتم? قالوا: "أصحابك المذنبين،
فجلست معهم وبقيت متفكراً في أمري، وإذا بسفينة من الذهب الأحمر، وشراعها من
السندس الأخضر، وإذا بمناد ينادي ويقول: هذه سفينة الأبرار المستغفرين بالأسحار،
فقامت طائفة وقالت: لبيك داعي ربنا وسعديك، ثم ركبوا فرحين مستبشرين حتى غابوا عن
أعيينا، ثم أقبلت سفينة من لؤلؤة بيضاء شراعها من السندس الأخضر، وإذا مناد ينادي
ويقول: أين العلماء ورثة الأنبياء، فقالوا: لبيك داعي ربنا وسعديك، فركبوا حامدين
شاكرين فرحين مستبشرين حتى غابوا من أعيننا ولم يبق على ساحل البحر غيرنا.
فبينما نحن في كرب شديد وغم وحزن ما عليه من مزيد، وإذا بسفينة قد أقبلت، وهي من
الياقوت الأحمر وشراعها من السندس الأخضر، فتأملت الشراع فإذا هي مكتوب عليها:
)ورحمتي وسعت كل شيء( ، ومناد ينادي ويقول: هذه سفينة الرحمة والتعطف، أين أهل
العصيان والتخلف? فركبنا مستغفرين ذاكرين الله تعالى.
ولم نزل في الرجاء والامتنان حتى أشرفنا على وادي العفو والغفران، فجاءنا توفيق من
الكريم المنان قد غفر لنا، فلما غفر لنا ما غفر لنا، وسر لنا ما سر لنا، ووهب لنا
ما وهب لنا، حمدنا الله تعالى غلى منه وكرمه.
وقال مالك بن دينار رضي الله عنه: رأيت إبن بشار في النوم بعد موته بسنة، فسلمت
عليه، فلم يرد علي السلام، فقلت له: ماذا لقيت بعد الموتي? فدمعت عيناه، وقال:
لقيت أهوالاً وزلازلاً عظاما شداداً، فقلت: وما كان بعد ذلك? فقال: وما يكون من
الكريم، قبل منا الحسنات، وعفا عن السيئات، وضمن لنا الدرجات، ثم شهق مالك شهقة
عظيمة فخر مغشياً عليه.
وقيل: إن الحجاج الزاهد رآه بعض أصحابه في النوم، فقال له: في ترى حالك? فقال:
الأمر سهل، وما رأيت شيئاً مما كنت أخاف منه والحمد لله.
وقيل: إن الشبلي رحمه الله لما رؤي في النوم فقل له: ما فعل الله بك? فقال: حاسبني
وناقشني حتى يئست، فلما رآني يئست تغمدني برحمته.
وقال
احمد بن العربي: رأيت أحمد بن الحسن الرازي في المنام بعد موته، فقلت له: ما
فعل،الله بك? فقال: أوقفني بين يديه، وقال لي: يا عبد، سوء فعلت وتركت وصنعت،
فقلت: يا سيدي، ما بلغني عنك هكذا، فقال: ما بلغك عني? فقلت: بلغني عنك انك كريم،
والكريم إذا قدر عفا، فقال: خدعتني بقولك، فقلت: يا رب، هبني لمن شئت، فقال: إذهب
فقد وهبتك لك.
وقيل:إن منصور بن عمار رضي الله عنه روي في المنام بعد موته، فقبل له: ما فعل الله
بك? فقال: أوقفني بين يديه، وقال لي: يا منصور، أتدري لم قد غفرت لك? فقلت: لا
يارب، فقال: انك جلست للناس يوماً تحدثهم فاًبكيتهم، فبكى منهم عبد من عبادي لم
يبك قط من خشيتي فغفرت له ووهبت كل من في المجلس له، وهبتك فيمن وهبت.
وقال أحمد الخواص رضي الله عنة: رأيت يحيى بن أكثم في النوم بعد موته، فقلت له: ما
فعل الله بك? فقال أوقفني بين يديه وقال لي،: يا شيخ السوء تنسى تخاليطك الكثيرة
فتحيرت، ثم قلت:يا رب ما بلغني هكذا، فقال: وما بلغك عني، فقلت: يا رب، سمعت في
بعض الأخبار أنك قلت: "من شاب شيبة في الإسلام إستحيت أن أعذبه في
النار"، فقال: صدقت، يا ملائكتي اذهبوا بعبدي إلى الجنة.
وقيل: أوحى إلى داود عليه السلام: يا داود، إني لأنظر إلى الشيخ في كل يوم صباحاً
ومساء وأقول له: يا عبدي، كبر سنك، ورق جلدك، ودق عظمك، وحان قدومك علي، فاستحي
مني فإني أستحي منك.
وحكي أن الشبلي رحمه الله تعالى وعظ الناس يوماً وبكى بكاء شديداً، فقام إليه شيخ
وهو قابض على لحيته وعيناه تذرفان بالدموع، فقال له: يا شبلي: انصف بيني وبينك وبين
ربك، فقال: وما ذاك? قال: يا شبلي، كلما قمت أقعدني ، وكلما نهضت نحوه قطعني،
وكلما قصدت الباب وجدته مغلوقاً في وجهي وقد كبر سني، ووهن عظمي، وقلت حيلتي، فما
ترى في قضيتي، فقال له الشيخ: نعم يا سيدي، هذه علتي، فقال له: يا سيدي، أريد فتى
من الفتيان يحمل عني أوزاري وذنوبي، فليس لي طاقة على حملها، فقد أثقلت ظهري
وأعجزت مقدرتي.
وقيل في المعنى شعر:
يا مالكي يا خالقي يا رازقـي |
|
يا من إليه تحركي وسكونـي |
إني ضعيف عن عذابك سيدي |
|
ومقصر عن حمل قبيح ذنوبي |
قال:
فأطرق الشيخ رأسه متعجبا لأمره، وإذا امرأة قد قامت وقالت:يا سيدي، أنا من
الخاطئات المذنيات، وأنا أكثر ذنوباً من هذا الشيخ، وقد تحملت ذنوبه مع ذنوبي أقدم
بها على ربي، فقال الشيخ الشبلي رحمه الله تعالى: فما استتمت كلامها حتى هتف في
المجلس هاتف، وهو يقول: يا شبلي: قد غفرنا لمن في المجلس كلهم لأجل هذه المرأة لحسن
ظنها بنا.
وقيل في المعنى شعر:
يا ذا المكارم والعلا إن |
|
يا ذا الجلال الأوحـد |
إن العصاة تجمـعـوا |
|
لوجود عفوك سـيدي |
قصدتك كـل قـبـيلة |
|
فلمن يروح ويغتـدي |
حطو إليك رحالـهـم |
|
يستشفعون بأحـمـد |
قال
بعض الصالحين رضي الله عنهم: رأيت جارية تطوف حول البيت وهي تقول: أتراك تقبلني
وتغفر زلتي، فقلت لها: ما فعلت? فقالت: أنا امرأة عاصية فخرجت يوما أتحدث مع
أعرابي، إذ مر بي هاتف وهو يقول: يا ملعونة، كيف تقتني عباد الله? فقلت له: من
أنت? فقال: أنا الرقيب، ما في صحيفتك قط عندي حسنة، وهذا العبد قد امتلأت صحيفته
من السيئات، فقلت له: إذا أنا تبت يقبلني? فقال: وهل التوبة إلا لمثلك، فخرجت من
وقتي وساعتي، ولبست هذا الثوب الشعر، وقلت: عسِى يقبل توبتي، وقد تبت إليه عما كان
مني.
قال: فبينما هي تكلمني وإذا بهاتف يقول: لقد قبلناك وقبلنا توبتك، ثم شهقت شهقة
عظيمة وفارقت الدنيا. فرحمة الله عليها.
وقال وهب بن الوردي رضي الله عنه: بينما امرأة تطوف وهي تقول: يا رب ذهبت اللذات
وبقيت التبعات، يا رب مالك عقوبة إلا النار، أما في عفوك ما يسعني يا أرحم
الراحمين. قال: فما استتمت كلامها إلا وقائل يقول: قد عفونا وغفرنا لك.
قال
الجنيد رحمه الله: كان بجواري رجل شرطي، فلما مات حمل إلى مسجدي لأصلى عليه،
فامتنعت من الصلاة عليه لما أعرفه من ظلمه، فقلت: أصرفوه عني، فصرفوه وصلوا عليه
ودفنوه، فرأيته في تلك الليلة في منامي وهو في قبة خضراء، فقلت له: أنت فلان
الشرير، قال: نعم، قلت: بم نلت هذه المنزلة? قال: بإعراضك عني، فأقبل على الجليل
جل جلاله وقال: أقبل على المطرودين.
وقال مالك بن دينار رضي الله عنه: كان لي جار مسرف على نفسه كثير الخطايا، قد تأذى
الجيران منه، فأخبرته بذلك، وقلت له: أخرج من البلد، فقال لي: أنا في منزلي لا
أخرج، فقلت له: بع منزلك، فقال: لا أبيع منزل ملكي، فقلت له: أشكوك إلى السلطان،
فقال: أنا من أعوانه، فقلت له: أنا أدعو عليك، فقال: إن الله أرحم بي منك.
فهممت أن أدعو عليه، فهتف بي هاتف: لا تدع عليه فإنه ولي من أوليائي، فجئت إلى باب
داره، فنظر إلي وظن أني أخرجه، فقام لي كالمعتذر، فقلت: ما جئت إلى هذا، ولكني
سمعت كذا وكذا، فوقع عليه البكاء وقال: إني تبت عما كان مني.
وقيل لذي النون المصري رضي الله عنه: ما كان بدء أمرك? فقال: كنت شاباً في لهو
ولعب وتعب، فخرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام، بينما أنا راكب في المركب وقد توسطنا
البحر، ففقد من بيننا كيس ففتش كل من في المركب، وكان بيننا شاب لا نبات بعارضيه،
فلما وصلوا إلى الشاب ليفتشوه، فوثب من المركب وثبة حتى جلس على أمواج البحر،
وقال: يا مولاي، إن هؤلاء اتهموني، وأني أقسم عليك يا حبيب قلبي أن تأمر كل دابة
في البحر أن تخرج رأسها، وفي فم كل واحدة منهن جوهرة.
قال ذو النون رضي الله عنه: فما استتم كلام الشاب حتى رأينا دواب البحر وقد أخرجت
رؤوسها وفي فم كل واحدة منهن جوهرة تتلألأ وتلمع، ثم وثب - على الماء يتبختر وهو
يقول: )إياك نعبد وإياك نستعين(.
وقيل لمالك بن دينار رضي الله عنه: كيف سبب توبتك? فقال: كنت شرطياً وكنت منهمكا
على شرب الخمر، وكانت لي جارية، فولدت لي بنتاً فلما دبت على الأرض ألفتها
وألفتني، وكنت إذا شربت الخمر جاءت إلي وأهرقتها علي، ثم أنها ماتت.
فلما كانت ليلة النصف من شعبان وأنا نائم سكران، فرأيت كأن القيامة قد قامت،
فالتفت فإذا بتنين عظيم وهو من أعظم ما يكون، قد فتح فاه وهو مسرع إلي، فوليت
هارباً منه مرعوبا، فرأيت شيخاً نقي الثوب، طيب الرائحة، فقلت له: أجرني من هذا
التنين أجارك الله، فبكى الشيخ، وقال: إني ضعيف وهذا أقوى مني، فوليت هارباً حتى
أشرفت على طبقات النيران، وكنت كدت أن أهوي فيها، فصاح صائح: إرجع فلست من أهلها،
فاطمأننت إلى قوله فرجعت.
فإذا التنين قد قرب مني وتحيرت في أمري، وإذا بإبنتي التي ماتت وقد أشرفت وقالت:
يا أبت، أنت أبي والله، ومدت يدها اليمنى إلي فتعلقت بها، ومدت يدها اليسرى إلى
التنين فولى هارباً، ثم أجلستني وقعدت في حجري، وقالت: يا أبت، )ألم يأن للذين
آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله(. فقلت لها: وأنتم تقرأون القرآن? قالت: نعم، ونحن
أعرف بحروفه منكم، فقلت لها: أخبريني عن التنين الذي هو أراد هلاكي، قالت: يا أبت،
هذا عملك السوء قويته عليك،.فقلت: أخبريني عن الشيخ الذي مررت به، قالت: ذلك عملك
الصالح أضعفته فلم يكن له قوة ولا طاقة بعملك السوء، فقلت لها: وما الذي تصنعون
ههنا? قالت: نحن أطفال المؤمنين قد أسكننا الله تعالى في هذا الجبل ننتظر قدومكم
علينا فنشفع لكم، فانتبهت فرحاً مسروراً.
وقيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام، يا داود: ليس كل الأولاد أولاداً
صلحاء، منهم ولد يسعر على والديه ناراً، وولد يشفع في أبويه فيدخله الجنة.
يا داود، كم من مملوك عندي أقرب من سيده، وكم من ولد أطهر من أبيه.
يا داود، إن السعيد عندي هو السعيد أبداً وربما حال إلى الشقاوة، وإن الشقي عندي
هو الشقي أبداً ولربما حال إلى السعادة، ثم لا راد لحكمي ولا دافع لقضائي.
وقال
بعض الصالحين رضي الله عنهم: كان بجواري رجل مدمن على الخمر فمات، فساًلت الله أن
أراه في المنام، فرأيته بعد ستة أعوام وعليه حلة خضراء، فقلت له: ما فعل الله بك?
فقال: يا سيدي، لما مت دفعت إلى جهنم، فضربوني بسياط من نار، بكل كأس شربته ألف
ضربة. وكنت تركت زوجتي حاملاً، فولدت لي غلام فلما تكلم وقال: لا إله إلا الله
أعتقني الله من النار.
فلما تم له خسة أعوام دخل المكتب فلقنه المعلم: بسم الله الرحمن الرحيم، فقالها
فأدخلني الله تعالى الجنة وأعطاني فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
قال صلى الله عليه وسلم: "ما من شفيع أفضل عند الله منزلة يوم القيامة من
القران".
وقال عليه الصلاة والسلام: "خيركم من تعلم القران وعلمه".
وحكي عن وهب -بن منبه رضي الله عنه أنه اشترى جارية أعجمية أصبحت فصيحة،فقالت:يا
مولاي، علمني فاتحة الكتاب، فقال لها: ويحك. أمسيت أعجمية وأصبحت فصيحة، وسألها
سيدها عن ذلك? فقالت له: يا سيدي لرؤيا رأيتها البارحة، فقال لها: وما هي? قالت:
رأيت كاًن الدنيا كلها أوقدت ناراً، وفتح لي منها طريق إلى الجنة، وكأن موسى عليه
السلام أقبل على الطريق وخلفه اليهود، فالتفت إليهم وقال: أنا ما أمرتكم أن
تتهودوا، فسقطوا يميناً وشمالاً على وجوههم في النار وموسى وحده دخل.
وإذا بعيسى عليه السلام قد أقبل وخلفه النصارى، فوقف والتفت إليهم وقال: أنا ما
أمرتكم أن تنصروا، فسقطوا يميناً وكمالاً على وجوههم في النار، ومر عيسى عليه
السلام وحده ودخل الجنة.
وأقبل على أثره محمد صلى الله عليه وسلم و أمته خلفه، فوقف والتفت، وقال:
"أنا أمرتكم أن تؤمنوا بربكم فأمنتم فلا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة
التي كنتم توعدون". فمروا خلفه حتى دخلوا الجنة وبقيت أنا وامرأتان على باب
الجنة، فقال الله تعالى لنا: هل قرأتم القرآن، فقال الملك الذي على باب الجنة
للمرأتين: قرأتما سورة الفاتحة? فقالتا: نعم، فقال رضوان: ادخلوا الجنة. فعلمني يا
مولاي سورة الفاتحة.
وقال إدريس الحداد رضي الله عنه: دخلت على حمزة بن حبيب الزيات وهو يبكي، فقلت له:
ما يبكيك? فقال: يا آخي رأيت البارحة في منامي كأن القيامة قد قامت، وقد دعي بأهل
القرآن، فكنت فيمن حضر، فسمعت قائلا يقول: لا يدخل الجنة إلا من يعمل بالقرآن،
فرجعت، فهتف باسمي هاتف، فقلت: لبيك اللهم لبيك، فدخلت داراً، فسمعت فيها ضجيج
القران، فوقفت أرعد، فسمعت قائلاً يقول: لا باس عليك، إقرأ سورة الأنعام، وأنا لا
أدري على من أقرأ القرآن، فقرأت حتى بلغت: )وهو القاهر فوق عباده(، فقيلّ: صدقت،
فقرأتها حتى ختمتها، فقيل لي: إقرأ، فقرأت سورة الأعراف حتى بلغت إلى آخرها،
وأومأت للسجود.
فقيل لي: يا حمزة، لا تسجد، وحق القرآن لأكرمن أهل القران، إدن مني، فدنوت منه،
فدعا بسوار من ذهب فسورني به وقال: هذا بقراءتك القرآن، ثم دعا بمنطقة من ذهب
فمنطقتي بها، وقال لي: هذا بصومك باللهار، ثم دعا بتاج من ذهب مكلل بالياقوت
والزبرجد، فتوجني به، وقال: هذا بتعليمك الناس القرآن.
يا حمزة، وعزتي و جلالي ليس أفعل هذا بك وحدك، فقد فعلت ذلك ممن هو فوقك ومن هو
دونك ممن قرأ القرآن.
يا حمزة، وعزتي و جلالي لا أعذب لساناً تلا القرآن بالنار،ولا قلباً وعاه، ولا
أذناً سمعته، ولا عين نظرته.
وقال عليه الصلاة والسلام: "إن في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا
خطو على قلب بشر، وان الرجل من أهل الجنة ليتزوج باثنتي عشرة ألف حورية، يعانق كل
واحدة منهم بمدة عمرة".
وقال سفيان رضي الله عنه: والله لقد بلغني أن أهل الجنة يكونون في منازلهم فيتجلى
عليهم نور تضييء منه الجنان الثمانية، فيظنون أن ذلك نور الحق سبحانه وتعالى،
فيخرون ساجدين، فينادون: ارفعوا رؤوسكم، ليس الذي تظنون، إنما هو نور جارية تبسمت
في وجه زوجها من أهل عليين.
وقال الربيع بن خيثم رضي الله عنه: رأيت في المنام قائلا يقول لي: يا ربيع،
إن ميمونة السوداء زوجتك في الجنة، فلما أصبحت سألت عنها? فقيل لي: هي تسكن الشام،
فقصدتها، فوجدتها ترعى غنما، فسلمت عليها، فقالت: يا ربيع، ليس المأوى ههنا، فقلت
لها: ما أكثر كلابك، وأقل غنمك، فقالت: ما هم كلاب ولكنهم ذئاب، فقلت لها: كيف
تجمعي الذئاب مع الغنم? فقالت: أصلحت ما بيني وبين مولاي فأصلح الله ما بين الذئاب
والغنم.
وقال الأصمعي رحمه الله تعالى: دخلت على حي من أحياء العرب، فإذا بجارية فاستوقفني
حسنها، فقلت: فاز من هذه له، فإذا برجل قبيح المنظر، فإذا هو أتاها وأخذ بيدها،
فقلت: ما هذا منك? قالت: بعلي، فقلت لها: أترضين لهذا الوجه الجميل لمثل هذا،
فقلت: بسبب ما قلت، لعله أحسن فيما بينه وبين الله فجعلني ثوابه، ولعلي أسأت فيما
بيني وبين الله فجعله عقوبتي.
وحكي عن بعض الصالحين رضي الله تعالى عنهم أنه رأى رجلاً يبكي خلف جنازة امرأة،
فقال له: يا أخي، ما هذه منك? قال: زوجتي، قلت: كم لها في صحبتك? قال: أربعين
سنة،. قلت: فما كان سبب زواجك لها? قال: كنت كثير الصلاة في مسجد يحيى بن نعيم،
فلما كان في بعض الأيام خرجت من المسجد، وإذا بي لمحتها، فوقعت في نفسي ووقعت في
نفسها، فلم أزل حتى تزوجت بها، فلما دخلت معي في البيت، قلت لها: ما جزاء من جمع
بيننا ومن علينا بالاجتماع، قالت: نقوم له هذه الليلة شكراً إلى السحر. معا.
ففعلنا ذلك، فلما صلينا الصبح، قالت: ما جزاء من منَّ علينا بالاجتماع حلالاً لا
حراماً، فقلت لها: نصوم هذا اليوم شكراً لله تعالى، ولم نزل هكذا أربعين سنة.
وقال بعض الصالحين رضي الله عنهم: رأيت بعض الصالحين في النوم بعد وقاته، فقلت له:
ما فعل الله بك? قال: أدخلني الجنة، قلت: أي الأعمال أفضل عندهم، قال: التوكل،
وقصر الأمل.
وقيل: مكث عيسى عليه السلام سبعين صباحاً يناجي ربه، فلم يأكل شيئاً، فخطر بباله
الأكل، فانقطعت عنه المناجاة، فقعد يبكي، وإذا بشيخ قد أقبل، فقال له عيسى عليه
السلام: يا شيخ، إدع الله لي، فإني كنت في حالة فخطر ببالي الخبز فانقطعت عني تلك
الحالة، فقال الشيخ: اللهم إن كان الأكل خطر ببالي منذ عرفتك فلا تغفر لي.
كرامات الأولياء
وقال
عبد الله الكناني رضي الله عنه: جاءني فقير وهو يبكي، فسألته عن حاله? فقال لي:
إني مكثت عشرة أيام لم آكل فيها شيئاً، فشكوت إلى بعضهم الجوع، ثم مررت ببعض
الأزقة، فوجدت درهماً مطروحاً فأخذته، فإذا عليه مكتوب: أما كان الله عالماً بجوعك
حين قلت: إني جائع.
وقيل قي المعنى شعر:
ليت شعري ما الذي قلت لنا |
|
ليلة أمرت فيها أمـرنـا |
إن رضيني سيدي عبداً لـه |
|
أو مألى حيث الغيث الخنا |
أو دعاني أمره عـن إذنـه |
|
عبد سوء أنت لم تصلح لنا |
هكذا يا عبد سوء هـكـذا |
|
بعدما أوصلتنا قطعـتـنـا |
قد دعوناك فلم تعجب بنـا |
|
واخترناك فما أعجبتـنـا |
وقيل إن أبا يزيد البسطامي رضي الله عنه أقام إثني عشر يوماً في الخلوة فلم يفتح عليه بشيء، فعضه الجوع فخرج يطلب الرزق، فانتهى إلى باب يهودي، فوجد عند بابه كلباً، فوقف أبو يزيد بالباب سائلاً فدفع له رغيف، فلما أخذه وثب الكلب في وجهه، فقال أبو يزيد: لا تعجل إنما هو رغيف ونحن كلبان فلي نصفه، ثم رمى نصفه إلى الكلب وحمل عليه، فقال أبو يزيد: بحق من خلقك ألا ما كففت عني حتى أسأل ربي، فقال أبو اليزيد: اللهم أنطق لي هذا الكلب. فأنطقه الله تعالى، فقال لي: سبع سنين ولم أعرض عن باب اليهودي ولم يخطر ببالي الطمع في غيره، فإن أطعمني شيئاً أكلته، وإن أحرمني لم أعرض عن بابه، وأنت لازمت باب مولاك إثني عشر يوماً فعدلت عن بابه إلى باب يهودي، فأراد أن يؤدبك، فصاح أبو يزيد ومضى على وجهه.
وقيل:
إن سفيان الثوري رضي الله عنه أقام ثلاثة أيام لم يستطعم بطعام، فقال يوما لأخته:
دقي على بعض الجيران، فذهبت، فقالت: إن أخي سفيان عادم القوت منذ ثلاثة أيام، فهل
عندكم شيء يتقوت به? فقالوا: نحن عادمون القوت منذ خمسة أيام، فرجعت ودقت باباً
آخر، فقالوا: نجن عادمون القوت منذ سبعة أيام، فنودي: يا سفيان، إن كنت محبا فاصبر
على البلاء، وإلا فاسأله الإقالة.
وقيل: إن بعضهم ضاقت معيشته فشكا إلى صديق له ضيق المعيشة، فرأى صديقه في النوم
وقائل يقول: قل لصديقك إن رضيت بحكمنا وإلا فارتحل من قربنا.
قال الشبلي رضي الله عنه: مررت بسكك بغداد، فرأيت جارية تبكي خلف درب، فقلت لها:
ما يبكيك? قالت: يا سيدي لي سبعة أيام ولم أستطعم بطعام، فأنقدت بعض تلامذتي إلي
السوق فاشتري لها طعاماً فأطعمها وسقاها، فانصرفت، فلما كان الليل رأيتها في
المنام وهي نازلة من السماء، فقلت لها: من أين? فقالت: من عنده، قلت: ما الذي
صنعت?قالت: إستوهبتك منه، قلت: إن صدق منامي فإني أجدها ميتة، فلما أصبحت وجدتها
ميتة.
قال عمر بن ا"فطاب رضي الله عنه: يصيح صائح يوم القيامة يقول: أين الذين
أكرموا الفقراء والمساكين في الدنيا، ادخلوا الجنة لا خوف عليكم اليوم ولا أشتم
تحزنون.
وقال بعض السادة الصالحين: رأيت أحمد بن طولون بعد موته في المنام، فقلت له: ما
فعل الله بك? قال: لما قبضت روحي ساقني سائق عنيف، فمررت على جهنم، وقد فتحت
أبوابها وارتفع دخانها، فخفت خوفاً شديداً وأيقنت بالهلاك، وإذا بجارية جميلة طيبة
الرائحة قد أتت إلي، وقالت: يا أحمد لا تخف فقد وهبت لي، ثم وقفت بيني وبين النار
فأنكف عني لهيبها، فقلت لها: من أنت? فقالت: صدقتك التي كنت تخفيها يميناً
وشمالاً. ثم نادى مناد من تحت العرلش،: ادخلوه الجنة من باب المغفرة، فأدخلت الجنة
وصرت إلى ما ترى، فقلت: ما هذه الكتابة التي طهرت عليك، فقال حياء مما كان.
وقال بعض الصالحين: مات أخ لي فرأيته في المنام، فقلت له: يا أخي، كيف ترى حالك
حين وضعت في قبرك? قال: يا أخي، أتأني بشهاب من نار. فلولا أن دعا داع لي لهلكت.
وقيل في المعنى شعر:
تقينت أبي مذنب ومـحـاسـب |
|
ولم أدر مجروم أنا أو معاقـب |
وما أنا إلا بين الأمـرين واقـف |
|
فأما سعيد أم بذنبي مـطـالـب |
وقد سبقت مني ذنوب عـظـيمة |
|
فيا ليت شعري ما تكون العواقب |
فيا منقذ الغرقى ويا كاشف البـل |
|
ويا من له عند الممات مواهـب |
أغثنا بغفران فإنك لم تزل مجيبـاً |
|
لمن ضاقت عليه الـمـذاهـب |
وقال
مغيث بن شيبة رضي الله عنه: أوصتني والدتي عند موتها، فقالت: يا بني، إذا أنت
دفنتني فقم على قبري وقيل: يا أم شيبة قولي لا إله إلا الله، ففعلت ذلك ثم انصرفت
إلى منزلي، فلما كان الليل رأيتها في المنام، فقالت: يا ولدي، جزاك الله عني
خيراً، فلولا أنك أدركتني بقولك لا إله إلا الله محمد رسول الله لهلكت.
وقال بعض الصالحين: كان رجل يصلي في الصحراء، فجعل في محرابه سبعة أحجار وكان يقول
إذا فرغ من صلاته للأحجار: يا أحجار أشهدكم أني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمداً رسول الله، فلما مات رأيته في المنام فسألته عن حاله? فقال: أمر بي إلى
النار فذهب بي إلى الباب الثاني، وإذا بالباب الآخر قد سده حجر أخر ولم أزل من باب
إلى باب حتى سدت السبعة أحجار أبواب جهنم السبعة عني.
وقال عبد الله الواحي رضي الله عنه: حضرت ذات يوم مجلس الواعظ القشيري لعلي انتفع
به وبوعظه وأعمل على كل كلمة من لفظه، قال: فبينما هو يعظ وأنا أسمع إذ غلبني
النوم، فنمت في المجلس، فرأيت كأن القيامة قد قامت والناس قد عرضوا على الحساب،
فحوسب من حوسب ونجا من نجا، وهلك من هلك، وإذا بالقشيري الذي أنا في مجلسه قد أمر
به، فحوسب فوجدت له سيئات كثيرة، فأمر به إلى النار، فأخذته الزبانية، فلما ذهبوا
به. قال الله عز وجل: ردوا عبدي، فرجعوا به بين يديه، فقال الله عز وجل: وعزتي و
جلالي لولا أنك كنت تجمع الناس إلى ذكري وتبشرهم برحمتي لأدخلتك النار، انطلقوا
بعبدي إلى الجنة. فانتبهت لعظم ما رأيت فزعاً مرجوفاً، فإذا الشيخ القشيري على
المنبر ينشد ويقول هذه الأبيات:
حاسبونا فدقـقـوا |
|
ثم منوا فاًعتـقـوا |
هكذا سيمة الملـو |
|
ك بالمماليك يرفقوا |
إن قلبي يقول لـي |
|
ولسانـي يصـدق |
كل من مات مسلما |
|
ليس بالنار يحـرق |
قال
إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه: بينما أنا أمشي وإذا بامرأة على رأسها ميت والناس
يرجمونه بالحجارة، فقلت لها: ما هذا منك? فقالت: ولدي وقطعة من كبدي كان يعصي الحق
ولا يستحي من الخلق، فقلت لها: أنا أحمله معك، فحملته معها وحفرت له قبراً و
ألحدته، فلما فرغت من دفنه لقنته قول لا إله إلا الله محمد رسول الله ت فلما فرغت
من تلقينه، قالت: يا إبراهيم، توار عني، فتواريت خلف جدار، فقامت أمه وضمت القبرِ
إلى صدرها ومرغت خديها عليه، وقالت: ليت شعري ما الذي لك? وما الذي قيل لك? ثم
تركته وانصرفت عنه.
قال إبراهيم: فرجعت إليه وجلست عند قبره أقرأ فلحقني سنة من النوم، فرأيت شخصين قد
جاءا إلى القبر وشقاه، ونزلا وأجلساه، ثم شم أحدهما عينه فقال: عين خائنة ما بكت
قط من خشية الله تعالى، ثم ضم يده، فقال: يد مشومة وعن الخير مغلولة، ثم شم بطنه،
فقال: بطن ملئت من الحرام ليس فيها شيء حلال، ثم شم فرجه، فقال: منهمك على معاصي
الله تعالى، فقال أحدها لصاحبه: أي شيء نعمل? فقال: حتى أؤدي الرسالة، فغاب ساعة،
ثم عاد وهو يقول: الحق سبحانه وتعالى كريم غفر ذنبه العظيم، فقال له صاحبه: ماذا?
قال: كما قلت للحق سبحانه وتعالى وهو أعلم به: يا رب، رأينا منه كذا وكذا، فقال:
هل شمما قلبه? قلت له: لا يا رب، فقال: فإن في قلبه موضع توحيدي، خلقي قطعوه وأنا
وصلته، وهم آيسوه من رحمتي وأنا نظرت إليه برأفتي، فأوجبت له مغفرتي.
وقيل في المعنى شعر:
يا من إذا أبصرني معـرضـاً |
|
وليس فعلي عنده مرتضـي |
لي رحمة التوحيد لا غيرهـا |
|
وهي لقد تدخلني في الرضـا |
ما حيلتي إلا الرجا يا سـيدي |
|
فاعف بفضل منك عما مضى |
وقيل:
أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: يا موسى، لولا من يقول لا إله إلا الله
محمد رسول الله ما نزلت من السماء قطرة، ولا نبت،في الأرض ورقة.
يا موسى، إني آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات والأرض أن من مات وهو يشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله صادقاً من قلبه كتبت له
براءة من النار، وأدخلته الجنة بغير حساب.
إثم عقوق الوالدين
قال
أنس بن مالك رضي الله عنه: "كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل
يسمى علقمة، و كان كثير الإجتهاد عظيم الصدقة، فمرض واشتد مرضه، فبعثت زوجته إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي علقمة في النزع فأردت أن
أعلمك مجاله. فقال لها الني صلى الله عليه وسلم: إنطلقوا بنا إليه، فلما دخلوا
عليه، قال: "يا علقمة كيف ترى حالك? فلم ينطق، فلقنه الشهادة، فلم ينطق. فلما
أيقنوا أنه هالك قال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته: أله أبوان? فقالت: يا رسول
الله، ليس له أب، إن أباه قد مات، وله أم كبيرة السن.
فدعا بها النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبلت فقال لها: كيف كان حال علقمة? فقالت:
يا رسول انه، كان يصوم ويصلي ويتصدق، ولكني ساخطة عليه لأنه كان يؤثر زوجته عليَّ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انطلق واجمع لنا حطباً حتى نحرقه
بالنار".
فقالت أمه: يا رسول الله، ولدي وثمرة فؤادي تحرقه بالنار، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: "يا أم علقمة إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن عذاب الله
لشديد، وان الله تبارك وتعالى لم يرض عنه إلا برضاك، ولا تنفعه صلاته ولا صيامه
ولا عبادته ولا صدقته ما دمت ساخطة عليه".
فقالت: يا رسول الله، أشهدك وأشهد الله عز وجل أني قد رضيت عليه. فتقدم النبي صلى
الله عليه وسلم إلى علقمة ولقنه الشهادة فنطق بها فمات من ساعته وغسلوه وكفنوه
وصلوا عليه، فقام الني صلى الله عليه وسلم على قبره وقال: "يا معشر المهاجرين
والأنصار، من فضل زوجته على أمه لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً".
وعن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال لأبي ذر رضي الله عنه:
قم
بنا نزور الغرباء، فقال أبو ذر: يا رسول الله، ومن الغرباء? فقال: الذين لا يزورهم
أحد، فقال: لعلك يا رسول الله تعني الموتى: فقال:نعم.
فقمنا حتى بلغنا القبور، فوقف على قبر وبكى بكاء شديداً، فقلت:يا رسول الله، ما
بكاؤك? فقال: يا أبا ذر، هذا قبر رجل يعذبونه، وهو من أمتي فنزل جبريل عليه
السلام، فقال: يا محمد، بكت الملائكة لبكائك فادع الله له.، فدعا الني صلى الله
عليه وسلم فسمع صوتاً من القبو، وهو يقول: الأمان الأمان يا رسول الله من عذاب
الله، النار من فوقي، والنار من تحتي، والنار عن يميني، والنار عن شمالي، فقال صلى
الله عليه وسلم: يا شاب، بأي شيء إستحقيت هذا? فقال: من دعاء والدتي عليَّ، فقال
عليه الصلاة والسلام لأبي ذر: ناد في الناس من له في القبر ميت فليحضر عند قبر
ميته.
فخرجوا وحضروا إلى ذلك القبر، فما كان بعد ساعة إلا وعجوز قد أقبلت متوكئة على
عصاها وهي تقوم مرة وتقع أخرى، حتى بلغت رأس القبر، فقال صلى الله عليه وسلم: صاحب
هذا القبر ما هو منك? فقالت له: ولدي وقرة عيني، قال: فما أنت عنه راضية? فقالت:
لا، وذلك لأنه دخل علي يوماً وهو سكران، فضربني وكسر يدي، فقلت له: لا رضي الله
عنك، فقال لها عليه الصلاة والسلام: "ارحمي ترحي، ضعي أذنك على القبر و اسمعي
صوته".
فسمعته وهو يقول: الأمان الأمان يا رسول الله، النار من فوقي، والنار من تحتي، وعن
يميني، وعن شمالي، فلما سمعت صوته بكت بكاء شديداً وقالت: يا رسول الله، قد رضيت
عليه فصاح الشاب: يا أماه إنصرفي فقد رحمني الله " وقيل في المعنى شعر:
ذهبت لذة الصبا في المعـاصـي |
|
وبقي بعد ذلك اخذ القـصـاص |
وإحيائي إن حمـلـت ذنـوبـي |
|
لمقام تشيب فـيه الـنـواصـي |
أنا عاصر، نوحي علي وابـكـي |
|
ويحق البكا علـى كـل عـاص |
يا حميد الفعال يا من له المـلـك |
|
ارتجي في المعاد منك الخلاصي |
بنـبـي أرسـلـتـه ورسـول |
|
بحبيب لديك كنز اخـتـصـاص |
تعف عما مضى وتب يا إلـهـي |
|
قبل موتي علي قبل القصـاص |
الخوف من النداء للعرض
حكي
عن هشام رضي الله عنه أنه قال: رأيت ولدي في المنام، فإذا هو شائب، فقلت له: يا
ولدي مم هذا الشيب? قال: يا أبت قدم فلان علينا فزفرت جهنم لقدومه فلم يبق أحد منا
إلا شاب..
وقيل: إن عيسى عليه السلام مر بمقبرة، فإذا سام بن نوح، فناداه وقال: عزمت عليك
إلا ما قمت بإذن الله تعالى: فقام ولحيته ورأسه بيضاء، فقال عيسى عليه السلام: مم
هذا الشيب، فقال: سمعت النداء فظننت أن القيامة قد قامت، فشابت لحيتي ورأسي، فقال
عيسى عليه السلام: منذ كم أنت ميت? فقال: منذ أربعة آلاف سنة، وما ذهبت عني سكرة
الموت.
وقيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، قل لبني إسرائيل لو لم يكن
إلا الموت والحساب والحياة والأعوان الذين يجذبون الروح، ويقطعون الأوصال، ويجذبون
الشعر من الحدق، ويكسرون الأعضاء، ويقطعون العروق حتى يسمع للميت صرير أسنانه،
لكفى يا داود، مم من لسان فصيح قد بكم عن الكلام والتوحيد. يا داود، قل لبني
إسرائيل استعدوا للزاد فإن الدنيا عن قليل تزول.
لا تغتر بالدنيا
وقيل:
إن رجلين تخاصما في أرض، فأنطق الله تعالى لبنة في حائط، فقالت: يا هذان، إلى كم
تتخاصمان? وعزة الله تعالى إنني كنت ملكاً من الملوك ملكت الدنيا ألف سنة، ثم مت
وصرت ترابا ألف سنة، فأخذني خزاف فجعل مني إناء فاستعملت حتى انكسرت، ثم صرت
تراباً ألف سنة، ثم أخذني رجل وضرب مني لبنة، وجعلت في هذا الحائط منذ ثلاثمائة
سنة. فانصرف الرجلان ولم يتخاصما بعدها.
وقيل: مر عيسى عليه السلام بجب فتوضأ منه، وشرب، فإذا هو مُر، فسأل الله تعالى أن
يكلمه الجب، فقال: يا روح الله، ما تريد مني? فقال: حدثني ما هذه المرارة التي
فيك? فقال: يا روح الله، إنني كنت إنساناً، فلما قبضت روحي وصرت تراباً رميما،
ومرت علي السنين والأعوام جعلت جباً، فلم تنفك عني سكرة الموت ولا مرارته.
وقيل:
إن رجلاً كان خائفاً من الموت كثير الجزع والخوف، دائم الفكرة وكثير البكاء، قاداه
الجزع إلى أن خرج يطوف في الأرض من غير حاجة، فلقيه ملك الموت، فقال له: يا هذا
أتعرفني? فقال: لا أعرفك، فقال: أنا ملك الموت، فشخص الرجل وخر مغشياً عليه، فلما
أفاق، قال له ملك الموت: إرجع إلى أهلك وعد المرضى، فإن رأيتني عند رجلي المريض
فصف له الدواء فإنه يبرأ، وإن رأيتني عند رأسه فاعلم أن أجله قد قرب، فلا تصف له
شيئاً من الدواء، وإنك عن قريب ستراني عند رأسك، فاستعد لذلك اليوم.
فرجع الرجل إلى أهله. فكان يعود المرضى ويأخذ في طبهم، فبينما هو ذات يوم عند
أهله، إذ رأى ملك الموت عند رأسه، فشخص الرجل ببصره ونادى بأهله: عجلوا بصحيفة
أكتبها لكم، فإني رأيت كل من كنت أخافه وأخوف الناس منه. فقال ملك الموت: الآمر
أعجل من ذلك، وإنما كنت حذرتك قبل هذا اليوم لتنظر لنفسك، و ألان قد انقضت مدتك، و
انقطعت أيامك. فقبض روحه من قبل أن يكتب وصيته.
وقيل في المعنى شعر:
يا ساهيا يا غافلاً عمـا يراد لـه |
|
حان الرحيل فما أعددت من زاد |
تضن أنك تبقى سـرمـدا أبـداً |
|
هيهات أنت غدا فيمن غدا غادي |
مالي سوى أنني أرجو الإله لمـا |
|
أهمني فهو أرجو يوم مـيعـاد |
احزن في الدنيا تفرح في الآخرة
وقال
بعض الصالحين: لما مات عطاء السلمي رضي الله عنه، رأيته في المنام تلك الليلة فقلت
له: ما الذي صرت إليه بعد الموت، فقال: والله إلى خير كثير ورب غفور، قلت له: لقد
كنت طويل الحزن في الدنيا.. فتبسم وقال:،غد أعقبني بذلك بشارة وسرورا دائماً.
وقال سفيان الثوري رضي الله عنه: مات أخ لي، فرأيته في المنام، فقلت له:ما فعل
الله بك? قال رضي عني وأدخلني الجنة، وقال: إفرح كما كنت تحزن.
وقال بعض الصالحين رضي الله عنهم: لما مات عطاء السلمي رأيته تلك الليلة في النوم،
فقلت له: ما فعل الله بك? غفر لي، وقال: يا هذا كم استحيت مني? لقد كنت تخافني كل
الخوف، وعزني و جلالي لقد توفيتك يوم وفاتك وما على وجه الأرض أحب إلي منك.
وحكي أن أبا الفتح الموصلي رؤي في المنام بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك? قال:
قربني وأدناني، وقال: يا أبا الفتح، وعزتي و جلالي لقد صعد إلى المكان الموكلان بك
أربعين سنة وما في صحيفتك خطيئة.
وقال عليه الصلاة والسلام: "ما من أحد يأتي يوم القيامة إلا وله من الذنوب،ما
خلا يحيى بن زكريا، فإنه يلقى الله ولا ذنب عليه".
وحكي عن بشر الحافي رضي الله عنه أنه رؤي في المنام بعد موته، فقيل له: ما فعل
الله بك? قال: رضي عني وأتحفني ورحمني وزوجني، وأطعمني طعاماً طيباً، وسقاني
شراباً لذيذاً، وفرش لي فرشاً رطباً، وقال لي: نم كما كنت تسهر، واسرح كما كنت
تشب، وافرح كما كنت تحزن، واشبع كما كنت تجوع، ! واروى كما كنت تظمأ.
وقال عاصم رضي الله عنه: رأيت داود بن يحيى في المنام، فقلت: ما فعل الله بأحمد بن
حنبل، وعبد الوهاب بن الوراق، قال: تركتهما الساعة بين يدي الله تعالى، يأكلان
ويشربان على مائدة من موائد الجنة من نور. قلت: فما فعل الله بابن المبارك? قال:
هو يسلم على ربه كل يوم مرتين.
وقال أسدين موسى رضي ا.لله عنه: رأيت مالك بن دينار رضي الله عنه في النوم بعد
موته وعليه ثياب خضر وهو على ناقة تطير به بين السماء والأرض، فقلت له: يا عبد
الله، كيف كان قدومك على ربك? قال: قدمت على ربي وأكرمني وكلمني، وقال لي: سلني
أعطيك، وتمنى علي أرضيك، فقلت: يا رب أسألك الرضا عني، فقال: قد رضيت عنك.
وقال ثابت البناني رضي الله عنه: ما زلت مشوق نفسي إلى الله عز وجل وهي تبكي حتى
رأيتها لقيته وهي تضحك.
وقيل: إن أبا عبيدة الخواص رضي الله عنه لم يضحك منذ أربعين سنة، ولا رفع رأسه إلى
السماء حياء من الله تعالى.
وقيل: إن سفيان رضي الله عنه بكى خمسين سنة حتى عمي، فأوحى الله تعالى إليه:
يا سفيان، مم بكاؤك? إن كان شوقاً إلى الجنة فقد أبحتك إياها، وإن كان خوفاً من
النار فقد أنجيتك. فقال: يا رب لا خوفاً ولا فزعاً من النار، ولا شوقاً إلى الجنة،
ولكن شوقاً إلى لقائك. فقال: وعزتي و جلالي لأرسلن إليك عبداً من عبيدي يخدمك عشر
سنين، ثم أخلي بينك وبينه بحراً من نار يخوضه شوقاً إليك، ثم أتجلى له وأكلمه
فأكون قد كلمت من خدمك.
وقيل: إن بعض الأنبياء عليهم السلام بكى حتى عمي، وصام حتى انحنى، وقام حتى أقعد،
وقال: وعزتك و جلالك لو كان بيني وبيتك بحر من نار لولجته شوقا إليك.
وكان فتح الموصلي رضي الله عنه يقول: قد طال شوقي إليك فعجل بقدومي عليك.
وقيل في المعنى شعر:
وحياة من ملكت يداه قـيادي |
|
لأخالفن على الهوى حسادي |
ولأعصين عواذلي في حبـه |
|
و لأهجرن لنائذي ورقـادي |
ولأجعلن نزاهتي فيه البـكـا |
|
ولأكحلن مدامعي بسـهـادي |
ولأحفرن لسره بين الحـشـا |
|
قبراً ولم يعلم بـذاك فـؤادي |
ولاحلفن يمين صدق أنـنـي |
|
اخلصت فيه محبتي وودادي |
هو غايتي هو منيتي هو بغيتي |
|
هو سيدي يا سادتي ومرادي |
والحمد لله الذي خلق الـورى |
|
حمداً له يبقى علـى الآبـاد |
وقيل:
أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، عجباً لمن أحبني، كيف يهوى قلبه
سواي?!! يا داود، قل لبني إسرائيل، لو رأيتم الجنة وما أعددت فيها لأوليائي من
النعيم المقيم لما ذقتم طعاماً بشهوة، أين المشتاقون إلى لذيذ الطعام والشراب? أين
الذين جعلوا موضع الضحك بكاء خوفا مني? فطالما صلوا والناس نيام.
يا داود، وعزتي و جلالي إني رضيت عنهم، ولولاهم ما رضيت على أهل الدنيا.
وقال بعض الصالحين: مات رجل من جيراني، فرأيته في المنام وهو على زي أهل النار، ثم
رأيته بعد ذلك وهو في الجنة، فقلت له: بماذا? قال: دفن عندنا رجل من الصالحين فشفع
في أربعين من جيرانه، فكنت أنا من جملتهم.
لا تغفل عن ذكر الله
وحكي
عن مالك بن دينار رضي الله عنه: أنه مشى خلف جنازة أخيه وهو يبكي، فقال: والله لا
تقر لي عين حتى أعلم ما صرت إليه، والله لا أعلمه ما دمت حياً.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ألا أخبركم بفقري يوم أوضع في قبري.
وقال سفيان الثوري رضي الله عنه: من أكثر من ذكر الموت وجده روضة من رياض الجنة،
ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار.
وكان الربع بن خيثم قد حفر له قبراً في داره لنفسه، وكان إذا وجد في قلبه قساوة
دخل فيه واضطجع ومكث ساعة، ثم يقول: رب أرحمني لعلي أعمل صالحا فيما تركت، ثم
يقول: يا ربيع قد رجعت فاعمل قبل أن لا ترجع.
وقيل: أوحى الله تعالى إن داود عليه السلام: يا داود، نح على نفسك وكن كأنك أحضرت
في القيامة، فلما حاسبتك رددتك إلى الدنيا وقلت لك: إعمل صالحاً أشكرك عليه.
يا داود، قل لبني إسرائيل: لو أمتكم ثم بعثتكم، ثم بعثتكم واريتكم القيامة، ثم
رددتكم إلى الدنيا ما ازددتم إلا خسارا.
وحكي عن بعض الصالحين رضي الله عنه أنه رأى أستاذه في النوم، فقال له: أي الحسرة
أعظم عندكم? قال: حسرة الغافلين.
قال بعض الصالحين رضي الله عنهم: مررت بساحل البحر، فرأيت صياداً بصيد السمك وإلى
جانبه إبنه، وكلما صاد سمكة تركها في قفته فيأخذها الصبي فيرميها في البحر، فالتفت
الرجل فلم ير شيئاً، فقال لابنه: لأي شيء فعلت بالسمك كذا ألقيته في البحر? وما
حملك على هذا? ومن علمك ذلك? قال: يا أبت، أليس سمعتك تقول: لا تقع سمكة في شبكة
صياد إلا إذ غفلت عن ذكر الله، فلا حاجة لنا شيء ممن يغفل عن ذكر الله تعالى. فخرج
الرجل هائماً على وجهه وتاب إلى الله تعالى.
وقيل: إن عابدا من عباد بني إسرائيل قال: إلهي، عصيتك فلا تؤاخذني، فأوحى الله
تعالى إلى نبي ذلك الزمان: أخبره كم نعمة لي فيه وهو لا يدري قساوة قلبه، وجحود
عينه عقوبة مني لو غفل.
وقيل في المعنى شعر:
أيها المعرض عنا |
|
إن أعراضك منا |
لو أردناك جعلنـا |
|
كلما فيك يردنـا |
علامة حب الله للعبد
وقيل:
إن موسى عليه السلام، قال: يا رب، ما علامة من أحببت? قال: يا موسى، إذا أحببت
عبداً من عبادي جعلت فيه علامتين، قال: يا رب وما هما? قال: ألهمته ذكري لكي أذكره
في ملكوت السموات والارض، وأعصمه من محارمي وسخطي لئلا يحل عليه عذابي، وأحول بينه
وبين نفسه لكيلا يقع في محارمي وسخطي فيحل عليه غضبي.
وقال بعض الصالحين: بينما أنا أطوف بالكعبة وإذا أنا بجارية وهي تقول: يا كريم،
عهدك القديم، فإني على عهدك مقيمة، فقلت لها: يا جارية، وما العهد الذي بينك
وبينه? قالت: يا أخي، أمر عجيب وذلك أنني كنت في البحر، فعصفت بنا ريح قد دمرت كل من
في السفينة، وغرق كل من كان فيها ولم ينج منها أحد غيري وهذا الطفل، وبقيت على لوح
ورجل أسود على لوح آخر، فلما أصبح الصبح دخل الأسود إلي وجعل يدافع الماء بذراعيه
حتى وصل إلي واستوى معنا علا اللوح، وجعل يراودني عن نفسي، فقلت له: يا عبد الله،
نحن في بلية لا نرجو السلامة منها بطاعة، فكيف بالمعصية? فقال: دعيني، فو الله لا
بد من ذلك.
ومد يده وأخذ الطفل مني ورمى به في البحر، فرفعت طرفي إلى السماء، وقلت: يا من
يحول بين المرء وقلبه، حل بيني وبين هذا الأسود بحولك وقوتك إنك على كل شيء قدير،
وإذا بدابة من دواب البحر قد فتحت فاها و التقمت الأسود وغابت في البحر، فبقيت
الأمواج ترميني يميناً وشمالاً حتى ألقتني إلى جزيرة من جزائر العرب، فقصصت لهم
قصتي وما جرى لي فتعجبوا من ذلك، وأطرقوا رؤوسهم، وقالوا: لقد أخبرتينا بأمر عجيب،
ونحن نخبرك بعجيبين: وذلك إننا كنا سائرين في البحر إذ اعترضتنا دابة ووقفت
أمامنا، وإذا بطفل على ظهرها، ومناد ينادي: خذوا عني هذا الطفل من فوق ظهري وإلا
أهلكتكم، فنزل منا واحد فمد يده على ظهرها وأخذه، وغاصت في البحر، وقد عاهدنا الله
أن لا يرانا على معصية أبداً. وأعطوني الطفل، وهذا من بعض عجائب قدرة الله.
وقيل: إن عيسى عليه السلام إستسقى يوماً لقومه فأمر من كان من أهل المعاصي أن
يعتزل، فاعتزل الناس إلا رجلا أصيب بعينه اليمنى، فقال له عيسى عليه السلام: مالك
لا تعتزل? فقال: يا روح الله، ما عصيته طرفة عين، ولقد نظرت عيني اليمنى إلى قدم
امرأة من غير قصد فقلعتها، ولو نظرت الأخرى لقلعتها.
فبكى عيسى عليه السلام، وقال له: إدع الله لنا، فأنت أحق بالدعاء مني، فرفع يده
إلى السماء، وقال: اللهم إنك خلقتنا وتكلفت لنا بأرزاقنا فأرسل علينا مدراراً.
فأنزل الله عليهم الغيث، تسقوا حتى رووا.
الغيبة والنميمة
وقيل:
إن موسى عليه السلام استسقى لقومه فلم يسقوا، فقال: يا رب، بأي شيء منعتنا الغيث?
فقال: يا موسى، إن فيكم رجلاً عاصياً قد بارزني بالمعاصي أربعين سنة، فطلع موسى
عليه السلام على ربوة عالية ونادى بأعلى صوته: أيها العاصي أخرج من بيننا، فقد
منعنا الغيث بسببك. فنظر العاصي يميناً وشمالاً فلم ير أحداً، فعلم في نفسه أنه هو
المطلوب، فقال في نفسه: إن خرجت افتضحت، وإن قعدت منعوا لأجلي، إلهي قد تبت إليك
فاقبلني.
فأرسل الله تعالى عليهم الغيث، فسقوا حتى رووا. فتعجب موسى على السلام من ذلك،
فقال: يا رب، بم أسقيتنا ولم يخرج أحد من بيننا? فقال: يا موسى، الذي منعتم به قد
تاب إلي ورجع، فقال: يا رب دلني عليه، فقال: يا موسى، أنهاكم عن النميمة وأكون
نماماً.
وقيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، لا تجالسوا المغتابين، ولا
تصحبوا الأمين، ولا تحلفوا باسمي كاذبين ولا صادقين، فمن حلف باسمي صادقا أورثته
الفقر? ومن حلف باسمي كاذباً أورثته العمى.
وقيل: إن الله تعالى خلق ملكاً عرض شحمة أذنه مسيرة خمسمائة عام، يقول في تسبيحه:
سبحانك من عظيم، ما أعظمك، فيقول الله سبحانه وتعالى: قل ذلك لمن يحف بي كذباً.
وقال عليه الصلاة والسلام: "من مات تائباً من الغيبة فهو أول من يدخل الجنة،
ومن مات وهو مصر عليها فهو أول من يدخل النار وهو يبكي".
وقال عليه الصلاة والسلام: "من أذنب ذنبا وهو يضحك دخل النار وهو يبكي".
وحكي
عن بعض الصالحين أنه رأى رجلاً وهو يضحك ضحكاً شديداً، فقال له: يا هذا، هل ذقت
الموت? قال: لا، قال: فهل أمنت مكروها? قال: لا، قال: فهل رجح ميزاتك? قال: لا،،.
قال: فهل جزت الصراط? قال: لا، قال، فلأي شيء هذا الضحك والفرح? قال: فبكى الرجل
وقال: لله علي نذر أن لا أضحك بعدها أبدا.
وحكي عن بعض الصالحين أن غلاماً دخل على أمه وهو ابن سبع سنين وهو باك كئيب حزين، وقال
لها: يا اماه، دخلت مجلس واعظ فسمعته وهو يقول: من أكل لقمة من حرام قسى قلبه، وقد
وجدت لليوم قساوة في قلبي، فما أطعمتيني? قالت له: يا بني، والله ما أطعمتك حراماً
قط، ولكن أذكر اليوم دخلت على بعض الجيران فأخذت شيئاً من كحلها فوضعته في عينك،
فقال: يا أماه، فمن ذلك أوتي علي قساوة القلب.
وقال عليه الصلاة والسلام: "من أكل لقمة من حرام لم يقبل الله منه صرفاً ولا
عدلاً اربعين يوماً".
اتق دعوة المظلوم
وقال
مالك بن دينار رضي الله عنه: من أراد السلامة فلا يظلمن أحداً، فقيل له في ذلك،
فقال: بينما أنا امشي على ساحل البحر، إذ رأيت صيادا ومعه سبعة أنوان، فأخذت منه
نوناً وهو كاره بعد أن ضربته علي رأسه، فعض النون على إبهامي، واتفقت الأطباء على
قطعه، ثم وقعت الأكلة في كفي وسائر عضدي، فخرجت أسيح في الأرض و أريد قطع يدي،
فآويت إلى شجرة ونمت تحتها، فقيل لي في المنام: لأي شيء تقطع يدك، رد الحق إلى
أهله، فانتبهت وجئت مسرعا إلى الصياد وقلت له: أخطأت ولا أعود، فقال لي: ما أعرفك.
فقصصت عليه قصتي وتضرعت إليه في اللين فحاللني، قمت قائماً على قدمي والدور يتناثر
من عضدي، وسكن الوجع بإذن الله تعالى، فقلت: يا أخي، بأي شيء دعوت علي? فقال: لما
ضربتني وأخذت السمكة مني، نظرت إلى السماء وبكيت بكاء شديداً، وقلت: يا رب أسألك
أن تجعله عبرة لخلقك.
وقيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، كم تنادي أن لا أجمع بيتك
وبين خصمك يوم القيامة، وعزتي و جلالي لأوقفنك مع خصمك ولأوردنك مقاماً ترعد منه
الأرض، وتنكس الملائكة أجنحتها، لا يجاوزتي ظلم ظالم.
وقيل: إن نملة دبت على ذيل سليمان عليه السلام، فغضب عليها من ذلك، فأخذها
وألقاها، فنادت النملة لفرط الألم، وقالت: يا نبي الله، هذه السطوة أظهرت القوة
على ضعفي، وهو مطلع على ما فعلت بي، فكن على أهبة الجواب السؤال على ظلمي، فقد
أوهنت عظمي، فهبط الأمين جبريل عليه السلام، وقال: يا نبي الله، الحق يقرؤك
السلام، ويقول لك: وعزتي و جلالي لئن لم تطلب العفو من النملة لأطلبتك بذنبها يوم
القيامة.
وقيل: إن بعض الملوك بنى قصراً وخرج يدور حوله ينظر إلى بنيانه، وإذا ببابه عجوز
لها خصي، وكان الملك قد قصدها في بيعة، فأبت، فقال الملك: وأين هي? قالوا: لم تكن
حاضرة في بيتها، فقال: إهدموه. فهدموه في أسرع وقت، فجاءت العجوز فوجدت بيتها
خراباً، فرفعت رأسها إلى السماء، وقالت: اللهم إني كنت أينما كنت، إلهي أما كنت
أين كنت، هدموا بيتي واستضعفوني، ثم بكت بكاء شديداً، فبكت ملائكة السماء، فأمر
الله تعالى أن يهدم القصر على من فيه. إن في ذلك لعبرة لمن يخشى.
وقيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، قل لبني إسرائيل: من ظلم
امرأة أو صبية، أو من لا يعقل كحبة في الميزان، كويته بمقدارها في النار.
يا داود، وعزتي و جلالي لأوقفن الخصاء موقف الخصماء، ولأحفرنهم يوم القيامة،
ولأسالنهم عن القليل والكثير، والفتيل والنقير، والقطمير، والأعمى من عمي عن حجته
)ما فرطنا في الكتاب(، ولا قصرت رسلي وقد أتت بما أوحيت إليها، وأنا الشاهد وكفى
بي أعظم الشاهدين..
أد الأمانة ولا تخن من خانك
وقال
الحسن بن كهموس رضي الله عنه: أذنبت ذنباً وأنا أبكي عليه، فقيل له: وما هو? فقال:
زارني أخ لي أشتهى سمكاً، فقدمت إليه سمكاً، فلما فرغ من أكله قمت إلى حائط لجاري،
فأخذت منها قطعة طين وغسل بها يده، فأنا أبكي على ذلك أربعين سنة..
وقيل: مر عيسى عليه السلام بمقبرة، فنادى رجلا فأحياه الله تعالى، فقال له عيسى
عليه السلام: ما كنت تعمل في دار الدنيا? فقال: كنت حمالاً أحمل على رأسي وأتقوت
به ، فحملت ذات يوم لإنسان حطباً، فكسرت منه خلالاً فتخللت به، فلما مت أوقفني
الله بين يديه، وقال: يا عبدي: أما علمت إني موقفك بين يدين وفلان إشترى حطباً
بماله ودفع لك الأجرة لتعود به إلى منزله، فأخذت منه شظية لا تملكها، إستونت
بأمري، فسألتك بالله ا ألا ما شفعت لي عند الله فإنني في الحساب منذ أربعين سنة.
وقال الحسن رضي الله. عنه: إن الرجل ليتعلق بالرجل يوم القيامة فيقول: بيني وبيتك
الله، فيقول: والله ما أعرفك، فيقول: أنت أخذت طينة من حائطي، وآخر يقول: أنت أخذت
خيطاً من ثوبي، فهذا وأمثاله قطع قلوب ا لخائفين..
قيل: إن حسان بن أبي سفيان كان لا ينام الليل، ولا يأكل سميناً، ولا يشرب ماءً
بارداً، فلما مات رؤي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك? فقال: أنأ محبوس عن
الجنة بإبرة استعرتها فلم أردها لصاحبها.
وقيل: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهاره صائم وليله قائم، فرآه ولده في المنام
بعد موته، فقال: يا بني، منذ كم فارقتكم? قال: يا أبت منذ عشرين سنة، فقال: الان
لجا خرجت من الحساب كأَن عرشي يهوي لولا أني لقيت رباً كريماً.
وقال بعض الصالحين: رأيت بهلولاً وهو يبكي راكباً على قصبة وهو يغدو إلى المقابر،
فقلت له: إلى أين? فقال: إلى العرض على الله تعالى، فمضى ساعة، ثم عاد وهو يبكي،
فقلت له: وما يبكيك? قال: من عظم ما أصابني، عرضت بين يديه، فلما عرفني طردني.
وقيل في المعنى شعر:
قد سودت وجهي المعاصي |
|
وأثقلت ظهري الـذنـوب |
وأورثني ذكرها سـقـامـاً |
|
وليس لي في الورى طبيبُ |
يا شؤم نفسي غداة عرضي |
|
إذا أحاطت بي الكـروب |
والداعي لما دعاني باسمـي |
|
أنت تقـرأ ومـا يجـيب |
هذا كتاب الذنوب فـاقـرأ |
|
فعندها تظهـر الـعـيوب |
وقال
بعض الصالحين: رأيت صبياً ليلة الخميس وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك? فقال: يا عم،
هذا يوم الخميس أتاني، وهو يوم العرض، واعرض على المعلم وأنا أخاف من زلة أو غلطة،
فقلت في نفسي: هذا صبي صغير خائف من عرضه على معلمه، وهو بشر مثله، كيف حال من
يعرض على مولاه بالقبائح والزلات.
وقيل في المعنى شعر:
سوف تأتي عليك ساعة هول |
|
حين تعطى صحائف الأعمال |
فكأتي أرى فـضـائح قـوم |
|
قد تجلى لعرضها ذو الجلال |
ليت شعري إذا قرأت كتابـي |
|
بيميني أعطاه أم بشمـالـي |
وقال ذو النون المصري رضي الله عنه: رأيت شاباً متعلقاً بأستار الكعبة، وهو يقول: يا رب، أعف عني عما فعلته في أيام غفلتي، فقد فني جسمي، فهتف به هاتف وهو يقول: إنا لا نؤاخذ العبد بما فعله في أيام غفلته.
الخصال التي تنجي من السوء
وقال
سهل بن عبد الله رضي الله عنه: حرام على كل قلب أن يشم رائحة اليقين، وفيه سكون
إلى عمله إلى غيره.
وقال الحسن رضي الله عنه: المؤمن أسير، فيجب عليه أن يسعى في فكاك نفسه، لا يأمن
شيئاً حتى يلقى الله تعالى، ويعلم أنه مؤاخذ عليه في سمعه، وبصره، ولسانه، وجميع
جوارحه.
وقال بعض الحكماء: أحفظ أربع خصال تنج بها من كل سوء: عينك، ولسانك، وقلبك، وهواك.
ولسانك لا تقل به شيئاً من الشر تعلم أن الحق خلافه، وقلبك لا يكن فيه غل ولا
عداوة لأحد من المسلمين، وهواك لا يكن فيه شبه، فإن كان فيك هذه الخصال، وإلا
فاجعل الرماد على رأسك، واعلم بأنك قد هلكت.
وقيل: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: إذا نظرت إلى يمينك فانظر إلى جناتي
ونعمائي، وإذا نظرت عن شمالك فاذكر ناري وعقابي، وإذا نظرت من فوقك فاذكر جلالي
وعظمتي، وإذا نظرت من تحتك فانظر قدرتي وعجائبي، وإذا نظرت أمامك فاذكر الحساب
ودقائقه، و إذا نظرت وراءك فأذكر الموت وأعوانه وشدائد ه وأهواله وسكراته. واعلم
أنك مطلوب بأعمالك رهين.
وقال ذو النون رضي الله عنه: ثق بالله وأرض من م لله، فكل شيء بقضاء الله، ولو علم
الإنسان قرب الله منه ما عصى الله.
وقيل في المعنى شعر موال:
إن كنت صوفي فعجل |
|
إن وقـتـك سـيف |
وإن تهاونت ضيعت |
|
الشتاء والصـيف |
واعلم بأن ابـن آدم |
|
من أهله كالضيف |
دنا الرحيل فـقـل |
|
كيف حالي كـيف |
داوم على حساب نفسك
وقال
بعض الصالحين رضي الله عنه: سألت بعض الرهبان: ألكم عيد? قال: نعم، كل يوم لا تعصى
الله فيه فهو عيد. قلت: فما بالكم تلبسون السواد? فقال: هذا لباس أهل المصائب.
قلت: وأي مصيبة عندكم أعظم، فقال: وأي مصيبة أعظم من ارتكاب المعاصي? قال: فتأملته
فإذا هو في كمه الأيمن حصى أبيض، وفي كمه الأخر حصى أسود، فقلت: ماذا الحصى الأبيض
والأسود? قال: كلما عملت نفسي حسنة أخذت حصاة بيضاء ورميتها في الأسود، وكلما عملت
نفسي سيئة أخذت حصاة سوداء ورميتها في الأبيض، فإذا كان الليل حاسبتها، فإذا كان
الأسود أكثر من الأبيض علمت أنها سيئات، فأرجع إلى نفسي فأعاقبها وأقطع عنها الأكل
والشرب. وإذا كان الأبيض أكثر من الأسود علمت أنها حسنات عملتها فأنعمها وأطعمها
وأسقيها، وهذا دأبي معها إلى أن أفارقها وأنطرح.
وقيل: كان بعض الصالحين رضي الله عنهم كلما عمل شيئاً كتبه في لوح، فإذا كان الليل
وضع اللوح بين يديه وحاسب نفسه، فلا يزال باكياً نادماً إلى الصباح، وأقام علما
ذلك بقية عمره.
فلما مات رؤي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك? قال: أوقفني بين يديه، وقال: يا
عبدي، قد جعلت حسابك في الدنيا لنفسك بدلاً عن حسابك في الآخرة.
وانشد في المعنى شعر:
كم ذا التشاغل والأمـل |
|
كم ذا التواني والكسـل |
حتى متى وإلى مـتـى |
|
يحصى عليك فلا تمل |
هل بعد شيب العارضين |
|
سوى التوقع لـلأجـل |
يا من يغر بـنـفـسـه |
|
وعن الصلاح قد امتهل |
فالموت أقـرب نـازل |
|
والقبر صندوق العمـل |
سخط الإله بما جنـيت |
|
من المعاصي والزلـل |
يا رب عبـد مـذنـب |
|
قد شقه طـول الأمـل |
منك الشفاء لعـلـتـي |
|
وعليك نعم المتـكـل |
قال مالك بن دينار: أن من عرف الله لقيه سالماً، والويل كل الويل لمن ذهب عمره في الدنيا باطلاً.
تذكر الموت واجعله أمامك
وقيل
للحسن رضي الله عنه: يا أبا سعيد، كيف رأيت حالك? فقال: حال من ينتظر الموت إذا
أمسى، وإذا أصبح لا يدري هل يمسي? وكيف يمسي? وقال أويس للقرني رضي الله عنه لبعض
إخوانه: يا أخي، إذا نمت فاذكر الموت واجعله أمامك، وإذا قمت فلا تنظر لصغر ذنبك،
ولكن أنظر إلى من عصيت.
وقال حسان رضي الله عنه لأمه يوماً: يا أماه، أتحبين أن تلقي الله تعالى، قالت: لا
وقد عصيته..
وقال عليه الصلاة والسلام: - "ما من أحد يموت إلا ويندم، أن كان محسناً ندم
أن لا يكون قد زاد فيه، وان كان مسيئاً ندم أن لا كان أقلع منه" قال بعض
الصالحين: حضرت رجلاً عند الموت، فقلت له: قل لا إله إلا الله، فقال: كلمة كنت
أقولها منذ سبعين سنة، و ألان قد بدا لي أن لا أقولها.
وقال بعض السادة الصالحين رضي الله عنهم: بكى عمر الجويني رضي الله عنه ذات ليلة
بكاء شديداً، فقالت له أمه: ما يبكيك? ألا تشكر صلاتك وصيامك? قال: دعيني يا امي،
فوالله ما أدري ما يحتم لي به.
وقال ابن عجلان رضي الله عنه: حضرنا في نزع رجل عالم من العلماء، ما رأيت أشد خشية
لله تعالى منه، فلقناه الشهادة، فلما هم أن يقولها فلم يستطع أن يقولها، فسألناه
عن ذلك? فقال: حبل بيني وبينها، وذلك أني قتلت نفساً في شبابي، فنعوذ بالله من
مكره.
طريد الله
قال ذو النون رضي الله عنه: كنت في البادية، فرأيت شخصاً عظيم. الخلقة على تل عال، فدنوت منه فإذا عين تجري من عينيه، فقلت له: من أنت? فقال: أنا طريد الله، فقلت له: مم بكاؤك? فقال: إنما بكائي على الوصال الذي كان بيني وبين الله تعالى. وأنشد في المعنى شعر:
ليس لي فيك مرتـجـى |
|
غير صبري على القضا |
وبكى على الـوصـال |
|
الذي كان وانقـضـى |
وقوله تعالى: )ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة( قال ذو النون: معناه: ادعوا محبة الله ولم يكونوا فيها صادقين.
قال
عمر رضي الله عنه: ليست الأعمال كلها ترضيه ولا بالذي تسخطه، لكنه رضي عن قوم
فاستعملهم بعمل الرضى، وسخط على كل قوم آخرين فاستعملهم بعمل السخط.
وقيل: إن رجلاً أطال الصلاة ورجل خلفه ينظر إليه، فلما فرغ من صلاته قال الرجل: يا
أخي لا يعجبك ما رأيته مني.؛ وذلك لأن إبليس - لعنه الله - عبد الله دهراً طويلاً
ثم صار إلى ما صار إليه.
الأمن من مكر الله
وقيل:
إن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرعد خوفاً وزمعاً، فقال
له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما هذا الخوف? فقال: يا حبيبي يا محمد، إن إبليس
- لعنه الله - عبد الله تعالى ثمانين ألف سنة، ثم صار -إلى ما صار إليه، ثم هاروت
وماروت وقد كانا لهما فضل كثير، فلا نأمن من إن يبتلينا بمعصية فنعذب عليها.
فقعدا يبكيان حتى ناداهما مناد من السماء: أن الله تعالى أمنكما من أن يبتليكما
بمصيبة فيعذبكما عليها. ففرحا فرحاً شديداً وقالا: الحمد لله".
وقيل: إن الله تعالى قال لجبريل و ميكائيل: ما هذا الخوف للذي دخلكما وقد علمتما
مكانكما مني، وإني لا أظلم أحداً شيئاً? فقالا: أجل يا ربنا، ولكنا لا نأمن من
مكرك، فقال: صدقا لا تأمنا مكري أبداً.
وقال عمر رضي الله عنه: عباد الله، لا تغتروا بطول حلم الله، واتقوا السفه، فقد
سمعتم قوله عز وفي في كتابه: )فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين(
إحذر آفة الشهوة
وقيل:
إن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا محمد، من عمل من
أمتك عملاً يريد به الدنيا- لم يجعل الله منه نصيباً يوم القيامة. فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: "إنا لله و إنا إليه راجعون".
وقيل في قوله تعالى: )وإن يأتوكم أسارى تفادوهم(.
معناه: "وإن يأتوكم أسارى" أي: في الشهوات، "تفادوهم" أي:
تداووهم على للرياضات والمجاهدات، فإن الله سبحانه وتعالى لا يتجلى لقلب مشغول
بشهوة من الشهوات..
وقيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، حذر أصحابك من أكل الشهوات،
فإن القلوب المتعلقة بشهوات الدنيا معقولة محجوبة مني".
وقال عليه الصلاة وللسلام: "إذا رأيتم مبتلي فسلوه العافية فأهل البلاء هم
أهل الغفلة عن ذكرالله تعالى".
قيل: إن جبريل عليه السلام أتى يوسف عليه السلام، فقال: يا يوسف، الحق سبحانه
وتعالى يقرؤك للسلام، ويقول لك: أما تستحي مني، إشتغلت بغيري، وعزتي و جلالي
لأبتليك بالسجن بضع سنين. فقال يوسف: يا جبريل، هو راضٍ عني? قال: نعم، قال: إذاً
لا أبالي.
وحكي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه قال: يومان وليلتان لم تسمع الخلائق
بمثلهما: يوم مجيىء البشير من الله تعالى إما يرضاه وإما يسخطه، ويوم الموقف بين
يدي الله تعالى.
فمنهم من يأخذ كتابه بيمينه، ومنهم من يأخذ كتابه بشماله، وليلتان ليلة مبيت الميت
في قبره مع أهل القبور، فلم يبت ليلة مثلها وليلة صبيحتها القيامة ليس بعدها
ليلة".
وقيل: إن إبراهيم عليه السلام بكى بكاء شديداً، فنزل عليه جبريل عليه السلام، وقال
له: يا إبراهيم الخليل، إن الله يقرؤك السلام ويقول: هل رأيت خليلاً يعذب خليله?
فقال إبراهيم عليه السلام:"إذا تذكرت خطيئتي نسيت خلتي".
فإذا كان هذا إبراهيم مع. نبوته وخلته فما حال العاصي مع زلته وخطيئته، فحاسب نفسك
يا أخي قبل أن تحاسب، ومهد لها قبل أن تعذب، وجاهدها الجهاد الأكبر، وقيل عند
ذبحها: بسم الله والله أكبر.
إحذر غضب الله
وقيل:
إن يحيى بن زكريا عليه للسلام لقي عيسى عليه السلام، فقال: يا روح الله، أخبرني عن
أشد الأشياء في للدارين، فقال: غضب الله.
وقيل: لقي حاتم رضي الله عنه.حامداً، فقال له: يا.أخي، كيف أنت في نفسك? فقال:
سالم معافى، فقال: يا أخي، إنما السلامة من وراء الصراط، والعافية في الجنة.
وقيل في المعنى شعر:
دعوه لا تلومـوه دعـوه |
|
فقد علم الذي لا تعلموه |
رأى علم الهدى فسما إليه |
|
وطالب مطلباً لا تطلبوه |
أجاب دعاءه لمـا دعـاه |
|
فقال بحقه و أخلفتمـوه |
اطلب النجاة من عذاب الله
وحكي
عن بعضهم أنه مر براهب في صومعته، فناداه فلم يجبه، ثم ناداه ثانياً، فاًشرف عليه
الراهب وقال: "يا هذا، ما أنا براهب، وإنما الراهب من ترهب إلى الله في سمائه
وعظمته وكبريائه، وصر على بكائه، ورضي بقضائه، وشكره على نعمائه، وتواضع لعظمته،
وخضع لهيبته، وفكر في حسابه وأليم عقابه، فنهاره صائم وليله قائم، قد أسهره ذكر
النار ومسألة الجبار، فذاك هو الراهب، وإنما أنا كلب عقور قد حبست نفسي في هذه
الصومعة عن الناس لئلا أعقرهم" ، فقلت له: ادع لنا، فقال: "اللهم يا من
علمه لا يحس، ونوره لا يطفأ، وأمره لا يخفى، يا من فرق البحر لموسى ونجاه مما يخاف
ويخشى، نجنا مما نخاف ونخشى ". ثم أدخل نفسه في الصومعة ولم نره بعدها.
وقيل في المعنى شعر:
فبحرمة الـود يا ودود |
|
بموضع المجد يا مجيد |
أعطف بعفو على عبيد |
|
لم ينهه الوعد والوعيد |
يا ليتني كنت قبل موتي |
|
أبكي فأنسى فلا أعود |
أيا كاتباً بـلا خـطـايا |
|
قد كنت عن درسه أعبد |
لا تغرنك الدنيا
وحكي
أن داود عليه السلام بينما هو يسبح في الجبال إذا أتى على غار فنظ، فأذا فيه رجل
عظيم الخلقة من بني آدم، وإذا عند رأسه حجر مكتوب عليه: "أنا وسيم، ملك
الصنع، ملكت الدنيا ألف عام، وفتحت ألف مدينة، وهزمت ألف جيش، وبكرت ألف بكر من
بنات الملوك، وقتلت ألف جبار، فمن رآني لا يغتر بالدنيا، فما كانت إلا كحلمة نائم،
ثم صار أمري إلى ما ترى، صار التراب فراشي، والحجارة وسادتي، فمن راني فلا تغره
الدنيا كما غرتني".
وقيل: مر عيسى عليه السلام بقرية، فنادى أهلها، فإذا هو بنسر قائم عل فنائها، فقال
له عيسى عليه السلام: كم لك في هذه القرية، فقال: خمسمائة عام، فقال: هل رأيت
أحداً فيها، فقال: لا يا روح الله، فنادى عيسى عليه السلام: يا أرض، أين أهلك
وأصحابك وسكانك? فأمرها الله تعالى أن تجيبه وتكلمه، فقالت: لقطعتهم من منازلهم
آجالهم، وأحاطت بهم أعمالهم، وصارت ذنوبهم قلائد في أعناقهم، ووقفت أرواحهم بين يدي
الخلاق، فلحومهم فانية، وعظامهم بالية، فإما إلى جنة عاليه، وإما إلى نار حامية.
فبكى عيسى عليه السلام، وبكى أصحابه، وقال: هذا عاقبة الدنيا، فالويل لمن ركن
إليها.
وقيل في المعنى شعر:
لا تأسفن على الدنيا ومـا فـيهـا |
|
فالموت لاشك يفنينا ويفـنـيهـا |
وأعمل لدار البقاء رضوان خازنها |
|
والجار أحمد والجبار بـانـيهـا |
كيفية تعبد أبو الحسن الثوري
قال
بعض الصالحين: تعبد أبو الحسن الثوري رضي الله عنه من صغره، فلما بلغ خمس عشرة
سنة، قال لأمه: هبيني لله عز وجل، فقالت: يا بني، إنما يهدي للملوك -من يصلح لهم
ويخضع لهم، وما فيك شيء يصلح لله عز وجل، فبكى ودخل بيتاً وتعبد فيه مدة خمس سنين،
فظهرت عليه أنوار الخلوة فدخلت عليه أمه، فلما رأته قبلت ما بين عينيه، وقالت: يا
بني، قد وهبتك لله تعال، فخرج فرحاً مسروراً، فغاب عنها ثلاثين سنة، فاشتاق إليها،
فحضر ليزورها، فطرق الباب، فقالت: من بالباب? فقال: ولدك أتى ليسلم عليك? فقالت:
يا بني إني قد وهبتك لله، فو الله ما واليتك إلا بين يديه.
وقيل في المعنى شعر:
بحب الـلـه لا تـأويه دار |
|
ولا يأوي مكاناً فيه جـار |
ولا يهتم في الدنيا بـقـوت |
|
ويكره أن يكون له عقـار |
يفر من العقار إلى قـفـار |
|
فيبكي حتى تفقده القفـار |
يقول لنفسه كـدي وجـدي |
|
فما في خدمة الرحمن عار |
بكاء الرسول عند قبض روحه
قيل:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ملك الموت ليقبض روحه الزكية، فبكى صلى الله
عليه وسلم ، فقال له ملك الموت: أتبكي وأنت راجع إلى ربك، فقال: "أبكي على
ليالي الشتاء وأيام الصيف والاخيار يقومون ويصومون، ويتلذذون بوصاله و مناجاته
وأنا في القبر ميت".
فأوحى الله تعالى إليه: "أنت عندي بهذه المنزلة".
وخيره بين الحياة والممات، فاختار الرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم .
اخش عذاب الله وعامله بتقواه
قال الأصمعي رضي الله عنه: دخلت المارستان ببغداد، فإذا أنا بشاب حسن الوجه وهو مربوط في عامود، فلما رآني أنشد يقول شعراً:
همومك بالفكر مقطوعة |
|
وهل تقطع اليوم إلا بهم |
مصائب دنياك ممـزوجة |
|
وهل يؤكل الشهد إلا بسم |
فقلت له: ما الاسم? فغاب عني، ثم أنشد يقول:
غدي اسمي وكنيتـي وفـؤادي |
|
ضل عقلي من هول يوم المعاد |
فقلت له: فيما جلست? قال: في الحب، فقلت له: وما الحب? قال: شيئان دقيق له لون كلون النار في الحجر، إذا قدحته أورى، وإن تركته توارى. وقيل في المعنى شعر: -
باتوا فأضحى الجسم من بعدهم |
|
ما تبصر العين لـه قـبـاء |
وأخجلتني منهم ومن قولـهـم |
|
ما ترك الفقر لـهـم شـياء |
بأي شيء ألقاهـم فـي غـد |
|
إن وجدي من بعدهم خـبـاء |
قال الأصمعي رضي الله عنه: قلت له: صفهم لي، أين أجدهم? فقال: ركبوا سفن الخشية، واستعملوا مقاديف الطاعة، وأرخوا قلاع التوكل، وعصفت عليهم رياح الشوق، فألقتهم في بحار المعرفة، فنقلتهم أمواج الرضا، وحملتهم تيارات اليقين، فصار القوم سائرين حتى غابوا عن كل أعين الناظرين، وكأني بمراكبهم تخرق لهم الحجب، والملائكة تتلقاهم بالروح والريحان، فيقولون: يا ملائكة الله، أين يكون الصراط? فتقول لهم الملائكة: أبشروا يا أولياء الله، فقد جاوزتم الصراط بخمسمائة عام، ثم شهق شهقة فمات رحمه الله تعالى: وقيل في المعنى شعر:
من عامل الله بـتـقـواه |
|
وكان في الخلوات يخشاه |
سقاه كأس من لذيذ المنى |
|
يغنيه عـن لـذة دنـياه |
وقال
بعض السادات رضي الله عنهم: "من كان الذكر في الخلوة جليسه، كان المذكور في
الوحدة أنيسه".
قال عليه الصلاة والسلام: "من مقت نفسه في ذات الله، أمنه الله من مقته يوم
القيامة".
مناجاة الصالحين
وكان
بعض الصالحين يقول في مناجاته: "وعزتك و جلالك ما أردت بمعصيتك مخالفتك، وما
عصيت إذ عصيتك وأنا بمكانك جاهل، ولا لعقوبتك متعرض، ولا مستخف بأمرك، ولكن سولت
لي نفسي وأعانتني عليها شقاوتي، وغرني سترك المرخى علي، عصيتك بجهلي، وخالفتك
بسفهي، فالان من ينقذني من عذابك، واعتصم بحبل من أقطعت حبلك عني.
فوا أسفاه.. ووا أسفاه من الذنوب، غداً بين يديك إذا قبل للمخفين جوزوا مع
المخفين، وللمثقلين حطوا، أمع المثقلين أحط أم مع المخفين أجوز، وكلما كبر سني
كثرت ذنوبي، وكلما طال عمري عظمت المعاصي، فكم أثوب وكم أعود? أما آن لي أن استحي
من ربي?!! وقيل في المعنى شعر:
يا عظيم الـجـلال أنـت مـلاذي |
|
حين أحيى وغايتـي لـمـعـادي |
بك أرجو النجاة مـن كـل كـرب |
|
فارحم اليوم عبرتـي وسـهـادي |
لسـت أدري مـاذا تـحـــاول |
|
نفسي من فساد يا منقذي من فسادي |
خف ربك يوم الحساب
قيل:
كان في بني إسرائيل رجل مسرف على نفسه، فلما حضرته الوفاة، قال لولده: يا بني إن
طاعتي عليك ميتاً كطاعتي عليك حياً، فإذا أنا مت فاجعلني في حصير وأحرقني بالنار
واسحقني كسحق الكحل الناعم، فإذا ارتفعت الرياح العواصف فذر نصفي في الجبال، ونصفي
في البحار، فإني خائف من ربي أن يعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، قال:
ففعل به ذلك، فأقامه الله تعالى في أسرع كل طرفة عين، وأوقفه بين يديه، وقال: يا
عبدي، عصيتني حباً وكفرت بي ميتاً، فقال: يا رب خفت من هذا المقام، فغفر له بذلك.
وقيل في المعنى شعر: -
قد كان ما كان يجهل الصـبـا |
|
فلا تؤاخذني بما قد مـضـى |
لي حرمة التوحيد لا غـيرهـا |
|
وهي التي تطعمني في الرضا |
قيل:
أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: "يا موسى، إن العبد ليعصيني، حتى تقول
الملائكة: لن يغفر الله لهذا العبد أبدا، فإذا دعاني، قلت: لبيك عبدي، وإن العبد
ليعرض عني حتى كأنه لم يعرفني.
يا موسى، وعزتي و جلالي لأمهلن من عصاني حتى يتلذذ بنعمائي، فإن استحى مني استحيت
منه، وإن أعرض عني نظرت إليه، وإن تاب تبت عليه".
وروي أن حبشياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: "يا رسول الله، إني
كنت أكثرت الفواحش، فهل لي من توبة? فقال: "نعم يا حبشي"، فولى ثم رجع
مسرعاً، فقال: يا رسول الله أكان يوافي وأنا فيها، قال: "نعم"، فصاح
الحبشي صيحة خرجت روحه.
وقيل في المعنى شعر:،-
ما اعتذاري لأمر ربي عصيت |
|
قد نهاني وما رآني انتـهـيت |
ما جوابي إذا وقـفـت ذلـيلا |
|
قد نهاني وما رآني انتـهـيت |
يا غنيا عن العبـاد جـمـيعـاً |
|
وعليما بمالـه قـد سـعـيت |
ليس لي حجة ولا لـي عـذر |
|
فاعف عني زلتي وما قد جنيت |
قال الحسن رضي الله تعالى عنه: نمت ليلة في قرية من قرى الشام، فسمعت طول الليل طائراً ينوح ويبكي، ويقول: أخطأت فلا أعود:
أسأت فلا أعود إلى العتاب |
|
وجئتك خاضعاً قبل العقاب |
وهذا للذنب آخر كل ذنـب |
|
و أخره إلى يوم الحسـاب |
إياكم ومحقرات الذنوب
قال
صلى الله عليه وسلم: " أصغر الذنب عند الله تعالى أعظمها عند الناس، وأعظم
الذنوب عند الله أصغرها عند الناس".
وقيل في المعنى شعر:
لا تحقرن من الذنوب أقلها |
|
إن القليل إلى القليل كثير |
قالت
عائشة رضي الله تعالى عنها، ورضي عن آبها: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإن لها من
الله طالبا".
قوله عز وجل: )إنه كان للأوابين غفوراً(.
قال سعيد بن المسيب رضي الله عنه: "معناه: أن الرجل يذنب ثم يتوب، ثم يذنب،
ثم يتوب".
بادر بالتوبة فان الموت يأتي بغتة
قال
لقمان لابنه وهو يعظه: "يا بني، لا تؤخر التوبة، فإن الموت يأتي بغتة".
وأنشد في المعنى شعر:
لا تأمن الدنيا وإن سلمـت |
|
فإنهـا خـوانة غـادرة |
وبادر العمر وخف فوتـه |
|
فالكيس الحازم من بادره |
وقل لمن أمسى على عزة |
|
ما أقرب الدنيا من الآخرة |
قال
بعض الصالحين رضي الله عنهم: "الذنوب ضعف في البدن، وظلمة في القلب، وإن
الحسنات قوة في البدن ونور في القلب".
وقال عيسى عليه السلام: "من أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب محيت
عنه، وإن لم يتب وأذنب ذنباً ثانياً نكت في قلبه نكتة ثانية، ولا يزال يذنب وينكت
حتى يصير القلب سوداً ".
لا تقنط من رحمة الله
وحكي
عن الحسن البصري رضي الله عنه: أنه تاب على يده شاب يقال له العباس، وكان كثير
المعاصي، ثم تاب ثم نكث سبعين مرة يتوب وينكث حتى كان آخر عمره وقد حضرته الوفاة،
قال لوالدته أدركيني بالشيخ حتى أجدد التوبة على يديه، فلعل الله يقبلني. فأتت
العجوز إلى الشيخ وسلمت عليه، وقالت له: أنا أم العباس، وقد حضرته الوفاة وهو يريد
تجديد التوبة على يديك، فقال لها: إذهبي فلا حاجة لي فيمن يتوب وينكث، فرجعت
باكية،وقالت: ويحك يا عباس إن الشيخ قد أبى أن يأتيك لقبح أفعالك، فقال: إلهي
وسيدي ومولاي، إن الشيخ قطعني فلا تقطعني ولا تقطع رجائي منك.
ثم قال لوالدته: إذا أنا متّ فضعي رجلك على وجهي، وضعي في رقبتي حبلاً، واسحبيني
في الأسواق وقولي هذا جزاء من عصى الله، فلعله يراني فيرحمني بفضله وكرمه. فهمت أن
تضع رجلها على وجهه، وإذا بهاتف يقول: لا تضعي قدمك موضع السجود، واعلمي أن الله
سبحانه وتعالى قد غفر له وأعتقه من النار، فجهزته ووارته بالتراب وانصرفت.
فرأى الشيخ البصري رب العزة في المنام، وهو يقول: "يا حسن، ما حملك على أن
تقنط عبدي من رحمتي، أليس أنا الذي خلقته ورحمتي وسعت كل شيء، وعزتي و جلالي لئن
عدت إلى مثلها لأمحونك من ديوان الصالحين".
وحكي أن شاباً دخل على الدنيوري، فرآه يعظ الناس، فقال له: يا شيخ ألا ترى ما نزل
بي كلما وقفت على باب المولى صرفني بقواطع المحن والبلوى، وكلما ترددت عليه غلبني
الحياء منه، فقال له الشيخ: كن على باب مولاك كالولد الصغير مع أمه، كلما طردته
ترامى عليها، فلا يزال كذلك حتى تكون هي التي تضمه إليها، يا أخي، إذا وليت عن
بابه فباب من تقصد? وأنشدوا في المعنى شعراً:
قم واعتذر عن قبائح سلفت |
|
وسله يعفو عن الذي كانا |
فإن مولى الجميع ذو كرم |
|
يبدل السيئات غـفـرانـا |
ويحكى
أن رجلاً أصاب ذنباً فنودي في سره: قم أخرج واطلب لك شفيعاً يشفع لك عند مولاك،
فخرج فلقيه رجل في الطريق، فقال له: يا عبد الله إلى أين تريد، فقال: أريد من
أتشفع به وأتوصل به إلى ربي فيقيل توبتي، فقال له: إرجع فإنه أرحم بك، فقال: لا
بدلي من ذلك، ثم سار فلقيه رجل من بعض الأولياء، فقال: مرحباً بك يا حبيب الله،
مرحباً بالعبد المعتذر من ذنبه، المستقيل من عثرته، إعلم أن الله تعالى قد قبل
توبتك، وإذا بمناد من قبل السماء ثلاث مرات: قبلت.
وقيل في المعنى شعر:
ما اعتذاري وما يكون جوابـي |
|
ما اعتذاري إذا قرأت كتـابـي |
عن معاص أتيتها باغـتـراري |
|
بعد موتي بموقفي للحـسـاب |
يا عظيم الجلال مـالـي عـذر |
|
فاعف عن زلتي وعظم مصابي |
قال بعض السادات الصالحين: "قال الله تبارك وتعالى في بعض كتبه المنزلة: "يا ابن آدم تسألني فأمنعك لعلمي بما يصلحك، ثم تلح علي في السؤال فأجود بكرمي عليك فأعطيك ما سألتني وتستعين به على المعاصي، ثم أستر عليك ثم تعود إلى المعاصي فأستر عليك، فكم من جيل أصنعه معك، وكم من قبيح تصنعه معي، يوشك أن أغضب عليك فلا أرضى بعدها أبداً".
كن لله مطيعاً ولا تشتغل بالدنيا
قال
ذو النون المصري رضي الله عنه: يقول الله تبارك وتعالى في بعضن كتبه المنزلة:
"من كان لي مطيعاً كنت له ولياً، وعزتي و جلالي لو سألني في زوال الدنيا لا
زلتها".
قال بعض الصالحين: "علامة مقت الله للعبد أن يراه مشتغلاً بما لا يعنيه من
أمر نفسه يطلب الجنة بلا عمل، ويذنب و ينتظر الشفاعة".
وقيل لمعروف الكرخي رضي الله عنه: بأي شيء حصل للطائعين الطاعة? قال: "بإخراج
الدنيا من قلوبهم، ولو كان في قلوبهم منها مثقال ذرة واحدة، ما تقيل الله منهم
سجدة واحدة".
وقيل: إن رجلاً جاء إلى أبي يزيد البسطامي رضي الله عنه وقال له: عظني، فقال له:
أنظر إلى السماء بحال، فنظر إليها، فقال: أتدري من خلقها? قال: الله تعالى، فقال
له: إن الذي خلقها مطلع عليك حيث كنت فأحذره.
قال أبو يزيد رضي الله عنه: رأيت ربي في المنام، فقلت له: أين أجدك? فقال:
"فارق نفسك وتعالى تجدني".
وقيل: "إن الليل مطية المحبين، فإذا قاموا بين يديه سقاهم من صافي الوداد،
فإذا أنزهه لهم وكربوا طابت نفوسهم وجالت قلوبهم في الملكوت حباً إلى الله تعالى
وشوقاً إليه، فيقطعون ليلهم بمناجاتهم".
وقيل في المعنى شعر:
غرست الحب غرسا في فؤادي |
|
فلا أسلو إلى يوم الـتـنـادي |
مزقت القلب مني باتـصـال |
|
فشوقي زائد والحـب بـادي |
سقاني شربة أحي فـؤادي |
|
فكأس الحب من بحر الوداد |
فلولا الله يحفظ عـارضـيه |
|
لهم العابـدون بـكـل واد |
ثمرة الأكل من الحلال
قال
الشبلي رحمه الله تعالى: "عزمت أن لا آكل إلا حلالاً وأنا أطوف بالبراري،
فرأيت شجرة فمددت يدي إليها فنادتني الشجرة: تأدب يا شبلي مع الله تعالى فإني لرجل
يهودي، فتركتها وانصرفت".
وعن الفضيل العسقلاتي رضي الله عنه انه اشتهى سمكاً منذ مدة سنين وعاهد نفسه أنه
لا يأكله إلا حلالاً، فمد يده ليأكل منه، وإذا بشوكة قد أصابت يده، فقال:
"إذا كان هذا حال من مد يده إلى حلال، فكيف حال من يده إلى حرام". فحلف
أن لا يأكله بقية عمره.
وحكي أن أويس القرني رضي الله عنه مكث ثلاثة أيام لا يأكل شيئاً، ثم مشى فرأى
ديناراً في الأرض، فرفعه إليه وقال: هم وغم، ثم ألقاه من يده? فبينما هو كذلك، إذا
بشاة في فمها رغيف ساخن، فقال في نفسه: لعل هذه الشاة أخذته من راعيها، فأنطقها
الله تعالى وقالت: "يا أويس، هذا رزق من عند الله تعالى، أتاني به جبريل عليه
السلام، وأمرني بدفعه لك".
وكان بعض الصالحين رضي الله عنهم إذا جاء أوان الفواكه ذهب إلى السوق فيشتري منها
ويذهب بها إلى الكتاتيب، فمن أشار إليه أطعمه من تلك الفواكه، ويقول للمعلم:
"هل عندك فقير أو يتيم? فيقول هذا وهذا، فيعطيهم من تلك الفواكه، فلما مات
الرجل رؤي في المنام وهو في بستان عظيم كثير الفواكه، وهو يأكل منها ما أحب، فقيل
له: ما هذا? فقال: أطعمنا له فأطعمنا".
وقال
أبو بكر رضي الله عنه: دخلت على أبي مسلم في يوم عيد، فرأيت عليه قميصاً مرقعاً،
وبين يديه خروف وهو يأكل منه، فقلت: يا أبا مسلم، فقال: لا تنظر إلى الخروف ولكن
انظر إذا سألني ربي، من أين لك هذا? فأي جواب أقوله وما اعتذاري.
وعن أبي موسى بن إبراهيم رضي الله عنه، أنه قال: رأيت فتح الموصلي يوم عيد، وقد
رأى الناس بالثياب والعمائم، فقال: لثوب يبلى، وجسد يأكله الدود غداً، هؤلاء
أنفقوا دنياهم في بطونهم وعلى ظهورهم، ويأتون ربهم مغلسين.
لا تؤخر التوبة وتذكر لقاء الله
وكان
شاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قليل الصلاة، فلما مات أتوا به إلى
النبي صلى الله عليه وسلم . فلم يصل عليه، فقالت الملائكة: يا ربنا رأيناه يصلي
يوم عيد، فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام: "أن اهبط إلى نبي محمد صلى الله
عليه وسلم ، وقل له: هذا الشاب قد وقف ببابنا مرة واحدة فصل عليه فإنا قد غفرنا
له.
وأنشدوا في المعنى موالاً:
يا نفس كم توعديني بالصلاة والصوم |
|
تماطليني فيقضى العمر يوم بـيوم |
أنت رضيت لنفسك بالكسل والنـوم |
|
إن جئتنا وطردناك ما علينـا لـوم |
وكان
في بني إسرائيل رجل عبد الله مائتي عام ويريد أن يرى إبليس، فلما كان ذات يوم وإذا
بإبليس لعنه الله قد تصور بين يديه، فقال له: ماذا تريد مني? فقال له: أريد منك أن
تعلمني كم بقي من عمري? فقال: بقي من عمرك مائتا سنة، فقال العابد في نفسه: أشتغل
باللهو والفسق مائة وخمسين سنة وأتوب في الخمسين الباقية، فخرج العابد تلك الليلة
على نية المعصية، فأدركه الموت فمات وكان يقدم المعصية على التوبة.
وكذلك الشقي يؤخر التوبة ويقدم المعصية، ومن كان في النقصان فالموت خير له، وقد
جرى القلم بما به الإله حكم، وقضى بيننا فما ظلم يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
وقيل في المعنى شعر:
قضى الله أمراً وأجرى القلم |
|
وفيما قضى بيننا فما ظلـم |
نقض العهود والغدر فيها
قوله
تعالى: )وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين(.
يا هذا، عاهدت الله وغدرت، و أوعدت وأخلفت، في غد يأتيك الجزاء إذا حوسبت على كل
لحظة، ونوقشت على كل صغيرة وكبيرة، وخطيرة وحقيرة.
يقول الله سبحانه وتعالى: "يا عبدي، أما استحيت مني وهذا فضلي عليك، أمهلتك
حتى تماديت، سترتك وأقبلت عليك بعد إعراضك عني، وسترت عيوبك عن الناس، ومحوت زلتك
من الكتاب، ولم أناقشك في الحساب ".
حاسب نفسك
وكان
بعض السادة الصالحين يقول: "ينبغي للعبد أن يزن نفسه قبل أن توزن أفعاله،
ويحاسب قبل أن تحاسب، ويذكرها العرض على الله في يوم الفزع ا لأكبر".
قال رجل لبشر الحافي رضي الله عنه: أوصيني بوصية، فقال: "إحذر أن اوصيك بوصية
يكون وبالها عليك وعلي، فقال: أوصني، ثم قال: انظر بأي بدن تقف في القيامة، وانظر
من تقف بين يديه ويحاسبك. واعلم بأنك مسؤول لا محالة، فحاسب نفسك والزم بيتك،
واذكر اسم الله عز وجل، وكن مع الله عز وجل".
بكاء الصالحين عند موتهم
خوفاً من الله تعالى
قال
بعضهم: دخلنا على عطاء السلمي نعوده في مرضه الذي مات فيه، فقلنا له: كيف ترى
حالك? فقال: "الموت في عنقي، والقبر بين يدي، والقيامة موقفي، وجسر جهنم
طريقي، ولا أدري ما يفعل بي"..
ثم بكى بكاءً شديداً حتى غمي عليه، فلما أفاق، قال: "اللهم ارحمني وارحم
وحشتي في القبر، ومصرعي عند الموت، وارحم مقامي بين يديك يا أرحم الراحمين".
وقيل:إن محمد بن المنكدر بكى بكاءً شديداً عند موته، فقيل له: ما يبكيك? فرفع طرفه
إلى السماء، وقال: "اللهم إنك أمرتني ونهيتني فعصيت، فإن غفرت فقد مننت، وإن
عاقبت فما ظلمت".
وبكى أبو هريرة رضي الله عنه عند الموت، فتقيل له: ما يبكيك? فقال:"لبعد
سفري، وقلة حيلتي".
وبكى عمر رضي الله عنه عند الموت، فقيل له: ما يبكيك? فقال: أخاف أن أكون قد أتيت
بذنب أحسبه هيناً وهو عند الله عظيم.
وكان بعضهم يبكي ليلاً ونهاراً، فقيل له في ذلك، فقال: "أخاف أن يكون الله
تعالى رآني على معصية، فيقول: مر عني فإني غضبان عليك".
وبكى الحسن رضي الله عنه بكاء شريداً، فقيل له: يا أبا سعيد ما يبكيك? فقال: خوفاً
من أن يطرحني في النار ولا يبالي. عذاب أهل النار
وقال
عليه الصلاة والسلام: "أن أهل النار ليبكون في النار حتى تجري دموعهم
كالأودية، فلو أن السفن ألقيت فيها لجرت" وقال صلى الله عليه وسلم: "ما
في جهنم من غل ولا قيد ولا سلسلة إلا وعليها إسم صاحبها في النار".
وقرأ الفضيل رضي الله عنه قوله تعالى: )كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا
فيها"..
فبكى، وقال: "والله ما طمعوا في الخروج، وإن الأيدي لموثوقة، والأرجل لمقيدة،
وكلما رفعهم لهيبها يصيرون في أعلاها، فزدهم الزبانية بمقامع من حديد إلى أسفلها".
فنعوذ بالله منها.
وحكي عن الحسن البصري رضي الله عنه: أنه ذكر النار يوماً فبكى، وقال:"يخرج من
النار رجل بعد ألف عام، ثم غلب عليه البكاء ثم قال: يا ليتني أكون ذلك
الرجل".
وسئل بعضهم عن الطامة الكبرى? فبكى، وقال: "هي الساعة التي تدفع فيها لخزنة
جهنم" وذكر الناس يوماً جهنم، فذكر لهم ما أعده الله فيها لأهلها، وبكى
وقال:"فإذا ألفحتهم النار لفحة واحدة، فلا تدع لحماً ولا جلداً إلا ألفته في
العراقيب وتبقى العظام بيضاء تلوح".
وفي أنفسكم أفلا تبصرون
إخواني:
إلى كم تفترون، وعن عيبكم لا تقصرون، )وفي أنفسكم أفلا تبصرون(.. أفلا تبصرون
بالله، فبالله عليكم لا تفترون، وعلى الله تجأرون، فسوف تناقشون وتندمون، وعلى
خالقكم تعرضون )وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون(.
قال أنس رضي الله عنه: مر عيسى عليه السلام بقرية خراب، فناداها: "أين أهلك?
أين عمارك? فسمع صوتاً وهو يقول، بنو بنياناً وباتوا فلم يصبحوا، فقال عيسى عليه
السلام: ما الذي بلغ بهم? فقال: كانوا لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر،
فقال عيسى عليه السلام: فما بالك أجبتني من دونهم? فقال: إني لم أكن منهم، وإنما
كنت ماراً بينهم في الطريق فغشيهم العذاب، فروحي مع أرواحهم في سجين، فقال له عيسى
عليه السلام: وما سجين? فقال صخرة سوداء تحت الأرض السابعة". نعوذ بالله
منها.
أهوال القيامة
قوله
تعالى: )ألهاكم التكاثر( .
معناه: الإكثار من الأموال والأولاد، شغلهم عن يوم العرض والمعاد.
)حتى زرتم المقابر(.
وفارقتم الأحباب والأصحاب، وصرتم مرتهنين بين أطباق الثرى، حيارى إلى يوم الحساب.
)كلا سوف تعلمون( .
اذا برزتم في المقابر مهطعين وأتاكم ما توعدون من رب العالمين.
)ثم كلا سوف تعلمون( .
إذا قامت القيامة بدواهيها، وانشقت السماء ونزل من فيها، ووضعت الناس ما في بطنها،
وذهلت المراضع عن أولادها، وشابت الولدان من أهوالها، وكسفت الشمس وزاد حرها.
)كلا لو تعلمون(.
إذا بلغت القلوب الحناجر، فكيف بك يا ابن آدم إذا نصبت الموازين، ونشرت الدواوين،
وتعلق المظلومون بالظالمين.
)علم اليقين( .
إذا جاؤوا في ظلل من الغمام، ونزلت الملائكة الكرام، وقال الروح الأمين والملائكة
صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن، وطال عليهم الوقوف والقيام.
)لترون الجحيم(.
وجاءت النار تقودها ملائكة غلاظ شداد، تكاد تميز من الغيظ على أهلها ثم يقال لها:
لا هل امتلأت وتقول هل من مزيد له.
)ثم لترونها عين اليقن(.
إذا مد الصراط على متنها وتسمعون حسها، وتعاينون أهوالها، وتعاينون أهلها، فبين
مناد من مقرها، وبين مناد من أطباقها، وبين متعلق بسلاسلها وكلاليبها.
)ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم(.
يومه عن ظل ظليل، واكتساب الحرام، وشرب الماء البارد، ولبس الثياب الحرير.
تأهب لأهوال القيامة
فتأهبوا
لتلك الشدائد والأهوال، واعتدوا للجواب عند السؤال، فكيف بك يا ابن آدم، إذا نشر
ديوانك، وخف ميزانك، وطاش خيالك، وكشف عنوانك? أتدري من عصيت? وعلى من اجتريت?
أبعدت التوبة والإنابة، ونكثت عهده، وأفشيت سره، وعصيت أمره، وركبت الجرائم.
أما علمت أنه يراك? فمن ينجيك منه إذا وقفت بين يديه وساًلك عن قبيح فعلك، وقد
أطرقت منه خجلا? فإن أقررت أخذت بالاقرار، وإن أنكرت لم ينفعك الإنكار.
فانظر لنفسك قبل حلول رمسك، فقد تصرمت أيامك، وحان حمامك قال ابن المبارك رضي الله
عنه: "يا ابن آدم، استعد للآخرة، وأطع الله بقدر حاجتك إليه، وأغضب الله بقدر
صبرك على النار".
وقال الحسن رضي الله عنه: " إن الله تعالى أمر بالطاعة وأعان عليها،
ونهى عن المعصية وأغنى عنها، فاعمل بقدرك على النار، ولا تجعل في ركوبها
حجة".
وقال الفضيل بن عياض رضي الله عنه: "العجب كل العجب لمن عرف الله ثم عصاه بعد
المعرفة".
وقال سعيد بن سعيد: " لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن أنظر من عصيت".
وقال الفضيل رضي الله عنه: "وجدت في بعض الكتب: إذا عصاني من عرفني سلطت عليه
من لا يعرفني".
وقال حميد الطويل لبعض إخوانه: عظني، فقال: " يا أخي، إذا عصيت وظننت أنه
يراك فقد تجرأت على عظيم، ولكنك بجهلك تظن انه لا يراك". وقال حماد بن يزيد
رضي الله عنه: "إذا أذنب العبد بالليل أصبح ومذلته في وجهه".
وقال مالك بن دينار رضي الله عنه: "رأيت عتبة الغلام وهو في يوم شديد الرد،
وهو يرشح عرقاً، فقلت له: ما الذي أوقفك في هذا الموضع? فقال: يا سيدي هذا موضع
عصيت الله فيه"، وأنشد يقول:
أتفرح بالذنوب وبالمعاصـي |
|
وتنسى يوم يؤخذ بالنواصي |
وتأتي الذنب عمداً لا تبالـي |
|
ورب العالمين عليك حاصي |
قالت
أم محمد ابنة كعب رضي الله عنها لأبنها: "أني لأعرفك صغيراً وكبيرا طيبا،
فقال: يا أماه، وما موتتي أن يكون الله عز وجل اطلع علي وأنا ذنوبي قد غمستني
فمضتني، و قال: وعزتي و جلالي لأغفرن لك".
وقال الفضيل رحمه الله تعالى: "رحم الله عبداً نظر لنفسه، فإنه إن لم ينظر
لنفسه لم ينظر لها غيره".
وقيل في المعنى شعر:
إن الأماكن في المعاد عزيزة |
|
فاختر لنفسك إن عقلت مكاناً |
لا تأكل النار موضعاً مسحته الدموع
وقال
عتبة رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما النجاة يا رسول الله?
فقال:"إمسك لسانك، والزم بيتك، و آبك على خطيئتك" وقال ابن منبه رضي
الله عنه: فقد زكريا ولده عليهما للسلام، فوجده بعد ثلاثة أيام على قبر يبكي، فقال
له: يا بني، ما يبكيك? فقال له: إنك أخبرتني أن جبريل عليه السلام أخبرك أن بين
الجنة والنار مغارة لا يطفىء حرها إلا الدموع، فقال: إبك يا بني".
وقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، أيدخل من أمتك الجنة بغير حساب? قال:
"من كثرت ذنوبه فبكى عليها".
وقيل: إن فتى من الأنصار رضي الله عنه، دخل خوف النار في قلبه، حتى حبسه في بيته.
فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم واعتنقه، فخر ميتاً، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: "جهزوا صاحبكم، فإن خوف النار فتت كبده".
وكان محمد بن المنكدر إذا بكى مسح وجهه بدموعه، ويقول: إن النار لا تأكل موضعاً مسحته
الدموع".
وقيل لبعض الصالحين رضي الله عنه: إن كثرة البكاء تذهب البطر، فبكى عمره حتى عمي.
وقال الحسن رضي الله عنه: "رأيت بعض إخواني في المنام وهو شديد البياض،
ومجاري دموعه تبرق، فقلت له: مت? قال: نعم، قلت له: إلى ماذا صرت وكنت طويل الحزن
في إلدنيا? فتبسم وقال: "رفع الله لنا بذلك الحزن علم الهداية إلى منازل
الأبرار، فحللنا مساكن المتقين". قلت له: بماذا تأمرني? فقال: "يا أخي،
أطول الناس حزناً في الدنيا أكثرهم فرحاً في الآخرة".
وقال رسول صلى الله عليه وسلم: "إذا مات أحدكم عرض علي مقعده بالغدو والعشي،
أن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار".
وقال صلى الله عليه وسلم: "الموت قيامة، فإذا مات أحدكم قامت قيامته".
وقال وهب بن الوردي: "لا يخرج العبد من الدنيا حتى يرى الملكين اللذين وكلّلا
به في دار الدنيا، فإذا كان عمله صالحاً قالا: جزاك الله عنا خيرا، فطالما سمعنا
منك الخير فنحن لك اليوم على ما تحب. وإن كان عمله سيئاً قالا له: لا جزاك الله
عنا خيراً ما سمعنا منك إلا سوءاً ونحن لك اليوم على ما تكره".
وقيل في المعنى شعر:
الموت في كل حين ينشر الكفنا |
|
ونحن في غفلة عما يؤدبـنـا |
لا تطمئن إلى الدنيا وزينتـهـا |
|
وإن توشحت في أثوابها الحسنا |
عش ما شئت فإنك ميت
قيل:إن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فانك مجازى به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس"
وقال
الحسن رضي الله عنه: "يا ابن آدم، إنما هي أيام إذا مضى يومك ينقصك".
وقيل في المعنى شعر:
إنا لنفرح بالأيام نـقـطـعـهـا |
|
وكل يوم مضى نقص من الأجل |
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً |
|
فإنما الربح والخسران في العمل |
وقال
بعض الحكماء عجبت لمن يحزن على نقصان ماله ولا يحزن على نقصان عمره، وعجبت لمن
الدنيا مدبرة عنه، والآخرة مقبلة عليه، كيف يشتغل بالمدبرة ويعرض عن
المقبلة?".
وقال عيسى عليه السلام: "عجبت لثلاثة: غافل غير مغفول عنه، ومؤمل الدنيا
والموت يطلبه، وباني قصراً والقبر مسكنه".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ويل لمن كانت الدنيا همه، والخطايا عمله،
كيفما يقدم غدا بقدر ما تحرثون تحصدون".
قال لقمان لابنه: "خلق الإنسان ثلاثة أثلاث: ثلث لله، وثلث لنفسه، وثلث
للدود".
أد الفرائض وكف عن المحارم
وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: " يا أبا هريرة، أما تريد أن لا
يجري عليك القلمْ? قال: نعم يا رسول الله، قال: أد فرائض الله، وكف عن محارم الله،
ودع الكلام فيما لا يعنيك" .
قال بعض العارفين لولده: "يا بني، خذ على نفسك، وقيد ألفاظك، لا تقل لفظة إلا
أن تأمن عاقبتها، فإن كانت لله وإلا فاًمسك عنها، ولا تأكل طعاماً إلا إن تدبرت
أمره، إن كان حلالاً أو حراماً وإلا فلا تأكل منه، واحرص على الحلال، لكن هل من
ذنوب? قال: كثيرة، قال: كم في اليوم والليلة? قال: مائة، قال: كثيرة، قال: خمسين،
قال: كثيرة. قال: فما زال حتى قال له: يا أبت واحد بالليل وواحد بالنهار، قال: يا
بني، كم يكونون في السنة? قال: سبعمائة وعشرين، فقال له: يا ولدي، إن آدم خرج من
الجنة بذنب واحد، وأنت ترجو دخولها بسبعمائة وعشرين ذنباً في السنة".
وقيل في المعنى شعر:
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي |
|
درك الجنان بها وفوز العـابـد |
ونسيت أن الـلـه أخـرج آدمـا |
|
منها إلى الدنيا بـذنـب واحـد |
وعن
أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه مرض فدخل عليه بعض إخوانه، فقال له: "ما
تشتكي? قال: ذنوبي، قال: ما تشتهي? قال: الجنة، قال: أندعو لك طبيباً? قال: الطبيب
أمرضني".
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب مريض، فقال له: "كيف حالك?فقال:
يا رسول الله أرجو الله تعالى وأخاف ذنوبي، فقال عليه الصلاة والسلام: لا يجتمعان
في قلب واحد إلا أعطاه. الله ما يرجو وآمنه بما يخاف" وقيل لحسان بن أبي سنان
في مرضه: "كيف تجدك? قال: بخير إن نجوت من النار".
وقال يحيى بن معاذ رضي الله عنه: "من أحب الجنة انقطع عن الشهوات، ومن خاف
النار إنصرف عن السيئات".
وقيل في المعنى شعر:
إن فؤادي قد إمتـلا |
|
بصنوف من البـلا |
عذلوه فما ارعـوى |
|
ونهوه فما انتهـى |
ليت شعري إلى متى |
|
يتمادى على العمى |
ليت شعري إلى متى |
|
يتمادى على الهوى |
روعة العرض يوم القيامة
قال
بعض السادة: "وقفت على عابد وهو يبكي، فقلت له: مم بكاؤك? فقال: روعة وجدها
الخائفون في قلوبهم، فقلت له: وما الروعة? قال: روعة النداء بالعرض على الله
تعالى".
قال عثمان بن إبراهيم رضي الله عنهما: "حضرنا حكم الأقداد وقاضيكم الجبار،
والمأوى إلى الجنة أو النار".
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه
وسلمفي ساعة ما كان يأتيه فيها قط، فهو متغير اللون، فقال: "يا حبيبي يا
محمد، هذه الساعة التي أمر الله تعالى فيها بمنافخ النار، ولا ينبغي لمن يعلم أن
جهنم حق، واُن عذاب الله أكبر أن تقر له عين خوفاً منها" ، فقال صلى الله
عليه وسلم:
يا
أخي يا جبريل، صفها لي. قال: يا أخي يا محمد، أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، وألف
عام حتى احمرت، وألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، لا يخمد حرها ولا يطفأ
لهيبها، حرها شديد وقعرها بعيد، وكرابها مديد، لها سبعة أبواب، بين كل بابين مسيرة
سبعين سنة، كل باب منها أشد حراً من الآخر، وأبوابها هي مقزوجة مفتوحة، سماء قاله
رضوان مقزوجة إلى أسفل، يساق أعداء الله إليها، فإذا انتهوا إلى أول الأبواب
تلقتهم الزبانية بالسلاسل، فتضع السلسلة في صدره وتخرج من بين كتفيه، ويقرن كل
كافر مع شيطان، ويسحب على وجهه، ويضرب بمقامع الحديد".
) كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها( .
فقال الني صلى الله عليه وسلم: "يا أخي يا جبريل، ما سكان هذه الأبواب? فقال:
أما الباب الأسفل ففيه المنافقون واسمه الهاوية، والثاني: فيه المشركون واسمه
الجحيم، والثالث: فيه الصابئون واسمه سقر، والرابع: فيه المجوس واسمه لظى،
والخامس: فيه اليهود واسمه الحطمة، والسادس: فيه النصارى واسمه السعير".
ثم أمسك جبريل عن السابع، فقال عليه الصلاة والسلام: "ما للك لا تخبرني عن
السابع?" فقال: "يا حبيبي، لأهل الكبائر من أمتك الذين ماتوا ولم
يتوبوا".
فخر صلى الله عليه وسلم مغشياً عليه، فلما أفاق، قال: "يا جبريل، عظمت مصيبي
واشتد حزني، أو يدخل أحد من أمتي النار?" فقال: "يا محمد، تسوقهم
الملائكة إلى النار ولا تسود وجهم، ولا تزرق أعينهم، ولا يختم على أفواههم، ولا
يقرن معهم أحد من الشياطين، ولا يوضع عليهم شيء من السلاسل والأغلال".
قال: "يا أخي يا جبريل، وكيف تقودهم الملائكة? قال: يا محمد، أما الرجال
فباللحاء أو النواصي، وأما النساء فبالذوائب والنواصي، فكم من شيبة تنادي
واشيبتاه، وكم من امرأة تنادي وافضيحتاه، حتى ينتهوا بهم إلى مالك، فيقول مالك
للملائكة: من هؤلاء? فيقولون: هؤلاء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول لهم
مالك: أمالكم في القرآن زاجراً عن المعاصي? فيقولون له: دعنا نبكي على أنفسنا،
فيأذن الله لهم فيبكون الدماء، فيقول لهم مالك: ما أحسن هذا البكاء لو كان في
الدنيا من خشية الله تعالى لما مستكم النار".
"ثم يقول مالك للزبانية: ألقوهم في النار، فإذا ألقوا فيها نادوا: لا إله إلا
الله، فترجع النار عنهم، فيقول مالك: يا نار خذيهم، فمنهم من تأخذه إلى قدمه،
ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى صدره، ومنهم من تأخذه إلى ليحته،
فإذا أنفذ الله حكمه فيهم نادوا: يا حنان، يا منان، يا ذا الجلال والإكرام، لا اله
إلا أنت.
فيأمر الله تعالى جبريل أن يحدث الني صلى الله عليه وسلم: أن العصاة من أمتك
يعذبون. قال: فيأتي جبريل عليه السلام، فيخبره، فيخر ساجداً لله عز وجل، فيقول
الله تعالى: يا أحمد، ارفع رأسك واشفع تشفع، فيقول: "الأشقياء من أمتي أنفذت.
حكمك فيهم، فشفعني فيهم"، فيقول الله تعالى: "قد شفعتك فيهم".
فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم إلى مالك فيقول: "يا مالك، ما حال أمتي
الأشقياء? فيقول: في أسوأ الأحوال، قال: فيأمره الني صلى الله عليه وسلم بفتح
الياب، فيفتحه، فإذا نظروا إلى الني صلى الله عليه وسلم صاحوا بأجمعهم: يا سيدنا
يا رسول الله، النار أحرقت جلودنا وأكبادنا، فيخرجون فحماً أسود، فينطلق بهم إلى
نهر على باب الجنة فيغتسلون منه، فيخرجون منه بوجوه كالأقمار، مكتوب على جباههم
هؤلاء الجهنميون عتقاء الله من النار، قال: فعند ذلك تقول الكفار: يا ليتنا كنا من
عصاة المسلمين"
صفة دخول المؤمنين الجنة
قال
ابن عباس رضي الله عنهما: "فإذا انتهوا إلى باب الجنة، إذا هم بشجرة من تحتها
عينان، فيشربون من أحدهما فلا يبقى في بطونهم شيء ولا قذر إلا خرج، ويغتسلون من
الأخرى، فلا يبقى شيء مما يكرهون، ثم يقال لهم: )سلام عليكم طبتم فادخلوها
خالدين(.
"ثم يؤتون بحلل من الياقوت مكللة بالدر والجواهر، فيلبس كل واحد منهم حلتين،
لو أن حلة أشرفت لأهل الأرض لذهلوا عن عقولهم".
"ثم يأمر الله الملائكة بإذهابهم إلى قصورهم، فإذا دخلوها استقبلتهم الحور
العين، كل حوراء عليها سبعون حلة، كل حلة لا تشبه الأخرى، ينظر إلى مخها من داخل
فمها، وإلى كبدها من تحت صدرها".
وقال
كعب الأحبار رضي الله عنه: "خلق الله تعالى آدم، وكتب بيده، وغرس الجنة بيده،
ثم قال لها تكلمي"، فقالت: )قد أفلح المؤمنون( قال سعيد بن المسيب رضي الله
عنه:"ليس أحد في الجنة إلا وفي يده ثلاثة أسورة، واحد ة من ذهب، والثانية من
فضة والثالثة من لؤلؤ".
وقوله عز وجل: )ولباسهم فيها حرير(.
قال: "في دار المؤمن درة مجوفة، في وسطها شجرة تنبت الحلل، وان للأدنى من أهل
الجنة آلف حوراء".
قال عليه الصلاة والسلام: "الطير في الجنة كالبخت".
قوله تعالى: )ومساكن طيبة في جنان عدن( قال ابن عباس رضي الله عنهما: "في
الجنة قصر من لؤلؤ طوله فرسخ، وعرضه فرسخ، وفي الجنة ما لا رأت عين، ولا أذن سمعت،
ولا خطر على قلب بشر. وإذا اشتهى أن يأكل من ثمر شجرة، فتاتي إليه، فيأكل منها، ثم
ترجع مكانها، هذا كله للمتقين الذين يجتنبون شرب الخِير والفواحش".
وقال الحسن البصري رضي الله عنه: "إذا شرب العبد الخمر مرة إسود قلبه، وإذا
شربه مرة ثانية تبرأت منه الحفظة وإذا شربه مرة ثالثة تبرأ منه الجبار".
وقال إبن المبارك رضي الله عنه: "لقد أمهلكم كأنه أهملكم، وسر كأنه
غفر".
مكفرات الذنوب وموجبات الجنة
قال
عليه الصلاة والسلام: "أن لله يبسط يد التوبة لمسيء النهار إلى غروب الشمس،
ولمسيء الليل إلى طلوع الفجر" قيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام:
"يا داود، بشر الخائفين، وحذر الصديقين"، فقال داود: وكيف ذلك? فقال
الله تعالى: يا داود، قل للخائفين أن لا تقنطوا، وقيل للصديقين لا تعجبوا".
وقال عليه الصلاة والسلام: "من أصبح باراً راضياً لوالديه أصبح له بابان
مفتوحات إلى الجنة، ومن أصبح مسخطاً لوالديه أصبح له بابان مفتوحان إلى النار
" وقال عليه الصلاة والسلام: "يتعلق الفقير بجاره الغني يوم القيامة،
فيقول: يا رب، سل هذا الغني لم منعني معروفه سد عني بابه".
وقال الفضيل رضي الله عنه: "كم من فضيحة في القيامة،يا له من يوم ليس
كالأيام".
قوله عز وجل: ) وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى(.
قال: "هي الوالدة تأتي ولدها، ثم تقول له: يا ولدي، ألم تك بطني لك وعاء?
فيقول: يا أماه، ولكني مشغول بنفسي".
وكان حبيب العجمي يدعو ويقول:"إلهي، في الدنيا هموم وغموم، وفي الآخرة الحساب
والعقاب".
وقيل في المعنى شعر:
جسمي علما مبرد ليس يقوى |
|
ولا على النار والحـرارة |
وكيف يقوى على سـعـير |
|
وقودها الناس الحـجـارة |
حال
أهل النار: قوله تعالى: ) ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع(
معناه: الشوك اليابس، نعوذ بالله منه.
قوله تعالى: )وهم فيها كالحون(.
قال صلى الله عليه وسلم: "الشفة العالية ساقطة على السفلى".
قوله تعالى: )زدناهم عذاباً فوق العِذاب(.
قال ابن عباس: "هي عقارب لها أذنا كالنخل الطوال.
فقوله تعالى: )أن الدنيا أنكالاً(.
قال إبن عباس: "هي قيود لا تنحل أبداً".
وقيل في المعنى شعر:
حطب النار شباب |
|
وشيوخ وكهـول |
ونساء عاصـيات |
|
طال منهن العويل |
قوله
تعالى: )يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات( .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: "كيف يكون الناس في ذلك اليوم?
" قال: "يكونون على أرض بيضاء لم يعمل عليها دنس، فإذا زفرت جهنم وفارت،
تعلقت الملائكة بالعرش، وكل ملك ينادي:نفسي لا أملك غيرها، وتكون الجبال كالعهن
المنفوش من حرق جهنم، ثم تنقاد جهنم يوم القيامة بسبعين ألف زمام، على كل زمام
سبعون ألف ملك، حتى تقف بين يدي الله عز وجل، فيقول لها جل جلاله: تكلمي، فتقول:
لا إله إلا الله، وعزتك لأنتقمن اليوم ممن أكل رزقك وعبد غيرك".
فقال الني صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي ألهم أمتي الشهادة".
وقيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: "يا داود، أتدري أي المؤمنين
أحب إلى الله وأطول حياة? هو من إذا قال لا إله إلا الله إقشعر جلده".
وقال عليه الصلاة والسلام: "إن كلمة لا إله إلا الله من قالها مخلصاً حجبته
عن المعاصي".
وقال إبن عباس رضي الله عنهما: "كان في بني إسرائيل راهب متفرد في
صومعته دهراً طويلاً، وكان ملك ذلك الزمان يأتيه صباحاً ومساء، وأنبت الله له فوق
كرماً يأكل منه ما يشتهي، وإذا عطش مديده فيسكب فيها الماء.
فجاءت في بعض الأيام امرأة بديعة الحسن والجمال بعد العشاء ونادته: يا سيدي، بحق
المعبود إلا ما بيتني عندك الليلة فإني أخشى على نفسي، ومكاني بعيد، فقال لها:
اصعدي.
فلما صارت عنده رمت أثوابها وصارت عريانة، فغطى وجهه وقال لها: ويلك
استتري،فقالت:والله لا بد أن أتمتع بك هذه الليلة، فقال الراهب لنفسه: ما تقولين?
فقالت له: اتق الله واخش عذاب الآخرة فإني أخشى عليك من نار لا تطفأ وعذاب لا
يفنى، ويغضب الله علينا فلا يرضى، ثم بعد ذلك راودته نفسه على الفعل، فقال لها: يا
نفسي أعرض عليك ناراً صغيرة فإن صبرت متعتك. ثم قام وملأ السراج زيتاً وغلظ
فتيلته، والمرأة تنظر إليه، ثم أدخل إصبعه في السراج، فصاح ملك من السماء أن أحرق،
فاًحرق إبهامه ثم السبابة إلى أن انتهت النار إلى يده، فصاحت المرأة صيحة، فخرجت
روحها فسرتها بأثوابها، ثم قام إلى مصلاه.
فلما أصبح الصباح، وقف إبليس على باب صومعته، وصرخ في المدينة: الراهب زنى بفلانة،
وقتلها وهي عنده، فركب الملك بطائفته حتى جاء لصومعته وصاح به، فأجابه، فقال له:.
أين فلانة? فقال: عندي، فقال له: قل لها تنزل، فقال: إنها ماتت، فقال له: قد رضيت
بالزنا حتى قتلتها.
فهدموا صومعته ومسكوه، وجيء به إلى محل التلف، وكان من دأبهم نشر الزاني بالمنشار ويده
ملفوفة في كمه، وهو لا يعلمهم ولا يحدثهم بقصته، فوضعوا المنشار على رأسه إلى أن
بلغ إلى عنقه، فتأوه ، فأوحى الله تعالى إلى جبريل عليه السلام: أن قل له أن تاًوه
الثانية لأهد من السموات ولأخسفن بمن في الأرض، ولكن أنظر إلى صنع الله.
قال ابن عباس: فرد الله روح المرأة فقامت وقالت إنهْ مظلوم، وما زنى بي وما قتلني،
وقصت عليهم القصة وما فعله في نفسه، فاًخرجوا يده، فإذا هي محروقة، فقالوا له: لو
علمنا ما فعلنا، فخر ميتاً وكذلك المرأة خرت ميتة، فحفروا لهما قبراً ودفنوهما،
وإذا بمناد ينادي من جهة السماء: أن الله تعالى قد نصب لهما منبراً تحت العرش
وأشهد ملائكته أني قد زوجته ألفاً من الحور العين، وهكذا أفعل بأهل المراقبة.
وقال مالك بن دينار رضي الله عنه: كان عابد في بني إسرائيل، فلما كان في بعض
الأيام وضعت امرأة غلاما ونسبته إليه، فقال من أين هذا? فقالت: منك، فحمله وجعل
يطوف به على عباد بني إسرائيل، ويقول: يا أصحابي أحذركم بمثل ما لقيت، هذه خطيئتي
أحملها على كتفي، فغفر الله له بذلك.
وجاء في الخبر: أن المرأة إذا حان خروج ولدها منها أرسل الله لها ملكين يخرجانه من
بطنها، ملك عن يمينها وملك عن يسارها، فإذا أتاه صاحب اليمين ليخرجه زاغ إلى صاحب
الشمال، وإذا أتاه صاحب الشمال زاغ إلى صاحب اليمين، وتتفلق المرأة ويخاف الملكان،
ويعرجان إلى الله سبحانه وتعالى، ويقولان: يا ربنا، ما قدرنا. قال: فعند ذلك يتجلى
الله تبارك وتعالى، ويقول: عبدي، من أنا? فيقول له: أنت الله ويسجد، فعند ذلك يخرج
في سجوده على رأسه.
وجاء في الخبر أيضاً: أن الله سبحانه وتعالى وكل بعبده ملكين يكتبان عمله، فإذا
مات، قال الملكان اللذان كانا وكلا به: يا ربنا أنت أعلم، وقد مات فأذن لنا أن
نصعد إلى السماء نسبحك ونقدسك، فيقول الله عز وجل: السماء مملوءة بملائكتي،
فيقولان: أين نذهب? فيقول الله عز وجل: اذهبا إلى قبر عبدي، قدساني وسبحاني
واحمداني وكبراني وعظماني، واكتبا ذلك لعبد إي يوم القيامة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يأمر الله الحافظين أن أرفقا
بعبدي في كل سنة، حتى إذا بلغ الأربعين، قال: احفظا وخففا".
وكان أبو سنان يقول: "الآن كبر السن، ووهن العظم، ووقع التحفظ". قلا
يزال يبكي حتى يغشى عليه.
وكان أبو عبيدة الخواص رضي الله عنه يقول في مناجاته:"قد كبر سني، وضعف
جسمي،. ووهن العظم مني فاعتقني". وأنشد يقول:
طال اشتياقي وطال في الرجا فكري |
|
والليل ماض ولم يقض به وطـري |
الله أعـلـم أتـي لا أحـب بـقـا |
|
في هذه الدار فانقلني إلى حضري |
قال
أحمد بن حرب رضي الله عنه: "عجبت لمن يعلم أن الجنة تزين فوقه، والنار تضرم
تحته، كيف ينام بينهما".
وقيل في المعنى شعر:
يا كثير الرقاد والغـفـلات |
|
كثرة النوم تورث الحسرات |
إن في القبر إذ نزلت إلـيه |
|
لرقادا يطول بعد الممـات |
أأمنت الثبات من ملك المـو |
|
ت أم أنادي مناد بالبينـات |
لقاء الأرواح المؤمنة
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن أرواحكم تعرض على موتاكم، فإذا مات الميت
استقبلوه كما تستقيل البشارة بالجنة، ثم يقولون دعوه حتى يسكن روعه، فإنه كان في
كرب وغم، ثم يسألونه عن الرجل فإذا كأن خيراً حمدوا الله تعالى واستبشروا له، وإذا
قالوا عن إنسان مات قبله"، قال: إنه مات قبلي، فما مر بكم? فيقولون: والله ما
مر بنا، وذهب إلى أمه الهاوية، إنا لله وإنا إليه راجعون".
وقال عليه أفضل الصلاة والسلام:.
"إذا مات المؤمن أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما منكر والآخر نكير،
فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل? فيقول: هو عبد الله، جاءنا بالبينات فآمنا
به واتبعناه، فيقولان: قد كنت تقول هكذا، فيفسح له في قبره سبعون ذراعاً" .
وقال عبد الله بن عبيد رضي الله عنه: "عدت مريضاً فقلت له: كيف نجدك? فأنشد
يقول:
خرجت من الدنيا وقامت قيامـتـي |
|
غدا يثقل الأشخاص حمل جنازتي |
وتضحك أهلي حول قبري وصيروا |
|
خروجي وتعجيلي إليه كرامـتـي |
كأنهم لم يعرفوا قـط صـورتـي |
|
عليهم غدا يأتي كيومي وساعتـي |
وقال آخر في المعنى:
إن للملوك الذي عن حظها غفلت |
|
حتى سقاهم بكأس الموت ساقيها |
أموالنا لذوي الميراث نجمعـهـا |
|
ودورنا لخراب الموت نبينـهـا |
نلهوا ونأمل آمـالاً تـعـدلـنـا |
|
سريعة الطي تطوينا ونطويهـا |
وكان
عطاء السلمي رضي الله عنه إذا جن عليه الليل خرج إلى المقابر، ويقول: "يا أهل
المقابر، متم فواموتاه، وعاينتم عملكم، فواعملاه "، ثم يقول:"غدا أغطى
في القبر". ولا يزال يبكي إلى الصباح.
وأنشد في المعنى:
ينادي ربـه والـلـيل داج |
|
ألك العقبى قلني من ذنوبي |
وحقك لا أعود لكسب ذنب |
|
بحق حمد أستر عـيوبـي |
قال
بعض الصالحين: "دخلت ديوان التحقيق، فرأيت جماعة من العمال بأيديهم صحائف
الأعمال والأعوان وقوف وقد نصبت الموازين، ونشرت الدواوين، وجرت الأوامر بتحرير
العمال واستخراج الأعمال، فوقفت أتأمل ووجهي يتململ وقد حضروا بثلاثة نفربريء،
ومقصر، وجان، وقد عرضوا للحساب. فتقدم الأول، فقيل له: أين أعمالك التي قدمتها
وحسناتك التي أخرجتها? فقال وهو ذليل: حسابي منتظم مستطر، وعملي حاضر، فعرضت
أعماله على البصير، وأطلع عليها العالم الخبير، فقيل له: هنيئاً لك من خادم، بحق
سعد في أحواله، ووقف فطولع، فخرج الأمر بإكرامه وإجلاله، وكتب له القبول وخلعت
عليه خالع الوصول.
وقدم الثاني، وهو المخلط المتواني عن مثل تلك المعاني، وحوسب فظهر أنه فرط في
البعض، وشقي بحسابه يوم العرض، فلما دقق عليه ونوقش وشدد عليه، وحقق بعد حاصلة،
وارتعدت مفاصله، فلم يزل يتردد بين لعل وسوف، والوقوف بين الرجاء والخوف، إلى أن
خرج الأمر بتسليم لم ما في يده، وأن يسقط ما بقي عليه، ثم قيل له: إياك أن تعود
إلى التخليط، وأحذر من أن تأتي بتفريط، وكن مطيعاً سامعاً، فما كل وقت تجد شافعاً.
ثم جيء بالثالث وهو الجاني الساكت، فتلجلج في الجواب، إذا لم يكن معه عمل ولا
حسنات، فقيل له: ما الذي دهاك وغرك ولهاك، فقال: شغلني جرمي ومصابي عن نظم حسابي،
وانقطع زماني بالشهوات والأماني، فقيل له: ما بهذا أمرت ولا عليه عوملت، يا قليل
الفلاح، هذه أعمالك القباح، ألك ما ينجيك? آلك عمل يوفيك? فقال: والله ما لي
ذخيرة، ولو كنت أعقل أمري ما انهتك اليوم ستري، فحوسب بأعماله فحرج الأمر بنكاله،
فخرج يتعثر في أذياله، متحيراً لسوء أفعاله، فحمل إلى ضيق السجون وهو على حاله،
متحسر مغبون". وهذا مثل مضروب لتصغي إليه أرباب العقول.
وقيل في المعنى شعر:
يا ويح قلي ما له لا يلـين |
|
قد أتعب القراء والواعظين |
يا نفس كم تبيتين مـن مـرة |
|
وكم تقولين ولا تفـعـلـين |
وكم تنادي فلا تـسـمـعـي |
|
وكم تقالين فلا تـرجـعـين |
حتى متى يا نفس حتى متـى |
|
يراك مولاك مع الغافـلـين |
فاستغفري الله لما قد مضى ثم |
|
أستحي من خالق العالمـين |
وقال
عليه الصلاة والسلام: "التوبة معلقة ما بين السماء والأرض تقول من يقبلني قبل
أن يعذب إلى أن تطلع الشمس من مغربها".
وقيل لبعض الرهبان: "لأي شيء قست قلوبنا وكثرت ذنوبنا ولا نتوب إلى ربنا?
قال: لأنكم تركتم الاخرة، وأعمالكم خاسرة، وظهر منكم الظلم، وضيعتم ع الأمانة،
وأظهرتم الخيانة، ودخلكم الكبر، وظهر فيكم الغدر، وضيعتم الصلاة، ومنعتم الزكاة،
ومشيتم بالغيبة والنميمة، وظلمتم الأيتام، وجرتم في الأحكام، وعصيتم الرحمن،
وأطعتم النساء والشيطان، وأكلتم الربا، وتركتم ما أمرتم به، وملتم إلي الفجور،
وشهدتم الزور، وتواضعتم للأغنياء، وتكبرتم على الفقراء، فقست قلوبكم، وكثرت
ذنوبكم، فلا واعظ زاجراً، ولا خائف حاذر كلامكم حلو، وفعلكم مر، وألسنتكم فاشية،
وقلوبكم قاسية، فلا من الله تستحون، ولا إليه تتوبون، ولكن سوف تبعثون وتسألون عما
كنتم تعملون.
قال بعض الصالحين: مر بنان رضي الله تعالى عنه ببعض الأسواق، فرأى رجلاً ذا ثروة
وعنده بناؤون وفعلة، ويعطي كل شخص أجرته، فمد يده بنان من جلة الأيدي، فقال الرجل:
هذه اليد لم تعمل لنا عملاً، فبكى بنان وخر مغشياً عليه، وحمل من عنده، فلما أفاق
قال: "إذا كان لا يأخذ إلا من عمل فمن يجود على الفقراء والمساكين.
وأنشد في ذلك شعراً:
نحن قوم أثقلتنا ذنـوب |
|
ومنعنا الوقوف بين يديه |
فتركنا بين الأنام حيارى |
|
وخجلنا من القدوم عليه |
قيل:
إنه يقف العبد بين يدي الله تعالى يوم القيامة، فيقول الله عز وجل: عبدي، أما
تستحي مني، أما راقبتني، أرخيت الستور، وأغلقت الأبواب، وتجرأت علي، فيقول العبد:
بكتابك وقلت ذلك وقولك الحق "الله لطيف بعباده"، فيقول الله عز وجل: أنا
أولى أن أفعل ما أقول.
قيل: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: لطفي بالعصاة من أهل القبور، كلما
بليت أبدانهم غفرت لهم، وكلما صارت عظامهم نخرة محوت عنهم ذنوبهم جوداً مني
وكرماً.
يا موسى، إني لم أنسهم أحياء مرزوقين، فكيف أنساهم وهم موتى مقبورين، ما من عاصي
عصاني حتى إذا كان في كرب الموت لم أنظر إلى جهله وتقصيره، ولكن أنظر إلى ضعفه
ومسكنته، وإذا نظرت إلى حاله ألهمته وحدانيتي أريد له بها النجاة، الله لطيف
بعباده، خلقي خلقتهم، وعبادي رزقتهم وجعلت ذنوبهم مستورة مغفورة، وجعلت لهم محمداً
صلى الله عليه وسلم شفيعاً، وأن الله تعالى لا ينظر إلى شيء إلا رحمه، ولو نظر إلى
أهل النار لرحمهم، ولكن قضى الله لا ينظر إليهم.
وصية الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء
وقال
عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله تعالى عنها: "يا عائشة، احفظي بيتك فإن
النساء يوم القيامة أكثرهن حطب للنار، قالت: ولم ذلك يا رسول الله? قال: لأنهن لا
يصبرن في الشدة، ولا يشكرن في الرخاء، ويكفرن النعم.
يا عائشة، أن الله أوجب حق الرجال على النساء أن يطعنهم في أمورهم، ولا يصمن إلا
بإذنهم، وما من امرأة باتت هاجرة لفراش زوجها، إلا لعنتها الملائكة حتى تصبح.
يا عائشة، ما من امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها إلا لعنها كل ملك في السماء.
يا عائشة، ما من امرأة قالت لزوجها: ما رأيت خيراً منك قط، إلا أحبط الله عملها.
يا عائشة، ما من امرأة نظرت لزوجها بوجه عبوس إلا لعنها كل نجم في السماء.
يا عائشة، ما من امرأة كلفت زوجها في أمر نفقة ما لا يطيق لم تنلها رحمة ربي وليس
لها في شفاعتي نصيب.
وما من امرأة قالت لزوجها: أراحني الله منك، لم تشم رائحة الجنة.
يا عائشة، ما من امرأة دعاها زوجها للفراش فأبت، إلا خرجت من حسناتها كما تخرج
الحبة من قشرها.
يا عائشة، ما من امرأة دعاها زوجها فأجابته بطيب نفس إلا غفر الله لها ذنب يومها
وليلتها، وكانت في حرز الله وأمانته.
يا عائشة، ما من امرأة غزلت وكست زوجها إلا كساها الله من حلل الجنة يوم القيامة
يا
عائشة، لو أن امرأة مصت منخر زوجها وهو يسيل دماً وقيحا، ما أدت له جزاء.
يا عائشة، طوبى لمن رضي عنها زوجها، فإن رضى الزوج من رضى الله، تعالى، وكذلك
الوالدين، فإن عقوق الوالدين من الكبائر.
يا عائشة، من أدرك والديه ولم يدخلاه الجنة فلا أدخله الله الجنة" وقيل في
المعنى شعر:
الموت باب وكل النـاس داخـلة |
|
يا ليت شعري بعد الباب ما الدار |
الدار جنة عدن إن عملت بـمـا |
|
يرضى الإله وإن خالفت فالنار |
ولابن عباس رضي الله عنهما:
شيب وعيب لا يليق بمؤمـن |
|
إن الخطايا في المشيب فجور |
فعلي يبكي إن شيبي قد بـدا |
|
وأبانا على فعل القبيح خسور |
ما لابن عباس سواك لحشره |
|
عون معين شافع ومـجـير |
وقيل:
إن سيدنا يوسف لما ملك مصر وصارت الخزائن بيده، أتاه رجل فقير، فقال له: أعطني مما
أعطاك الله، فأمر له بصاع من القمح، فقال له: زدني، فأمر له بصاع اخر، فقال له:
زدني، فقال له يوسف: يا أخي، أما تعلم ما الناس فيه من الغلاء، فقال له الرجل: لو
علمت من أنا لأرضيتني، فقال له: ومن أنت? فقال له: أنا الذي شهدت لك بالبراءة من
تهمة زليخاء زوجة العزيز، ه فأمر له يوسف عليه السلام بمائة أردب من القمح، ومائة
دينار.
فأوحى الله تعالى إليه: يا يوسف، هذا عطاؤك لمن شهد لك بالبراءة مرة واحدة، فكيف
من شهد لي بالليل، والنهار والصباح والمساء بالوحدانية? ولنبيي محمد صلى الله عليه
وسلم بالرسالة? فكيف يكون عطائه في له?
خاتمة
اللهم
إنا نشهد أنك واحد فرد صمد، وأن محمداً عبدك ورسولك صلى الله عليه وسلم وأنه بلغ
الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ونهج الملة، وأن الرسل حق، وأنهم بلغوا
الرسالة، وأن الموت حق، والقبر حق، والميزان حق، والصراط حق، والجنة حق والنار حق،
وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.
اللهم توفنا مسلمين تائبين، لا مغيرين ولا مبدلين آمين يا رب العالمين، وصلى الله
على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
=
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق