روابط مصاحف م الكاب الاسلامي

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
 

الخميس، 2 يونيو 2022

مجلد 11.و12. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار محمد بن علي بن محمد الشوكاني

 

 مجلد 11. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار محمد بن علي بن محمد الشوكاني

5 - وعن زرارة بن ربيعة عن أبيه عن عثمان " في أمرك بيدك القضاء ما قضت "
- رواه البخاري في تاريخه

6 - وعن علي " قال الخلية والبرية والبتة والبائن والحرام ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره "
- رواه الدارقطني

7 - وعن ابن عمر " أنه قال في الخلية والبرية ثلاثا ثلاثا "
- رواه الشافعي

8 - وعن يونس بن يزيد قال " سألت ابن شهاب عن رجل جعل أمر امرأته بيد أبيه قبل أن يدخل بها فقال أبوه هي طالق ثلاثا كيف السنة في ذلك فقال أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مولى بن عامر بن لؤي أن محمد بن اياس بن بكر الليثي وكان أبوه شهد بدرا أخبره أن أبا هريرة قال بانت عنه فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وأنه سأل ابن عباس عن ذلك فقال مثل قول أبي هريرة وسأل عبد الله بن عمرو بن العاص فقال مثل قولهما "
- رواه أبو بكر البرقاني في كتابه المخرج على الصحيحين

9 - وعن مجاهد قال " كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال أنه طلق امرأته ثلاثا فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه ثم قال ينطلق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول يا ابن عباس يا ابن عباس وإن الله قال { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجا عصيت ربك فبانت منك امرأتك وإن الله قال { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن }
- رواه أبو داود

10 - وعن مجاهد عن ابن عباس " أنه سئل عن رجل طلق امرأته مائة قال عصيت ربك وفارقت امرأتك لم تتق الله فيجعل لك مخرجا "

11 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس " أن رجلا طلق امرأته ألفا قال يكفيك من ذلك ثلاث وتدع تسعمائة وسبعا وتسعين "

12 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس " أنه سئل عن رجل طلق امرأته عدد النجوم فقال أخطأ السنة وحرمت عليه امرأته "
- رواهن الدارقطني

- وهذا كله يدل على إجماعهم على صحة وقوع الثلاث بالكلمة الواحدة
وقد روى طاوس عن ابن عباس قال " كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم "
- رواه أحمد ومسلم
وفي رواية عن طاوس " أن أبا الصهباء قال لابن عباس هات من هناتك ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر واحدة قال قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم "
- رواه مسلم
وفي رواية " أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر قال ابن عباس بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال أجيزوهن عليهم "
- رواه أبو داود

- حديث حماد بن زيد أخرجه أيضا النسائي . وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال إنما هو عن أبي هريرة موقوفا ولم يعرف حديث أبي هريرة مرفوعا
وقال النسائي هذا حديث منكر وأما إنكار الشيخ أنه حدث بذلك فإن كان على طريقة الجزم كما وقع في رواية أبي داود بلفظ قال أيوب فقدم علينا كثير فسألته فقال ما حدثت بهذا قط فذكرته لقتادة فقال بلى ولكنه نسي انتهى . فلا شك أنه علة قادحة وإن لم تكن على طريقة الجزم بل عدم معرفة ذلك الحديث وعدم ذكر الجملة والتفصيل بدون تصريح بالإنكار كما في الرواية المذكورة في الباب فليس ذلك مما يعد قادحا في الحديث وقد بين هذا في علم اصطلاح الحديث وقد استدل بهذا الحديث على أن من قال لامرأته أمرك بيدك كان ذلك ثلاثا وقد اختلف في قول الرجل لزوجته أمرك بيدك وأمرك إليك هل هو تصريح تمليك للطلاق أو كناية فحكى في البحر عن الحنفية والشافعية ومالك أنه صريح فلا يقبل قول الزوج بعد ذلك أنه أراد التوكيل وذهب المؤيد بالله والهادوية إلى أنه كناية تمليك فيقبل قول الزوج أنه أراد التوكيل
قوله : " قال الخلية " الخ هذه الألفاظ من ألفاظ الطلاق الصريح وأما كونها بمنزلة إيقاع ثلاث تطليقات فقد تقدم في لفظ البتة ما يدل على أنه بمنزلة الطلاق الثلاث إلا أن يحلف الزوج أنه ما أراد به إلا واحدة فيمكن أن يكون علي رضي الله عنه ألحق به بقية الألفاظ المذكورة وأما لفظ الحرام فسيأتي الكلام عليه في باب من حرم زوجته أو أمته من كتاب الظهار قوله " فطلقوهن في قبل عدتهن " هذا الأثر إسناده صحيح كما قال صاحب الفتح وأخرج له أبو داود متابعات عن ابن عباس وذكر نحو الآثار التي عزاها المصنف إلى الدارقطني وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه رفع إليه رجل طلق امرأته ألفا فقال له عمر أطلقت امرأتك قال لا إنما كنت ألعب فعلاه عمر بالدرة وقال إنما يكفيك من ذلك ثلاث
وروى وكيع عن علي رضي الله عنه وعثمان نحو ذلك وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن مسعود أنه قيل له إن رجلا طلق امرأته البارحة مائة قال قلتها مرة واحدة قال نعم قال تريدان تبيين منك امرأتك قال نعم قال هو كما قلت وأتاه آخر فقال رجل طلق امرأته عدد النجوم قال قلتها مرة واحدة قال نعم قال تريدان تبيين منك امرأتك قال نعم قال هو كما قلت والله لا تلبسون على أنفسكم وتتحمله عنكم
قوله : " أناة " في الصحاح أنه على وزن قناة وفي القاموس والأناة كقناة الحلم والوقار
قوله : " من هناتك " جمع هن كأخ وهو الشيء يقول هذا هنك أي شيئك هذا معنى ما في القاموس فكأن أبا الصهباء قال لابن عباس هات من الأشياء العلمية التي عندك
قوله : " تتابع الناس " بتاءين فوقيتين بعد الألف مثناة تحتية بعدها عين مهملة وهو الوقوع في الشر من غير تماسك ولا توقف واعلم أنه قد وقع الخلاف في الطلاق الثلاث إذا أوقعت في وقت واحد هل يقع جميعها ويتبع الطلاق الطلاق أم لا فذهب جمهور التابعين وكثير من الصحابة وأئمة المذاهب الأربعة وطائفة من أهل البيت منهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه والناصر والإمام يحيى حكى ذلك عنهم في البحر وحكاه أيضا عن بعض الامامية إلى أن الطلاق يتبع الطلاق وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن الطلاق لا يتبع الطلاق بل يقع واحدة فقط
وقد حكى ذلك صاحب البحر عن أبي موسى ورواية عن علي عليه السلام وابن عباس وطاوس وعطاء وجابر بن زيد والهادي والقاسم والباقر والناصر وأحمد بن عيسى وعبد الله بن موسى بن عبد الله ورواية عن زيد بن علي وإليه ذهب جماعة من المتأخرين منهم ابن تيمية وابن القيم وجماعة من المحققين وقد نقله ابن مغيث في كتاب الوثائق عن محمد بن وضاح ونقل الفتوى بذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن بقي ومحمد بن عبد السلام وغيرهما ونقله ابن المنذري عن أصحاب ابن عباس كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار وحكاه ابن مغيث أيضا في ذلك الكتاب عن علي رضي الله عنه وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير وذهب بعض الامامية إلى أنه لا يقع بالطلاق المتتابع شيء لا واحدة ولا أكثر منها وقد حكى ذلك عن بعض التابعين
وروى عن ابن عليه وهشام ابن الحكم وبه قال أبو عبيدة وبعض أهل الظاهر وسائر من يقول أن الطلاق البدعي لا يقع لأن الثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متتابعة منه وعدم وقوع البدعي هو أيضا مذهب الباقر والصادق والناصر وذهب جماعة من أصحاب ابن عباس وإسحاق بن راهويه أن المطلقة إن كانت مدخولة وقعت الثلاث وإن لم تكن مدخولة فواحدة ( استدل القائلون ) بأن الطلاق يتبع الطلاق بأدلة منها قوله تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وظاهرها جواز إرسال الثلاث أو الثنتين دفعة أو مفرقة ووقوعها قال الكرماني إن قوله { الطلاق مرتان } يدل على جواز جمع الثنتين وإذا جاز جمع الثنتين دفعة جاز جمع الثلاث وتعقبه الحافظ بأنه قياس مع الفارق لأن جمع الثنتين لا يستلزم البينونة الكبرى بخلاف الثلاث
وقال الكرماني إن التسريح بإحسان عام يتناول إيقاع الثلاث دفعة وتعقب بأن التسريح في الآية إنما هو بعد إيقاع الثنتين فلا يتناول إيقاع الثلاث دفعة
وقد قيل إن هذه الآية من أدلة عدم التتابع لأن ظاهرها أن الطلاق المشروع لا يكون بالثلاث دفعة بل على الترتيب المذكور وهذا أظهر واستدلوا أيضا بظواهر سائر الآيات القرآنية نحو قوله تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وقوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } وقوله تعالى { ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } وقوله تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف }
ولم يفرق في هذه الآيات بين إيقاع الواحدة والثنتين والثلاث وأجيب بأن هذه عمومات مخصصة وإطلاقات مقيدة بما ثبت من الأدلة الدالة على المنع من وقوع فوق الواحدة واستدلوا أيضا بحديث سهل بن سعد المتقدم في قضية عويمر العجلاني وقد قدمنا الجواب عن ذلك واستدلوا أيضا بالحديث المذكور بعده فيما تقدم من رواية الحسن وقد تقدم أيضا الجواب عنه واستدلوا أيضا بما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن يحيى بن العلاء عن عبد الله بن الوليد الوصافي عن إبراهيم بن عبد الله بن عبادة بن الصامت قال " طلق جدي امرأة له ألف تطليقة فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر له ذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما اتقى الله جدك أما ثلاث فله وأما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " وفي رواية " إن أباك لم يتق الله ليجعل له مخرجا بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبع وتسعون إثم في عنقه " وأجيب بأن يحيى بن العلاء ضعيف وعبيد الله بن الوليد هالك وإبراهيم بن عبيد الله مجهول فأي حجة في رواية ضعيف عن هالك عن مجهول ثم والد عبادة بن الصامت لم يدرك الإسلام فكيف بجده واستدلوا أيضا بما في حديث ركانة السابق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استحلفه أنه ما أراد إلا واحدة وذلك يدل على أنه لو أراد الثلاث لوقعت ويجاب بأن أثبت ما روي في قصة ركانة أنه طلقها البتة لا ثلاثا وأيضا قد تقدم في رواية أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لها أرجعها بعد أن قال له أنه طلقها ثلاثا . وأيضا قد تقدم فيه من المقال ما لا ينتهض معه للاستدلال
( واستدل القائلون ) بأنه لا يقع من المتعدد إلا واحدة بما وقع في حديث ابن عباس عن ركانة " أنه طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف طلقتها فقال ثلاثا في مجلس واحد فقال له صلى الله عليه وآله وسلم إنما تلك واحدة فارتجعها " أخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه وأجيب عن ذلك بأجوبة منها أن في إسناده محمد بن إسحاق ورد بأنهم قد احتجوا في غير واحد من الأحكام بمثل هذا الإسناد ومنها معارضته لفتوى ابن عباس المذكورة في الباب ورد بأن المعتبر روايته لا رأيه ومنها أن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته البتة كما تقدم ويمكن أن يكون من روى ثلاثا حمل البتة على معنى الثلاث وفيه مخالفة للظاهر والحديث نص في محل النزاع ( واستدلوا ) أيضا بحديث ابن عباس المذكور في الباب أن الطلاق كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى آخره وقد أجيب عنه بأجوبة منها ما نقله المصنف رحمه الله في هذا الكتاب بعد إخراجه له ولفظه وقد اختلف الناس في تأويل هذا الحديث فذهب بعض التابعين إلى ظاهره في حق من لم يدخل بها كما دلت عليه رواية أبي داود وتأوله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق بأن يقول أنت طالق أنت طالق أنت طالق فإنه يلزمه واحدة إذا قصد التوكيد وثلاث إذا قصد تكرير الإيقاع فكان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر على صدقهم وسلامتهم وقصدهم في الغائب الفضيلة والاختيار ولم يظهر فيهم خب ولا خداع وكانوا يصدقون في إرادة التوكيد فلما رأى عمر في زمانه أمور ظهرت وأحوالا تغيرت وفشا إيقاع الثلاث جملة بلفظ لا يحتمل التأويل ألزمهم الثلاث في صورة التكرير إذ صار الغالب عليهم قصدها وقد أشار إليه بقوله أن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة
وقال أحمد بن حنبل كل أصحاب ابن عباس رووا عنه خلاف ما قال طاوس سعيد بن جبير ومجاهد ونافع عن ابن عباس بخلافه وقال أبو داود في سننه صار قول ابن عباس فيما حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن اياس أن ابن عباس وأبا هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثا فكلهم قال لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره انتهى كلام المصنف . وقوله وتأوله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق الخ هذا البعض الذي أشار إليه هو ابن سريج وقد ارتضى هذا الجواب القرطبي وقال النووي أنه أصح الأجوبة ولا يخفى أن من جاء بلفظ يحتمل التأكيد وادعى أنه نواه يصدق في دعواه ولو في آخر الدهر فكيف بزمن خير القرون ومن يليهم وإن جاء بلفظ لا يحتمل التأكيد لم يصدق إذا ادعى التأكيد من غير فرق بين عصر وعصر ويجاب عن كلام أحمد المذكور بأن المخالفين لطاوس من أصحاب ابن عباس إنما نقلوا عن ابن عباس رأيه وطاوس نقل عنه روايته فلا مخالفة وأما ما قاله ابن المنذر من أنه لا يظن بابن عباس أن يحفظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئا ويفتي بخلافه فيجاب عنه بأن الاحتمالات المسوغة لترك الرواية والعدول إلى الرأي كثيرة منها النسيان ومنها قيام دليل عند الراوي لم يبلغنا ونحن متعبدون بما بلغنا دون ما لم يبلغ . وبمثل هذا يجاب عن كلام أبي داود المذكور

- ( ومن الأجوبة ) من حديث ابن عباس المذكور ما نقله البيهقي عن الشافعي أنه قال يشبه أن يكون ابن عباس علم شيئا نسخ ويجاب بأن النسخ إن كان بدليل من كتاب أو سنة فما هو وإن كان بالإجماع فأين هو على أنه يبعد أن يستمر الناس أيام أبي بكر وبعض أيام عمر على أمر منسوخ وإن كان الناسخ قول عمر المذكور فحاشاه أن ينسخ سنة ثابتة بمحض رأيه وحاشا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيبوه إلى ذلك . ومن الأجوبة دعوى الاضراب كما زعمه القرطبي في المفهم وهو زعم فاسد لا وجه له . ومنها ما قاله ابن العربي أن هذا حديث مختلف في صحته فكيف يقدم على الإجماع ويقال أين الإجماع الذي جعلته معارضا للسنة الصحيحة ومنها أنه ليس في سياق حديث ابن عباس أن ذلك كان يبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقرره والحجة إنما هي في ذلك وتعقب بأن قول الصحابة كنا نفعل كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حكم المرفوع على ما هو الراجح وقد علمتم بمثل هذا في كثير من المسائل الشرعية والحاصل أن القائلين بالتتابع قد استكثروا من الأجوبة على حديث ابن عباس وكلها غير خارجة عن دائرة التعسف والحق أحق بالإتباع فإن كانت تلك المحاماة لأجل مذاهب الأسلاف فهي أحقر وأقل من أن تؤثر على السنة المطهرة وإن كانت لأجل عمر بن الخطاب فأين يقع المسكين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم أي مسلم من المسلمين يستحسن عقله وعلمه ترجيح قول صحابي على قول المصطفى

- ( واحتج القائلون ) بأنه لا يقع شيء لا واحدة ولا أكثر منها بقوله تعالى { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فشرط في وقوع الثالثة أن تكون في حال يصح من الزوج فيها الإمساك إذ من حق كل مخير بينهما أن يصح كل واحد منهما وإذا لم يصح الإمساك إلا بعد المراجعة لم تصح الثالثة إلا بعدها لذلك وإذا لزم في الثالثة لزم في الثانية كذا قيل وأجيب بمنع كون ذلك يدل على أنه لا يقع الطلاق إلا بعد الرجعة ومن الأدلة الدالة على عدم وقوع شيء الأدلة المتقدمة في الطلاق البدي واستدلوا أيضا بحديث " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وهذا الطلاق ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأجيب بتخصيص هذا العموم بما سبق من أدلة القولين الأولين من الحكم بوقوع الطلاق المثلث لأنا وإن منعنا وقوع المجموع لم نمنع من وقوع الفرد والقائلون بالفرق بين المدخولة وغيرها أعظم حجة لهم حديث ابن عباس فإن لفظه عند أبي داود أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة الحديث ووجهوا ذلك بأن غير المدخول بها تبين إذا قال لها زوجها أنت طالق فإذا قال ثلاثا لغا العدد لوقوعه بعد البيتوتة ويجاب بأن التقييد يقبل الدخول لا ينافي صدق الرواية الأخرى الصحيحة على المطلقة بعد الدخول وغاية ما في هذه الرواية أنه وقع فيها التنصيص على بعض أفراد مدلول الرواية الصحيحة المذكورة في الباب وذلك لا يوجب الاختصاص بالبعض الذي وقع التنصيص عليه وأجاب القرطبي عن ذلك التوجيه بأن قوله أنت طالق ثلاثا كلام متصل غير منفصل فكيف يصح جعله كلمتين وتعطي كل كلمة حكما هذا حاصل ما في هذه المسألة من الكلام وقد جمعت في ذلك رسالة مختصرة

( باب ما جاء في كلام الهازل والمكره والسكران بالطلاق وغيره )

1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة "
- رواه الخمسة إلا النسائي وقال الترمذي حديث حسن غريب

- الحديث أخرجه أيضا الحاكم وصححه وأخرجه الدارقطني وفي إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أزدك وهو مختلف فيه قال النسائي منكر الحديث ووثقه غيره قال الحافظ فهو على هذا حسن ( وفي الباب ) عن فضالة بن عبيد عند الطبراني بلفظ " ثلاث لا يجوز فيهن اللعب الطلاق والنكاح والعتق " وفي إسناده ابن لهيعة وعن عبادة بن الصامت عند الحرث بن أبي أسامة في مسنده رفعه بلفظ " لا يجوز اللعب فيهن الطلاق والنكاح والعتاق فمن قالهن فقد وجبن " وإسناده منقطع . وعن أبي ذر عند عبد الرزاق رفعه " من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز " وفي إسناده انقطاع أيضا . وعن علي موقوفا عند عبد الرزاق أيضا وعن عمر موقوفا عنده أيضا

- ( والحديث ) يدل على أن من تلفظ هازلا بلفظ نكاح أو طلاق أو رجعة أو عتاق كما في الأحاديث التي ذكرناها وقع منه ذلك أما في الطلاق فقد قال بذلك الشافعية والحنفية وغيرهم وخالف في ذلك أحمد ومالك فقال إنه يفتقر اللفظ الصريح إلى النية وبه قال جماعة من الأئمة منهم الصادق والباقر والناصر واستدلوا بقوله تعالى { وإن عزموا الطلاق } فدلت على اعتبار العزم والهازل لا عزم منه وأجاب صاحب البحر بالجمع بين الآية والحديث فقال يعتبر العزم في غير الصريح لا في الصريح فلا يعتبر والاستدلال بالآية على تلك الدعوى غير صحيح من أصله فلا يحتاج إلى الجمع فإنها نزلت في حق المولى

2 - وعن عائشة قالت " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا طلاق ولا عتاق في إغلاق "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

3 - وفي حديث بريدة في قصة ماعز أنه فال " يا رسول الله طهرني قال مم أطهرك قال من الزنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبه جنون فأخبر أنه ليس بمجنون فقال أشرب خمرا فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أزنيت قال نعم فأمر به فرجم "
- رواه مسلم والترمذي وصححه
وقال عثمان ليس لمجنون ولا لسكران طلاق
وقال ابن عباس طلاق السكران والمستكره ليس بجائز
وقال ابن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق فليس بشيء
وقال علي كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه
- ذكرهن البخاري في صحيحه

3 - وعن قدامة بن إبراهيم " أن رجلا على عهد عمر بن الخطاب تدلى يشتار عسلا فأقبلت امرأته فجلست على الحبل فقالت ليطلقها ثلاثا وإلا قطعت الحبل فذكرها الله والإسلام فأبت فطلقها ثلاثا ثم خرج إلى عمر فذكر ذلك له فقال ارجع إلى أهلك فليس هذا بطلاق "
- رواه سعيد بن منصور وأبو عبيد القاسم بن سلام

- حديث عائشة أخرجه أيضا أبو يعلى والحاكم والبيهقي وصححه الحاكم وفي إسناده محمد بن عبيد بن أبي صالح وقد ضعفه أبو حاتم الرازي ورواه البيهقي من طريق ليس هو فيها لكن لم يذكر عائشة وزاد أبو داود وغيره ولا عتاق
قوله : " في إغلاق " بكسر الهمزة وسكون الغين المعجمة وآخره قاف فسره علماء الغريب بالإكراه روى ذلك في التلخيص عن ابن قتيبة والخطابي وابن السيد وغيرهم وقيل الجنون واستبعده المطرزي وقيل الغضب وقع ذلك في سنن أبي داود وفي رواية ابن الأعرابي وكذا فسره أحمد ورده ابن السيد فقال لو كان كذلك لم يقع على أحد طلاق لأن أحدا لا يطلق حتى يغضب وقال أبو عبيدة الإغلاق التضييق وقد استدل بهذا الحديث من قال إنه لا يصح طلاق المكره وبه قال جماعة من أهل العلم حكى ذلك في البحر عن علي وعمر وابن عباس وابن عمر والزبير والحسن البصري وعطاء ومجاهد وطاوس وشريح والأوزاعي والحسن بن صالح والقاسمية والناصر والمؤيد بالله ومالك والشافعي وحكى أيضا وقوع طلاق المكره عن النخعي وابن المسيب والثوري وعمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة وأصحابه والظاهر ما ذهب إليه الأولون لما في الباب ويؤيد ذلك حديث " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " أخرجه ابن ماجه وابن حبان والدارقطني والطبراني والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس وحسنه النووي وقد أطال الكلام عليه الحافظ في باب شروط الصلاة من التلخيص فليراجع
واحتج عطاء بقوله تعالى { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } وقال الشرك أعظم من الطلاق أخرجه سعيد بن منصور عنه بإسناد صحيح
قوله : " أبه جنون " لفظ البخاري " أبك جنون " وهذا طرف من حديث يأتي إن شاء الله تعالى في الحدود وفيه دليل على أن الإقرار من المجنون لا يصح وكذا سائر التصرفات والانشاآت ولا أحفظ في ذلك خلافا
قوله : " فقال أشرب خمرا " فيه دلي أيضا على أن إقرار السكران لا يصح وكأن المصنف رحمه الله تعالى قاس طلاق السكران على إقراره وقد اختلف أهل العلم في ذلك فأخرج ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عدم وقوع طلاق السكران عن أبي الشعثاء وعطاء وطاوس وعكرمة والقاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز
قال في الفتح وبه قال ربيعة والليث وإسحاق والمزني واختاره الطحاوي واحتج بأنهم أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع قال والسكران معتوه بسكره وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم والزهري والشعبي وبه قال الاوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وعن الشافعي قولان المصحح منهما وقوعه والخلاف عند الحنابلة وقد حكى القول بالوقوع في البحر عن علي وابن عباس وابن عمر ومجاهد والضحاك وسليمان بن يسار وزيد بن علي والهادي والمؤيد بالله وحكى القول بعدم الوقوع عن عثمان وجابر بن زيد ورواية عن ابن عباس والناصر وأبي طالب والبتي وداود ( احتج ) القائلون بالوقوع بقوله تعالى { ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } ونهيهم حال السكر عن قربان الصلاة يقتضي عدم زوال التكليف وكل مكلف يصح منه الطلاق وغيره من العقود والانشاآت وأجيب بأن النهي في الآية المذكورة إنما هو من أصل السكر الذي يلزم منه قربان الصلاة كذلك
وقيل إنه نهي يشمل الذي يعقل الخطاب وأيضا قوله في آخر الآية { حتى تعلموا ما تقولون } دليل على أن السكران يقول ما لا يعلم ومن كان كذلك فكيف يكون مكلفا وهو غير فاهم شرط التكليف كما تقرر في الأصول
( واحتجوا ) ثانيا بأنه عاص بفعله فلا يزول عنه الخطاب بالسكر ولا الاثم لأنه يؤمر بقضاء الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر وأجاب الطحاوي بأنها لا تختلف أحكام فاقد العقل بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من جهته أو من جهة غيره إذ لا فرق بيم من عجز عن القيام في الصلاة بسبب من قبل الله أو من قبل نفسه كمن كسر رجل نفسه فإنه يسقط عنه فرض القيام وتعقب بأن القيام انتقل إلى بدل وهو القعود فافترقا وأجاب ابن المنذر عن الاحتجاج بقضاء الصلوات بأن النائم يجب عليه قضاء الصلاة ولا يقع طلاقه لأنه غير مكلف حال نومه بلا نزاع واحتجوا ثالثا بأن ربط الأحكام بأسبابها أصل من الأصول المأنوسة في الشريعة والتطليق سبب للطلاق فينبغي ترتيبه عليه وربطه به وعدم الاعتداد بالسكر كما في الجنايات وأجيب بالاستفسار عن السبب للطلاق هل هو إيقاع لفظه مطلقا إن قلتم نعم لزمكم أن يقع من المجنون والنائم والسكران الذي لم يعص بسكره إذا وقع من أحدهم لفظ الطلاق وإن قلتم أنه إيقاع اللفظ من العاقل الذي يفهم ما يقول فالسكران غير عاقل ولا فاهم فلا يكون إيقاع لفظ الطلاق منه سببا ( واحتجوا ) رابعا بأن الصحابة رضي الله عنهم جعلوه كالصاحي ويجاب بأن ذلك محل خلاف بين الصحابة كما بينا ذلك في أول الكلام وكما ذكره المصنف عن عثمان وابن عباس فلا يكون قول بعضهم حجة علينا كما لا يكون حجة على بعضهم بعضا واحتجوا خامسا بأن عدم وقوع الطلاق من السكران مخالف للمقاصد الشرعية لأنه إذا فعل حراما واحدا لزمه حكمه فإذا تضاعف جرمه بالسكر وفعل الحرام الآخر سقط عنه الحكم مثلا لو أنه ارتد بغير سكر لزمه حكم الردة فإذا جمع بين السكر والردة لم يلزمه حكم الردة لأجل السكر ويجاب بأنا لم نسقط عنه حكم المعصية الواقعة منه حال السكر لنفس فعله للمحرم الآخر وهو السكر فإن ذلك مما لا يقول به عاقل وإنما أسقطنا عنه حكم المعصية لعدم مناط التكليف وهو العقل وبيان ذلك أنه لو شرب الخمر ولم يزل عقله كان حكمه حكم الصاحي فلم يكن فعله لمعصية الشرب هو المسقط . ومن الأدلة الدالة على عدم الوقوع ما في صحيح البخاري وغيره أن حمزة سكر وقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما دخل عليه هو وعلي وهل أنتم إلا عبيد لأبي في قصة مشهورة فتركه صلى الله عليه وآله وسلم وخرج ولم يلزمه حكم تلك الكلمة مع أنه لو قالها غير سكران لكان كفرا كما قال ابن القيم وأجيب بأن الخمر كانت إذ ذاك مباحة والخلاف إنما هو بعد تحريمها . وحكى الحافظ في الفتح عن ابن بطال أنه قال الأصل في السكران العقل والسكر شيء طرأ على عقله فمهما وقع منه من كلام مفهوم فهو محمول على الأصل حتى يثبت فقدان عقله انتهى ( والحاصل ) أن السكران الذي لا يعقل لا حكم لطلاقه لعدم المناط الذي تدور عليه الأحكام وقد عين الشارع عقوبته فليس لنا أن نجاوزها برأينا ونقول يقع طلاقه عقوبة له فيجمع له بين غرمين ( لا يقال ) إن ألفاظ الطلاق ليست من الأحكام التكليفية بل من الأحكام الوضعية وأحكام الوضع لا يشترط فيها التكليف لأنا نقول الأحكام الوضعية تقيد بالشروط كما تقيد الأحكام التكليفية وأيضا السبب الوضعي هو طلاق العاقل لا مطلق الطلاق بالاتفاق وإلا لزم وقوع طلاق المجنون
قوله : وقال عثمان الخ علقه البخاري ووصله ابن أبي شيبة
قوله : وقال ابن عباس الخ وصله ابن أبي شيبة أيضا وسعيد بن منصور وأثر على وصله البغوي في الجعديات وسعيد بن منصور وقد ساق البخاري في صحيحه آثارا عن جماعة من الصحابة والتابعين . وأثر عمر بن الخطاب في قصة الرجل الذي تدلى ليشتار عسلا إسناده منقطع لأن الراوي له عن عمر عبد الملك بن قدامة بن محمد بن إبراهيم بن حاطب الجمحي عن أبيه قدامة وقدامة لم يدرك عمر وقد روي ما يعارضها أخرج العقيلي من حديث صفوان بن عمر أن الطائي " أن امرأة أخذت المدية ووضعتها على نحر زوجها وقالت إن لم تطلقني نحرتك بهذه فطلقها ثم استقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الطلاق فقال صلى الله عليه وآله وسلم لا قيلولة في الطلاق " وقد تفرد به صفوان وحمله بعضهم على من نوى الطلاق

( باب ما جاء في طلاق العبد )

1 - عن ابن عباس قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل فقال يا رسول الله سيدي زوجني أمته وهو يريد أن يفرق بيني وبينها قال فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر فقال يا أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما إنما الطلاق لمن أخذ بالساق "
- رواه ابن ماجه والدارقطني

2 - وعن عمر بن معتب " أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في مملوك تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقا هل يصح له أن يخطبها قال نعم قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه الخمسة إلا الترمذي
وفي رواية " بقيت لك واحدة قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " . رواه أبو داود
وقال ابن المبارك ومعمر لقد تحمل أبو حسن هذا صخرة عظيمة وقال أحمد بن حنبل في رواية ابن منصور في عبد تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقا يتزوجها ويكون على واحدة على حديث عمر بن معتب وقال في رواية أبي طالب في هذه المسألة يتزوجها ولا يبالي في العدة عتقا أو بعد العدة قال وهو قول ابن عباس وجابر بن عبد الله وأبي سلمة وقتادة

- حديث ابن عباس أخرجه أيضا الطبراني وابن عدي وفي إسناد ابن ماجه ابن لهيعة وكلام الأئمة فيه معروف وفي إسناد الطبراني يحيى الحماني وهو ضعيف وفي إسناد ابن عدي والدارقطني عصمة بن مالك كذا قيل وفي التقريب إنه صحابي وطرقه يقوي بعضها بعضا
وقال ابن القيم أن حديث ابن عباس وإن كان في إسناده ما فيه فالقرآن يعضده وعليه عمل الناس وأراد بقوله القرآن يعضده نحو قوله تعالى { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } وقوله تعالى { إذا طلقتم النساء } الآية . وحديث عمر بن معتب أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وقد ذكر أبو الحسن المذكور بخير وصلاح ووثقه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان غير أن الراوي عنه عمر بن معتب وقد قال علي بن المديني إنه منكر الحديث وسئل عنه أيضا فقال مجهول لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير وقال النسائي ليس بالقوي وقال الأمير أبو نصر منكر الحديث وقال الذهبي لا يعرف . ومعتب بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد المثناة الفوقية وكسرها وبعدها باء موحدة
وقد استدل بحديث ابن عباس المذكور من قال إن طلاق امرأة العبد لا يصح إلا منه لا من سيده وروى ابن عباس أنه يقع طلاق السيد على عبده والحديث المروي من طريقه حجة عليه وابن لهيعة ليس بساقط الحديث فإنه إمام حافظ كبير ولهذا أورده الذهبي في تذكرة الحفاظ وقال أحمد بن حنبل من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه
وقال أحمد بن صالح كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلابا للعلم وقال يحيى بن القطان وجماعة إنه ضعيف
وقال ابن معين ليس بذاك القوي وهذا جرح مجمل لا يقبل عند بعض أئمة الجرح والتعديل
وقد قيل إن السبب في تضعيفه احتراق كتبه وأنه بعد ذلك حدث من حفظه فخلط وإن من حدث عنه قبل احتراق كتبه كابن المبارك وغيره حديثهم عنه قوي وبعضهم يصححه وهذا التفصيل هو الصواب وقال الذهبي إنها تؤدى أحاديثه في المتابعات ولا يحتج به
وأما يحيى الحماني فقال في التذكرة وثقه يحيى بن معين وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به
وقال ابن حبان يكذب جهارا ويسرق الأحاديث واستدل أيضا بحديث ابن عباس الثاني أيضا أن العبد يملك من الطلاق ثلاثا كما يملك الحر وقال الشافعي إنه لا يملك من الطلاق إلا اثنتين حرة كانت زوجته أو أمة وقال أبو حنيفة والناصر إنه لا يملك في الأمة إلا اثنتين لا في الحرة فكالحر . واستدلوا بحديث ابن مسعود الطلاق بالرجال والعدة بالنساء عند الدارقطني والبيهقي وأجيب بأنه موقوف
قالوا أخرج الدارقطني والبيهقي أيضا عن ابن عباس نحوه وأجيب بأنه موقوف أيضا وكذلك روى نحوه أحمد من حديث علي وهو أيضا موقوف قالوا أخرج ابن ماجه والدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا " طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان " وأجيب بأن في إسناده عمر بن شبيب وعطية العوفي وهما ضعيفان
وقال الدارقطني والبيهقي الصحيح إنه موقوف قالوا في السنن نحوه من حديث عائشة وأجيب بأن في إسناده مظاهر بن أسلم قال الترمذي حديث عائشة هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مظاهر بن أسلم ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قول سفيان الثوري والشافعي وإسحاق انتهى . ( لا يقال ) هذه الطرق تقوى على تخصيص عموم الطلاق مرتان وغيرها من العمومات الشاملة للحر والعبد لأنا لا نقول قد دل على أن ذلك العموم مراد غير مخرج منه العبد حديث ابن عباس المذكور في الباب فهو معارض لما دل على أن طلاق العبد اثنتان

( باب من علق الطلاق قبل النكاح )

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق له فيما لا يملك ولا عتق له فيما لا يملك ولا طلاق له فيما لا يملك "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب وأبو داود وقال فيه " ولا وفاء نذر إلا فيما يملك " ولابن ماجه منه " لا طلاق فيما لا يملك "

2 - وعن مسور بن مخرمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك "
- رواه ابن ماجه

- حديث عمرو بن شعيب أخرجه بقية أهل السنن والبزاز والبيهقي وقال هو أصح شيء في هذا الباب وأشهر . وحديث المسور حسنه الحافظ في التلخيص ولكنه اختلف فيه على الزهري فروى عنه عن عروة عن المسور وروى عنه عن عروة عن عائشة وفي الباب عن أبي بكر الصديق وأبي هريرة وأبي موسى الأشعري وأبي سعيد الخدري وعمران بن حصين وغيرهم ذكر ذلك البيهقي في الخلافيات ( وفي الباب ) أيضا عن جابر مرفوعا بلفظ " لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك " أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه وقال وأنا متعجب من الشخين كيف أهملاه وقد صح على شرطهما من حديث ابن عمر وعائشة وعبد الله بن عباس ومعاذ بن جبل وجابر انتهى
وحديث ابن عمر أخرجه أيضا ابن عدي ووثق إسناده الحافظ وقال ابن صاعد غريب لا أعرف له علة . وحديث عائشة قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه حديث منكر . وحديث ابن عباس في إسناده عند الحاكم من لا يعرف وله طريق أخرى عند الدارقطني وفي إسناده ضعيف . وحديث معاذ أعل بالإرسال وله طريق أخرى عند الدارقطني وفيها انقطاع وفي إسناده أيضا يزيد بن عياض وهو متروك . وحديث جابر صحح الدارقطني إرساله وأعله ابن معين وغيره وفي الباب أيضا عن علي عند البيهقي وغيره ومداره على جوبير وهو متروك ورواه ابن الجوزي من طريق أخرى عنه وفيها عبد الله بن زياد بن سمعان وهو متروك وله طريق أخرى في الطبراني وقال ابن معين لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " لا طلاق قبل نكاح " وأصح شيء فيه حديث ابن المنكدر عمن سمع طاوسا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا
وقال ابن عبد البر في الاستذكار روي من وجوه إلا أنها عند أهل العلم بالحديث معلولة انتهى
ولا يخفى عليك أن مثل هذه الروايات التي سقناها في الباب من طريق أولئك الجماعة من الصحابة مما لا يشك منصف أنها صالحة بمجموعها للاحتجاج وقد وقع الإجماع على أنه لا يقع الطلاق الناجز على الأجنبية وأما التعليق نحو أن يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق فذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أنه لا يقع . وحكى عن أبي حنيفة وأصحابه والمؤيد بالله في أحد قوليه إنه لا يصح التعليق مطلقا وذهب مالك في المشهور عنه وربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى إلى التفصيل وهو أنه إن جاء بحاصر نحو أن يقول كل امرأة أتزوجها من بني فلان أو بلد كذا فهي طالق صح الطلاق ووقع وإن عمم لم يقع شيء وهذا التفصيل لا وجه له إلا مجرد الاستحسان كما أنه لا وجه للقول بإطلاق الصحة والحق أنه لا يصح الطلاق قبل النكاح مطلقا للأحاديث المذكورة في الباب وكذا العتق قبل الملك والنذر بغير الملك

( باب الطلاق بالكنايات إذا نواه بها وغير ذلك )

1 - عن عائشة قالت " خيرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاخترناه فلم يعدها شيئا "
- رواه الجماعة
وفي رواية " قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني ذاكر لك أمرأ فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمر أبويك قالت وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه قالت ثم قال إن الله عز و جل قال لي يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا الآية وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة الآية قالت فقلت في هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة قالت ثم فعل أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل ما فعلت " . رواه الجماعة إلا أبو داود

- قوله " خيرنا " في لفظ لمسلم " خير نساءه " قوله " فلم يعدها شيئا " بتشديد الدال المهملة وضم العين من العدد
وفي رواية " فلم يعدد " بفك الإدغام وفي أخرى " فلم يعتد " بسكون العين وفتح المثناة وتشديد الدال من الاعتداد
وفي رواية لمسلم " فلم يعده طلاقا " وفي رواية للبخاري أفكان طلاقا على طريقة الاستفهام الإنكاري
وفي رواية لأحمد فهل كان طلاقا وكذا للنسائي
وقد استدل بهذا من قال إنه لا يقع بالتخيير شيء إذا اختارت الزوج وبه قال جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار لكن اختلفوا فيما إذا اختارت نفسها هل يقع طلقة واحدة رجعية أو بائنة أو يقع ثلاثا فحكى الترمذي عن علي عليه السلام أنها إذا اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية وعن زيد بن ثابت إن اختارت نفسها فثلاث وإن اختارت زوجها فواحدة بائنة . وعن عمرو بن مسعود إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وعنهما رجعية وإن اختارت زوجها فلا شيء ويؤيد قول الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين فلو كان اختيارها لزوجها طلاقا لاتحدا فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق زاذان قال " كنا جلوسا عند علي عليه السلام فسئل عن الخيار فقال سألني عنه عمر فقلت إن اختارت نفسها فواحدة رجعية قال ليس كما قلت إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية قال ليس كما قلت إن اختارت زوجها فلا شيء قال فلم أجد بدا من متابعته فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف قال علي وأرسل عمر إلى زيد بن ثابت قال فذكر مثل ما حكاه عنه الترمذي وأخرج ابن أبي شيبة من طريق علي نظير ما حكاه عنه زاذان من اختياره وأخذ مالك بقول زيد بن ثابت واحتج بعض أتباعه لكونها اختارت نفسها يقع ثلاثا بأن معنى الخيار بث أحد الأمرين إما الأخذ أو الترك فلو قلنا إذا اختارت نفسها يكون طلقة رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ لأنها تكون بعد في أسر الزوج وتكون كمن خير بين شيئين فاختار غيرهما وأخذ أبو حنيفة بقول عمر وابن مسعود فيما إذا اختارت نفسها فواحدة بائنة وقال الشافعي التخيير كناية فإذا خير الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أتستمر في عصمته فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طلقت فلو قالت لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدقت
وقال الخطابي يؤخذ من قول عائشة فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقا أنها لو اختارت نفسها لكان ذلك طلاقا ووافقه القرطبي في المفهم فقال في الحديث إن المخيرة إذا اختارت نفسها أن نفس ذلك الاختيار يكون طلاقا من غير احتياج إلى نطق بلفظ يدل على الطلاق قال وهو مقتبس من مفهوم قول عائشة المذكور قال الحافظ لكن الظاهر من الآية أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقا بل لا بد من انشاء الزوج الطلاق لأن فيها { فتعالين أمتعكن وأسرحكن } أي بعد الاختيار ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم واختلفوا في التخيير هل هو بمعنى التمليك أو بمعنى التوكيل وللشافعي فيه قولان المصحح عند أصحابه أنه تمليك وهو قول المالكية بشرط المبادرة منها حتى لو تراخت بمقدار ما ينقطع القبول عن الإيجاب ثم طلقت لم يقع وفي وجه لا يضر التأخير ما دام المجلس وبه جزم ابن القاص وهو الذي رجحته المالكية والحنفية والهاودية وهو قول الثوري والليث والاوزاعي وقال ابن المنذر الراجح أنه لا يشترط فيه الفور بل متى طلقت نفذ وهو قول الحسن والزهري وبه قال أبو عبيدة ومحمد بن نصر من الشافعية والطحاوي من الحنفية واحتجوا بما في حديث الباب من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك وذلك يقتضي عدم اشتراط الفور في جواب التخيير
قال الحافظ ويمكن أن يقال يشترط الفور إلا أن يقع التصريح من الزوج بالفسحة لأمر يقتضي ذلك فيتراخي كما وقع في قصة عائشة ولا يلزم من ذلك أن يكون كل خيار كذلك

2 - وعن عائشة " أن ابنة الجون لما أدخلت على عهد رسول صلى الله عليه وآله وسلم ودنا منها قالت أعوذ بالله منك فقال لها لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك "
- رواه البخاري وابن ماجه والنسائي وقال الكلابية بدل ابنة الجون
وقد تمسك به من يرى لفظة الخيار والحقي بأهلك واحدة لا ثلاثا لأن جمع الثلاث يكره فالظاهر أنه عليه السلام لا يفعله

3 - وفي حديث تخلف كعب بن مالك قال " لما مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحي وإذا رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتيني فقال إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال بل اعتزلها فلا تقربنها قال فقلت لامرأتي الحقي بأهلك "
- متفق عليه
ويذكر فيمن قال لزوجته أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه

4 - ما روي عن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشهر هكذا وهكذا يعني ثلاثين ثم قال وهكذا وهكذا وهكذا يعني تسعا وعشرين يقول مرة ثلاثين ومرة تسعة وعشرين "
- متفق عليه

5 - ويذكر في مسألة من قال لغير مدخول بها أنت طالق وطالق أو طالق ثم طالق ما روى حذيفة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان وقولوا ما شاء الله ثم شاء فلان "
- رواه أحمد وأبو داود . ولابن ماجه معناه

6 - وعن قتيلة بنت صيفي قالت " أتى حبر من الأخبار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون لله ندا قال سبحان الله وما ذاك قال تقولون ما شاء الله وشئت قال فأمهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا ثم قال إنه قد قال فمن قال ما شاء الله فليفصل بينهما ثم شئت "
- رواه أحمد

7 - وعن عدي بن حاتم " إن رجلا خطب عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي

8 - ويذكر فيمن طلق بقلبه ما روى أبو هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم به "
- متفق عليه

- حديث حذيفة أخرجه أيضا النسائي وابن أبي شيبة والطبراني والبيهقي وقد ساقه الحازمي في الاعتبار بإسناده وذكر فيه قصة وهي " إن رجلا من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلا من أهل الكتاب فقال نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون قال تقولون ما شاء الله وشاء محمد فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهم والله إن كنت لأعرفها لكم قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد " وأخرج أيضا بإسناده إلى الطفيل بن سخيرة أخي عائشة لأمها " أنه قال رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على رهط من اليهود فقلت من أنتم فقالوا نحن اليهود فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون عزير بن الله قالوا وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد ثم أتيت على رهط من النصارى فقلت من أنتم فقالوا نحن النصارى فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح بن الله فقالوا وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد فلما أصبح أخبر بها من أخبر ثم أخبر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال هل أخبرت بها أحدا قال نعم فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن طفيلا رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم وأنكم لتقولون الكلمة يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها فلا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد " وأخرج أيضا بإسناده المتصل بابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا حلف أحدكم فلا يقول ما شاء الله وشئت ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت " وأخرج أيضا بإسناده إلى عائشة أنها قالت " قالت اليهود نعم القوم قوم محمد لولا أنهم يقولون ما شاء الله وشاء محمد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله وحده " قوله " إن ابنة الجون " قيل هي الكلابية واختلف في اسمها فقال ابن سعد اسمها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان وروى عن الكلبي أنها عالية بنت ظبيان بن عمرو وحكى ابن سعد أيضا إلى أنها واحدة اختلف في اسمها
قال الحافظ والصحيح أن التي استعاذت منه هي الجونية واسمها أميمة بنت النعمان بن شراحيل وذكر ابن سعد أنها لم تستعذ منه امرأة غيرها
قال ابن عبد البر أجمعوا على أن التي تزوجها هي الجونية واختلفوا في سبب فراقه لها فقال قتادة لما دخل عليها دعاها فقالت تعال أنت فطلقها وقيل كان بها وضح وزعم بعضهم إنها قالت أعوذ بالله منك فقال قد عذت بمعاذ وقد أعاذك الله مني فطلقها قال وهذا باطل إنما قال له هذا امرأة من بني العنبر وكانت جميلة فخاف نساؤه أن تغلبهن عليه فقلن لها إنه يعجبه أن يقال له نعوذ بالله منك ففعلت فطلقها قال الحافظ وما أدري لم حكم ببطلان ذلك مع كثرة الروايات الواردة فيه وثبوته في حديث عائشة في صحيح البخاري
قوله " الحقي بأهلك " بكسر الهمزة من الحقي وفتح الحاء وفيه دليل على أن من قال لامرأته الحقي بأهلك وأراد الطلاق طلقت فإن لم يرد الطلاق لم تطلق كما وقع في حديث تخلف كعب المذكور فيكون هذا اللفظ من كنايات الطلاق لأن الصريح لا يفتقر إلى النية على ما ذهب إليه الشافعية والحنفية وأكثر العترة . وذهب الباقر والصادق والناصر ومالك إلى أنه يفتقر إلى نية . وحديث ابن عمر في إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بعدد الشهر قد تقدم في باب ما جاء في يوم الغيم والشك من كتاب الصيام وتقدم شرحه هنالك . وإنما أورده المصنف ههنا للاستدلال به على صحة العدد بالإشارة بالأصابع واعتباره من دون تلفظ باللسان . فإذا قال الرجل لزوجته أنت طالق هكذا وأشار بثلاث من أصابعه كان ذلك ثلاثا عند من يقول إن الطلاق يتبع الطلاق
وأورد حديث حذيفة وحديث قتيلة للاستدلال بهما على أن من قال لزوجته التي لم يدخل بها أنت طالق وطالق كان كالطلقة الواحدة لأن المحل لا يقبل غيرها فتكون الثانية لغوا بخلاف ما لو قال أنت طالق ثم طالق وقعت عليها الطلقة الأولى في الحال ووقعت عليها الثانية بعد أن تصير قابلة لها وذلك لأن الواو لمطلق الجمع فكأنه إذا جاء بها موقع لمجموع الطلاقين عليها في حالة واحدة بخلاف ثم فإنها للترتيب مع تراخ فيصير الزوج في حكم الموقع لطلاق بعده طلاق متراخ عنه . ولهذا قال الشافعي في سبب نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الرجل ما شاء الله وشئت وأذنه له بأن يقول ما شاء الله ثم شاء فلان أن المشيئة إرادة الله تعالى قال الله عز و جل { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } قال فأعلم الله خلقه أن المشيئة له دون خلقه وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء الله فيقال لرسوله ما شاء الله ثم شئت ولا يقال ما شاء الله وشئت انتهى . ولكنه يعارض هذا الاستنباط حديث عدي بن حاتم الذي ذكره المصنف في الرجل الذي خطب بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم فإنه أنكر عليه الجمع بين الضميرين وأرشده إلى أن يقول ومن يعص الله ورسوله فدل على أن توسيط الواو بين الله ورسوله له حكم غير حكم قوله ومن يعصهما ولو كانت الواو لمطلق الجمع لم يكن بين العبارتين فرق
وقد قدمنا الكلام على علة هذا النهي عند الكلام على حديث ابن مسعود في باب اشتمال الخطبة على حمد الله من أبواب الجمعة هذا ما ظهر في بيان وجه استدلال المصنف بحديثي المشيئة وحديث الخطبة ويمكن أن يكون مراد المصنف بإيراد الأحاديث المذكورة مجرد التنظير لا الاستدلال وقد قدمنا أن الطلاق المتعدد سواء كان بلفظ واحد أو ألفاظ من غير فرق بين أن يكون العطف بثم أو بالواو أو بغيرهما يكون طلقة واحدة سواء كانت الزوجة مدخولة أو غير مدخولة وأورد حديث أبي هريرة للاستدلال به على أن من طلق زوجته بقلبه ولم يلفظ بلسانه لم يكن لذلك حكم الطلاق لأن خطرات القلب مغفورة للعباد إذا كانت فيما فيه ذنب فكذلك لا يلزم حكمها في الأمور المباحة فلا يكون حكم خطور الطلاق بالقلب أو إرادته حكم التلفظ به وهكذا سائر الانشاآت قال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث ما لفظه : والعمل على هذا عند أهل العلم أن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيء حتى يتكلم به انتهى . وحكى في البحر عن عكرمة أنه يقع بمجرد النية

( كتاب الخلع )

1 - عن ابن عباس قال " جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتردين عليه حديقته قالت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقبل الحديقة وطلقها تطليقة "
- رواه البخاري والنسائي

2 - وعن ابن عباس " أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت والله ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضا فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتردين عليه حديقته قالت نعم فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد "
- رواه ابن ماجه

3 - وعن الربيع بنت معوذ " أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي فإني أخوها يشتكيه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ثابت فقال له خذ الذي لها عليك وخل سبيلها قال نعم فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تتربص حيضة واحدة وتلحق بأهلها "
- رواه النسائي

4 - وعن ابن عباس " أن امرأة ثابت ابن قيس اختلعت من زوجها فأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تعتد بحيضة "
- رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن غريب

5 - وعن الربيع بنت معوذ " أنها اختلعت على عهد رسول الله فأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة "
- رواه الترمذي وقال حديث الربيع الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة

6 - وعن أبي الزبير " أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده عبد الله بن أبي بن سلول وكان أصدقها حديقة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتردين عليه حديقته التي أعطاك قالت نعم وزيادة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما الزيادة فلا ولكن حديقته قالت نعم فأخذها له وخلى سبيلها فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال قد قبلت قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه الدارقطني بإسناد صحيح وقال سمعه أبو الزبير من غير واحد

- حديث ابن عباس الثاني رواه ابن ماجه من طريق أزهر بن مروان وهو صدوق مستقيم الحديث وبقية إسناده من رجال الصحيح
وقد أخرجه النسائي وأخرجه البيهقي . وحديث الربيع بنت معوذ الأول إسناده في سنن النسائي هكذا حدثنا أبو علي محمد بن يحيى المروزي أخبرني شاذان بن عثمان أخو عبدان حدثنا أبي حدثنا علي بن المبارك عن يحيى عن أبي كثير أخبرني محمد بن عبد الرحمن أن الربيع بن معوذ بن عفراء أخبرته أن ثابت بن قيس الحديث ومحمد بن يحيى ثقة وشاذان هو عبد العزيز بن عثمان بن جبلة وهو من رجال الصحيح هو وأبوه وكذلك علي بن المبارك ويحيى بن أبي كثير
وأما محمد بن عبد الرحمن فقد روى النسائي عن جماعة من التابعين اسمهم محمد بن عبد الرحمن وكلهم ثقات . فالحديث على هذا صحيح وقد أخرجه أيضا الطبراني . وحديث ابن عباس الثالث قد ذكر أنه مرسل ورواه الترمذي مسندا . وحديث الربيع الثاني أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن الربيع بنت معوذ قال اختلعت من زوجي فذكرت قصة وفيها أن عثمان أمرها أن تعتد حيضة قال وتبع عثمان في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في امرأة ثابت بن قيس

- وحديث أبي الزبير أخرجه أيضا البيهقي وإسناده قوي مع كونه مرسلا
قوله : كتاب الخلع بضم الحاء المعجمة وسكون اللام هو في اللغة فراق الزوجة على مال مأخوذ من خلع الثوب لأن المرأة لباس الرجل معنى وأجمع العلماء على مشروعيته إلا بكر بن عبد الله المزني التاجي فإنه قال لا يحل للزوج أن يأخذ من امرأته في مقابل فراقها شيئا لقوله تعالى { فلا تأخذوا منه شيئا } وأورد عليه { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } فادعى نسخها بآية النساء روى ذلك ابن أبي شيبة وتعقب بقوله تعالى { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه } وبقوله { فلا جناح عليهما أن يصالحا } الآية ( وبأحاديث الباب ) وكأنها لم تبلغه وقد انعقد الإجماع بعده على اعتباره . وأن آية النساء مخصوصة بآية البقرة وبآيتي النساء الآخرتين وهو في الشرع فراق الرجل زوجته ببدل يحصل له
قوله : " امرأة ثابت بن قيس " وقع في رواية ابن عباس والربيع أن اسمها جميلة ووقع في رواية لأبي الزبير أن اسمها زينب والرواية الأولى أصح لإسنادها وثبوتها من طريقين . وبذلك جزم الدمياطي
وأما ما وقع في حديث ابن عباس المذكور أنها بنت سلول وفي حديث الربيع وأبي الزبير المذكورين أنها بنت عبد الله بن أبي بن سلول ووقع في رواية للبخاري أنها بنت أبي فقيل إنها أخت عبد الله كما صرح به ابن الأثير وتبعه النووي وجزما بأن قول من قال إنها بنت عبد الله وهم وجمع بعضهم باتحاد اسم المرأة وعمتها وأن ثابتا خالع الثنتين واحدة بعد الأخرى
قال الحافظ ولا يخفى بعده ولاسيما مع اتحاد المخرج وقد كثرت نسبة الشخص إلى جده إذا كان مشهورا والأصل عدم التعدد حتى يثبت صريحا . ووقع في حديث الربيع عند النسائي وابن ماجه أن اسمها مريم وإسناده جيد
قال البيهقي اضطرب الحديث في تسمية امرأة ثابت ويمكن أن يكون الخلع تعدد من ثابت انتهى
وروى مالك في الموطأ عن حبيبة بنت سهل أنها تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى صلاة الصبح فوجدها عند بابه فقال من هذه قالت أنا حبيبة بنت سهل قال ما شأنك قالت لا أنا ولا ثابت بن قيس الحديث أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان من هذا الوجه وأخرجه أبو داود من حديث عائشة أن حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت
وأخرج البزار من حديث ابن عمر نحوه قال ابن عبد البر اختلف في امرأة ثابت بن قيس فذكر البصريون أنها جميلة بنت أبي وذكر المدنيون أنها حبيبة بنت سهل قال الحافظ الذي يظهر لي أنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين بخلاف ما وقع في الاختلاف في تسمية جميلة ونسبتها فإن سياق قصتها متقارب فأمكن رد الاختلاف فيه إلى الوفاق انتهى . ووهم ابن الجوزي فقال إنها سهلة بنت حبيب وإنما هي حبيبة بنت سهل ولكنه انقلب عليه ذلك
قوله : " إني ما عتب عليه " بضم الفوقية ويجوز كسرها والعتب هو الخطاب بالادلال
قوله : " في خلق " بضم الخاء المعجمة واللام ويجوز اسكانها أي لا أريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه
قوله : " ولكني أكره الكفر في الإسلام " أي كفران العشير والتقصير فيما يجب له بسبب شدة البغض له ويمكن أن يكون مرادها أن شدة كراهتها له قد يحملها على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه ووقع في الرواية الثانية لا أطيقه بغضا له وظاهر هذا مع قولها ما أعتب عليه في خلق ولا دين أنه لم يضع بها شيئا يقتضي الشكوى منه ويعارضه ما وقع في حديث الربيع المذكور أنه ضربها فكسر يدها وأجيب بأنها لم تشكه لذلك بل لسبب آخر وهو البغض أو قبح الخلقة كما وقع عند ابن ماجه من حديث عمر وابن شعيب عن أبيه عن جده وعند عبد الرزاق من حديث ابن عباس قوله " حديقته قوله " الحديقة البستان قوله " أقبل الحديقة " قال في الفتح هو أمر ارشاد واصلاح لا إيجاب ولم يذكر ما يدل على صرف الأمر عن حقيقته وفي ذلك دليل على أنه يجوز للرجل أخذ العوض من المرأة إذا كرهت البقاء معه
وقال أبو قلابة ومحمد بن سيرين أنه لا يجوز له أخذ الفدية منها إلا أن يرى على بطنها رجلا روى ذلك عنهما ابن أبي شيبة واستدلا بقوله تعالى { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } مع قوله تعالى { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } وتعقب بأن آية البقرة فسرت المراد بالفاحشة وأحاديث الباب الصحيحة من أعظم الأدلة على ذلك ولعلها لم تبلغهما وحمل الحافظ كلامهما على ما إذا كانت الكراهة من قبل الرجل فقط ولا يخالف ذلك أحاديث الباب لأن الكراهة فيها من قبل المرأة وظاهر أحاديث الباب أن مجرد وجود الشقاق من قبل المرأة كاف في جواز الخلع واختار ابن المنذر أنه لا يجوز حتى يقع الشقاق وتمسك بظاهر الآية وبذلك طاوس والشعبي وجماعة من التابعين وأجاب على ذلك جماعة منهم الطبري لأن المراد أنها إذا لم تقم بحقوق الزوج كان ذلك مقتضيا لبغض الزوج لها فنسبت المخالفة إليهما بذلك ويؤيد عدم اعتبار ذلك من جهة الزوج أنه صلى الله عليه وآله وسلم يستفسر ثابتا عن كراهته لها عند اعلامها بالكراهة له
قوله : " تتربص حيضة " استدل بذلك من قال إن الخلع فسخ لإطلاق
وقد حكى ذلك في البحر عن ابن عباس وعكرمة والناصر في أحد قوليه وأحمد بن حنبل وطاوس وإسحاق وأبي ثور وأحد قولي الشافعي وابن المنذر وحكاه غيره أيضا عن الصادق والباقر وداود والإمام يحيى بن حمزة وحكى في البحر أيضا عن علي عليه السلام وعمر وعثمان وابن مسعود وزيد بن علي والقاسمية وأبي حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى وأحد قولي الشافعي أنه طلاق بائن ووجه الاستدلال بحديث ابن عباس وحديث الربيع أن الخلع لو كان طلاقا لم يقتصر صلى الله عليه وآله وسلم على الأمر بحيضة وأيضا لم يقع فيهما الأمر بالطلاق بل بتخلية السبيل
قال الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير إنه بحث عن رجال الحديثين معا فوجدهم ثقات واحتجوا أيضا لكونه فسخا بقوله تعالى { الطلاق مرتان } ثم ذكر الافتداء ثم عقبه بقول تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } قالوا كان الافتداء طلاقا لكان الطلاق الذي لا تحل له فيه إلا بعد زوج هو الطلاق الرابع . وبحديث حبيبة بنت سهل عند مالك في الموطأ أنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لثابت خذ منه فأخذ وجلست في أهلها ولم يذكر فيه الطلاق ولا زاد على الفرقة وأيضا لا يصح جعل الخلع طلاقا بائنا ولا رجعيا أما الأول فلأنه خلاف الظاهر لأنها تطليقة واحدة وأما الثاني فلأنه إهدار لمال المرأة الذي دفعته لحصول الفرقة ( واحتج القائلون ) بأنه طلاق بما وقع في حديث ابن عباس المذكور من أمره صلى الله عليه وآله وسلم لثابت بالطلاق وأجيب بأنه ثبت من حديث المرأة صاحبة القصة عند أبي داود والنسائي ومالك في الموطأ بلفظ " خل سبيلها " وصاحب القصة أعرف بها وأيضا ثبت بلفظ الأمر بتخلية السبيل من حديث الربيع وأبي الزبير كما ذكره المصنف ومن حديث عائشة عند أبي داود بلفظ " وفارقها " وثبت أيضا من حديث الربيع أيضا عند النسائي بلفظ " وتلحق بأهلها "
ورواية الجماعة أرجح من رواية الواحد وأيضا قد روي عن ابن عباس هذا الحديث بدون ذكر الطلاق من طريقين كما في الباب وأيضا ابن عباس من جملة القائلين بأنه فسخ ويبعد منه أن يذهب إلى خلاف ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد حكي ذلك عن ابن عباس ابن عبد البر ولكنه ادعى شذوذ ذلك عنه قال إذ لا يعرف أحد نقل عنه أنه فسخ وليس بطلاق إلا طاوس
قال في الفتح وفيه نظر لأن طاوسا ثقة حافظ فقيه فلا يضر تفرده وقد تلقى العلماء ذلك بالقبول ولا أعلم من ذكر الاختلاف في المسألة إلا وجزم أن ابن عباس كان يراه فسخا انتهى
وقال الخطابي في معالم السنن أنه احتج ابن عباس على أنه ليس بطلاق يقول الله تعالى { الطلاق مرتان } انتهى
وأما الاحتجاج بقول الله تعالى { والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء } فيجاب عنه أولا بمنع اندراج الخلع تحت العموم لما قررناه من كونه ليس بطلاق وثانيا بأنا لو سلمنا إنه طلاق لكان ذلك العموم مخصصا بما ذكرنا من الأحاديث فيكون بعد ذلك التسليم طلاقا عدته حيضة واحتجوا أيضا على كونه طلاقا بأنه قول أكثر أهل العلم كما حكى ذلك الترمذي فقال قال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم أن عدة المختلعة عدة المطلقة انتهى . ويجاب بأن ذلك مما لا يكون حجة في مقام النزاع بالإجماع لما تقرر أن الأدلة الشرعية إما الكتاب أو السنة أو القياس أو الإجماع على خلاف في الأخيرين . وأيضا قد عارض حكاية الترمذي حكاية ابن القيم فإنه لا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة قال ابن القيم أيضا والذي يدل على أنه ليس بطلاق أنه تعالى رتب على الطلاق بعد الدخول ثلاثة أحكام كلها منتفية عن الخلع أحدها أن الزوج أحق بالرجعة فيه . الثاني أنه محسوب من الثلاث فلا تحل بعد استيفاء العدد إلا بعد دخول زوج واصابة . الثالث أن العدة ثلاثة قروء وقد ثبت بالنص والاجماع أنه لا رجعة في الخلع انتهى
قال الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير في بحث له وقد استدل أصحابنا يعني الزيدية على أنه طلاق بثلاثة أحاديث ثم ذكرها وأجاب عنها بوجوه حاصلها أنها مقطوعة الأسانيد وأنها معارضة بما هو أرجح وأن أهل الصحاح لم يذكروها وإذا تكرر لك رجحان كونه فسخا . فاعلم أن القائلين به لا يشترطون فيه أن يكون للسنة فيجوز عندهم أن يكون في حال الحيض ويقول بوقوعه منهم من لم يقل بوقوع الطلاق البدعي لأنه لا يعد من جملة الطلاق الثلاث التي جعله الله للأزواج . والدليل على عدم الاشتراط عدم استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم كما في أحاديث الباب وغيرها ويمكن أن يقال إن ترك الاستفصال لسبق العلم به
وقد اشترط في الخلع نشوز الزوجة الهاودية
وقال داود والجمهور ليس بشرط وهو الظاهر لأن المرأة اشترت الطلاق بمالها فلذلك لم تحل فيه الرجعة على القول بأنه طلاق قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير أن الأمر اشترط فيه أن لا يقيما حدود الله هو طيب المال للزوج لا الخلع وهو الظاهر من السياق في قوله تعالى { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } قوله " أما الزيادة فلا " استدل بذلك من قال أن العوض من الزوجة لا يكون إلا بمقدار ما دفع إليها الزوج لا بأكثر منه ويؤيد ذلك ما عند ابن ماجه والبيهقي من حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يأخذ منها ولا يزداد " وفي رواية عبد الوهاب عن سعيد قال أيوب لا أحفظ فيه ولا يزداد
وفي رواية النووي وكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطى ذكر ذلك كله البيهقي قال ووصله الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما
وقال أبو الشيخ هو غير محفوظ يعني الصواب إرساله وبما ذكرناه يعتضد مرسل أبي الزبير ولاسيما وقد قال الدارقطني أنه سمعه أبو الزبير من غير واحد كما ذكره المصنف قال الحافظ فإن كان فيهم صحابي فهو صحيح وإلا فيعتضد بما ورد في معناه وأخرج عبد الرزاق عن علي أنه قال لا يأخذ منها فوق ما أعطاها وعن طاوس وعطاء والزهري مثله وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق والهادوية وعن ميمون بن مهران من أخذ أكثر مما أعطي لم يسرح بإحسان وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن سعيد بن المسيب
قال ما أحب أن يأخذ منها ما أعطاها ليدع لها شيئا . وذهب الجمهور إلى أنه يجوز للرجل أن يخالع المرأة بأكثر مما أعطاها
قال مالك لم أر أحدا ممن يقتدى به يمنع ذلك لكنه ليس من مكارم الأخلاق
وأخرج ابن سعد عن الربيع قالت كان بيني وبين ابن عمي كلام وكان زوجها قالت فقلت له لك كل شيء وفارقني قال قد فعلت فأخذ والله كل فراشي فجئت عثمان وهو محصور فقال الشرط أملك خذ كل شيء حتى عقاص رأسها
وفي البخاري عن عثمان أنه أجاز الخلع دون عقاص رأسها
وروى البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال كانت أختي تحت رجل من الأنصار فارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها أتردين حديقته قالت وأزيده فخلعها فردت عليه حديقته وزادته وهذا مع كون إسناده ضعيفا ليس فيه حجة لأنه ليس فيه أنه قررها صلى الله عليه وآله وسلم على دفع الزيادة في أمرها برد الحديقة فقط ويمكن أن يقال أن سكوته بعد قولها وأزيده تقرير . ويؤيد الجواز قوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } فإنه عام للقليل والكثير ولكنه لا يخفى أن الروايات المتضمنة للنهي عن الزيادة مخصصة لهذا العموم ومرجحة علىتلك الرواية المتضمنة للتقرير لكثرة طرقها وكونها مقتضية للحصر وهو أرجح من الإباحة عند التعارض على ما ذهب إليه جماعة من أئمة الأصول ( وأحاديث الباب ) قاضية بأنه يجوز الخلع إذا كان ثم سبب يقتضيه فيجمع بينها وبين الأحاديث القاضية بالتحريم بحملها على ما إذا لم يكن ثم سبب يقتضيه
وقد أخرج أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان من حديث ثوبان " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق فحرام عليها رائحة الجنة " وفي بعض طرقه من غير ما بأس وقد تقدم الحديث وأخرج أحمد والنسائي من حديث أبي هريرة " المختلعات هن المنافقات " وهو من رواية الحسن عنه وفي سماعه منه نظر

( كتاب الرجعة والإباحة للزوج الأول )

1 - عن ابن عباس " في قوله تعالى { والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } الآية وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك الطلاق مرتان " الآية
- رواه أبو داود والنسائي

2 - وعن عروة عن عائشة قالت " كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة أو أكثر حتى قال رجل لأمرأته والله لا أطلقك فتبينيمني ولا أويك أبدا قالت وكيف ذلك قال أطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها فسكتت عائشة حتى جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فسكت النب صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزل القرآن { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } قالت عائشة فاستأنف الناس الطلاق مستقبلا من طلق ومن لم يكن طلق "
- رواه الترمذي ورواه أيضا عن عروة مرسلا وذكر أنه أصح

- حديث ابن عباس في اسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال . وحديث عائشة المرفوع من طريق قتيبة عن يعلى بن شبيب عن هشام بن عروة عن أبيه عنها والموقوف من طريق أبي كريب عن عبد الله بن ادريس عن هشام بن عروة عن أبيه ولم يذكر فيه عائشة
قال الترمذي وهذا أصح من حديث يعلى بن شبيب
قوله : تعالى " { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } " فسره مجاهد بالحيض والحمل
وأخرج الطبري عن طائفة أن المراد به الحيض وعن ابن جرير الحمل والمقصود من الآية أن أمر العدة لما دار على الحيض والطهر والاطلاع على ذلك يقع من جهة النساء غالبا جعلت المرأة مؤتمنة على ذلك
وقال إسماعيل القاضي ذلت الآية أن المرأة المعتدة مؤتمنة على رحمها من الحمل والحيض إلا أن تأتي من ذلك بما يعرف به كذبها فيه والمنسوخ من هذه الآية هو قوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن } فإن ظاهره أن للرجل مراجعة المرأة مطلقا سواء طلقها ثلاثا أو أكثر أو أقل فنسخ من ذلك مراجعة من طلقها زوجها ثلاثا فأكثر فإنه لا يحل له مراجعتها بعد ذلك وأما إذا طلقها واحدة رجعية أو اثنتين كذلك فهو أحق برجعتها
قال في الفتح وقد أجمعوا على أن الحر إذا طلق الحرة بعد الدخول بها تطليقة أو تطليقتين فهو أحق برجعتها ولو كرهت المرأة ذلك فإن لم يراجع حتى انقضت العدة فتصير أجنبية فلا تحل له إلا بنكاح مستأنف ( واختلف السلف ) فيما يكون به الرجل مراجعا فقال الأوزاعي إذا جامعها فقد راجعها . ومثله أيضا روى عن بعض التابعين وبه قال مالك وإسحاق بشرط أن ينوي به الرجعة وقال الكوفيون كالأوزاعي وزادوا ولو لمسها لشهوة أو نظر إلى فرجها لشهوة
وقال الشافعي لا تكون الرجعة إلا بالكلام وحجة الشافعي أن الطلاق يزيل النكاح وإلى ذلك ذهب الامام يحيى والظاهر ما ذهب إليه الأولون لأن العدة مدة خيار والاختيار يصح بالقول والفعل وأيضا قوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن } وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " مره فليراجعها " أنها تجوز الرجعة بالفعل لأنه لم يخص قولا من فعل ومن ادعى الاختصاص فعليه الدليل وقد حكى في البحر عن العترة ومالك أن الرجعة بالوطء ومقدماته محظورة وإن صحت ثم قال قلت إن لم ينو به الرجعة فنعم لعزمه على قبيح وإلا فلا لما مر
وقال أحمد بن حنبل بل مباح لقوله تعالى { إلا على أزواجهم } والرجعية زوجة بدليل صحة الإيلاء انتهى . وحديث عائشة فيه دليل على تحريم الضرار في الرجعة لأنه منهي عنه بعموم قوله تعالى { ولا تضاروهن } والمنهي عنه فاسد فسادا يرادف البطلان ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى { إن أرادوا اصلاحا } فكل رجعة لا يراد بها الاصلاح ليست برجعة شرعية
وقد دل الحديثان المذكوران في الباب على أن الرجل كان يملك من الطلاق لزوجته في صدر الاسلام الثلاث وما فوقها إلى ما لا نهاية ثم نسخ الله الزيادة على الثلاث بالآية المذكورة
قوله : " من كان طلق " أي لم يعتد من ذلك الوقت بما قد وقع منه من الطلاق بل حكمه حكم من لم يطلق أصلا فيملك ثلاثا كما يملكها من لم يقع منه شيء من الطلاق

3 - وعن عمران بن حصين " أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد "
- رواه أبو داود وابن ماجه ولم يقل ولا تعد

- الأثر أخرجه أيضا البيهقي والطبرني وزاد " واستغفر الله " قال الحافظ في بلوغ المرام وسنده صحيح وقد استدل به من قال بوجوب الاشهاد على الرجعة وقد ذهب إلى عدم رجوع الإشهاد في الرجعة أبو حنيفة وأصحابه والقاسمية والشافعي في أحد قوليه . واستدل لهم في البحر بحديث ابن عمر السالف فإن فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم " مره فليراجعها " ولم يذكر الاشهاد وقال مالك والشافعي والناصر أنه يجب الاشهاد في الرجعة واحتج في نهاية المجتهد للقائلين بعدم الوجوب بالقياس على الأمور التي ينشئها الانسان لنفسه فإنه لا يجب فيها الاشهاد . ومن الأدلة على عدم الوجوب أنه قد وقع الاجماع على عدم وجوب الاشهاد في الطلاق كما حكاه الموزعي في تيسير البيان والرجعة قرينته فلا يجب فيها كما لا يجب فيه والاحتجاج بالأثر المذكور في الباب لا يصلح للاحتجاج لأنه قول صحابي في أمر من مسارح الاجتهاد وما كان كذلك فليس بحجة لولا ما وقع من قوله طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة
وأما قوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } فهو وارد عقب قوله { فأمسكوهن بمعروف } الآية وقد عرفت الاجماع على عدم وجوب الاشهاد على الطلاق والقائلون بعدم الوجوب يقولون بالاستحباب

4 - وعن عائشة قالت " جاءت امرأة رفاعة الفرظي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدية الثوب فقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك "
- رواه الجماعة . لكن لأبي داود معناه من غير تسمية الزوجين

5 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال العسيلة هي الجماع "
- رواه أحمد والنسائي

6 - وعن ابن عمر قال " سئل نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا ويتزوجها آخر فيغلق الباب ويرخي الستر ثم يطلقها قبل أن يدخل بها هل تحل للأول قال لا حتى يذوق العسيلة "
- رواه أحمد والنسائي وقال " قال لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر

- حديث عائشة الثاني أخرجه أيضا أبو نعيم في الحلية قال الهيثمي فيه أبو عبد الملك لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح . وحديث ابن عمر هو من رواية سفيان الثوري عن علقمة بن مرئد عن رزين بن سليمان الأحمري عن ابن عمر وروى أيضا من طريق شعبة عن علقمة بن مرئد عن سالم بن رزين سلم بن عبد الله عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر
قال النسائي والطريق الأولى أولى بالصواب الحافظ وإنما قال ذلك لأن الثوري أتقن وأحفظ من شعبة وروايته أولى بالصواب من وجهين أحدهما أن شيخ علقمة هو رزين بن سليمان كما قال الثوري لا سالم بن رزين كما قال شعبة فقد رواه جماعة عن شعبة كذلك منهم غيلان بن جامع أحد الثقات ثانيهما أن الحديث لو كان عند سعيد بن المسيب عن ابن عمر مرفوعا لم يخالفه سعيد ويقول بغيره كما سيأتي ( وفي الباب ) عن عائشة غير حديث الباب عند أبي داود بنحو حديث ابن عمر وعن ابن عباس نحوه عند النسائي . وعن أبي هريرة عند الطبراني وابن أبي شيبة بنحوه . وعن أنس عند الطبراني أيضا والبيهقي بنحوه أيضا . وعن عائشة أيضا حديث آخر عند الطبراني بإسناد رجاله ثقات " أن عمرو بن حزم طلق العميصاء فنكحها رجل فطلقها قبل أن يمسها فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته " قوله " امرأة رفاعة القرظي " قيل اسمها تميمة وقيل سهيمة وقيل أميمة . والقرظي بضم القاف وفتح الراء والظاء المعجمة نسبة إلى بني قريظة
قوله : عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي من الزبير
قوله : " هدية الثوب " بفتح الهاء وسكون المهملة بعدها باء موحدة مفتوحة هي طرف الثوب الذي لم ينسج مأخوذ من هدب العين وهو شعر الجفن هكذا في الفتح
وفي القاموس الهدب باضم وبضمتين شعر أشفار العين وخمل الثوب واحدتهما بهاء وكذا في مجمع البحار نقلا عن النووي أنها بضم هاء وسكون دال وأرادت أن ذكره يشبه الهدية في الاسترخاء وعدم الانتشار واستدل به على أن وطء الزوج الثاني لا يكون محللا ارتجاع الزوج الأول للمرأة إلا إذا كان حال وطئه منتشرا فلو لم يكن كذلك أو كان عنينا أو طفلا لم يكف على الاصح من قولي أهل العلم
قوله : " حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " العسيلة مصغرة في الموضعين واختلف في توجيهه فقيل هو تصغير العسل لأن العسل مؤنث جزم بذلك القزاز
قال وأحسب التذكير لغة وقال الازهري يذكر ويؤنث وقيل لأن العرب إذا حقرت الشيء أدخلت فيه هاء التأنيث
وقيل المراد قطعة من العسل والتصغير للتقليل اشارة إلى أن القدر القليل كاف في تحصيل ذلك بأن يقع تغييب الحشفة في الفرج وقيل معنى العسيلة النطفة وهذا يوافق قول الحسن البصري وقال جمهور العلماء ذوق العسيلة كناية عن الجماع وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة . وحديث عائشة المذكور في الباب يدل على ذلك وزاد الحسن البصري حصول الإنزال
قال ابن بطال شذ الحسن في هذا وخالف سائر الفقهاء وقالوا يكفي ما يوجب الحد ويحصن الشخص ويوجب كمال الصداق ويفسد الحج والصوم
وقال أبو عبيدة العسيلة لذة الجماع والعرب تسمي كل شيء تستلذه عسلا

- ( وأحاديث ) الباب تدل على أنه لا بد قيمن طلقها زوجها ثلاثا ثم تزوجها زوج آخر من الوطء فلا تحل للأول إلا بعده
قال ابن المنذر أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول إلا سعيد بن المسيب ثم ساق سنهد الصحيح عنه ما يدل على ذلك قال ابن المنذر وهذا القول لا نعلم أحذا وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن
وقد نقل أبو جعفر النحاس في معاني القرآن وعبد الوهاب المالكي في شرح الرسالة عن سعيد بن جبيرمثل قول سعيد بن المسيب وكذلك حكى ابن الجوزي عن داود أنه وافق في ذلك قال القرطبي ويستفاد من الحديث على قول الجمهور أن الحكم يتعلق بأقل ما ينطلق عليه الاسم خلافا لمن قال لا بد من حصول جميعه واستدل بإطلاق الذوق لهما على اشتراط علم الزوجين به حتى لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم يكف ذلك ولو أنزل هو . وبالغ ابن المنذر فنقله عن جميع الفقهاء ( واستدل ) بأحاديث الباب على جواز رجوعها إلى زوجها الأول إذا حصل الجماع من الثاني ويعقبه الطلاق منه لكن شرط المالكية ونقل عن عثمان وزيد بن ثابت أن لا يكون في ذلك مخادعة من الزوج الثاني ولا إرادة تحليلها للأول وقال الأكثر إن شرط ذلك في العقد فسد وإلا فلا وقد قدمنا الكلام على التحليل ومما يستدل بأحاديث الباب عليه أنه لا حق للمرأة في الجماع لأن هذه المرأة شكت أن زوجها لا يطؤها وأن ذكره لا ينتشر وأنه ليس معه ما يغني عنها ولم يفسخ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نكاحها وفي ذلك خلاف معروف

( كتاب الإيلاء )

1 - عن الشعبي عن مسروق عن عائشة " قالت آلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نسائه وحرم فجعل الحرام حلالا وجعل في اليمين الكفارة "
- رواه ابن ماجه والترمذي وذكر أنه قد روي عن الشعبي مرسلا وأنه أصح

2 - وعن ابن عمر قال " إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق يعني المولي "
- أخرجه البخاري وقال ويذكر ذلك عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وقال أحمد بن حنبل في رواية أبي طالب قال عمر وعثمان وعلي وابن عمر يوقف المولي بعد الأربعة فإما أن يفيء وإما أن يطلق

3 - وعن سليمان بن يسار قال " أدركت بضعة عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يقفون للمولى "
- رواه الشافعي والدارقطني

4 - وعن سهيل بن أبي صالح عن أبيه " أنه قال سألت اثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن رجل يولي قالوا ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف فإن فاء وإلا طلق "
- رواه الدارقطني

- حديث الشعبي قال الحافظ في الفتح رجاله موثقون ولكنه رجح الترمذي إرساله على وصله . وأثر عمر ذكره البخاري موصولا عن طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر بن حميد بن أبي أويس . وأثر عثمان وصله الشافعي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بلفظ " يوقف المولي فإما أن يقيء وإما أن يطلق " وهو من رواية طاوس عنه وفي سماعه منه نظر لكن أحرجه الإسماعيلي من وجه آخر منقطع عنه أنه كان لا يرى الإيلاء شيئا وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف
وأخرج عبد الرزاق والدارقطني عنه خلاف ذلك ولفظه قال عثمان إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة وقد رجح أحمد رواية طاوس عنه . وأثر علي وصله الشافعي وابن أبي شيبة وسنده صحيح وكذلك روى عنه مالك أنه إذا مضت الأربعة أشهر لم يقع عليه طلاق حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء وهو منقطع لأنه من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عنه
وأخرج نحوه عن سعيد بن منصور باسناد صحيح . وأثر أبي الدرداء وصله ابن أبي شيبة ولفظه أن أبا الدرداء قال يوقف في الإيلاء عند انقضاء الأربعة فإما أن يطلق وإما أن يفيء واسناده صحيح . وأثر عائشة وصله عبد الرزاق مثل قول أبي الدرداء وهو منقطع لأنه من رواية قتادة عنها ولكنه أخرج عنها سعيد بن منصور أنها كانت لا ترى الإيلاء شيئا حتى يةقف واسناده صحيح
وأخرج الشافعي عنها نحوه باسناد صحيح أيضا
وأما الآثار الواردة عن اثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخرجها البخاري في التاريخ موصولة . وأثر سليمان بن يسار أخرجه أيضا إسماعيل القاضي من طريق يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال أدركت بضعة عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا الإيلاء لا يكون طلاقا حتى يوقف . وأثر سهيل بن أبي صالح اسناده في سنن الدارقطني هكذا أخبرنا أبو بكر النيسابوري أخبرنا أحمد بن منصور أخبرنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أبي أيوب عن عبيد الله ابن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه فذكره ويشهد له ما تقدم وأخرج إسماعيل القاضي عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال أدركنا الناس يقفون الإيلاء إذا ما مضت الأربعة ( وفي الباب ) من المرفوع عن أنس عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم آلى على نسائه الحديث . وعن أم سلمة عند البخاري بنحوه وعن ابن عباس عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا . وعن جابر عند مسلم أنه صلى الله عليه وآله وسلم اعتزل نساءه شهرا
قوله : " آلى " الإيلاء في اللغة الحلف وفي الشرع الحلف الواقع من الزوج أن لا يطأ زوجته ومن أهل العلم من قال الإيلاء الحلف على ترك كلامها أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك ونقل عن الزهري أنه لا يكون الإيلاء ايلاء إلا أن يلف المرء بالله فيما يريد أن يضار به امرأته من اعتزالها فإذا لم يقصد الاضرار لم يكن ايلاء وروي عن علي وابن عباس والحسن وطائفة أنه لا ايلاء إلا في غضب فأما من حلف أن لا يطأها بسبب الخوف على الولد الذي يرضع منها من الغيلة فلا يكون ايلاء
وروي عن القاسم بن محمد وسالم فيمن قال لامرأته إن كلمتك سنة فأنت طالق قالا إن مضت أربعة أشهر ولم يكلمها طلقت وإن كلمها قبل سنة فهي طالق
وروي عن يزيد بن الأصم أن ابن عباس قال له ما فعلت امرأتك فعهدي بها سيئة الخلق فقال لقد خرجت وما أكلمها قال أدركها قبل أن تمضي أربعة أشهر فإن مضت فهي تطليقة
قوله : " وحرم " في الصحيحين أن الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نفسه هو العسل وقيل تحريم مارية وسيأتي
وروى ابن مردويه من طريق عائشة ما يفيد الجمع بين الروايتين وهكذا الخلاف في تفسير قوله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } الآية
ومدة ايلائه صلى الله عليه وآله وسلم من نسائه شهر كما ثبت في صحيح البخاري . واختلف في سبب الإيلاء فقيل سببه الحديث الذي أفشته حفصة كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس واختلف أيضا في ذلك الحديث الذي أفشته وقد وردت في بيانه روايات مختلفة وقد اختلف في مقدار مدة الإيلاء فذهب الجمهور إلى أنها أربعة أشهر فصاعدا قالوا فإن حلف على أنقص منها لم يكن موليا
وقال إسحاق إن حلف أن لا يطأها يوما فصاعدا ثم لم يطأها حتى مضت أربعة أشهر فصاعدا كان ايلاء وجاء عن بعض التابعين مثله . وحكى صاحب البحر عن ابن مسعود وابن سيرين وابن أبي ليلى وقتادة والحسن البصري والنخعي وحماد بن عيينة أنهينعقد بدون أربعة أشهر لأن القصد مضارة الزوجة وهي حاصلة في دونها ( واحتج الأولون ) بقوله تعالى { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } وأجاب الأخرون عنها بأن المراد بها المدة التي تضرب للمولي فإن فاء بعدها وإلا طلق حتما لا أنه لا يصح الإيلاء بدون هذه المدة . ويؤيد ما قالوه ما تقدم من ايلائه صلى الله عليه وآله وسلم من نسائه شهرا فإنه لو كان ما في القرآن بيانا لمقدار المدة التي لا يجوز الإيلاء بدونها لم يقم منه صلى الله عليه وآله وسلم ذلك . وأيضا الاصل أن من حلف على شيء لزمه حكم اليمين فالحالف من وطء زوجته يوما أو يومين موال
وأخرج عبد الرزاق عن عطاء أن الرجل إذا حلف أن لا يقرب امرأته سمى أجلا أو لم يسمه فإن مضت أربعة أشهر ألزم حكم الإيلاء وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن البصري أنه إذا قال لامرأته والله لا أقربها الليلة فتركها أربعة أشهر من أجل يمينه تلك فهو ايلاء
وأخرج الطبراني والبيهقي من حديث ابن عباس قال كان ايلاء الجاهلية السنة والسنتين فوقت الله لهم أربعة أشهر فمن كان ايلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بايلاء
قوله : " فإما أن يفيء " الفيء الرجوع قاله أبو عبيدة وإبراهيم النخعي في رواية الطبري عنه قال الفيء الرجوع باللسان . ومثله عن أبي قلابة وعن سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة الفيء الرجوع بالقلب لمن به مانع عن الجماع وفي غيره بالجماع . وحكى ذلك في البحر عن العترة والفريقين . وحكاه صاحب الفتح عن أصحاب ابن مسعود . وعن ابن عباس الفيء الجماع . وحكي مثله عن مسروق وسعيد بن جبير والشعبي
قال الطبري اختلافهم في هذا من اختلافهم في تعريف الإيلاء فمن خصه بترك الجماع قال لا يفيء إلا بفعل الجماع ومن قال الإيلاء الحلف على ترك كلام المرأة أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك لم يشترط في الفيء الجماع بل رجوعه بفعل ما حلف أنه لا يفعله
قال في البحر فرع ولفظ الفيء ندمت على يميني ولو قدرت الآن لفعلت أو رجعت عن يميني ونحوه انتهى
وقد ذهب الجمهور إلى أن الزوج لا يطالب بالفيء قبل مضي الأربعة أشهر
وقال ابن مسعود " زيد ابن ثابت وابن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة إنه يطالب فيها لقراءة ابن مسعود { فإن فاؤوا فيها } قالوا وإذا جاز الفيء جاز الطلب إذ هو تابع ويجاب بمنع الملازمة وبنص { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } فإن الله سبحانه شرع التربص هذه فلا يجوز مطالبة الزوج قبلها واختياره للفيء قبلها إبطال لحقه من جهة نفسه فلا يبطل بابطال غيره . وذهب الجمهور إلى أن الطلاق الواقع من الزوج في الإيلاء يكون رجعيا وهكذا عند من قال إن مضي المدة يكون طلاقا وإن لم يطلق
وقد أخرج الطبري عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت أنها إذا مضت أربعة أشهر ولم يفيء طلقت طلقة بائنة
وأخرج أيضا عن جماعة من التابعين من الكوفيين وغيرهم كابن الحنفية وقبيصة بن ذؤئب وعطاء والحسن وابن سيرين مثله
وأخرج أيضا من طريق سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن وربيعة ومكحول والزهري والاوزاعي أنها تطلق طلقة رجعية
وأخرج سعيد بن منصور عن جابر بن زيد أنها تطلق بائنا
وروى إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسند صحيح عن ابن عباس مثله وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود مثله

( كتاب الظهار )

1 - عن سلمة بن صخر قال " كنت امرأ قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقا من أن أصيب في ليلتي شيئا فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع فبينا هي تخدمني من الليل إذ تكشف إلي منها شيء فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري وقلت لهم انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بأمري فقالوا والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا قرآن أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقالة يبقى علينا عارها ولكن اذهب أنت واصنع ما بدا لك فخرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته خبري فقال لي أنت بذاك فقلت أنا بذاك فقال أنت بذاك قلت أنا بذاك فقال أنت بذاك قلت نعم ها أنا ذا فأمض في حكم الله عز و جل فأنا صابر له قال أعتق رقبة فضربت صفحة رقبتي بيدي وقلت لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها قال فصم شهرين متتابعين قال قلت يا رسول الله وهل أصابني ما أصابني إلا في الصوم قال فتصدق قال قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا وحشا ما لنا عشاء قال اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدعها إليك فأطعم عنك منها وسقا من تمر ستين مسكينا ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك قال فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السعة والبركة وقد أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي قال فدفعوها إلي "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن

- الحديث أخرجه أيضا الحاكم وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وقد أعله عبد الحق بالانقطاع وأن سليمان بن يسار لم يدرك سلمة
وقد حكى ذلك الترمذي عن البخاري وفي إسناده أيضا محمد بن إسحاق
قوله : " ظاهرت من امرأتي " الظهار بكسر الظاء المعجمة اشتقاقه من الظهر وهو قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي
قال في الفتح وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الأعضاء لأنه محل الركوب غالبا ولذلك سمي المركوب ظهرا فشبهت الزوجة بذلك لأنها مركوب الرجل
وقد ذهب الجمهور إلى أن الظهار يختص بالأم كما ورد في القرآن
وفي حديث خولة التي ظاهر منها أوس فلو قال كظهر أختي لم يكن ظهارا وكذا لو قال كظهر أبي وفي رواية عن أحمد أنه ظهار وطرده في كل من يحرم عليه وطؤه حتى في البهيمة . وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأصحابه والاوزاعي والثوري والحسن بن صالح وزيد بن علي والناصر والإمام يحيى والشافعي في أحد قوليه إنه يقاس المحارم على الأم ولو من رضاع إذ العلة التحريم المؤبد . وعن ابن القاسم من أصحاب الشافعي ولو من الرجال . وعن مالك وأحمد والبتي وغير المؤبد فيصح بالأجنبيات
قوله : " فرقا " بفتح الفاء والراء
قوله : " فأتتابع " بتاءين فوقيتين وبعد الألف ياء وهو الوقوع في الشر
قوله : " فقال لي أنت بذاك " لعل هذا التكرير للمبالغة في الزجر لا إنه شرط في إقرار المظاهر ومن ههنا يلوح أن مجرد الفعل لا يصح الاستدلالبه على الشرطية كما سيأتي في الإقرار بالزنا
قوله : " أعتق رقبة " ظاهره عدم اعتبار كونها مؤمنة وبه قال عطاء والنخعي وزيد بن علي وأبو حنيفة وأبو يوسف وقال مالك والشافعي وأكثر العترة لا يجوز ولا يجزئ اعتاق الكافر لأن هذا مطلق مقيد بما في كفارة القتل من اشتراط الإيمان . وأجيب بأن تقييد حكم بما في حكم آخر مخالف له لا يصح وتحقيق الحق في ذلك محرر في الأصول ولكنه يؤيد اعتبار الاسلام حديث معاوية بن الحكم السلمي فإنه لما سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اعتاق جاريته عن الرقبة التي عليه قال لها أين الله فقالت في السماء فقال من أنا فقالت رسول الله قال فأعتقها فإنها مؤمنة ولك يستفصله عن الرقبة التي عليه وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل بمنزلة العموم في المقال وظاهر إطلاق الرقبة أنها تجزئ المعيبة وقد حكاه في البحر عن أكثر العترة وداود وحكى عن المرتضى والفريقين ومالك أنها لا تجزي . قوله " فصم شهرين " ظاهره أن حكم العبد حكم الحر في ذلك وقد نقل ابن بطال الاجماع على أن العبد إذا ظاهر لزمه وأن كفارته بالصيام شهران كالحر واختلفوا في الاطعام والعتق فقال الكوفيون والشافعي والهادوية لا يجزيه إلا الصيام فقط وقال ابن القاسم عن مالك إذا أطعم بإذن مولاه أجزأه قال وما ادعاه ابن بطال من الاجماع مردود فقد نقل الشيخ الموفق في المغني عن بعضهم أنه لا يصح ظهار العبد لأن الله تعالى قال فتحرير رقبة والعبد لا يملك الرقاب وتعقب بأن تحرير الرقبة إنما هو على من يجدها كالمعسر ففرضه الصيام
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن إبراهيم أنه لو صام العبد شهرا أجزأ عنه
قوله : " وحشا " لفظ أبي داود وحشين قال في النهاية يقال رجل وحش بالسكون إذا كان جائعا لا طعام له وقد أوحش إذا جاع
قوله : " بني زريق " بتقديم الزاي على الراء قوله " ستين مسكينا " فيه دليل على أنه يجزى من لم يجد رقبة ولم يقدر على الصيام لعلة أن يطعم ستين مسكينا وقد حكى صاحب البحر الاجماع على ذلك وحكى أيضا الاجماع على أن الكفارة في الظهار واجبة على الترتيب وظاهر الحديث أنه لا بد من اطعام ستين مسكينا ولا يجزي اطعام دونهم وإليه ذهب الشافعي ومالك والهادوية وقال زيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه والناصر أنه يجزى اطعام واحد ستين يوما
قوله : " فأطعم عنك منها وسقا " في رواية " فأطعم عرقا من تمر ستين مسكينا " وسيأتي الاختلاف في العرق في حديث خولة
وقد أخذ بظاهر حديث الباب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والهادوية والمؤيد بالله فقالوا الواجب لكل مسكين صاع من تمر أو ذرة أو شعير أو زبيب أو نصف صاع من بر وقال الشافعي وهو مروي عن أبي حنيفة أيضا أن الواجب لكل مسكين مد وقد تمسكوا بالروايات التي فيها ذكر العرق وتقديره بخمسة عشر صاعا وسيأتي واختلفت الرواية عن مالك وظاهر الحديث أن الكفارة لا تسقط بالعجز عن جميع أنواعها لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعانه بما يكفر به بعد أن أخبره أنه لا يجد رقبة ولا يتمكن من اطعام ولا يطيق الصوم وإليه ذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه وذهب قوم إلى السقوط وذهب آخرون إلى التفصيل فقالوا تسقط كفارة صوم رمضان لا غيرها من الكفارات

2 - وعن سلمة بن صخر " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المظاهر يواقع قبل أن يكفر قال كفارة واحدة "
- رواه ابن ماجه والترمذي

3 - وعن أبي سلمة عن سلمة بن صخر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه أعطاه مكتلا فيه خمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا وذلك لكل مسكين مد "
- رواه الدارقطني والترمذي معناه

4 - وعن عكرمة عن ابن عباس " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ظاهر من امرأته فوقع عليها فقال يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر فقال ما حملك على ذلك يرحمك الله قالت رأيت خلخالها في ضوء القمر قال فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله "
- رواه الخمسة لإلا أحمد وصححه الترمذي وهو حجة في تحريم الوطء قبل التكفير بالاطعام وغيره . ورواه أيضا النسائي عن عكرمة مرسلا وقال فيه " فاعتزلها حتى تقضي ما عليك " وهو حجة في ثبوت كفارة الظهار في الذمة

- حديث سلمة الأول حسنه الترمذي . وحديث الثاني أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن سلمة بن صخر البياضي الحديث . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا الحاكم وصححه قال الحافظ ورجاله ثقات لكن أعله أبو حاتم والنسائي بالإرسال
وقال ابن حزم رواته ثقات ولا يضره إرسال من أرسله وأخرج البزار شاهدا له من طريق خصيف عن عطاء عن ابن عباس " أن رجلا قال يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فرأيت ساقها في القمر فواقعتها قبل أن أكفر فقال كفر ولا تعد " وقد بالغ أبو بكر بن العربي فقال ليس في الظهار حديث صحيح . قوله " قال كفارة واحدة " قال الترمذي والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وهو قول سفيان الثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وقال بعضهم إذا واقعها قبل أن يكفر فعليه كفارتان وهو قول عبد الرحمن بن مهدي
قوله : " فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله " فيه دليل على أنه يحرم على الزوج الوطء قبل التكفير وهو الإجماع وأن الكفارة واجبة عليه لا تسقط بالوطء قبل إخراجها
وروى سعيد بن منصور عن الحسن وإبراهيم أنه يجب على من وطئ قبل التكفير ثلاث كفارات وذهب الزهري وسعيد بن جبير وأبو سف إلى سقوط الكفارة بالوطء وروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه يجب عليه كفارتان وهو قول عبد الرحمن بن مهدي كما سلف وذهب الجمهور إلى أن الواجب كفارة واحدة مطلقا وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم كما تقدم ( واختلف ) في مقدمات الوطء هل تحرم مثل الوطء إذا أراد أن يفعل شيئا منها قبل التكفير أم لا فذهب الثوري والشافعي في أحد قوليه إلى أن المحرم هو الوطء وحده لا المقدمات وذهب الجمهور إلى أنها تحرم كما يحرم الوطء واستدلوا بقوله تعالى { من قبل أن يتماسا } وهو يصدق على الوطء ومقدماته وأجاب من قال بأن حكم المقدمات مخالف لحكم الوطء بأن المسيس كناية عن الجماع وقد قدمنا الكلام على ذلك في أبواب الوضوء واعلم أنها تجب الكفارة بعد العود إجماعا لقوله تعالى { ثم يعودون لما قالوا } واختلفوا هل العدة في وجوبها العود أو الظهار فذهب إلى الأول ابن عباس وقتادة والحسن وأبو حنيفة وأصحابه والعترة وذهب إلى الثاني مجاهد والثوري وقال الزهري وطاوس ومالك وأحمد بن حنبل وداود والشافعي بل العلة مجموعهما وقال الإمام يحيى إن العود شرط كالإحصان مع الزنا واختلفوا في العود ما هو فقال قتادة وسعيد بن جبير وأبو حنيفة وأصحابه والعترة إنه أراد المس لما حرم بالظهار لأنه إذا أراد فقد عاد عن عزم الترك إلى عزم الفعل سواء فعل أم لا وقال الشافعي بل هو إمساكها بعد الظهار وقتا يسع الطلاق ولم يطلق إذ تشبيهها بالأم يقتضي إبانتها وإمساكها نقيضه وقال مالك وأحمد بل هو العزم على الوطء فقط وإن لم يطأ وقال الحسن البصري وطاوس والزهري بل هو الوطء نفسه وقال داود وشعبة با إعادة لفظ الظهار

5 - وعن خولة بنت مالك بن ثعلبة " قالت ظاهر مني أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجادلني فيه ويقول اتقي الله فلإنه ابن عمك فما برح حتى نزل القرآن قد سمع الله التي تجادلك في زوجها إلى الفرض فقال يعتق رقبة قالت لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين قالت قالت يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال فليطعم ستين مسكينا قالت ما عنده من شيء يتصدق به قال فأتي ساعئذ بعرق من تمر قالت يا رسول فإني سأعينه بعرق آخر قال قد أحسنت اذهبي فأطعمي بهما عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك والعرق ستون صاعا "
- رواه أبو داود ولأحمد معناه لكنه لم يذكر قدر العرق وقال فيه فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر " ولأبي داود في رواية أخرى " والعرق مكتل يسع ثلاثين صاعا " وقال هذا أصح . وله عن عطاء عن أوس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه خمسة عشر صاعا من شعير اطعام ستين مسكينا " وهذا مرسل قال أبو داود عطاء لم يدرك أوسا

- حديث خولة سكت عنه أبو داود والمنذري وفي اسناده محمد بن إسحاق وسيأتي تمام الكلام على الاسناد
وأخرج ابن ماجه والحاكم نحوه من حديث عائشة " قالت تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فذكرت الحديث وأصله في البخاري من هذا الوجه لإلا أنه لم يسمها
وأخرج أيضا أبو داود والحاكم عن عائشة من وجه آخر قالت كانت جميلة امرأة أوس بن الصامت وكان امرأ به لمم فإذا اشتد لممه ظاهر من امرأته . وحديث أوس أعله أبو داود بالإرسال كما ذكر المصنف
قوله : " خولة بنت مالك " وقع في تفسير أبي حاتم خولة بنت الصامت قال الحافظ وهو وهم والصواب زوج ابن الصامت ورجح غير واحد أنها خولة بنت الصامت بن ثعلبة وروى الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث ابن عباس أن المرأة خولة بنت خويلد وفي اسناده أبو حمزة اليماني وهو ضعيف وقال يوسف بن عبد الله بن سلام أنها خويلد وروى أنها بنت دليح كذا في الكاشف
وفي رواية عائشة المتقدمة أنها جميلة
قوله : " والعرق ستون صاعا " هذه الرواية تفرد بها معمر بن عبد الله بن حنظلة قال الذهبي لا يعرف ووثقه ابن حبان وفيها أيضا محمد بن إسحاق وقد عنعن والمشهور عرفا أن العرق يسع خمسة عشر صاعا كما روى ذلك الترمذي باسناد صحيح من حديث سلمة نفسه والكلام على ما يتعلق بحديث خولة من الفقه قد تقدم

( باب من حرم زوجته أو أمته )

1 - عن ابن عباس قال " إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها وقال لقد لكم في رسول الله أسوة حسنة "
- متفق عليه
وفي لفظ " أنه أتاه رجل فقال إني جعلت امرأتي علي حراما فقال كذبت ليست عليك بحرام ثم تلا يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك عليك أغلظ الكفارة عتق رقبة " . رواه النسائي

2 - وعن ثابت عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت له أمة يطؤهافلم تزل به وعائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه فأنزل الله عز و جل يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك " إلى آخر الآية
- رواه النسائي

- الرواية الثانية من حديث ابن عباس أخرجها ابن مردويه من طريق سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عنه . وحديث أنس قال الحافظ سنده صحيح وهو أصح طرق سبب نزول الآية وله شاهد مرسل عند الطبراني بسند صحيح عن زيد بن أسلم التابعي المشهور قال أصاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم إبراهيم ولده في بيت بعض نسائه فقالت يا رسول الله في بيتي وعلى فراشي فجعلها عليه حراما فقالت يا رسول الله كيف تحرم على نفسك الحلال فحلف لها بالله لا يصيبها فنزلت يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ( وفي الباب ) عن عائشة عند الترمذي وابن ماجه بسند رجاله ثقات قالت آلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحرم فجعل الحرام حلالا وجعل في اليمين كفارة وقد تقدم في كتاب الإيلاء . وعن ابن عباس غير حديث الباب عند البيهقي بسند صحيح عن يوسف بن ماهك أن أعرابيا أتى ابن عباس فقال إني جعلت امرأتي حراما قال ليست عليك بحرام قال أرايت قول الله تعالى كل الطعام كان حلا لبني اسرائيل إلا ما حرم اسرائيل على نفسه الآية فقال ابن عباس أن اسرائيل كان به عرق الانسي فجعل على نفسه إن شفاه الله أن لا يأكل العروق من كل شيء وليست بحرام يعني على هذه الأمة ( وقد اختلف ) العلماء فيمن حرم على نفسه شيئا فإن كان الزوجة فقد اختلف فيه أيضا على أقوال بلغها القرطبي المفسر إلى ثمانية عشر قولا
قال الحافظ وزاد غيره عليها وفي مذهب مالك فيها تفاصيل يطول استيفاؤها قال القرطبي قال بعض علمائنا سبب الاختلاف أنه لم يقع في القرآن صريحا ولا في السنة نص ظاهر صحيح يعتمد عليه في حكم هذه المسألة فتجاذبها العلماء فمن تمسك بالبراءة قال لا يلزمه شيء ومن قال إنها يمين أخذ بظاهر قوله تعالى { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } بعد قوله { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } ومن قال تجب الكفارة وليست بيمين بناء على أن معناه معنى اليمين فوقعت الكفارة على المعنى ومن قال يقع به طلقة رجعية حمل اللفظ على أقل وجوهه الظاهرة وأقل ما تحرم به المرأة طلقة ما لم يرتجعها ومن قال بائنة فلاستمرار التحريم بها ما لم يجدد العقد ومن قال ثلاثا حمل اللفظ على منتهى وجوهه ومن قال ظهار نظر إلى معنى التحريم وقطع النظر عن الطلاق فانحصر الأمر عنده في الظهار انتهى . ومن المطولين للبحث في هذه المسألة الحافظ ابن القيم فإنه تكلم عليها في الهدى كلاما طويلا وذكر ثلاثة عشر مذهبا أصولا تفرعت لإلى عشرين مذهبا وذكر في كتابه المعروف باعلام الموقعين خمسة عشر مذهبا وسنذكر ذلك على طريق الاختصار ونزيد عليه فوائد . المذهب الأول أن قول القائل لامرأته أنت علي حرام لغو وباطل لا يترتب عليه شيء وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس وبه قال مسروق وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعطاء والشعبي وداود وجميع أهل الظاهر وأكثر أصحاب الحديث وهو أحد قولي المالكية واختار أصبغ بن الفرج منهم واستدلوا بقوله تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } وبقوله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } وسبب نزول هذه الآية ما تقدم وبالحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وقد تقدم في كتاب الصلاة . القول الثاني أنها ثلاث تطليقات وهو قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وزيد بن ثابت وابن عمر والحسن البصري ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وحكاه في البحر عن أبي هريرة واعترض ابن القيم الرواية عن زيد بن ثابت وابن عمر وقال الثابت عنهما مارواه ابن حزم أنهما قالا عليه كفارة يمين ولم يصح عنهما خلاف ذلك
وروى ابن حزم عن علي عليه السلام الوقف في ذلك . وعن الحسن أنه قال إنه يمين واحتج أهل هذا القول بأنها لا تحرم عليه إلا بالثلاث فكان وقوع الثلاث من ضرورة كونها حراما . الثالث أنها بهذا القول حرام عليه قال ابن حزم وابن القيم في اعلام الموقعين صح عن أبي هريرة والحسن وخلاس بن عمرو وجابر بن زيد وقتادة قال لم يذكر هؤلاء طلاقا بل أسروه باجتنابها فقط قال وصح أيضا عن علي عليه السلام فإما أن يكون عنه روايتان أو يكون أراد تحريم الثلاث وحجة هذا القول أن لفظه إنما اقتضى التحريم ولم يتعرض لعدد الطلاق فحرمت عليه بمقتضى تحريمه . الرابع الوقف فيها قال ابن القيم صح ذلك عن علي عليه السلام وهو قول الشعبي وحجة هذا القول أن التحريم ليس بطلاق والزوج لا يملك تحريم الحلال إنما يملك السبب الذي تحرم به وهو الطلاق وهذا ليس بصريح في الطلاق ولا هو مما له عرف الشرع في تحريم الزوجة فاشتبه الأمر فيه . الخامس إن نوى به الطلاق فهو طلاق وإن لم ينوه كان يمينا وهو قول طاوس والزهري والشافعي ورواية عن الحسن وحكاه أيضا في الفتح عن النخعي وإسحاق وابن مسعود وابن عمر وحجة هذا القول أنه كناية في الطلاق فإن نواه كان طلاقا وإن لم ينوه كان يمينا لقوله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } إلى قوله { تحلة أيمانكم } . السادس أنه إن نوى الثلاث فثلاث وإن نوى واحدة فواحدة بائنة وإن نوى يمينا فهو يمين وإن لم ينو شيئا فهو كذبة لا شيء فيها قاله سفيان وحكاه النخعي عن أصحابه وحجة هذا القول أن اللفظ محتمل لما نواه من ذلك فتتبع نيته . السابع مثل هذا إلا أنه إذا لم ينو شيئا فهو يمين يكفرها وهو قول الاوزاعي وحجة هذا القول ظاهر قوله تعالى { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } فإذا نوى به الطلاق لم يكن يمينا فإذا أطلق ولم ينو شيئا كان يمينا
الثامن مثل هذا أيضا إلا أنه إن لم ينو شيئا فواحدة بائنا إعمالا للفظ التحريم هكذا في اعلام الموقعين ولم يحكه عن أحد وقد حكاه ابن حزم عن إبراهيم النخعي . التاسع إن فيه كفارة ظهار قال ابن القيم صح عن ابن عباس وأبي قلابة وسعيد بن جبير ووهب بن منبه وعثمان البتي وهو إحدى الروايات عن أحمد . وحجة هذا القول أن الله تعالى جعل التشبيه بمن تحرم عليه ظهارا فالتصريح منه بالتحريم أولى قال ابن القيم وهذا أقيس الأقوال ويؤيده أن الله تعالى لم يجعل للمكلف التحليل والتحريم وإنما ذلك إليه تعالى وإنما جعل له مباشرة الأقوال والأفعال التي يترتب عليها التحريم فإذا قال أنت علي كظهر أمي أو أنت علي حرام فقد قال المنكر من القول والزور وكذب على الله تعالى فإنه لم يجعلها عليه كظهر أمه ولا جعلها عليه حراما فقد أوجب بهذا القول المنكر والزور أغلظ الكفارتين وهي كفارة الظهار . العاشر أنها تطليقة واحدة وهو إحدى الروايتين عن عمر بن الخطاب وقول حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة وحجة هذا القول أن تطليق التحريم لا يقتضي التحريم بالثلاث بل يصدق بأقله والواحدة متيقنة فحمل اللفظ عليها . الحادي عشر أنه ينوي ما أراد من ذلك في إرادة أهل الطلاق وعدده وإن نوى تحريما بغير طلاق فيمين مكفرة
قال ابن القيم وهو قول الشافعي وحجة هذا القول أن اللفظ مباح لذلك كله فلا يتعين واحدة منها إلا بالنية وقد تقدم أن مذهب الشافعي هو القول الخامس وهو الذي حكاه عنه في فتح الباري بل حكاه عنه ابن القيم نفسه . الثاني عشر إنه ينوي أيضا ما شاء من عدد الطلاق إلا أنه إذا نوى واحدة كانت بائنة وإن لم ينو شيئا فإيلاء وإن نوى الكذب فليس بشيء وهو قول أبي حنيفة وأصحابه هكذا قال ابن القيم
وفي الفتح عن الحنفية أنه إذا نوى اثنتين فهي واحدة بائنة وإن لم ينو طلاقا فهو يمين ويصير موليا وفي رواية عن أبي حنيفة أنه إذا نوى الكذب دين ولم يقبل في الحكم ولا يكون مظاهرا عنده نواه أو لم ينوه ولو صرح به فقال أعني به الظهار لم يكن مظاهرا وحجة هذا القول اختمال اللفظ . الثالث عشر إنه يمين يكفره ما يكفر اليمين على كل حال قال ابن القيم صح ذلك عن أبي بكر وعمر بن الخطاب وابن عباس وعائشة وزيد بن ثابت وابن مسعود وعبد الله بن عمر وعكرمة وعطاء وقتادة والحسن والشعبي وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وجابر بن زيد وسعيد بن جبير ونافع والأوزاعي وأبي ثور وخلق سواهم وحجة هذا القول ظاهر القرآن فإن الله ذكر فرض تحلة الأيمان عقب تحريم الحلال فلابد أن يتناوله يقينا الرابع عشر إنه يمين مغلظة يتعين بها عتق رقبة قال ابن القيم صح أيضا عن ابن عباس وأبي بكر وعمر وابن مسعود وجماعة من التابعين وحجة هذا القول إنه لما كان يمينا مغلظة غلظت كفارتها . الخامس عشر أنه طلاق ثم إنها إن كانت غير مدخول بها فهو ما نواه من الواحدة فما فوقها وإن كانت مدخولا بها فهو ثلاث وإن نوى أقل منها وهو إحدى الروايتين عن مالك ورواه في نهاية المجتهد عن علي وزيد بن ثابت وحجة هذا القول أن اللفظ لما اقتضى التحريم وجب أن يترتب عليه حكمه وغير المدخول بها تحريم بواحدة والمدخول بها لا تحرم إلا بالثلاث ( واعلم ) أنه قد رجح المذهب الأول من هذه المذاهب جماعة من العلماء المتأخرين وهذا المذهب هو الراجح عندي إذا أراد تحريم العين وأما إذا أراد به الطلاق فليس في الأدلة ما يدل على امتناع وقوعه به أما قوله تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } وكذلك قوله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } فنحن نقول بموجب ذلك فمن أراد تحريم عين زوجته لم تحرم وأما من أراد طلاقها بذلك اللفظ فليس في الأدلة ما يدل على اختصاص الطلاق بألفاظ مخصوصة وعدم جوازه بما سواها وليس في قوله تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } ما يقضي بانحصار الفرقة في لفظ الطلاق وقد ورد الأدن بما عداه من ألفاظ الفرقة كقوله صلى الله عليه وآله وسلم لابنة الجون " الحقي بأهلك " قال ابن القيم وقد أوقع الصحابة الطلاق بأنت حرام وأمرك بيدك واختاري ووهبتك لأهلك وأنت خلية وقد خلوت مني وأنت برية وقد أبرأتك وأنت مبرأة وحبلك على غاربك انتهى . وأيضا قال الله تعالى { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وظاهره أنه لو قال سرحتك لكفى في إفادة معنى الطلاق وقد ذهب أهل العلم إلى جواز التجوز لعلاقة مع قرينة في جميع الألفاظ إلا ما خص فما الدليل على امتناعه في باب الطلاق وأما إذا حرم الرجل على نفسه شيئا غير زوجته كالطعام والشراب فظاهر الأدلة أنه لا يحرم عليه شيء من ذلك لأن الله لم يجعل إليه تحريما ولا تحليلا فيكون التحريم الواقع منه لغوا وقد ذهب إلى مثل هذا الشافعي وروى عن أحمد أن عليه كفارة يمين

( كتاب اللعان )

1 - عن نافع عن ابن عمر " أن رجلا لاعن امرأته وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة "
- رواه الجماعة

2 - وعن سعيد بن جبير " أنه قال لعبد الله بن عمر يا أبا عبد الرحمن المتلاعنان أيفرق بينهما قال سبحان الله إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان قال يا رسول الله أرايت لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع إن تكلم كلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك قال فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يجبه فلما كان بعد ذلك أتاه فقال إن الذي سألتك عنه ابتليت به فأنزل الله عز و جل هؤلاء الآيات في سورة النور والذين يرمون أزواجهم ولم يكن شهداء فتلاهن عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها ثم دعاها فوعظها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقالت لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذب فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ثم فرق بينهما "

2 - وعن ابن عمر قال " فرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أخوي عجلان وقال الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب ثلاثا "
- متفق عليه

3 - وعن سهل بن سعد أن عويمر العجلاني أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أرايت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم ماذا يفعل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها قال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فرغ قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ابن شهاب فكانت سنة المتلاعنين "
- رواه الجماعة إلا الترمذي
وفي رواية متفق عليها " فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذاكم التفريق بين كل متلاعنين " وفي لفظ لأحمد ومسلم " وكان فراقه إياها سنة في المتلاعنين "

- قوله " لاعن امرأته " قال في الفتح اللعان مأخوذ من اللعن لأن الملاعن يقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين واختير لفظ اللعن دون الغضب في التسمية لأنه قول الرجل وهو الذي بدئ به في الآية وهو أيضا يبدأ به وقيل سمى لعانا لأن اللعن الطرد والإبعاد وهو مشترك بينهما وإنما خصت المرأة بلفظ الغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها ثم قال وأجمعوا على أن اللعان مشروع وعلى أنه لا يجوز مع عدم التحقق واختلف في وجوبه على الزوج وظاهر أحاديث الباب أن اللعان إنما يشرع بين الزوجين وكذلك قوله تعالى { والذين يرمون أزواجهم } الآية فلو قال أجنبي لأجنبية يا زانية وجب عليه حد القذف قوله " ففرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما " استدل به من قال إن الفرقة بين المتلاعنين لا تقع بنفس اللعان حتى يوقعها الحاكم وأجاب من قال إن الفرقة تقع بنفس اللعان إن ذلك بيان حكم لا إيقاع فرقة واحتجوا بما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم في رواية بلفظ " لا سبيل لك عليها " وتعقب بأن الذي وقع جواب لسؤال الرجل عن ماله الذي أخذته منه وأجيب بأن العبرة بعموم اللفظ وهو نكرة في سياق النفي فيشمل المال والبدن ويقتضي نفي تسلطه عليها بوجه من الوجوه ووقع في حديث لأبي داود عن ابن عباس " وقضى أن ليس عليه قوت ولا سكنى من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها " وهو ظاهر في أن الفرقة وقعت بينهما بنفس اللعان وسيأتي تمام الكلام في الفرقة في الباب الذي بعد هذا
قوله : " وألحق الولد بالمرأة " قال الدارقطني تفرد مالك بهذه الزيادة وقال ابن عبد البر ذكروا أن مالكا تفرد بهذه اللفظة وقد جاءت من أوجه أخر وقد جاءت في حديث سهل بن سعد عند أبي داود بلفظ " فكان الولد ينسب إلى أمه " ومن رواية أخرى " وكان الولد يدعى إلى أمه " ومعنى قوله ألحق الولد بأمه أي صيره لها وحدها ونفاه عن الزوج فلا توارث بينهما وأما الأم فترث منه ما فرض الله لها
وقد وقع في رواية من حديث سهل بن سعد بلفظ " وكان ابنها يدعى لأمه " ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله لهما وقيل معنى إلحاقه بأمه أنه صيرها له أبا وأما فترث جميع ماله إذا لم يكن له وارث آخر من ولد ونحوه وهو قول ابن مسعود ومائلة ؟ وطائفة ورواية عن أحمد وروى أيضا عن ابن القاسم وقيل إن عصبة أمه تصير عصبة له وهو قول علي وابن عمر وهو المشهور عن أحمد وبه قالت الهادوية وقيل ترثه أمه وأخته منها بالفرض والرد وهو قول أبي عبيد ومحمد بن الحسن ورواية عن أحمد قال فإن لم يرثه ذو فرض بحال فعصبته عصبة أمه واستدل بحديث ابن عمر المذكور على مشروعية اللعان لنفي الولد
وعن أحمد ينتفي الولد بمجرد اللعان وإن لم يتعرض الرجل لذكره في اللعان
قال الحافظ وفيه نظر لأنه لو استلحقه لحقه وإنما يؤثر اللعان دفع حد القذف عنه وثبوت زنا المرأة
وقال الشافعي إن نفى الولد في الملاعنة انتفى وإن لم يتعرض له فله أن يعيد اللعان لانتفائه ولا إعادة على المرأة وإن أمكنه الرفع إلى الحاكم فأخر بغير عذر وحتى ولدت لم يكن له أن ينفيه كما في الشفعة واستدل به أيضا على أنه لا يشترط في نفي الولد التصريح بأنها ولدته من زنا ولا بأنه استبرأها بحيضة وعن المالكية يشترط ذلك
قوله : " أرايت لو وجد أحدنا " أي أخبرني عن حكم من وقع له ذلك
قوله : " على فاحشة " اختلف العلماء فيمن وجد مع امرأته رجلا وتحقق وجود الفاحشة منهما فقتله هل يقتل به أم لا فمنع الجمهور الإقدام وقالوا يقتص منه إلا أن يأتي ببينة الزنا أو يعترف المقتول بذلك بشرط أن يكون محصنا وقيل بل يقتل به لأنه ليس له أن يقيم الحد بغير أذن الإمام وقال بعض السلف لا يقتل أصلا ويعذر فيما فعله إذا ظهرت أمارات صدقه وشرط أحمد وإسحاق ومن تبعهما أن يأتي بشاهدين أنه قتله بسبب ذلك ووافقهم ابن القاسم وابن حبيب من المالكية لكن زاد أن يكون المقتول قد أحصن وعند الهادوية أنه يجوز للرجل أن يقتل من وجده مع زوجته وأمته وولده حال الفعل وأما بعده فيقاد به إن كان بكرا
قوله : " ووعظه وذكره " فيه دليل على أنه يشرع للإمام موعظة المتلاعنين قبل اللعان تحذيرا لهما من الوقوع في المعصية
قوله : " فبدأ بالرجل " فيه دليل على أنه يبدأ الإمام في اللعان بالرجل وقد حكى الإمام المهدي في البحر الإجماع على أن السنة تقديم الزوج واختلف في الوجوب فذهب الشافعي ومن تبعه وأشهب من المالكية ورجحه ابن العربي إلى أنه واجب وهو قول المؤيد بالله وأبي طالب وأبي العباس والإمام يحيى . وذهبت الحنفية ومالك وابن القاسم إلى أنه لو وقع الابتداء بالمرأة صح واعتد به واحتجوا بأن الله تعالى عطف في القرآن بالواو وهو لا يقتضي الترتيب ( واحتج الأولون ) أيضا بأن اللعان يشرع لدفع الحد عن الرجل ويؤيده قوله صلى الله عليه وآله وسلم لهلال " البينة وإلا حد في ظهرك " وسيأتي فلو بدأ بالمرأة لكان دفعا لأمر لم يثبت
قوله : " بين أخوي بني عجلان " بفتح العين المهملة وسكون الجيم وهو ابن حارثة بن ضبعة من بني بكر ابن عمرو والمراد بقوله أخوي الرجل وامرأته واسم الرجل عويمر كما في الرواية المذكورة واسم المرأة خولة بنت عاصم بن عدي العجلاني قاله ابن منده في كتاب الصحابة وأبو نعيم وحكى القرطبي عن مقاتل بن سليمان أنها خولة بنت قيس وذكر ابن مردويه أنها بنت أخي عاصم المذكور والرجل الذي رمى عويمر امرأته به هو شريك بن سحماء بن عم عويمر وفي صحيح مسلم من حديث أنس أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا البراء بن مالك لأمه وسيأتي وكان أول رجل لاعن في الإسلام
قال النووي في شرح مسلم السبب في نزول آية اللعان قصة عويمر العجلاني واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وآله وسلم له " قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنا " وقال الجمهور السبب قصة هلال بن أمية لما تقدم من أنه كان أول من لاعن في الإسلام وقد حكى أيضا الماوردي عن الأكثر من أن قصة هلال أسبق نت قصة عويمر
وقال الخطيب والنووي وتبعهما الحافظ يحتمل أن يكون هلال سأل أولا ثم سأل عويمر فنزلت في شأنهما معا
وقال ابن الصباغ في الشامل قصة هلال بن أمية نزلت فيها الآية وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعويمر " إن الله قد أنزل فيك وفي صاحبتك " فمعناه ما نزل في قصة هلال لأن ذلك حكم عام لجميع الناس واختلف في الوقت الذي وقع فيه اللعان فجزم الطبري وأبو حاتم وابن حبان أنه كان في شهر شعبان سنة تسع وقيل كان في السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما وقع في البخاري عن سهل بن سعد أنه شهد قصة المتلاعنين وهو ابن خمس عشرة سنة وقد ثبت عنه أنه قال توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة وقيل كانت القصة في سنة عشر ووفاته صلى الله عليه وآله وسلم في سنة إحدى عشرة قوله " فطلقها ثلاثا " وفي رواية أنه قال " فهي الطلاق فهي الطلاق فهي الطلاق " وقد استدل بذلك من قال إن الفرقة بين المتلاعنين تتوقف على تطليق الرجل كما تقدم نقله عن عثمان البتي
وأجيب بما في حديث سهل نفسه من تفريقه صلى الله عليه وآله وسلم بينهما . وبما في حديث ابن عمر كما ذكر ذلك المصنف فإن ظاهرهما أن الفرقة وقعت بتفريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما طلقها عويمر لظنه أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال هي طالق ثلاثا فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا سبيل لك عليها أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقك
قال الحافظ وقد توهم أن قوله لا سبيل لك عليها وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم عقب قول الملاعن هي طالق . وإنه موجود في كذلك في حديث سهل . وإنما وقع في حديث ابن عمر عقب قول الله يعلم أن أحدكم كاذب لا سبيل لك عليها انتهى
وقد قدمنا في باب ما جاء في طلاق البتة الجواب عن الاستدلال بهذا الحديث على أن الطلاق المتتابع يقع
قوله : " فكانت سنة المتلاعنين " زاد أبو داود عن القعنبي عن مالك فكانت تلك وهي اشارة إلى الفرقة وفي الرواية الأخرى المذكورة ذاكم التفريق بين كل متلاعنين وقال مسلم إن قوله وكان فراقه إياها سنة بين المتلاعنين مدرج . وكذا ذكر الدارقطني في غريب مالك اختلاف الرواة على ابن شهاب ثم على مالك في تعيين من قال فكان فراقهما سنةهل هو من قول سهل أو من قول ابن شهاب . وذكر ذلك الشافعي وأشار إلى نسبته إلى ابن شهاب لا تمنع نسبته إلى سهل . ويؤيد ذلك ما وقع في رواية لأبي داود عن سهل قال فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان ما صنع عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنة وسيأتي قريبا
وفي نسخة الصغاني قال أبو عبد الله قوله ذلك تفريق بين المتلاعنين من قول الزهري وليس من الحديث

( باب لا يجتمع المتلاعنان أبدا )

1 - عن ابن عمر " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمتلاعنين حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال يا رسول الله مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها "
- متفق عليه وهو حجة في أن كل فرقة بعد الدخول لا تؤثر في اسقاط المهر

2 - وعن سهل بن سعد في خبر المتلاعنين قال " فطلقها ثلاث تطليقات فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان ما صنع عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة قال سهل حضرت هذا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا "
- رواه أبو داود

3 - وعن سهل بن سعد في قصة المتلاعنين " ففرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما وقال لا يجتمعان أبدا "

4 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدا

5 - وعن علي وابن مسعود " قالا مضنت السنة أن لا يجتمع المتلاعنان "
- رواهن الدارقطني

- حديث سهل بن سعد الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح . وحديث الثاني في اسناده عياض بن عبد الله قال في التقريب فيه لين ولكنه قد أخرج له مسلم . وحديث ابن عباس أخرج نحوه أبو داود في قصة طويلة في اسنادها عباد بن منصور وفيه مقال . وحديث علي وابن مسعود أخرجهما أيضا عبد الرزاق وابن أبي شيبة ( وفي الباب ) عن عمر نحو حديثهما أخرجه أيضا عبد الرزاق وابن أبي شيبة
قوله : " أحدكما كاذب " قال عياض إنه قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان فيؤخذ منه عرض التوبة على المذنب بطريق الإجمال وأنه يلزم من كذب التوبة من ذلك
وقال الداودي قال ذلك قبل اللعان تحذيرا لهما منه قال الحافظ والأول أظهر وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك
قوله : " لا سبيل لك عليها " فيه دليل على أن المرأة تستحق ما صار إليها من المهر بما استحق الزوج من فرجها وقد تقدم أن هذه الصيغة تقتضي العموم لأنها نكرة في سياق النفي وأراد بقوله مالي الصداق الذي سلمه إليها يريد أن يرجع به عليها فأجابه صلى الله عليه وآله وسلم بأنها قد استحقته بذلك السبب وأوضح لها استحقاقها له بذلك التقسيم على فرض صدقه وعلى فرض كذبه لأنه مع الصدق قد استوفى منها ما يوجب استحقاقها له وعلى فرض كذبه مع كونه قد ظلمها برميها بما رماها به وهذا مجمع عليه في المدخولة
وأما في غيرها فذهب الجمهور إلى أنها تستحق النصف كغيرها من المطلقات قبل الدخول وقال حماد والحكم وأبو زناد أنها تستحقه جميعه
وقال الزهري ومالك لا شيء لها
قوله : " فطلقها " قد تقدم الكلام عليه
قوله : " لا يجتمعان أبدا " فيه دليل على تأبيد الفرقة . وإليه ذهب الجمهور وروى عن أبي حنيفة ومحمد أن اللعان لا يقتضي التحريم المؤبد لأنه طلاق زوجة مدخولة بغير عوض لم ينو به التثليث فيكون كالرجعي . ولكن المروي عن أبي حنيفة أنها إنما تحل له إذا أكذب نفسه لا إذا لم يكذب نفسه فإنه يوافق الجمهور كما ذكره صاحب الهدى عنه . وعن محمد وسعيد بن المسيب والأدلة الصحيحة الصريحة قاضية بالتحريم المؤبد وكذلك أقوال الصحابة وهو الذي يقتضيه حكم اللعان ولا يقتضي سواه فإن لعنة الله وغضبه قد حلت بأحدهما لا محالة وقد وقع الخلاف هل اللعان فسخ أو طلاق فذهب الجمهور إلى أنه فسخ وذهب أبو حنيفة ورواية عن محمد إلى أنه طلاق

( باب إيجاب الحد بقذف الزوج وأن اللعان يسقطه )

1 - عن ابن عباس " أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجل ينطلق يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول البينة وإلا حد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنول جبريل وأنزل عليه { والذين يرمون أزواجهم } فقرأ حتى بلغ { إن كان من الصادقين } فانصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرسل إليهما فجاء هلال فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ثم قامت فشهدت فلما كان عند الخامسة وقفوها فقالوا إنها موجبة فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم انظروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الاليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن "
- رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي

- قوله " البينة أو حد في ظهرك " فيه دليل على أن الزوج إذا قذف امرأته بالزنا وعجز عن إقامة البينة وجب عليه حد القاذف وإذا وقع اللعان سقط وهو قول الجمهور . وذهب أبيو حنيفة وأصحابه إلى أن اللزم بقذف الزوج إنما هو اللعان فقط ولا يلزمه الحد والحديث وما في معناه حجة عليه
قوله : " فنزل جبريل . " الخ فيه التصريح بأن الآية نزلت في شأن هلال وقد تقدم الخلاف في ذلك
قوله : " إن الله يعلم " الخ فيه مشروعية تقديم الوعظ للزوجين قبل اللعان كما يدل على ذلك قوله " ثم قامت " فإن ترتيب القيام على ذلك مشعر بما ذكرنا وقد تقدم الاشارة إلى الخلاف
قوله : " وقفوها " أي أشاروا عليها بأن ترجع وأمروها بالوقف عن تمام اللعان حتى ينظروا في أمرها فتلكأت وكادت أن تعترف ولكنها لم ترض بفضيحة قومها فاقتحمت وأقدمت على الأمر المخوف الموجب للعذاب الآجل مخافة من العار لأنه يلزم قومها من إقرارها العار بزناها ولم يردعها عن ذلك العذاب العاجل وهو حد الزنا
وفي هذا دليل على أن مجرد التلكيء من أحد الزوجين والتكلم بما يدل على صدق الآخر دلالة ظنية لا يعمل به بل المعتبر هو التصريح من أحدهما بصدق الآخر والاعتراف المحقق بالكذب إن كان الزوج أو الوقوع في المعصية إن كانت المرأة
قوله : " انظروها فإن جاءت به " الخ فيه دليل على أن المرأة كانت حاملا وقت اللعان
وقد وقع في البخاري التصريح بذلك وسيأتي التصريح به أيضا في باب ما جاء في اللعان على الحمل
قوله : " أكحل العينين " الأكحل الذي منابت أجفانه سود كأن فيها كحلا
قوله : " سابغ الاليتين " بالسين المهملة وبعد الألف باء موحدة ثم غين معجمة أي عظيمهما
قوله : " خدلج الساقين " بفتح الخاء والدال المهملة وتشديد اللام أي ممتلئ الساقين والذراعين
قوله : " فجاءت به كذلك " في رواية للبخاري فجاءت به على الوجه الكروه وفي أخرى " فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وفي ذلك روايات ستأتي
قوله : " لولا ما مضى من كتاب الله " وفي رواية للبخاري " من حكم الله " والمراد أن اللعان يدفع الحد عن المرأة ولولا ذلك لأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليها الحد من أجل ذلك الشبه الظاهر الذي رميت به ويستفاد منه أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يحكم بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه وحي خاص فإذا نزل الوحي بالحكم في تلك المسألة قطع النظر وعمل بما نزل وأجرى الأمر على الظاهر ولو قامت قرينة تقتضي خلاف الظاهر

( باب من قذف زوجته برجل سماه )

1 - عن أنس " أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا لبراء بن مالك لأمه وكان أول رجل لاعن في الاسلام قال فلاعنها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبصروها فإن جاءت به أبيض سبطا قضيء العينين فهو لهلال بن أمية وإن جاءت به أكحل جعد أحمش الساقين فهو لشريك بن سحماء قال فأنبئت أنها جاءت به أكحل جعد أحمش الساقين "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي
وفي رواية أن أول لعان كان في الاسلام أن هلال بن أمية قذف شريك بن السحماء بامرأته فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعة شهداء وإلا فحد في ظهرك يردد عليه ذلك مرارا فقال له هلال والله يا رسول الله إن الله عز و جل ليعلم أني لصادق ولينزلن الله عليك ما يبرئ ظهري من الحد فبينما هم كذلك إذ نزلت عليه آية اللعان { والذين يرمون أزواجهم } إلى آخر الآية وذكر الحديث
- رواه النسائي

- الرواية الأخرى من هذا الحديث رجالها رجال الصحيح ويشهد لصحتها حديث ابن عباس المتقدم في الباب الذي قبل هذا فإن سياقه وسياق هذا الحديث متقاربان
قوله : " وكان أول رجل لاعن في الاسلام " قد تقدم الكلام على هذا
قوله : " سبطا " بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة بعدها طاء مهملة وهو المسترسل من الشعر وتام الخلق من الرجال
قوله : " قضيء العينين " بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة بعدها همزة على وزن حذر وهو فاسد العينين والاكحل قد تقدم الكلام عليه . والجعد بفتح الجيم وسكون المهملة بعدها دال مهملة أيضا : قال في القاموس الجعد من الشعر خلاف السبط أو القصير منه
قوله : " حمش الساقين " بالحاء المهملة ثم معجمة وهو لغة في أحمش : قال في القاموس حمش الرجل حمشا وحمشا صار دقيق الساقين فهو أحمش الساقين وحمشهما ببالفتح وسوق حماش وقد حمشت الساق كضرب وكرم حموشة انتهى
قوله : " إن أول لعان كان في الاسلام " قد تقدم الكلام على ذلك وظاهر الحديث أن حد القذف يسقط باللعان ولو كان قذف الزوجة برجل معين

( باب في أن اللعان يمين )

1 - عن ابن عباس قال " جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فذكر حديث تلاعنهما إلى أن قال ففرق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهما وقال إن جاءت به أصيهب أربسح حمش الساقين فهو لهلال وإن جاء به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين فهو الذي رميت به فجاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لولا الإيمان لكان لي ولها شأن "
- رواه أحمد وأبو داود

- الحديث أورده أبو داود مطولا وفي اسناده عباد بن منصور وقد تكلم فيه غير واحد
وقد قيل إنه كان قدريا داعية
قوله : " أصيهب " تصغير الأصهب وهو من الرجال الأشقر ومن الإبل الذي يخالط بياضه حمرة
قوله : " أريسح " تصغير الأرسح بالسين والحاء المهملتين وروي بالصاد المهملة بدلا من السين ويقال الأرصع بالصاد والعين المهملتين وهو خفيف لحم الفخذين والاليتين
وقد تقدم تفسير حمش الساقين والجعد وخدلج الساقين وسابغ الاليتين
قوله : " أورق " هو الأسمر
قوله : " جماليا " بضم الجيم وتشديد الميم هو العظيم الخلق كأنه الجمل
قوله : " لولا الإيمان " استدل به من قال إن اللعان يمين وإليه ذهبت العترة والشافعي والجمهور وذهب أبو حنيفة وأصحابه ومالك والامام يحيى والشافعي في قول إنه شهادة
واحتجوا بقوله تعالى { فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله } وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث ابن عباس السابق في الباب الأول " فجاء هلال فشهد ثم قامت فشهدت " وقيل إن اللعان شهادة فيها شائبة يمين وقيل بالعكس
وقال بعض العلماء ليس بيمين ولا شهادة حكى هذه الثلاثة المذاهب صاحب الفتح
وقال الذي تحرر لي إنها من حيث الجزم بنفي الكذب وإثبات الصدق يمين لكن أطلق عليها شهادة لاشتراط أن لا يكتفى في ذلك بالظن بل لا بد من وجود علم كل منهما بالأمرين علما يصح معه أن يشهد

( باب ما جاء في اللعان على الحمل والاعتراف به )

1 - عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعن على الحمل "
- رواه أحمد
وفي حديث سهل " وكانت حاملا وكان ابنها ينسب إلى أمه " وقد ذكرناه
وفي حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاعن بين هلال بن أمية وامرأته وفرق بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمي ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد
قال عكرمة فكان بعد ذلك أميرا على مصر . وما يدعى لأب " . رواه أحمد وأبو داود
وقد أسلفنا في حديث أن تلاعنهما قبل الوضع

2 - وعن قبيصة بن ذؤيب قال " قضى عمر بن الخطاب في رجل أنكر ولد أمرأته وهو في بطنها ثم اعترف به وهو في بطنها حتى إذا ولد أنكره فأمر به عمر فجلد ثمانين جلدة لفريته عليها ثم ألحق به ولدها "
- رواه الدارقطني

- حديث ابن عباس الأول هو بمعناه في الصحيحين من حديثه بلفظ " لاعن بين هلال بن أمية وزوجته وكانت حاملا ونفى الحمل " . وحديث سهل هو في البخاري كما قدمنا ولم يذكره المصنف فيما سلف صريحا . وحديث ابن عباس الثاني هو من حديثه الطويل الذي ساقه أبو داود وفي اسناده عباد بن منصور كما تقدم وأثر عمر أخرجه أيضا البيهقي وحسن الحافظ اسناده . ( وقد استدل بأحاديث ) الباب من قال إنه يصح اللعان قبل الوضع مطلقا ونفي الحمل
وقد حكاه في الهدى عن الجمهور وهو الحق للأدلة المذكورة وذهبت الهادوية وأبو يوسف ومحمد إلى أنه لا يصح قبل الوضع مطلقا لاحتمال أن يكون الحمل ريحا . ورد بأن هذا احتمال بعيد لأن للحمل قرائن قوية يظن معها وجوده ظناقويا وذلك كاف في اللعان كما جاز العمل بها في إثبات عدة الحامل وترك قسمة الميراث ولا يدفع الأمر المظنون بالاحتمال البعيد . وذهب أبو حنيفة والمزني وأبو طالب إلى أنه لا يصح اللعان والنفي قبل الوضع إلا مع الشرط لعدم اليقين ورد بأنه مشروط إن لم يتلفظ به . وأثر عمر المذكور استدل به من قال أنه لا يصح نفي الولد بعد الإقرار به وهم العترة وأبو حنيفة وأصحابه ويؤيده أنه لو صح الرجوع بعده لصح عن كل إقرار فلا يتقرر حق من الحقوق والتالي باطل بالاجماع فالمقدم مثله

( باب الملاعنة بعد الوضع لقذف قبله وإن شهد الشبه لأحدهما )

1 - عن ابن عباس " أنه ذكر التلاعن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا ثم انصرف فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه وجد مع أهله رجلا فقال عاصم ما بتليت بهذا إلا لقولي فيه فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته وكان ذلك الرجل مصفرا قليل اللحم سبط الشعر وكان الذي ادعى عليه أنه وجد عند أهله خدلا آدم كثير اللحم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم بين فوضعت شبيها بالذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فلاعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما فقال رجل لابن عباس في المجلس أهي التي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هذه فقال ابن عباس لا تلك امرأة كانت تظهر الاسلام السوء "
- متفق عليه

- قوله " فقال عاصم في ذلك قولا " أي كلاما لا يليق به كالمبالغة في الغيرة وعدم الرجوع إلى إرادة الله وقدرته
وقال الحافظ إن المراد بالقول المذكور هو ما وقع في حديث سهل بن سعد أنه سأل عن الحكم الذي أمره عويمر أن يسأل عنه
قوله : " فأتاه رجل من قومه " قال في الفتح هو عويمر ولا يمكن تفسيره بهلال بن أمية لأنه لا قرابة بينه وبين عاصم
قوله : " ما ابتليت بهذا إلا لقولي " أي بسؤالي عما لم يقع فكأنه عرف أنه عوقب بذلك وإنما جعله ابتلاء لأن امرأة عويمر هي بنت عاصم المذكور واسمها خولة بنت عاصم كما ذكره الكلبي وذكر ابن مردويه أنها بنت أخي عاصم
وروى ابن أبي حاتم في التفسير عن مقاتل بن حبان أن الزوج وزوجته والرجل الذي رمي بها ثلاثتهم بنو عم عاصم
قوله : " مصفرا " بضم أوله وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء وتشديد الراء أي قوي الصفرة وهذا لا يخالف ما في حديث سهل أنه كان أحمر أو أشقر لأن ذلك لونه الأصلي والصفرة عارضة والمراد بقليل اللحم نحيف الجسم والسبط قد تقدم تفسيره قوله " خدلا " بالخاء المعجمة والدال المهملة قال في القاموس الخدل الممتلئ وساق خدلة بينة الخدل محركة ثم قال والخدلة المرأة الغليظة الساق وممتلئة الأعضاء لحما في رقة عظام انتهى
وقال في الفتح خدلا بفتح المعجمة وتشديد اللام أي ممتلئ الساقين
وقال أبو الحسن بن فارس ممتلئ الأعضاء وقال الطبري لا يكون إلا مع غلظ العظم مع اللحم
قوله : " آدم " بالمد أي لونه قريب من السواد
قوله : " كثير اللحم " أي في جميع جسده
قال في الفتح يحتمل أن يكون صفة شارحة لقوله خدلا بناء على أن الخدل الممتلئ البدن
قوله : " اللهم بين " قال ابن العربي ليس معنى هذا الدعاء طلب ثبوت صدق أحدهما فقط بل معناه أن تلد ليظهر الشبه ولا يمتنع ولادتها بموت الولد مثلا فلا يظهر البيان والحكمة في البيان المذكور ردع من شاهد ذلك عن التلبس بمثل ما وقع لما يترتب عليه من القبح قوله " فلاعن " الخ ظاهره أن الملاعنة تأخرت إلى وضع المرأة وعلى ذلك بوب المصنف وقد تقدم في حديث سهل أن اللعان وقع بينهما قبل أن تضع . ورواية ابن عباس هذه هي القصة التي في حديث سهل كما تقدم فعلى هذا تكون الفاء في قوله فلاعن لعطف لاعن على فأخبره بالذي وجد عليه امرأته ويكون ما بينهما اعتراضا
قوله : " فقال رجل لابن عباس " هو عبد الله بن شداد بن الهاد وهو ابن خالة ابن عباس سماه أبو الزناد كما ذكره البخاري في الحدود قوله " كانت تظهر في الاسلام السوء " أي كانت تعلن بالفاحشة ولكنه لم يثبت ذلك عليها ببينة ولا اعتراف قال الداودي فيه جواز من يسلك مسالك السوء وتعقب بأنه لم يسمها فإن أراد اظهار الغيبة على طريق الابهام فمسلم

( باب ما جاء في قذف الملاعنة وسقوط نفقتها )

1 - عن ابن عباس في قصة الملاعنة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن لا قوت لها ولا سكنى من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها "
- رواه أحمد وأبو داود

2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " قال قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ولد المتلاعنين أنه يرث أمه وترثه أمه ومن رماها به جلد ثمانين ومن دعاه ولد زنا جلد ثمانين "
- رواه أحمد

- حديث ابن عباس هو طرف من حديثه الطويل الذي ساقه أبو داود وفي اسناده عباد بن منصور وفيه مقال كما تقدم . وحديث عمرو بن شعيب أشار إليه في التلخيص ولم يتكلم عليه وقد قدمنا الاختلاف في حديثه
وقال في مجنع الزوائد في اسناده ابن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله ثقات
قوله : " أن لا قوت ولا سكنى " فيه دليل على أن المرأة المفسوخة باللعان لا تستحق في مدة العدة نفقة ولا سكنى لأن النفقة إنما تستحق في عدة الطلاق لا في عدة الفسخ وكذلك السكنى ولاسيما إذا كان الفسخ بحكم الملاعنة ومن قال إن اللعان طلاق كأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن محمد فلعله يقول بوجوب النفقة والسكنى والحديث حجة عليه
قوله : " إنه يرث أمه وترثه " فيه دليل على أن قرابة الولد المنفى قرابة أمه وقد قدمنا الكلام على ذلك في أول كتاب اللعان
قوله : " ومن رماها به جلد ثمانين " فيه دليل على أنه يجب الحد على من رمى المرأة التي لاعنها زوجها بالرجل الذي اتهمها به وكذلك يجب على من قال لولدها إنه ولد زنا وذلك لأنه لم يتبين صدق ما قاله الزوج والأصل عدم الوقوع في المحرم ومجرد وقوع اللعان لا يخرجها عن العفاف والأعراض محمية عن الثلب ما لم يحصل اليقين

( باب النهي أن يقذف زوجته لأن ولدت ما يخالف لونهما )

1 - عن أبي هريرة قال " جاء رجل من بني فزازة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت ولدت امرأتي غلاما أسود وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل لك من إبل قال نعم قال فال فما ألوانها قال حمر قال هل فيها من أورق قال إن فيها لورقا قال فأنى أتاها ذلك قال عسى أن يكون نزعه عرق قال فهذا عسى أن يكون نزعه عرق ولم يرخص له في الانتفاء منه "
- رواه الجماعة . ولأبي داود في رواية " إن امرأتي ولدت غلاما أسود وإني أنكره "

- قوله " جاء رجل " اسمه ضمضم بن قتادة
قوله : " يعرض أن ينفيه " وجه التعريض أنه قال غلام أسود أي وأنا أبيض فكيف يكون مني وفيه دليل على أن التعريض بالقذف لا يكون قذفا وإليه ذهب الجمهور . وعن المالكية يجب به الحد إذا كانوا يفهمونها وكذلك قالت الهادوية إلا أنهم اشترطوا أن يقر بأن قصده القذف وأجابوا عن حديث الباب بأنه لا حجة فيه لأن الرجل لم يرد قذفا بل جاء سائلا مستفتيا عن الحكم بما وقع له من الريبة فلما ضرب له المثل أذعن
وقال المهلب إذا كان على سبيل السؤال لا حد فيه وإنما يجب الحد في التعريض إذا كان على سبيل المواجهة
وقال ابن المنير الفرق بين الزوج والأجنبي في التعريض أن الأجنبي يقصد الأذية المحضة والزوج يعذر بالنسبة إلى صيانة النسب
قوله : " من أورق " هو الذي يميل إلى الغبرة ومنه قيل للحمامة ورقاء قوله " فأنى ذلك " بفتح النون الثقيلة أي من أين أتاها اللون الذي خالفها هل هو بسبب فحل من غير لونها طرأ عليها أو لأمر آخر
قوله : " نزعه عرق " المراد بالعرق الأصل من النسب تشبيها بعرق الشجرة ومنه قولهم فلان عريق في الأصالة أي أن أصله متناسب وكذا معرق في الكرم وهو ضرب مثل لتعريف السائل وتوضيح البيان بتشبيه المجهول بالمعلوم وهو من قياس التشبيه كما قال الخطابي
قال ابن العربي فيه دليل على صحة القياس والاعتبار بالنظير وتوقف فيه ابن دقيق العيد فقال هو تشبيه في أمر وجودي والنزاع امنا هو في التشبيه في الاحكام الشرعية من طريق واحدة قوية ( وفي الحديث ) دليل على أنه لا يجوز للأب أن ينفي ولده بمجرد كونه مخالفا له في اللون وقد حكى القرطبي وابن رشد الاجماع على ذلك وتعقبهما الحافظ بأن الخلاف في ذلك ثابت عند الشافعية فقالوا إن لم ينضم إلى المخالفة في اللون قرينة زنا لم يجز النفي فإن اتهمها فأتت بولد على لون الرجل الذي اتهمها به جاز النفي على الصحيح عندهم وعند الحنابلة يجوز النفي مع القرينة مطلقا

( باب أن الولد للفراش دون الزاني )

1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر "
- رواه الجماعة إلا أبا داود
وفي لفظ للبخاري " لصاحب الفراش "

2 - وعن عائشة قالت " اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال سعد يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه انظر إلى شبهه وقال عبد بن زمعة هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة فقال هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة قال فلم ير سودة قط "
- رواه الجماعة إلا الترمذي
وفي رواية أبي داود ورواية للبخاري " هو أخوك يا عبد "

3 - وعن ابن عمر " أن عمر قال ما بال رجال يطؤن ولائدهم ثم يعتزلونهن لا يأتين وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها فاعزلوا بعد ذلك أو اتركوا "
- رواه الشافعي

- حديث " الولد للفراش " مروي من طريق بضعة وعشرين نفسا من الصحابة كما أشار إليه الحافظ
قوله : " الولد للفراش " اختلف في معنى الفراش فذهب الأكثر إلى أنه اسم للمرأة وقد يعبر به عن حالة الافتراش وقيل إنه اسم للزوج روي ذلك عن أبي حنيفة وأنشد ابن الاعرابي مستدلا على هذا المعنى قول جرير ... بانت تعانقه وبات فراشها ... وفي القاموس أن الفراش زوجة الرجل قيل ومنه { فرش مرفوعة } والجارية يفترشها الرجل انتهى . قوله " وللعاهر الحجر " العاهر الزاني يقال عهر أي زنى قيل ويختص ذلك بالليل قال في القاموس عهر المرأة كمنع عهرا ويكسر ويحرك وععهارة بالفتح وعهورا وعهورة وعاهرها عهارا أتاها ليلا للفجور أو نهارا انتهى . ومعنى له الحجر اخيبة أي لا شيء له في الولد والعرب تقول له الحجر وبفيه الترب يريدون ليس له إلا الخيبة
وقيل المراد بالحجر أنه يرجم بالحجارة إذا زنى ولكنه لا يرجم بالحجارة كل زان بل المحصن فقط . وظاهر الحديث أن الولد إنما يلحق بالأب بعد ثبوت الفراش وهو لا يثبت إلا بعد إمكان الوطء في النكاح الصحيح أو الفاسد وإلى ذلك ذهب الجمهور وروي عن أبي حنيفة أنه يثبت بمجرد العقد واستدل له بأن مجرد المظنة كافية ورد بمنع حصولها بمجرد العقد بل لا بد من إمكان الوطء ولا شك أن اعتبار مجرد العقدفي ثبوت الفراش جمود ظاهر فإنه قد حكى ابن القيم عن أبي حنيفة أنه يقول بأن نفس العقد وإن علم أنه لم يجتمع بها بل لو طلقها عقبه في المجلس تصير به الزوجة فراشا وهذا يدل على أنه لا يلاحظ المظنة أصلا ويؤيد ذلك أنه روى عنه في الغيث أنه يقول بثبوت الفراش ولحوق الولد وإن علم أنه ما وطىء بأن يكون بينه وبين الزوجة مسافة طويلة لا يمكن وصوله إليها في مقدار مدة الحمل وذهب ابن تيمية إلى أنه لا بد من معرفة الدخول المحقق وذكر أنه أشار إليه أحمد ورجحه ابن القيم وقال وهل يعد أهل اللغة والعرف المرأة فراشا قبل البناء بها وكيف تأني الشريعة بإلحاق نسب من لم يبن بإمرأته ولا دخل بها ولا اجتمع بها بمجرد إمكان ذلك وهذا الامكان قد قطع بانتفائه عادة فلا تصير المرأة فراشا إلا بدخول محقق انتهى . وأجيب بأن معرفة الوطء المحقق متعسرة فاعتبارها يؤدي إلى بطلان كثير من الأنساب وهو يحتاط فيها واعتبار مجرد الامكان يناسب ذلك الاحتياط ولا بد في ثبوت نسب الولد أن تأتي المرأة به بعد مضي أقل مدة الحمل من وقت إمكان الوطء عند الجمهور أو العقد عند أبي حنيفة أو معرفة الوطء المحقق عند ابن تيمية وهذا مجمع عليه فلو ولدت قبل مضيها حصل القطع بأن الولد من قبل فلا يلحق . وظاهر الحديث أيضا أن فراش الأمة كفراش الحرة لأنه يدخل تحت عموم الفراش وحديث عائشة المذكور نص في ذلك فإن النزاع بين عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاصفي ابن وليدةزمعة وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يعتبر في ثبوت فراش الأمة الدعوة وروي عن أبي حنيفة والثوري وهو مذهب الهادوية أن الأمة لا يثبت فراشها إلا بدعوة الولد ولا يكفي الإقرار بالوطء فإن لم يدعه كان ملكا له وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألحق ولد زمعة به ولم يستفصل هل ادعاه زمعة أم لا بل جعل العلة في الإلحاق أنه صاحب الفراش وأما قولهم أنه لم يلحقه بعبد بن زمعة على أنه أخ له وإنما جعله مملوكا له كما في قوله هو لك يا عبد بن زمعة واللام للتمليك ويؤيد ذلك ما في آخر الحديث من أمره صلى الله عليه وآله وسلم لسودة بالاحتجاب منه ولو كان أخا لها لم تؤمر بالاحتجاب منه وما وقع في رواية احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك فقد أجيب عنه بأن اللام في قوله صلى الله عليه وآله وسلم هو لك للاختصاص لا للتمليك ويؤيد ذلك ما في الرواية الأخرى المذكورة بلفظ هو أخوك يا عبد وبأن أمره لسودة بالاحتجاب على سبيل الاحتياط والورع والصيانة لأمهات المؤمنين لما رآه من الشبه بعتبة بن أبي وقاص كما في حديث كيف وقد قيل
قال ابن القيم بعد ذكر هذا الجواب أو يكون مراعاة للشيئين وإعمالا للدليلين فإن الفراش دليل لحوق النسب والشبه بغير صاحبه دليل نفيه فأعمل أمر الفراش بالنسبة إلى المدعي وأعمل الشبه بعتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة وهذا من أحسن الأحكام وأبينها وأوضحها ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه انتهى
وأما الرواية التي فيها احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك فقد طعن البيهقي في اسنادها وقال فيها جرير وقد نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ وفيها يوسف مولى آل الزبير وهو غير معروف
قوله : اختصم سعد وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكر ما وقع فيه الاختصام ولعل هذا اللفظ أحد الألفاظ التي روي بها هذا الحديث وفي بقية الألفاظ في الصحيحين وغيرهما التصريح بأن الاختصام وقع في غلام
قوله " وقال عبد بن زمعة " الخ فيه دليل على أنه يجوز لغير الأب أن يستلحق الولد مثل استلحاق عبد بن زمعة للأخ وكذلك للوصي الاستلحاق لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر على سعد الدعوى المذكورة وقد أجمع العلماء على أن للأب أن يستلحق واختلفوا في الجد
قوله : " فرأى شبها بينا بعتبة " سيأتي الكلام على العمل بالشبه والقافة قريبا
قوله : " يعترف سيدها أن قد ألهبها " فيه تقوية لمذهب الجمهور من أنه لا يشترط في فراش الأمة الدعوة بل يكفي مجرد ثبون الفراش

( باب الشركاء يطؤن الأمة في طهر واحد )

1 - عن زيد بن أرقم قال " أتى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وهو باليمن في ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد فسأل اثنين فقال أتقران لهذا بالولد قالا لا ثم سأل اثنين أتقران لهذا بالولد قالا لا فجعل كلما سأل اثنين أتقران لهذا بالولد قالا لا فأقرع بينهم فألحق الولد بالذي أصابته القرعة وجعل عليه ثلثي الدية فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فضحك حتى بدت نواجذه "
- رواه الخمسة إلا الترمذي . ورواه النسائي وأبو داود موقوفا على علي باسناد أجود من اسناد المرفوع . وكذلك رواه الحميدي في مسنده وقال فيه " فأغرمه ثلثي قيمة الجارية لصاحبيه "

- الحديث في إسناده يحيى بن عبد الله الكندي المعروف بالاجلج
قال المنذري لا يحتج بحديثه وقال في الخلاصة وثقه يحيى بن معين والعجلي
وقال ابن عدي يعد في الشيعة مستقيم الحديث وضعفه النسائي قال المنذري ورواه بعضهم مرسلا وقال النسائي هذا صواب وقال الخطابي وقد تكلم في اسناد حديث زيد بن أرقم انتهى
وقد رواه أبو داود من طريقين الأولى من طريق عبد الله بن الخليل عن زيد بن أرقم عنه والثانية من طريق عبد خير من زيد عنه قال المنذري أما حديث عبد خير فرجال اسناده ثقات غير أن الصواب فيه الإرسال انتهى . وعلى هذا لم تخل كل واحدة من الطريقين من علة فالأولى فيها الاجلج والثانية معلولة بالإرسال والمراد بالإرسال ههنا الوقف كما عبر عن ذلك المصنف لا ما هو الشائع في الاصطلاح من أنه قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . والحديث يدل على أن الابن لا يلحق بأكثر من أب واحد قاله الخطابي وقال أيضا وفيه إثبات القرعة في إلحاق الولد انتهى
وقد أخذ بالقرعة مطلقا مالك والشافعي وأحمد والجمهور حكى ذلك عنهم ابن رسلان في كتاب العتق من سنن أبي داود وقد ورد العمل بها في مواضع منها في الرجل الذي أعتق ستة أعبد فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم كما في حديث عمر أن بن حصين عند مسلم وأبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه . ومنها في تعيين المرأة من نسائه التي يريد أن يسافر بها كما في حديث عائشة عند البخاري ومسلم وهكذا ثبت اعتبار القرعة في الشيء الذي وقع فيه التاعي إذا تساوت البنتان وفي قسمة المواريث مع الالتباس لأجل إفراز الحصص بها وفي مواضع أخرفمن العلماء من اعتبر القرعة في جميعها ومنهم من اعتبرها في بعضها وممن قال بظاهر حديث الباب إسحاق بن راهويه وقال هذه السنة في دعوى الولد حكى ذلك عنه الخطابي وقال أنه كان الشافعي يقول به في القديم وقيل لأحمد في حديث زيد بن أرقم هذا فقال حديث القافة أحب إلي وسيأتي قريبا ويأتي الكلام على الجمع بينهما وقد قال بعضهم إن حديث القرعة منسوخ وقال المقبلي في الأبحاث أن حديث الإلحاق بالقرعة إنما يكون بعد انسداد الطرق الشرعية انتهى . ومن المخالفين في اعتبار القرعة الحنفية . وكذلك الهادوية وقالوا إذا وطئ الشركاء الأمة المشتركة في طهر واحد وجاءت بولد وادعوه جميعا ولا مرجح للالحاق بأحدهم كان الولد ابنا لهم جميعا يرث كل واحد منهم ميراث ابن كامل ومجموعهم أب يرثونه ميراث أب واحد

( باب الحجة في العمل بالقافة )

1 - عن عائشة قالت " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل إلي مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال ألم ترى أن مجززا نظر أنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض "
- رواه الجماعة
وفي لفظ أبي داود وابن ماجه ورواية لمسلم والنسائي والترمذي " ألم ترى أن مجززا المدلجي رأى زيدا وأسامة قد غطيا رؤوسهما بقطيفة وبدت أقدمهما فقال إن هذه الأقدام بعضهما من بعض "
وفي لفظ " قالت دخل قائف والنبي صلى الله عليه وآله وسلم شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض فسر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعجبه وأخبر به عائشة " . متفق عليه قال أبو داود " كان أسامة أسود وكان زيد أبيض "

- قوله " تبرق أسارير " الأسارير جمع سرر أو سرارة بفتح أولهما ويضمان وهما في الأصل خطوط الكف كما في القاموس أطلق على ما يظهر على وجهه من سره أمر من الإضاءة والبريق
قوله : " أن مجززا " هو بضم الميم وفتح الجيم الزاي الأولى اسم فاعل من الجز لأنه جز نواصي قوم هكذا قيده جماعة من الأئمة وذكر الدارقطني وعبد الغني عن ابن جريج أنه محرز بالحاء المهملة بعدها راء ثم زاي على صيغة اسم الفاعل
قال الخطابي في هذا الحديث دليل على ثبوت العمل بالقافة وصحة الحكم بقولهم في إلحاق الولد وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يظهر السرور إلا بما هو حق عنده وكان الناس قد ارتابوا في زيد بن حارثة وابنه أسامة وكان زيد أبيض وأسامة أسود كما وقع في الرواية المذكورة فتمارى الناس في ذلك وتكلموا بقول كان يسوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما سمع قول المدلجي فرح به وسرى عنه وقد أثبت الحكم بالقافة عمر بن الخطاب وابن عباس وعطاء والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وذهبت العترة والحنفية إلى أنه لا يعمل بقول القائف بل يحكم بالولد الذي ادعاه اثنان لهما
واحتج لهم صاحب البحر بحديث الولد للفراش وقد تقدم . ووجه الاستدلال به أن تعريف المسند إليه واللام الداخلة على المسند للاختصاص يفيد أن الحصر ويجاب بأن حديث الباب بعد تسليم الحصر المدعى مخصص لعمومه فيثبت به النسب في مثل الأمة المشتركة إذا وطئها المالكون لها وروي عن الإمام يحيى أن حديث القافة منسوخ ويجاب بأن الأصل عدم النسخ ومجرد دعواه بلا برهان كما لا ينفع المدعي لا يضر خصمه
وأما ما قيل من أن حديث مجزز لا حجة فيه لأنه إنما يعرف القائف بزعمه أن هذا الشخص من ماء ذاك لا أنه طريق شرعي فلا يعرف إلا بالشرع فيجاب بأن في استبشاره صلى الله عليه وآله وسلم من التقرير ما لا يخالف فيه مخالف ولو كان مثل ذلك لا يجوز في الشرع لقال له إن ذلك لا يجوز ( لا يقال ) إن أسامة قد ثبت فراش أبيه شرعاوإنما لما وقعت القافة بسبب اختلاف اللون وكان قول المدلجي المذكور دافعا لها لاعتقادهم فيه الإصابة وصدق المعرفة استبشر صلى الله عليه وآله وسلمبذلك فلا يصح التعلق بمثل هذا التقرير على إثبات أصل النسب لأنا نقول لو كانت القافة لا يجوز العمل بها إلا في مثل هذه المنفعة مع مثل أولئك الذين قالوا مقالة السوء لما قرره صلى الله عليه وآله وسلم على قوله " هذه الأقدام بعضها من بعض " وهو في قوله هذا ابن هذا فإن ظاهره أنه تقرير للالحاق بالقافة مطلقا لا إلزام للخصم بما يعتقده . ولاسيما والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينقل عنه انكار كونها طريقا يثبت بها النسب حتى يكون تقريره لذلك من باب التقرير على مضي كافر إلى كنيسة ونحوه مما عرف منه صلى الله عليه وآله وسلم انكاره قبل السكوت عنه ومن الأدلة المقوية للعمل بالقافة حديث الملاعنة المتقدم حيث أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بأنها إن جاءت به على كذا فهو لفلان وإن جاءت به على كذا فهو لفلان فإن ذلك يدل على اعتبار المشابهة لا يقال لو كان ذلك معتبرا لما لاعن بعد أن جاءت بالولد مشابها لأحد الرجال وتبين له صلى الله عليه وآله وسلم ذلك حتى قال لولا الأيمان لكان لي ولها شأن لأنا نقول أن النسب كان ثابتا بالفراش وهو أقوى ما يثبت به فلا تعارضه القافة لأنها إنما تعتبر مع الاحتمال فقط ولاسيما بعد وجود الأيمان التي شرعها الله تعالى بين المتلاعنين ولم يشرع في اللعان غيرها ولهذا جعلها صلى الله عليه وآله وسلم مانعة من العمل بالقافة وفي ذلك اشعار بأنه يعمل بقول القائف مع عدمها
ومن المؤيدات للعمل بالقافة ما تقدم من جوابه صلى الله عليه وآله وسلم على أم سليم حيث قالت أو تحتلم المرأة فقال " فيم يكون الشبه " وقال " إن ماء الرجل إذا سبق ماء المرأة كان الشبه له " الحديث المتقدم لا يقال أن بيان سبب الشبه لا يدل على اعتباره في الالحاق لأنا نقول أن إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بذلك يستلزم له مناط شرعي وإلا لما كان للأخبار فائدة يعتد بها وأما عدم تمكينه صلى الله عليه وآله وسلم لمن ذكر له أن ولده أسود من اللعان كما تقدم فلمخالفته لما يقتضيه الفراش الذي لا يعارضه العمل بالشبه إذا تقرر هذا فاعلم أنه لا معارضة بين حديث العمل بالقافة وحديث العمل بالقرعة الذي تقدم لأن كل واحد منهما دل على أن ما اشتمل عليه طريق شرعي فإيهما حصل وقع به الالحاق فإن حصلا معا فمع الاتفاق لا إشكال ومع الاختلاف الظاهر أن الاعتبار بالأول منهما لأنه طريق شرعي يثبت به الحكم ولا ينقضه طريق آخر يحصل بعده . قوله " دخل قائف " قال في القاموس والقائف من يعرف الآثار الجمع قافة وقاف أثره تبعه كقفاه واقتفاه انتهى

( باب حد القذف )

1 - عن عائشة " قالت لما أنزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا أحدهم "
- رواه الخمسة إلا النسائي

2 - وعن أبي هريرة قال " سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم يقول من قذف مملوكه يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال "
- متفق عليه

3 - وعن أبي الزناد " أنه قال جلد عمر بن عبد العزيز عبدا في فرية ثمانين قال أبو الزناد فسألت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك فقال أدركت عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والخلفاء هلم جرا فما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية أكثر من أربعين "
- رواه مالك في الموطأ عنه

- حديث عائشة حسنه الترمذي وقال لا يعرف إلا من ححديث محمد بن إسحاق قال المنذري وقد أسنده ابن إسحاق مرة وأرسله أخرى وانتهى
وقد عنعن ههنا وقد قدمنا أنه لا يحتج بعنعنته لتدليسه
وقد أشار إلى الحديث البخاري في صحيحه . والأثر الذي رواه أبو الزناد عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أخرجه أيضا البيهقي ورواه أيضا الثوري في جامعه
قوله : " لما أنزل عذري " أي براءتي مما نسب أهل الإفك . والمراد قوله تعالى { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة } إلى قوله { رزق كريم } هكذا رواه ابن أبي حاتم والحاكم من مرسل سعيد بن المسيب
وفي البخاري إلى قوله تعالى { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } وعن الزهري إلى قوله تعالى { والله غفور رحيم } قوله " أمر برجلين وامرأة " الرجلان حسان بن ثابت ومسطح والمرأة حمنة بنت جحش
وأخرج الحاكم في الإكليل أن من جملة من حده النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة الإفك عبد الله بن أبي رأس المنافقين ( والحديث ) يرد على الماوردي حيث قال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحد قذفة عائشة ولا مستند له إلا توهم أن الحد إنما يثبت بالبينة أو الإقرار وغفل عن النص القرآني المصرح بكذبهم وصحة الكذب تستلزم ثبوت الحد . ( وقد أجمع العلماء ) على ثبوت حد القذف وأجمعوا أيضا على أن حده ثمانون جلدة لنص القرآن الكريم بذلك . واختلفوا هل ينصف الحد للعبد أم لا فذهب الأكثر إلى الأول . وذهب ابن مسعود والليث والزهري والأوزاعي وعمر بن عبد العزيز وابن حزم إلى أنه لا ينصف لعموم الآية . وأجاب الأولون بأن العبد مخصص منذلك العموم بالقياس على حد الزنا ويؤيده فعل أكابر الصحابة رضي الله عنهم وقد تعقب القياس المذكور بأن حد الزنا إنما نصف ففي العبد لعدم أهليته للعفة وحيلولة الملك بينه وبين التحصن بخلاف الحر وبأن القذف حق لآدمي وهو أغلظ واعلم أنه لا فرق بين قاذف الرجل والمرأة في وجوب حد القذف عليه . ولا يعرف في ذلك خلاف بين أهل العلم وقد نازع الجلال في وجوبه على قاذف الرجل واستدل على عدم الوجوب بما تقدم عنه صلى الله عليه وآله وسلم في اللعان أنه لم يحد هلال بن أمية لقذفه شريك بن سحماء ولم يحد أهل الإفك إلا لعائشة فقط لا لصفوان بن المعطل ولو كان يجب على قاذف الرجل لحد أهل الإفك حدين
وقد أطال الكلام على ذلك في ضوء النهار والبسط ههنا يقود إلى تطويل يخرج عن المقصود
قوله : " يقام عليه الحد يوم القيامة " فيه دليل على أنه لا يحد من قذف عبده لأن تعليق ايقاع الحد عليه بيوم القيامة مشعر بذلك
وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يحد قاذف العبد مطلقا . وحكى صاحب البحر عن داود أنه يحد . وأجاب عليه بأنه مخالف للإجماع وذهب الجمهور أيضا إلى أنه لا يحد قاذف أم الولد إلحاقا لها بالقن
وقال مالك يحد مطلقا
وقال محمد يحد إن كان معها ولد . ولعل مالكا يجعل المحصنات المذكورات في الآية هن العفائف لا الحرائر

( باب من أقر بالزنا بامرأة لا يكون قاذفا لها )

1 - عن نعيم بن هزال قال " كان ماعز بن مالك يتيما في حجر أبي فأصاب جارية من الحي فقال له أبي ائت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك فأتاه فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله فأعرض عنه فعاد فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله فأعرض عنه ثم أتاه الثالثة فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله ثم أتاه الرابعة فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنك قد قلتها أربع مرات فيمن قال بفلانة قال ضاجعتها قال نعم قال جامعتها قال نعم فأمر به أن يرجم فخرج به إلى الحرة فلما رجم فوجد مس الحجارة جزع فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس وقد أعجز أصحابه فنزع بوظيف بعير فرماه به فقتله ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له فقال هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه "
- رواه أحمد وأبو داود

- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وحسنه الحافظ وفي صحبة نعيم بن هزال خلاف
وروى أبو داود من طريق محمد بن إسحاق قال ذكرت لعاصم بن قتادة قصة ماعز بن مالك فقال لي حدثني حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب قال حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فهلا تركتموه من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم قال ولا أعرف الحديث قال ففجئت جابر بن عبد الله فقلت إن رجالا من أسلم يحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم حين ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته ألا تركتموه وما أعرف الحديث قال يا ابن أخي أنا أعلم الناس بهذا الحديث كنت فيمن رجم الرجل إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا يا قوم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير قاتلي فلم ننزع عنه حتى قتلناه فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبرناه قال فهلا تركتموه وجثتموني به ليستثبت رسول الله منه فأما لترك حد فلا قال فعرفت وجه الحديث " وأخرجه النسائي وفي اسناده محمد بن إسحاق وقد اتفق الشيخان على طرف من هذا الحديث وسيأتي الكلام على حديث ماعز هذا في أبواب حد الزاني إن شاء الله تعالى وإنما أورده المصنف ههنا للاستدلال به على أنه لا يلزم من أقر بالزنا حد القذف إذا قال زنيت بفلانة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلب منه تعيين من زنى بها فعينها ثم لم يحد للقذف وإلى ذلك ذهبت الشافعية والحنفية والهادوية وقال مالك يحد والحديث يرد عليه وسيأتي تمام الكلام وتحقيق ما هو الحق في باب من أقر أنه زنى بامرأة فجحدت من أبواب الحدود
قوله : " بوظيف " بفتح الواو وكسر الظاء المعجمة ثم ياء تحتية ساكنة بعدها فاء وهو دقيق الساق من الجمال والخيل وفي النهاية خف الجمل هو الوظيف وسيأتي في باب ما يذكر في الرجوع عن الإقرار من حديث أبي هريرة بلفظ " فر يشتد حتى مر برجل مععه لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات "

( كتاب العدد )

( باب أن عدة الحامل بوضع الحمل )

1 - عن أم سلمة أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة كانت تحت زوجها فتوفي عنها وهي حبلى فخطبها أبو السنابل بن بعكك فأبت أن تنكحه فقال والله ما يصلح أن تنكحي حتى تعتدي آخر الأجلين فمكث قريبا من عشر ليال ثم نفست ثم جاءت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أنكحي
- رواه الجماعة إلا أبو داود وابن ماجه . وللجماعة إلا الترمذي معناه من رواية سبيعة وقالت فيه ( فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي )

2 - وعن ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل قال ( أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة أنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) رواه البخاري والنسائي

3 - وعن أبي بن كعب قال ( قلت يا رسول الله وأولات الأحمال أن يضعن حملهن للمطلقة ثلاثا وللمتوفى عنها فقال هي للمطلقة ثلاث وللمتوفى عنها )
- رواه أحمد والدارقطني
وعن الزبير بن العوام ( أنها كانت عنده أم كلثوم بنت عقبة فقالت له وهي حامل طيب نفسي بتطليقة فطلقها تطليقة ثم خرج إلى الصلاة فرجع وقد وضعت فقال ما لها خدعتني خدعها الله ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال سبق الكتاب أجله اخطبها إلى نفسها ) . رواه ابن ماجه

- حديث أبي بن كعب أخرجه أيضا أبو يعلى والضياء في المختارة وابن مروديه وقال في مجمع الزوائد في اسناده المثنى بن الصباح وثقه ابن معين وضعفه الجمهور انتهى
وأخرج نحوه عنه من وجه آخر ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مروديه والدارقطني . وحديث الزبير اسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا محمد بن عمر بن هياج حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سقيان عن عمرو بن ميمون عن أبيه عن الزبير فذكره وكلهم من رجال الصحيح إلا محمد بن عمر بن هياج وهو صدوق لا بأس به وفيه انقطاع لأن ميمونا هو بن مهران ولم يسمع من الزبير قوله " العدد " جمع العدة قال في الفتح العدة اسم لمدة تتربص بها المرأة عن التزويج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها إما بالولادة أو بالاقراء أو الأشهر
قوله : " سبيعة " بضم السين المهملة تصغير سبع وقد ذكرها ابن سعد في المهاجرات وهي بنت أبي برزة الأسلمي
قوله : " كانت تحت زوجها " هو سعد بن خولة العامري من بني عامر بن لؤي وقيل إنه من حلفائهم
قوله : " فتوفى عنها " نقل ابن عبد البر الاتفاق أنه توفي في جحة الوداع وقد قيل أنه قتل في ذلك وهي رواية شاذة
قوله : " أبو السنابل " بمهملة ونون ثم موحدة جمع سنبلة وقد اختلف في اسمه فقيل عمرو وقيل عامر حبة بمهملة ثم موحدة وقيل أصرم وقيل عبد الله وبعكك بموحدة فمهملة فكافين بوزن بوزن جعفر وهو ابن الحرث وقيل ابن الحجاج من بني عبد الدار
قوله : " فقال والله ما يصلح أن تنكحي " الخ
قال سعياض والحديث مبتور نقص منه قولها " فنفست بعد ليال فخطبت " الخ
قال الحافظ وقد ثبت المحذوف في رواية ابن ملحان عن يحيى بن بكير شيخ البخاري ولفظه " فمكثت قريبا من عشرين ليلة ثم نفست " وقد وقع للبخاري اختصار المتن في طريق بأخصر من هذه الطريق ووقع له في تفسير سورة الطلاق مطولا بلفظ " أن سبيعة بنت الحرث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها فلم تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال مالي أراك تجملت للخطاب فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمرعليك أربعة أشهر وعشر قالت سبيعة فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألته عن ذلك فافتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج " وظاهر هذا يخالف ما في حديث الباب حيث قال فمكثت قريبا من عشر ليال ثم جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فان قولها قال لي ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت يدل علي أنها توجهت الي النبي صلي الله عليه وآله وسلم في مساء ذلك اليوم الذي قال لها فيه أبو السنابل ما قال ويمكن الجمع بينهما بحمل قولها حين أمسيت علي إرادة وقت توجهها ولا يلزم منه أن يكون ذلك اليوم الذي قال لها فيه ماقال
قوله : " ثم نفست " بضم النون وكسر الفاء أي ولدت قوله " قريبا من عشر ليال " وفي رواية لأحمد " فلم أمكث إلا شهرين حتى وضعت " وفي رواية للبخاري " فوضعت بعد موته بأربعين ليلة " وفي أخرى للنسائي " بعشرين ليلة أو خمس عشرة " وفي رواية للترمذي والنسائي " فوضعت بعد بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين يوما " ولابن ماجه " بضع وعشرين " وفي ذلك روايات أخر مختلفة
قال في الفتح بعد أن ساقها والجمع بين هذه الروايات متعذر لاتحاد القصة ولعل هذا هو السر في ابهام من أبهم المدة إذ محل الخلاف أن تضع لدون أربعة أشهر وعشر وهنا كذلك فأقل ما قيل في هذه الروايات نصف شهر وأما ما وقع في بعض الشروح أن في البخاري عشر ليال وفي رواية للطبراني ثمان أو سبع فهو في مدة إقامتها بعد الوضع إلى أن استفتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مدة بقية الحمل وأكثر ما قيل فيه بالتصريح شهران وبغيره دون أربعة أشهر
وقد ذهب جمهور أهل العلم من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار إلى أن الحامل إذا مات عنها زوجها تنقضي عدتها بوضع الحمل
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد بن علي بسند صحيح أنها تعتد بآخر الأجلين . ومعناه أنها إن وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشر تربصت إلى انقضائها وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع وبه قال ابن عباس وروي عنه أنه رجع وروي عن ابن أبي ليلى أنه أنكر على ابن سيرين القول بانقضاء عدتها بالوضع وأنكر أن يكون ابن مسعود قال بذلك وقد ثبت عن ابن مسعود من عدة طرق أنه كان يوافق الجمهور حتى كان يقول من شاء لاعنته على ذلك
وقد حكى صاحب البحر عن الشعبي والقاسمية والمؤيد بالله والناصر موافقة علي على اعتبار آخر الأجلين وأما أبو السنابل فهو وإن كان في حديث الباب ما يدل على أنه يذهب اعتبار آخر الأجلين لكنه قد روي عنه الرجوع عن ذلك وقد نقل المازري وغيره عن سحنون من المالكية أنه يقول يقول علي قال الحافظ وهو مردود لأنه احداث خلاف بعد استقرار الإجماع والسببب الذي حمل القائلين باعتبار آخر الأجلين الحرص على العمل بالآيتين أعني قوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } فإن ظاهر ذلك أنه عام في كل من مات عنها زوجها سواء كانت حاملا أو غير حامل . وقوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } عام يشمل المطلقة والمتوفى عنها فجمعوا بين العمومين بقصر الآية الثانية على المطلقة بقرينة ذكر عدد المطلقات كالآيسة الصغيرة قبلها ولم يهملوا ما تناولته من العموم فعملوا بها وبالتي قبلها في حق المتوفى عنها
قال القرطبي هذا نظر حسن فإن الجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول لكن حديث سبيعة وسائر الأحاديث المذكورة في الباب نص بأنها تنقضي عدة المتوفى عنها بوضع الحملوفي ذلك أحاديث أخر . منها ما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال " كنت أنا وابن عباس وأبو هريرة فجاء رجل فقال أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة فقال ابين عباس تعتد آخر الأجلين وقلت أنا { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } قال ابن عباس ذلك في الطلاق
وقال أبو سلمة أرأيت لو أن امرأة أخرت حملها سنة فما عدتها قال ابن عباس آخر الأجلين قال أبو هريرة أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة فأرسل ابن عباس غلامه كريبا إلى أم سلمة يسألها هل مضت في ذلك سنة فذكرت أن سبيعة الأسلمية وضعت بعد موت زوجها بأربعين ليلة فخطبت فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن مردويه من حديث أبي السنابل أن سبيعة وضعت بعد موت زوجها بثلاثة وعشرين يوما فقال صلى الله عليه وآله وسلم قد حل أجلها وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه من حديث سبيعة نحوه
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد من حديث المسور بن مخرمة نحو ذلك وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود أنه بلغه أن عليا يقول تعتد آخر الأجلين فقال من شاء لاعنته أن الآية التي في سورة النساء القصرى نزلت بعد سورة البقرة بكذا وكذا شهرا
وأخرج عبد بن حميد عنه أنها نسخت ما في البقرة
وأخرج ابن مردويه عنه أنها نسخت سورة النساء الصغرى كل عدة
وأخرج ابن مردويهعن أبي سعيد الخدري قال نزلت سورة النساء بعد التي في البقرة بسبع سنين
( وهذه الأحاديث ) والآثار مصرحة بأن قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } عامة في جميع العدد وإن عموم آية البقرة مخصص بها ( والحاصل ) أن الأحاديث الصحيحة الصريحة حجة لا يمكن التخلص عنها بوجه من الوجوه على فرض عدم اتضاح الأمر باعتبار ما في الكتاب العزيز وأن الآيتين من باب تعارض العمومين مع أنه قد تقرر في الأصول أن الجموع المنكرة لا عموم فيها فلا تكون آية البقرة عامة لأن قوله ويذرون أزواجا من هذا القبيل فلا إشكال . وحديث أبي بن كعب والزبير بن العوام يدلان على أنها تنقضي عدة المطلقة بالوضع للحمل من الزوج وهو مجمع عليه حكى ذلك في البحر لدخولها تحت عموم قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } وإنما تعتد بوضعه حيث لحق وإلا فلا عند الشافعي والهادي وقال أبو حنيفة بل تعتد بوضعه ولو كان من زنا لعموم الآية

( باب الاعتداد بالإقراء وتفسيرها )

1 - عن الأسود عن عائشة قالت " أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض "
- رواه ابن ماجه

2 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خير بريرة فاختارت نفسها وأمرها أن تعتد عدة الحرة "
- رواه الدارقطني
وقد أسلفنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم في المستحاضة تجلس أيام إقرائها

3 - وروى عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال طلاق الأمة تطليقان وعدتها حيضتان "
- رواه الترمذي وأبو داود
وفي لفظ " طلاق العبد اثنتان وقرء الأمة حيضتان " ورواه الدارقطني

4 - وروى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضان "
- رواه ابن ماجه والدارقطني واسناد الحديث ضعيف والصحيح عن ابن عمر قوله " عدة الحرة حيض وعدة الأمة حيضتان "

- حديث عائشة الأول قال الحافظ في بلوغ المرام رواته ثقات لكنه معلول . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط
قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح ويشهد له ما أخرجه أحمد من حديث بريرة بنحوه والحديث الذي أشار إليه المصنف في المستحاضة تقدم في أبواب الحيض وتقدم في معناه أحاديث . وحديث عائشة الثاني أخرجه أيضا البيهقي قال أبو داود هو حديث مجهول وقال الترمذي حديث غريب ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مظاهر بن أسلم ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث اه . وحديث ابن عمر أخرجه أيضا مالك في الموطأ والشافعي وفي اسناده عمرو بن شبيب وعطية العوفي وهما ضعيفان وصحح الدارقطني الموقوف
وقد ذكر المصنف هذه الأحاديث للاستدلال بها على أن عدة المطلقة ثلاثة أقراء وعلى أن الأقراء هي الحيض أما الأول فهو صريح قوله تعالى { والمطلقات يتربضن بأنفسهن ثلاثة قروء } وإنما وقع الخلاف في الأقراء المذكورة في الآية هل هي الأطهار أو الحيض فظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم تعتد بثلاث حيض . وقوله تجلس أقرائها وقوله وعدتها حيضتان أن الأقراء هي الحيض وقراءة الجمهور قروء بالهمز . وعن نافع بتشديد الواو بغير همز قال الأخفش أقرأت المرأة إذا صارت ذات حيض . وعن أبي عبيد أن القرء يكون بمعنى الطهر وبمعنى الضم والجمع وجزم به ابن بطال وفي القاموس القرء ويضم الحيض والطهر انتهى . وزعم كثير أن القرء مشترك بين الحيض والطهر وقد أنكر صاحب الكشاف إطلاقه على الطهر
وقال ابن القيم أن لفظ القرء لم يستعمل في كلام الشارع إلا للحيض ولم يجيء عنه في موضع واحد استعماله للطهر فحمله في الآية على المعهود المعروف من خطاب الشارع أولى بل يتعين فإنه قد قال للمستحاضة دعي الصلاة أيام أقرائك وهو صلى الله عليه وآله وسلم المعبر عن الله وبلغة قومه نزل القرآن فإذا أورد المشترك في كلامه على أحد معنييه وجب حمله في سائر كلامه عليه إذا لم يثبت إرادة الآخر في شيء من كلامه البتة ويصير هو لغة القرآن التي خوطبنا بها وإن كان له معنى آخر في كلام غيره وإذا ثبت استعمال الشارع للقرء في الحيض علم أن هذا لغته فيتعين حمله عليها في كلامه ويدل على ذلك ما في سياق الآية من قوله تعالى { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } وهذا هو الحيض والحمل عند عامة المفسرين والمخلوق في الرحم إنما هو الحيض الوجودي وبهذا قال السلف والخلف ولم يقل أحد أنه الطهر وأيضا فقد قال سبحانه { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } فجعل كل شهر بإزاء حيضة وعلق الحكم بعدم الحيض لا بعدم الطهر والحيض وقد أطال الكلام ابن القيم وأطاب فليراجع . وحكى في البحر عن العترة أن القرء بفتح القاف وضمها حقيقة في الحيض مجاز في الطهر . وعن بعض أصحاب الشافعي عكس ذلك . وعن الأكثر أنه مشترك وعن الأخفش الصغير أنه اسم لانقضاء الحيض ثم قال في البحر ولا خلاف أن المراد بالآية أحدهما لا مجموعهما
قال فعن أمير المؤمنين علي وابن مسعود وأبي موسى والعترة والحسن البصري والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح وأبي حنيفة وأصحابه المراد به في الآية الحيض . وعن ابن عمر وزيد بن ثابت وعائشة والصادق والباقر والإمامية والزهري وربيعة ومالك والشافعي وفقهاء المدينة ورواية عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه الأطهار ثم رجح القول الأول واستدل له وقد أخذ بظاهر حديث عائشة وابن عمر المذكورين في الباب الشافعي فقال لا يملك العبد من الطلاق إلا اثنتين حرة كانت زوجته أو أمة
وقال الناصر وأبو نيفة إلا اثنتان في الأمة لا في الحرة فكالحر وقالوا كلهم عدة الحرة منه ثلاثة قروء وعدة الأمة قرءان . وذهبت الهادوية وغيرهم أن العبد يملك من الطلاق ما يملكه الحر والعدة منه كالعدة من الحر مطلقا . وتمسكوا بعموم الأدلة الواردة في ذلك فإنها شاملة للحر والعبد ويجاب بأن ما في الباب مخصص لذلك العموم ويؤيده ما أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن مسعود وابن عباس مرفوعا الطلاق بالرجال والعدة بالنساء والإعلال بالوقف غير قادح لأن الرفع زيادة . وأيضا قد روى أحمد عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه نحو ذلك

( باب إحداد المعتدة )

1 - عن أم سلمة " أن امرأة توفي زوجها فخشوا على عينها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستأذنوه في الكحل فقال لا تكتحل كانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها أو شر بيتها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فلا حتى تمضي أربعة أشهر وعشر "
- متفق عليه

2 - وعن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة " أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة قالت دخلت على أم حبيبة حين توفي أبوها أبو سفيان فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ثم قالت والله بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا قالت زينب ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعتت بطيب فمست منه ثم قالت والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا قالت زينب وسمعت أمي أم سلمة تقول جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ثم قال إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول قال حميد فقلت لزينب وما ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فنقتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فتلامي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره "
- أخرجاه

3 - وعن أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا "
- أخرجاه
واحتج به من لم ير الإحداد على المطلقة " )

- قوله " أن امرأة " هي عاتكة بنت نعيم بن عبد الله كما أخرجه ابن وهب عن أم سلمة والطبراني أيضا
قوله : " لا تكتحل " فيه دليل على تحريم الاكتحال على المرأة في أيام عدتها من موت زوجها سواء احتاجت إلى ذلك أم لا وجاء في حديث أم سلمة في الموطأ وغيره اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار . ولفظ أبي داود ( فتكتحلين بالليل وتغسلينه بالنهار " قال في الفتتح ووجه الجمع بينهما أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل وإذا احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل مع أن الأولى تركه فإذا فعلت مسحته بالنهار وتأول بعضهم حديث الباب على أنه لم يتحقق الخوف على عينها وتعقب بأن في حديث الباب المذكور فخشوا على عينها
وفي رواية لابن منده وقد خشيت على بصرها
وفي رواية لابن حزم إني أخشى أن تنفقئ عينها قال لا وإن انفقأت
قال الحافظ وسنده صحيح ولهذا قال مالك في رواية عنه بمنعه مطلقا وعنه يجوز إذا خافت على عينها بما لا طيب فيه وبه قالت الشافعية مقيدا بالليل وأجابوا عن قصة المرأة باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر ومنهم من تأول النهي على كحل مخصوص وهو ما يقتضي التزين به لأن التداوي قد يحصل بما لا زينة فيه فلم ينحصر فيما فيه زينة وقالت طائفة من العلماء يجوز ذلك ولو كان فيه طيب وحملوا النهي على التنزيه جمعا بين الأدلة
قوله : " في شر أحلاسها " المراد بالأحلاس الثياب وهي بمهملتين جمع حلس بكسر ثم سكون وهو الثوب أو الكساء الرقيق يكون تحت البرذعة
قوله : " أو شر بيتها " هو أضعف موضع فيه كالأمكنة المظلمة فيه ونحوها والشك من الراوي
قوله : " فمر كلب رمت ببعرة " البعرة بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة ويجوز فتحها
وفي رواية مطرف وابن ماجشون عن مالك " ترمي ببعرة من بعر الغنم أو الإبل " فترمى بها أمامها فيكون ذلك إحلالا لها . وظاهر رواية الباب أن رميها بالبعرة يتوقف على مرور الكلب سواء طال زمن انتظار مروره أم قصر وبه جزم بعض الشراح
وقيل ترمى بها من عرض من كلب أو غيره ترى من حضرها أن مقامها حولا أهون عليها من بعرة ترمي بها كلبا أو غيره . واختلف في المراد برمي البعرة فقيل هو اشارة على أنها رمت العدة رمي البعرة
وقيل اشارة إلى أن الفعل الذي فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه كان بمنزلة البعرة التي رمتها استحقارا له وتعظيما لحق زوجها
وقيل بل ترميها على سبيل التفاؤل لعدم عودها إلى مثل ذلك
قوله : " حتى تمضي أربعة أشهر وعشر " قيل الحكمة في ذلك أنها تكمل خلقة الولد وينفخ فيه الروح بعد مضي مائة وعشرين يوما وهي زيادة على أربعة أشهر لنقصان الأهلة فجبر الكسر إلى العقد على طريق الاحتياط وذكر العشر مؤنثا لإرادة الليالي والمراد مع أيامها عند الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشرة . وعن الأوزاعي وبعض السلف تنقضي بمضي الليالي العشر بعد الأشهر وتحل في أول اليوم العاشر واستثنيت الحامل كما تقدم شرح حالها ويعارض أحاديث الباب ما أخرجه أحمد وابن حبان وصححه من حديث أسماء بنت عميس قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر بن أبي طالب فقال لا تحدي بعد يومك هذا وسيأتي
قال العراقي في شرح الترمذي ظاهره أنه لا يجب الإحداد على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث لأن أسماء بنت عميس كانت زوج جعفر بالاتفاق وهي والدة أولاده
قال بل ظاهر النهي أن الإحداد لا يجوز وأجاب بأن هذا الحديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة وقد أجمعوا على خلافه . وأجاب الطحاوي بأنه منسوخ وأن الإحداد كان على المعتدة في بعض عدتها في وقت ثم وقع الأمر بالإحداد أربعة أشهر وعشرا واستدل على النسخ بأحاديث الباب وليس فيها ما يدل على ذلك وقيل المراد بالإحداد للقيد بالثلاث قدر زائد على الإحداد المعروف فعلته أسماء مبالغة في حزنها فنهاها عن ذلك بعد الثلاث ويحتمل أنها كانت حاملا فوضعت بعد ثلاث فانقضت عدتها و يحتمل أنه أبانها بالطلاق قبل استشهاده فلم يكن عليها إحداد و قد أعل البيهقي الحديث بالانقطاع فقال لم يثبت سماع عبد الله بن شداد من أسماء و تعقب بأنه قد صححه أحمد و قد ورد معنى حديث أسماء من حديث ابن عمر بلفظ " لا إحداد فوق ثلاث " قال أحمد هذا منكر و المعروف عن ابن عمر من رأيه ويحتمل أن يكون هذا لغير المرأة المعتدة فلا نكارة فيه بخلاف حديث أسماء : قوله " لا يحل " استدل بذلك علي غير الزوج وهو ظاهر وعلى وجوب الإحداد على المرأة التي مات زوجها وتعقب بأن الاستثناء وقع بعد النفي وهو يدل على مجرد الجواز لا الوجوب ورد بأن الوجوب استفيد من دليل آخر كالإجماع وتعقب بأن المنقول عن الحسن البصري أن الإحداد لا يجب كما أخرجه عنه ابن أبي شيبة وروي أيضا عن الشعبي أنه كان لا يعرف الإحداد وقيل إن السياق دال على الوجوب قوله " لامرأة " تمسك بمفهومه الحنفية فقالوا لا يجب الإحداد على الصغيرة وخالفهم الجمهور فأوجبوه عليها كالعدة وأجابوا عن التقييد بالمرأة بأنه خرج مخرج الغالب وظاهر الحديث عدم الفرق بين المدخولة وغيرها والحرة والأمة
قوله : " تؤمن بالله واليوم الآخر " استدل به الحنفية وبعض المالكية على عدم وجوب الإحداد على الذمية وخالفهم الجمهور وأجابوا بأنه ذكر للمبالغة في الزجر فلا مفهوم له وقال النووي التقييد بوصف الإيمان لأن المتصف به هو الذي ينقاد للشرع ورجح ابن دقيق العيد الأول وقد أجاب ابن القيم في الهدى عن هذا التقييد بما فيه كفاية فراجعه
قوله : " تحد " بضم أوله وكسر ثانيه من الرباعي ويجوز بفتح أوله وضم ثانيه من الثلاثي قال أهل اللغة أصل الإحداد المنع ومنه تسمية البواب حدادا لمنعه الداخل وتسمية حدا لأنها تردع عن المعصية قال ابن درستويه معنى الإحداد منع المعتدة نفسها الزينة وبدنها الطيب ومنع الخطاب خطبتها
وحكى الخطابي أنه يروى بالجيم والحاء والحاء أشهر وهو بالجيم مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته فكأن المرأة انقطعت عن الزينة : قوله " على ميت " استدل به من قال إنه لا إحداد على امرأة المفقود لعدم تحقق وفاته خلافا للمالكية وظاهره أنه لا إحداد على المطلقة فأما الرجعية فإجماع وأما البائنة فلا إحداد عليها عند الجمهور وقال أبو حنيفة وأبو عبيد وأبو ثور وبعض المالكية والشافعية وحكاه أيضا في البحر عن أمير المؤمنين علي وزيد بن علي والمنصور بالله والثوري والحسن بن صالح أنه يلزمها الإحداد وألحق الاقتصار على مورد النص عملا بالبراءة الأصلية فيما عداه فمن ادعى وجوب الإحداد على غير المتوفى عنها فعليه الدليل وأما المطلقة قبل الدخول فقال في الفتح إنه لا إحداد عليها اتفاقا
قوله : " فوق ثلاث " فيه دليل على جواز الإحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال فما دونها وتحريمه فيما زاد عليها وكأن هذا القدر أبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية وأما ما أخرجه أو داود في المراسيل من حديث عمر وابن شعيب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رحص للمرأة أن تحد على أبيها سبعة أيام وعلى من سواه ثلاثة أيام فلو صح لكان مخصصا للأب من هذا العموم لكنه مرسل وأيضا عمرو بن شعيب ليس من التابعين حتى يدخل حديثه في المرسل وقال الحافظ يحتمل أن أبا داود لا يخص المرسل برواية التابعين
قوله : " والله ما لي بالطيب من حاجة " اشارة إلى أن آثار الحزن باقية عندها لكنها لم يسعها إلا امتثال الأمر
قوله : " وقد اشتكت عينها " قال ابن دقيق العيد يجوز فيه وجهان ضم النون على الفاعلية على أن تكون العين هي المشتكية وفتحها على أن يكون في اشتكت ضمير الفاعل ويرجح الأول أنه وقع في مسلم عيناها وعليها اقتصر النووي
قوله : " أفنكحلها " بضم الحاء
قوله : " حفشا " بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء بعدها معجمة فسره أبو داود في روايته من طريق مالك أنه البيت الصغير
قوله : " فتقتض به " بفاء ثن مثناة من فوق ثم قاف ثم مثناة فوقية ثم ضاد معجمة فسره مالك بأنها تمسح بها جلدها وفي النهاية فرجها وأصل القض الكسر أي تكسر ما كانت فيه وتخرج منه بما فعلت بالدابة وفي رواية للنسائي تقبض بعد القاف باء موحدة ثم صاد مهملة والقبض الأخذ بأطراف الأنامل قال الأصبهاني وابن الأثير هو كناية عن الاسراع أي تذهب بسرعة إلى منزل أبويها لكثرة جفائها بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى الأزواج لبعد عهدها قال ابن قتيبة سألت الحجازيين عن الاقتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تمس ماء ولا تقلم ظفرا ولا تزيل شعرا ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تقتض أي تكسر ما كانت فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها فلا يكاد يعيش ما تقتض به
قال الحافظ وهذا لا يخالف تفسير مالك لكنه أخص منه لأنه أطلق الجلد فتبين أن المراد به جلد القبل والافتضاض بالفاء الاغتسال بالماء العذب لازالة الوسخ حتى تصير بيضاء نقية كالفضة

( باب ما تجتنب الحادة وما رخص لها فيه )

1 - عن أم عطية قالت " كنا ننهي إن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظافرها "
- أخرجاه
وفي رواية قالت " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد فوق ثلاث إلا على زوج فإنها لا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار " متفق عليه
وقال فيه أحمد ومسلم " لا تحد على ميت فوق ثلاث إلا المرأة فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا "

2 - وعن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " المتوفي عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي

3 - وعن أم سلمة " قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين توفى أبو سلمة وقد جعلت على صبرا فقال ما هذا يا أم سلمة فقلت إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب فقال إنه يشيب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعينه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قالت قلت بأي شيء أمتشط يا رسول الله قال بالسدر تغلفين به رأسك "
- رواه أبو داود والنسائي

4 - وعن جابر قال " طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجد نخلا لها فلقيها رجل فنهاها فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال اخرجي فجدي نخلك لعلك إن تصدقي منه أو تفعلي خيرا "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائي

5 - وعن أسماء بنت عميس قالت " لما أصيب جعفر أتانا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت " وفي رواية " قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر فقال لا تحد بعد يومك هذا "
- رواهما أحمد وهو متأول على المبالغة في الإحداد والجلوس للتعزية

- حديث أم سلمة الأول قال البيهقي روى موقوفا والمرفوع من رواية إبراهيم بن طهمان وهو موثوق من رجال الصحيحين وقد ضعفه ابن حزم ولا يلتفت إلى ذلك فإن الدار قطني قد جزم بأن تضعيف من ضعفه إنما هو من قبل الإرجاء
وقد قيل انه رجع عن ذلك . وحديثها الثاني أخرجه الشافعي وفي إسناده المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن مولى لها عن أم سلمة وقد أعله عبد الحق والمنذري بجهالة حال المغيرة ومن فوقه قال الحافظ وأعل بما في الصحيحين عن زينب بنت أم سلمة سمعت أم سلمة تقول " جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها " الحديث وقد تقدم وحسن إسناده وحديثها المذكور في الباب الحافظ في بلوغ المرام . وحديث أسماء بنت عميس أخرجه ابن جبان وصححه وقد تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبل هذا
قوله : " ننهي " بضم أوله
قوله : " ولا نكتحل " قد تقدم الكلام عليه
قوله : " ولا نتطيب " فيه تحريم الطيب على المعتدة وهو كل ما يسما طيبا ولا خلاف في ذلك وقد استثنى صاحب البحر اللينوفر والبنفسج والعرار وعلل ذلك بأنها ليست بطيب ثم قال أما البنفسج ففيه نظر
قوله : " ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب " بمهملتين مفتوحتين ثم ساكنة ثم موحدة وهو بالإضافة برود اليمن يعب غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسج معصوبا فيخرج موشي لبقاء ما عصب منه أبيض لم ينصبغ وإنما ينصبغ السدى دون اللحمة
وقال السهيلي إن العصب نبات لا ينبت إلا باليمن وهو غريب وأغرب منه قول الداودي إن المراد بالثوب العصب الخضرة وهي الحبرة
قال ابن المنذر أجمع العلماء أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفرة ولا المصبغة إلا ما صبغ بسواد فرخص فيه مالك والشافعي لكونه لا يتخذ للزينة بل هو من لباس الحزن
وقال الإمام يحيى لها لبس البياض والسواد وإلا كهب وما بلى صبغه والخاتم والزقر والودع . وكره عروة العصب أيضا وكره مالك غليظه قال النووي الأصح عند أصحابنا تحريمه مطلقا والحديث حجة عليهم
قال النووي ورخص أصحابنا ما لا يتزين به ولو كان مصبوغا وأختلف في الحرير فالأصح عند الشافعية منعه مطلقا مصبوغا أو غير مصبوغ لأنه من ثياب الزينة وهي ممنوعة منها قال في البحر مسألة ويحرم من اللباس المصبوغ للزينة ولو بالمغرة والحرير وما في منزلته لحسن صنعته والمطرز والمنقوش بالصبغ والحلي جميعا
قال في الفتح وفي التحلي بالذهب والفضة واللؤلؤ ونحوه وجهان الأصح جوازه وفيه نظر لأنه من الزينة ويصدق عليه أيضا اسم الحلي المنهى عنه في حديث أم سلمة المذكور
قوله : " في نبذة " بضم النون وسكون الموحدة بعدها معجمه وهي القطعة من الشيء وتطلق على الشيء اليسير قوله " من كست أظفار " بضم الكاف وسكون المهملة وبعدها مثناة فوقية وفي رواية من قسط بقاف مضمومة كما في الرواية الأخرى المذكورة وهو بالإضافة إلى أظفار وفي الرواية الأخرى من قسط أو أظفار وهو أصوب وخطأ القاضي عياض رواية الإضافة
قال النووي القسط والأظفار نوعان معروفان من البخور وليسا من مقصود الطيب رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للتطيب وقال البخاري القسط والكست مثل الكافور والقافور انتهى وروي كسط بالطاء بإبدال الكاف من القاف
قال في النهاية وقد تبدل الكاف من القاف وقد استدل بهذا على أنه يجوز للمرأة استعمال ما فيه منفعة من جنس ما منعت منه
قوله : " ولا الممشقة " أي المصبوغة بالمشق وهو المغرة
قوله : " يشيب الوجه " بفتح أوله وضم الشين المعجمة أي يجمله . وظاهر حديث أم سلمة هذا أنه يجوز للمرأة المعتدة عن موت إن تجعل على وجهها الصبر بالليل وتنزعه بالنهار لأنه يحسن الوجه فلا يجوز فعله في الوقت الذي تظهر فيه الزينة وهو النهار ويجوز فعله بالليل لأنها لا تظهر فيه
قوله " ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء " فيه دليل على أنه لا يجوز للمرأة إن تمتشط بشيء من الطيب أو بما فيه زينة كالحناء ولكنها تمتشط بالسدر
قوله : " تغلفين به رأسك " الغلاف في الأصل الغشاوة وتغليف الرأس إن يجعل عليه من الطيب أو السدر ما يشبه الغلاف
قال في القاموس تغلف الرجل واغتلف حصل له غلاف
قوله : " تحد " بفتح أوله وضم الجيم بعدها دال مهملة أي تقطع نخلا لها وظاهر أذنه صلى الله عليه وآله وسلم لها بالخروج لجد النخيل يدل على أنه يجوز لها الخروج لتلك الحاجة أو ما يشابهها بالقياس
وقد بوب النووي لهذا الحديث فقال باب جواز خروج المعتدة البائن من منزلها في النهار للحاجة إلى ذلك ولا يجوز لغير حاجة وقد ذهب إلى ذلك على رضي الله عنه وأبو حنيفة والقاسم والمنصور بالله ويدل على اعتبار الغرض الديني أو الدنيوي تعليله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بالصدقة أو فعل الخير ولا معارضة بين هذا الحديث وقوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } الآية بل الحديث مخصص لذلك العموم المشعور به من النهي فلا يجوز الخروج إلا للحاجة لغرض من الأغراض . وذهب الثورى والليث ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم إلى أنه يجوز لها الخروج في النهار مطلقا وتمسكوا بظاهر الحديث وليس فيه ما يدل على اعتبار الحاجة وغايته اعتبار إن يكون الخروج لقربه من القرب كما يدل على ذلك آخر الحديث ومما يؤيد مطلق الجواز في النهار القياس على المتوفي عنها كما سيأتي
قوله : " تسلبي " بفتح أوله وبعده سين مهملة مفتوحة وتشديد اللام أي البسي السلاب وهو ثوب الإحداد وقيل هو ثوب أسود تغطي به رأسها وقد قدمنا الكلام على حديث أسماء هذا وكيفية الجمع بينه وبين الأحاديث القاضية بوجوب الإحداد

( باب أين تعتد المتوفي عنها )

1 - عن فريعة بنت مالك قالت " خرج زوجي في طلب اعلاج له فأدركهم في طرف القدوم فقتلوه فأتاني نعيه وأنا في دار شاسعة من دور أهلي فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالا ورثته وليس المسكن له فلو تحولت إلي أهلي واخوتي لكان أرفق لي في بعض شأني قال تحولي فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني أو أمر بي فدعيت فقال امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت وأرسل إلى عثمان فأخبرته فأخذ به "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي ولم يذكر النسائي وابن ماجه إرسال عثمان

2 - وعن عكرمة عن ابن عباس " في قوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } نسخ ذلك بآية الميراث بما فرض الله لها من الربع والثمن ونسخ أجل الحول إن جعل أجلها أربعة أشهر "
- رواه النسائي وأبو داود

- حديث فريعة أخرجه أيضا مالك في الموطأ والشافعي والطبراني وابن حبان والحاكم وصححاه وأعله ين حزم وعبد الحق بجهالة حال زينب بنت كعب بن عجرة الرواية له عن الفريعة وأجيب بأن زينب المذكورة وثقها الترمذي وذكرها ابن فتحون وغيره في الصحابة وأما ما روي عن علي بن المديني بأنه لم يروعنها غير سعد بن أسحق فمردود بما في مسند أحمد من رواية سليمان بن محمد بن كعب ابن عجرة عن عمته زينب في فضل الإمام علي رضي الله عنه وقد أعل الحديث أيضا بأن في إسناده سعد بن إسحاق وبعقبه ابن القطان بأنه قد وثقه النسائي وابن حيان انتهى . ووثقه أيضا يحيى بن معين والدارقطني وقال أبو حاتم صالح الحديث وروى عنه جماعة من أكابر الأئمة ولم يتكلم فيه بجرح وغاية ما قاله فيه ابن حزم وعبد الحق أنه غير مشهور وهذه دعوى باطلة فإن من يروي عنه مثل سفيان الثوري وحماد بن زيد ومالك بن أنس ويحيى بن سعيد والدراوردى وابن جريح والزهري مع كونه أكبر منه وغير هؤلاء الأئمة كيف يكون غير مشهور . وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال ولكنه قد رواه النسائي من غير طريقه
قوله : " عن فريعة " بضم الفاء وفتح الراء وبعدها تحتية ساكنة ثم عين مهملة ويقال لها الفارعة وهي بنت مالك بن سنان أخت آبى سعيد الخدري وشهدت بيعة الرضوان وقد استدل بحديثها هذا علي إن المتوفي عنها تعتد في المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه ولا تخرج منه إلى غيره وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقد أخرج ذلك عبد الرزاق عن عمر وعثمان وابن عمر وأخرجه أيضا سعيد بن منصور عن أكثر أصحاب ابن مسعود والقاسم بن محمد وسالم بن عند الله وسعيد بن المسيب وعطاء وأخرجه حماد عن ابن سيرين وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والأوزاعي وإسحاق وأبو عبيد قال ابن عبد البر وقد قال بحديث الفريعة جماعة من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر ولم يطعن فيه أحد منهم وقد روي جواز خروج المتوفي عنها للعذر عن جماعة منهم عمر أخرج عنه ابن أبي شيبة أنه رخص للمتوفى عنها إن تأتي أهلها بياض يومها . وان زيد بن ثابت رخص لها في بياض يومها وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان له ابنة تعتد من وفاة زوجها فكانت تأتيهم بالنهار فتحدث إليهم فإذا كان الليل أمرها إن ترجع إلى بيتها
وأخرج أيضا عن ابن مسعود في نساء نعى إليهن أزواجهن وتشكين الوحشة فقال ابن مسعود يجتمعن بالنهار ثم ترجع كل امرأة منهن إلى بيتها بالليل
وأخرج سعيد بن منصور عن علي رضي الله عنه انه جوز للمسافرة الانتقال
وروى الحجاج بن منهال إن امرأة سألت أم سلمة بأن أباها مريض وأنها في عدة وفاة فأذنت لها في وسط النهار
وأخرج الشافعي وعند الرزاق عن مجاهد مرسلا إن رجالا استشهدوا بأحد فقال نساؤهم يا رسول الله إنا نستوحش في بيوتنا أفنبيت عند إحدانا فأذن لهن أن يتحدثن عند إحداهن فإذا كان وقت النوم تأوي كل واحدة إلى بيتها وحكى في البحر عن علي رضي الله عنه وابن عباس وعائشة وجابر والقاسمية أنه يجوز لها الخروج من موضع عدتها لقوله ( يتربصن ) ولم يخص مكانا والبيان لا يؤخر عن الحاجة . وعن زيد بن على والشافعية والحنفية أنه لا يجوز ثم قال فرع ولها الخروج نهارا ولا تبيت إلا في منزلها إجماعا انتهى . وحكاية الإجماع راجعة إلى مبيتها في منزلها لا إلى الخروج نهارا فإنه محل الخلاف كما عرفت . وحديث فريعة لم يأت من يخالفه بما ينتهض لمعارضته فالتمسك به متعين ولا حجة في أقوال أفراد الصحابة ومرسل مجاهد لا يصلح للاحتجاج به على فرض انفراده عند من لم يقبل المراسيل مطلقا وأما إذا عارضه مرفوع أصح منه كما في مسألة النزاع فلا يحل التمسك به بإجماع من يعتد به من أهل العلم وقد استدل بحديث ابن عباس المذكور في الباب من قال إن المتوفي عنها لا تستحق السكنى والنفقة والكسوة قال الشافعي حفظت عمن أرضي به من أهل العلم إن نفقة المتوفي عنها زوجها وكسوتها حولا منسوختان بآية الميراث ولم أعلم مخالفا في نسخ نفقة المتوفي عنها وكسوتها سنة أو أقل من سنة ثم قال ما معناه أنه يحتمل إن يكون حكم السكنى حكمهما لكونها مذكورة معهما ويحتمل أنها تجب لها السكنى وقال الشافعي أيضا في كتاب العدد الاختيار لورثة الميت إن يسكنوها لان قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث فريعة امكثي في بيتك وقد ذكرت أنه لا بيت لزوجها يدل على وجوب سكناها في بيت زوجها إذا كان له بيت بالطريق الأولى وأجيب الاستدلال بحديث ابن عباس بأن نسخ بعض المدة إنما يستلزم نسخ نفقة المنسوخ وكسوته وسكناه دون ما لم ينسخ وهو أربعة أشهر وعشر وأجيب عن الاستدلال بحديث فريعة بأنه مخلف للقياس لأنها قالت وليس المسكن له ولم يدع نفقة ولا مالا فأمرها بالوقوف فيما لا يملكه زوجها وملك الغير لا يستحق غيره الوقوف فيه فيكون ذلك قضية عين موقوفة
وقد حكى في البحر القول بوجوب نفقة المتوفي عنها عن ابن عمر والهادي والقاسم والناصر والحسن بن صالح وعدم الوجوب عند الشافعية والحنفية ومالك والوجوب للحامل لا الحائل عن مولانا علي رضى الله عنه وابن مسعود وأبي هريرة وشريح وابن أبي ليلى . وحكي أيضا القول بوجوب السكني عن ابن عمر وأم سلمة ومالك والإمام يحيى والشافعي وعدمه عن مولانا علي رضي الله عنه وعمر وابن مسعود وعثمان وعائشة وأبي حنيفة وأصحابه
وقد أخرج أحمد والنسائي من حديث فاطمة بنت قيس إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة " وفي لفظ آخر " وإنما النفقة والسكني للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة فإذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكني " وسيأتي هذا الحديث في باب النفقة والسكنى للمعتدة الرجعية وهو نص في محل النزاع والقرآن والسنة وإنما دلا على انه يجب على المتوفي عنها لزومها لبيتها وذلك تكليف لها . وحديث الفريعة إنما دل على هذا فهو واضح في إن السكنى والنفقة ليستا من تكليف الزوج ويؤيد هذا إن الذي في القرآن في سورة الطلاق هو إيجاب النفقة لذات الحمل لا غير وفي البقرة إيجابها للمطلقات وقد خرج من عمومهن البائنة بحديث فاطمة بنت قيس إلا إن تكون حاملا لذكر ذلك في حديثها كما سيأتي وخرجت أيضا المطلقة قبل الدخول بآية الأحزاب فخرجت المتوفي عنها من ذلك وكذلك لا سكنى لها لأن قوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن } وقوله { أسكنوهن من حيث سكنتم } في الرجعيات لظاهر السياق كما سيأتي تحقيق ذلك إذا تقرر هذا علمت أنه لم يكن في القرآن ما يدل على وجوب النفقة والسكنى للمتوفى عنها كما علمت إن السنة قاضية بعدم الوجوب
وأما حديث الفريعة وحديث ابن عباس فقد استدل بهما من قال بعدم الوجوب كما استدل بهما من قال بالوجوب لما فيهما من الاحتمال والمحتمل لا تقوم به الحجة وقد أطال صاحب الهدي الكلام في هذه المسألة وحرر فيها المذاهب تحريرا نفسيا فمن رام الوقوف على تفاصيلها فليراجعه

( باب ما جاء في نفقة المبتوتة وسكناها )

1 - عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المطلقة ثلاثا قال " ليس لها سكني ولا نفقة "
- رواه أحمد ومسلم
وفي رواية عنها قالت " طلقني زوجي ثلاثا فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سكنى ولا نفقة " . رواه الجماعة إلا البخاري
وفي رواية عنها أيضا قالت " طلقني زوجي ثلاثا فآذن لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أعتد في أهلي " . رواه مسلم

2 - وعن عروة ابن الزبير أنه قال لعائشة " ألم تري إلى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة فخرجت فقالت بئسما صنعت فقال ألم تسمعي إلى قول فاطمة فقالت أما أنه لا خير لها في ذلك "
- متفق عليه
وفي رواية " إن عائشة عابت ذلك أشد العيب وقالت إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " . رواه البخاري وابن داود وابن ماجه

3 - عن فاطمة بنت قيس قالت " قلت يا رسول الله زوجي طلقني ثلاثا وأخاف إن يقتحم على فأمرها فتحولت "
- رواه مسلم والنسائي

4 - وعن الشعبي انه حدث بحديث فاطمة بنت قيس " إن رسول الله عليه وآله وسلم لم يجعل لها سكني ولا نفقة فأخذ الأسود بن يزيد كفا من حصى فحصبه به وقال ويلك تحدث بمثل هذا قال عمر لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت "
- رواه مسلم

5 - وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال " أرسل مروان قبيصة بن ذؤيب إلى فاطمة فسألها فأخبرته أنها كانت عند أبي حفص بن المغيرة وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الأمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه على بعض اليمن فخرج معه زوجها فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها وأمر عياش ابن أبي ربيعة والحرث بن هشام إن ينفقا عليها فقالا والله لا تكون لها نفقة إلا إن تكون حاملا فاتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا نفقة لك إلا إن تكوني حاملا واستأذنته في الانتقال فأذن لها فقالت أين أنتقل يا رسول الله فقال عند أم مكتوم وكان أعمى تضع ثيابها عنده ولا يبصرها فلم تزل هناك حتى مضت عدتها فأنكحها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسامة فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره ذلك فقال مروان لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها فقالت فاطمة حين بلغها ذلك بيني وبينكم كتاب الله قال الله فطلقوهن لعدتهن حتى قال لا ندري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فأي أمر يحدث بعد ثلاث "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي ومسلم بمعناه

- قوله " ألم ترى إلى فلانة بنت الحكم " اسمها عمرة بنت عبد الرحمن بن الحكم فهي بنت أخي مروان بن الحكم ونسبها عروة في هذه الرواية إلى جدها قوله " بئسما صنعت " في رواية أخرى " بئسما صنع " أي زوجها في تمكينها من ذلك أو أبوها في موافقتها
قوله : " أما أنه لا خير لها في ذلك " كأنها تشير إلى إن سبب الإذن في انتقال فاطمة ما في الرواية الثانية المذكورة من أنها كانت في مكان وحش أو إلي ما وقع في رواية لأبي داود إنما كان ذلك من سوء الخلق
قوله : " وحش " بفتح الواو وسكون المهملة بعدها معجمة أي مكان لا أنيس به ( وقد استدل ) بأحاديث الباب من قال إن المطلقة بائنا لا تستحق على زوجها شيئا من النفقة والسكنى وقد ذهب إلى ذلك أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأتباعهم وحكاه في البحر عن ابن عباس والحسن البصري وعطاء والشعبي وابن أبي ليلى والأوزاعي والأمامية والقاسم وذهب الجمهور كما حكى ذلك صاحب الفتح عنهم إلى أنه لا نفقة لها ولها السكنى واحتجوا لإثبات السكنى بقوله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } ولإسقاط النفقة بمفهوم قوله تعالى { وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } فإن مفهومه إن غير الحامل لا نفقة لها وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر فائدة . وذهب عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز والثوري وأهل الكوفة من الحنفية وغيرهم والناصر والإمام يحيى إلى وجوب النفقة والسكنى واستدلوا بقوله تعالى { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن } فإن آخر الآية وهو النهي عن إخراجهن يدل على وجوب النفقة والسكنى ويؤيده قوله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } الآية وذهب الهادي والمؤيد بالله وحكاه في البحر عن أحمد بن حنبل إلى أنها تستحق النفقة دون السكنى واستدلوا على وجوب النفقة بقوله تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف } الآية وبقوله تعالى { لا تضاروهن } وبأن الزوجة المطلقة بائنا محبوسة بسبب الزوج واستدلوا على عدم وجوب السكنى بقوله تعالى { اسكنوهن من حيث سكنتم } فأنه أوجب إن تكون حيث الزوج وذلك لا يكون في البائنة وأرجح هذه القوال الأول لما في الباب القول الصحيح الصريح وأما ما قيل أنه مخالف القرآن فوهم فإن الذي فهمه من قوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن } هو ما فهمته فاطمة من كونه في الرجعية لقوله في آخر الآية { لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } لأن الأمر الذي يرجى أحداثه هو الرجعة لا سواه وهو الذي حكاه الطبري عن قتادة والحسن والسدى والضحاك ولم يحك عن غيرهم خلافه قال في الفتح وحكى غيره إن المراد بالأمر ما يات من قبل الله تعالى من نسخ أو تخصيص أو نحو ذلك فلم ينحصر انتهى . ولو سلم العموم في الآية لكان حديث فاطمة المذكور مخصصا له وبذلك يظهر إن العمل به ليس يترك للكتاب العزيز كما قال عمر فيما أخرجه عنه مسلم لما أخبر بقول فاطمة المذكور لانترك كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أم نسيت ( فإن قلت ) إن قوله وسنة نبينا يدل على أنه قد حفظ في ذلك شيئا من السنة يخالف قول فاطمة لما تقرر إن قول الصحابي من السنة كذا له حكم الرفع قلت صرح الأمة بانه لم يثبت شيء من السنة يخالف قول فاطمة وما وقع في بعض الروايات عن عمر أنه قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها السكنى والنفقة " فقد قال الأمام أحمد لا يصح ذلك عن عمر وقال الدار قطني السنة بيد فاطمة قطعا وأيضا تلك الروية عن عمر من طريق إبراهيم النخعي ومولده بعد عمر بسنتين قال العلامة ابن القيم ونحن نشهد بالله شهادة نسئل عنها إذا لقيناه إن هذا كذب على عمر وكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وينبغي إن لا يحمل الانسان فرط الانتصار للمذاهب والتعصب على معارضتة السنن النبوية الصريحة الصحيحة بالكذب البحت فلو يكون هذا عند عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخرست فاطة وذووها ولم ينبزوا بكلمة ولا دعت فاطة إلى المناظرة انتهى ( فان قلت ) إن ذلك القول من عمر يتضمن الطعن على رواية فاطمة لقوله لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت قلت هذا مطعن باطل باجماع المسلمين للقطع بانه لم ينقل عن أحد من العلماء أنه رد خبر المرأة لكونها امرأة فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول عن امرأة واحدة من الصحابة وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة ولم ينقل أيضا عن أحد من المسلمين أنه يرد الخبر بمجرد تجويز نسيان ناقله ولو كان ذلك مما يقدح به لم يبقى حديث من الحاديث النبوية إلا وكان مقدوحا فيه لان تجويز النسيان لا يسلم منه أحد فيكون ذلك مفضيا إلى تعطيل السنن بأسرها مع كون فاطمة المذكورة من المشهورات بالحفظ كما يدل على ذلك حيثها الطويل في شأن الدجال ولم تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا مرة واحدة يخطب به على المنبر فوعته جميعه فكيف يظن بها إن تحفظ مثل هذا وتنسى أمرا متعلقا بها مقترنا بفراق زوجها وخروجها من بيته
واحتمال النسيان امر مشترك بينها وبين من أعترض عليها فإن عمر قد نسي تيمم الجنب وذكره عمارة فلم يذكر ونسى قوله تعالى { وأتيتم إحداهن قنطارا حتى ذكرته امرأة ونسى أنك ميت وأنهم ميتون } حتى سمع أبا بكر يتلوها وهكذا يقال في انكار عائشة وهكذا قول مروان سنأخذ بالعصمة وهكذا انكار الأسود بن يزيد على الشعبى لما سمعه يحدث بذلك ولم يقل أحد منه إن فاطمة كذبت في خبرها وأما دعوى إن سبب خروجها كان لفحش في لسانها كما قال مروان لما حدث بحديثها إن كان بكم شر فحسبكم ما بين هذين من الشر يعني إن خروج فاطمة كان لشر في لسانها فمع كون مروان ليس من أهل الانتقاد على أجلاء الصحابة والطعن فيهم فقد أعاذ الله فاطمة عن ذلك الفحش الذي رماها به فلها من خيرة نساء الصحابة فضلا وعلما ومن المهاجرات الأولات ولهذا ارتضاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحبه وابن حبه أسامة وممن لا سحملها رقة الدين على فحش اللسان الموجب لاخراجها من دارها ولوصح شيء من ذلك لكان أحق الناس بإنكار ذلك عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قوله : " لانفقة لك إلا إن تكونى حاملا " فيه دليل على وجوب النفقة للمطلقة بائنا إذا كانت حاملا ويدل بمفهومه على أنها لا تجب لغيرها ممن كان على صفتها في البينونة فلا يرد ما قيل انه يدخل تحت هذا المفهوم المطلقة الرجعية إذا تكن حاملا ولو سلم الدخول لكان الاجماع علي وجوب نفقة الرجعية مطلقا مخصصا لعموم ذلك المفهوم
قوله : " واستأذنته في الانتقال فاذن لها " فيه دليل على انه يجوز للمطلقة بائنا الانتقال من المنزل الذي وقع عليها الطلاق البائن وهى فيه فيكون مخصصا لعموم قوله تعالى ( ولا يخرجن ) كما خصص ذلك حديث جابر المتقدم في باب ما تجتنب الحادة ولا يعارض هذا حديث الفريعة المتقدم لانه في عدة الوفاة وقد قدمنا الخلاف في جواز الخروج وعدمه للمطلقة بائنا

( باب النفقة والسكنى للمعتدة الرجعية )

1 - عن فاطمة بنت قيس قالت " أتيت النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقلت إن زوجي فلانا أرسل إلى بطلاق وأنى سألت أهله النفقة والسكنى فابوا على قالوا يا رسول الله انه أرسل اليها بثلاث تطليقات قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة "
- رواه أحمد والنسائى وفي لفظ " إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة فإذا لم تكن عليها رجعة فلا نفقة ولاسكنى "
- رواه أحمد

- الحديث تفرد برفعه مجالد بن سعيد وهو ضعيف كما بينه الخطيب في المدرج وقد تابعه في رفعه الرواة قال في الفتح ولكنه أضعف من مجالد وهو في أكثر الروايات موقوف عليها والرفع زيادة يتعين قبولها كما بيناه في غير موضع ورواية الضعيف مع الضعيف توجب الارتفاع عن درجة السقوط إلى درجة الاعتبار ( والحديث ) يدل بمنطوقه علي وجوب النفقة والسكنى على الزوج للمطلقة رجعيا وهو مجمع عليه بمفهومه علي عدم وجوبهما لمن عداها إلا إذا كانت حاملا لما تقدم في الباب الأول وقد قدمنا تحقيق ذلك فلا نعيده

( باب استبراء الأمة إذا ملكت )

1 - عن أبى سعيد " إن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال في سبي أوطاس لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة "
- رواه أحمد وأبو داود

2 - وعن أبى الدرداء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " انه أتى على امرأة مجح على باب فسطاط فقال لعله يريد إن يلم بها فقالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقد هممت إن العنه لعنة تدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له كيف يستخدمه وهو لا يحل له "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داودو ورواه أبو داود الطيالسي وقال " كيف يورثه وهو لا يحل له وكيف يسترقه وهو لا يحل له " والمجح هي المرأة الحامل المقرب

- حديث أبي سعيد أخرجه أيضا الحاكم وصححه واسناده حسن وهو عند الدارقطني من حديث ابن عباس وأعل بالإرسال . وعند الطبراني من حديث أبي هريرة باسناد ضعيف
وأخرج الترمذي من حديث العرباض بن سارية " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن " وأخرجه أيضا ابن شيبة من حديث علي بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " وفى إسناده ضعف وانقطاع
قوله : " أوطاس " هو واد في ديار هوازن قال القاضى عياض وهو موضع الحرب بحنين وبه قال بعض أهل السير
قال الجاحظ والراجح إن وادي أوطاس غير وادي حنين وهو ظاهر كلام ابن إسحاق في السيرة
قوله : " مجح " بضم الميم ثم جيم مكسورة ثم حاء مهملة وهى الحامل التى قد قاربت الولادة على ما فسره المصنف ( والحديثان ) يدلان على أنه يحرم على الرجل إن يطأ الأمة المسبية إذا كانت حاملا حتى تضع حملها . والحديث الأول منهما يدل أيضا على أنه يحرم على الرجل إن يطأ الامة المسبية إذا كانت حائلا حتى تستبرأ بحيضة وقد ذهب الي ذلك العترة والشافعية والحنفية والثوري والنخعى ومالك . وظاهر قوله ولا غيرحامل انه يجب الستبراء للبكر ويؤيده القياس على العدة فانها تجب مع العم ببراءة الرحم . وذهب جماعة منأهل العلم إلى إن الاستبراء إنما يجب في حق من لم تعلم براءة رحمها وأما من علمت براءة رحمها فلا استبراء في حقها وقد روى عند الرزاق عن ابن عمر انه قال إذا كانت الامة عذراء لم يستبرئها إن شاء وهو في صحيح البخاري عنه وسيأتي ويؤيد هذا حديث الآتي فإن قوله فيه فلا ينكحن ثيبا من السبايا حتى تحيض يرشد الي ذلك ويؤيده أيضا حديث على الآتى قريبا فيكون هذا مخصصا لعموم قوله ولا غير حامل أو مقيدا له
وقد روى ذلك عن مالك قال المازرى من المالكية القول الجامع في ذلك إن كل أمة أمن عليها الحمل فلا يلزم فيها الاستبراء وكل من غلب على الظن أنها حامل أو شك في حملها أو تردد فيه فالاستبراء لازم فيها وكل من غلب على الظن براءة رحمها لكنه يجوز حصوله فإن المذهب فيه على وجهين في ثبوت الاستبراء وسقوطه ومن القائلين بان الاستبراء إنما هو للعلم ببراءة الرحم فحيث تعلم البراءة لا يجب وحيث لا يعلم ولا يظن يجب أبو العباس بن سريج وأبو العباس بن تيمية وابن القيم ورجحه جماعة من المتأخرين منهم الجلال والمقبلى والمغربي والامير وهو الحق لان العلة معقولة فإذا لم توجد المئنة كالحمل ولا المظنة كالمرأة المزوجة فلا وجه لإيجاب الاستبراء والقول بان الاستبراء تعبدى وانه يجب في حق الصغيرة وكذا في حق البكر والآيسة ليس علنه دليل

3 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقعن رجل على امرأة وحملها لغيره "
- رواه أحمد

2 - وعن رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماءه ولد غيره "
- رواه احمد والترمذى وأبو داود وزاد " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقع على امرأة من السبى حتى يستبرئها "
وفي لفظ " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكحن ثيبا من السبايا حتى تحيض "
- رواه أحمد ومفهومه إن البكر لا تستبرأ
وقال ابن عمر إذا وهبت الوليدة التى توطأ أو بيعت أو أعتقت فلتستبرأ بحيضة ولا تستبرأ العذراء حكاه البخاري في صحيحه وقد جاء في حديث عن على رضى الله عنه ما الظاهر حمله على مثل ذلك فروى بريدة قال بعث " رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا إلى خالد يعني إلى اليمن ليقبض الخمس فاصطفى على منه سبية فأصبح وقد اغتسل فقلت لخالد ألا ترى إلى هذا وكنت أبغض عليا فلما على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكرت له ذلك فقال يا بريدة أتبغض عليا فقلت نعم فقال لا تبغضه فإن له في الخمس أكثرمن ذلك
- رواه أحمد والبخاري
وفي رواة قال أبغضت عليا بغضا لم أبغضه
وأحببت رجلا من قريش لم أحببه إلا على بغضه عليا قال فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته فاصبنا سبايا قال فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابعث الينا من يخمسه قال فبعث الينا عليا وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبى قال فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر فقلنا يا أبا الحسن ما هذا قال ألم تروا إلى الوصفة التى كانت في السبى فانى قسمت وخمست فصارت في الخمس ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم صارت في آل علي ووقعت بها قال فكتب الرجل إلى نبى الله صلي الله علية وآله وسلم فقلت ابعثني مصدقا فجعلت أقرأ الكتاب وأقول فامسك يدي والكتاب وقال أتبغض عليا قلت نعم قال فلا تبغضه وان كنت تحبه فازدد له حبا فوالذى نفس محمد بيده لتصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة قال فما كان من الناس أحد بعد قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحب الي من علي " رواه أحمد وفيه بيان إن بعض الشركاء يصح توكيله في قسمة مال الشركة والمراد بآل على علي رضى الله عنه نفسه

- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا الطبراني واسناده ضعيف كما تقدمت الاشارة إلى ذلك
قال في مجمع الزوائد في اسناده بقية والحجاج بن ارطأة وكلاهما مدلس ولكنه يشهد لصحته حديث رويفع المذكور بعده والأحاديث المذكورة قبله . وحديث رويفع أخرجه أيضا ابن أبي شيبة والدارمى والطبراني والبيهقي والضياء المقدسي وابن حبان وصححه والبزار وحسنه واللفظ الآخر أخرجه أيضا الطحاوى ( وفى الباب ) عن ابن عباس عند الحاكم " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى يوم خيبر عن بيع المغانم حتى قال لا تسق ماءك زرع غيرك " وأصله في النسائى . وعن رجل من الانصار عند أبى داود قال تزوجت امرأة بكرا في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى فذكر الحديث قال ففرق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهما وقد استدل من قال بوجوب الاستبراء للمسبية إذا كانت حاملا أو حائلا يجوز عليها الحمل فقط لا مع عدم التجويز كالبكر والصغيرة بحديث أبي هريرة ورويفع المذكورين وقد تقدم الكلام على ذلك واستدل بالاثر المذكور عن ابن عمر من قال بوجوب الاستبراء على واهب الامة وبائعها وقد حكى ذلك عى البحر عن الهادي والناصر والنخعى والثوري ومالك ولم يفرقوا بين إن يكون البائع أو الواهب رجلا أو امرأة وبين كون المبيعة بكرا أو ثيبا صغيرة أو كبيرة وقال الشافعي والمؤيد بالله وزيد بن على والامام يحيى لا يجب وقال أبو حنيفة يستحب فقط : استدل القائلون بالوجوب بالقياس على عدة الزوجة بجامع ملك الوطء فلا يملكه غيره إلا بعد الأسبراء وأجيب بالفرق بين الأصل والفرع بوجوه أحدها إن العدة إنما تكون بعد الطلاق وهذا الأستبراء قبل البيع ومنها تنافي أحكام الملك والنكاح والألزام لا يصح الجمع بين الأختين في الملك قياسا على عدم صحة الملك . ومنها إن العدة تجب على المرأة لا على الزوج
ومنها إن العدة تجب على المرأة بعد الدخول أو الخلوة ويجب الأستبراء عندهم في الأمة مطلقا فالحق إن مثل هذا القياس المبني على غير أساس لا يصلح لإثبات تكليف شرعي على جميع الناس وكما أنه لا وجه للأيجاب لاوجه للأستحباب لأن كل واحد منها حكم شرعي والبراءة الأصلية مستصحبة حتى ينقل عنها ناقل صحيح وليس في كلام ابن عمر المذكور ما يدل على إن الأستبراء على البائع ونحوه بل ظاهره أنه على المشتري ولو سلم فليس في كلامه حجه على أحد واختلف في وجوب الأستبراء على المشتري والمهب ونحوهما فذهب الجمهور إلى الوجوب وأحتجبوا بالقياس على المسبية بجامع تجدد الملك في الأصل والفرع وذهب داود والبتى إلى أنه لا يجب الأستبراء في غير السبي اما داود فلأنه لا يقول بثبوت الحكم الشرعي بمجرد القياس واما البتي فلأنه جعل تجدد الملك بالشراء والهبه كابتداء النكاح وهو لا يجب على من تزوج امرأة إن يستبرأها بعد العقد ورد بالفرق بين النكاح والملك فإن النكاح لا يقتضي ملك الرقبة كذا في البحر ولا يخفي إن ملك الرقبة مما لادخل له في محل النزاع فلا يقدح به في القياس واستدل في البحر للجمهور بقول علي رضي الله عنه من اشترى جارية فلا يقربها حتى تستبرأ بحيضة قال ولم يظهر خلافه وقد عرفناك غير مرة إن السكوت في المسائل الاجتهادية لا يدل على الموافقة لعدم وجوب الانكار فيها على المخالف والأولى التعويل في الاستدلال للموجبين علي عموم حديث رويفع وأبي هريرة فإن ظاهرهما شامل للمسبية والمستبرأة ونحوهما والتصريح في آخر الحديث بقوله فلا ينكحن ثيبا من السبايا ليس من باب التقييد للمطلق أو التخصيص للعام بل من التنصيص على بعض افراد العام ويمكن إن يقال إن قوله في الحديث من السبايا مفهوم صفة فلا يكون من التنصيص المذكور إلا عند من لم يعمل به وأوضح من ذلك حديث أبي سعيد المتقدم فإن قوله لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة يشمل المستبرأة ونحوها وكون السبب في ذلك سبايا أوطاس لا يدل على قصر اللفظ العام عليهن لما تقرران العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيكون ذلك عاما لكل من لم تجوز خلو رحمها لا من كان رحمها خاليا بيقين كالصغيرة والبكر كما تقدم تحقيق ذلك حديث رويفع وما قبله انه لا فرق بين الحامل من زنا وغيرها فيجب استبراء الامة التى كانت قبل ثبوت الملك عليها تزنى إن كانت حاملا فبالوضع وان كانت غير حامل فبحيضة
ويؤيد هذا حديث الرجل من الانصار الذى ذكرناه في أول الباب
قوله : " فاصطفى على منه سبية " الخ يمكن حمل هذا على إن السبية التى أصابها كانت بكرا أو صغيرة أو كان قد مضى عليها من بعد السبى مقدار مدة الاستبراء لانها قد دخلت في ملك المسلمين من وقت السبى والمصير الي مثل هذا متعين للجمع بينه وبين الاحاديث المذكورة في الباب وظاهر هذا الحديث وسائر أحاديث الباب انه لا يشترط في جواز وطء المسبية الاسلام ولو كان شرطا لبينه صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبينه ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وذلك وقتها ولا سيما وفي المسلمين في يوم حنين وغيره من هو حديث عهد بالاسلام يخفى عليهم مثل هذا الحكم وتجويز حصول الاسلام من جميع السبايا وهي في غاية الكثرة بعيد جدا فإن اسلام مثل عدد المسبيات في أوطاس دفعة واحدة من غير اكراه لا يقول بانه يصح تجويزه عاقل ومن اعظم المؤيدات لبقاء المسبيات على دينهن ما ثبت من رده صلى الله عليه وآله وسلم لهن بعد إن جاء إليه جماعة من هوازن وسألوه إن يرد أليهم ما أخذ عليهم من الغنيمة فرد أليهم السب فقطوقد ذهب إلى جواز وطء المسبيات الكافرات بعد الاستبراء المشروع جماعة منهم طاوس وهو الظاهر لما سلف وفي الحديث الآخر منقبة ظاهرة لعلي رضي الله عنه ومنقبة لبريدة لمصير على أحب الناس إليه وقد صح أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق كما في صحيح مسلم وغيره

كتاب الرضاع

باب عدد الرضعات المحرمة

1 - عن عائشة " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تحرم المصة ولا المصتان "
- رواه الجماعة إلا البخاري

2 - وعن أم الفضل " إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتحرم المصة فقال لا تحرم الرضعة والرضعتان والمصة والمصتان "
وفي رواية " قالت دخل اعرابي على نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بيتي فقال يا نبي الله اني كانت لي امرأة فتزوجت عليها أخرى فزعمت امرأتي الأولى أنها ارضعت امراتي الحدثى رضعة أو رضعتين فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تحرم الإملاجة أو الإملاجتان "
- رواهما أحمد ومسلم

3 - وعن عبد الله بن الزبير " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تحرم من الرضاعة المصة والمصتان "
- رواه أحمد والنسائي والترمذي

- حديث عبد الله بن الزبير أخرجه أيضا ابن حبان وقال الترمذي الصحيح عن أهل الحديث من رواية ابن الزبير عن عائشة كما في الحديث الأول وأعله ابن جرير الطبري بالاضطراب فانه روى عن ابن الزبير عن أبيه وجمع ابن حبان بينهما بامكان إن يكونابن الزبير سمعه من كل منهم وفي الجمع بعد كما قال الحافظ . ورواه النسائي من حديث أبو هريرة وقال ابن عبد البر لا يصح مرفوعا
قوله : " الرضعة " هي المرة من الرضاع كضربة وجلسة وأكلة فمتى التقم الصبى الثدي فامتص منه ثم تركه باختياره لغير عارض كان ذلك رضعة وفى القاموس رضع أمه كسمع وضرب رضعا ويحرك ورضاعا ورضاعة ويكسران ورضعا ككتف فهو راضع الي إن قال امتص ثديها ثم قال في مادة مصصته أنه بمعنى شربته شربا رفيقا وفى الضياء إن المصة الواحدة من المص وهى أخذ اليسير من الشيء
قوله : " الإملاجة ولا الإملاجتان " الإملاجة الإرضاعة الواحدة مثل المصة وفى القاموس ملج الصبي أمه كنصر وسمع تناول ثديها بادني فمه وامتلج اللبن امتصه وأملجه أرضعه والمليج الرضيع انتهى والاحاديث المذكورة تدل على إن الرضعة الواحدة والرضعتين والمصة الواحدة والمصتين والإملاجة والإملاجتين لا يثبت بها حكم الرضاع الموجب للتحريم وتدل هذه الاحاديث بمفهومها على إن الثلاث من الرضعات أو المصات تقتضي التحريم وقد حكى صاحب البحر هذا المذهب عن زيد بن ثابت وأبي ثور وابن المنذر انتهى . وحكاه في البدر التمام عن أبي عبيدة وداود الظاهرى واحمد في رواية ولكنه يعارض هذا المفهوم القاضي بان ما فوق الاثنتين يقتضي التحريم ما سيأتي من إن الرضاع المقتضي للتحريم هو الخمس الرضعات وسيأتي تحقيق ذلك وذكرمن قال به نعم هذه الاحاديث دافعة لقول من قال إن الرضاع المقتضي للتحريم هو الواصل إلى الجوف ولا شك إن المصة الواحدة تصل إلى الجوف فكيف ما فوقها وسيأتي ذكر ما تمسكوا به

4 - وعن عائشة " أنها قالت كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن " ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن
- رواه مسلم وأبو داود والنسائي
وفي لفظ قالت " وهي تذكر من الرضاعة نزل في القرآن عشر رضعات معلومات ثم نزل أيضا خمس معلومات " رواه مسلم
وفي لفظ " أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات فنسخ من ذلك خمس رضعات إلى خمس رضعات معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأمر على ذلك " رواه الترمذي
وفي لفظ " كان فيما أنزل الله عز و جل من القرآن ثم سقط لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس معلومات " رواه ابن ماجه

5 - " وعن عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر امرأة أبي حذيفة فأرضعت سالما خمس رضعات وكان يدخل عليها بتلك الرضاعة "
- رواه أحمد
وفي رواية " إن أبي حذيفة تبنى سالما وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم زيدا وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس ابنه وورث ميراثه حتى أنزل الله عز و جل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فاخوانهم في الدين ومواليكم فرد والى آبائهم فمن لم يعلم له أب فمولى وأخ في الدين فجاءت سهلة فقالت يا رسول الله كنا نرى سالما ولدا يأوي معي ومع أبى حذيفة ويراني فضلى وقد أنزل الله عز و جل ما قد علمت فقال ارضعيه خمس رضعات فكان بمنزلة ولده من الرضاعة " رواه مالك في الموطأ وأحمد

- حديث عائشة في قصة سالم أخرج الرواية الأولى منه النسائي عن جعفر بن ربيعة عن الزهري كتابة عن عروة عنها ورواه الشافعي في الام عن مالك عن الزهرى عن عروة مرسلا ورواه أيضا عبد الرزاق
وأخرج الرواية الثانية عنها أبو داود وأخرجها أيضا البخاري في المغازي من صحيحه من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عنها إلى قوله فجائت سهلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فذكر الحديث ولم يسق بقيته وساقها البيهقي في سننه من هذا الوجه كرواية أبي داودو رواها أيضا البخاري من رواية شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عنها وساق منها إلى قوله وقد أنزل الله فيه ما قد علمت
قوله : معلومات فيه اشارة إلى أنه لا يثبت حكم الرضاع إلا بعد العلم بعدد الرضعات وانه لا يكف الظن بل يرجع معه ومع الشك إلى الأصل وهو العدم
قوله : وهن فيما يقرأ بضم الياء وفيه أشارة إلى أنه تأخر إنزال الخمس رضعات فتوفى صلى الله عليه وآله وسلم وهن قرآن يقرأ
قوله : فضلى بضم الفاء والضاد المعجمة قال الخطابى أي مبتذلة في ثياب مهنتها انتهى والفضل من الرجال والنساء الذي عليه ثوب واحد بغيرإزار
وقال ابن وهب أي مكشوف الرأس وقد استدل بأحاديث الباب من قال انه لا يقتضي التحريم من الرضاع الاخمس رضعات معلومات وقد تقدم تحقيق الرضعة والى ذلك ذهب ابن مسعود وعائشة وعبد الله بن الزبير وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير وعروة ابن الزبير والليث بن سعد والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه وإسحاق وابن حزم وجماعة من أهل العلم
وقد روى هذا المذهب من الامام علي بن أبي طالب رضى الله عنه . وذهب الجمهور إلى إن الرضاع الواصل إلى الجوف يقتضى التحريم وان قل وقد حكاه صاحب البحر عن الامام علي رضي الله عنه وابن عباس وابن عمر والثوري والعترة وأبى حنيفة وأصحابه ومالك وزيد بن أوس انتهى
وروى أيضا عن سعيد بن المسيب والحسن والزهري وقتاده والحكم وحماد والاوزاعي
قال المغربي في البدر وزعم الليث بن سعد إن المسلمين أجمعوا على إن قليل الرضاع وكثيره يحرم منه ما يفطر الصائم وهو رواية عن الامام أحمد انتهى . حكى ابن القيم عن الليث انه لا يحرم إلا خمس رضعات كما قدمنا ذلك فينظر في المروى عنه من حكاية الاجماع فانه يبعد كل البعد إن يحكي العالم الاجماع في مسألة ويخالفها وقد اجاب اهل القول الثاني عن أحاديث الباب التي استدل بها أهل القول الأول بأجوبة منها انها متضمنة لكون الخمس الرضعات قرآن والقرآن شرطه التواتر ولم يتواتر محل النزاع وأجيب بان كون التواتر شرط ممنوع والسند ما أسلفنا عن أئمة القراآت كالجزرى وغيره في باب الحجة في الصلاة بقراءة ابن مسعود وأبي من أبواب صفة الصلاة فانه نقل هو وجماعة من أئمة القراآت الاجماع على ما يخالف هذه الدعوى ولم يعارض نقله ما يصلح لمعارضته كما بينا ذلك هنالك وأيضا اشتراط التواتر فيما نسخ لفظه على رآي المشترطين ممنوع وأيضا انتفاء قرآنيته لا يستلزم انتفاء حجيته على فرض شرطية التواتر لان الحجة ثبتت بالظن ويجب عنده العمل وقد عمل الائمة بقراءة الآحاد في مسائل كثيرة منها قراءة ابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات وقراءة أبي وله أخ أو أخت من أم ووقع الاجماع على ذلك ولا مستند له غيرها وأجابوا أيضا بان ذلك لو كان قرآنا لحفظ لقوله تعالى { انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون } وأجيب بان كونه غير محفوظ ممنوع بل قد حفظه الله برواية عائشة له وأيضا المعتبر حفظ الحكم ولو سلم انتفاء قرآنيته على جميع التقادير لكان سنة لكون الصحابي راويا له عنه صلى الله عليه وآله وسلم لوصفه له بالقرآنية وهو يستلزم صدوره عن لسانه وذلك كاف في الحجية لما تقرر في الأصول من إن المروى آحاد إذا انتقى عنه وصف القرآنية لم ينتف وجوب العمل به كما سلف واحتجوا أيضا بقوله تعالى { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } وإطلاق الرضاع يشعر بأنه يقع بالقليل والكثير ومثل ذلك حديث يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ويجاب بأنه مطلق مقيد بما سلف واحتجوا بما ثبت في الصحيحين عن عقبة بن الحرث إنه تزوج أم يحيى بنت أبي اهاب الذى سيأتي في باب شهادة المرأة الواحدة بالرضاع فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستفصل عن الكيفية ولا سأل عن العدد ويجاب أيضا بأن أحاديث الباب اشتملت على زيادة على ذلك المطلق المشعور به من ترك الاستفصال فيتعين الأخذ بها على أنه يمكن إن يكون ترك الاستفصال لسبق البيان منه صلى الله عليه وآله وسلم للقدر الذي يثبت به التحرير ( فإن قلت ) فحديث لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الامعاء يدل على عدم اعتبار الخمس لأن الفتق يحصل بدونها
قلت سيأتي الجواب عن ذلك في شرح الحديث فالظاهر ما ذهب إليه القائلون باعتبار الخمس وأما حديث لا تحرم الرضعة أو الرضعتان وكذلك سائر الأحاديث المتقدمة في الباب الأول وقد سبق ذكر من ذهب إلى العمل بها فمفهومها يقتضي إنما زاد عليها يوجب التحريم كما إن مفهوم أحاديث الخمس إن ما دونها لا يقتضي التحريم فيتعارض المفهومان ويرجع إلى الترجيح ولكنه ثبت عند ابن ماجه بلفظ لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس كما ذكره المصنف وهذا مفهوم حصر وهو أولى من مفهوم العدد وأيضا قد ذهب بعض علماء البيان كالزمخشرى إلى إن الأخبار بالجملة الفعلية المضارعية يفيد الحصر والاخبار عن الخمس الرضعات بلفظ يحرمن كذلك ولو سلم استواء المفهومين وعدم انتهاض أحدهما كان المتوجه تساقطهما وحمل ذلك المطلق على الخمس لا على ما دونها إلا إن يدل عليه دليل ولا دليل يقتضي إن ما دون الخمس يحرم إلا مفهوم قوله لا تحرم الرضعة والرضعتان والمفروض أنه قد سقط نعم لابد من تقبيد الخمس الرضعات بكونها في زمن المجاعة لحديث عائشة الآتي في الباب الذي بعد هذا
وأما حديث ابن مسعود عند أبي داود مرفوعا " لا رضاع إلا ما أنشر العضم وأنبت اللحم " فيجاب بأن الإنبات والإنشار إن كانا يحصلان بدون الخمس ففي حديث الخمس زيادة يجب قبولها والعمل بها وان كانا لا يحصلان إلا بزيادة عليها فيكون حديث الخمس مقيد بهذا الحديث لولا انه من طريق أبي موسى الهلالي عن أبيه عن ابن مسعود وقد قال أبو حاتم إن ابوموسى واباه مجهولان وقد اخرجه البيهقي من حديث أبي حصين عن أبي عطية قال جاء رجل إلى أبي موسى فذكره بمعناه وهذا على فرض انه يفيد ارتفاع الجهالة عن أبي موسى لا يفيد ارتفاعها عن أبيه فلا ينتهض الحديث لتقييد احاديث الخمس بانشار العظم وانبات اللحم وفي حديث عائشة المذكور في قصة سالم على إن إرضاع الكبير يقتضي التحريم وسيأتي تحقيق ذلك

باب ما جاء في رضاعة الكبير

1 - عن زينب بنت أم سلمة قالت " قالت أم سلمة لعائشة انه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب إن يدخل علي فقالت عائشة أمالك في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة وقالت إن امرأة أبي حذيفة قالت يا رسول الله إن سالما يدخل علي وهو رجل وفي نفس أبي حذيفة منه شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرضعيه حتي يدخل عليك "
- رواه أحمد ومسلم
وفي رواية عن زينب عن امها أم سلمة " انها قالت أبي سائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة وقلن لعائشة ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسالم خاصة فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا "
- رواه أحمد ومسلم والنسائى وابن ماجه

- هذا الحديث قد رواه من الصحابة أمهات المؤمنين وسهلة بنت بنت سهيل وهي من المهاجرات وزينب بنت أم سلمة وهي ربيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورواه من التابعين القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وحميد بن نافع ورواه عن هؤلاء الزهرى وابن مليكة وعبد الرحمن ويحيى بن سعيد الانصاري وربيعة ثم رواه عن هؤلاء أيوب السختياني وسفيان الثوري وسفيان بن عنة وشعبة ومالك وابن جريح وشعيب ويونس وجعفر بن ربيعة ومعمر وسليمان بن بلال وغيرهم وهؤلاء هم أئمة الحديث المرجوع اليهم في أعصارهم ثم رواه عنهم الجم الغفير والعدد الكثير وقد قال بعض أهل العلم إن هذه السنة بلغت طرقها نصاب التواتر وقد استدل بذلك من قال إن إرضاع الكبير يثبت به التحريم وهو مذهب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه كما حكاه عنه ابن حزم وأما ابن عبد البر فانكر الرواية عنه في ذلك وقال لا يصح واليه ذهبت عائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وابن علية وحكاه النووي عن داود الظاهري واليه ذهب ابن حزم ويؤيد ذلك الإطلاقات القرآنية كقوله تعالى { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم واخواتكم من الرضاعة } وذهب الجمهور إلى إن حكم الرضاع إنما يثبت في الصغير وأجابوا عن قصة سالم بانها خاصة به كما وقع من أمهات المؤمنين لما قالت لهن عائشة بذلك محتجة به وأجيب بان دعوى الاختصاص تحتاج إلى دليل وقد اعترفن بصحة الحجة التى جاءت بها عائشة ولا حجة في ابائهن لها كما انه لا حجة في أقوالهن ولهذا سكتت أم سلمة لما قالت لها عائشة أمالك في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اسوة حسنة ولو كانت هذه السنة مختصة بسالم لبينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما بين اختصاص أبي بردة بالتضحية بالخدع من المعز واختصاص خزيمة بان شهادته كشهادة رجلين وأجيب أيضا بدعوى نسخ قصة سالم المذكورة واستدل على ذلك بانها كانت في أول الهجرة عند نزول قوله تعالى { ادعوهم لآبائهم } وقد ثبت اعتبار الصغر من حديث ابن عباس ولم يقدم المدينة إلا قبل الفتح ومن حديث أبي هريرة ولم يسلم إلا في فتح خيبر بانهما لم يصرحا بالسماع من النبي وأيضا حديث ابن عباس مما لا تثبت به الحجة كما سيجئ ولو كان النسخ صحيحا لما ترك التشبث به أمهات المؤمنين ومن أجوبتهم أيضا حديث لا رضاع إلا ما فتق الامعاء وكان قبل الفطام وحديث إنما الرضاعة من المجاعة وسيأتي الجواب عن ذلك كما سيأتي الجواب عن حديث إلا ما كان في الحولين وقد اختلفوا في تقدير المدة التي يقتصي الرضاع فيها التحريم على أقوال الأول انه لا يحرم منه إلا ما كان في الحولين وقد حكاه في البحر عن عمر وابن عباس وابن مسعود والعترة والشافعي وأبي حنيفة والثوري والحسن بن صالح ومالك وزفر ومحمد اه وروى عن أبي هريرة وابن عمروأحمد وأبي يوسف وسعيد بن المسيب والشعبي وابن شبرمة وإسحاق وأبي عبيد وابن المنذر . القول الثاني إن الرضاع المقتضى للتحريم ما كان قبل الفطام واليه ذهبت أم سلمة
وروى عن على ولم يصح عنه
وروى عن ابن عباس وبه قال الحسن والزهرى والاوزاعى وعكرمة وقتادة . القول الثالث إن الرضاع في حال الصغر يقتضي التحريم ولم يحده القائل بحد وروى ذلك عن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما خلا عائشة . وعن ابن عمر وسعيد بن المسيب . والقول الرابع ثلاثون سهرا وهو رواية عن أبي حنيفة وزفر . القول الخامس في الحولين وما قاربهما روى ذلك عن مالك وروى عنه إن الرضاع بعد الحولين لا يحرم قليقله ولا كثيره كما في الموطأ . القول السادس ثلاث سنين وهو مروي عن جماعة من أهل الكوفة وعن الحسن بن صالح . القول السابع سبع سنين روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز . القوا الثامن حولان واثنا عشر يوما روى عن ربيعة . القول التاسع إن الرضاع يعتبر فيه الصغر إلا فيما دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذى لا يستغني عن دخوله على المرأة وبشق احتجابها منه واليه ذهب شيخ الاسلام ابن تيمية وهذا هو الراجح عندى وبه يحصل الجمع بين الاحاديث وذلك بان تجعل قصة سالم المذكورة مخصصة لعموم إنما الرضاع من المجاعة ولا رضاع الافي الحولين ولا رضاع إلا ما فتق الامعاء وكان قبل الفطام ولا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم وهذه طريق متوسطة بين طريقة من استدل بهذه الاحاديث على انه لاحكم لرضاع الكبير مطلقا وبين من جعل رضاع الكبير كرضاع الصغير مطلقا لما لا يخلو عنه كل واحدة من هاتين الطريقتين من التعسف كما سيأتي بيانه ويؤيد هذا إن سؤال سهلة امرأة أبى حذيفة كان بعد نزول آية الحجاب وهى مصرحة بعدم جواز ابداء الزينة لغير من في الآية فلا يخص منها غير من استثناه الله تعالى إلا بدليل كقضية سالم وما كان مماثلا لها في العلة التى هي الحاجة إلى رفع الحجاب من غير أني يقيد ذلك بحاجة مخصوصة من الحاجات المقاضية لرفع الحجاب ولا بشخص من الاشخاص وبمقدار من عمر الرضيع معلوم
وقد ثبت في حديث سهلة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم " إن سالما ذو لحية فقال أرضعيه " وينبغي إن يكون الرضاع خمس رضعات لما تقدم في الباب الأول
قوله : " الغلام إلا يفع " هو من راهق عشرين سنة على على ما في القاموس

2 - وعن أم سلمة قالت " قال صلى الله عليه وآله وسلم لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام "
- رواه الترمذي وصححه

3 - وعن ابن عيبنة عن عمر بن دينار عن ابن عباس قال " قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم لا رضاع إلا ما كان في الحولين "
- رواه الدار قطني وقال لم يسنده عن ابن عيبنة غير الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ "

4 - وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا رضاع بعد فصال ولا يتم بعد احتلام "
- رواه أبو داود الطيالسي في مسنده

5 - وعن عائشة قالت " دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعندي رجل فقال من هذا قلت أخي من الرضاعة قال يا عائشة انظرن من أخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة "
- رواه الجماعة إلا الترمذي

- حديث أم سلمة أخرجه أيضا الحاكم وصححه وأعل بالانقطاع لأنه من رواية فاطمة بنت المنذر بن الزبير الأسدية عن أم سلمة وولم تسمع منها شيء لصغرسنها إذ ذاك . وحديث ابن عباس رواه أيضا سعيد بن منصور والبيهقي وابن عدي وقال يعرف بالهيثم وغيره وكان يغلط وصحح البيهقي وقفه ورجح ابن عدي الموقوف ووقال ابن كثير في الأرشاد رواه مالك في الموطأ عن ثور بن يزيد عن ابن عباس موقوفا وهو أصح وكذا رواه غير ثور عن ابن عباس . وحديث جابر قد قدمنا في باب علامات البلوغ في كتاب التفليس عند الكلام على حديث علي رضي الله عنه بلفظ حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يتم بعد احتلام " الحديث إن المنذري قال وقد روى هذا الحديث يعني حديث علي من رواية جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وليس فيها شيء يثبت اه وهو يشير برواية جابر بن عبد الله إلى حديثه هذا ولا يخفي إن حديث ابن عباس المذكور ههنا يشهد له وكذلك يشهد له حديث عي المتقدم هناك
قوله : " إلا ما فتق الأمعاء " أي سلك فيها والفتق الشق والأمعاء جمع المعا بفتح الميم وكسرها
قوله : " في الثدي " أي في زمن الثدي وهو لغة معروفة فإن العرب تقول مات فلان في الثدي أي زمن الرضاع قبل الفطام كما وقع التصريح بذلك في آخر الحديث
قوله :
انظرن من أخوانكن
هو أمر التأمل فيما وقع من الرضاع هل هو رضاع صحيح مستجمع للشروط المعتبرة قال المهلب المعني انظرن ما سبب هذه الاخوة فان حرمة الرضاع إنما هي في الصغر حيث تسد الرضاعة المجاعة وقال أبو عبيد معناه أن الذي إذا جاع كان طعامه الذي يشبعه من الرضاع هو الصبي لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع
قوله : " فإنما الرضاعة من المجاعة " هو تعليل للباعث على امعان النظر والتفكر بأن الرضاعة التي تثبت بها الحرمة هي حيث تكون الرضيع طفلا يسد اللبن جوعه وأما من كان يأكل ويشرب فرضاعه لا عن مجاعة لان في الطعام والشراب ما يسد جوعته بخلاف الطفل الذي لا يأكل الطعام . ومثل هذا المعنى حديث " لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم " فإن انشار العظم وانبات اللحم إنما يكون لمن كان غذاؤه اللبن وقد احتج بهذه الاحاديث من قال ان رضاع الكبير لا يقتضي التحريم مطلقا وهم من تقدم ذكره عن هذه الاحاديث فقالوا أما حديث " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الامعاء " فأجابوا عنه بأنه منقطع كما تقدم ولا يخفى أن تصحيح الترمذي والحاكم لهذا الحديث يدفع علة الانقطاع فانهما لا يصححان ما كان منقطعا إلا وقد صح لهما اتصاله لما تقررفي علم الاصطلاح أن المقطع من قسم الضعيف . وأجابوا عن حديث " لا رضاع إلا ما كان في الحولين " بأنه موقوف كما تقدم ولا حجة في الموقوف وبما تقدم من اشتهار الهيثم بن جميل بالغلط وهو المنفرد برفعه ولا يخفى أن الرفع زيادة يجب المصير اليها على ما ذهب إليه أئمة الأصول وبعض أئمة الحديث إذا كانت ثابتة من طريق ثقة والهيثم ثفة كما قاله الدارقطنى مع كونه مؤيدا بحديث جابر المذكور . وأجابوا عن حديث " فإنما الرضاعة من المجاعة بأن شرب الكبير يؤثر في دفع مجاعته قطعا كما يؤثر في دفع مجاعة الصغير أو قريبا منه وأورد عليهم أن الامر إذا كان كما ذكرتم من استواء الكبير والصغير فما الفائدة في الحديث وتخلصوا عن ذلك بأن فائدته ابطال تعلق التحريم بالقطرة من اللبن والمصة التي لا تغني من جوع ولا يخفي ما في هذا من التعسف ولا ريب أن سد الجوعة باللبن الكائن في ضرع المرضعة أنما يكون لمن لم يجد طعاما ولا شرابا غيره وأما من كان يأكل ويشرب فهو لا تسد جوعته عند الحاجة بغير الطعام والشراب وكون الرضاع مما يمكن أن يسد به جوعة الكبير أمر خارج عن محل النزاع فانه ليس النزاع فيمن يمكن أن تسد جوعته به أنما النزاع فيمن لا تسد جوعته إلا به وهكذا أجابوا عن الاحتجاج بحديث " لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم " فقالوا إنه يمكن أن الرضاع كذلك في حق الكبير ما لم يبلغ أرذل العمر ولا يخفي ما فيه من التعسف والحق ما قدمنا من أن قضية سالم مختصة بمن حصل له ضرورة بالحجاب لكثرة الملابسة فتكون هذه الأحاديث مخصصة بذلك النوع فتجتمع حينئذ الاحاديث يندفع التعسف من الجانبين وقد أحتج القائلون باشتراط الصغر بقوله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } قالوا وذلك بيان للمدة التي تثبت فيها أحكام الرضاع ويجاب بان هذه الآية مخصصة بحديث قصة سالم الصحيح

باب يحرم الرضاعة ما يحرم من النسب

1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أريد على ابنة حمزة فقال انها لا تحل لي انها ابنة أخي من الرضاعة ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم " وفي لفظ " من النسب "
- متفق عليه

2 - وعن عائشة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة "
- رواه الجماعة ولفظ ابن ماجه من النسب

3 - وعن عائشة " ان أفلح أخا أبى القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب قالت فأبيت أن آذن له فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرته بالذي صنعت فأمرني أن آذن له "
- رواه الجماعة

4 - وعن الامام علي رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب "
- رواه أحمد والترمذي

- قوله " اريد " بضم الهمزة الذي أراد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يتزوجها هو علي رضي الله عنه كما في صحيح مسلم وقد اختلف في اسم ابنة حمزة على أقوال . أمامة وسلمى وفاطمة عائشة وأمة الله وعمارة ويعلى وأنما كانت ابنة أخي النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه صلى الله عليه وآله وسلم رضع من ثويبة وقد كانت أرضعت حمزة
قوله : " أفلح " بالفاء والحاء المهملة وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقيل مولى أم سلمة والقيس بضم القاف وبعين وسين مهملتين مصغرا ( وقد استدل ) بأحاديث الباب على انه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وذلك بالنظر إلى أقارب المرضع لانهم أقارب للرضيع وأما أقارب الرضيع فلا قرابة بينهم وبين المرضع والمحرمات من الرضاع سبع الأم والأخت بنص القرآن والبنت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت لأن هؤلاء الخمس يحرمن من النسب وقد وقع الخلاف هل يحرم بالرضاع ما يحرم من الصهار وابن القيم قد حقق ذلك في الهدى بما فيه كفاية فليرجع إليه
وقد ذهب الأئمة الأربعة إلى أنه يحرم نظير المصاهرة بالرضاع فيحرم عليه أم امرأته من الرضاعة وامرأة أبيه من الرضاعة ويحرم الجمع بين الأختين من الرضاعة وبين المرأة وعمتها وبنتها وبين خالتها من الرضاعة وقد نازعهم في ذلك ابن تيمية كما حكاه صاحب الهدى وحديث عائشة في دخول أفلح عليها فيه دليل على ثبوت حكم الرضاع في حق زوج المرضعة وأقاربه كالمرضعة وقد ذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين وسائر العلماء وقد وقع التصريح بالمطلوب في رواية لأبي داود بلفظ قالت عائشة " دخل علي أفلح فاستترت منه فقال أتستترين مني وأنا عمك قلت من أين قال أرضعتك امرأة أخي قلت إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحدثته فقال إنه عمك فليلج عليك " وروي عن عائشة وابن عمر وابن الزبير ورافع بن خديج وزينب بنت أم سلمة وسعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد وسالم وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والشعبي والنخعي وأبي قلابة واياس بن معاوية القاضي أنه لا يثبت حكم الرضاع للزوج حكي ذلك عنهم ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وعبد الرزاق وابن المنذر وروى أيضا هذا القول عن ابن سيرين وابن علية والظاهرية وابن بنت الشافعي وقد روى ما يدل على أنه قول جمهور الصحابة فأخرج الشافعي عن زينب بنت أبي سلمة انها قالت كان يدخل علي وأنا امتشط أرى انه أبي وان ولده أخوتي لان امرأته أسماء أرضعتني فلما كان بعد الحرة ارسل إلى عبد الله بن الزبير يخطب ابنتي أم كلثوم على أخيه حمزة بن الزبير وكان للكلبية فقلت وهل تحل له فقال انه ليس لك بأخ إنما اخوتك من ولدت أسماء دون من ولد الزبير من غيرها قالت فأرسلت فسألت والصحابة متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا ان الرضاع لا يحرم شيئا من قبل الرجل فانكحتها اياه وأجيب بان الاجتهاد من بعض الصحابة والتابعين لا يعارض النص ولا يصح دعوى الإجماع لسكوت الباقين لأنا نقول نحن نمنع أولا أن هذه الواقعة بلغت كل المجتهدين منهم وثانيا أن السكوت في المسائل الاجتهادية لا يكون دليلا على الرضى وأما عمل عائشة بخلاف ما روت فالحجة روايتها لا رأيها وقد تقرر في الأصول أن مخالفة الصحابي لما رواه لا تقدح في الرواية وقد يصح عن على القول بثبوت حكم الرضاع للرجل وثبت أيضا عن ابن عباس كما في البخاري

باب شهادة المرأة الواحدة بالرضاع

1 - عن عقبة بن الحرث " أنه تزوج أم يحيى بنت أبي اهاب فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما قال فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعرض عني قال قتنحيت فذكرت ذلك له فقال وكيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما فنهاه عنها "
- رواه أحمد والبخاري وفي رواية " دعها عنك " رواه الجماعة إلا مسلما وابن ماجه

- في رواية للبخاري " فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف وقد قيل ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره " قوله " أم يحيى " اسمها غنية بفتح الغين المعجمة وكسر النون بعدها تحتية مشددة
وقيل اسمها زينب وأهاب بكسر الهمزة وآخره باء موحدة وقد استدل بالحديث على قبول شهادة المرضعة ووجوب العمل بها وحدها وهو مروى عن عثمان وابن عباس والزهري والحسن والاوزاعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد ولكنه قال يجب العمل على الرجل بشهادتها فيفارق زوجته ولا يجب الحكم على الحاكم وروى عن مالك وفي رواية عنه انه لا يقبل في الرضاع إلا شهادة امرأتين وبه قال جماعة من أصحابه
وقال جماعة منهم بالأول وذهبت العترة والحنفية إلى أنه لا بد من رجلين أو رجل وأمرأتين كسائر المور ولا تكفي شهادة المرضعة وحدها بل لا تقبل عند الهادوية لان فيها تقريرا لفعل المرضعة ولا تقبل عندهم الشهادة إذا كانت كذلك مطلقا ولكنه حكى في البحر عن الهادوية والشافعية والحنفية انه يجب العمل بالظن الغالب في النكاح تحريما ويجب على الزوج الطلاق ان لم تكمل الشهادة واستدل لهم على ذلك بهذا الحديث
وقال الإمام يحيى الخبر محمول على الاستحباب ولا يخفى ان النهي حقيقة في التحريم كما تقرر في الأصول فلا يخرج عن معناه الحقيقي إلا لقرينة صارفة والاستدلال على عدم قبول المرأة المرضعة بقوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } لا يفيد شيئا لأن الواجب بناء العام على الخاص ولا شك أن الحديث أخص مطلقا وأما ما أجاب به عن الحديث صاحب ضوء النهار من أنه مخالف للأصول فيجاب عنه بالاستفسار عن الأصول فان أراد القاضية باعتبار شهادة عدلين أو رجل وأمرأتين فلا مخالفة لان هذا خاص وهي عامة وان أراد غيرها فما هو
وأما ما رواه أبو عبيد عن علي وابن عباس والمغيرة أنهم امتنعوا من التفرقة بين الزوجين بذلك فقد تقرر ان أقوال بعض الصحابة ليست بحجة على فرض عدم معارضتها لما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم فكيف إذا عارضت ما هو كذلك وأما ما قيل من أمره صلى الله عليه وآله وسلم له من باب الاحتياط فلا يخفى مخالفته لما هو الظاهر ولا سيما بعد أن قرر السؤال أربع مرات كما في بعض الروايات والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول له في جميعها كيف وقد قيل وفي بعضها دعها عنك كما في حديث الباب وفي بعضها لاخير لك فيها مع أنه لم يثبت في رواية أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمره بالطلاق ولو كان ذلك من باب الاحتياط لأمره به فالحق وجوب العمل بقول المرأة المرضعة كانت أو أمة حصل الظن بقولها أو لم يحصل لما ثبت في رواية أن السائل قال وأظنها كاذبة فيكون هذا الحديث الصحيح هادما لتلك القاعدة المبنية على غير أساس أعني قولهم أنها لا تقبل شهادة فيها تقرير لفعل الشاهد ومخصصا لمعلومات الادلة كما خصصها دليل كفاية العدلة في عورات النساء عند أكثر المخالفين

باب ما يستحب أن تعطى المرضعة عند الفطام

1 - عن حجاج بن حجاج رجل من أسلم قال " قلت يا رسول الله ما يذهب عني مذمة الرضاع قال غرة عبد أو أمة "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه ابن الترمذي

- الحديث سكت عنه أبو داود وقال المنذري إنه الحجاج بن الحجاج بن مالك الأسلمي سكن المدينة
وقيل كان ينزل العرج ذكره أبو القاسم البغوي وقال لا أعلم للحجاج بن مالك غير هذا الحديث وقال أبو عمر النمري له حديث واحد وقال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث حسن صحيح هكذا رواه يحيى بن سعيد القطان وحاتم بن إسماعيل وغير واحد عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج بن حجاج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وراه سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج بن حجاج عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث ابن عيينة غير محفوظ والصحيح ما رواه هؤلاء عن هشام بن عروة وهشام بن عروة يكنى أبا المنذر وقد أدرك جابر بن عبدالله وابن عمر وفاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام هي أم هشام بن عروة انتهى كلامه
وقد بوب أبو داود على هذا الحديث باب في الرضخ عند الفصال وبوب عليه الترمذي باب ما يذهب مذمة الرضاع وقد استدل الحديث على استحباب العطية للمرضعة عند الفطام وأن يكون عبدا أو أمة والمراد بقوله ما يذهب عني مذمة الرضاع أي ما يذهب عني الحق الذي تعلق بي للمرضعة لأجل إحسانها لي بالرضاع فأني إن لم أكافئها على ذلك صرت مذموما عند الناس بسبب عدم المكافأة والله أعلم

كتاب النفقات

باب نفقة الزوجة وتقديمها على نفقة الأقارب

1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك "
- رواه أحمد ومسلم

2 - وعن جابر " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل أبدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء لأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذى قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي

3 - وعن أبي هريرة قال " رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تصدقوا قال رجل عندي دينار قال تصدق به على نفسك قال عندي دينار آخر قال تصدق به على زوجتك قال عندي دينار آخر قال تصدق به على ولدك قال عندي دينار آخر قال تصدق به إلى خادمك قال عندي دينار آخر قال أنت أبصر به "
- رواه أحمد والنسائي ورواه أبو داود لكنه قدم الولد على الزوجة واحتج به أبو عبيد في تحديد الغني بخمسة دنانير ذهبا تقوية بحديث ابن مسعود في الخمسين درهما

- حديث أبي هريرة الآخر أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم قال ابن حزم اختلف يحيى القطان والثوري فقدم يحيى الزوجة على الولد وقدم سفيان الولد على الزوجة فينبغي أن لا يقدم أحدهما على الآخر بل يكونان سواء لأنه قد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا تكلم تكلم ثلاث فيحتمل أن يكون في إعادته إياه مرة قدم الولد ومرة قدم الزوجة فصارا سواء ولكنه يمكن ترجيح تقدم الزوجة على الولد بما وقع من تقديمها في حديث جابر المذكور في الباب وهكذا قال الحافظ في التلخيص . وحديث أبي هريره الأول فيه دليل على أن الإنفاق على أهل الرجل أفضل من الإنفاق في سبيل الله ومن الإنفاق في الرقاب ومن التصدق على المساكين . وحديث جابر فيه دليل على أنه لا يجب على الرجل أن يؤثر زوجته وسائر قرابته بما يحتاج إليه في نفقة نفسه ثم إذا فضل عن حاجة نفسه شيء فعليه إنفاقه على زوجته وقد انعقد الإجماع على وجوب نفقة الزوجة ثم إذا فضل عن ذلك شئ فعلى ذوي قرابته ثم إذا فضل عن ذلك شئ فيستحب له التصدق بالفاضل والمراد بقوله هكذا وهكذا أي يمينا وشمالا كناية عن التصدق واعلم أنه قد وقع الإجماع على أنه يجب على الولد الموسر مؤنة الأبوين المعسرين كما حكى ذلك في البحر واستدل له بقوله تعالى { وبالوالدين إحسانا } ثم قال ولو كانا كافرين لقوله تعالى { وإن جاهداك } " وأنت ومالك لأبيك " ثم حكى بعد حكاية الإجماع المتقدم عن العنرة والفريقين أن الأم المعسرة كالأب في وجوب نفقتها ( واستدل ) بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " أمك ثم أمك " الخبر وحكي عن مالك الخلاف في ذلك لعدم الدليل وأجاب عليه بأن هذا الخبر دليل وعلى فرض عدم الدليل فبالقياس على الأب ثم قال وكذا الخلاف في الجد أب الأب ثم حكي عن عمرو بن أبو ليلى والحسن بن صالح والعترة وأحمد بن حنبل وأبي ثور أنها تجب النفقة لكل معسر على كل موسر إذا كانت ملتهما واحدة وكانا يتوارثان واستدل لذلك بقوله تعالى { وعلى الوارث مثل ذلك } اللام للجنس . وحكي عن أبي حنيفة وأصحابه أنها إنما تلزم للرح المحرم فقط . وعن الشافعي وأصحابه لا تجب إلا للأصول والفصول فقط . وعن مالك لا تجب إلا للولد والوالد فقط وقد أجيب عن الاستدلال بالآية المذكورة بمنع دلالتها على المطلوب ودعوى أن الإشارة بقوله ذلك إلى عدم المضارة وعلى التسليم فالمراد وارث الأب بعد موته والأولى أن يقال لفظ الوارث فيه احتمالات . أحدها أن يراد المولود له المذكور في صدر الآية وهو المولود وقد قال بهذا قبيصة بن ذؤيب . الثاني أن يراد وارث المولود وبه قال الجمهور من السلف وأحمد وإسحاق وأبو ثور . الثالث أن يراد به الباقي من الآبوين بعد الآخر وبه قال سفيان وغيره فحينئذ لفظ الوارث مجمل لا يحل حمله على أحد هذه المعاني إلا بدليل مع أنه لا يصح الاستدلال بالآية على وجوب نفقة كل معسر على من يرثه من قرابته الموسرين لأن الكلام في الآية في رزق الزوجات وكسوتهن ولكنه يدل على المطلوب عموم فلذي قرابتك
قوله : " تصدق به إلى ولدك فيه دليل على انه يلزم الأب نفقة ولده المعسر فإن كان الولد صغيرا فذلك اجماع كما حكاه صاحب البحر وإن كان كبيرا فقيل نفقته على الأب وحده دون الأم وقيل عليهما حسب الأرث ويأتي بقية الكلام على نفقة الاقارب في باب النفقة على الاقارب
قوله : " تصدق به على خادمك " فيه دليل على وجوب نفقة الخادم وسيأتي الكلام على ذلك في باب نفقة الرقيق
قوله : " بخمسة دنانير ذهبا " وقد قدمنا الكلام على هذا في الزكاة

باب اعتبار حال الزوج في النفقة

1 - عن معاوية القشيري قال " أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال فقلت ما تقول في نسائنا قال أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون ولا تضربوهن ولا تقبحوهن "
- أبو داود

- الحديث أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه والحاكم وابن حبان وصححاه وعلق البخاري طرفا منه وصححه الدار قطني في العلل وقد ساقه أبو داود في سننه من ثلاث طرق في كل واحدة منها بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وهو معاوية القشيري المذكور قال المنذري وقد أختلف الأئمة في الأحتجاج بهذه النسخة يعني نسخة بهز بن حكيم عن أبيه عن جده فمنهم من احتج بها ومنهم من أبى ذلك وخرج الترمذي منها شيئا وصححه ( وفي الحديث ) دليل على أنه يجب على الزوج أن يطعم أمرأته مما يأكل ويكسوها مما يكتسي وأنه لا يجوز له ضربها ولا بقبيحها وقد تقدم الحديث وشرحه في باب إحسان العشرة وقد استدل المصنف بهذا الحديث على أن العبرة بحال الزوج في النفقة ويؤيد ذلك أيضا قوله تعالى { لينفق ذو سعة من سعته } وإلى ذلك ذهبت العترة الشافعية وبعض الحنفية وذهب أكثر الحنفية ومالك إلى أن الاعتبار بحال الزوجة واستدلوا بقصة هند امرأة سفيان الآتية وأجيب عن ذلك بأنه أمرها بالأخذ بالمعروف ولم يطلق لها الأخذ على مقدار الحاجة

باب المرأة تنفق من مال الزوج بغير علمه إذا منعها الكفاية

1 - عن عائشة " أن هند قالت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني أنا وولدي ألا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف "
- رواه الجماعة إلا الترمذي

- قوله " ان هندا " هي بنت بن ربيعة والرواية بالصرف ووقع في رواية للبخاري بالمنع وأبو سفيان اسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف
قوله : " شحيح " أي بخيل صريص وهو أعم من البخل لأن البخل مختص بمنع المال والشح يعم منع كل شيء في جميع الاحوال كذا في الفتح
قوله : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " قال القرطي هذا إباحة بدليل ما وقع في رواية للبخاري بلفظ " لا حرج " والمراد بالمعروف الذي عرف بالعادة أنه الكفاية قال هذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظا فهي مقيدة كأنه قال إن صح ما ذكرت ( والحديث ) فيه دليل على وجوب نفقة الزوجة وهو مجمع عليه كما سلف وعلى وجوب نفقة الولد على الأب وانه يجوز لمن وجبت له النفقة شرعا على شخص أن يأخذ من ماله ما يكفيه إذا لم يقع منه الامتثال وأصر على التمرد وظاهره أنه لا فرق في وجوب نفقة الأولاد على أبيهم بين الصغير والكبير لعدم الاستفصال وهو ينزل منلة العموم وأيضا قد كان في أولادها في ذلك الوقت من هو مكلف كمعاوية رضي الله عنه فانه أسلم عام الفتح وهو ثمان وعشرين سنة فعلى هذا يكون مكلفا من قبل هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وسؤال هند كان في عام الفتح وذهبت الشافعية إلى اشتراط الصغر أو الزمانة وحكاه ابن المنذر عن الجمهور والحديث يرد عليهم ولم يصب من أجاب عن الاستدلال بهذا الحديث على وجوب نفقة الأولاد بأنه واقعة عين لا عموم لها لأن خطابالواحد كخطاب الجماعة كما تقرر في الأصول
وفي رواية متفق عليها " ما يكفيك ويكفي وليدك " وقد أجيب عن الحديث أيضا بأنه من باب الفتيا لا من القضاء وهو فاسد لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يفتي إلا بحق . واستدل بالحديث أيضا من نفقة الزوجة بالكفاية وبه قالالجمهور وقال الشافعي أنها تقدر بالأمداد فعلى الموسر كل يوم مدان والمتوسط مد ونصف والمعسر مد
وروى نحو ذلك عن مالك والحديث حجة عليهم كما أعترف بذلك التووي وللحديث فوائد لا يتعلق غالبها بالمقام وقد استوفاها في فتح الباري واستوفى طرق الحديث واختلاف ألفاظه

باب إثبات الفرقة للمرأة إذا تعذرت النفقة بإعسار ونحوه

1 - عن ابن هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال خير الصدقة ما كان منها عن ظهر غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول . فقيل من أعول يا رسول الله قال امرأتك ممن تعول تقول أطعمني وإلا فارقني جاريتك تقول اطعمني وأستعملني . ولدك يقول الي من تتركني "
- رواه أحمد والدارقطني باسناد صحيح وأخرجه الشيخان في الصحيحين وأحمد من طريق آخر وجعلوا الزيادة للفسرة فيه من قول أبي هريرة

2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال يفرق بينهما "
- رواه الدارقطني

- حديث أبي هريرة الأول حسن اسناده الحافظ وهو من رواية عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة وفي حفظ عاصم مقال . ولفظ الحديث الذي أشار إليه الصنف في البخاري عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى واليد السفلى وابدأ بمن تعول تقول المرأة إما أن تطعمني وأما أن تطلقني . ويقول العبد اطعمني واستعملني . ويقول الابن أطعمني وإلى من تدعني
قالوا يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لاهذا من كيس أبي هريرة . وحديث أبي هريرة الآخر أخرجه أيضا البيهقي من طريق عاصم القاري عن أبي صالح عن أبي هريرة وأعله أبو حاتم
وفي الباب عن سعيد بن المسيب عند سعيد بن منصور والشافعي وعبد الرزاق في الرجل لا يجد ما ينفق على أهله قال يفرق بينهما قال أبو الزناد قلت لسعيد سنة قال سنة وهذا مرسل قوي . وعن عمر عند الشافعي وعبد الرزاق وابن المنذر انه كتب إلى أمراء الاجناد في رجال غابوا عن نسائهم أما أن ينفقوا وإما أن يطلقوا ويبعثوا نفقة ما حبسوا
قوله : " ما كان عن ظهر غنى " فيه دليل على أن صدقة من كان غير محتاج لنفسه إلى ما تصدق به بل مستغنيا عنه أفضل من صدقة المحتاج إلى ما تصدق به ويعارضه حديث أبو هريرة عند أبو داود والحاكم يرفعه أفضل الصدقة جهد من مقل
وقد فسره في النهاية بقدر ما يحتمله حال قليل المال . وحديث أبو هريرة أيضا عند النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم وقال على شرط مسلم قال " قال رسول الله الله صلى الله عليه وآله وسلم سبق درهم مائة ألف درهم فقال رجل وكيف ذاك يا رسول الله قال رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف درهم فتصدق بها ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق بها فهذا تصدق بنصف ماله " الحديث ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } ويؤيد الأول قوله تعالى { ولا تجعل يدك مغلولة إلى غنقك ولا تبسطها كل البسط } ويمكن الجمع بأن الأفضل لمن كان يتكفف الناس إذا تصدق بجميع ماله أن يتصدق عن ظهر غنى والأفضل من يصبر على الفاقة أن يكون متصدقا بما يبلغ إليه جهده وإن لم يكن مستغنيا عنه ويمكن أن يكون المراد بالغنى غنى النفس كما في حديث أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما " ليس الغني عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس "
قوله : اليد العليا هي يد المتصدق واليد السفلى يد المتصدق عليه هكذا في النهاية . وسيأتي في باب النفقة على الأقارب ما يدل على هذا التفسير
قوله : " وأبدأ بمن تعول " أي بمن تجب عليك نفقته
قال في الفتح يقال عال الرجل أهله إذا مانهم أي قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة
وفيه دليل على وجوب نفقة الأولاد مطلقا
وقد تقدم الخلاف في ذلك على وجوب نفقة الأرقاء وسيأتي
قوله : " تقول أطعمني وإلا فارقني " . استدل به وبحديث أبي هريرة الآخر على أن الزوج إذا أعسر عن نفقة امرأته واختارت فراقه فرق بينهما . وإليه ذهب جمهور العلماء كما حكاه في فتح الباري وحكاه صاحب البحر عن الإمام علي رضي الله عنه وعمر وأبي هريرة والحسن البصري وسعيد بن المسيب وحماد وربيعة ومالك وأحمد بن حنبل والشافعي والإمام يحيى
وحكى صاحب الفتح عن الكوفيين أنه يلزم المرأة الصبر وتتعلق النفقة بذمة الزوج . وحكاه في البحر عن عطاء والزهري والثوري والقاسمية وأبي حنيفة وأصحابه وأحد قولي الشافعي ومن جملة ما احتج به الأولون قوله تعالى { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } وأجاب الآخرون عن الأحاديث المذكورة بما سلف من إعلالها وأما ما في الصحيحين فهومن قول أبي هريرة كما وقع التصريح به منه حيث قال أنه من كيسه بكسر الكاف أي من استنباطه من المرفوع وقد وقع في رواية الأصيلي بفتح الكاف أي من فطنته وأما قول عمر فليس مما يحتج به وأجابوا عن الآية بأن ابن عباس وجماعة من التابعين قالوا نزلت فيمن كان يطلق فإذا كادت العدة تنقضي راجع ويجاب عن ذلك بأن الأحاديث المذكورة يقوي بعضها بعضا مع أنه لم يكن فيها قدح يوجب الضعف فضلا عن السقوط والآية المذكورة وإن كان سببها خاصا كما قيل فالأعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وأما استدلال الآخرين بقوله تعالى { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها } قالوا وإذا أعسر ولم يجد سببا يمكنه به تحصيل النفقه فلا تكليف عليه بدلالة الآية فيجاب عنه بأنا لم نكلفه النفقة حال إعساره بل دفعنا الضرر عن امرأته وخلصناها من حباله لتكتسب لنفسها أو يتزوجها رجل آخر واحتجوا أيضا بما في صحيح مسلم من حديث جابر أنه دخل أبو بكر وعمر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجداه حول نساؤه واجما ساكتا وهن يسألنه النفقة فقام كل واحد منهما إلى إبنته أبو بكر إلى عائشة وعمر إلى حفصة فوجاآ أعناقهما فأعتزلهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك فضربهما لابنتيهما في حضرته صلى الله عليه وآله وسلم لأجل مطالبتهما بالنفقة التي لا يجدها يدل على عدم التفرقة لمجرد الاعسار عنها قالوا ولم يزل الصحابة فيهم الموسر والمعسر ومعسروهم أكثر ويجاب عن الحديث المذكور بأن زجرهما عن المطالبة بما ليس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدل على عدم جواز الفسخ لاجل الاعسار ولم يرواتهن طلبنه ولم يجبن إليه كيف وقد خيرهن صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك فاخترنه وليس النزاع جواز المطالبة للمعسر بما ليس عنده وعدمها بل محله هل يجوز الفسخ عند التعذر أم لا وقد أجيب عن هذا الحديث بأن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعد من النفقة بالكلية لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد استعاذ من الفقر المدقع ولعل ذلك إنما كان فيما زاد على قوام البدن مما يعتاد الناس النزاع في مثله وهكذا يجاب عن الاحتجاج بما كان عليه الصحابة من ضيق العيش . وظاهر الأدلة أنه يثبت الفسخ للمرأة بمجرد عدم وجدان الزوج لنفقتها بحيث يحصل عليها ضررمن ذلك وقيل انه يؤجل الزوج مدة فروى من مالك أنه يؤجل شهرا وعن الشافعية ثلاثة أيام ولها الفسخ في أول اليوم الرابع
وروى عن حماد أن الزوج يؤجل سنة ثم يفسخ قياسا على العنين وهل تحتاج المرأة إلى الرفع إلى الحاكم روى عن المالكية في وجه لهم أنها ترافعه إلى الحاكم ليجبره على الإنفاق أو يطلق عنهوفي وجه لهم آخر أنه ينفسخ النكاح بالأعسار لكن بشرط أن بثبت إعساره عند الحاكم والفسخ بعد ذلك إليها
وروي عن أحمد أنها إذا اختارت الفسخ رافعته إلى الحاكم والخيار إليه بين أن يجبره على الفسخ أو الطلاق وروي عن عبد الله بن الحسن العنبري أن الزوج إذا أعسر عن النفقة حبسه الحاكم حتى يجدها وهو في غاية الضعف لأن تحصيل الرزق غير مقدور له إذا كان من الذين أعوزته المطالب وأكدت عليه جميع المكاسب اللهم إلا أن يتقاعد عن طلب أسباب الرزق والسعي له مع تمكنه من ذلك فلهذا القول وجه وذهب ابن حزم إلا أنه يجب على المرأة الموسرة إنفاق زوجها المعسر ولا ترجع عليه إذا أيسر . وذهب ابن القيم إلى التفصيل وهو إذا تزوجت به عالمة بإعساره أو كان حال الزواج موسرا ثم أعسر فلا فسخ لها وإن كان هو الذي غرها عند الزواج بأنه موسر ثم تبين لها إعساره كان لها الفسخ ( واعلم ) أنه لا فسخ لأجل الإعسار بالمهر على ما ذهب إليه الجمهور . وذهب بعض الشافعية وهو مروى عن أحمد إلى أنه يثبت الفسخ لأجل ذلك والظاهر الأول لعدم الدليل الدال على ذلك وقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم بأن النساء عوان في يد الأزواج كما تقدم أي حكمهن حكم الإسراء لأن العاني الأسير والأسير لا يملك لنفسه خلاصا من دون رضا الذي هو في أسره فهكذا النساء ويؤيد هذا الحديث " الطلاق لمن أمسك بالساق " فليس للزوجة تخليص نفسها من تحت زوجها إلا إذا دل الدليل على جواز ذلك كما في الإعسار عن النفقة ووجود العيب المسوغ للفسخ وهكذا إذا كانت المرأة تكره الزوج كراهة شديدة وقد قدمنا الخلاف في ذلك

باب النفقة على الأقارب ومن يقدم منهم

1 - عن أبي هريرة قال " قال رجل يا رسول الله أي الناس أحق مني بحسن الصحبة قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك "
- متفق عليه . ولمسلم في رواية " من أبر قال أمك "

2 - وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال " قلت يا رسول الله من أبر قال أمك قال قلت ثم من قال أمك قال قلت يارسول الله ثم من قال أمك قال قلت ثم من قال أباك ثم الأقرب فالأقرب "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي

3 - وعن طارق المحاربي قال " قدمت المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول يد المعطي العليا وابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك "
- رواه النسائي

4 - وعن كليب بن منفعة عن جده أنه " أتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله من أبر قال أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذاك حق واجب ورحم موصولة "
- رواه أبو داود

- حديث بهز بن حكيم أخرجه أيضا الحاكم وحسنه أبو داود وحديث طارق المحابي أخرجه أيضا ابن حيان والدارقطني وصححاه وحديث كليب بن منفعة أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وقد أخرجه البغوي وابن قانع والطبراني في الكبير والبيهقي ورجال اسناد أبي داود لابأس بهم ( وفي الباب ) عن المقدام ابن معد يكرب عند البيهقي باسناد حسن " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن الله يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بآبائكم ثم بالأقرب فالأقرب " وأخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد وابن حبان والحاكم وصححاه بلفظ " إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم الأقرب فالأقرب " وأخرج الحاكم من حديث أبي رمثة بلفظ " أمك أمك وأباك ثم أختك وأخاك ثم أدناك أدناك " قوله " أمك " فيه دليل على أن الأم أحق بحسن الصحبة من الأب وأولى منه بالبر حيث لا يتسع مال الابن الالنفقة واحد منهما وإليه ذهب الجمهور كما حكاه القاضي عياض فانه قال ذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب وقيل انهما سواء وهو مروي عن مالك وبعض الشافعية
وقد حكى الحارث المحاسبي الاجماع على تفضيل الأم على الأب قوله " ثم الأقرب فالأقرب " فيه دليل على وجوب نفقة الأقارب سواء كانوا وارثين أم لا وقد قدمنا تفضيل الخلاف في ذلك واستدل من اعتبر الميراث بقوله تعالى { وعلى الوارث مثل ذلك } قوله ( يد المعطي العليا ) هو تفسير للحديث المتقدم بلفظ " اليد العليا خير من اليد السفلى " قوله " وابدأ بمن تعول " قد تقدم تفسيره قوله " ثم أدناك أدناك " هو مثل قوله " ثم الأقرب فالأقرب " وفي ذلك دليل على أن القريب الأقرب أحق بالبر والانفاق من القريب الابعد وان كانا جميعا فقيرين حيث لم يكن في مال المنفق إلا بمقدار ما يكفي أحدهما فقط بعد كفايته قوله " ومولاك الذي يلي ذاك " قيل أراد بالمولى هنا القريب ولعل وجه ذلك أنه جعله واليا للأم والأب والأخت والأخ ولا بد أن يكون الوالى لهم من في قرابة النسب . والظاهر أن المراد بالمولي هو المولي لغة وشرعا وجعله لمن ذكر لا يستلزم أن يكون من جنسهم في القرابة بل المراد أنه يليهم في استحقاق النفقة حيث لم يوجد معهم من هو مقدم عليه ولا يلزم من قوله بعد ذلك ورحم موصولة أن تكون الرحامة موجودة في جميع المذكورين بل يكفي وجودها في البعض كالأم والأب والأخت والأخ

باب من أحق بكفالة الطفل

1 - عن البراء بن عازب " أن ابنة حمزة اختصم فيها علي وجعفر وزيد فقال علي أنا أحق بها هي إبنة عمي وقال جعفر بنت عمي وخالتها تحتى وقال زيد ابنة أخي فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخالتها وقال الخالة بمنرلة الأم
- متفق عليه ورواه أحمد أيضا من حديث علي وفيه " والجارية عند خالتها فإن الخالة والدة

- حديث علي رضي الله عنه أخرجه أيضا أبو داود والحاكم والبيهقي بمعناه " قوله " وخالتها تحتى " الخالة المذكورة هي أسماء بنت عميس قوله " وقال زيد ابنة أخي " إنما سمى حمزة أخاه لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخى بينه وبينه قوله " الخالة بمنزلة الأم " فيه دليل على أم الخالة في الحضانة بمنزلة الأم وقد ثبت بالإجماع أن الأم أقدم الحواضن فمقتضى التشبيه أن تكون الخالة أقدم من غيرها من آمهات الأم وأقدم من الأب والعمات . وذهبت الشافعية والهادي الي تقديم الأب على الخالة . ذهب الشافعي والهادوية إلى تقدم أم الأم وأم الأب على الخالة أيضا . وذهب الناصر والمؤيد بالله وأكثر أصحاب الشافعي وهو رواية عن أبي حنيفة إلى الأخوات أقدم من الخالة . والأولى تقديم الخالة بعد الأم على سائر الحواضن لنص الحديث وفاء بحق التشبيه المذكور وإلا كان لغوا
وقد قيل إن الأب أقدم من الخالة بالإجماع وفيه نظر فإن صاحب البحر قد حكى عن الأصطخري أن الخالة أولى منه ولم يحكي القول بتقديم الأب عليها إلا عن الهادي والشافعي وأصحابه
وقد طعن ابن حزم في حديث البراء المذكور بأن في إسناده اسرائيل وقد ضعفه علي بن المديني وردعليه بأنه قد وثقه سائر أهل الحديث وتعجب أحمد من حفظه وقال ثقة
وقال أبو حاتم هو أتقن أصحاب أبي اسحاق وكفى باتفاق الشيخين على إخراج هذا الحديث دليلا . واستشكل كثير من الفقهاء وقوع القضاء منه صلى الله عليه وآله وسلم لجعفر وقالوا إن كان القضاء له فليس بمحرم لها وهو وعلي سواء في قرابتها وإن كان القضاء للخالة فهي مزوجة وسيأتي ان زواج الأم مسقط لحقها من الحضانة فسقوط حق الخالة بالزواج أولى . وأجيب عن ذلك بأن القضاء للخالة والزواج لا يسقط حقها من الحضانة مع رضا الزوج كما ذهب إليه أحمد والحسن البصري والإمام يحيى وابن حزم وقيل أن النكاح إنما يسقط حضانة الأم وحدها حيث كان المنازع لها الأب ولا يسقط حق غيرها ولا حق الأم حيث كان المنازع لها غير الأب و يجمع بين حديث الباب وحديث " أنت أحق به ما لم تنكحي " الآتي واليه ذهب ابن جريج

2 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص " أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال أنت أحق به ما لم تنكحي "
- رواه أحمد وأبو داود لكن في لفظه " وأن أباه طلقني وزعم أن ينتزعه مني "

- الحديث أخرجه أيضا البيهقي وصححه وهو من حديث عمر وبن شعيب عن أبيه عن جده قوله " وعاء " بفتح الواو والمد وقد يضم وهو الظرف وقرأ السبعة { قبل وعاء أخيه } بالكسر . والحواء بكسر الحاء والمد اسم لكل شيء يحوي غيره أي يجمعه . والسقاء بكسر السين أي يسقي منه اللبن . ومراد الأم بذلك أنها أحق به لاختصاصها بهذه الأوصاف دون الأب . قوله " أنت أحق به " فيه دليل على أن الأم أولى بالولد من الأب ما لم يحصل مانع من ذلك كالنكاح لتقييده صلى الله عليه وآله وسلم للأحقية بقوله " ما لم تنكحي " وهو مجمع على ذلك كما حكاه صاحب البحر فإن حصل منها النكاح بطلت حضانتها وبه قال مالك والشافعية والحنفية والعترة
وقد حكى ابن المنذر الاجماع عليه
وروي عن عثمان أنها لا تبطل بالنكاح وإليه ذهب الحسن البصري وابن حزم واحتجوا بما روي أن أم سلمة تزوجت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبقي ولدها في كفالتها وبما تقدم في حديث ابنة حمزة . ويجاب عن الأول بأن مجرد البقاء مع المنازع لا يصلح للاحتجاج به على محل النزاع لاحتمال أنه لم يبق له قريب غيرها . وعن الثاني بأن ذلك في الخالة ولا يلزم في الأم مثله
وقد ذهب أبو حنيفة والهادوية إلى أن النكاح إذا كان بذي رحم محرم للمحضون لم يبطل به حق حضانتها
وقال الشافعي يبطل مطلقا لأن دليل لم يفصل وهو الظاهر وحديث ابنة حمزة لا يصلح للتمسك به لأن جعفرا ليس بذي رحم محرم لابنة حمزة
وأما دعوى دلالة القياس على ذلك كما زعمه صاحب البحر فغير ظاهر
وقد أجاب ابن حزم عن حديث الباب بأن في أسناده عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولم يسمع أبوه من جده وإنما هو صحيفة كما سبق تحقيقه ورد بأن حديث عمرو بن شعيب قبله الأئمة وعملوا به ( وقد استدل ) لمن قال بأن النكاح إذا كان بذي رحم للمحضون لم يبطل حق المرأة من الحضانة بما رواه عبد الرزاق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن " أنها جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت أن أبي أنكحني رجلا لا أريده وترك عم ولدي فأخذ مني ولدي فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أباها ثم قال لها اذهبي فانكحي عم ولدك " وهذا مع كونه مرسلا في إسناده رجل مجهول ولم يقع التصريح فيه بأنه أرجع الولد اليها عند أن زوجها بذي رحم له

3 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه " رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه . في رواية " أن امرأة جاءت فقالت يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استهما عليه فقال زوجها من يحاقني في ولدي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به "
- رواه أبو داود وكذلك النسائي ولم يذكر " فقال استهما عليه " ولأحمد معناه لكنه قال فيه " جاءت امرأة قد طلقها زوجها " ولم يذكر فيه قولها قد سقاني ونفعني

4 - وعن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري عن جده " أن جده أسلم وأبت امرأته أن تسلم فجاء بابن له صغير لم يبلغ قال فأجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأب ههنا والأم ههنا ثم خيره وقال اللهم أهده فذهب إلى أبيه "
- رواه أحمد والنسائي وفي رواية عن عند الحميد بن جعفر " قال أخبرني أبي عن جدي رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت ابنتي وهي فطيم أو شبهه وقال رافع ابنتي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقعد ناحية وقال لها اقعدي ناحية فأقعد الصبية بينهما ثم قال ادعوها فمالت إلى أمها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها "
- رواه أحمد وأبو داود وعبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن رافع بن سنان الأنصاري

- حديث أبي هريرة رواه باللفظ الأول أيضا أبو داود ورواه بنحو اللفظ الثاني بقية أهل السنن وابن أبي شيبة وصححه الترمذي وابن حبان وابن القطان . وحديث عبد الحميد باللفظ الآخر أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه والدارقطني وفي اسناده اختلاف كثير وألفاظه مختلفة ورجح ابن القطان رواية عبد الحميد بن جعفر وقال ابن المنذر لا يثبته أهل النقل وفي إسناده مقال ولكنه قد صححه الحاكم وذكر الدارقطني أن البنت المخيرة اسمها عميرة وقال ابن الجوزي رواية من روى أنه كان غلاما أصح
وقال ابن القطان لو صح رواية من روى أنها بنت لأحتمل أنهما قصتان لاختلاف الخرجين
قوله : " خير غلاما " الخ فيه دليلعلى أنه إذا تنازع الأب والأم في ابن لهما كان الواجب هو تخييره فمن اختاره ذهب به
وقد أخرج البيهقي عن عمر أنه خير غلاما بين أبيه وأمه
وأخرج أيضا هم علي أنه خير عمارة الجذامي بين أمه وعمته وكان ابن سبع أو ثمان سنين وقد ذهب إلى هذا الشافعي وأصحابه وإسحاق بن راهويه وقال أحب أن يكون مع الأم إلى سبع سنين ثم يخير وقيل إلى خمس . وذهب أحمد إلى أن الصغير دون سبع سنين أنه أولى به وان بلغ سبع سنين فالذكر فيه ثلاث روايات . يخير وهو المشهور عن أصحابه وإن لم يختر أقرع بينهما . والثانية أن الأب أحق به . والثالثة أن الأب أحق بالذكر والأم أحق بالأنثى إلى تسع ثم يكون الأب أحق بها . والظاهر من أحاديث الباب أن التخيير في حق من بلغ من الأولاد إلى سن التمييز هو الواجب من غير فرق بين الذكر والأنثى . وحكى في البحر عن مذهب الهادوية وأبي طالب وأبي حنيفة وأصحابه ومالك أنه لا تخيير بل متى استغنى بنفسه فالأب أولى بالذكر والأم بالأنثى . وعن مالك الأنثى للأم حتى تزوج وتدخل والأب للذكر حتى يبلغ . وحد الاستعناء عند أبي حنيفة وأصحابه وأبي العباس وأبي طالب أن يأكل ويشرب ويلبس . وعند الشافعي والمؤيد بالله والإمام يحيى هو بلوغ السبع . وتمسك النافون للتخيير بحديث " أنت أحق ما لم تنكحي " ويجاب عنه بأن الجمع ممكن وهو أن يقال المراد بكونها أحق به فيما قبل السن التي يخير فيها لا فيما بعدها بقرينة أحاديث الباب
قوله : " استهما عليه " فيه دليل على أن القرعة طريق شرعية عند تساوي الأمرين وأنه يجوز الرجوع اليها كما يجوز الرجوع إلى التخيير
وقد قيل إنه يقدم التخيير عليها وليس في حديث أبي هريرة المذكور ما يدل على ذلك بل ربما دل على عكسه لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهما أولا بالاستهام ثم لما لم يفعلا خير الولد
وقد قيل إن التخيير أولى لاتفاق ألفاظ الحديث عليه وعمل الخلفاء الراشدين به . وقوله " من يحاقني " الحقاق والحتقاق الخصام والاختصام كما في القاموس أي من يخاصمني في ولدي قوله " فمالت إلى أمها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللهم اهدها " استدل بذلك على جواز نقل الصبي إلى من اختار ثانيا وقد نسبه صاحب البحر إلى القائلين بالتخيير واستدل بحديث عبد الحميد المذكور على ثبوت الحضانة للأم لأن التخيير دليل ثبوت الحق وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور . وذهب الجمهور إلى أنه لا حضانة للكافرة على ولدها المسلم وأجابوا عن الحديث بما تقدم من المقال وبما فيه من الاضطراب ويجاب بأن الحديث صالح للاحتجاج به والاضطراب ممنوع باعتبار محل الحجة
وأما احتجاجهم بمثل قوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } وبنحو حديث " الإسلام يعلو " فغير نافع لأنه عام وحديث الباب خاص . وأعلم أنه ينبغي قبل التخيير والاستهام ملاحظة ما فيه مصلحة للصبي فإذا كان أحد الأبوين أصلح للصبي من الآخر قدم عليه من غيرقرعة ولا تخيير هكذا قال ابن القيم واستدل بأدلة عامة نحو قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا } وزعم أن قول من قال بتقديم التخيير أو القرعة مقيد بهذا وحكى عن شيخه ابن تيمية أنه قال تنازع أبوان صبيا عند الحاكم فخير الولد بينهما فاختار أباه فقالت أمه سله لأي شيء يختاره فسأله فقال أمي تبعثني كل يوم للكاتب والفقيه يضرباني وأبي يتركني ألعب مع الصبيان فقضى به للأم ورجح هذا تيمية . واستدل له بنوع من أنواع المناسب ولا يخفى أن الأدلة المذكورة في خصوص الخضانة خالية عن مثل هذا الاعتبار مفوضة حكم الأحقية إلى محض الاختيار فمن جعل المناسب صالحا لتخصيص الأدلة أو تقييدها فذاك ومن أبى ووقف علي مقتضاها كان في تمسكه وموافقته له أسعد من غيره

باب نفقة الرقيق والرفق بهم

1 - عن عبد الله بن عمرو " أنه قال لقهرمان له هل أعطيت الرقيق قوتهم قال لا قال فانطلق فأعطهم فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال كفى بالمرء إنما أن يحبس عمن يملك قوته "
- رواه مسلم

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل ما لا يطيق "
- رواه أحمد ومسلم

3 - وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " هم اخوانكم وخولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فأن كلفتموهم فأعينوهم عليه "
- متفق عليه

4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا أتي أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه منه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فانه ولى حره وعلاجه "
- رواه الجماعة

5 - وعن أنس قال " كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين حضرته الوفاة وهو يغرغر بنفسه الصلاة وما ملكت أيمانكم " - رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

- حديث أنس أخرجه أيضا النسائي وابن سعد وله عند النسائي أسانيد منها مارجاله رجال الصحيح وله شاهد من حديث علي عند أبي داود وابن ماجه زاد فيه " الزكاة بعد الصلاة "

- ( وأحاديث الباب ) فيها دليل على وجوب نفقة المملوك وكسوته وهو مجمع على ذلك كما حكاه صاحب البحر وغيره وظاهر حديث عبد الله ابن عمرو وحديث أبي هريرة أنه لا يتعين على اطعامه مما يأكل بل الواجب الكفاية بالمعروف وظاهر حديث أبي ذر يجب على السيد إطعامه مما يأكل وكسوته مما يلبس وهو محمول على الندب والقرينة الصارفة إليه الاجماع على أنه لا يجب على السيد ذلك وذهبت العترة والشافعي إلى أن الواجب الكفاية بالمعروف كما وقع في رواية فلا يحوز التقتير الخارج عن العادة ولا يجب بذل فوق المعتاد قدرا وجنسا وصفة قوله " ولا يكلف من العمل ما لا يطيق " فيه دليل على تحريم تكليف العبيد والاماء فوق ما يطيقونه من الأعمال وهذا مجمع عليه قوله " إذا أتى أحدكم خادمه بنصب أحدكم ورفع خادمه " والخادم يطلق على الذكرو الأنثى وهو أعم من الحر والمملوك قوله " فان لم يجلسه " أي لم يجلس المخدوم الخادم قوله " لقمة أو لقمتين " بضم اللام وهي العين المأكولة من الطعام وروي بفتح اللام والصواب الأول إذا كان المراد العين وهو ما يلتقم والثاني إذا كان المراد الفعل وهكذا قوله " أكلة أو أكلتين " وهو شك من الراوي وفي هذا دليل على أنه لا يجب اطعام المملوك من جنس ما يأكله المالك بل ينبغي أن يناوله منه ملء فمه للعلة المذكورة آخرا وهي توليه لحره وعلاجه ويدفع إليه ما يكفيه من أي طعام أحب على حسب ماتقتضيه العادة لما سلف من الاجماع وقد نقله ابن المنذر فقال الواجب عند جميع أهل العلم اطعام الخادم من غالب القوت الذي يأكل منه مثله في تلك البلد وكذلك الادام والكسوة وللسيد أن يستأثر بالنفيس من ذلك وان كان الأفضل المشاركة وقال الشافعي بعد أن ذكر الحديث هذا عندنا على وحهين الأول أن أجلاسه معه أفضل فإن لم يفعل فليس بواجب الثاني أنه يكون الخيار إلى السيد بين أن يجلسه أو يناوله ويكون اختيارا غير حتم
قوله : " كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فيه دليل على وقوع الوصية منه صلى الله عليه وآله وسلم وقد قدمنا الكلام على ذلك في كتاب الوصايا
قوله : " يغرغر " بغينين معجمتين وراءين مهملتين مبني للمجهول . قوله " الصلاة وما ملكت أيمانكم " أي حافظوا على الصلاة وأحسنوا إلى المملوكين

باب نفقة البهائم

1 - عن ابن عمر " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لاهي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولاهي تركتها تأكل من حشائش الأرض "
- وروى أبو هريرة مثله

2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا فقال في كل كبد رطبة أجر "
- متفق عليهن

3 - وعن سراقة بن مالك قال " سألت النبي الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الضالة من الإبل تغشى حياضي قد لطنها للإبل هل لي من أجر في شأن ما أسقيها قال نعم في كل ذات كبد حراء أجر "
- رواه أحمد

- حديث سراقة أخرجه أيضا ابن ماجه وأبو يعلي والبغوي والطبراني في الكبير والضياء في المختارة
قوله : " عذبت امرأة " قال الحافظ لم أقف على اسمها ووقع في رواية أنها حميرية وفي أخرى أنها من بني اسرائيل كما في مسلم والجمع ممكن لأن طائفة من حمير دخلوا في اليهودية فيكون نسبتها إلى بني اسرائيل لأنهم أهل دينها وإلى حمير لأنهم قبيلتها قوله " في هرة " أي بسبب هرة والهرة أنثى السنور قوله " خشاش الأرض " بفتح الخاء المعجمة ويجوز ضمها وكسرها وبعدها معجمتان بينهما ألف والمراد هوام الأرض وحشراتها قال النووي وروي بالحاء المهملة والمراد نبات الأرض قال وهو ضعيف أو غلط
وفي رواية من حشرات الأرض وقد استدل بهذا الحديث على تحريم حبس الهرة وما يشابهها من الدواب بدون طعام ولاشراب لأن ذلك من تعذيب خلق الله وقد نهى عنه الشارع
قال القاضي عياض يحتمل أن تكون عذبت في النار صحيحة أو بالحساب لأن من نوقش الحساب عوقب ولا يخفى أن قوله فدخلت فيها النار يدل على الاحتمال الأول وقد قيل أن المرأة كانت كافرة فدخلت النار بكفرها وزيد في عذابها لأجل الهرة قال النووي وإلا ظهر أنها كانت مسلمة وإنما دخلت النار بهذه المعصية
قوله : " يلهث " قال في القاموس اللهثان العطشان وبالتحريك العطش كاللهث واللهاث وقد لهث كسمع وكغراب حر العطش وشدة الموت قال ولهث كمنع لهثا ولهاثا بالضم أخرج لسانه عطشا أو تعبا أو إعياء كاللهث واللهثة بالضم التعب والعطش انتهى
قوله : " الثرى " هو التراب الندي كما في القاموس قوله " في كل كبد رطبة " الرطب في الأصل ضد اليابس وأريد به هنا الحياة للأن الرطوبة في البدن تلازمها وهي كذلك الحرارة في الأصل ضد البرودة وأريد بها هنا الحياة لأن الحرارة تلازمها وقد استدل باحاديث الباب على وجوب نفقة الحيوان على مالكه وليس فيها ما يدل على الوجوب المدعى أما حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة الأول الذي أشار إليه المصنف فليس فيهما إلا وجوب انفاق الحيوان المحبوس على حابسه وهو أخص من الدعوى اللهم إلا أن يقال إن مالك الحيوان حابس له في ملكه فيجب الإنفاق على كل مالك لذلك ما دام حابسا له إلا إذا سيبه فلا وجوب عليه لقوله في الحديث " ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض " كما وقع التصريح بذلك في كتب الفقه ولكن لا يبرأ بالتسييب إلا إذا كان في مكان معشب يتمكن الحيوان فيه من تناول ما يقوم بكفايته وأما حديث أبو هريرة الثاني فليس فيه إلا أن المحسن إلى الحيوان عند الحاجة إلى الشراب ويلحق به الطعام مأجور وليس النزاع في استحقاق الأجر بما ذكر إنما النزاع في الوجوب وكذلك حديث سراقة بن مالك ليس فيه مجرد الأجر للفاعل وهو يحصل بالمندوب فلا يستفاد منه الوجوب غاية الأمر إن الإحسان إلى الحيوان المملوك أولى من الإحسان إلى غيره لأن هذه الأحاديث مصرحة بأن الإحسان إلى غير المملوك موجب للأجر وفحوى الخطاب يدل على أن المملوك أولى بالإحسان لكونه محبوسا عن منافع نفسه بمنافع مالكه وأما إن المحسن إليه أولى بالأجر من المحسن إلى غير المملوك فلا فأولى ما يستدل به على وجوب إنفاق الحيوان المملوك حديث الهرة لأن السبب في دخول تلك المرأة النار ليس مجرد ترك الإنفاق بل مجموع الترك والحبس فإذا كان هذا الحكم ثابتا في مثل الهرة فثبوته في مثل الحيوانات التي تملك أولى لانها مملوكة محبوسة مشغولة بمصالح المالك
وقد ذهبت العترة والشافعي وأصحابه إلى أن مالك البهيمة إذا تمرد عن علفها أو بيعها أو تسييبها أجبر كما يجبر مالك العبد بجامع كون كل منهم مملوكا ذا كبد رطب مشغولا بمصالح مالكه محبوسا عن مصالح نفسه وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن مالك الدابة يؤمر بأحد تلك الأمور استصلاحا لا حتما قالوا إذ لا يثبت لها حق ولا خصومة ولا ينصب عنها فهي كالشجرة وأجيب بأنها ذات روح محترم فيجب حفظه كالآدمي وأما الشجر فلا يجبر على إصلاحه اجماعا لكونه ليس بذي روح فافترقا والتخيير بين الأمور المذكورة إنما هو في الحيوان الذي دمه محترم وأما الحيوان الذي يحل أكله فيخير المالك بين تلك الأمور الثلاثة أو الذبح قوله " قد لطتها " بضم اللام وبالطاء المهملة وهو في الأصل اللزوم والستر والالصاق كما حققه صاحب القاموس والمراد هنا اصلاح الحياض يقال لاط حوضه يليطه إذا أصلحه بالطين والمدر ونحوها ومنه قيل اللائط لمن يفعل الفاحشة

كتاب الدماء

باب إيجاب القصاص بالقتل العمد وأن مستحقه بالخيار بينه وبين الدية

1 - عن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة "
- رواه الجماعة

2 - وعن عائشة " لا يحل دم امرئ مسلم الامن ثلاثة إلا من زنى بعدما أحصن أو كفر بعدما أسلم أو قتل نفسا فقتل بها "
- رواه أحمد والنسائي ومسلم بمعناه وفي لفظ " لا يحل قتل مسلم إلا في إحدى ثلاث خصال زان محصن فيرجم ورجل يقتل مسلما متعمدا ورجل يخرج من الاسلام فيحارب الله عز و جل ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض "
- رواه النسائي وهو حجة في أنه لا يؤخذ مسلم بكافر

- حديث عائشة باللفظ الآخر أخرجه أيضا أبو داود والحاكم وصححه قوله " امرئ مسلم " فيه دليل على أن الكافر يحل دمه لغير الثلاث المذكورة لأن التوصيف بالمسلم يشعر بأن الكافر يخالفه في ذلك ولا يصح أن تكون المخالفة إلى عدم حل دمه مطلقا
قوله : " يشهد أن لا اله إلا الله " الخ هذا وصف كاشف لأن المسلم لا يكون مسلما إلا إذا كان يشهد تلك الشهادة
قوله : " إلا بإحدى ثلاث " مفهوم هذا يدل على أنه لا يحل بغير هذه الثلاث وسيأتي ما يدل على أنه يحل بغيرها فيكون عموم هذا المفهوم مخصصا بما ورد من الأدلة الدالة على أنه يحل دم المسلم بغير الأمور المذكورة قوله " الثيب الزاني " هذا مجمع عليه على ما سيأتي بيانه إن شاء الله قوله " والنفس بالنفس " المراد به القصاص وقد يستدل به من قال أنه يقتل الحر بالعبد والرجل بالمرأة والمسلم بالكافر لما فيه من العموم وسيأتي تحقيق الخلاف وما هو الحق في هذه المواطن قوله " والتارك لدينه " ظاهره أن الرد من موجبات قتل المرتد لأي نوع من أنواع الكفر كانت و المراد بمفارقة الجماعة مفارقة جماعة الإسلام ولا يكون ذلك إلا بالكفر لا بالبغي والابتداع ونحوهما فإنه وإن كان في ذلك مخالفة للجماعة فليس فيه ترك للدين إذ المراد الترك الكلي ولا يكون إلا بالكفر لا مجرد ما يصدق عليه اسم الترك وإن كان لخصلة من خصال الدين للإجماع على أنه لا يجوز قتل العاصي بترك أي خصلة من خصال الإسلام اللهم إلا أن يراد أنه يجوز قتل الباغي ونحوه دفعا لا قصدا ولكن ذلك ثابت في كل فرد من الأفراد فيجوز لكل فرد من أفراد المسلمين أن يقتل من بغى عليه مريدا لقتله أو أخذ ماله ولا يخفى أن هذا غير مراد من حديث الباب بل المراد بالترك للدين والمفارقة للجماعة الكفر فقط كما يدل على ذلك قوله في الحديث الآخر " أو كفر بعدما أسلم " وكذلك قوله " أو رجل يخرج من الإسلام " قوله يخرج من الإسلام هذا مستثنى من قوله مسلم باعتبارما كان عليه لا باعتبار الحال الذي قتل فيه فإنه صار كافرا فلا يصدق عليه أنه امرؤ مسلم
قوله : " فيقتل أو يصلب أو ينفى " هذه الأفعال أوائلها مضمومة مبنية للمجهول وفيه دليل على أنه يجوز أن يفعل بمن كفر وحارب أي نوع من هذه الأنواع الثلاث ويمكن أن يراد بقوله ورجل يخرج من الإسلام المحارب ووصفه بالخروج عن الإسلام بقصد المبالغة ويدل على إرادة هذا المعنى تعقيب الخروج عن الإسلام بقوله " فيحارب الله ورسوله " لما تقرر من أن مجرد الكفر يوجب القتل وإن لم ينضم إليه المحاربة ويدل على إرادة ذلك المعنى أيضا ذكر حد المحارب عقب ذلك بقوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض فأن هذا هو الذي أمر الله به في حق المحاربين بقوله { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض }

3 - وعن أبي هريرة " أن التبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفتدي وإما أن يقتل "
- رواه الجماعة لكن لفظ الترمذي " إما أن يعفو وإما أن يقتل "

4 - وعن أبي شريح الخزاعي " قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من أصيب بدم أو خبل والخبل الجراح فهو بالخيار بين إحدى ثلاث إما أن يقتص أو يأخذ العقل أويعفو فإن أراد رابعة فخذوا على يديه "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

5 - وعن ابن عباس قال " كان في بني اسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فقال الله تعالى لهذه الأمة كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر الآية فمن عفى له من أخيه شيء قال فالعفو أن يقبل في العمد الدية والإتباع بالمعروف يتبع الطالب بمعروف ويؤدى إليه المطلوب بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فيما كتب على من كان قبلكم "
- رواه البخاري والنسائي والدار قطني

- حديث أبو شريح الخزاعي في إسناده محمد بن إسحاق وقد أورده معنعنا وهو معروف بالتدليس فإذا عنعن ضعف حديثه كما تقدم تحقيقه غير مرة وفي إسناده أيضا سفيان بن أبي العرجاء السلمى قال أبو حاتم الرازي ليس بالمشهور وقد أخرج الحديث المذكور النسائي وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة بمعناه كما في حديثه المذكور وأبو شريح بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية وبعدها حاء مهملة اسمه خويلد بن عمرو ويقال كعب بن عمرو ويقال هانئ ويقال عبد الرحمن بن عمرو وقيل غير ذلك والأول هو المشهور
قوله : " بخير النظرين " " إما أن يفتدي وإما أن يقتل " ظاهره أن الخيار إلى الأهل الذين هم الوارثون للقتيل سواء كانوا يرثونه بسبب أو نسب وهذا مذهب العترة والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه
وقال الزهري ومالك يختص بالعصبة إذ شرع لنفي العار كولاية النكاح فإن عفوا فالدية كالتركة
وقال ابن سيرين يختص بالورثة من النسب إذ شرع للتشفي والزوجية ترتفع بالموت فلا تشفى وأجيب بأنه شرع لحفظ الدماء لقوله تعالى { ولكم في القصاص حياة } وظاهر الحديث أن القصاص والدية واجبان على التخيير وإليه ذهبت الهادوية والناصر وأبو حامد والشافعي في قول له وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه والناصر والداعي والطبري إن الواجب بالقتل هو القصاص لا الدية فليس للولي اختيارها لقوله تعالى { كتب عليكم القصاص في القتلى } ولم يذكر الدية ويجاب بأن عدم الذكر في الآية لا يستلزم عدم الذكر مطلقا فإن الدية قد ذكرت في حديثي الباب وأيضا تقدير الآية فمن اقتص فالحر بالحر ومن عفى له من أخيه شيء فالدية ويدل على ذلك تفسير ابن عباس المذكور . وظاهر الحديث أيضا أن الولي إذا عفا عن القصاص لم تسقط الدية بل يجب على القاتل تسليمها وروى عن مالك وأبي حنيفة والشافعي في قول له والمؤيد بالله في قول له أيضا أنها تتبع القصاص في السقوط ويؤيد عدم السقوط قوله تعالى { فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } وأجاب القائلون بالسقوط بأن المعروف والإحسان التفضل لا الوجوب كما تقتضيه العبارة لأن الوجوب يقتضي العقاب على الترك والمعروف والإحسان لا يقتضيان ذلك بدليل قوله تعالى { ذلك من ربكم ورحمة } ورد بأن التخفيف المذكور هو بالتخيير بين القصاص والدية لهذه الأمة بعد أن كان الواجب على بني اسرائيل هو القصاص فقط ولم يكن فيهم الدية ولا شك أن التخيير بين أمرين أوسع وأخف من تعيين واحد كما في كلام ابن عباس المذكور في الباب ويدل على عدم سقوط الدية بسقوط القصاص حديث أبي هريرة وأبي شريح المذكوران وقد أخرج الترمذي وابن ماجة حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ " من قتل متعمدا أسلم إلى أولياء المقتول فإن احبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة في بطونها أولادها " وفي الكشاف في تفسير الآية المذكورة ما لفظه فأبتاع بالمعروف فليكن اتباع أو بالأمر اتباع وهذه توصية للمعفو عنه العافي جميعا فليتبع الولي القاتل بالمعروف بأن لا يعنف عليه وأن لا يطالبه إلا مطالبة جميلة وليؤد إليه القاتل بدل دم المقتول اداء بإحسان بأن لا يمطله ولا يبخسه ذلك الحكم المذكور من العفو والدية تخفيف من ربكم ورحمة لأن أهل التوراة كتب عليهم القصاص البتة وحرم العفو وأخذ الدية وعلى أهل الأنجيل العفو وحرم القصاص والدية وخيرت هذه الامة بين الثلاث القصاص والدية والعفو توسعة عليهم وتيسيرا انتهى . والمراد بقوله في حديث أبي شريح فإن أراد رابعة فخذوا على يديه أي إذا أراد زيادة على القصاص أو الدية أو العفو ومن ذلك قوله تعالى { فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم }

باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر والتشديد في قتل الذمي وما جاء في الحر بالعبد

1 - عن أبي جحيفة قال " قلت لعلي هل عندكم شيء من الوحي ما ليس في القرآن فقال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن ومافي هذه الصحيفة قلت وما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود والترمذي

2 - وعن علي رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود وهو حجة في أخذ الحر بالعبد

3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن لا يقتل مسلم بكافر "
- رواه أحمد وابن ماجة والترمذي
وفي لفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده "
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث علي الآخر أخرجه أيضا الحاكم وصححه وحديث عمرو بن شعيب سكت عنه أبو داود والمنذري وصاحتب التلخيص ورجالة رجال الصحيح إلى عمرو بن شعيب " وفي الباب " عن ابن عمر عند ابن حبان في صحيحه وأشار إليه الترمذي وحسنه . وعن ابن عباس عند ابن ماجة وروي الشافعي من حديث عطاء وطاوس ومجاهد والحسن مرسلا " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم الفتح لا يقتل مؤمن بكافر " وروى البيهقي من حديث عمران بن حصين نحو ما في الباب وكذلك رواه البزار من حديثه وروى أبو داود والنسائي والبيهقي من حديث عائشة نحوه وقال الحافظ في الفتح بعد أن ذكر حديث علي الآخر وحديث عمرو بن شعيب وحديث عائشة وابن عباس لأن طرقها كلها ضعيفة إلا الطريق الأولى والثانية فإن سند كل منهما حسن انتهى
وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن مسلما قتل رجلا من أهل الذمة فرفع إلى عثمان فلم يعتله وغلظ عليه الدية
قال ابن حزم هذا في غاية الصحة فلا يصح عن أحد من الصحابة شيء غير هذا إلا ما رويناه عن عمر أنه كتب في مثل ذلك أن يقاد به ثم ألحقه كتابا فقال لا تقتلوه ولكن أعتقلوه
قوله : " هل عندكم " الخطاب لعلي ولكنه غلبه على غيره من أهل البيت لحضوره وغيبتهم أو للتعظيم قال الحافظ وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لأن جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن لأهل البيت لا سيما علي اختصاصا بشيء من الوحي لم يطلع عليه غيرهم وقد سأل عليا عن هذه المسألة قيس بن عبادة والأشتر النخعي قال والظاهر أن المسؤل عنه هنا ما يتعلق بالأحكام الشرعية من الوحي الشامل للكتاب والسنة فإن الله سبحانه سماها وحيا إذا فسر قوله تعالى وما ينطق من الهوى بما هو أعم من القرآن ويدل على ذلك قوله وما في هذه الصحيفة فإن المذكور فيها ليس من القرآن بل من أحكام السنة وقد أخرج أحمد والبيهقي أن عليا كان يأمر بالأمر فيقال قد فعلناه فيقول صدق الله ورسوله فلا يلزم منه نفي من ينسب إلى علي من علم الجفر ونحوه أو يقال هو مندرج تحت قوله الافهما يعطيه الله تعالى رجلا في القرآن فإنه ينسب إلى كثير ممن فتح الله عليه بأنواع العلوم أنه يستنبط ذلك من القرآن . ومما يدل على اختصاص علي بشيء من الأسرار دون غيره حديث المخدج المقتول من الخوارج يوم النهروان كما في صحيح مسلم وسنن أبي داود يومئذ التمسوا فيهم المخدج . يعني في القتلى فلم يجدوه فقام الإمام علي بنفسه حتى أتى أناسا قد قتل بعضهم على بعض فقال أخرجوهم فوجدوه مما يلي الأرض فكبر وقال صدق الله وبلغ رسوله فقام إليه عبيدة السلماني فقال يا أمير المؤمنين والله الذي لا اله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أي والله الذي لا اله ألاهو حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف . والمخدج المذكور هو ذو الثدية وكان في يده مثل ثدي المرأة على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي عليه شعرات مثل سبالة السنور
قوله : " إلا فهمها " هكذا في رواية بالنصب على الاستثناء
وفي رواية بالرفع على البدل والفهم بمعنى المفهوم من لفظ القرآن أو معناه
قوله : " وما في هذه الصحيفة " أي الورقة المكتوبة والعقل الدية وسميت بذلك لأنهم كانوا يعطون الإبل ويربطونها بفناء دار المقتول بالعقال وهو الحبل
وفي رواية الديات أي تفصيل أحكامها
قوله : " وفكاك الأسير " بكسر الفاء وفتحها أي أحكام تخليص الأسير من يد العدو والترغيب فيه
قوله : " وأن لا يقتل مسلم بكافر " دليل على أن المسلم لا يقاد بالكافر أما الكافر الحربي فذلك إجماع كما حكاه صاحب البحر الذمي فذهب فذهب إليه الجمهور لصدق اسم الكافر عليه وذهب الشعبي والنخعي وابن حنيفة وأصحابه إلا أنه يقتل المسلم بالذمي واستدلوا بقوله في حديث علي وعمرو بن شعيب " ولا ذو عهد في عهده " ووجهه أنه معطوف على قوله مؤمن فيكون التقدير ولا ذو عهد في عهده بكافر كما في المعطوف عليه والمراد بالكافر المذكور في المعطوف هو الحربي فقط بدليل جعله مقابلا للمعاهد لأن المعاهد يقتل بمن كان معاهدا مثله من الذميين اجماعا
فيلزم أن يقيد الكافر في المعطوف عليه بالحربى كما قيد في المعطوف لأن الصفة بعد متعددة ترجع إلى الجميع اتفاقا فيكون التقدير لا يقتل مؤمن بكافر حربي ولا ذو عهد في عهده بكافر حربي وهو يدل بمفهومه على أن المسلم يقتل بالكافر الذمي ويجاب أولا بأن هذا مفهوم صفة والخلاف في العمل به مشهور بين أئمة الأصول ومن جملة القائلين بعدم العمل فيه أبو حنيفة فكيف يصح احتجاجهم به وثانيا بأن الجملة المعطوفة أعني قوله ولا ذو عهد في عهده لمجرد النهي عن قتل المعاهد فلا تقدير فيها أصلا ورد بأن الحديث مسوق لبيان القصاص لا للنهي عن القتل فإن تحريم قتل المعاهد معلوم من ضرورة أخلاق الجاهلية فضلا عن الإسلام وأجيب عن هذا الرد بأن الأحكام الشرعية إنما تعرف من كلام الشارع وكون تحريم قتل المعاهد معلوما من أخلاق الجاهلية لا يستلزم معلوميته في شريعة الإسلام كيف والأحكام الشرعية جاءت بخلاف القواعد الجاهلية فلا بد من معرفة أن الشريعة الإسلامية قررته ويؤيد ذلك أن السبب في خطبته صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح بقوله " لا يقتل مسلم بكافر " ما ذكره الشافعي في الأم حيث قال وخطبته يوم الفتح كانت سبب القتيل الذي قتلته خزاعة وكان له عهد فخطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت " لو قتلت مسلما بكافر لقتلته به " وقال " لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده " فأشار بقوله لا يقتل مسلم بكافر إلى تركه الاقتصاص من الخزاعي بالمعاهد الذي قتله وبقوله ولا ذو عهد في عهده إلى النهي عن الإقدام على ما فعله القاتل المذكور فيكون قوله ولا ذو عهد في عهده كلاما تاما لا يحتاج إلى تقدير ولا سيما وقد تقرر أن التقدير خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا لضرورة ولا ضرورة كما قررناه ويجاب ثالثا بأن الصحيح المعلوم من كلام المحققين من النحاة وهو نص عليه الرضى أنه لا يلزم أشتراك المعطوف والمعطوف عليه إلا في الحكم الذي لأجله وقع العطف وهو هنا النهي عن القتل مطلقا من غير نظر إلى كونه قصاصا أو غير قصاص فلا يستلزم كون إحدى الجملتين في القصاص أن تكون الآخرى مثلها حتى يثبت ذلك التقدير المدعي وأيضا تخصيص العموم بتقدير ما أضمر في المعطوف ممنوع لو سلمنا صحة التقدير المتنازع فيه كما صرح بذلك صاحب المنهاج وغيره من أهل الأصول " ومن جملة " ما أحتج به القائلون بأنه يقتل المسلم بالذمي عموم قوله تعالى { النفس بالنفس } ويجاب بأنه مخصص بأحاديث الباب ومن أدلتهم ما أخرجه البهيقي من حديث عبد الرحمن بن البيلماني " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتل مسلما بمعتهد وقال أنا أكرم من وفى بذمته " وأجيب عنه بأنه مرسل ولا تثبت بمثله حجة وبأن ابن البيلماني المذكور ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث فكيف إذا أرسله كما قال الدار قطني قال أبو عبيد القاسم بن سلام هو حديث ليس بمسند ولا يجعل به إماما تسفك به دماء المسلمين
وأما ما وقع في رواية عمار بن مطر عن ابن البيلماني عن ابن عمر فقال البهيقي هو خطأ من وجهين أحدهما وصله بذكر ابن عمر والآخر أنه رواه عن إبراهيم عن ربيعة وإنما رواه أبراهيم عن ابن المنكدر والحمل فيه على ابن عمار ابن مطر الرهاوي فقد كان يقلب الأسانيد ويسرق الأحاديث حتى كثر ذلك في رواياته وسقط عن حد الاحتجاج به وروي عن البهيقي أنه قال لم يسنده غير أبي يحيى يعني إبراهيم المذكور وقد ذكرناه في غير موضع من هذا الشرع أنه لا يحتج بمثله لكونه ضعيفا جدا وقد قال علي بن المديني إن هذا الحديث إنما يدور عن إبراهيم ابن أبي يحيى وقيل أن كلام المديني هذا غير مسلم فإن أبا داود أخرجه في المراسيل وكذلك الطحاوي من طريق سليمان بن بلال عن ربيعة عن أبي البيلمان فلم يكن دائر على إبراهيم ويجاب بأن ابن المديني إنما أراد أن الحديث المسند بذكر ابن عمر يدور على إبراهيم بن أبي يحيى فقط ولم يرد أن المسند والمرسل يدوران عليه فلا استدراك وقد أجاب الشافعي في الأم عن حديث ابن البيلماني المذكور بأن كان في قصة المستأمن الذي قتله عمرو بن أمية فلو ثبت لكان منسوخا لأن حديث لا يقتل مسلم بكافر خطب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح كما في رواية عمرو بن شعيب وقصة عمرو بن أمية متقدمة على ذلك بزمان واستدلوا بما أخرجه الطبراني " أن عليا أتى برجل من المسلمين قتل رجل من أهل الذمة فقامت عليه البينة فأمر بقتله فجاء أخوه فقال إني قد عفوت قال فلعلهم هددوك وفرقوك وقرعوك قال لا ولكن قتله لا يرد علي أخي وعرضوا لي ورضيت قال أنت أعلم من كان له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا وهذا مع كونه قول صحابي ففي إسناده أبو الجنوب الأسدي وهو ضعيف الحديث كما قال الدار القطني
وقد روى علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يقتل مسلم بكافر كما في حديث الباب والحجة إنما هي في روايته وروي عن الشافعي في هذه القضية إنه قال مادلكم إن عليا يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئا ويقول بخلافه واستدلوا أيضا بما رواه البيهقي عن عمر في مسلم قتل معاهدا فقال إن كانت طيرة في غضب فعلى القاتل أربعة آلاف وإن كان القاتل لصا عاديا فيقتل ويجاب عن هذا أولا بأنه قول صحابي ولاحجة فيه وثانيا بأنه لا دلالة فيه على محل النزاع لأنه رتب القتل على كون القاتل لصا عاديا وذلك خارج عن محل النزاع وأسقط القصاص عن القاتل في غضب وذلك غير مسقط لو كان القصاص واجبا وثالثا بأنه قال الشافعي في القصص المروية عن عمر في القتل بالمعاهد أنه لا يعمل بحرف منها لأن جميعها منقطعات أو ضعاف أو تجمع الأنقطاع والضعف وقد تمسك بما روي عن عمر مما ذكرنا مالك والليث فقالا يقتل المسلم بالذمي إذا قتله قال والغيلة أ يضجعه فيذبحه ولامتمسك لهما في ذلك لما عرفت إذا تقرر هذا علم أن الحق ما ذهب إليه الجمهور ويؤيده قوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } ولو كان للكافر أن يقتص من المسلم لكان في ذلك أعظم سبيل وقد نفى الله تعالى أن يكون له عليه السبيل نفيا مؤكدا وقوله تعالى { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة }
ووجهه أن الفعل الواقع في سياق النفي يتضمن النكرة فهو في قوة الاستواء فيعم كل أمر من الأمور إلا ما خص ويؤيد ذلك أيضا قصة اليهودي الذي لطمه المسلم لما قال لا والذي اصطفى موسى على البشر فلطمه المسلم فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يثبت له الاقتصاص كما في الصحيح وهو حجة على الكوفيين لأنهم يثبتون القصاص باللطمة . ومن ذلك حديث الإسلام يعلو ولا يعلى عليه وهو وإن كان فيه مقال لكنه قد علقه البخاري في صحيحه . وقوله " المؤمنون تتكافأ دماؤهم " أي تتساوى في القصاص والديات . والكفء النظير والمساوى ومنه الكفاءة في النكاح أنه لا فرق بين الشريف والوضيع في الدم بخلاف ما كان عليه الجاهلية من المفاضلة وعدم المساواة
قوله : " وهم يد على من سواهم " أي هم مجتمعين على أعدائهم لا يسعهم التخاذل بل يعاون بعضهم بعضا
قوله : " ويسعى بذمتهم أدناهم " يعني أنه إذا أمن المسلم حربيا كان أمانه أمانا من جميع المسلمين ولو كان ذلك المسلم امرأة بشرط أن يكون مكلفا فيحرم النكث من أحدهم من بعد أمانه

4 - وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه

5 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إلا من قتل نفسا معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر ذمة الله ولا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفا "
- رواه ابن ماجه والترمذي وصححه

- حديث أبي هريرة قال الترمذي بعد أن قال إنه حسن إنه قد روي عن أبي هريرة من غير وجه مرفوعا
قوله : " معاهدا " المعاهد هو الرجل من أهل دار الحرب يدخل إلى دار الإسلام بأمان فيحرم على المسلمين قتله بلا خلاف بين أهل الإسلام حتى يرجع إلى مأمنه ويدل على ذلك قوله تعالى { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه }
قوله : " لم يرح رائحة الجنة " بفتح الأول من يرح وأصله راح الشيء أي وجد ريحه ولم يرحه أي لم يجد ريحه ورائحة الجنة نسميها الطيب وهذا كناية عن عدم دخول من قتل معاهدا الجنة لأنه إذا لم يشم نسيمها وهو يوجد من مسيرة أربعين عاما لم يخلها قوله " فقد أخفر ذمة الله " بالخاء والفاء والراء أي نقض عهده وغدر ( والحديثان ) اشتملا على تشديد الوعيد على قاتل المعاهد لدلالتهما على تخليده في النار وعدم خروجه عنها وتحريم الجنة عليه مع أنه قد وقع الخلاف بين أهل العلم في قاتل المسلم هل يخلد فيها أم يخرج عنها فمن قال أنه يخلد تمسك بقوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } الآية ومن قال بعدم خليده على الدوام قال الخلود في اللغة اللبث الطويل ولا يدل على الدوام وسيأتي الكلام عليه وأما قاتل المعاهد فالحديثان مصرحان بأنه لا يجد رائحة الجنة وذلك مستلزم لعدم دخولها أبدا وهذان الحديثان وأمثالهما ينبغي أن يخصص بهما عموم الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار ودخولهم الجنة بعد ذلك
وقال في الفتح أن المراد بهذا النفي إن كان عاما التخصيص بزمان ما لتعاضد الأدلة العقلية والنقلية أن من مات مسلما وكان من أهل الكبائر فهو محكوم بإسلامة غير مخلد في النار ومآله إلى الجنة ولو عذب قبل ذلك انتهى
وقد ثبت في الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ " سبعين خريفا " ومثله روى أحمد عن رجل من الصحابة وفي رواية للطبراني من حديث أبي هريرة بلفظ " مائة عام " وفي أخرى له عن أبي بكرة بلفظ " خمسمائة عام " ومثله في الموطأ
وفي رواية في مسند الفردوس من حديث جابر بلفظ " ألف عام " وقد جمع صاحب الفتح بين هذه الأحاديث

6 - وعن الحسن عن سمرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه "
- رواه الخمسة
وقال الترمذي حديث حسن غريب وفي رواية لأبي داود والنسائي " ومن خصى عبده خصيناه " قال البخاري قال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح وأخذ بحديثه من قتل عبده قتلناه وأكثر أهل العلم على أنه لا يقتل السيد بعبده وتأولوا الخبر على أنه أراد من كان عبده لئلا يتوهم تقدم الملك مانعا "
وقد روى الدار قطني بإسناده عن إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " إن رجلا قتل عبده متعمدا فجلده النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمين ولم يقده به وأمره أن يعتق رقبة " وإسماعيل بن عياش فيه ضعف إلا أحمد قال ما روي عن الشاميين صحيح وما روي عن أهل الحجاز فليس صحيح وكذلك قول البخاري فيه

- حديث سمرة قال الحافظ في بلوغ المرام أن الترمذي صححه والصواب ما قاله المصنف هنا فانا لم نجد في نسخ من الترمذي إلا لفظ حسن غريب كما قال المصنف . والزيادة التي ذكرها أبو داود والنسائي صححها الحاكم وفي اسناد الحديث ضعف لأنه من رواية الحسن عن سمرة وفي سماعه منه خلاف طويل فقال يحيى بن معين أنه لم يسمع منه شيئا
وقال علي بن المديني إن سماعه منه صحيح كما حكى ذلك المصنف عنه وعن بعض أهل العلم أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة المتقدم فقط وقد قدمنا الخلاف في سماعه وعدمه بما هو أطول من هذا
وقد روى أبو دارد عن قتادة باسناد شعبة أن الحسن نسي هذا الحديث فكان يقول لا يقتل حر بعبده ( وحديث الباب ) مروى من طريق قتادة عنه . وحديث إسماعيل بن عياش رواه عن الأوزاعي كما ذكره المصنف والأوزاعي شامي دمشقي وإسماعيل قوى في الشاميين لكن دونه محمد بن عبد العزيز الشامي قال فيه أبو حاتم لم يكن عندهم بالمحمود وعنده غرائب ( وفي الباب ) عن عمر عند البيهقي وابن عدي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقاد مملوك من مالك ولا ولد من والده " وفي اسناده عمر بن عيسى الأسلمي وهو منكر الحديث كما قال البخاري . وعن ابن عباس عند الدار قطني والبيهقي مرفوعا " لا يقتل حر بعبد " وفيه جويبر وغيره من المتروكين . وعن ابن علي قال " من السنة لا يقتل حر بعبد " ذكره صاحب التلخيص وأخرجه البيهقي
وفي اسناده جابر الجعفي وهو ضعيف
وأخرجه البيهقي عن علي قال " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجل قتل عبده متعمدا فجلده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مائة ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمين ولم يقده به " وهو شاهد لحديث عمرو بن شعيب المذكور في الباب
وأخرج البيهقي أيضا من حديث عبد الله بن عمرو في قصة زنباع لماجب عبده وجدع أنفه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من مثل بعبده أو حرفه بالنار فهو حر وهو مولى الله ورسوله فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقتص من سيده " وفي اسناده المثني بن الصباح وهو ضعيف لا يحتج به وله طريق أخرى فيها الحجاج بن أرطأة وهو أيضا ضعيف . وله أيضا طريق ثالثة فيها سواد بن حمزة وليس بالقوى
وفي سنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " جاء رجل مستصرخ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال حادثه لي يا رسول الله فقال ويحك مالك فقال شر أبصر لسيده جارية فغار فجب مذاكيره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بالرجل فطلب فلم يقدر عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذهب فأنت حر فقال يا رسول الله على من نصرتي قال على كل مؤمن أو قال على كل مسلم " وأخرج أحمد وابن أبي شيبة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحر بالعبد " وأخرج البيهقي عن أبي جعفر عن بكيرأنه قال " مضت السنة بأن لا يقتل الحر بالعبد وإن قتله عمدا " وكذلك أخرج عن الحسن وعطاء والزهري من قولهم ( وقد اختلف ) أهل العلم في قتل الحر بالعبد . وحكى صاحب البحر الاجماع على أنه لا يقتل السيد بعبده إلا عن النخعي وهكذا حكى الخلاف عن النخعي وبعض التابعين الرمذي وأما قتل الحر بعبد غيره فحكاه في البحر عن أبي حنيفة وأبي يوسف وحكاه صاحب الكشاف عن سعيد والشعبي والنخعي وقتادة والثوري وأبي حنيفة وأصحابه . وحكى الترمذي عن الحسن البصري عطاء بن أبي رباح وبعض أهل العلم انه ليس بين الحر والعبد قصاص لا في النفس ولا فيما دون النفس
قال وهو قول أحمد وإسحاق وحكاه صاحب الكشاف عن عمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء عكرمة ومالك والشافعي . وحكاه في البحر عن علي وعمر وزيد بن ثابت وابن الزبير والعترة جميعا فقال وقال بعضهم إذا قتل عبده لا يقتل به وإذا قتل عبد غيره قتل به وهو قول سفيان الثوري انتهى ( وقد احتج ) المثبتون للقصاص بين الحر والعبد بحديث سمرة المذكور وهو نص في قتل السيد بعبده ويدل بفحوى الخطابعلى أن غير السيد بالعبد بالأولى وأجاب عنه النافون أولا بالمقال الذي تقدم فيه وثانيا بالأحاديث القاضية بأنه لا يقتل حر بعبد فإنها قد رويت من طرق متعددة يقوى بعضها بعضا فتصاح للاحتجاج وثالثا بأنه خارج مخرج التحذير ورابعا بأنه منسوخ ويؤيد دعوى النسخ فتوى الحسن بخلافه وخامسا بأن النهي أرجح من غيره كما تقرر في الأصول ( والأحاديث ) المذكورة في أنه لا يقتل حر بعبد مشتملة عليه وسادسا بأنه يفهم من دليل الخطاب في قوله تعالى { الحر بالحر والعبد بالعبد } أنه لا يقتل الحر بالعبد ولا يخفى أن هذه الأجوبة يمكن مناقشة بعضها وقد عكس دعوى النسخ المثبتون فقالوا إن الآية المذكورة منسوخة بقوله تعالى { النفس بالنفس } واستدلوا أيضا بالحديث المتقدم في أول الباب عن علي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويجاب عن الاحتجاج بالآية المذكورة أعني قوله { النفس بالنفس } بأنها حكاية لشريعة بني اسرائيل لقوله تعالى في أول الآية { وكتبنا عليهم أن النفس بالنفس } بخلاف قوله تعالى { الحر بالحر والعبد بالعبد } فإنها خطاب لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشريعة من قبلنا إنما تلزمنا إذا لم يثبت في شرعنا ما يخالفها وقد ثبت ما هو كذلك على أنه اختلف في التعبد بشرع من قبلنا من الأصل كما ذلك معروف في كتب الأصول ثم أنا لو فرضنا أن الآيتين جميعا تشريع لهذه الأمة لكانت آية البقرة مفسرة لما أبهم في آية المائدة أو تكون آية المائدة مطلقة وآية البقرة مقيدة والمطلق يحمل على المقيد وقد أيد بعضهم عدم ثبوت القصاص بأنه لا يقتص من الحر بأطراف العبد إجماعا فكذا النفس وأيد آخر ثبوت القصاص فقال إن العنق يقارن المثلة فيكون جناية على حر في التحقيق حيث كان الجاني سيده ويجاب عن هذا بأنه إنما يتم على فرض بقاء المجني عليه بعد الجناية زمنا يمكن فيه أن يتعقب الجناية العتق ثم يتعقبه الموت لأنه لا بد من تأخر المعلول عن العلة في الذهن وإن تقارنا في الواقع وعلى فرض أن العبد يعتق بنفس المثلة لا بالمرافعة وهو محل خلاف
وقد أجاب صاحب المنحة عن هذا الإشكال فقال إنه يتم في صورة جدعه وخصيه لا في صورة قتله انتهى . وهذا وهم لأن المراد بالمثلة في كلام المورد للتأييد هي المثلة بالعبد الموجبة لعتقه بالضرب واللطم ونحوهما لا المثلة المخصوصة التي سرى ذهن صاحب المنحة إليها وقد أورد على المستدلين بقوله تعالى { الحر بالحر والعبد بالعبد } إنه يلزم على مقتضى ذلك أن لا يقتل العبد بالحر وأجيب بأن قتل العبد بالحر مجمع عليه فلا يلزم التساوي بينهما في ذلك . وأورد أيضا بأنه يلزم أن لا يقتل الذكر بالأنثى ولا الأنثى بالذكر وسيأتي الجواب عن ذلك

باب قتل الرجل بالمرأة والقتل بالمثقل وهل يمثل بالقاتل إذا مثل أم لا

1 - عن أنس " أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فقيل لها من فعل بك هذا فلان أو فلان حتى سمى اليهودي فأومأت برأسها فجيء به فأعترف فأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرض رأسه بحجرين "
- رواه الجماعة

- قوله " رض رأس جارية " في رواية لمسلم " فقتلها بحجر فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبها رمق "
وفي رواية أخرى " قتل جارية من الأنصار على حلى لها ثم ألقاها في قليب ورضح رأسها بالحجارة فأمر به أن يرجم حتى يموت فرجم حتى مات " والحديث يدل على أنه يقتل الرجل بالمرأة وإليه ذهب الجمهور وحكى ابن المنذر الإجماع عليه إلا رواية عن علي و عن الحسن وعطاء ورواه البخاري عن أهل العلم وروي في البحر عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وعكرمة وعطاء ومالك وأحد قولى الشافعي أنه لا يقتل الرجل بالمرأة وإنما تجب الدية وقد رواه أيضا عن الحسن البصري أبو الوليد الباجي والخطابي وحكى هذا القول صاحب الكشاف عن الجماعة الذين حكاه صاحب البحر عنهم ولكنه قال وهو مذهب مالك والشافعي ولم يقل وهو أحد قولي الشافعي كما قال صاحب البحر وقد أشار السعد في حاشيته على الكشاف إلى أن الرواية التي ذكرها الزمخشري وهم محض قال ولا يوجد في كتب المذهبين يعني مذهب مالك والشافعي تردد في قتل الذكر بالأنثى انتهى
وأخرج البيهقي عن أبي الزناد أنه قال كان من أدركته من فقهائنا الذين ينتهي إلى قولهم منهم سعيد بن المسب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار في مشيخة جلة من سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل إن المرأة تقاد من الرجل عينا بعين وأذنا بأذن وكل شيء من الجراح على ذلك وإن قتلها قتل بها ورويناه عن الزهري وغيره وعن النخاعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز قال البيهقي وروينا عن الشعبي وإبراهيم خلافه فيما دون النفس وأختلف الجمهور هل يتوفى ورثة الرجل من ورثة المرأة أم لا فذهب الهادي والقاسم والناصر وأبو العباس وأبو طالب إلى أنهم يتوفون نصف دية الرجل وحكاه البيهقي عن عثمان البتى وحكاه أيضا السعد في حاشية الكشاف عن مالك وذهبت الشافعية والحنفية وزيد بن على والمؤيد بالله والإمام يحيى إلى أنه يقتل الرجل بالمرأة ولا توفية وقد احتج القائلون بثبوت القصاص بقوله تعالى { النفس بالنفس } ويجاب عن ذلك بما قدمنا في الباب الأول من أن هذه الآية حكاية عن بني اسرائيل كما يدل على ذلك قوله تعالى { وكتبنا عليهم فيها } أي في التوراة
وقد صرح صاحب الكشاف بأنها واردة لحكاية ما كتب في التوراة على أهلها فتكون هذه الآية مفسرة أو مقيدة أو مخصصة بقوله تعالى { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } وهذه الآية تدل على اعتبار الموافقة ذكورة وأنوثة وحرية وقد أجاب عن هذا في حاشيته على الكشاف بوجوه . الأول أن القول بالمفهوم إنما هو على تقدير أن لا يظهر للقيد فائدة وههنا الفائدة أن الآية إنما نزلت لذلك . والثاني أنه لو أعتبر ذلك لزم أن لا تقتل الأنثى بالذكر نظرا إلى مفهوم بالأنثي قال وهذا يرد على ما ذكرنا أيضا ويدفع بأنه يعلم بطريق الأولى . والثالث أنه لا عبرة بالمفهوم في مقابلة المنطوق الدال على قتل النفس بالنفس كيفما كانت ( لا يقال ) تلك حكاية عما في التوراة لا بيان للحكم في شريعتنا لأنا نقول شرائع من قبلنا لا سيما إذا ذكرت في كتابنا حجة وكم مثلها في أدلة أحكامنا حتى يظهر الناسخ وما ذكرنا هنا يعني في البقرة يصلح مفسرا أفلا يجعل ناسخا وأما أن تلك يعني آية المائدة ليست ناسخة لهذه فلأنها مفسرة بهافلا تكون هي منسوخة بها . ودليل آخر على عدم النسخ أن تلك أعني النفس بالنفس حكاية لما في التوراة وهذه أعني الحر بالحر الخ خطاب لنا وحكم علينا فلا ترفعها تلك وغلى ذلك أشار يعني الزمخشري بقوله
ولأن تلك عطفا على مضمون قوله ويقولون هي مفسرة لكنهم يقولون أن الحكي في كتابنا من شريعة من قبلنا بمنزلة المنصوص المقرر فيصلح ناسخا وما ذكرنا من كونه مفسرا إنما يتم لو كان قولنا النفس بالنفس مبهما ولا إبهام بل هو عام والتنصيص على بعض الأفراد لا يدفع العموم سيما والخصم يدعى تأخر العام حيث يجعله ناسخا لكن يرد عليه أنه ليس فيه رفع شيء من الحكم السابق بل إثبات زيادة حكم آخر اللهم إلا أن يقال أن في قوله الحر بالحر الآية دلالة على وجوب المساواة في الحرية والذكورة دون الرق والأنوثة انتهى كلام السعد ( الحاصل ) إن الاستدلال بالقرآن على قتل الحر بالعبد أو عدمه أو قتل الذكر بالأثثى أو عدمه لا يخلو عن إشكال في عضد الظن الحاصل بالاستدلال فالأولي التعويل على ما سلف من الأحاديث القاضية بأنه لا يقتل الحر بالعبد وعلى ما ورد من الأحاديث والآثار القاضية بأنه يقتل الذكر بالأنثى منها حديث الباب وإن كان لا يخلو عن إشكال لأن قتل الذكر الكافر بالأنثى المسلمة لا يستلزم قتل الذكر المسلم بها لما بينهما من التفاوت ولو لم يكن إلا ما أسلفنا من الأدلة القاضية بأنه لا يقتل المسلم بالكافر . ومنها ما أخرجه مالك والشافعي من حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب في كتابه إلى أهل اليمن أن الذكر يقتل بالأنثى وهو عندهما عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم أن الذكر يقتل بالأنثى ووصله نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده وجده محمد بن عمرو بن حزم ولد في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن لم يسمع منه كما قال الحافظ . وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر ومن طريقه الدارقطني . ورواه أبو داود والنسائي من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري مرسلا . ورواه أبو داود في المراسيل عن ابن شهاب قال " قرأة في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم " . ورواه النسائي وابن حبان والحاكم والبهيقي موصولا مطولا من حديث الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده وفرقة الدارمى في مسنده عن الحكم مقطعا
قال الحافظ وقد اختلف أهل الحديث في صحة هذا الحديث فقال أبو داود في المراسيل قد أسند هذا الحديث ولا يصح والذي في إسناده سليمان بن داود وهم إنما هو سليمان بن أرقم وقال في موضع آخر لا أحدث به وقد وهم الحكم بن موسى في قوله سليمان بن داود وقد حدثني محمد بن الوليد الدمشقي أنه قرأفي أصل يحيى بن حمزة سليمان بن أرقم وهكذا قال أبو زرعة الدمشقي أنه الصواب وتبعه صالح بن محمد جزرة وأبو حسن الهروى وغيرهما
وقال صالح جزرة حدثنا دحيم قال قرأت في كتاب يحيى بن حمزة حديث عمرو بن حزم فإذا هو عن سليمان بن أرقم قال صالح كتب عني هذه الحكاية مسلم بن الحجاج
قال الحافظ أيضا ويؤيد هذه الحكاية ما رواه النسائي عن الهيثم بن مروان عن محمد بن بكار عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن أرقم عن الزهري وقال هذا أشبه بالصواب
وقال ابن حزم في المحلى صحيفة عمرو بن حزم منقطعة لا تقول بها حجة وسليمان بن داود الذي يروي هذه النسخة عن الزهري ضعيف ويقال أنه سليمان بن أرقم وتعقبه ابن عدي فقال هذا خطأ إنما هو سليمان بن داود وقد جوده الحكم بن موسى وقال أبو زرعة عرضت على أحمد فقال سليمان بن داود اليمامي ضعيف وسليمان بن داود الخولاني ثقة وكلاهما يروي عن الزهري والذي روى حديث الصدقات هو الخولاني فمن ضعفه فإنما ظن أن الراوي هو اليمامي وقد أثنى على سليمان بن داود الخولاني هذا أبو زرعة وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ . وحكى الحاكم عن أبي حاتم أنه سئل عن عمرو بن حزم فقال سليمان بن داود عندنا ممن لا بأس به وقد صحح هذا الحديث ابن حبان والحاكم والبهيقي ونقل عن أحمد أنه قال أرجو أن يكون صحيحا وصححه أيضا من حيث الشهرة لا من حيث الإسناد جماعة من الأئمة منهم الشافعي فإنه قال في رسالته لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وقال ابن عبد البر هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم يستغني بشهرته عن الإسناد لأته أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة
قال ويدل على شهرته ما روى ابن وهب عن مالك عن الليث ابن سعد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال وجد كتاب عند آل حزم يذكرون أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وقال العقيلي هذا حديث ثابت محفوظ إلا أنا نرى أنه كتاب غير مسموع عمن فوق الزهري
وقال يعقوب ابن أبي سفيان لا أعلم في جميع الكتب المنقولة كتابا أصح من كتاب عمرو بن حزم هذا فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم
قال الحاكم قد شهد عمر بن عبد العزيز وأمام عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب ثم ساق ذلك بسنده إليهما وسيأتي لفظ هذا الحديث في أبواب الديات هذا غاية ما يمكن الاستدلال به للجمهور . ومما يقوي ما ذهبوا إليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم " وهم يقتلون قاتلها " وسيأتي في باب أن الدم حق لجميع الورثة من الرجال والنساء . ووجهه ما فيه من العموم الشامل للرجل والمرأة . ومما يقوي ما ذهبوا إليه أيضا أنا قد علمنا أن الحكمة في شرعية القصاص هي حقن الدماء وحياة النفوس كما يشير إلى ذلك قوله تعالى { ولكم في القصاص حياة } وترك الاقتصاص للأنثى من الذكر يفضي إلى إتلاف نفوس الإناث لأمور كثيرة . منها كراهية توريثهن
ومنها مخافة العار لاسيما عند ظهور أدنى شيء منهن لما بقي في القلوب من حمية الجاهلية التي نشأ عنها الوأد ومنها كونهن مستضعفات لا يخشى منرام القتل لهن أن يناله من المدافعة ما يناله من الرجال فلا شك ولا ريب أن الترخيص في ذلك من أعظم الذرائع المفضية إلى هلاك نفوسهن ولا سيما في مواطن الأعراب المتصفين بغلط القلوب وشدة الغيرة والأنفة اللاحقة بما كانت عليه الجاهلية ( يلزم مثل هذا في الحر إذا قتل عبدا لأن الترخيص في القود يفضي إلى مثل ذلك الأمر لأنا نقول هذه المناسبة إنما تعتبر مع عدم معارضتها لما هو مقدم عليها من الأدلة فلا يعمل بها في الاقتياد للعبد من الحر لما سلف من الأدلة القاضية بالمنع ويعمل بها في الاقتياد للأنثى من الذكر لأنها لم تعارض ما هو كذلك بل جاءت مظاهرة للأدلة القاضية بالثبوت ( وفي حديث الباب ) دليل على أنه يثبت القصاص في القتل بالمثقل وسيأتي بيان الخلاف فيه
وفيه أيضا دليل على أنه يجوز القود بمثل ما قتل به المقتول وإليه ذهب الجمهور ويؤيد ذلك عموم قوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وقوله تعالى { فاعتدوا عليه بمثل ما أعتدي عليكم } وقوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وما أخرجه البيهقي والبزار عنه صلى الله عليه وآله وسلم من حديث البراء وفيه " ومن حرق حرقناه ومن غرق غرقناه "
قال البهيقي في إسناده بعض من يجهل وإنما قاله زياد في خطبته وهذا إذا كان السبب الذي وقع القتل به مما يجوز فعله لا إذا كان لا يجوز كمن قتل غيره بإبجاره الخمر أو اللواط به . وذهبت العترة والكوفيون ومنهم أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الاقتصاص لا يكون إلا بالسيف . واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عند ابن ماجه والبزار والطحاوي والطبراني والبيهقي بألفاظ مختلفة . منها لاقود إلا بالسيف وأخرجه ابن ماجه أيضا والبزار والبيهقي من حديث أبي بكرة
وأخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث أبي هريرة
وأخرجه الدارقطني من حديث علي
وأخرجه البيهقي والطبراني من حديث ابن مسعود
وأخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن مرسلا وهذه الطرق كلها لا تخلو واحدة منها من ضعيف أو متروك حتى قال أبو حاتم حديث منكر
وقال عبد الحق وابن الجوزي طرقه كلها ضعيفة
وقال البيهقي لم يثبت له إسناده . ويؤيد معنا هذا الحديث الذي يقوي بعض طرقه بعضا حديث شداد بن أوس عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة " وإحسان القتل لا يحصل بغير ضرب العنق بالسيف كما يحصل به ولهذا كان صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بضرب عنق من أراد قتله حتى صار ذلك هو المعروف في أصحابه فإذا رأوا رجلا يستحق القتل قال قائلهم يا رسول الله دعني أضرب عنقه حتى قيل إن القتل بغير ضرب العنق بالسيف مثلة وقد ثبت النهي عنها كما سيأتي
وأما حديث ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يقتل القاتل ويصبر الصابر " أخرجه البيهقي والدارقطني وصححه ابن قطان . بالأشهر فيه رواية معمر عن إسماعيل بن أمية مرسلا
وقد قال الدارقطني الإرسال فيه أكثر
وقال البيهقي الموصول غير المحفوظ
وأما حديث أنس المذكور في الباب فقد أجيب عنه بأنه فعل لا ظاهر له فلا يعارض ما ثبت من الأقوال في الأمر بإحسان القتلة والنهي عن المثلة وحصر القود في السيف

2 - وعن حمل بن مالك قال " كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل بها "
- رواه الخمسة إلا الترمذي

3 - وعن أنس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحث في خطبته على الصدقة وينهي عن المثلة "
- رواه النسائي

4 - وعن عمران بن حصين قال " ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة "
- رواه أحمد . وله مثله من رواية سمرة

- الحديث الأول أصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة والمغيرة بن شعبة ولكن بدون زيادة قوله " وأن تقتل بها " التي هو المقصود من ذكر الحديث ههنا وقد قال المنذري أن هذه الزيادة لم تذكر في غير هذه الرواية . وحديث أنس رجال إسناده ثقات فإن النسائي قال أخبرنا محمد بن المثني حدثنا عبد الصمد حدثنا هشام عن قتادة عن أنس فذكره . وحديث عمر أن ابن حصين في مجمع الزوائد رواه الطبراني في الكبير وفيه من لم أعرفهم انتهى . وأحاديث النهي عن المثلة أيضا أصلها في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري وفي غيره من حديث ابن عباس قال الترمذي وفي الباب يعني في النهي عن المثلة عن عبد الله بن مسعود وشداد بن أوس وسمرة والمغيرة ويعلى بن مرة وأبي ايوب انتهى
قوله : " بمسطح " بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة أيضا بعدها حاء مهملة
قال أبو داود قال النضربن شميل المسطح هو الصولج انتهى . والصولج الذي يرققبه الخبز وقال أبو عبيد هو عود من أعواد الخباء
وقد استدل المصنف رحمه الله بحديث حمل بن مالك المذكور على أنه يثبت القصاص في القتل بالمثقل وإليه ذهب الجمهور ومن أدلتهم أيضا حديث أنس المذكور أول الباب . وحكى في البحر عن الحسن البصري والشعبي والنخعي وأبي حنيفة أنه لا قصاص بالمثقل واحتجوا بما أخرجه البهيقي من حديث النعمان بن بشير قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل شيء خطا إلا السيف ولكل خطأ أرش " وفي لفظ " كل شيء سوي الحديدة خطأ أرش " وهذا الحديث يدور على جابر الجعفي وقيس بن الربيع ولا يحتج بهما وأيضا هذا الدليل أخص من الدعوى فإن أبا حنيفة يوجب القصاص بالمحدد ولو كان حجرا أو خشبا ويوجبه أيضا بالمنجنيق لكونه معروفا بقتل الناس وبالإلقاء في النار فالراجح ما ذهب إليه الجمهور لأن المقصود بالقصاص صيانة الدماء من الأهدار والقتل بالمثقل كالقتل بالمحدد في إتلاف النفوس فلو لم يجب به القصاص كان ذلك ذريعة إلى إزهاق الأرواح والأدلة الكلية القاضية بوجوب القصاص كتابا وسنة وردت مطلقة غير مقيدة بمحدد أو غيره وهذا إذا كانت الجناية بشيء يقصد به القتل في العادة وكان الجاني عامدا لالو كانت بمثل العصا والسوط والبندقة ونحوها فلا قصاص فيها عند الجمهور وهي شبه العمد على ما سيأتي تحقيقه وسيأتي أيضا بقية الكلام على حديث حمل بن مالك في باب دية الجنين من أبواب الديات ( وقد استدل ) بالأحاديث المذكورة في النهي عن المثلة القائلون بأنه لا يجوز الاقتصاص بغير السيف وقد قدمنا الخلاف في ذلك
قال الترمذي وكره أهل العلم المثلة

باب ما جاء في شبه العمد

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس فتكون دماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح "
- رواه أحمد وأبو داود

2 - وعن عبد الله بن عمرو " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إلا أن قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط أو العصا فيه مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها "
- رواه الخمسة إلا الترمذي . ولهم من حديث عبد الله بن عمر مثله

- حديث عمرو بن شعيب في إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد يكلم فيه غير واحد ووثقه غير واحد . والحديث الثاني أخرجه أيضا البخاري في التاريخ وساق اختلاف الرواة فيه وأخرجه الدار قطني في سننه وساق أيضا فيه الاختلاف وقد صححه ابن حبان
وقال ابن القطان هو صحيح ولا يضره الاختلاف . وحديث عبد الله بن عمر الذي أشار إليه المصنف لفظه في سنن أبو داود قال " خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح على درجة البيت لأو الكعبة " وذكر مثل الحديث الذي قبله وذكر له طرقا في بعضها على بن يزيد بنجدعان ولا يحتج بحديثه وسيأتي في باب أجناس مال الدية حديث عقبة بن أوس عن رجل من الصحابة وهو مثل حديث عبد الله بن عمرو الثاني ( وفي الباب ) عن علي عند أبي داود أنه قال في شبه العمد أثلاثا ثلاث وثلاثون حقة . وثلاث وثلاثون جذعة . وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة
وفي أسناده عاصم بن ضمرة وقد تكلم فيه غير واحد . وعن علي أيضا عند أبي داود " قال في الخطأ أرباعا خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض " . وعن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت عند أبي داود قالا في المغلظة أربعون جذعة خلفة وثلاثون حقة وثلاثون بنات لبون وفي الخطأ ثلاثون حقة وثلاثون بنات لبون وعشرون بني لبون ذكورا وعشرون بنات مخاض
وأخرج أبو داود عن علقة والأسود أنهما قالا قال عبد الله في شبه العمد خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض ( وقد استدل ) بأحاديث الباب من قال إن القتل على ثلاثة أضرب : عمد . وخطأ وشبه عمد . وإليه ذهب زيد بن علي والشافعية والحنفية والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجماهير من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فجعلوا في العمد القصاص
وفي الخطأ الدية التي سيأتي تفصيلها
وفي شبه العمد وهو ما كان بما مثله لا يقتل في العادة كالعصا والسوط والأبرة مع كونه قاصدا للقتل دية مغلظة وهي مائة من الأبل أربعون منها في بطونها أولادها
وقال ابن أبي ليلى إن قتل بالحجر أو العصا فإن كرر ذلك فهو عمد وإلا فخطأ
وقال عطاء وطاوس شرط العمد أن يكون بسلاح
وقال الجصاص القتل ينقسم إلى عمد وخطأ وشبه العمد وجار مجرى الخطأ وهو ما ليس انهاء كفعل الصلحاء
قال الإمام يحيى ولا ثمرة للخلاف إلا في شبه العمد
وقال مالك والليث والهادي والناصر والمؤيد بالله وأبو طالب إن القتل ضربان عمد وخطأ فالخطأ ما وقع بسبب من الأسباب أو من غير مكلف أو غير قاصد للمقتول أو للقتل بما مثله لا يقتل في العادة والعمد ما عداه والأول لا قود فيه
وقد حكى صاحب البحر الإجماع على ذلك والثاني فيه القود . ولا يخفى أن أحاديث الباب صالحة للاحتجاج بها قسم ثالث وهو شبه العمد وإيجاب دية مغلظة على فاعله وسيأتي تفصيل الديات وذكر أجناسها إن شاء الله تعالى

باب من أمسك رجلا وقتله آخر

1 - عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك "
- رواه الدارقطني

2 - وعن على رصي الله عنه " أنه قضى في رجل قتل رجلا متعمدا وأمسكه آخر قال يقتل القاتل ويحبس الآخر في السجن حتى يموت "
- رواه الشافعي

- حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني من طريق الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر ورواه معمر وغيره عن إسماعيل
قال الدارقطني والإرسال أكثر
وأخرجه أيضا البيهقي ورجح المرسل وقال إنه موصول غير محفوظ
قال الحافظ في بلوغ المرام ورجاله ثقات وصححه ابن القطان
وقد روى أيضا عن إسماعيل عن سعيد بن المسيب مرفوعا والصواب عن إسماعيل قال " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الحديث . ورواه ابن المبارك عن معمر عم سفيان عن إسماعيل يرفعه قال اقتلوا القاتل وأصبروا الصابر يعني احبسوا الذي أمسك . وأثر علي رضي الله عنه هو من طريق سفيان عن جابر عن عامر عنه ( والحديث ) فيه دليل على أن الممسك للمقتول حال قتل القاتل له لا يلزمه القود ولا يعد فعله مشاركة حتى يكون ذلك من باب قتل الجماعة بالواحد بل الواجب حبسه فقط
وقد حكى صاحب البحر هذا القول عن العترة والفريقين يعني الشافعية والحنفية ( وقد استدل ) لهم بالحديث والأثر المذكورين وبقوله تعالى { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وحكى في البحر أيضا عن النخعي ومالك والليث أنه يقتل الممسك كالمباشر للقتل لأنهما شريكان إذ ذلك تسبيب مع مباشرة ولا حكم له معها والحق العمل بمقتضى الحديث المذكور لأن إعلاله بالإرسال غير قادح على ما ذهب إليه أئمة الأصول وجماعة من أئمة الحديث وهو الراجح لأن الإسناد زيادة مقبولة يتحتم الأخذ بها والحبس المذكور جعله الجمهور موكولاغلى نظر الإمام في طول المدة وقصرها لأن الغرض تأديبه وليس بمقصود استمراره إلى الموت وقد أخذ بما روى عن علي رضي الله عنه من الحبس إلى الموت ربيعة

باب القصاص في كسر السن

1 - عن أنس " أن الربيع عمته كسرت ثنية جارية فطلبوا إليها العفو فأبوا فعرضوا الأرش فأبوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأبوا إلا القصاص فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقصاص فقال أنس بن النضر يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أنس كتاب الله القصاص فرضي القوم فعفو فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره "
- رواه البخاري والخمسة إلا الترمذي

- قوله " الربيع " بضم الراء وهي بنت النضر
قوله : " فطلبوا إليها العفو أي طلب أهل الجانية إلى المجني عليها العفو فأبى أهل الجني عليها
وفي رواية للبخاري فطلبوا إليهم العفو فأبوا أي إلى أهل المجني عليها
قوله : " فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخ فيه دليل على وجوب القصاص في السن وقد حكى صاحب البحر الاجماع على ذلك وهو نص القرآن وظاهر الحديث وجوب القصاص ولو كان ذلك كسرا لا قلعا ولكن بشرط أن يعرف مقدار المكسور ويمكن أخذ مثله من سن الكاسر فيكون الأقتصاص بأن تبرد سن الجاني إلى الحد الذاهب من سن المجني عليه كما قال أحمد بن حنبل وقد حكى الاجماع على أنه لاقصاص في العظم الذي يخاف منه الهلاك وحكى عن الليث والشافعي والحنفية أنه لاقصاص في العظم الذي ليس بسن لان المماثلة متعذرة لحيلولة اللحم والعصب والجلد قال الطحاوي اتفقوا على أنه لاقصاص في عظم الرأس فيلحق به سائر العظام وتعقب بأنه مخالف لحديث الباب فيكون فاسد الاعتبار وقد تأول من قال بعدم القصاص في العظم مطلقا إذا كسر هذا الحديث بأن المراد بقوله كسرت ثنية جارية أي قلعتها وهو تعسف
قوله : " لا والذي بعثك بالحق " الخ قيل لم يرد بهذا القول رد حكم الشرع وإنما أراد التعريض بطلب الشفاعة وقيل أنه وقع منه ذلك قبل علمه بوجوب القصاص إلا أن يختار المجني عليه أو ورثته الدية أو العفو وقيل غير ذلك وجميع ما قيل لا يخلو من بعد ولكنه يقر به ما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من الثناء عليه بأنه ممن أبر الله ولو كان مريدا بيمينه رد ما حكم الله به لكان مستحقا لأوجع القول وأفظعه
قوله : " كتاب الله " الأشهر فيه الرفع على أنه مبتدا والقصاص خبره ويجوز فيه النصب على المصدرية لفعل محذوف كما في صبغة الله ووعد الله ويكون القصاص مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف وأشار صلى الله عليه وآله وسلم بذلك إلى قوله تعالى { والجروح قصاص } وقيل إلى قوله تعالى { والسن بالسن } وهو الظاهر

باب من عض يد رجل فانتزعها فسقطت ثنيته

1 - عن عمران بن حصين " إن رجلا عض يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثنيتاه فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يعض أحدكم يد أخيه كما يعض الفحل لا دية لك "
- رواه الجماعة إلا أبا داود

2 - وعن يعلى بن أمية قال " كان لي أجير فقاتل انسانا فعض أحدهما صاحبه فانتزع أصبعه فأندر ثنيته فسقطت فأيطلق إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأهدر ثنيته وقال أيدع يده في فيك تقضمها كما يقضم الفحل "
- رواه الجماعة إلا الترمذي

- في رواية مسلم عن عمر إن بن حصين إنه قال " قاتل يعلى بن أمية رجلا فعض أحدهما صاحبه " ظاهر يخالف ما في حديث يعلى المذكور من قوله " كان لي أجير فقاتل انسانا " وسيأتي الجمع
قوله : " عض يد رجل " في رواية لمسلم " عض ذراع رجل " وفي رواية للبخاري " فعض أصبع صاحبه " وقد جمع بتعدد القصة وقيل رواية الذراع أرجح من رواية الأصبع لأنها من طريق جماعة كما حقق ذلك صاحب الفتح
قوله : " ثنيتاه " هكذا في رواية البخاري عند الأكثر
وفي رواية للكشميهني ثناياه بصيغة الجمع
وفي رواية بصيغة الافراد كما وقع في حديث يعلي ويجمع بين ذلك بأنه أريد بصيغة الأفراد الجنس وجعل صيغة الجمع مطابقة لصيغة التثنية عند من يجيز إطلاق صيغة الجمع على المثني ولكنه وقع في رواية للبخاري إحدى ثنيتيه وهي مصرحة بالأفراد والجمع بتعدد الواقعة بعيد
قوله : " فاختصموا " في رواية بصيغة التثنية
قوله : " يعض أحدكم " بفتح أوله وبفتح العين المهملة بعدها ضاد معجمة مشددة لأن أصله عضض بكسر الضاد الأولى يعضض بفتحها ثم أدغمت ونقلت الحركة التي عليها إلى ما قبلها والمراد بالفحل الذكر من الأبل
قوله : " فعض أحدهما صاحبه " لم يصرح بالفاعل وقد ورد في بعض الروايات أن رجلا من بني تميم قاتل رجلا فعض يده ويعلى هو من بني تميم ويدل على ذلك رواية مسلم المتقدمة واستبعد القرطبي وقوع مثل ذلك من مثل يعلى وأجيب باحتمال أن يكون ذلك في أول الإسلام قال النووي إن الرواية الأولى من صحيح مسلم تدل على أن المعضوض يعلى
وفي الرواية الثانية والثالثة منه أن المعضوض أجير يعلى وقد رجح الحافظ أن المعضوض أجير يعلى قال ويحتمل أنهما قصتان وقعتا ليعلى ولأجيره في وقت أو وقتين وقد تعقب الزين العراقي في شرح الترمذي ما قاله النووي بأنه ليس في رواية مسلم ولا غيره من الكتب السنة ولا غيرها ما يدل على أن يعلى هو المعضوض لا صريحا ولا إشارة قال فيتعين أن يكون يعلى هو العاض انتهى . ولكنه يشكل على ذلك ما في حديث يعلى المذكور في الباب من أن المقاتلة وقعت بين أجيره وإنسان آخر فلا بد من الجمع بتعدد القضة كما سلف
قوله : " فاندر " بالنون والدال المهملة والراء أي أزال ثنيته
قوله : " يقضمها " بسكون القاف وفتح الضاد المعجمة على الأفصح وهو الأمساك باطراف الأسنان ( والحديثان ) يدلان على أن الجناية إذا وقعت على المجني عليه بسبب منه كالقصة المذكورة وما شابهها فلا قصاص ولا أرش وإليه ذهب الجمهور ولكن بشرط أن يتمكن المعضوض مثلا من إطلاق يده أو نحوها بما هو أيسر من ذلك وأن يكون ذلك العض مما يتألم به المعضوض وظاهر الدليل عدم الاشتراط وقد قيل أنه من باب التقييد بالقواعد الكلية وفي وجه للشافعية أنه يهدر مطلقا
وروى عن مالك أنه يجب الضمان في مثل ذلك وهو محجوج بالدليل الصحيح وقد تأول أتباعه ذلك الدليل بتأويلات في غاية السقوط وعارضوه بأقيسة باطلة . وما أحسن ما قال بن يحيى بن يعمر لو بلغ مالكا هذا الحديث لم يخالفه وكذا قال ابن بطال

باب من اطلع في بيت قوم مغلق عليهم بغير إذنهم

1 - عن سهل بن سعد " أن رجلا اطلع في حجر في باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدري يرجل به رأسه فقال له لو أعلم إنك تنظر طعنت به في عينك إنما جعل الأذن من أجل البصر "

2 - وعن أنس " أن رجلا اطلع في بعض حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمشقص أو بمشاقص فكأ في أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه "

3 - وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " لو أن رجلا اطلع بغير أذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح "
- متفق عليهن

4 - وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤا عينه "
- رواه أحمد ومسلم
وفي رواية " من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقؤا عينه فلا دية له ولا قصاص "
- رواه أحمد والنسائي

- اللفظ الآخر من حديث أبي هريرة الآخر أخرجه أيضا ابن حيان وصححه
قوله : " مدرى " للمدرى بكسر الميم وسكون الدال المهملة عود يشبه أحد أسنان المشط وقد يجعل من حديد
قوله : " بمشقص " بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح القاف بعدها صاد
قال في القاموس المشقص كمنبر نصل عريض أو سهم فيه ذلك والنصل الطويل أو سهم فيه ذلك يرمى به الوحش
قوله : " يختل " بفتح الياء التحتية وسكون الخاء المعجمة بعدها مثناة مكسورة وهو الخدع والاختفاء على ما في القاموس
قوله : " ليطعنه " بضم العين وقد تفتح
قوله : " فخذفته " الخذف بالخاء المعجمة الرمي الحصاة وأما بالحاء المهملة فهو بالعصا لا بالحصا ( وقد استدل ) بأحاديث الباب من قال إن من قصد النظر إلى مكان لا يجوز له الدخول إليه بغير إذن جاز للمنظور إلى مكانه أن يفقأ عينه ولا قصاص ولا دية للتصريح بذلك في الحديث الآخر ولقوله " فقد حل لهم أن يفقؤا عينه " ومقتضى الحل أنه لا يضمن ولا يقتص منه ولقوله " ما كان عليك من جناح " وإيجاب القصاص أو الدية جناح ولأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم المذكور لو أعلم إنك تنظر طعنت به في عينك يدل على الجواز
وقد ذهب إلى مقتضى هذه الأحاديث جماعة من العلماء منهم الشافعي . وخالفت المالكية هذه الأحاديث فقالت إذا فعل صاحب المكان بمن اطلع عليه ما أذن به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجب عليه القصاص أو الدية وساعدهم على ذلك جماعة من العلماء وغاية ما عولوا قولهم إن المعاصي لا تدفع بمثلها وهذا من الغرائب التي يتعجب المنصف من الاقدام على التمسك بمثلها في مقابلة تلك الأحاديث الصحيحة فإن كل عالم يعلم أن ما أذن فيه الشارع ليس بمعصية فكيف يجعل فقء عين المطلع من باب مقابلة المعاصي بمثلها ومن جملة ما عولوا عليه قولهم إن الحديث وارد على سبيل الغليظ والارهاب ويجاب عنه بالمنع والسند ان ظاهر ما بلغنا عنه صلى الله عليه وآله وسلم محمول على التشريع إلا لقرينة تدل على إرادة البالغة وقد تخلص بعضهم عن الحديث بأنه مؤول بالإجماع على أن من قصد النظر على عورة غيره لم يكن ذلك مبيحا لفقء عينه ولا سقوط ضمانها ويجاب أولا بمنع الإجماع وقد نازع القرطبي في ثبوته وقال إن الحديث يتناول كل مطلع قال لان الحديث المذكور إنما هو لمظنة الاطلاع على العورة فبالأولى نظرها المحقق ولو سلم الاجماع المذكور لم يكن معارضا لما ورد به الدليل لانه في امر آخر فأن النظر إلى البيت ربما كان مفضيا إلى النظر إلى الحرم وسائر ما يقصد صاحب البيت ستره عن أعين الناس : وفرق بعض الفقهاء بين من كان من الناظرين في الشارع وفي خالص ملك المنظور إليه فرق بين من رمى الناظر قبل الإنذار وبعده وظاهر أحاديث الباب عدم الفرق ( والحاصل ) أن لاهل العلم في هذه الأحاديث تفاصيل وشروطا واعتبارات يطول استيفاؤها وغالبها مخالف لظاهر الحديث وعاطل عن دليل خارج عنه وما كان هذا سبيله فليس في الاشتغال ببسطه ورده كثير فائدة وبعضها مأخوذ من فهم المعنى المقصود بالأحاديث المذكورة ولا بد أن يكون ظاهر الإرادة واضح الاستفادة وبعضها مأخوذ من القياس وشرط تقييد الدليل به أن يكون صحيحا معتبرا على سنن القواعد المعتبرة في الأصول

باب النهي عن الاقتصاص في الطرف قبل الإندمال

1 - عن جابر " إن رجلا جرح فأراد أن يستقيد فنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح "
- رواه الدارقطني

2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أقدني فقال حتى تبرأ ثم جاء إليه فقال أقدني فأقاده ثم جاء إليه فقال يا رسول الله عرجت قال قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه "
- رواه أحمد والدارقطني

- حديث جابر أيضا أبوبكر بن أبي شيبة ابن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عنه
وأخرجه أيضا عثمان بن أبي شيبة بهذا الإسناد وقال أبو الحسن الدارقطني أخطأ فيه ابنا أبي شيبة وخالفهما أحمد بن حنبل وغيره فرووه عن ابن علية عن أيوب عن عمرو مرسلا وكذلك قال أصحاب عمرو بن دينار عنه وهو المحفوظ يعني المرسل وأخرجه أيضا البيهقي من حديث جابر مرسلا باسناد آخر
وقال تفرد به عبد الله الأموي عن ابن جريج وعنه يعقوب ابن حميد وأخرجه أيضا من وجه آخر عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقاس الجراحات ثم يتأنى بها ثم يقضي فيها بقدر ما انتهت إليه " وفي اسناده ابن لهيعة رواه جماعة من الضعفاء عن أبي الزبير من وجهين آخرين عن جابر ولم يصح شيء من ذلك وحديث عمرو بن شعيب
قال الحافظ في بلوغ المرام وأعل بالإرسال وقد تقدم الخلاف في سماع عمرو بن شعيب واتصال اسناده
وأخرجه أيضا الشافعي والبيهقي من طريق عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة ( واستدل ) بالحديثين المذكورين من قال إنه يجب الانتظار إلى أن يبرأ الجرح ويندمل ثم يقتص المجروح بعد ذلك وإليه ذهبت العترة وأبو حنيفة ومالك وذهب الشافعي إلى أنه يندب فقط وتمسك بتمكينه صلى الله عليه وآله وسلم الرجل المطعون بالقرن المذكور في حديث الباب من القصاص قبل البرء . واستدل صاحب البحر على الوجوب بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " اصبروا حتى يسفر الجرح " . وأصله " أن رجلا طعن حسان بن ثابت فاجتمعت الأنصار ليأخذ لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم القصاص فقال انتظروا حتى يبرأ صاحبكم ثم أقتص لكم فبرئ حسان ثم عفا " . وهذا الحديث إن صح فحديث عمرو بن شعيب قرينة لصرفه من معناه الحقيقي إلى معناه المجازي كما أنه قرينة لصرف النهي المذكور في حديث جابر إلى الكراهة
وأما ما قيل من أن ظهور مفسدة التعجيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قرينة أن أمره الأنصار بالانتطار للوجوب لأن دفع المفاسد واجب كما قال في ضوء النهار فيجاب عنه بأن محل الحجة هو اذنه صلى الله عليه وآله وسلم بالاقتصاص قبل الاندمال وهو لا يأذن إلا بما كان جائزا وظهور المفسدة غير قادح في الجواز المذكور وليس ظهورها بكلى ولا أكثرى حتى تكون معلومة عند الاقتصاص قبل الاندمال أو مظنونة فلا يجب ترك الإذن دفعا للمفسدة الناشئة منه نادرا نعم قوله " ثم نهى أن يقتص من جرح " الخ يدل على تحريم الاقتصاص قبل الاندمال لأن لفظ ثم يقتضي الترتيب فيكون النهى الواقع بعدها ناسخا للاذن الواقع قبلها

باب في أن الدم حق لجميع الورثة من الرجال والنساء

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن يعقل عن المرأة عصبتها من كانوا ولا يرثوا منها إلا ما فضل عن ورثتها وان قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلها "
- رواه الخمسة إلا الترمذي

2 - وعن عائشة " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وعلى المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة "
- رواه أبو داود والنسائي . وأراد بالمقتتلين أولياء المقتول الطالبين القود وينحجزوا أي ينكفوا عن القود بعفو أحدهم ولو كان امرأة . وقوله " الأول فالأول " أي الأقرب فالأقرب

- حديث عمر بن شعيب في اسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد وثقه غير واحد وتكلم فيه غير واحد وهو حديث طويل هذا طرف منه وقد بسطه أبو داود في سننه وحديث عائشة في اسناده حصن بن عبد الرحمن ويقال ابن محصن أبو حذيفة الدمشقي
قال أبو حاتم الرازي لا أعلم روى عنه غير الأوزاعي ولا أعلم أحدا نسبه
قوله : " ان يعقل " العقل الدية والمراد ههنا بقوله أن يدفع عن المرأة ما لزمها من الدية عصبتها والعصبة محركة الذين يرثون الرجل عن كلالة من غير والد ولا ولد فأما في الفرائض فكل من لم تكن له فريضة مسماة فهو عصبة إن بقي بعد الفرض أحد وقوم الرجل الذين يتعصبون له كذا في القاموس
قوله : " أن ينحجزوا " بحاء مهملة ثم جيم ثم زاي وقد فسره أبو داود بما ذكره المصنف وقد استدل المصنف بالحديثين المذكورين على أن المستحق للدم جميع ورثة القتيل من غير فرق بين المذكر والأنثى والسبب والنسب فيكون القصاص إليهم جميعا وإليه ذهبت العترة والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وذهب الزهري ومالك إلى أن ذلك يختص بالعصبة قالا لانه مشروع لنفي العار كولاية النكاح فإن وقع العفو من العصبة فالدية عندهما كالتركة وقال ابن سيرين انه يختص بدم المقتول الورثة من النسب إذ هو مشروع للتشفي والزوجية ترتفع بالموت ورد بأنه شرع لحفظ الدماء واستدل لذلك في البحر بقوله تعالى { ولكم في القصاص حياة } وبقول عمر حين عفت أخت المقتول عتق عن القتل قال ولم يخالف وسيأتي في باب ما تحمله العاقلة بيان كيفية العفو واختلاف الأدلة في ثبوته إن شاء الله تعالى

باب فضل العفو عن الأقتصاص والشفاعة في ذلك

1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال ما عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه

2 - وعن أنس " قال ما رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر فيه القصاص إلا أمر فيه بالعفو "
- رواه الخمسة إلا الترمذي

3 - وعن أبي الدرداء قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما من رجل يصاب بشيء في جسده فيتصدق به إلا رعفه الله به درجة وحط به عنه خطيئة "
- رواه ابن ماجه والترمذي

4 - وعن عبد الرحمن بن عوف " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ثلاث والذي نفس محمد بيده ان كنت لحالفا عليهن لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا ولا يعفوعبد عن مظلمة يبتغي بها وجه الله عز و جل إلا زاده الله بها عزا يوم القيامة ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر "
- رواه أحمد

- حديث أنس سكت عنه أبو داود والمنذري واسناده لا بأس به . وحديث أبي الدرداء هو من رواية أبي السفر عن أبي الدرداء قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ولا أعرف لأبي السفر سماعا من أبي الدرداء وأبو السفر اسمه سعيد بن أحمد ويقال ابن محمد الثوري وحديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه أيضا أبو يعلى والبزار وفي اسناده رجل لم يسم
وأخرجه البزار من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه وقال أن الرواية هذه أصح ويشهد لصحته ما ورد من الأحاديث في الترغيب في الصدقة والتنفير عن المسألة وقد تقدمت وأما فضل العفو وأما فضل العفو المذكور فيه فهو مثل حديث أبي هريرة المذكور في الباب والترغيب في العفو ثابت بالأحاديث الصحيحة ونصوص القرآن الكريم ولا خلاف في مشروعية العفو في الجملة وإنما وقع الخلاف فيما هو الأولى للمظلوم هل العفو عن ظالمه أو الترك فمن رجح الأول قال إن شاء الله سبحانه لا يندب عباده إلى العفو إلا ولهم فيه مصلحة راجحة على مصلحة الأنتصاف من الظالم فالعافي له من الأجر بعفوه عن ظالمه فوق ما يستحقه من العوض عن تلك المظلمة من أخذ أجرأ ووضع وزر لو لم يعف عن ظالمه ومن رجح الثاني قال انا لا نعلم هل عوض المظلمة أنفع للمظلوم أم أجر العفو ومع التردد في ذلك ليس إلى القطع بأولوية العفو طريق ويجاب بأن غاية هذا عدم الجزم بأولوية العفو لا الجزم بأولوية الترك الذي هو الدعوى ثم الدليل قائم على أولوية العفو لأن الترغيب في الشيء يستلزم راجحيته ولا سيما إذا نص الشارع على أنه من موجبات رفع الدرجات وحط الخطيئات وزيادة العز كما وقع في أحاديث الباب ونحن لا ننكر أن المظلوم الذي لم يعف عن ظلامته عوضا عنها فيأخذ من حسنات ظالمه أو يضع عليه من سيآته ولكنه لا يساوي الأجر الذي يستحقه العافي لأن الندب إلى العفو والأرشاد إليه والترغيب فيه يستلزم ذلك وإلا لزم أم يكون ما هو الصفة مساويا أو مفضولا فلا يكون للدعاء إليه فائدة على فرض المساواة أو يكون مضرا بالعافي على فرض أن العفو مفضول لأنه كان سببا في نقصان ما يستحقه من عوض المظلمة واللازم باطل فالملزوم مثله

باب ثبوت القصاص بالإقرار

1 - عن وائل بن حجر قال " أني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة فقال يا رسول الله هذا قتل أخي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقتلته فقال إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة قال نعم قتلته قال كيف قتلته قال كنت أنا وهو نحتطب من شجرة فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل لك من شيء تؤديه عن نفسك قال مالي مال الإكسغائي وفأسي قال فترى قومك يشترونك قال أنا أهون على قومي من ذاك فرمى إليه نسعته وقال دونك صاحبك قال فانطلق به الرجل فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن قتله فهو مثله فرجع فقال يا رسول الله بلغني أنك قلت إن قتله فهو مثله وأخذته بأمرك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك فقال يا نبي الله لعله قال بلى قال فإن ذلك كذلك فرمى بنسعته وخلى سبيله " رواه مسلم والنسائي وفي رواية " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحبشي فقال إن هذا قتل أخي قال كيف قتله قال ضربت رأسه بالفأس ولم أرد قتله قال وهل لك مال تؤدي ديته قال لا أفرأيت أن أرسلتك تسأل الناس تجمع ديته قال لا قال فمواليك يعطونك ديته قال لا قال للرجل خذه فخرج به ليقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما إنه إن قتله كان مثله فبلغ به الرجل حيث سمع قوله فقال هوذا فمر فيه ما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسله يبوء بإثم صاحبه وإثمه فيكون من أصحاب النار "
- رواه أبو داود

- هذه الرواية الآخرة سكت عنها أبو داود والمنذري وعزاها إلى مسلم والنسائي ولعله باعتبار اتفاقها في المعني هي والرواية الأولى
وفي رواية أخرى من حديث وائل بن حجر أخرجها أبو داود والنسائي
قال " كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه النسعة قال فدعا ولي المقتول فقال أتعفو قال لا قال أفتأخذ الدية قال لا قال أفتقتل قال نعم قال فاذهب به فلما كان في الرابعة قال أما أنك إن عفوت عنه فإنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه قال فعفا عنه قال فأنا رأيته يجر النسعة " قوله : " بنسعه " بكسر النون وسكون السين بعدها عين مهملة
قال في القاموس النسع بالكسر سير ينسج عريضا على هيئة أعنة البغال تشد به الحال والقطعة منه نسعة وسمي نسا لطوله الجمع نسع بالضم ونسع بالكسر كعنب وأنساع ونسوع
قوله : " نحتطب " من الاحتطاب . ووقع في نسخة نختبط من الاختباط
قوله : " إن قتله فهو مثله " قد استشكل هذا بعد إذنه صلى الله عليه وآله وسلم بالاقتصاص وإقرار القاتل بالقتل على الصفة المذكورة والأولى حمل هذا المطلق على المقيد بأنه لم يرد قتله بذلك الفعل
قال المصنف رحمة الله تعالى وقال ابن قتيبة في قوله إن قتله فهو مثله لم يرد أنه مثله في المأثم وكيف يريده والقصاص مباح ولكن أحب له العفو فعرض تعريضا أوهمه به أنه إن قتله كان مثله في الإثم ليعفو عنه وكان مراده أنه يقتل نفسا كما أن الأول قتل نفسا وإن كان الأول ظالما والآخر مقتصا
وقيل كان معناه كان مثله في حكم البواء فصارا متساويين لا فضل للمقتص إذا استوفى على المقتص منه
وقيل أراد ردعه عن قتله لأن القاتل إدعى أنه لم يقصد قتله فلو قتله الولى كان في وجوب القود عليه مثله لو ثبت منه قصد القتل يدل عليه ما روى أبو هريرة قال " قتل رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدفع القايل إلى وليه فقال القاتل يا رسول الله والله ما أردت قتله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إما أنه إن كان صادقا فقتلته دخلت النار فخلاه الرجل وكان مكتوفا بنسعة فخرج يجر نسعته قال قال فكان يسمي ذا النسعة " رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه انتهى
وأخرج هذا الحديث أيضا النسائي وهو مشتمل على زيادة وهي تقييد الإقرار بأنه لم يرد القتل بذلك الفعل فيتعين قبولها ويحمل المطلق على المقيد كما تقدم فيكون عدم قصد القتل إنما يصير القتل من جنس الخطأ إذا كان بما مثله لا يقتل في العادة لا إذا كان مثله يقتل في العادة فإنه بكون عمدا وإن يقصد به القتل وغلى هذا ذهبت الهادوية والحديث يرد عليهم ( لا يقال الحديث ) مشكل من جهة أخرى وهي أنه صلى الله عليه وآله وسلم أذن لولي المجني عليه بالاقتصاص ولو كان القتل خطأ لم يأذن له بذلك إذ لا قصاص في قتل الخطأ إجماعا كما حكاه صاحب البحر وهو صريح القرآن والسنة لأنا نقول لم يمنعه صلى الله عليه وآله وسلم من الاقتصاص بمجرد تلك الدعوى لاحتمال أن يكون المدعي كاذبا فيها بل حكم علي القاتل بما هو ظاهر الشرع ورهب ولي الدم عن القود بما ذكره معلقا لذلك على صدقة
قوله : " أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك " أما كون القاتل يبوء بإثم المقتول فظاهر وأما كونه يبوء بإثم وليه فلانه لما قتل قريبه وفرق بينه وبينه كان جانيا عليه جناية شديدة اما جرت به عادة البشر من التألم لفقد القريب والتأسف على فراق الحبيب ولا سيما إذا كان ذلك بقتله ولا شك أن ذلك ذنب شديد ينضم إلى ذنب القتل فإذا عفا ولى الدم عن القاتل كانت ظلامته بقتل قريبه وإحراج صدره باقية في عنق القاتل فينتصف منه يوم القيامة بوضع ما يساويها من ذنوبه عليه فيبوء بإثمه
قوله : " قال يا بني الله لعله " أي لعله أن لا يبوء بإثمي وإثم صاحبي فقال صلى الله عليه وآله وسلم بلى يبوء بذلك
وأما قوله في الرواية الأخرى بإثم صاحبه وإثمه فلا أشكال فيه وهو مثل ما حكاه الله في القرآن عن ابن آدم حيث قال { إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك } . والمراد بالبواء الاحتمال
قال في القاموس وبذنبه بوأو بواء أحتمله أو اعترف به وذمه بدمه عدله وبفلان قتل به فقاومه انتهى
وقد استدل المصنف رحمه الله بحديث وائل بن حجر على أنه يثبت القصاص على الجاني بإقراره وهو مما لا أحفظ فيه خلافا إذا كان الإقرار صحيحا متجردا عن الموانع

باب ثبوت القتل بشاهدين

1 - عن رافع بن خديج قال " أصبح رجل من الأنصار بخيبر مقتولا فإنطلق أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا ذلك له فقال لكم شاهد أن يشهدان على قتل صاحبكم فقالوا يا رسول الله لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هم يهود قد يجترئون على أعظم من هذا قال فاختاروا منهم خمسين فاستحلفوهم فوداه النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود

2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن ابن محيضة الأصغر أصبح قتيلا على أبواب خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقم شاهدين على من قتله أدفعه إليكم برمته فقاليا رسول الله ومن أين أصيب شاهدين وإنما أصبح قتيلا على أبوابهم قال فتحلف خمسين قسامة فقال يا رسول الله فكيف أحلف على ما لم أعلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستحلف منهم خمسين قسامة فقال يا رسول الله كيف نستحلفهم وهم اليهود فقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ديته عليهم وأعلنهم بنصفها "
- رواه النسائي

- الحديث الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الحصيح
إلا الحسن بن علي بن راشد وقد وثق . والحديث الثاني في إسناده عمرو بن شعيب وقد تقدم الكلام عليه والراوي عنه عبيد الله بن الأخنس وقد حسن الحافظ في الفتح إسناد هذا الحديث والكلام على ما أشتمل عليه الحديثان من أحكام القسامة يأتي في بابها وأوردها المصنف ههنا للاستدلال بهما على أنه يثبت القتل بشهادة شاهدين ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه يقول باشتراط زيادة على شهادة شاهدين في القصاص ولكنه وقع الخلاف في قبول شهادة النساء في القصاص كالمرأتين مع الرجل فحكى صاحب البحر عن الأوزاعي والزهري أن القصاص كالأموال فيكفي فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين وظاهر اقتصاره على حكاية ذلك عنهما فقط أن من عداهما يقول بخلافه والمعروف من مذهب الهادوية أنها لا تقبل في القصاص إلا شهادة رجلين أصلين لافرعين والمعروف في مذهب الشافعية أنه يكفي في الشهادة على المال والعقود المالية شهادة رجلين أو رجل وامرأتين وفي عقوبة لله تعالى كحد الشرب وقطع الطريق أو لآدمي كالقصاص رجلان قال النووي في المنهاج مالفظه ولمال وعقد مالي كبيع وحوالة وضمان وحق مالي كخيار رجلان أو رجل وامرأتان ولغير ذلك من عقوبة لله تعالى أو لآدمي وما يطلع عليه رجال غالبا كنكاح وطلاق ورجعة وإسلام وردة وجرح وتعديل وموت وإعسار ووكالة ووصاية وشهادة على شهادة رجلان انتهى . واستدل الشارح المحلى للأول بقوله تعالى ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) قال عموم الأشخاص مستلزم لعموم الأحوال المخرج منه ما يشترط فيه الأربعة ومالا يكتفي فيه بالرجل والمرأتين واستدل للثاني بما رواه مالك عن الزهري قال مضت السنة أنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح والطلاق وقال وقيس على الثلاثة باقي المذكورات بجامع أنها ليست بمال ولا يقصد منها مال والقصد من الوكالة والوصاية الراجعتين إلى المال الولا ية والخلافة لا المال انتهى
وقد أخرج قول الزهري المذكور ابن أبي شيبة بإسناد فيه الحجاج ابن أرطأة وهو ضعيف مع كون الحديث مرسلا لا تقوم بمثله الحجة فلا يصلح لتخصيص عموم القرآن باعتبار ما دخل تحت نصه فضلا عما لم يدخل تحته بل ألحق به بطريق القياس وأما الحديثان المذكوران في الباب فليس فيهما إلا مجرد التنصيص على شهادة الشاهدين في القصاص وذلك لا يدل على عدم قبول شهادة رجل وامرأتين وغاية الأمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلب ما هو الأصل الذي لا يجزى عنه غيره إلا مع عدمه كما يدل عليه قوله تعالى { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } والأصل مع إمكانه متعين لا يجوز العدول إلى بدله مع وجوده فذلك هو النكثة في التنصيص في حديثي الباب على شهادة الشاهدين
قوله : " إن ابن محيصة " بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر التحتانية وتشديدها وفتح الصاد المهملة
قوله : " برمته " بضم الراء وتشديد الميم وهي الحبل الذي يقاد به
قوله : " فقسم ديته عليهم " هو مخالف لما في المتفق عليه الآتي وسيأتي الكلام على ذلك

باب ما جاء في القسامة

1 - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأنصار " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي

2 - وعن سهل ابن أبي حثمة قال " انطلق عبد الله بن سهل ومحيصه بن مسعود إلى خيبر وهو يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال كبر كبر وهو أحدث القوم فسكت فتكلما قال أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم فقالوا وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر قال فتبرئكم يهود بخمسين يمينا فقالوا كيف نأخذ إيمان قوم كفار فعقله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عنده "
- رواه الجماعة

3 - وفي رواية متفق عليها " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته فقلوا أمر لم نشهده كيف نحلف قال فتبرئكم يهود بإيمان خمسين منهم قالوا يا رسول الله قوم كفار " وذكر الحديث بنحوه وهوحجة لمن قال لا يقسمون على أكثر من واحد

4 - وفي لفظ لأحمد " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسمون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين يمينا ثم نسلمه " وفي رواية متفق عليها " فقال لهم تأتون بالبينة على من قتله قالوا مالنا من بينة قالفيحلفون قالوا لا نرضى بإيمان اليهود فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبطل دمه فوداه بمائة من إبل الصدقة

- قوله " ما جاء في القسامة " بفتح القاف وتخفيف السين المهملة وهي مصدر أقسم والمراد بها الأيمان وأشتقاق القسامة من القسم كاشتقاق الجماعة من الجمع وقد حكى إمام الحرمين أن القسامة عند الفقهاء اسم للأيمان وعند أهل اللغة اسم للحالفين وقد صرح بذلك في القاموس وقال في الضياء أنها الأيمان
وقال في المحكم أنها في اللغة الجماعة ثم أطلقت على الأيمان
قوله : " أقرأ القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية " القسامو في الجاهلية قد أخرج البخاري والنسائي صفتها عن ابن عباس أن أول قسامة كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم كان رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى فانطلق معه في إبله فمر به رجلمن بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه فقال أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل فأعطاه عقالا فشد به عروة جوالقه فلما نزلوا عقلت الإبلإلا بعيرا واحدا فقال الذي استأجره ما بال هذا البعير لم يعقل من بين الإبلقال ليس له عقال قال فأين عقاله فخذفه بعصا كان فيه أجله فمر به رجل من أهل اليمن فقال أتشهد الموسم قال ما أشهده وربما شهدته قال هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر قال نعم فإذا شهدت فناد يا قريش فإذا أجابوك فناد ياآل بني هاشم فإن أجابوك فسل عن أبي طالب فأخبره أن فلانا قتلني في عقال ومات المستأجر فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال ما فعل صاحبنا قال مرض فأحسنت القيام عليه ووليت دفنه قال قد كان أهل ذاك منك فمكث حينا ثم أن الرجل الذي أوصى أليه أن يبلغ عنه وافى الموسم فقال يا قريش قالوا هذه قريش قال يا آل بني هاشم قالوا هذه بنو هاشم قال أين أبو طالب قالوا هذا أبو طالب قال أمرني فلان أن أبلغك رسالة أن فلانا قتله في عقال فأناه أبو طالب فقال اختر منا إحدى ثلاث إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله فإن أبيت قتلناك به فأتى قومه فأخبرهم فقلوا نحلف فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم كانت قد ولدت منه فقالت يا أبا طالب أحب أن تجير ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصير يمينه الأيمان ففعل فأتاه رجل منهم فقال يا أبا طالب أردت خمسين رجلا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل فيصيب كل رجل بعيران هذان البعيران فاقبلهما مني ولا تصير يميني حيث تصير الأيمان فقبلها وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا قال ابن عباس فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف انتهى
وقد أخرج البيهقي من طريق سليمان بن يسار عن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن القسامة كانت في الجاهلية قسامة الدم فأقرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها بين أناس من الأنصار من بني حارثة إدعوا إلى اليهود
قوله : " عن سهل بن أبي حثمة قال انطلق " هكذا في كثير من روايات البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم " عن رجال من كبراء قومه " قوله " محيصة " قد تقدم ضبطه في الباب الذي قبل هذا وهو ابن عم عبد الله بن سهل
قوله : " يتشحط في دمه " بالشين المعجمة والحاء المهملة المشددة بعدها طاء مهملة أيضا وهو الاضطراب في الدم . كما في القاموس
قوله : " حويصة " بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد الياء مصغرا وقد روي التخفيف فيه وفي محيصة
قوله : " كبر كبر " أي دع من هو أكبر منك سنا يتكلم هكذا في رواية يحيى بن سعيد أن الذي تكلم هو عبد الرحمن بن سهل وكان أصغرهم
وفي رواية أن الذي تكلم هو محيصة وكان أصغر من حويصة
قوله : " أتحلفون وتستحقون صاحبكم " فيه دليل على مشروعية القسامة وإليه ذهب جمهور الصحابة والتابعين والعلماء من الحجاز والكوفة والشام حكى ذلك القاضي عياض ولم يختلف هؤلاء في الجملة إنما اختلفا في التفصيل على ما سيأتي بيانه روى القاضي عياض عن جماعة من السلف منهم أبو قلابة وسالم بن عبد الله والحكم بن عتيبة وقتادة وسليمان بن يسار وإبراهيم بن علية ومسلو بن خالد وعمر بن عبد العزيز في رواية عنه أن القسامة غير ثابتة لمخالفتها لأصول الشريعة من وجوه . منها أن البينة على المدعي واليمين على المنكر في أصل الشرع
ومنها أن اليمين لا يجوز إلا على ما علمه الإنسان قطعا بالمشاهدة الحسية أو ما يقوم مقامها وأيضا لم يكن في حديث الباب حكم بالقسامة وإنما كانت القسامة من أحكام الجاهلية فتلطف لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليريهم كيف بطلانها وغلى عدم ثبوت القسامة أيضا ذهب الناصر كما حكاه عنه صاحب البحر . وأجيب بأن القسامة أصل من أصول الشريعة مستقل لورود الدليل بها فتخصص بها الدلة العامة وفيها حفظ للدماء وزجر للمعتدين ولا يحل طرح سنة خاصة لأجل سنة عامة وعدم الحكم في حديث سهل ابن أبي حثمة لا يستلزم عدم الحكم مطلقا فإنه صلى الله عليه وآله وسلم قد عرض على المتخاصمين اليمين وقال إما أن يدوا صاحبكم وأما أن يأذنوا بحرب كما في رواية متفق عليها وهو لا يعرض إلا ما كان شرعا وأما دعوى أنه قال ذلك للتلطف بهم وإنزالهم من حكم الجاهلية فباطلة كيف وفي حديث أبي سلمة المذكور في الباب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وقد قدمنا صفة الواقعة التي وقعت لأبي طالب مع قاتل الهاشمي
وقد أخرج أحمد والبيهقي عن أبي سعيد قال وجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتيلا بين قريتين فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذرع ما بينهما فوجد أقرب إلى أحد الجانبين بشير فألقى ديته عليهم قال البيهقي تفرد به أبو اسرائيل عن عطية ولا يحتج بهما وقال العقيلي هذا الحديث ليس له أصل
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عن الشعبي أن قتيلا وجد بين وادعة وشاكر فأمرهم عمر بن الخطاب ان يقيسوا ما بينهما فوجدوه إلى وادعة أقرب فأحلفهم عمر خمسين يمينا كل رجل ما قتله ولا علمت قاتلا ثم أغرمهم الدية فقالوا يا أمير المؤمنين لا أيماننا دفعت عن أموالنا ولا أموالنا دفعت عن أيماننا فقال عمر كذلك الحق
وأخرج نحو الدارقطني والبيهقي عن سعيد بن المسيب وفيه أن عمر قال إنما قضيت عليكم بقضاء نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم قال البيهقي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم منكر وفيه عمر ابن صبيح أجمعوا على تركه وقال الشافعي ليس بتكذيب إنما رواه الشعبي عن الحرث الأعور وقال البيهقي روي عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عمر
وروى عن مطرف عن أبي إسحاق عن الحرث بن الأزمع لكن لم يسمعه أبو إسحاق من الحرث وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق والبيهقي عن سليمان بن يسار وعراك ابن مالك أن رجلا من بني سعد بن ليث أجرى فرسا فوطئعلى أصبع رجل من جهينة فمات فقال عمر للذين أدعى عليهم أتحلفون خمسين يمينا ما مات منها فأبوا فقال لآخرين احلفوا أنتم فأبوا فقضى عمر بشطر الدية على السعديين وسيأتي حكمة صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود بالدية
قوله : " فيدفع برمته " قد تقدم ضبط الرمة وتفسيرها في الباب الأول وقد استدل بهذا من قال أنه يجي القود بالقسامة وإليه ذهب الزهري وربيعة وأبو الزناد ومالك والليث والأوزاعي والشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود ومعظم الحجايين
وحكاه مالك عن ابن الزبير واختلف في ذلك على عمر بن عبد العزيز وحكى في البحر عن أمير المؤمنين رضي الله عنه ومعاوية والمرتضى والشافعي في أحد قوليه أنه لا يجب القود بالقسامة وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وسائر الكوفيين وكثير من البصريين وبعض المدنيين والثورى والأوزاعي والهادوية بل الواجب عندهم جميعا اليمين فيحلف خمسون رجلا من أهل القرية خمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا قاتله ولا يمين على المدعي فإن حلفوا لزمتهم الدية عند جمهورهم وقد أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن أن أبا بكر وعمر والجماعة الأولى لم يكونوا يقتلون بالقسامة
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر أن القسامة إنما توجب العقل ولا تشيط الدم وقال عبد الرزاق في مصنفه قلت لعبيد الله بن عمر العمري أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقاد بالقسامة قال لا قلت فأبو بكر قال لا قلت فعمر قال لا قلت فلم تجترؤن عليها فسكت
وقد استدل بقوله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته أحمد ومالك في المشهور عنه أن القسامة إنما تكون على رجل واحد وقال الجمهور يشترط أن تكون على معين سواء كان واحد أو أكثر وأختلفوا هل يختص القتل بواحد من الجماعة المعينين أو يقتل الكل وقال أشهب لهم أن يحلفوا على جماعة ويختاروا واحد للقتل ويسجن الباقون عاما ويضربون مائة مائة قال الحافظ وهو قول لم يسبق إليه
وقال جماعة من أهل العلم أن شرط القسامة أن تكون على غير معين واستدلوا على ذلك بحديث سهل بن أبي حثمة المذكور فإن الدعوى فيه وقعت على أهل خيبر من غير تعيين . ويجاب عن هذا إبان غايته أن القسامة تصح على غير معين وليس فيه ما يدل على اشتراط كونها على غير معين ولا سيما وقد ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم قرر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وقد قدمنا أن أول قسامة كانت في الجاهلية قسامة أبي طالب وهي دعوى على معين كما تقدم ( فإن قيل ) إذا كانت على معين كان الواجب في العمد القود وفي الخطأ الدية فما وجه إيجاب القسامة فيقال لما لم يكن على ذلك المعين بينة ولم يحصل منه مصادقة كان ذلك مجرد لوث فإن اللوث في الأصل هو ما يثمر صدق الدعوى وله صور ذكرها صاحب البحر . منها وجود القتيل في بلد يسكنه محصورون فإن كان يدخله غيرهم اشترط عداوة المستوطنين للقتيل كما في قصة أهل خيبر ومنها وجوده في صحراء وبالقرب منه رجل في يده سلاح مخضوب بالدم ولم يكن هناك غيره . ومنها وجوده بين صفي القتال ومنها وجوده ميتا بين مزدحمين في سوق أو نحوه ومنها كون الشهاد على القتل نساء أو صبيانا لا يقدر تواطؤهم على الكذب هذا معنى كلام البحر ومن صور اللوث أن يقول المقتول في حياته دمي عند فلان أو هو قتلني أو نحو ذلك فإنها تثبت القسامة بذلك عند مالك والليث وادعى مالك أن ذلك مما أجمع عليه الأئمة قديما وحديثا واعترض هذه الدعوى ابن العربي وفي الفتح أنه لم يقل بذلك غيرهما ومنها إذا كان الشهود غير عدول أو كان الشاهد واحد فإنها تثبت القسامة عند مالك والليث ولم يحك صاحب البحر اشتراط اللوث إلا عن الشافعي وحكى عن القاسمية والحنفية أنه لا يشترط ورد بأن عدم الاشتراط غفلة عن أن الاختصاص بموضع الجناية نوع من اللوث والقسامة لا تثبت بدونه
قوله : " فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم " أي يخلصونكم عن الأيمان بأن يحلفوا فإذا حلفوا انتهت الخصومة فلم يجب عليهم شيء وخلصتم أنتم من الأيمان والجمع بين هذه الرواية والرواية الأخرى التي فيهاتقدم طلب البينة على اليمين حيث قال يأتون بالبينة على من قتله قالوا ما لنا بينة بأن يقال أن الرواية الأخرى مشتملة على زيادة هي طلب البينة أولا ثم اليمين ثانيا
ولا وجه لما زعمه بعضهم من كون طلب البينة وهم في الرواية المذكورة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم أن خيبر حينئذ لم يكن بها أحد من المسلمين
قال الحافظ إن سلم أنه لم يسكن مع اليهود أحد من المسلمين خرجوا يمتارون تمرا فيجوز أن يكون طائفة أخرى خرجوا لمثل ذلك ثم قال وقد وجدنا لطلب البينة في هذه القصة شاهدا وذكر حديث عمرو بن شعيب وحديث رافع بن خديج المتقدمين في الباب الأول
قوله : " أن يبطل دمه " في رواية للبخاري " أن يطل دمه " بضم أوله وفتح الطاء وتشديد اللام أي يهدر
قوله : " فوداه بمائة من إبل الصدقة " في الرواية الأولى فعقله أي أعطى ديته وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى عقله والعقل الدية كما تقدم وقد زعم بعضهم أن قوله من إبل الصدقة غلط من سعيد بن عبيد لتصريح يحيى بن سعيد بقوله فعقله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عنده وجمع بعضهم بين الروايتين باحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده أو المراد بقوله من عنده أي من بيت المال المرصد للمصالح وأطلق عليه صدقة باعتبار الانتفاع به مجانا وحمله بعضهم على ظاهره وقد حكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز صرف الزكاة في المصالح العامة واستدل بهذا الحديث وغيره قال القاضي عياض وذهب من قال بالدية إلى تقديم المدعى عليهم في اليمين إلا الشافعي وأحمد فقالا بقول الجمهور يبدأ بالمدعين وردها إن أبوا على المدعى عليهم وقال بعكسه أهل الكوفة وكثير من أهل البصرى وبعض أهل المدينة وقال الأوزاعي يستحلف من أهل القرية خمسون رجلا جمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا من قتله فإن حلفوا برئوا وإن نقصت قسامتهم عن عدد أو نكول حلف المدعون على رجل واحد واستحقوا دمه فإن نقصت قسامتهم عادت دية وقال عثمان البتى يبدأ المدعى عليهم بالأيمان فإن حلفوا فلا شيء عليهم وقال الكوفيون إذا حلفوا وجبت عليهم الدية قال في الفتح واتفقوا كلهم على أنها لا تجب القسامة بمجرد دعوى الأولياء حتى يقترنوا بها شبهة يغلب على الظن الحكم بها واختلفوا بتصوير الشبهة على سبعة أوجه ثم ذكرها وذكر الخلاف في كل واحدة منها وهي ما أسلفناه في بيان صور اللوث
قال في الفتح بعد أن ذكر السابعة من تلك الصور وهي أن يوجد القتيل في محلة أو قبيلة أنه لا يوجب القسامة عند الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة وأتباعهم إلا هذه الصورة ولا يجب فيما سواها . وبهذا يتبين لك أن عدم اشتراط اللوث مطلقا بعد الاتفاق على تفسيره بما سلف غير صحيح ومن شروط القسامة عند الجميع إلا الحنفية أن يوجد بالقتيل أثر والحاصل أن أحكام القسامة مضطربة غاية الاضطراب والأدلة فيها واردة على أنحاء مختلفة ومذاهب العلماء في تفاصيلها متنوعة إلى أنواع ومتشعبة إلى شعب فمن رام الإحاطة بها فعليه بكتب الخلاف ومطولات شروح الحديث

3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال البينة على المدعي اليمين على من أنكر إلا في القسامة "
- رواه الدارقطني

4 - وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن يسار عن رجل من الأنصار " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لليهود وبدأهم يحلف منكم خمسون رجلا فأبوا فقال للأنصار استحقوا فقالوا أنحلف على الغيب يا رسول الله فجعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دية على اليهود لأنه وجد بين أظهرهم "
- رواه أبو داود
الحديث الأول أخرجه أيضا ابن عبد البر والبيهقي من حديث مسلم بن خالد عن ابن جريح عن عمرو بن شعيب به قال البخاري أن ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب وقد روي عن عمرو مرسلا من طريق عبد الرزاق وهو أحفظ من مسلم بن خالد وأوثق ورواه ابن عدي والدارقطني من حديث عثمان بن محمد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ الحديث المذكور قال الحافظ في التلخيص وهو ضعيف . والحديث الثاني الراوي له عن أبي سلمة وسليمان هو الزهري قال المنذري في مختصر السنن بعد ذكره قال بعضم وهذا ضعيف لا يلتفت إليه
وقد قيل للأمام الشافعي ما منعك أن تأخذ بحديث ابن شهاب يعني هذا فقال مرسل والقتيل أنصاري والأنصاريون بالعناية أولى بالعلم به من غيرهم إذ كان كل ثقة وكل عندنا بنعمة الله ثقة قال البيهقي وأظنه أراد بحديث الزهري ما روي عنه معمر عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار وذكر هذا الحديث وقد استدل بالحديث الأول على أن أحكام القسامة مخالفة لما عليه سائر القضايا من إيجاب البينة على المدعى واليمين على على المدعى عليه فيندفع به ما أورده النافون للقسامة من مخالفتها لما عليه سائر الأحكام الشرعية وقد تقدم تفضيل ذلك . واستدل بالحديث الثاني من قال بإيجاب الدية على من وجد القتيل بين أظهرهم ويعارضه حديث عمرو بن شعيب المتقدم في الباب الأول فان فيه أنه اعانهم بنصف الدية ويعارض الجميع ما في المتفق عليه من حديث سهل بن أبي حثمة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عقله من عنده فان أمكن حمل ذلك على قصص متعددة فلا أشكال وإن لم يمكن وكان الخرج متحدا فالمصير إلى ما في الصحيحين هو المتعين ولا سيما مع ما في حديث أبي سلمة المذكور في الباب . وحديث عمرو ابن شعيب المذكور في الباب الأول من الحكم بالدية بدون أيمان
قوله : " فقال للأنصار استحقوا " فقال في القاموس استحقه استوجبه اهو المراد ههنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الأنصار بان يستوجبوا الحق الذي يدعونه على اليهود بأيمانهم فأجابوا بأنهم لا يحلفون على الغيب

باب هل يستوفي القصاص والحدود في الحرم أم لا

1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه "

2 - وعن أبي هريرة قال " لما فتح الله على رسوله مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمسلمين وأنها لم تحل لأحد قبلي وإنما أحلت لي ساعة من نهار وإنها لا تحل لأحد بعدي "

3 - وعن أبي شريح الخزاعي " أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة أئذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به حمد الله وأثنى عليه ثم قال إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لإمرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها فقولوا له إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب فقيل لأبي شريح ماذا قال لك عمرو قال قال أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح أن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة "

4 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة إن هذا البلد حرام حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة "
- متفق على أربعتهن

5 - وعن عبد الله بن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أن أعدي الناس على الله عز و جل من قتل في الحرم أو قتل غير قاتله أو قتل بذحول الجاهلية "
- رواه أحمد وله من حديث أبي شريح الخزاعي نحوه وقال ابن عمر " لو وجدت قاتل عمر في الحرم ما هجته " وقال ابن عباس في الذي يصيب حدا ثم يلجأ إلى الحرم يقام عليه الحد إذا خرج من الحرم حكاهما أحمد في رواية الأثرم

- حديث عبد الله بن عمر أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه وحديث أبي شريح الآخر الذي أشار إليه المصنف أخرجه أيضا الدارقطني والطبراني والحاكم ورواه الحاكم والبيهقي من حديث عائشة بمعناه
وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس مرفوعا " أبغض الناس إلى الله ثلاث ملحد في الحرم ومتبع في الإسلام سنة جاهلية ومطلب دم بغير حق ليهريق دمه " والملحد في الأصل هو الماثل عن الحق
وأخرجه عمر بن شيبة عن عطاء بن يزيد قال قتل رجل بالمزدلفة يعني في غزوة الفتح فذكر القصة وفيها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال وما أعلم أحدا أعتى على الله من ثلاثة رجل قتل في الحرم أو قتل غير قاتله أم قتل بذحل في الجاهلية
قوله : " عن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة " الخ قد نقدم هذا الحديث وشرحهفي باب دخول مكة من غير إحرام من أبواب الحج
قوله : " إن الله حبس عن مكة الفيل " هو الحيوان المشهور وأشار بحبسه عن مكة إلى قضية الحبشة وهي مشهورة ساقها ابن إسحاق مبسوطة . وحاصل ما ساقه أن أبرهة الحبشي لما غلب على اليمن وكان نصرانيا بنى كنيسة وألزم الناس بالحج إليها فعمد بعض العرب فاستغفل الحجبة وتغوط وهرب فغضب أبرهة وعزم على تخريب الكعبة فتجهز في جيش كثيف واسطحب معه فيلا عظيما فلما قرب من مكة خرج إليه عبد المطلب فأعظمه وكان جميل الهيئة فطلب منه أن يرد عليه إبل نهبت فاستقصر همته وقال لقد ظننت أنك لا تسألني إلا في الأمر الذي جئت فيه يقال إن لهذا البيت ربا سيحميه فأعاد إليه إبله وتقدم أبرهة بجيوشه فتقدموا الفيل فأرسل الله عليهم طيرا مع كل واحدة ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره فألقتها عليهم فلم يبق منهم أحد إلا أصيب
وأخرج ابن مردوية بسند حسن عن عكرمة عن ابن عناس قال جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح وهو بكسر المهملة ثم فاء ثم مهملة موضع خارج مكة من جهة طريق اليمن فأتاهم عبد المطلب فقال إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحدا فقالوا لا نرجع حتى نهدمه فكانوا لا يقدمون الفيل قبلهم ألا تأخر فدعا الله الطير إلا بابيل فأعطاها حجارة سودا فلما حاذتهم رمتهم فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة فكان لا يحك أحدهم جلده إلا تساقط لحمه
قال ابن إسحاق حدثني يغوث بن عتبة قال حدثت أن أول ما وقعت الحصبة والجدري بأرض العرب يومئذ . وعند الطبري بسند صحيح عن عكرمة أنها كانت طيرا خضرا خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع . ولابن أبي حاتم من طريق عبيد بن عمير بسند قوي بعث الله عليهم طيرا أنشأها من البحر كأمثال الخطاطيف فذكر نحو ما تقد
قوله : " لعمرو بن سعيد " هو المعروف بالأشدق وكان أميرا على دمشق من جهة عبد الملك بن مروان فقتله عبد الملك وقصته مشهورة
قوله : " ولا يعضد بها شجرة " قد تقدم ضبطه وتفسيره في الحج
قوله : " فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها " أي استدل بقتاله صلى الله عليه وآله وسلم فيها على أن القتال فيها لغيه مرخص فيه
قوله : " إن الحرم لا يعيذ عاصيا " هذا من عمرو المذكور معارضته لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برأيه وهو مصادم للنص ولا جرم فالمذكور من عتاة الأمة النابين عن الحق
قوله : " ولا فارا بخربة " بضم الخاء ويجوز فتحها وسكون الراء بعدها باء موحدة وهي في الأصل سرقة الإبل وفي البخاري أنها الخيانة
وقال الترمذي قد روى بخزية بالزاي والياء التحتية أي بجريمة يستحي منها
قوله : " أن أعدي الناس " في رواية " أن أعتى الناس " وهما تفضيل أي الزائد في التعدي أو العتو على غيره والعتو التكبر والتجبر
وقد أخرج البيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال وجد في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاب أن أعدى الناس على الله الحديث
وأخرجه من حديث سليمان بلفظ " إن أعتى الناس على الله " وأخرج أيضا حديث أبي شريح بلفظ " إن أعتى الناس على الله الحديث "
قوله : " بذحول الجاهلية " جمع ذحل بفتح الذال المعجمة وسكون الحاء المهملة وهو الثار وطلب المكافاة والعداوة أيضا والمراد هنا من كان له دم في الجاهلية بعد دخوله في الإسلام والمراد أن هؤلاء الثلاثة أعتى أهل المعاصي وأبغضهم إلى الله وإلا فالشرك أبغض إليه من كل معصية كذا قال المهلب وغيره
وقد استدل بحديث أنس المذكور على أن الحرم لا يعصم من إقامة واجب ولا يؤخر لأجله عن وقته كذا قال الخطابي وقد ذهب إلى ذلك مالك والشافعي وهو اختيار ابن المنذر ويؤيد ذلك عموم الأدلة القاضضية باستيفاء الحدود في كل مكان وزمان . وذهب الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم والحنفية وسائر أهل العراق وأحمد ومن وافقه من أهل الحديث والعترة إلا أنه لا يحل لأحد أن يسفك بالحرم دما ولا يقيم به حدا حتى يخرج عنه من لجأ إليه . واستدلوا على ذلك بعموم حديث أبي هريرة وأبي شريح وابن عباس . عبد الله بن عمرو وعموم قوله تعالى { ومن دخله كان آمنا } وهو الحكم الثابت قبل الإسلام وبعده فإن الجاهلية كان يرى أحدهم قاتل إبنه فلا يهيجه وكذلك في الإسلام كما قال ابن عمر في الأثر المذكور كما روى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب أنه قال لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه وهكذا روى عن ابن عباس أنه قال لو وجدت قاتل أبي في الحرم ما هجته
وأما الاستدلال بحديث أنس المذكور فوهم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتل ابن خطل في الساعة التي أحل له الله القتال بمكة وقد أخبرنا بأنها لم تحل لأحد قبله ولا لأحد بعده وأخبرنا أن حرمتها قد عادت بعد تلك الساعة كما كانت وأما الاستدلال بعموم القاضية بلاستيفاء الحدود فيجاب أولا بمنع عمومها لكل مكان وكل زمان لعدم التصريح بهما وعلى تسليم العموم فهو محصص بأحاديث الباب لأنها قاضية بمنع ذلك في مكان خاص وهي متأخرة فإنها في حجة الوداع بعد شرعية الحدود هذا إذا ارتكب ما يوجب حدا أو قصاصا في الحرم فذهب بعض العترة إلى أنه يخرج من الحرم ويقام عليه الحد . روى أحمد عن ابن عباس أنه قال من سرق أو قتل في الحرم أقيم عليه في الحرم . ويؤئد ذلك قوله تعالى { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم } ويؤيده أيضا أن الجاني في الحرم هاتك لحرمته بخلاف الملتجئ إليه وأيضا لو ترك الحد والقصاص على من فعل ما يوجبه في الحرم لعظم الفساد في الحرم . وظاهر أحاديث الباب المنع المطلقا من غير فرق بين اللاجئ إلى الحرم والمرتكب لما يوجب حدا أو قصاصا في داخله وبين قتل النفس أو قطع العضو والآية التي فيها الإذن بمقاتلة من قاتل عند المسجد الحرام لا تدل إلا على جواز المدافعة لمن قاتل حال المقاتلة كما يدل على ذلك التقييد بالشروط وقد اختلف العلماء في كون هذه الآية منسوخة أو محكمة حتى قال أبو جعفر في كتاب الناسخ والمنسوخ أنها من أصعب ما في الناسخ والمنسوخ فمن قال بأنها محكمة مجاهد وطاوس وأنه لا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم تمسكا بظاهر الآية وبأحاديث الباب
وقال في جامع البيان أن هذا قول الأكثر ومن القائين بالنسخ قتادة قال والناسخ لهما قوله تعالى { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } وقيل بآية التوبة كما ذكره النجري قال أبو جعفر وهذا قول أكثر أهل النظر وأن المشركين يقاتلون في الحرم وغيره بالرآن والسنة قال الله تعالى { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وبراءة نزلت بعد البقرة بسنتين وقال تعالى { وقاتلوا المشركين كافة } وأما السنة فما روى أنه صلى الله عليه وآله وسلم " دخل وعلى رأسه المغفر فقتل ابن خطل " وقد اختار صاحب تيسير البيان القول الأول وقرره ورد دعوى النسخ أما بالآية براءة فلأن قوله تعالى في المائدة { لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام } موافق لآية البقرة والمائدة نزلت بعد براءة في قول أكثر أهل العلم بالقرآن ثم أن كلنة حيث تدل على المكان فهي عامة في إفراد الأمكنة وآية البقرة نص في النهي عن القتال في مكان مخصوص وهو المسجد الحرام فتكون مخصصة لآية براءة ويكون التقدير فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم إلا أن يكونوا في المسجد الحرام فلا تقتلوهم حتى يقاتلوكم فيه
وأما قوله تعالى { قاتلوهم حتى لا تكون فتنة } فهو مطلق في الأمكنة والأزمنة والأحوال وآية البقرة مقيدة ببعض الأمكنة فيكون ذلك المطلق مقيدا بها وإذا أمكن الجمع فلا نسخ هذا معنى كلامه وهو طويل ولكن في كون العام المتأخر يخصص بالخاص المتقدم خلاف بين أهل الأصول والراجح والتخصيص وفي كون عموم الأشخاص لا يستلزم عموم الأحوال والأمكنة والأزمنة خلاف أيضا معروف بين أهل الأصول

باب ما جاء في توبة القاتل والتشديد في القتل

1 - عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء "
- رواه الجماعة إلا أبا داود

2 - وعن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقتل نفسا ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل "
- متفق عليه

3 - وعن أبي هريرة " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقى الله عز و جل مكتوب بين عينيه آيس منرحمة الله "
- رواه أحمد وابن ماجة

4 - وعن معاوية قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كل ذنب عسى الله يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا "
- رواه أحمد والنسائي . ولأبي داود من حديث أبي الدرداء كذلك

- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف وقد روى عن الزهري مرسلا أخرجه البيهقي من طريق فرح بن فضالة عن الضحاك عن الزهري يرفعه وفرح ضعيف وقد قواه أحمد . وبالغ ابن الجوزي فذكر الحديث في الموضوعات وسبقه إلى ذلك أبو حاتم فإنه قال في العلل أنه باطل موضوع
وقد رواه أبو نعيم في الحلية من طريق حكيم بن نافع عن خلف بن حوشب عن الحكم بن عتيبة عن سعيد بن المسيب سمعت عمر فذكره وقال تفرد به حكيم عن خلف . ورواه الطبراني من حديث ابن عباس نحوه وأورده ابن الجوزي من طريق أخرى عن أبي سعيد الخدري بلفظ " يجيء القاتل يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله " وأعله بعطية ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة قال الحافظ ومحمد لا يستحق أن يحكم على أحاديثه بالوضع فأما عطية فضعيف لكن حديثه يحسنه الترمذي إذا توبع . وحديث معاوية جميع رجال إسناده ثقات ويشهد له مافي هذا الباب من الأحاديث القاضية بعدم المغفرة للقاتل . وحديث أبي الدرداء الذي أشار إليه المصنف لفظه قال أبو الدرداء " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا أو مؤمن قتل مؤمنا متعمدا " وروى أبو داود أيضا عن عبادة بن الصامت أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا " قال الخطابي فاغتبط أي فقتله بغير سبب وفسره بحيى بن يحيى الغساني بأنه الذي يقتل صاحبه في الفتنة فيرى أنه على هدى لا يستغفر الله من ذلك . وهذان الحديثان سكت عنهما أبو داود والمنذري في مختصر السنن ورجال إسناده كل واحد منهما موثقون
قوله : " أول ما يقضي بين الناس " الخ فيه دليل على عظم ذنب القتل لأن الابتداء إنما يكون بالأهم وعائد الموصول محذوف والتقدير أول ما يقضى فيه ويجوز أن تكون مصدرية ويكون تقديره أول قضاء في الدماء أو يكون المصدر بمعنى اسم المفعول أي أول مقتضىفيه الدماء
وقد استشكل الجمع بين هذا الحديث وبين الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن عن أبي هريرة بلفظ " أول ما يحاسب العبد عليه صلاته " وأجيب بأن الأول يتعلق بمعاملات العباد والثانيي بمعاملات الله
قال الحافظ على أن النسائي أخرجهما في حديث واحد أورده من طريق أبي وائل عن مسعود رفعه " أول ما يحاسب العبد به الصلاة وأول ما يقضى بين الناس في الدماء " وقد استدل بحديث ابن مسعود الأول المذكور على أن القضاء يختص بالناس ولا يكون بين البهائم وهو غلط لأن مفاده حصر الأولية في القضاء بين الناس وليس فيه نفي القضاء بين البهائم مثلا بعد القضاء ين الناس
قوله : " على بن آدم الأول " وهو قابيل عند الأكثر وعكس القاضي جمال الدين من واصل في تاريخه فقال اسم المقتول قابيل اشتق من قبول قربانه وقيل اسمه قابن بنون بدل اللام بغير ياء وقيل قبن مثله بغير ألف . وعن الحسن لم يكن ابن آدم المذكور وأخوه المقتول من صلب آدم وإنما كانا من بني إسرائيل أخرجه الطبري . وعن مجاهد أنهما كانا ولدي آدم لصلبه وهذا هو المشهور وهو الظاهر من حديث الباب لقوله " الأول " أي أول من ولد لآدم ويقال أنه لم يولد لآدم في الجنة غيره وغير توأمته ومن ثم فخر على أخيه هابيل فقال نحن من أولاد الجنه وأنتم من أولاد الأرض ذكر ذلك ابن إسحاق في المبتدأ
قوله : " كفل من دمها " بكسر الكاف وسكون الفاء وهو النصيب وأكثر ما يطلق على الأجر كقوله تعالى { كفلين من رحمته } ويطلق على الاسم كقوله تعالى { من يشفع شفاعة سيئة يكون له كفل منها } . قوله " لأنه أول من سن القتل " فيه دليل على أن من سن شيئا كتب له أو عليه وهو أصل في أن المعونة على ما لا يحل حرام وقد أخرج مسلم من حديث جرير " من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " وهو محمول على من لم يتب عن ذلك الذنب
قوله : " بشطر كلمة " قال الخطابي قال ابن عيينة مثل أن يقول اق من قوله اقتل وفي هذا من الوعيد الشديد ما لا يقادر قدره فإذا كان شطر الكلمة موجبا لكتب الإياس من الرحمة بين عيني قائلها فكيف بمن أراق دم المسلم ظلما وعدوانا بغير حجة نيرة وقد استدل بهذا الحديث وبحديث معاوية وأبي الدرداء المذكورين بعده على أنها لا تقبل التوبة من قاتل العمد وسيأتي بيان ما هو الحق إن شاء الله

5 - وعن أبي بكرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تواجه المسلمان بسيفهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار فقيل هذا القاتل فما بال المقتول قال قد أراد قتل صاحبه "
- متفق عليه

6 - وعن جندب البجلي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " كان ممن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فخز بها يده فمارقأ الدم حتى مات قال الله تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة "
- أخرجاه

7 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأبها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو متردفي نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا "

8 - وعن المقداد بن أسود أنه قال " يا رسول الله أرأيت أن لقيت رجل من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذمني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها قال لا تقتله قال فقلت يا رسول الله إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله قال لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال "
- متفق عليه

9 - وعن جابر قال " لما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص فقطع بها برامجه فخشبت يداه حتى مات فرآهالطفيل بن عمرو في منامه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه فقال له ما صنع بك ربك قال غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فقال مالي أراك مغطيا يديك قال قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليديه فاغفر "
- رواه أحمد ومسلم

- قوله " فالقاتل في النار " قال في الفتح قال العلماء معني كونهما في النار إنهما يستحقان ذلك ولكن أمرهما إلى الله إن شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين وإن شاء الله عفا عنهما أصلا
وقيل هو محمول على من استحل ذلك ولا حجة فيه للخوارج ومن قال من المعتزلة بأن أهل المعاصي مخلدون في النار لأنه لا يلزم من قوله القاتل والمقتول في النار استمرار بقائهما فيها وأحتج به من لم ير القتال في الفتنة وهم كل من ترك القتال مع على في حروبه كسعد ابن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وأبي بكرة وغيرهم وقالوا يجب الكف حتى لو أراد قتله لم يدفعه عن نفسه ومنهم من قال لا يدخل في الفتنة فأن أحد أراد قتله دفع عن نفسه انتهى . ويدل على القول الآخر حديث أبي هريرة عند أحمد ومسلم وقد تقدم في باب دفع الصائل من كتاب الغصب وفيه أرايت ان قاتلني قال قاتله ويدل على القول الأول ما تقدم من الأحاديث في باب الدفع لا يلزم المصول عليه من ذلك الكتاب
قوله : في الفتح وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصرة الحق وقتال الباغين وحمل هؤلاء الأحاديث الواردة في ذلك على من ضعف عن القتال أو قصر عن معرفة صاحب الحق قال واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ماوقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد وقد عفا الله عن المخطئ في الاجتهاد بل ثبت أنه يؤجر أجرا واحدا وأن المصيب يؤجر أجرين قال الطبري لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حق ولا أبطل باطل ولوجد أهل الفسوق سبيلا إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الاموال وسفك الدماء وسبي الحريم بأن يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم ويقولوا هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء اه
وقد أخرج البزار زيادة في هذا الحديث تبين المراد وهي " إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار " ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ " لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل فقيل كيف يكون ذلك قال الهرج القاتل والمقتول في النار " قال القرطبي فبين هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهل من طلب دنيا أو اتباع هوى فهو الذي أريد بقوله القاتل والمقتول في النار
قال الحافظ ومن ثم كان الذين توقفوا عن القتال في الجمل وصفين أقل عددا من الذين قاتلوا وكلهم متأول مأجور إن شاء الله بخلاف من جاء بعدهم ممن قاتل على طلب الدنيا اه . وهذا يتوقف على صحة نيات جميع المقتتلين في الجمل وصفين وأرادة كل واحد منهم الدين لا الدنيا وصلاح أحوال الناس لامجرد الملك ومناقشة بعضهم لبعض مع علم بعضهم بأنه المبطل وخصمه المحق ويبعد ذلك طل البعد ولا سيما في حق من عرف منهم الحديث الصحيح انها تقتل عمارا الفئة الباغية فإن إصراره بعد ذلك على مقاتلة من كان معه عمار معاندة للحق وتماد في الباطل كما لا يخفى على منصف وليس هذا منامحبة لفتح باب المثالب على بعض الصحابة فانا كما علم الله من أشد الساعين في سد هذا الباب والمنفرين للخاص والعام عن الدخول فيه حتى كتبنا في ذلك رسائل وقعنا بسببها مع المتظهرين بالرفض والمحبين له بدون تظهر في أمور يطول شرحها حتى رمينا تارة بالنصب وتارة بالإنحراف عن مذاهب أهل البيت وتارة بالعداوة للشيعة وجاءتنا الرسائل المشتملة على العتاب من كثير من الأصحاب والسباب من جماعة من غير ذوي الألباب . ومن رأي مالأهل عصرنا من الجوابات على رسالتنا التي سميناها ارشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي وقف على بعض أخلاق القوم وماجبلوا عليه من عداوة من سلك مسلك الأنصاف وآثر نص الدليل على مذاهب الأسلاف وعداوة الصحابة الأخيار وعدم التقييد بمذاهب الأل الأطهار فانا قد حكينا في تلك الرسالة اجماعهم على تعظيم الصحابة رضي الله عنهم وعلى برك السب لأحد منهم من ثلاث عشرة طريقا وأقمنا الحجة على من يزعم أنه من أتباع أهل البيت ولا يتقيد بمذاهبهم في مثل هذا الأمر الذي هو مزلة أقدام المقصرين فلم يقابل ذلك بالقبول والله المستعان وأقول
أني بليت بأهل الجهل في زمن قاموا به ورجال العلم قد قعدوا
اه
ومما يؤيد ما تقدم من التأويل للحديث المذكور ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة يرفعه من قاتل تحت راية عمية فغضب لغضبه أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتله جاهلية وقد قدمنا ما هو أبسط من هذا الكلام في باب دفع الصائل وباب أن الدفع لا يلزم المصول عليه من كتاب الغضب فراجعة
قوله : " فقيل هذا القاتل فما بال المقتول " القائل هو أبو بكرة كما وقع مبينا في رواية مسلم ومعنى ذلك أن هذا القاتل قد استحق النار بذنبه وهو الإقدام على قتل صاحبه فما بال المقتول أي فما ذنبه
قوله : " قال قد أراد قتل صاحبه في لفظ للبخاري في كتاب الأيمان إنه كان حريصا على قتل صاحبه " وقد استدل " بذلك من ذهب إلى المؤاخذة بالعزم وإن لم يقع الفعل وأجاب من لم يقل بذلك أن في ذلك فعلا وهو المواجهة بالسلاح ووقوع القتال ولا يلزم من كون القاتل والمقتول في النار أن يكونا في مرتبة واحدة فالقاتل يعذب على القتال والقتل والمقتول يعذب على القتال فقط فلم يقع التعذيب على العزم المجرد ويؤيد هذا حديث أن الله تجاوز لأمتى ما حدثت به نفسها ما لم يتكلموا به أو يعملوا
قال في الفتح والحاصل أن المراتب ثلاث الهم والمجرد وهو يثاب عليه ولا يؤاخذ به واقتران الفعل بالهم أو بالعزم ولا نزاع في المؤاخذة به والعزم وهو أقوى من الهم وفيه النزاع
قوله : " يتوجأ " أي يضرب بها نفسه وحديث جندب البجلي وأبي هريرة يدلان على أن من قتل نفسه من المخلدين في النار فيكون عموم أخراج الموحدين مخصصا بمثل هذا وما ورد في معناه كما حققنا ذلك مرارا . وظاهر حديث جابر المذكور يخالفهما فإن الرجل الذي قطع براجمه بالمشاقص ومات من ذلك أخبر بعد موته الرجل الذي رآه في المنام بأن الله تعالى غفر له ووقع منه صلى الله عليه وآله وسلم التقرير لذلك بل دعاله ويمكن الجمع بأنه لم يرد قتل نفسه بقطع البراجم وإنما حمله الضجر وما حل به من المرض على ذلك بخلاف الرجل المذكور في حديث جندب فإنه قطع يده مريد القتل نفسه وعلى هذا فتكون الأحاديث الواردة في تخليد من قتل نفسه في النار وتحريم الجنة عليه مقيدة بأن يكون مريدا للقتل
وقد أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة قال " شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لرجل ممنيدعي الإسلم هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل قتالا شديدا فأصابه جراح فقيل يا رسول الله الذي قلت آنفا أنه من أهل النار قد قاتل قتالا شديدا وقد مات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النار فكاد بعض المسلمين يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل له أنه لم يمت ولكن به جراح شديدة فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فأخذ ذباب سيفه فتحامل عليه فقتل نفسه فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالا فنادى في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجال الفاجر
وأخرج أبو داود من حديث جابر بن سمرة قال أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل قتل نفسه فقالا لا أصلى عليه
قوله : " أرأيت إن لقيت رجلا " في رواية للبخاري " أني لقيت كافرا فأقتتلنا فضرب يدي فقطعها " وظاهرها أن ذلك وقع والذي في نفس الأمر بخلافه وإنما سأل المقداد عن الحكم في ذلك لو وقع كما في حديث الباب
وفي لفظ للبخاري في غزوة بدربلفظ " أرأيت أن لقيت رجلا من الكفار " الحديث
قوله " ثم لاذمني بشجرة " أي التجأ إليها
وفي رواية للبخاري " ثم لاذ بشجرة " قوله " فقال أسلمت لله " أي دخلت في الإسلام
قوله : " فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله " قال الكرماني القتل ليس سببا لكون كل منها بمنزلة الآخر لكنه عند النحاة مؤول بالأخبار أي هو سبب لإخباري لك بذلك وعند البيانيين المراد لازمه
قوله : " وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته " قال الخطابي معناه أن الكافر مباح الدم بحكم الدين قبل أن يسلم فإذا أسلم صار مصان الدم كالمسلم فإن قتله المسلم بعد ذلك صار دمه مباحا بحق القصاص كالكافر بحق الدين وليس المراد الحاقه به في الكفر كما يقوله الخوارج من تكفير المسلم بالكبيرة وحاصله اتحاد المنزلتين مع أختلاف المأخذ أي أنه مثلك في صون الدم وأنك مثله في الهدر . ونقل ابن التين عن الداودي أن معناه أنك صرت قاتلا كما كان هو قاتلا وهذا من المعاريض لأنه أراد الإغلاظ بظاهر اللفظ دون باطنه وإنما أراد أن كلا منهما قاتل ولم يرد أنه صار كافرا بقتله إياه ونقل ابن بطال عن المهلب أن معناه أنك بقصدك لقتله عمدا آثم كما كان هو بقصده لقتلك آثما فأنتما في حالة واحدة من العصيان
وقيل المعني أنت عنده حلال الدم قبل أن يسلم كما كان عندك حلال الدم قبل ذلك وقيل معناه أنه مغفورله بشهادة التوحيد كما أنك مغفور لك بشهادة بدر ونقل ابن بطال عن ابن القصار أن معنى قوله وأنت بمنزلته أي في إباحة الدم وإنما قصد بذلك ردعه وزجره عن قتله لأن الكافر إذا قال أسلمت حرم قتله وتعقب بأن الكافر مباح الدم والمسلم الذي قتله إن لم يتعمد قتله ولم يكن عرف أنه مسلم وإنما قتله متأولا فلا يكون بمنزلته في إباحة الدم
وقال القاضي عياض معناه أنه مثله في مخالفة الحق وارتكاب الأثم وإن اختلف النوع في كون أحدهما كفر أو الآخر معصية واستدل بهذا الحديث على صحة اسلام من قال أسلمت لله ولم يزد على ذلك
وقد ورد في بعض طرق الحديث " انه قال لا اله إلا الله " كما في صحيح مسلم
قوله : " فاجتووا المدينة " أي استوخموها
قوله " فأخذ مشاقص " جمع مشقص وقد تقدم تفسيره في باب من أطلع في بيت قوم مغلق عليهم بغير إذنهم وقد تقدم أيضا في الحج قوله " براجمه " جمع برجمة بضم الموحدة وسكون الراء وضم الجيم
قال في القاموس وهي المفصل الظاهر أو الباطن من الأصابع والأصبع الوسطى من كل طائر أو هي الأصابع كلها أو ظهور العصب من الأصابع أو رؤوس السلاميات إذا قبضت كفك نشزت وارتفعت اه
قوله : " فشخبت " بفتح الشين والخاء المعجمتين والباء الموحدة أي انفجرت يداه دما قوله " لن يصلح منك ما أفسدت " فيه دليل على أن من أفسد عضوا من أعضائه لم يصلح يوم القيامة بل يبقى على الصفة التي هي عليها عقوبة له

10 - وعن عبادة بن الصامت " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيدكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله أن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك " وفي لفظ " فلا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق "

11 - وعن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال أنه قد قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال أنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم من يحول بينك وبين التوبة إلى أرض كذا وكذا فإن بها اناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فأنطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا فقبله الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا من بين الأرضين فإلى أيهما كان أدنى فهو له فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة "
- متفق عليهما

12 - وعن واثلة بن الأسقع قال " أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صاحب لنا أوجب يعني النار بالقتل فقال أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار "
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث واثلة أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والحاكم . قوله " وحوله عصابة " بفتح اللام على الظرفية . والعصابة بكسر العين الجماعة من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها وقد جمعت على عصائب وعصب
قوله : " بايعوني " المبايعة هنا عبارة عن المعاهدة سميت بذلك تشبيها بالمعارضة المالية كما في قوله تعالى { أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } قوله " ولا تقتلوا أولادكم " قال محمد بن إسماعيل التيمي وغيره خص القتل بالأولاد لأنه قتل وقطيعة رحم فالعناية بالنهي عنه آكد ولأنه كان شائعا فيهم وهو وأد البنات أو قتل البنين خشية الأملاق أو خصهم بالذكر لأنهم بصدد أن لا يدفعوا عن أنفسهم
قوله : " ولا تأتوا ببهتان " البهتان الكذب الذي يبهت سامعه وخص الأيدي والأرجل بالافتراء لأن معظم الأفعال يقع بهما إذا كانت هي العوامل والحوامل للمباشرة والسعي ولذا يسمون الصنائع الأيادي وقد يعاقب الرجل بجناية قولية فيقال هذا بما كسبت يداك ويحتمل أن يكون المراد لا تبهتوا الناس كفاحا وبعضكم شاهد بعضا كما يقول قلت كذا بين يدي فلان قال الخطابي وقد تعقب بذكر الأرجل وأجاب الكرماني بأن المراد الأيدي وذكر الأرجل للتأكيد ( ومحصله ) إن ذكر الأرجل إن لم يكن مقتضيا فليس بمانع ويحتمل أن يكون المراد بما بين الأرجل والأيدي القلب لأنه هو الذي يترجم اللسان عنه فلذلك نسب إليه الافتراء وقال أبو محمد بن أبي جمرة يحتمل أن يكون قوله بين أيديكم أي في الحال . وقوله وأرجلكم أي في المستقبل لأن السعي من أفعال الأرجل وقال غيره أصل هذا كان في بيعة النساء وكني به كما قال الهروي عن نسبة المرأة الولد الذي تزني به أو تلقطه إلى زوجها ثم لما استعمل هذا اللفظ في بيعة الرجال أحتيج إلى حمله على غير ما ورد فيه أولا
قوله : " ولا نعصوا في معروف " هو ما عرف من الشارع حسنه نهيا وأمرا قال النووي يحتمل أن يكون المراد ولا تعصوني ولا أحدا ولى الأمر عليكم في المعروف فيكون التقييد بالمعروف متعلقا بشيء بعده وقال غيره نبه بذلك على أن طاعة المخلوق إنما تجب فيما كان غير معصية لله فهي جديرة بالتوقي في معصية الله
قوله : " فمن وفى منكم " أي ثبت على العهد ولفظ وفي بالتخفيف وفي رواية بالتشديد وهما بمعنى
قوله : " فأجره على الله " هذا على سبيل التفخيم لأنه لما ذكر المبالغة المقتضية لوجود العوض أثبت ذكر الأجر وقد وقع التصريح في رواية في الصحيحين بالعوض فقال في الجنة
قوله : " ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو " أي العقاب كفارة له قال النووي عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به } فالمرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة
قال الحافظ وهذا بناء على أن قوله من ذلك شيئا يتناول جميع ما ذكر وهو ظاهر
وقد قيل يحتمل أن يكون المراد ما ذكر بعد الشرك بقرينة أن المخاطب بذلك المسلمون فلا يدخل حتى يحتاج إلى إخراجه ويؤيده رواية مسلم من طريق أبي الأشعث عن عبادة في هذا الحديث ومن أتى منكم حدا إذ القتل على الشرك لا يسمى حدا ويجاب بأن خطاب المسلمين لا يمنع التحذير لهم من الإشراك
وأما كون القتل على الشرك لا يسمى حدا فإن أراد لغة أو شرعا فممنوع وإن أراد عرفا فذلك غير نافع فالصواب ما قاله النووي وقال الطيبي الحق أن المراد بالشرك الأصغر وهو الرياء ويدل عليه تنكير شيئا أي شركا أياما كان وتعقب بأن عرف الشارع إذا أطلق الشرك إنما يريد به ما يقابل التوحيد وقد تكرر هذا اللفظ في الكتاب والأحاديث حيث لا يراد به إلا ذلك
وقال القاضي عياض ذهب أكثر العلماء إلى أن الحدود كفارات واستدلوا بالحديث
ومن العلماء من وقف لأجل حديث أبي هريرة الذي أخرجه الحاكم في المستدرك والبزار من رواية معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا أدري الحدود كفارة لاهلها أم لا " قال الحافظ وهو صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر وذكر الدارقطني أن عبد الرزاق تفرد بوصله وأن هشام بن يوسف رواه عن معمر فأرسله
وقد وصله الحاكم من طريق آدم بن أبي اياس عن ابن أبي ذئب فقويت رواية معمر قال القاضي عياض لكن حديث عبادة أصح إسنادا ويمكن الجمع بينهما أن يكون حديث أبي هريرة ورد أولا قبل أن يعلمه الله ثم أعلمه بعد ذلك وهذا جمع حسن لولا أن القاضي ومن تبعه جازمون بأن حديث عبادة المذكور كان بمكة ليلة العقبة لما بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيعة الأولى بمنى وأبو هريرة إنما أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام خيبر فكيف يكون حديثه متقدما ويمكن أن يجاب بأن أبا هريرة لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما سمعه من صحابي آخر كان سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قديما ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك أن الحدود كفارة كما سمع عبادة ولا يخفى ما في هذا من التعسف على انه يبطله أن أبا هريرة صرح بسماعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن الحدود لم تكن نزلت إذ ذاك ورجح الحافظ أن حديث عبادة المذكور لم يقع ليلة العقبة وإنما وقع في ليلة العقبة ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لمن حضر من الأنصار أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فبايعوه على ذلك وعلى أن يرحل إليهم هو وأصحابه " وقد ثبت في الصحيح من حديث عبادة أنه قال : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره " الحديث ساقه البخاري في كتاب الفتن من صحيحه وأخرج أحمد والطبراني من وجه آخر عن عبادة أنها جرت له قصة مع أبي هريرة عند معاوية بالشام فقال يا أبا هريرة إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة والنشاط والكسل وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن نقول بالحق ولا نخاف في الله لومة لائم وعلى أن ننصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع به أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة الحديث
قال الحافظ والذي يقوي أن هذه البيعة المذكورة في حديث عبادة وقعت بعد فتح مكة بعد أن نزلت الآية التي في الممتحنة وهو قوله تعالى { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك } ونزول هذه الآية متأخر بعد قصة الحديبية بلاخلاف والدليل على ذلك ما عند البخاري في كتاب الحدود في حديث عبادة هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بايعهم قرأ الآية كلها وعنده في تفسير الممتحنة من هذا الوجه قال قرأ النساء . ولمسلم من طريق معمر عن الزهري قال فتلا علينا آية النساء قال " أن لا يشركن بالله شيئا " وللطبراني من هذا الحديث " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما بايع عليه النساء يوم الفتح " ولمسلم " أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما أخذ على النساء " فهذه أدلة ظاهرة في هذه البيعة إنما صدرت بعد نزول الآية بل بعد صدور البيعة بل بعد فتح مكة وذلك بعد اسلام أبي هريرة بمدة وقد أطال الحافظ في الفتح الكلام في كتاب الإيمان على هذا فمن رام الاستكمال فليراجعه ( وأعلم ) إن عبادة بن الصامت لم يتفرد برواية هذا المعنى بل روى ذلك على ابن أبي طالب وهو في الترمذي وصححه الحاكم وفيه " من أصاب ذنبا فعوقب به في الدنيا فالله فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة " وهو عند الطبراني بإسناد حسن ولفظه من أصاب ذنبا أقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارة له . وللطبراني عن ابن عمر مرفوعا " ما عوقب رجل على ذنب إلا جعله الله كفارة لما أصيب من ذلك الذنب " قال ابن التين يريد بقوله فعوقب به أي بالقطع في السرقة والجلد أو الرجم في الزنا وأما قتل الولد فليس له عقوبة معلومة إلا أن يريد قتل النفس فكني عنه
وفي رواية الصنابحي عن عبادة في هذا الحديث ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولكن قوله في حديث الباب فعوقب بع هو أعم من أن تكون العقوبة حدا أو تعزيرا قال ابن التين وحكى عن القاضي إسماعيل وغيره أن قتل القاتل إنما هو إرداع لغيره وأما في الآخرة فالطلب للمقتول قائم لأنه لم يصل إليه حق
قال الحافظ بل وصل إليه حق وأي حق فإن المقتول ظلما تكفر عنه ذنوبه بالقتل كما ورد في الخبر الذي صححه ابن حبان أن السيف محاء للخطايا
وروى الطبراني عن ابن مسعود قال إذا جاء القتل محا كل شيء وللطبراني أيضا عن عن الحسن بن علي نحوه . وللبزار عن عائشة مرفوعا لا يمر القتل بذنب إلا محاهفلولا القتل ما كفرت ولو كان حد القتل إنما شرع للإرداع فقط لم يشرع العفو عن القاتل ويستفاد من الحديث أن إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود
قال في الفتح وهو قول الجمهور وقيل لا بد من التوبة وبذلك جزم بعض التابعين وهو قول المعتزلة ووافقهم ابن حزم ومن المفسرين البغوي وطائفة يسيرة
قوله : " فهو إلى الله " قال المازرى فيه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب ورد على المعتزله الذين يوجبون تعذيب الفلسق إذا مات بلا توبة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرنا بأنه تحت المشيئة ولم يقل لابد أن يعذبه وقال الطيبي فيه إشارة إلى الكف عن الشهادة بالنار على أحد أو بالجنة لأحد إلا من ورد النص فيه بعينه
قوله " إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه " يشمل من تاب من ذلك ومن لم يتب وغلى ذلك ذهبت طائفة وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة ومع ذلك لا يأمن من مكر الله لأنه لا إطلاع له هل قبلت توبته أم لا وقيل يفرق بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب
قوله : " انطلق إلى أرض كذا وكذا " الخقال العلماء في هذا استحباب مفارقة التائب للمواضع التي أصاب بها الذنوب والأخدان المساعدين له على ذلك ومقاطعتهم ما داموا على حالهم وأن يستبدل بهم صحبة الخير والصلاح والمتعبدين الورعين
قوله : " نصف الطريق " هو بتخفيف الصاد أي بلغ نصفها كذا قال النووي
قوله : " فقال قيسوا ما بين الأرضين " هذا محمول على أن الله أمرهم عند اشتباه الأمر عليهم واختلافهم فيه أن يحكموا رجلا يمر بهم فمر الملك في صورة رجل فحكم بذلك
وقد استدل بهذا الحديث على قبول توبة القاتل عمدا
قال النووي هذا مذهب أهل العلم وإجماعهم ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا فمراد قائله الزجر والتورية لا إنه يعتقد بطلان توبته وهذا الحديث وإن كان شرع من قبلنا وفي الاحتجاج به خلاف فليس هذا موضع الخلاف وإنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقديره فإن ورد كان شرعنا لنا بلا شك وهذا قد ورد شرعنا به وذلك قوله تعالى { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس } إلى قوله { إلا من تاب } الآية وأما قوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها " فقال النووي في شرح مسلم إن الصواب في معناها أن جزاءه جهنم فقد يجازى بذلك وقد يجازى بغيره وقد لا يجازى بل يعفى عنه فإن قتل عمدا مستحلا بغير حق ولا تأويل فهو كافر مرتد يخلد في جهنم بالإجماع وإن كان غير مستحل بل معتقدا تحريمه فهو فاسق عاص مرتكب كبيرة جزاؤها جهنم خالدا فيها وكن تفضل الله تعالى وأحبر أنه لا يخلد من مات موحدا فيها فلا يخلد هذا وكن قد يعفى عنه ولا يدخل النار أصلا وقد لا يعفى عنه بل يعذب كسائر عصاة الموحدين ثم يخرج معهم إلى الجنة ولا يخلد في النار قال فهذا هو الصواب في معنى الآية ولا يلزم من كونه يستحق أن يجازى بعقوبة مخصوصة أن يتحتم ذلك الجزاء وليس في الآية إخبار بأنه يخلد في جهنم وإنما فيها أنها جزاؤه أي يستحق أن يجازى بذلك وقد وردت الآية في رجل بعينه وقيل المراد بالخلود طول المدة لا الدوام وقيل معناها هذا جزاؤه أن جازاه وهذه الأقوال كلها ضعيفة أو فاسدة لمخالفتها حقيقة لفظ الآية ثم قال فالصواب حقيقة ما قدمناه اه كلام النووي . وينبغي أن نتكلم أولا في معنى الخلود ثم نبين ثانيا الجمع بين هذه الآية وما خالفها فنقول معنى الخلود الثبات الدائم قال في الكشاف عند الكلام على قوله تعالى { ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون } ما لفظه . والخلد الثبات الدائم والبقاء اللازم الذي لا ينقطع قال الله تعالى { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون } وقال أمرؤ القيس ألا أنعم صباحا أيها الطل البالي وهل ينعمن من كان في العصر الخالي وهل ينعمن إلا سعيد مخلد قليل الهموم لا يبيت على حال
اه
وقال في القاموس وخلد خلودا دام اه وأما بيام الجمع بين هذه الآية وما خالفها فنقول لا نزاع أن قوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا } من صيغ العموم الشاملة للتائب وغير التائب بل للمسلم والكافر والاستثناء المذكور في آية الفرقان أعني قوله تعالى { إلا من تاب } بعد قوله تعالى { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق } مختص بالتائبين فيكون مخصصا لعموم قوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا } إلا على ما هو المذهب الحق من أنه ينبني العام على الخاص مطلقا تقدم أو تأخر أو قارن فظاهر وأما على مذهب من قال أن العام المتأخر ينسخ الخاص المتقدم فإذا سلمنا تأخر قوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا } على آية الفرقان فلا نسلم تأخرها عن العمومات القاضية بأن القتل مع التوبة من جملة ما يغفر الله كقوله تعالى { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أن الله يغفر الذنوب جميعا } وقوله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه } وما أخرجه الترمذي وصححه من حديث صفوان بن عسال قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باب من قبل المغرب يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين سنة خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض مفتوح للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها
وأخرج الترمذي أيضا عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أن الله عز و جل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " وأخرج مسلم من حديث أبي موسى { أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أن الله عز و جل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها } ونحو هذه الأحاديث مما يطول تعداده ( لا يقال ) إن هذه المعلومات مخصصة بقوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا } الآية . لأنا نقول الآية أعم من وجه وهو شمولها للتائب وغيره وأخص من وجه وهو كونها في القاتل وهذه العمومات أعم من وجه وهو شمولها لمن كان ذنبه القتل ولمن كان ذنبه غير القتل وأخص من وجه وهو كونها في التائب وإذا تعارض عمومان لم يبق إلا الرجوع إلى الترجيح ولا شك أن الأدلة القاضية بقبول التوبة مطلقا أرجح لكثرتها وهكذا أيضا يقال أن الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار وهي متواترة المعني كما يعرف ذلك من له المام بكتب الحديث تدل على خروج كل موحد سواء كان ذنبه القتل أو غيره والآية القاضية بخروج من قتل نفسا هي أعم من أن يكون القاتل موحدا أو غير موحد فيتعارض عمومان وكلاهما ظني الدلالة
ولكن عموم آية القتل قد عورض بما سمعته بخلاف أحاديث خروج الموحدين فإنها إنما عورضت بما هو أعم منها مطلقا كآيات الوعيد للعصاة الدالة على الخلود الشاملة للكافر والمسلم ولا حكم لهذه المعارضة أو بما هو أخص منها مطلقا كالأحاديث القاضية بتخليد بعض أهل المعاصي نحو من قتل نفسه وهو يبني العام على الخاص وبما قررناه يلوح لك انتهاض القول بقبول توبة القاتل إذا تاب وعدم خلوده في النار إذا لم يتب ويتبين لك أيضا أنه لا حجة فيما احتج به ابن عباس من أن آية الفرقان مكية منسوخة بقوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا } الآية كما أخرج ذلك عنه البخاري ومسلم وغيرهما وكذلك لا حجة له فيهما أخرجه النسائي والترمذي عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " يجيء المقتول متعلقا بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دما يقول يا رب قتلني هذا حتى يدنيه من العرش " وفي رواية للنسلئي " فيقول أي رب سل هذا فيما قتلني " لأن غاية ذلك وقوع المنازعة بين يدي الله عز و جل وذلك لا يستلزم أخذ التائب بذلك الذنب ولا تخليده في النار على فرض عدم التوبة والتوبة النافعة ههنا هي الاعتراف بالقتل عند الوارث إن كان له وارث أو السلطان إن لم يكن له وارث والندم عن ذلك الفعل والعزم على ترك العود إلى مثله لا مجرد الندم والعزم بدون اعتراف وتسليم للنفس أو الدية إن اختارها مستحقها لأن حق الآدمي لا بد فيه من أمر زائد على حقوق الله وهو تسليمه أو تسليم عوضه بعد الاعتراف به ( فإن قلت ) فعلام تحمل حديث أبي هريرة وحديث معاوية المذكورين في أول الباب فإن الأول يقضي بأن القاتل أو المعين على القتل ياقى الله مكتوبا بين عينيه الإياس من الرحمة والثاني يقضي بأن ذنب القتل لا يغفره الله . قلت هما محمولان على عدم صدور التوبة من القاتل والدليل على هذا التأويل ما في الباب من الأدلة القاضية بالقبول عموما وخصوصا واو لم يكن من ذلك إلا حديث الرجل القاتل للمائة التي تنازعت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب . وحديث عبادة بن الصامت المذكور قبله فإنهما يلجئان إلى المصير إلى ذلك اليأويل ولا سيما مع ما قدمنا من تأخر تاريخ حدبث عبادة ومع كون الحديثين في الصحيحين بخلاف حديث أبي هريرة و معاوية وأيضا في حديث معاوية نفسه ما يرشد إلى هذا التأويل فإنه جعل الرجل القاتل عمدا مقترنا بالرجل الذي يموت كافرا ولا شك أن الذي يموت كافرا مصرا على ذنبه غير تائب من المخلدين في النار فيستفاد من هذا التقييد أن التوبة تمحو ذنب الكفر فيكون ذلك القرين الذي هو القتل أولى بقبولها
وقد قال العلامة الزمخشري في الكشلف أن هذه الآية يعني قوله { ومن يقتل مؤمنا } فيها من التهديد والإيعاد والإبراق والإرعاد أمر عظيم وخطب غليظ قال ومن ثم روى عن ابن عباس ما روى من أن توبة قاتل المؤمن عمدا غير مقبولة . وعن سفيان كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا لا توبة له وذلك محمول منهم على الاقتداء بسنة الله في التغليظ والتشديد وإلا فكل ذنب ممحو بالتوبة وناهيك بمحو الشرك دليلا ثم ذكر حديث " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم " وهو عند النسائي من حديث بريدة . وعند ابن ماجه من حديث البراء . وعند النسائي أيضا من حديث ابن عمر
وأخرجه أيضا الترمذي
وأما حديث وائلة بن الأسقع الذي ذكره المصنف في الرجل الذي أوجب على نفسه النار بالقتل فأمرهم صلى الله عليه وآله وسلم بأن يعتقوا عنه فهو من أدلة قبول توبة القاتل عمدا ولا بد من حمله على التوبة فإذا تاب القاتل عمدا فإنه يشرع له التفكير لهذا الحديث وهو دليل على ثبوت الكفارة في قتل العمد كما ذهب إليه الشافعي وأصحابه . ومن أهل البيت القاسم والهادي والمؤيد بالله والإمام يحيى وقد حكى في البحر عن الهادي عدم الوجوب في العمد ولكنه نص في الأحكام والمنتخب على الوجوب فيه وهذا إذا عفى عن القاتل أو رضي الوارث بالدية وأما إذا اقتص منه فلا كفارة عليه بل القتل كفارته لحديث عبادة المذكور في الباب . ولما أخرجه أبو نعيم في المعرفة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال القتل كفارة " وهو من حديث خزيمة بن ثابت وفي إسناده ابن لهيعة قال الحافظ لكنه من حديث ابن وهب عنه فيكون حسنا . ورواه الطبراني في الكبير عن الحسن بن علي موقوفا عليه
وأما الكفارة في قتل الخطأفهي واجبة بالإجماع وهو نص القرآن الكريم

باب دية النفس وأعضائها ومنافعها

1 - عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا وكان في كتابه أن من اعتبط مؤمناقتلا عن بينة فإنه قود إلا أن يرضي أولياء المقتول وأن في النفس الدية مائة من الإبل وأن في الأنف إذا أوعب جدعه الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الذكر الدية وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية وفي المأمومة ثلث الدية وفي المنقلة خمسة عشرمن الإبل وفي كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل وفي السن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل وأن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار "
- رواه النسائي
وقال وقد روى هذا الحديث يونس عن الزهري مرسلا

- الحديث أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبار وابن الجارود والحاكم والبيهقي موصولا
وأخرجه أيضا أبو داود في المراسيل وقد صححه جماعة من أئمة الحديث منهم أحمد والحاكم وابن حبان والبيهقي وقد قدمنا بسط الكلام عليه واختلاف الحفاظ فيه في باب قتل الرجل بالمرأة
قوله : " من اعتبط " بعين مهملة فمثناة فوقية فموحدة فطاء مهملة وهو القتل بغير سبب موجب وأصله من اعتبط الناقة إذا ذبحها من غير مرض ولا داء فمن قتل مؤمنا كذلك وقامت عليه البينة بالقتل وجب عليه القود إلا أن يرضي أولياء المقتول بالدية أو يقع منهم العفو
قوله : " وإن في النفس مائة من الإبل " الاقتصار على هذا النوع من أنواع الديةيدل على أنه الأصل في الوجوب كما ذهب إليه الشافعي ومن أهل البيت القاسم بن إبراهيم قالا وبقية الأصناف كانت مصالحة لا تقديرا شرعيا
وقال أبو حنيفة وزفر والشافعي قي قوله له بل هي من الإبلللنص ومن النقدين تقويما إذ هما قيم المتلفات وما سواهما صلح وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الدية من الإبلمائة ومن البقر مائتان ومن الغنم ألفان ومن الذهب ألف مثقال واختلفوا في الفضة الهادي والمؤيد بالله إلى أنها عشرة آلاف درهم وذهب مالك والشافعي في قوله له إلى أنها إثني عشر ألف درهم
قال زيد بن علي والناصر أو مائتا حلة الحلة إزار ورداء أو قميص وسراويل وستأتي أدلة هذه الأقوال في باب أجناس الدية وسيأتي أيضا الخلاف في صفة الإبل وتنوعها
قوله : " وإن في الأنف إذا أوعب جدعه الدية " بضم الهمزة من أوعب على البناء للمجهول أي قطع جميعه وفي هذا دليل على أنه يجب في قطع الأنف جميعه الدية قال في البحر فصل والأنف مركبة من قصبة ومارن وأرنبة وروثة وفيها الدية إذا استؤصلت من أصل القصبة إجماعا ثم قال فرع قال الهاديوفي كل واحد من الأربع حكومة وقال الناصر والفقهاء بل في المارن وفي بعض حصته وأجاب عن ذلك بأن المارن وحده لا يسمى أنفا وإنمار الدية في الأنف ورد بما رواه الشافعي عن طاوس أنه قال عندنا في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي النف إذا قطع مارنه مائة من الإبل
وأخرج البيهقي من حديث عمر وبن شعيب عن أبيه عن جده قال " قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا جدعت ثندوة الأنف بنصف الفقل خمسون من الإبل وعدلها من الذهب والورق "
قال في النهاية أراد بالثندوة هنا روثة الأنف وهي طرفه ومقدمه اه . وإنما قال أراد بالثندوة هنا لأنها في الأصل لحم الثدي أواصله على ما في القاموس وفي القاموس أيضا أن المارن الأنف أو طرفه أو ما لان منه وفيه أن الأرنبة طرف الأيف وفيه أيضا أن الروث طرف الأرنبة قال في البحر فرع فإن قطع الأرنبة وهي الغضروف الذي يجمع المنخرين ففيه الدية إذ هو زوج كالعينين وفي الوترة حكومة وهي الحاجزة بين المنخرين وفي إحداهما نصف الدية وفي الحاجز حكومة فإن قطع المارن والقصبة أو المارن والجلدة التي تحته لزومت دية وحكومة اه والوترة هي الوتيرة
قال في القاموس وهي حجاب ما بين المنخرين
قوله : " وفي اللسان الدية " فيه دليل على أن الواجب في اللسان إذا قطع جميعه الدية
وقد حكى صاحب البحر الإجماع على ذلك قال فإن جنى ما أبطل كلامه فدية أبطل بعضه فحصته ويعتبر بعدد الحروف وقيل بعدد حروف اللسان فقط وهي ثمانية عشر حرفا لا بما عداها واختلف في لسان الأخرس إذا قطعت فذهب الأكثر إلى أنها يجي فيها حكومة فقط وذهب النخعي إلى أنها يجب فيها دية
قال " وفي الشفتين الدية " إلى هذا ذهب جمهور أهل العلم وقيل إنه مجمع عليه قال في البحر وحدهما من تحت المنخرين إلى منتهى الشدقين في عرض الوجه ولا فضل لأحدهما على الأخرى عند أبي حنيفة والشافعي والناصر والهادوية . وذهب زيد بن ثابت إلى أن دية العليا ثلث والسفلى ثلثان ومثله في المنتخب قال في البحر إذ منافع السفلى أكثر للجمال والإمساك يعني للطعام والشراب وأجاب عنه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " وفي الشفتين الدية " ولم يفصل ولا يخفي أن غاية ما في هذا أنه يجب في المجموع دية وليس ظاهرا في أن لكل واحدة نصف دية حتى يكون ترك الفصل منه صلى الله عليه وآله وسلم مشعرا بذلك ولا شك أن في السفلى نفعا زائدا على النفع الكائن في العليا ولو لم يكن إلا الإمساك للطعام والشراب على فرض الاستواء في الجمال
قوله " وفي البيضتين الدية " وفي رواية " وفي الأنثيين الدية " ومعناهما ومعنى البيضتين واحد كما في الصحاح والضياء والقاموس . وذكر في الغيث أن الأنثيين هما الجلدتان المحيطتان بالبيضتين فينظر في أصل ذلك فإن كتب اللغة على خلافه وقد قيل أن وجوب الدية في البيضتين مجمع عليه وذهب الجمهور إلى أنه الواجب في كل واحدة نصف الدية وحكى في البحر عن علي عليه السلام أن في اليسرى ثلثي الدية إذ النسل منها وفي اليمنى ثلثها وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب
قوله : " وفي الذكر الدية " هذا مما لا يعرف فيه خلاف بين أهل العلم وظاهر الدليل عدم الفرق بين ذكر الشاب والشيخ والصبي كما صرح به الشافعي والإمام يحيى أما ذكر العنين والخصى فذهب الجمهور إلى أن فيه حكومة وذهب البعض إلى أن فيه الدية إذ لم يفصل الدليل
قوله : " وفي الصلب الدية " قال في القاموس الصلب بالضم وبالتحريك عظم من لدن الكاهن إلى العجب اه ولا أعرف خلافا في وجوب الدية فيه وقد قيل المراد بالصلب هنا هو ما في الجدول المنحدر من الدماغ لتفريق الرطوبة في الأعضاء لانفس المتن بدليل ما رواه ابن المنذر عن علي عليه السلام أنه قال في الصلب الدية إذا منع من الجماع هكذا في ضوء النهار والأولي حمل الصلب في كلام الشارع على المعنى اللغوي وعلى فرض صلاحية قول علي لتقييد ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم فليس من لازمه تفسير الصلب بغير المتن بل غايته أن يعتبر مع كسر المتن زيادة وهي الإفضاء إلى منع الجماع لا مجرد الكسر مع إمكان الجماع
قوله : " وفي العينين الدية " هذا مما لا أعرف فيه خلافا بين أهل العلم وكذلك لا يعرف الخلاف بينهم في أن الواجب في كل عين نصف الدية وإنما أختلفوا في عين الاعور فحكي في البحر عن الأوزاعي والنخعي والعترة والحنفية والشافعية أن الواجب فيها نصف الدية إذا لم يفصل الدليل . وحكي أيضا عن علي عليه السلام وعمر وابن عمر والزهري ومالك والليث وأحمد وأسحق أن الواجب فيها دية كاملة لعماه بذهابها . وأجاب عنه بأن الدليل لم يفصل وهو الظاهر ثم حكي أيضا عن العترة والشافعية والحنفية أنه يقتص من الأعور إذا أذهب عين من له عينان وخالف في ذلك أحمد بن حنبل والظاهر ما قاله الأولون
قوله : " وفي الرجل الواحدة نصف الدية " هذا أي أيضا مما لا أعرف فيه خلافا وهكذا لا خلاف في أن في اليدين دية كاملة
قال في البحر وحد موجب الدية مفصل الساق واليدان كالرجلين بلا خلاف والحد الموجب للدية من الكوع كما حكاه صاحب البحر عن العترة وأبي حنيفة والشافعي فإن قطعت اليد من المنكب أو الرجل من الركبة ففي كل واحدة منها نصف دية وحكومة عند أبي حنيفة ومحمد والقاسمية والمؤيد بالله وعند أبي يوسف والشافعي في قول له أنه يدخل الزائد على الكوع ومفصل الساق في دية اليد والرجل فلا تجب حكومة لذلك :
قوله " وفي المأمومة ثلث الدية " هي الجناية البالغة أم الدماغ وهو الدماغ أو الجلدة الرقيقة التي عليه كما حكاه صاحب القاموس وإلى إيجاب ثلث الدية فقط في المأمومة ذهب علي وعمر والحنفية والشافعية وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنه يجب مع ثلث الدية حكومة لغشاوة الدماغ . وحكى ابن المنذر الإجاع على أنه يجب في المأمومة ثلث الدية إلا عن مكحول فإنه قال يجب الثلث مع الخطأ والثلثان مع العمد
قوله : " وفي الجائفة ثلث الدية " قال في القاموس الجائفة هي الطعنة التي تبلغ الجوف أو تنفذه ثم فسر الجوف بالبطن
وقال في البحر هي ما وصل جوف العضو من ظهر أو صدر أو ورك أو عنق أو ساق أو عضد مما له جوف وهكذا في الانتصار وفي الغيث أنها ما وصل الجوف وهو من ثغرة النحر إلى المثانة اه . وهذا هو المعروف عند أهل العلم والمذكور في كتب اللغة . وإلى وجوب ثلث الدية في الجائفة ذهب الجمهور وحكى في نهاية المجتهد الإجماع على ذلك
قوله : " وفي المنقلة خمسة عشر من الأبل " في رواية " خمس عشرة " قال في القاموس هي الشجة التي ينقل منها فراش العظام وهي قشور تكون على العظم دون اللحم وفي النهاية إنها التي تخرج صغار العظام وتنتقل عن أماكنها وقيل التي تنقل العظم أي تكسره وقد حكى صاحب البحر القول بإيجاب خمس عشرة ناقة عن علي وزيد بن ثابت والعترة والفريقين يعني الشافعية والحنفية
قوله : " وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل " هذا مذهب الأكثرين وروي عن عمر أنه كان يجعل في الخنصر ستا من الإبل وفي البنصر تسعا وفي الوسطى عشرا وفي اسبابة اثنتي عشرة وفي الإبهام ثلاث عشرة ثم روي عنه الرجوع عن ذلك وروي عن مجاهد أنه قال في الإبهام خمس عشرة وفي التي تليها عشر وفي الوسطى عشر وفي التي تليها ثمان وفي الخنصر سبع وهو مردود بحديث الباب وبما سيأتي قريبا من حديث أبي موسى وعمرو بن شعيب وذهبت الشافعية والحنفية والقاسمية إلى أن في كل أنملة ثلث دية الأصبع إلا أنملة الإبهام ففيها النصف وقال مالك بل الثلث
قوله : " وفي السن خمس من الإبل " ذهب إلى هذا جمهور العلماء . وظاهر الحديث عدم الفرق بين الثنايا والأنياب والضروس لأنه يصدق على كل منها أنه سن
وروي عن علي أنه يجب في الضرس عشر من الأبل وروي عن عمر وابن عباس أنه يجب في كل ثنية خمسون دينارا وفي الناجذ أربعون وفي الناب ثلاثون وفي كل ضرس خمسة وعشرون
وروى مالك والشافعي عن عمران في كسر الضرس جملا قال الشافعي وبه أقول لانى لا أعلم له مخالفا من الصحابة وفي قول للشافعي في كل سن خمس من الإبل ما لم يزد على دية النفس وإلا كفت في جميعها دية وأجاب عنه في البحر بأنه خلاف الإجماع ورد بأنه لا وجه للحكم بمخالفة الإجماع لاختلاف الناس في دية الأسنان وسيأتي قريبا ما يدل على أن جميع الأسنان مستوية قوله " وفي الموضحة خمس من الإبل " هي التي تكشف العظم بلا هشم وقد ذهب إلى إيجاب الخمس في الموضحة الشافعية والحنفية والعترة وجماعة من الصحابة وروي عن مالك أن الموضحة إن كانت في الأنف أو اللحى الأسفل فحكومة وإلا فخمس من الإبل . ذهب سعيد بن المسيب إلى أنه يجب في الموضحة عشر الدية وذلك عشر من الإبل وتقدير أرش الموضحة المذكورة في الحديث إنما هو في موضحة الرأس والوجه لا موضحة ما عداهما من البدن فأنها على النصف من ذلك كما هو المختار لمذهب الهادوية وكذلك الهاشمية والمنقلة والدامية وسائر الجنايات وحكى في البحر عن الإمام يحيى أن الموضحة والهاشمة والمنقلة إنما إرشدها المقدر في الرأس وفيها في غيره حكومة وقيل بل البدن لحصول معناها حيث وقعت
قال في البحر وهو الأقرب للمذهب لكن ينسب العضو قياسا على الرأس ففي الموضحة نصف عشر دية ما هي فيه اه وحكى في البحر أيضا في موضع آخر عن الإمام يحيى والقاسمية وأحد قولي الشافعي أن في الموضحة ونحوها في غير الرأس حكومة إذا لم يقدر الشرع أرشها إلا فيه وحكى الشافعي في قول له أن الحكم واحد قال الإمام يحيى وهو غير بعيد إذا لم يفصل الخبر اه وهو يستفاد أيضا من العموم المستفاد من تحلية الموضحة بالالف واللام وأخرج البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبا بكر وعمر قالا في الموضحة في الوجه والرأس سواء
وأخرج البيهقي أيضا عن سليمان بن يسار نحو ذلك
قوله : " وإن الرجل يقتل بالمرأة " قد تقدم الكلام على هذا مبسوطا
قوله : " وعلى أهل الذهب ألف دينار " فيه دليل لمن جعل الذهب من أنواع الدية الشرعية كما سلف

2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى في الأنف إذا جدع كله بالعقل كاملا وإذا جدعت أرنبته فنصف العقل وقضي في العين نصف العقل والرجل نصف العقل واليد نصف العقل والمأمومة ثلث العقل والمنقلة خمسة عشر من الإبل "
- رواه أحمد . ورواه أبو داود وابن ماجه ولم يذكرا فيه العين ولا المنقلة

3 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " هذه وهذه سواء يعني الخنصر والبنصر والإبهام "
- رواه الجماعة إلا مسلما
وفي رواية قال " دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشر من الإبل لكل أصبع " . رواه الترمذي وصححه

4 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الإسنان سواء الثنية والضرس سواء "
- رواه أبو داود وابن ماجه

5 - وعن أبي موسى " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في الأصابع بعشر عشر من الإبل "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي

6 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل أصبع عشر من الإبل وفي كل سن خمس من الإبل والإصابع سواء والأسنان سواء "
- رواه الخمسة إلا الترمذي

7 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في المواضح خمس خمس من الإبل "
- رواه الخمسة

8 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في العين العوراء السادة لمكانها إذا نزعت بثلث ديتها "
- رواه النسائي . ولأبي داود منه " قضى في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية

9 - وعن عمر بن الخطاب " أنه قضى في رجل ضرب رجلا فذهب سمعه وبصره ونكاحه وعقله بأربع ديات
- ذكره أحمد بن حنبل في رواية أبي الحرث وابنه عبد الله

- حديث عمرو بن شعيب الأول في اسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد تكلم فيه جماعة من أهل العلم ووثقه جماعة ولفظ أبي داود " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأنف إذا جدع الدية كاملة وإن جدعت ثندوته فنصف العقل خمسون من الإبل أو عدلها من الذهب أو الورق أو مائة بقرة أو ألف شاة وفي اليد إذا نصف العقل وفي الرجل نصف العقل وفي المأمومة ثلث العقل ثلاث وثلاثون وثلث أو قيمتها من الذهب أو الورق أو البقر أو الشاة والجائفة مثل ذلك وفي الأصابع في كل أصبع عشر من الإبل " وهو حديث طويل وحديث ابن عباس الثاني أخرجه أيضا التزار وابن حبان ورجال اسناده رجال الصحيح . وحديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان وابن ماجة وسكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده لابأس به وحديث عمرو بن شعيب الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري وصاحب التلخيص ورجال إسناده إلى عمرو بن شعيب ثفات . وحديثه الثالث أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن الجارود وصححاه . وحديثه الرابع سكت عنه أبو داود والنسائي ورجال إسناده إلى عمرو بن شعيب ثقات . وأثر عمر أخرجه أيضا ابن شيبة عن خالد عن عوف سمعت شيخا في زمن الحاكم وهو ابن المهلب عم أبي قلابة قال رمى رجل رجلا بحجر في رأسه في زمن عمر فذهب سمعه وبصره وعقله وذكره فلم يقرب النساء فقضي عمر فيه بأربع ديات وهو حي وقدمنا الكلام المتعلق بفقه أكثر هذه الأحاديث في شرح حديث عمرو بن حزم المذكور في أول الباب ونتكلم الآن على ما لم يذكر هنا لك
قوله : " فنصف العقل " أي الدية
قوله : " هذه وهذه سواء " الخ هذا نص صريح يرد القول بالتفاضل بين الأصابع ولا أعرف مخالفا من أهل العلم لما يقضيه إلا ما روي عن عمر ومجاهد وقد قدمنا أنه روي عن عمر الرجوع
قوله : " الأسنان سواء " هذه جملة مستقلة لفظ الأسنان فيها مبتدأ ولفظ سواء وإنما تعرضنا لمثل هذا مع وضوحه لأنه ربما ظن أن سواء الأولي بمعني غير وأن الخبر عن الأسنان هو سواء الثانية ويكون التقدير الأسنان غير الثنية والضرس سواء ولا شك أن هذا غير مراد بل المراد الحكم على جميع الأسنان التي يدخل تحتها الثنية والضرسإنما هو لدفع توهم عدم دخولهما تحت الأسنان ولهذا أقتصر في الرواية الثانية على قوله الأسنان سواء وبهذا يندفع قول من ذهب إلى تفضيل الثنية والضرس من الصحابة وغيرهم وقول من حكم في الأسنان بأحكام مختلفة كما سلف
قوله : " قضى قي العين العوراء السادة لمكانها " أي الباقية التي لم يذهب إلا نورها والمراد بالطمس ذهاب جرمها وإنما وجب فيها ثلث دية دية العين الصحيحة لأنها كاتن بعد ذهاب بصرها باقية الجمال فإذا قلعت أو فقئت ذهب ذلك
قوله : " وفي اليد الشلاء " الخ هي التي لا نفع فيها وإنما وجب فيها ثلث دية الصحيحة لذهاب الجمال أيضا
قوله : " وفي السن السوداء " الخ نفع السن السوداء باق وإنما ذهب منها مجرد الجمال فيكون على هذا التقدير ذهاب النفع كذهاب الجمال وبقاؤه فقط كبقائه وحده قال في البحر مسألة وإذا اسود السن وضعف ففيه الدية لذهاب الجمال والمنفعة ولقول علي عليه السلام إذا اسودت فقد تم عقلها أي ديتها فإن لم تضعف فحكومة وقال الناصر وزفر وكذا لو اصفرت أو احمرت وقيل لا شيء في الاصفرار إذ أكثر الأسنان كذلك قلنا إذا لم يحصل بجناية اه
قوله : " بأربع ديات " فيه دليل على أنه يجب في كل واحد من الأربعة المذكورة دية عند من يجعل قول الصحابي حجة وقد استدل بها صاحب البحر ةزعم أنه لم ينكره أحد من الصحابة فكان إجماعا وقد قال الحافظ ابن حجر في التلخيص أنه وجد في حديث معاذ في السمع الدية قال وقد رواه البيهقي من طريق قتادة عن ابن المسيب عن علي رضي الله عنه وقد زعم الرافعي أنه ثبت في حديث معاذ أنه في البصر الدية
قال الحافظ لم أجدهوروى البيهقي من حديث معاذ في العقل الدية وسنده ضعيف
قال البيهقي وروينا عن عمر وعن زيد بن ثابت مثله
وقد زعم الرفاعي أن ذلك في حديث عمر بن حزم وهو غلط
وأخرج البيهقي عن زيد من أسلم بلفظ " مضت السنة في أشياء من الإنسان إلى أن قال وفي اللسان الدية وفي الصوت إذا انقطع الدية "
والحاصل أنه قد وردالنص بإيجاب الدية فيبعض الحواس الخمس الظاهرة كما عرفت ويقاس ما لم يرد فيه نص منها على ما ورد فيه وقد قيل أنها تجب الدية في ذهاب القول بغير قطع اللسان فياس على السمع بجامع فوات القوة والأولى التعويل على النص المذكور في حديث زيد بن مسلم وأما ذهاب النكاح فيمكن أن يستدل لإيجاب الدية فيه بالقياس على سلس البول فإنه قد روى محمد بن منصور بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي أنه قضي بالدية لمن ضرب حتى سلس بوله والجامع ذهاب القوة ولكن هذا على القول بحجية قول علي عليه السلام قال في البحر وفي إبطال مني الرجل بحيث لا يقع منه حمل دية كاملة إذ هو إبطال منفعة كانلة كالشلل ويخالف مني المرأة ولبنها ففيهما حكومة إذ يطرأ ويزول بخلافه من الرجل فيستمر وإذا انقطع لم يرجع اه وهذا إذا كان ذهاب النكاح بغير قطع الذكر أو الأنثيين فإن كان بذلك دخلت ديته في دية ذلك المقطوع وهكذا ذهاب البصر إذا كان بغير قلع العينين أوفقئها وإلا وجبت الدية للعينين ولا شيء لذهابه وهكذا السمع لو ذهب بقطع الأذنين

باب دية أهل الذمة

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عقل الكافر نصف دية المسلم "
- رواه أحمد والنسائي والترمذي
وفي لفظ " قضي أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين وهم اليهود والنصارى " . رواه أحمد والنسائي وابن ماجه
وفي رواية " كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلم قال وكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال إن الإبل قد غلت قال ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق إثني عشر ألفا وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاة ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة قال وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية " . رواه أبو داود

2 - وعن سعيد بن المسيب قال " كان عمر يجعل دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف والمجوسي ثمانمائة "
- رواه الشافعي والدارقطني

- حديث عمرو بن شعيب حسنه الترمذي وصححه ابن الجارود . وأثر عمر أخرجه أيضا البيهقي وأخرج ابن حزم في الإيصال من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال دية ثمانمائة درهم " وأخرجه أيضا الطحاوي وابن عدي والبيهقي وإسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة وروى البيهقي عن ابن مسعود وعلي عليه السلام إنهما كانا يقولان في دية المجوسي ثمانمائة درهم
وفي إسناده ابن لهيعة
وأخرج البيهقي أيضا عن عقبة بن عامر نحوه وفيه أيضا ابن لهيعة وروي نحو ذلك ابن عدي والبيهقي والطحاوي عن عثمان وفيه ابن لهيعة
قوله : " عقل الكافر نصف دية المسلم " أي دية الكافر نصف دية المسلم فيه دليل على أن دية الكافر الذمي نصف دية المسلم وإليه ذهب مالك وذهب الشافعي والناصر إلى أن دية الكافر أربعة آلاف درهم والذي في منهاج النووي أن دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم ودية المجوسي ثلثا عشر دية المسلم قال شارحه المحلي أنه قال بالأول عمر وعثمان وبالثاني عمر وعثمان أيضا وابن مسعود . ثم قال النووي في المنهاج وكذا وثني له امان يعني أن ديته دية مجوسي ثم قال والمذهب أن من لم يبلغه الإسلام إن تمسك بدين لم يبدل فديته دية دينه وإلا فكمجوسي وحكى في البحر عن زيد بن علي والقاسمية وأبي حنيفة وأصحابه إن دية المجوسي كالذمي وعن الناصر والإمام يحيى والشافعي ومالك إنها ثمانمائة درهم . وذهب الثوري والزهري وزيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه والقاسمية إلى أن دية الذمي كدية المسلم وروي عن أحمد أن ديته مثل دية المسلم إن قتل عمدا وإلا فنصف دية احتج من قال إن ديته ثلث دية المسلم بفعل عمر المذكورمن عدم رفع دية أهل الذمة وإنها كانت في عصره أربعة آلاف درهم ودية المسلم أثني عشر ألف درهم ويجاب عنه . بأن فعل عمر ليس بحجة على فرض عدم معارضته لما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم فكيف وهو هنا معارض للثابت قولا وفعلا وتمسكوا في جعل دية المجوسي ثلثي عشر دية المسلم بفعل عمر المذكور في الباب ويجاب عنه بما تقدم ويمكن الاحتجاج لهم بحديث عقبة بن عامر الذي ذكرناه فإنه موافق لفعل عمر لأن ذلك المقدار هو ثلثا عشر الدية إذ هي اثنا عشر ألف درهم وعشرها اثنا عشر ومائة وثلثا عشرها ثمانمائة ويجاب بأن اسناده ضعيف كما أسلفنا فلا يقوم بمثله حجة ( لا يقال ) أن الرواية لأنه لم يدرك عمر ولا عثمان
قوله : " فإنه لو مات وديته " في هذا الحديث دليل على أنه إذا مات رجل بحد من الحدود لم يلزم الإمام ولا نائبه الأرش ولا القصاص إلا حد الشرب
وقد أختلف أهل العلم في ذلك فذهب الشافعي وأحمد بن حنبل والهادي والقاسم والناصر وأبو يوسف ومحمد إلى أنه لا شيء فيمن مات بحد أو قصاص مطلقا من غير فرق بين حد الشرب وغيره وقد حكى النووي الإجماع على ذلك وفيه نظر فإنه قد قال أبو حنيفة وابن أبي ليلى أنها تجب الدية على العاقلة كما حكاه في البحر وأجابا بأن عليا لم يرفع هذه المقالة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل أخرجها مخرج الاجتهاد وكذلك يجاب عن رواية عبيد بن عمير أن عليا وعمر قالا من مات من حد أو قصاص فلا دية له الحق قتله ورواه بنحوه ابن المنذر عن أبي بكر واحتجا بأن اجتهاد بعض الصحابة لا يجوز به أهدار دم امرئ مسلم مجمع على أنه لا يهدر وقد أجيب عن هذا بأن الهدر ما ذهب بلا مقابل له ودم المحدود مقابل للذنب ورد بأن المقابل للذنب عقوبة لا تفضي إلى القتل وتعقب هذا الرد بأنه تسبب بالذنب إلى ما يفضي إلى القتل في بعض الأحوال فلا ضمان وأما من مات بتعزيز فذهب الجمهور إلى أنه يضمنه الأمام وذهبت الهادوية إلى أنه لا شئ فيه كالحد . وحكى النووي عن الجمهور من العلماء أنه لا ضمان فيمن مات بتعزيز لا على الإمام ولا على عاقلته ولا في بيت المال وحكى عن الشافعي أنه يضمنه الإمام ويكون على عاقلته
قوله " لم يسنه " قد قدمنا الجمع بين هذا وبين روايته السابقة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد أربعين
قوله : " فجلده ثمانين " هذا يخالف ما تقدم في أول الباب أن عليا أمر بجلده أربعين وظاهر هذه الرواية أنه جلده بنفسه وأن جملة الجلد ثمانون وقد جمع المصنف بين الروايتين بما ذكره من رواية أبي جعفر ولا بد من الجمع بمثل ذلك لأن حمل ذلك على تعدد الواقعة بعيد جدا فإن المحدود في القصتين واحد وهو الوليد بن عقبة وكان ذلك بين يدي عثمان في حضرة علي
قوله : " نشوان " بفتح النون وسكون الشين قال في القاموس " رجل نشوان " ونشيان سكران بين النشوة انتهى
قوله : " في دباءة " بضم الدال وتشديد الباء الموحدة واحدة الدباء وهي الآنية التي تتخذ منه
قوله : " نهز " بضم النون وكسر الهاء بعدها زاي وهو الدفع باليد قال في القاموس نهزه كمنعه ضربه ودفعه
قوله : " ونهى عن الزبيب والتمر " يعني أن يخلطا العامريين دية الحر المسلم وكان لهما عهد " وأخرج أيضا من وجه آخر أنه صلى الله عليه وآله وسلم جعل دية المعاهدين دية المسلم
وأخرج أيضا عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودى ذميا دية مسلم " ويجاب عن حديث ابن عباس بأن في اسناده أبا سعيد البقال واسمه سعيد بن المرزبان ولا يحتج بحديثه والراوي عنه أبو بكر ابن عياش . وحديث الزهري مرسل ومراسيله قبيحة لانه حافظ كبير لا يرسل إلا لعلة . وحديث ابن عباس الآخر في اسناده أيضا أبو سعيد البقال المذكور وله طريق أخرى فيها الحسن بن عمارة وهو متروك وحديث ابن عمر في اسناده أبو كرز وهو أيضا متروك ومع هذه العلل فهذه الأحاديث معارضة بحديث الباب وهو أرجح منها من جهة صحته وكونه قولا وهذه فعلا والقول أرجح من الفعل وهو سلمنا صلاحيتها للاحتجاج وجعلناها مخصصة لعموم حديث الباب كان غاية ما فيها اخراج المعاهد ولا ضير في ذلك فإن بين الذمي والمعاهد فرقا لأن الذمي ذل ورضي بما حكم به عليه من الذلة بخلاف المعاهد فلم يرض بما حكم عليه به منها فوجب دمه وماله الضمان الاصلي الذي كان بين أهل الكفر وهو الدية الكاملة التي ورد الإسلام بتقريرها ولكنه يعكر على هذا ما وقع في رواية من حديث عمرو بن شعيب عند أبي داود بلفظ " دية المعاهد نصف دية الحر " وتخلص عن هذا بعض المتأخرين فقال أن لفظ المعاهد يطلق على الذمي فيحمل ما وقع في حديث عمرو بن شعيب عليه ليحصل الجمع بين الأحاديث ولا يخفى ما في ذلك من التكلف والراجح العمل بالحديث الصحيح وطرح ما يقابله ممالا أصل له في الصحة وأما ما ذهب إليه أحمد من التفصيل باعتبار العمد والخطأ فليس عليه دليل

باب المرأة في النفس وما دونها

1 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من الدية "
- رواه النسائي والدارقطني

2 - وعن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن " أنه قال لسعيد بن المسيب كم في أصبع المرأة قال عشر من الإبل قلت في أصبعين قال عشرون من الإبل قلت فكم في ثلاث أصابع قال ثلاثون من الإبل قلت فكم في أربع أصابع قال عشرون من الإبل قلت حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها قال سعيد أعراقي أنت قلت بل عالم متثبت أو جاهل متعلم قال هي السنة يا ابن أخي "
- رواه مالك في الموطأ عنه

- حديث عمرو بن شعيب هو من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عنه وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة كما حكى ذلك عنه في بلوغ المرام . وحديث سعيد ابن المسيب أخرجه أيضا البيهقي وعلى تسليم أن قوله من السنة يدل على الرفع فهو مرسل وقد قال الشافعي فيما أخرجه عنه البيهقي أن قول سعيد من السنة يشبه أن يكون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن عامة من أصحابه ثم قال وقد كنا نقول إنه على هذا المعنى ثم وقفت عنه واسأل الله الخير لا ناقد نجد منهم من يقول السنة نفاذا إنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والقياس أولى بنافيها
وروي صاحب التلخيص عن الشافعي أنه قال كان مالك يذكر أنه السنة وكنت أتابعه عليه وفي نفسي منه شيء ثم علمت أنه يريد أنه سنة أهل المدينة فرجعت عنه . ( وفي الباب ) عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال دية المرأة نصف دية الرجل " قال البيهقي إسناده لا يثبت مثله
وقد أخرج علي عليه السلام أنه قال دية المرأة على النصف من دية الرجل في الكل وهو من رواية إبراهيم النخعي عنه وفيه انقطاع
وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق الشعبي عنه
وأخرجه أيضا من وجه آخر عنه . وعن عمر قوله " عقل المرأة مثل عقل الرجل في الجراحات التي لا يبلغ أرشها إلى ثلث دية الرجل وفيما بلغ أرشه إلى مقدار الثلث من الجراحات يكون أرشها فيه كنصف أرش الرجل لحديث سعيد بن المسيب المذكور . وغلى ذلك ذهب الجمهور من أهل المدينة منهم مالك وأصحابه وهو مذهب سعيد بن المسيب كما تقدم في رواية مالك عنه . ورواه أيضا عن عروة بن الزبير وهو مروى عن عمر وزيد بن ثابت وعمر بن عبد العزيز وبه قال أحمد وإسحاق والشافعي في قول وصفة التقدير أن يكون على الصفة المذكورة في حديث الباب عن سعيد بن المسيب فإنه جعل أرش إصبعها وأرش الإصبعين عشرين وأرش الثلاثة ثلاثين لإنها ثلث دية الرجل فلما سأله السائل عن أرش الأربع الأصابع جعفلها عشرين من الإبل لإنها لما جاوزت ثلث دية الرجل ولما كان أرش الأصابع الأربع من الرجل أربعين من الإبل كان أرش الأربع من المرأة عشرين وهذا كما قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن إن المرأة حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها والسبب في ذلك أن سعيدا جعل التصنيف بعد بلوغ الثلث من دية الرجل راجعا إلى جميع الأرش ولو جعل التنصيف باعتبار المقدار الزائد على الثلث لا باعتبار ما دونه فيكون مثلا في الإصبع الرابعة من المرأة خمس من الإبل لأنها هي التي جاوزت الثلث ولا يحكم في التنصيف في الثلاث الأصابع فإذا قطعت من المرأة أربع أصابع كان فيها خمس وثلاثون ناقة لم يكن في ذلك إشكال ولم يدل حديث عمر بن شعيب المذكور إلا على أن أرشها الثلث فما دون مثل أرش الرجل وليس في ذلك دليل على أنها إذا حصلت المجاوزة للثلث لزم تنصيف ما لم يجاوز الثلث من الجنايات على فرض وقوعها متعددة كالأصابع والأسنان وأما لو كانت جناية واحدة مجاوزة للثلث من دية الرجل فيمكن أن يقال باستحقاق نصف أرش الرجل في الكل فإن كان ما أفتى به سعيد مفهوما من مثل حديث عمرو بن شعيب فغير مسلم وإن كان حفظ ذلك التفصيل من السنة التي أشار إليها فإن أراد سنة أهل المدينة كما تقدم عن الشافعي فليس في ذلك حجة وإن أراد السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وآله وسلم فنعم ولكن مع الاحتمال لا ينتهض إطلاق تلك السنة للاحتجاج به ولا سيما بعد قول الشافعي أنه علم أن سعيدا أراد سنة أهل المدينة ومع ذلك فالمرسل لا تقوم به حجة فالأولى أن يحكم في الجنايات المتعددة بمثل أرش الرجل في الثلث فما دون وبعد المجاوزة يحكم بتنصيف الزائد على الثلث فقط لئلا يقتحم الإنسان في مضيق مخالف للعدل والعقل والقياس بلا حجة نيرة وحكى صاحب البحر عن ابن مسعود وشريح أن أرش المرأة يساوي أرش الرجل حتى يبلغ أرشها خمسا من الإبل ثم ينصف
قال في المجتهد أن الأشهر عن ابن مسعود وعثمان وشريح وجماعة أن دية جراحة المرأة مثل دية جراحة الرجل إلا الموضحة فإنها على النصف وحكي في البحر أيضا عن زيد بن ثابت وسليمان بنيسار أنهما يستويان حتى يبلغ أرشها خمس عشرة من الإبل . وعن الحسن البصري يستويان إلى النصف ثم ينصف وهذه الأقوال لا دليل عليها وذهب علي وابن أبي ليلى وابن شبرمة والليث والثوري والعترة والشافعية والحنفية كما حكى عنهم صاحب البحر إلى أن أرش المرأة نصف أرش الرجل في القليل والكثير واستدلوا بحديث معاذ الذي ذكرناه وهو مع كونه لا يصلح للاحتجاج به لما سلف يمكن الجمع بينه وبين حديث الباب إما بحمله على الدية الكاملة كما هو ظاهر اللفظ . وذلك مجمع عليه كما حكاه في البحر في موضعين . حكي في أحدهما بعد حكاية الإجماع خلافا للأصم وابن علية أن ديتها مثل دية الرجل ويمكن الجمع بوجه آخر على فرض أن لف الدية يصدق على دية النفس وما دونها وهو أن يقال هذا العموم مخصوص بحديث عمرو بن شعيب المذكور فتكون ديتها كنصف دية الرجل فيما جاوز الثلث فقط

باب دية الجنين

1 - عن أبي هريرة قال " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم أن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها وإن العقل على عصبتها " وفي رواية " لاقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاتقها "
- متفق عليهما وفيه دليل على أن دية شبه العمد تحملها العاقلة

2 - وعن المغيرة بن شعبة عن عمر " أنه استشارهم في أملاص المرأة فقال المغيرة قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه بالغرة عبد أو أمة فشهد محمد بن مسلمة أنه شهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى به "
- متفق عليه

3 - وعن المغيرة " أن امرأة ضربتها ضرتها بعمود فسطاط فقتلتها وهي حبلى فأتى فيها النبي ؟ ؟ ؟ فقضى فيها على عصبة القاتلة بالدية بالجنين غرة فقال عصبتها أندى مالا طعم ولا شراب ولا صاح ولا استهل مثل ذلك يطل فقال سجع مثل سجع الأعراب "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي . وكذلك الترمذي ولم يذكر اعتراض العصبة وجوابه

4 - وعن ابن عباس في قصة حمل بن مالك قال " فأسقطت غلاما قد نبت شعره ميتا وماتت المرأة فقضي على العاقلة بالدية فقال عمها إنها قد اسقطت يا نبي الله غلاما قد نبت شعره فقال أبو القاتلة إنه كاذب أنه والله ما استهل ولا شرب فمثله يطل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسجع الجاهلية وكهانتها ؟ أد في الصبي غرة "
- رواه أبو داود والنسائي وهو دليل على أن الأب من العاقلة

- حديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه
قوله : " في جنين امرأة " الجنين بفتح الجيم وبعده نونان بينهما ياء تحتية ساكنة بوزن عظيم وهو حما المرأة ما دام في بطنها سمي كذلك لاستتاره فإن خرج حيا فهو ولد أو ميتا فهو سقط
وقد يطلق عليه جنين
قال الباجي في شرح رجال الموطأ الجنين ما ألقته المرأة مما يعرف أنه ولد سواء كان ذكر أم أنثى ولم يستهل صارخا
قوله " بغرة " بضم الغين المعجمة وتشديد الراء وأصلها البياض في وجه الفرس قال الجوهري كأنه عبر الغرة عن الجسم كله كما قالوا أعتق رقبة
وقوله : " عبد وأمة " تفسير للغرة وقد اختلفهل لفظ غرة مضاف إلى عبد أو منون قال الإسماعيلي قرأه العامة بالإضافة وغيرهم بالتنوين وحكى القاضي عياض الاختلاف وقال التنوين أوجه . لأنه بيان للغرة ما هي وتوجيه الإضافة أن الشيء قد يضاف إلى نفسه لكنه نادر يحتمل أن تكون أو شكا من الراوي في تلك الواقعة المخصوصة . ويحتمل أن تكون للتنويع وهو الأظهر
قال في الفتح قيل المرفوع من الحديث قوله بغرة
وأما قوله عبد أو أمة فشك من الراوي في المراد بها وروى عن عن أبي عمر وبن العلاء أنه قال الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء فلا يجزى عنده في دية الجنين الرقبة السواد
وقال مالك الحمر أن أولي من السودان قال في الفتح وفي رواية ابن أبي عاصم ماله عبد ولا أمة قال عشر من الإبل أو مائة شاة . ووقع في حديث أبي هريرة قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل وكذا وقع عند عبد الرزاق عن حمل بن النابغة " قضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالدية في المرأة والجنين غرة عبد أو أمة أو فرس " . وأشار البيهقي أن ذكر الفرس في المرفوع وهم وأن ذلك أدرج من بعض رواته على سبيل التفسير للغرة وذكر أنه في رواية حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس بلفظ " فقضى أن في الجنين غرة " قال طاوس الفرس غرة وكذا أخرج الإسماعيلي عن عروة قال الفرس غرة وكأنهما رأيا أن الفرس أحق بإطلاق الغرة من الآدمي . ونقل ابن المنذر والخطابي عن طاوس ومجاهد وعروة بن الزبير الغرة عبدا أو أمة أو فرس . وتوسع داود ومن تبعه من أهل الظاهر فقالوا يجزي كل ما وقع عليه اسم غرة . وحكى في الفتح عن الجمهور أن أقل ما يجزى من العبد والأمة ما سلم من العيوب التي يثبت بها الرد في البيع لأن المعيب ليس من الخيار واستنبط الشافعي من ذلك أن يكون منتفعا به بشرط أن لا ينقص عن سبع سبين لأن من لم يبلغها لا يستقل غالبا بنفسه فيحتاج إلى التعهد بالتربية فلا يجبر المستحق على أخذه ووافقه على ذلك القاسمية وأخذ بعضهم من لفظ الغلام المذكور في رواية أن لا يزيد على خمس عشرة ولا تزيد الجارية على عشرين
وقال ابن دقيق العيد إنه يجزي ولو بلغ الستين وأكثر منها ما لم يصل إلى سن الهره ورجحه الحافظ وذهب الباقر والصادق والناصر في أحد قوليه إلى أن الغرة عشر الدية وخالفهم في ذلك الجمهور وقالوا الغرة ما ذكر في الحديث
قال في الفتح وتطلق الغرة على الشيء النفيس آدميا كان أم غيره ذكرا أم أنثى
وقيل أطلق على الآدمي غرة لأنه أشرف الحيوان فإن محل الغرة الوجه وهو أشرف الأعضاء قال في البحر واشتقاقها من غرة الشيء أي خياره وفي القاموس والغرة بالضم العبد والأمة
قوله : " ثم أن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت " . في الرواية الثانية " فقتلتها وما في بطنها " وفي رواية المغيرة المذكورة " فقتلتها وهي حبلى " وفي حديث ابن عباس المذكور " فأسقطت غلاما قد نبت شعره ميتا وماتت المرأة " ويجمع بين هذه الروايات بأن موت المرأة تأخر عن تأخر عن موت ما في بطنها فيكون قوله " فقتلتها وما في بطنها " إخبار بنفس القتل وسائر الروايات يدل على تأخر موت المرأة
قوله : " في أملاص المرأة " وقع تفسير الأملاص في الاعتصام من البخاري هو أن تضرب المرأة في بطنها فتلقي جنينها وهذا التفسير أخص من قول أهل اللغة أن الإملاص أن تزلقه المرأة قبل الولادة أي قبل حين الولادة هكذا نقله أبو داود في السنن عن ابن عبيد وهو كذلك في الغريب له وقال الخليل أملصت الناقة إذا رمت ولدها وقال ابن القطاع أملصت الحامل ألقت ولدها ووقع في بعض الروايات ملاص بغير ألف كأنه اسم فعل الولد فحذف وأقيم المضاف مقامه أو اسم لتلك الولادة كالخداج وروى الإسماعيلي عن هشام أنه قال الملاص الجنين
وقال صاحب البارع الإملاص الإسقاط قوله " فشهد محمد بن سلمة " زاد البخاري في رواية فقال عمر من يشهد معك فقام محمد بن سلمة فشهد له
وفي رواية له أن عمر قال للمغيرة لا تبرح حتى تجيء بالمخرج مما قلت قال فخرجت فوجدت محمد بن سلمة فجئت به فشهد معي أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى به
قوله : " فسطاط " هو الخيمة
قوله : " قضى فيها على عصبة القاتلة " في حديث أبي هريرة المذكور " وقضى بدية المرأة على عاقلتها " وفي حديث ابن عباس المذكور أيضا " فقضى على العاقلة بالدية " وظاهر هذه الروايات يخالف ما في الرواية الأولى من حديث أبي هريرة حيث قال ثم أن المرأة التي قضى عليها بالغرة ويمكن الجمع بأن نسبة القضاء إلى كونه على المرأة باعتبار أنها هي المحكوم عليها بالجنابة في الأصل فلا ينافي ذلك الحكم على عصبتها بالدية والمراد بالعاقلة المذكورة هي العصبة وهم من عدا الولد وذوي الأرحام ووقع في رواية عن البيهقي فقال أبوها إنما يعقلها بنوها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال الدية على العصبة وفي حديث أبي هريرة المذكور " فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن ميراثها لزوجها وبنيها وأن العقل على عصبتها وسيأتي الكلام على العاقلة وضمانها لدية الخطأ في باب العاقلة وما تحمله ( وقد استدل ) المصنف بحديث أبي هريرة المذكور على أن دية شبه العمد تحملها العاقلة وسيأتي تكميل الكلام عليه : قوله " مثل ذلك بطل " بضم أوله وفتح الطاء المهملة وتشديد اللام أي يبطل ويهدر يقال طل القتل يطل فهو مطلفول وروى بالباب الموحدة وتخفيف اللام على أنه فعل ماض من البطلان
قوله : " فقال سجع مثل سجع الأعراب " استدل بذلك على ذم السجع في الكلام ومحل الكراهية إذا كان ظاهر التكلف وكذا لو كان منسجما لكنه في إبطال حق أو تحقيق باطل فأما لو كان منسجما وهو حق أو في مباح فلا كراهية بل ربما كان في بعضه ما يستحب مثل أن يكون فيه إذعان مخالف للطاعة وعلى هذا يحمل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذا عن غيره من السلف الصالح
قال الحافظ والذي يظهر لي أن الذي جاء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن عن قصد إلى التسجيع و'نما جاء اتفاقا لعظم بلاغته وأما من بعده فقد يكون ذلك وقد يكون عن قصد وهو الغالب ومراتبهم في ذلك متفاوتة جدا
وفي قوله في حديث ابن عباس المذكور " اسجع الجاهلية ومكانتها " دليل على أن المذموم من السجع إنما هو ما كان من ذلك القبيل الذي يراد به إبطال شرع أو إثبات باطل أو كان متكلفا وقد حكى النووي عن العلماء أن المكروه منه إنما هو ما كان كذلك لا غير
قوله : " حمل بن مالك " بفتح الحاء المهملة والميم وفي بعض الروايات حمل بن النابغة وهو نسبة إلى جده وإلا فهو حمل بن مالك بن النابغة
قوله : " فقال أبو القاتلة " في رواية لمسلم وأبي داود فقال حمل بن النابغة وهو زوج القاتلة
وفي رواية للبخاري فقال ولي المرأة
وفي حديث أبي هريرة المذكور فقال عصبتها
وفي رواية للطبراني فقال أخوها العلاء بن مسروح
وفي رواية للبيهقي من حديث أسامة بن عمير فقال أبوها ويجمع بين الروايات بأن كل واحد من أبيها وأخيها وزوجها قال ذلك لأنهم كلهم من عصبتها بخلاف المقتولة فإن في حديث أسامة بن عمير أن المقتولة عامرية والقاتلة هذلية فيبعد أن تكون عصبة إحدى المرأتين عصبة للأخرى مع اختلاف القبيلة ( وقد استدل ) بأحاديث الباب على أنه يجب في الجنين على قاتله الغرة إن خرج ميتا
وقد حكي في البحر الإجماع على أن المرأة إذا ضربت فخرج جنينها بعد موتها ففيها القود أو الدية
وأما الجنين فقد ذهبت العترة والشافعي إلى أن فيه الغرة وهو ظاهر أحاديث الباب . وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنه لا يضمن وأما إذا مات الجنين بقتل أمه ولم ينفصل فذهبت العترة والحنفية والشافعية إلى أنه لا شيء فيه وقال الزهري أن سكنت حركته ففيه الغرة ورد بأنه يجوز بأن يكون غير آدمي فلا ضمان مع الشك
قال في الفتح وقد شرط الفقهاء في وجوب الغرة انفصال الجنين ميتا بسبب الجناية فلو انفصل حيا ثم مات وجب فيه القود أو الدية كاملة انتهى . فإن أخرج الجنين رأسه ومات ولم يخرج الباقي فذهبت الحنفية والشافعية والهادوية إلى أن فيه الغرة أيضا وذهب مالك إلى أنه لا يجب فيه شيء
قال ابن دقيق العيد ويحتاج من اشترط الإنفصال إلى تأويل الرواية وحملها على أنه انفصل وإن لم يكن في اللفظ ما يدل عليه وتعقب بما في حديث ابن عباس المذكور أنها أسقطت غلاما قد نبت شعره ميتا فإنه صريح في الإنفصال وبما في حديث أبي هريرة المذكور في الباب بلفظ " سقط ميتا " وفي لفظ للبخاري فطرحت جنينها وقيل هذا الحكم مختص بولد الحرة لأن القصة وردت في ذلك وما وقع في الأحاديث بلفظ إملاص المرأة ونحوه فهو وإن كان فيه عموم لكن الراوي ذكر أنه شهد واقعة مخصوصة
وقد ذهب الشافعية والهادوية وغيرهم إلى أن في جنين الأمة كما أن الواجب في جنين الحرة عشر ديتها

باب من قتل في المعترك من يظنه كافرا فبان مسلما من أهل دار الإسلام

1 - عن محمود بن لبيد قال " اختلفت سيوف المسلمين على اليمان أبي حذيفة يوم أحد ولا يعرفونه فقتلوه فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يديهفتصدق أبو حذيفة بديته على المسلمين "
- رواه أحمد

2 - وعن عروة بن الزبير قال " كان أبو حذيفة اليمان شيخا كبيرا فرفع في الآطام مع النساء يوم أحد فخرج يتعرض للشهادة فجاء من ناحية المشركين فأبتدره المسلمون فتوشقوه بأسيافهم وحذيفة يقول أبي أبي فلا يسمعونه من شغل الحرب حتى قتلوه فقال حذيفة غفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فقضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بديته "
- رواه الشافعي

- حديث محمود بن لبيد في إسناده محمد بن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح . وأصل الحديثين في صحيح البخاري وغيره عن عروة عن عائشة قالت لما كان أحد هزم المشركون فصاح ابليس أي عباد الله أخراكم فرجعت أولادهم فاجتلدت هي وأخراهم فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال أي عباد الله أبي أبي قالت فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه قال حذيفة غفر الله لكم قال عروة فما زلت في حذيفة منه بقية خير حتى لحق بالله " وقد أخرج أبو إسحاق الفزاري قي السيرة عن الأوزاعي عن الزهري قال أخطأ المسلمون بأبي حذيفة يوم أحد حتى قتلوه فقال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فبلغت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوداه من عنده
وأخرج أبو عباس السراج في تاريخه من طريق عكرمة أن والد حذيفة قتل يوم أحد قتله بعض المسلمين وهو يظن أنه من المشركين فوداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في الفتح ورجاله ثقات مع إرساله انتهى . وهذان المرسلان يقويان مرسل عروة المذكور في الباب في دفع أصل الدية وإن كان حديث عروة يدل على أنه لم يحصل منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا مجرد القضاء بالدية ومرسل الزهري وعكرمة يدلان على أنه صلى الله عليه وآله وسلم وداه من عنده . وحديث محمود بن لبيد المذكور يدل على أن حذيفة تصدق بدية أبيه على المسلمين ولا تعارض بينه وبين تلك المرسلات لأن غاية ما فيها أنه وقع القضاء منه صلى الله عليه وآله وسلم بالدية أو وقع منه الدفع لها من بيت المال وليس فيها أن حذيفة قبضها وصيرها من جملة ماله حتى ينافي ذلك تصدقه بها عليهم . ويمكن الجمع أيضا بين تلك المرسلات بأنه وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم القضاء بالدية ثم الدفع لها من بيت المال ثم تعقب ذلك التصدق بها من حذيفة ( وقد استدل ) المصنف رحمه الله تعالى بما ذكره على الحكم فيمن قتله قاتل في المعركة وهو يظن أنه كافرا ثم انكشف مسلما مقد ترجم البخاري على حديث عائشة الذي ذكرناه فقال فقال باب إذا مات من الزحام وترجم عليه في باب آخر فقال باب العفو في الخطأ بعد الموت
قال ابن بطال اختلف على عمر وعلي عليه السلام هل تجب الدية في بيت المال أولا وبه قال إسحاق أي بالوجوب وتوجيهه أنه مسلم مات بفعل قوم من المسلمين فوجبت ديته في بيت مال المسلمين
وروى مسدد في مسنده من طريق يزيد بن مذكور أن رجلا زحم يوم الجمعة فمات فوداه على رضي الله تعالى عنه من بيت مال المسلمين
وقال الحسن البصري إن ديته تجب على جميع من حضروه إلى ذلك ذهبت الهادوية
وقال الشافعي ومن وافقه أنه يقال لولي المقتول أدع عليمن شئت وأحلف فإن حلفت استحقفت الدية وإن نكلت حلف المدعى عليه على النفي وسقطت المطالبة وتوجيهه أن الدم لا يجب إلا بالطلب ومنها قول مالك دمه هدر وتوجيهه إن لم يعلم قاتله بعينه أستحال أن يؤخذ به أحد
قوله : " الآطام " جمع أطم وهو بناء مرتفع كالحصن
قوله : " توشقوه " بالشين المعجمة وبعدها قاف أي قطعوه بأسيافهم ومنه الوشيقة وهي اللحم يغلى ثم يقدد

باب ما جاء في مسألة الزبية والقتل بالسبب

1 - عن حنش بن المعتر عن علي رضوان الله عليه قال " بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية للأسد فبينما هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل فتعلق بآخر ثم تعلق الرجل بآخر حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم الأسد فانتدب له رجل بحربة فقتله وماتوا من جراحتهم كلهم فقام أولياء الأول إلى أولياء الآخر فأخرجوا السلاح ليقتتلوا فأتاهم علي رضوان الله عليه على تفئة ذلك فقال تريدون أن تقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حي إني أقضي بينكم قضاء إن رضيتم به فهو القضاء وإلا حجر بعضكم على بعض حتى تأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيكون هو الذي يقضي بينكم فمن عدا بعد ذلك فلا حق له اجمعوا من قبائل الذين حضروا البئر ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية والدية كاملة فللأول ربع الدية لأنه هلك من فوقه ثلاثة وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وللرابع الدية فأبوا أن يرضوا فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو عند مقام إبراهيم فقصوا عليه القصة فأجازه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد ورواه بلفظ آخر نحو هذا وفيه " وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا

2 - وعن علي بنرياح اللخمي " أن أعمى كان ينشد في الموسم في خلافة عمر بن الخطاب وهو يقول
يا أيها الناس لقيت منكرا هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا
خرا معا كلاهما تكسرا
وذلك أن أعمى كان يقوده بصير فوقعا في بئر فوقع الأعمى على البصير فمات البصير فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى "
- رواه الدارقطني
وفي الحديث " أن رجلا أتى أهل أبيات فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات فأغرمهم عمر الدية " حكاه أحمد في رواية ابن المنصور وقال أقول به

- حديث حنش بن المعتمر أخرجه أيضا البيهقي والبزار قال ولانعلمه يروي إلا عن علي ولا نعلم له إل هذه الطريقة وحنش ضعيف وقد وثقه أبو داود قال في مجمع الزوائد وبقية رجاله رجال الصحيح . وأثر علي بن رياح أخرجه أيضا البيهقي وهو من رواية موسى بن علي بن رياح عن أبيه قال الحافظ وفيه انقطاع ولفظه " فقضي عمر بعقل البصير على الأعمى فذكر أن الأعمى كان ينشد ثم ذكر الأبيات "
قوله : " زبية للأسد " بضم الزاي وسكون الموحدة بعدها تحتية وهي حفرة الأسد وتطلق أيضا على الرابية بالراء قال في القاموس الزبية بالضم الرابية لا يعلوها ماء ثم قال وحفرة للأسد انتهى . والمقصود هنا الحفرة التي يحفرها الناس ليقع فيها الأسد فيقتلونه ومن أطلاق الزبية على المحل المرتفع قول عثمان بن عفان يخاطب علي بن أبي طالي رضي الله عنه أيام حصره في الدار قد بلغ السيل الزبى ونالني ما حسبي به وكفى
قوله : " على تفئة ذلك " يالتاء الفوقية المفتوحة وكسر الفاء ثم همزة مفتوحة
قال في القاموس تفئة الشيء حينه وزمانه ( وقد استدل ) بهذا القضاء الذي قضى به أمير المؤمنين وقرره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن دية المتجاذبين في البئر تكون على الصفة المذكورة فيؤخذ من قوم الجماعة الذين ازدحموا على البئر وتدافعوا ذلك المقدار ثم يقسم على تلك الصفة فيعطى الأول من المتردين ربع الدية ويهدر من دمه ثلاثة أرباع لأنه هلك بفعل المزدمين وبفعل نفسه وهو جذبه لمن بجنبه فكأن موته وقع بمجموع الإزدحام ووقوع الثلاثة الأنفار عليه ونزل الإزدحام منزلة سبب واحد من الأسباب التي كان بها موته ووقوع الثلاثة عليه منزلة ثلاثة أسباب فهدر من ديته ثلاثة أرباع واستحق الثاني ثلث الدية لأنه هلك بمجموع الجذب المتسبب عن الإزدحام ووقوع الاثنين عليه ونزل الإزدحام منزلة سبب واحد ووقوع الاثنين عليه منزلة سببين فهدر من دمه الثلثان لأن وقوع الاثنين عليه كان بسببه واستحق الثالث نصف الدية لأنه هلك بمجموع الجذب ممن تحته المتسبب عن الإزدحام وبوقوع من فوقه عليه وهو واحد وسقط نصف ديته ولزم نصفها والرابع كان هلاكه بمجرد الجذب له فقط فكان مستحقا للدية كاملة ولم يجعل للجناية التي وقعت من الأسد عليهم حكم جناية من تضمن جنايته حتى ينظر في مقدار ما شاركها من الوقوع الذي كان هلاك الواقعين بمجموعها والمعروف في كتب الفقه أنه إذا تجاذب جماعة في بئر بأنه سقط الأول ثم جذب من بجنبه فوقع عليه ثم كذلك حتى صار الواقعون في البئر مثلا أربعة فإنه يهدر من الأول سقوط الثاني عليه لأنه بسببه وهو ربع الدية ويضمن الحافر ربع ديته والثالث والرابع نصفها ويهدر من الثاني سقوط الثالث عليه وحصته ثلث ديته ويضمن الأول ثلث ديته والثالث ثلثها ويهدر من الثالث وقوع الرابع عليه وحصته نصف الدية ويضمن الباقي نصفها ويضمن الثالث جميع دية الرابع هذا إذا هلكوا بمجموع الوقوع في البئر وصدم بعضهم لبعض وأما إذا لم يتصادموا بل تجاذبوا ووقع كل واحد منهم بجانب من البئر غير جانب صاحبه فإنها تكون دية الأول على الحافر ودية الثاني على الأول ودية الثالث على الثاني ودية الرابع على الثالث
وأما إذا تصادموا في البئر ولم يتجاذبوا فربع دية الأول على الحافر وعلى الثلاثة ثلاثة أرباع ونصف دية الثاني على الثالث والنصف الآخر على الرابع ودية الثالث على الرابع وبهدر الرابع وهذا إذا كان الموت وقع بمجرد المصادمة من دمن أن يكون للهوى تأثير وإلا كان على الحافر من الضمان بقدر ذلك ويكون الضمان في صورة التصادم والتجاذب على عاقلة الحافر
وفي أموال المتجاذبين المتصادمين وفي صورة التجاذب فقط كذلك
وأما في صورة التصادم فقط فعلى عواقلهم فقط وأما إذ لم يكن تجاذب ولا تصادم فالديات كلها على عاقلة الحافر ( والحاصل ) أن من كان جانيا على غيره خطأ فما لزم بالجناية على عاقلته ومن كان جانيا عمدا فمن ماله وتحمل قصة الأعمى المذكورة في الباب على أنه لم يقع على البصير بجذبه له وإلا كان هدرا
قوله : " فاستسقاهم فلم يسقوه " الخ فيه دليل على أن من منع من غيره ما يحتاج إليه من طعام أو شراب مع قدرته على ذلك فمات ضمنه لأنه متسبب بذلك لموته وسد الرمق واجب وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا مات الشخص بسبب ومباشر يكون الضمان على المباشر فقط
قال في البحر مسألة ومن سقط في بئر فجر آخر فماتا بالتصادم والهوى ضمن الحافر نصف دية الأول فقط وهدر نصف إذ مات بسببين منه ومن الحافر
وقيل لا شيء على الحافر إذ هو فاعل سبب والجذب مباشرة وأما المجذوب فعلى الجاذب قولا واحدا إذ هو المباشر انتهى

باب أجناس مال الدية وأسنان إبلها

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقه وعشرة بني لبون "
- رواه الخمسة إلا الترمذي

2 - وعن الحجاج بن أرطأة عن زيد بن جبيرعن خشف بن مالك الطائي عن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن مخاض ذكرا "
- رواه الخمسة وقال ابن ماجة في اسناده عن الحجاج حدثنا زيد بن جبير قال أبو حاتم الرازي الحجاج يدلس عن الضعفاء فإذا قال حدثنا فلان فلا يرتاب به

- الحديث الأول سكت عنه أبو داود وقال المنذري في اسناده عمر وبن شعيب وقد تقدم الكلام عليه ومن دون عمرو بن شعيب ثقات إلا محمد بن راشد المكحولي وقد وثقه أحمد وابن معين والنسائي وضعفه ابن حبان وأبو زرعة
قال الخطابي هذا الحديث لا أعرف أحدا قال به من الفقهاء . والحديث الثاني أخرجه أيضا اليزار والبيهقي والدارقطني وقال عشرون بنو لبون مكان قوله عشرون ابن مخاض . رواه كذلك من طريق أبي عبيدة عن أبيه بن مسعود موقوفا وقال هذا اسناد حسن . وضعف الأول من أوجه عديدة وتعقبه البيهقي بأن الدارقطني وهم فيه والجواد قد يعثر
قال رأيته في جامع سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن عبد الله وعن ابن إسحاق عن علقمة عن عبد الله وعن عبد الرحمن بن مهدي عن يزيد بن هرون عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أبي عبيدة عن عبد الله وعند الجميع بنو مخاض
قال الحافظ وقدره يعني البيهقي على نفسه بنفسه فقال وقد رأيته في كتاب ابن خزيمة وهو إمام من رواية وكيع عن سفيان فقال بنو لبون كما قال الدارقطني فانتفى أن يكون الدارقطني عثر وقد تكلم الترمذي على حديث ابن مسعود المذكور فقال لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وقد روي عن عبد الله موقوفا وقال أبو بكر وهذا الحديث لا نعلمه روى عن عبد الله مرفوعا إلا بهذا الإسناد . وذكر الخطابي أن خشف بن مالك مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث وعدل الشافعي عن القول به لهذه العلة ولأن فيه بني مخاض ولا مدخل لبني المخاض في شيء من أسنان الصدقات
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة القسامة أنه ودى قتيل خيبر بمائة من الإبل الصدقة وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض وقال الدارقطني هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث وبسط الكلام في ذلك
وقال لا نعلمه رواه إلا خفش بن مالك عن ابن مسعود وهو رجل مجهول لم يرو عنه إلا زيد بن جبير ثم قال لا نعلم أحدا رواه عن زيد بن حبير الاحجاج بن أرطأة وهو رجل مشهور بالتدليس وبأنه يحدث عمن لم يلقه ولم يسمع منه ثم ذكر أنه قد اختلف فيه على الحجاج بن أرطأة وقال البيهقي خشف بن مالك مجهول وقال الموصلي خشف بن مالك ليس بذلك وذكر له هذا الحديث
قال المنذري بعد أن ذكر الخلاف فيه على الحجاج والحجاج غير محتج به وكذا قال البيهقي والصحيح أنه موقوف على عبد الله كما سلف ( وقد اختلف العلماء ) في دية الخطأ من الإبل بعد الأتفاق على أنها مائة فذهب الحسن البصري والشعبي والهادي والمؤيد بالله وأبو طالب إلى أنها تكون أرباعا ربعا جذاعا وربعا حقافا وربعا بنات لبون وربعا بنات مخاض وقد قدمنا تفسير هذه الأسنان في كتاب الزكاة . واستدلوا بحديث ذكره الأمير الحسين في الشفاء عن السائب ابن يزيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال دية الانسان خمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض
وقد أخرجه أبو داود موقوفا على علي رضي الله عنه من طريق عاصم بن ضمرة قال في الخطأ أرباعا فذكره وأخرجه أيضا أبو داود عن ابن مسعود موقوفا من طريق علقمة والأسود قالا قال عبد الله في الخطأ شبه العمد خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض ولم أجد هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتاب حديثي فلينظر فيما ذكره صاحب الشفاء . وذهب ابن مسعود والزهري وعكرمة والليث والثوري . وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار ومالك والحنفية والشافعية إلى أن الدية تكون أخمسا خمسا جذاعا وخمسا حقاقا وخمسا بنات لبون وخمسا بنات مخاض وخمسا أبناء لبون . وحكى صاحب البحر عن أبي حنيفة أن النوع الخامس يكون أبناء مخاض وهو موافق لحديث الباب عن ابن مسعود مرفوعا والأول موافق للموقوف عن ابن مسعود كما ذكرنا وذهب عثمان بن عفان وزيد بن ثابت إلى أنها تكون ثلاثين جذعة وثلاثين حقة وعشرين ابن لبون وعشرين بنت مخاض وهذا الخلاف في دية الخطأ المحض وأما في دية العمد وشبهه نقد تقدم طرف من الخلاف في ذلك سيأتي الكلام عليه قريبا إن شاء الله تعالى

3 - وعن عطاء ابن أبي رياح " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى " وفي رواية عن عطاء عن جابر قال " فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة "
- رواه أبو داود . وعن عمر وبن شعيب عن أبيه عن جده قال " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن منكان عقله في البقر على أهل البقر مائتي بقرة ومن كان عقله في الشاء ألفي شاة "
- رواه الخمسة إلا الترمذي

- حديث عطاء رواه أبو داود مسندا بذكر جابر ومرسلا وهو من رواية محمد ابن إسحاق عنه وقد عنعن وهو ضعيف إذا عنعن لما اشتهر عنه من التدليس فالمرسل فيه علتان الإرسال وكونه من طريقه والمسند أيضا فيه علتان العلة الأولى كونه في إسناده محمد بن إسحاق المذكور والعلة الثانية كونه قال فيه ذكر عطاء عن جابر ابن عبد الله ولم يسم من حدثه عن عطاء فهي رواية عن مجهول . وحديث عمرو بن شعيب في إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد تكلم فيه غير واحد ووثفه جماعة وهذا الذي ذكره المصنف ههنا بعض من الحديث وهو حديث طويل ساقه يجميعه أبو داود في سننه وقد استدل بحديثي الباب من قال أن الدية من الإبل مائة ومن البقر مائتان ومن الشاة ألفان ومن الحلل مائتان كل حلة ازار ورداء وقميص وسراويل وفيهما رد على من قال إن الأصل في الدية وبقية الأصناف مصالحة لا تقدير شرعي وقد قدمنا تفصيل الخلاف في ذلك في أول أبواب الديات ويدل على أن الدية من الذهب ألف دينار ماتقدم في حديث عمرو بن حزم بلفظ " على أهل الذهب ألف دينار " ويدل على أنها من الفضة اثنا عشر ألف درهم ما سيأتي قريبا وهو ما أخرجه أبو داود عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا من بني عدي قتل فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ديته إثني عشر ألفا قال أبو داود رواه ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يذكر عن ابن عباس
وأخرجه الترمذي مرفوعا ومرسلا وأرسله النسائي ورواه ابن ماجه مرفوعا قال الترمذي ولا نعلم أحدا يذكر في هذا الحديث عن ابن عباس غير محمد ابن مسلم انتهى . ومحمد بن مسلم هذا هو الطائفي
وقد أخرج له البخاري في المتابعات ومسلم في الاستشهاد ووثقه يحيى بن معين
وقال مرة إذا حدث من حفظه يخطئ وإذا حدث من كتابه فليس به بأس وضعفه الإمام أحمد وقد أخرجه النسائي عن محمد بن ميمون عن ابن عيينة وقال فيه سمعنا مرة يقول عن ابن عباس وأخرجه الدارقطني في سننه عن أبي محمد بن صاعد وقال فيه عن ابن عباس
وقال فيه عن ابن عباس
وقال الدارقطني قال ابن ميمون وإنما قال لنا فيه عن ابن عباس مرة واحدة وأكثر ذلك كان يقول عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكره البيهقي من حديث الطائفي موصولا وقال رواه أيضا سفيان عن عمر بن دينار موصولا ومحمد بن ميمون المذكور هو أبو عبد الله المكي الخياط روى عن ابن عيينة وغيره قال النسائي صالح
وقال أبو حاتم الرازي كان أميا مغفلا ذكر لي منه أنه روي عن أبي سعيد مولى بني هاشم عن شعبة حديثا باطلا وما يبعد أن يكون وضع للشيخ فإنه كان أميا
وقال في الخلاصة وثقه ابن حبان ويعارض هذا الحديث ما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب على النصف من دية المسلمين قال فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال إلا أن الإبل قد غلت قال ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا وعلى البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاة ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية . ولا يخفى أن حديث ابن عباس فيه إثبات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرضها اثني عشر ألفا وهو مثبت فيقدم على النافي كما تقرر في الأصول وكثرة طرقه تشهد لصحته والرفع زيادة إذا وقعت من طريق ثقة تعين الأخذ بها

5 - وعن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم " خطب يوم فتح مكة فقال الأوان قتيل خطأ العمد بالسوط العصا والحجر دية مغلظة مائة من الإبل منها أربعون من ثنية إلى بازل عامها كلهن خلفة "
- رواه الخمسة إلا الترمذي

6 - وعن عكرمة عن ابن عباس " أن رجل قتل فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ديته إثنى عشر ألفا "
- رواه الخمسة إلا أحمد وروي ذلك عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وهو أصح وأشهر

- الحديث الأول أخرجه أيضا البخاري في تاريخه الكبير وساق اختلاف الرواة فيه وأخرجه أيضا الدارقطني وساق أيضا الاختلاف ويشهد له ما أخرجه أبو داود عقبه من حديث ابن عمر بنحوه وقد قدمنا ما يشهد لذلك أيضا في باب ما جاء في شبه العمد . والحديث الثاني قد تقدم الكلام عليه وعلى فقهه في شرح الحديث الذي قبل حديث عقبة بن أوس المذكور وتقدم أيضا الخلاف في شبه العمد وأن القتل ينقسم إلى عمد وشبه عمد وخطأ في باب ما جاء في شبه العمد مستوفى
قوله : " خلفة " بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام بعدها فاء وهي الحامل وتجمع على خلفات وخلائف
وقد ذهب الشافعي إلى تغليظ الدية أيضا على من قتل في الحرم أو قتل محرما أو في الأشهر الحرم قال لأن الصحابة رضي الله عنهم غلظوا في هذه الأحوال وإن أختلفوا في كيفية التغليظ ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة فكان إجماعا ومن جملة من ذهب إلى التغليظ من السلف على ما حكاه في البحر عمر وعثمان وابن عباس والزهري وقتادة وداود وابن المسيب وعطاء وجابر بن زيد ومجاهد وسليمان بن يسار والنخعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وغيرهم
وقد أخرج البيهقي من طريق مجاهد عن عمر أنه قضى فيمن قتل في الحرم أو في الشهر الحرام أو وهو محرم بالدية وثلث الدية وهو منقطع وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف
قال البيهقي وروي عن عكرمة عن عمر بن الخطاب ما يدل على التغليظ في الشهر الحرام
وقال ابن المنذر روينا عن عمر بن الخطاب أنه قال من قتل في الحرم أو قتل محرما أو قتل في الشهر الحرام فعليه الدية وثلث الدية وروى الشافعي والبيهقي عن عمر أيضا من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه أن رجلا أوطأ امرأة بمكة فقتلها فقضي فيها بثمانية آلاف درهم دية وثلث
وروى البيهقي وابن حزم وعن ابن عباس من طريق نافع بن جبير عنه قال يزاد في دية المقتول في الأشهر الحرم أربعة آلاف وفي دية المقتول في الحرم أربعة آلاف
وروى ابن حزم عنه " أن رجلا قتل في البلد الحرام في الشهر الحرام فقال ابن عباس جديته اثنا عشر ألفا وللشهر الحرام والبلد الحرام أربعة آلاف " وذهبت العترة وأبو حنيفة إلى عدم التغليظ في جميع ما سلف إلا في شبه العمد فإن أبا حنيفة يغلظ فيه

باب العاقلة وما تحملة

1 - صح عنه عليه السلام " أنه قضى بدية المرأة المقتولة ودية جنينها على عصبة القاتلة " وروى جابر قال " كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل بطن عقولة ثم كتب أنه لا يحل أن يتوالي مولي رجل مسلم بغير إذنه "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي

2 - وعن عبادة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في الجنين المقتول بغرة عبد أو أمة قال فورثها بعلها وبنوها قال وكان من امرأتيه كلتيهما ولد فقال أبو القاتلة المقضى عليه يا رسول الله كيف أغرم من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل فمثل ذلك بطل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا من الكهان "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند

3 - وعن جابر " أن امرأتين من هذيل قتلت احداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دية المقتولة على عافلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها قال فقال عاقلة المقتولة ميراثها لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ميراثها لزوجها وولدها "
- رواه أبو داود وهو حجة في أن ابن المرأة ليس من عاقلتها

- الحديث الأول الذي أشار إليه المصنف بقوله صح عنه أنه قضى الخ قد تقدم قي باب دية الجنين . وحديث عبادة قد تقدم ما يشهد له في باب دية الجنين أيضا . وحديث جابر أخرجه أيضا ابن ماجه وصححه النووي في الروضة وفي اسناده مجالد وهو ضعيف لا يحتج بما انفرد به ففي تصحيحه ما فيه
وقد تكلم جماعة من الأئمة في مجالد بن سعيد وقد اختلفت الاحاديث ففي بعضها ما يدل على أن لكل واحدة من المرأتين المقتتلتين زوجا غير زوج الأخرى كما في حديث جابر المذكور في الباب وكما في حديث أبي هريرة عند الشيخين بلفظ " إن امرأتين من هذيل اقتتلتا لكل واحدة منهما زوج فبرأ الزوج والولد ثم ماتت القاتلة فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ميراثها لبنيها والعقل على العصبة
وفي بعض الاحاديث ما يدل على أن المرأتين المقتتلتين زوجهما واحد كما في حديث الباب وكما أخرجه الطبراني من طريق أبي المليح بن أسامة بن عمر الهذلى عن أبيه قال كان فينا رجل يقال له حمل بن مالك له امرأتان احداهما هذلية والأخرى عامرية فضربت الهذلية بطن العامرية وأخرجه الحرث من طريق أبي المليح فأرسله لم يقل عن أبيه ولفظه " أن حمل بن النابغة كان له امرأتان مليكة وامرأة منا يقال لها أم عفيف بنت مسروح تحت حمل بن النابغة فضربت أم عفيف مليكة وفي رواية لابن عباس عند أبي داود احداهما مليكة والأخرى أم عطيف
قوله : " باب العاقلة " بكسر القاف جمع عاقل وهو دافع الدية وسميت الدية عقلا تسمية بالمصدرلأن الإبل كانت تعقل بفناء ولي المقتول ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الدية ولو لم تكن إبلا وعاقلة الرجل قرابته من قبل الأب وهم عصبته وهم الذين كانوا يعقلون الإبل على باب ولي المقتول وتحميل العاقلة الدية ثابت بالسنة وهو إجماع أهل العلم كما حكاه في الفتح وتضمين العاقلة مخالف لظاهر قوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى } فتكون الأحاديث يتضمين العاقلة مخصصة لعموم لما في ذلك من المصلحة لأن القاتل لو أخذ بالدية لأوشك أن تأتي على جميع ماله لأن تتابع الخطا لا يؤمن ولو ترك بغير تغريم لأهدر دم المقتول . وعاقلة الرجل عشيرته فيبدأ بفخذه الأدنى فإن عجزوا ضم إليهم الأقرب فالأقرب المكلف الذكر الحر من عصبة الذكر ثم من بيت المال
وقال الناصر أنها تجب على العصبة ثم السبب ثم أهل الديوان يعني جند السلطان وقال أبو حنيفة أنها تجب على أهل الديوان ولا شيء على الورثة لأن عمر جعلها على أهل الديوان دون أهل الميراث ولم ينكر هذا في البحر ولا يخفى ما في ذلك من المخالفة للأحاديث الصحيحة
وقد حكي عن الأعصم وابن علية وأكثر الخوارج أن الدية الخطا في مال القاتل ولا تلزم العاقلة . وحكي عن غلقمة وابن أبي ليلى وابن شبرمة والبتى وأبي ثور أن الذي يلزم العاقلة هو الخطا المحض وعمد الخطأ ي مال القاتل
قوله : " على كل بطن عقولة " بضم العين المهملة والقياس في مصدر عقل أن يأتي على العقل أو العقول وإنما دخلت الهاء لإفادة المرة الواحدة
قوله : " لا يحل ان يتولى مولى رجل " الخ فيه تحريم ان يتولى موالي رجل مولى رجل آخر وليس المراد بقوله بغير إذنه أنه يجوز ذلك مع الإذن بل المراد التأكيد كقوله تعالى { لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة } قوله " قضى في الجنين المقتول بغرة " الخ قد تقدم تفسير الجنين والغرة وما يتعلق بهما في باب دية الجنين
قوله : " وبرأ زوجها وولدها " فيه دليل على أن الزوج والولد ليسا من العاقلة وإليه ذهب مالك والشافعي وذهبت العترة إلى أن الولد من جملة العاقلة وقد تقدم كلام في ذلك

4 - وعن عمران بن حصين " ان غلام لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء فاتى أهله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا نبي الله إنا أناس فقراء فلم يجعل عليه شيئا "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي . وفقهه أن ما تحمله العاقلة يقط عنهم بفقرهم ولا يرجع على القاتل

- الحديث أخرجه أيضا ابن ماجه وصحح الحافظ إسناده وهو عند أبي داود من رواية أحمد بن حنبل عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي نضرة عن عمران بن حصين وهذا إسناد صحيح ( وفي الحديث ) دليل على أن الفقير لا يضمن أرش ما جناه ولا يضمن عاقلته ايضا ذلك
قال البيهقي إن كان المراد فيه الغلام المملوك فإجماع أهل العلم على أن جناية العبد في رقبته وقد حمل الخطابي على أن الجاني كان حرا وكانت الجناية خطأ وكانت عاقلته فقراء فلم يجعل عليهم شيئا إما لفقرهم وإما لأنهم لا يعقلون الجناية الواقعة من العبد على العبد على فرض أن الجاني كان عبدا وقد يكون الجاني غلاما حرا وكانت الجناية عمدا فلم يجعل أرشها على عاقلته وكان فقيرا فلم يجعل في الحال عليه شيئا أو رآه على عاقلته فوجدهم فقراء فلم يجعل عليهم شيئا لفقرهم لا عليه لكون جنايته في حكم الخطأ هذا معنى كلا الخطابي وقد ذهب أكثر العترة إلى أن جناية الخطأ تلزم العاقلة وإن كانوا فقراء قالوا إذا شرعت لحقن دم الخاطئ الخاطئ نعم الوجوب وقال الشافعي لا تلزم الفقير وقال أبو حنيفة إذا كان له حرفة وعمل وقد ذهب الشافعي في أحد قوليه إلى ان عمد الصغير تلزم الفقير في ماله وكذلك المجنون ولا يلزم العاقلة . وذهبت العترة وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه إلى أن عمد الصبي والمجنون على عاقلتهما واستدل لهم في البحر بما روى عن علي عليه السلام أنه قال لا عمد للصبيان والمجانين قال وهو توقيف أو اجتهاد اشتهر ولم ينكر ولا بد من تأويل لفظ الغلام بما سلف لما تقدم من الإجماع وسيأتي أيضا حديث ان العاقلة لا تعقل جناية العبد

5 - وعن عمر بن الأحوص " أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يجني جان إلا على نفسه لا يجني والد على ولده ولا مولود على والده "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه

6 - وعن الخشخاش العنبري قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعي ابن لي فقالت ابنك هذا فقلت نعم قال لا يجني عليك و لا تجني عليه "
- رواه أحمد وابن ماجه

7 - وعن أبي رمثة قال " خرجت مع أبي حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأيت برأسه ردع حناء وقال لأبي هذا ابنك قال نعم قال أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه وقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تزر وازرة وزر أخرى "
- رواه أحمد وأبو داود

8 - وعن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه "
- رواه النسائي

9 - وعن رجل من بني يربوع قال " أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يكلم الناس فقام إليه الناس فقالوا يا رسول الله هؤلاء بنو فلان الذين قتلوا فلانا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تجن نفس على نفس "
- رواه أحمد والنسائي

- حديث عمرو بن الأحوص أخرجه أيضا أبو داود كما روى ذلك عنه صاحب التلخيص ورجال إسناده ثقات إلا سليمان بن عمرو بن الحوص وهو مقبول . وحديث الخشخاش أورده في التلخيص وسكت عنه وله طرق رجال أسانيدها ثقات وروى نحوه الطبراني مرسلا بإسناده رجال ثقات . وحديث أبي رمثة أخرجه أيضا النسائي والترمذي وحسنه وصححه ابن خزيمة وابن الحارود والحاكم
قال الحافظ و أخرج نحوه أحمد والنسائي من رواية ثعلبة بن زهدم . وللنسائي وابن ماجه وابن حبان من رواية طارق المحاربي . ولابن ماجه من رواية أسامة بن شريك انتهى . وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا البزار ورجاله رجال الصحيح . وحديث الرجل من بني يربوع رجال أحمد رجال الصحيح . وأحاديث الباب يشهد بعضها لبعض ويقوي بعضها بعضا والثلاثة الأحاديث الأولة تدل على أنه لا يضمن الولد من جناية أبيه شيئا ولا يضمن الوالد من جناية ابنه شيئا أما عدم ضمان الولد فهو مخصوص من ضمان العاقلة بما سلف من حديث جابر
وأما الأب فقد استدل بهذه الأحاديث على أنه لا يضمن جناية ابنه كما أن الابن لا يضمن جناية الأب وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي في الابن والأب كما تقدم وجعلا هذه الأحاديث مخصصة لعموم الأحاديث القاضية بضمان العاقلة على العموم فلا يكون الأب والابن من العاقلة التي تضمن الجناية الواقعة على جهة الخطأ وخالفتهما في ذلك العترة كما سلف ويمكن الاستدلال لهم بأن هذه الأحاديث قاضية بعدم ضمان البن لجناية الأب والأب لجناية الابن سواء كانت عمدا أو خطأ فتكون مخصصة بالأحاديث القاضية بضمان العاقلة وهذا وإن سلم فلا يتم باعتبار الابن لأنه خرج من عموم العاقلة بما تقدم من حديث جابر من أنه صلى الله عليه وآله وسلم جعل دية المقتول على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها ( والحاصل ) أنه قد تعارض ههنا عمومان لأن الأحاديث القاضية بضمان العاقلة هي أعم من الأب وغيره من الأقارب كما سلف والأحاديث المذكورة هي أعم من جناية العمد والخطأ والقسامة ليس من تحمل عقوبة الجناية وإنما هو من باب النصرة والمعاضدة فيما بين الأقارب فلا معارصة بين هذه الأحاديث وأحاديث ضمان العاقلة وقد تقدم في باب دية الجنين من حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي القاتلة أد في الصبي غرة " وجعله المصنف دليلا على أن الأب من العاقلة كما سلف
وأما حديث ابن مسعود وحديث الرجل الذي من بني يربوع فإنهما يدلان على أنه لا يؤاخذ أحد بذنب أحد في عقوبة ولا ضمان ولكنهما مخصصان بأحاديث ضمان العاقلة المتقدمة لأنهما أعم مطلقا كما خصص بها العموم قوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى } وقد قدمنا أن ضمان العاقلة لجناية الخطأ مجمع عليه على ما حكاه صاحب الفتح وقد حمل المصنف رحمه الله هذه المعلومات على جناية العمد كما سيأتي
قوله : " وعن خشخاش " بخائين معجمتين مفتوحتين وشينين معجمتين الأولى ساكنة
قوله : " عن أبي رمثة " بكسر الراء المهملة وبعدها ميم ساكنة وثاء مثلثة وتاء تأنيث واسمه رفاعة بن يثربي بفتح التحتية بعدها مثلثة ساكنة ثم راء مكسورة ثم باء موحدة ثم ياء النسبة وفي اسمه اختلاف كثير
قوله : " ردع " بفتح الراء وسكون الدال المهملة بعدها عين مهملة وهو لطخ من زعفران أو دم أو حناء أو طيب أو غير ذلك وهو هنا من حناء كما وقع مبينا في الرواية
قوله : " بجزيرة أبيه " بجيم فراء فتحتية فراء فهاء تأنيث قال في القاموس والجزيرة والذنب والجناية

10 - وعن عمر قال العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقله العاقلة "
- رواه الدارقطني وحكى أحمد عن ابن عباس مثله
وقال الزهري مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من الدية إلا أن يشاؤا رواه عنه مالك في الموطأ . وعلى هذا وأمثاله تحمل العمومات المذمورة

- أثر عمر أخرجه أيضا البيهقي قال الحافظ وهو منقطع وفي إسناده عبد الملك ابن حسين وهو ضعيف قال البيهقي والمحفوظ أنه عن عامر الشعبي من قوله . وأثر ابن عباس أخرجه أيضا البيهقي ولفظه " لا تحمل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما جنى الملوك " وقول الزهري روى معناه البيهقي عن أبي الزناد عن الفقهاء من أهل المدينة وفي الباب عن عبادة بن الصامت عند الدارقطني والطبراني " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تجعلوا على العاقلة من دية المعترف شيئا " وفي إسناده محمد بن سعيد المصلوب وهو كذاب
وفيه أيضا الحرث بن نبهان وهو منكر الحديث
وقد تمسك بما في الباب من قال إن العاقلة لا تعقل العمد ولا العبد ولا الصلح ولا الاعتراف وقد اختلف في المجني عليه إذا كان عبدا فذهب الحكم وحماد والعترة وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه إلى أن العاقلة تحمل العبد كالحر . وذهب مالك والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور إلى أنها لا تحمله وقد أجيب عن قول عمر مع كونه مما لا يحتج به لكون أقوال الصحابة لا تكون حجة إلا إذا أجمعوا أن المراد أن العاقلة لا تعقل الجناية الواقعة من العبد على غيره كما يدل على ذلك قول ابن عباس الذي ذكرناه بلفظ " ولا ما جنى المملوك " ( والحاصل ) أنه لم يكن في الباب ما ينبغي إثبات الأحكام الشرعية بمثله فالمتوجه الرجوع إلى الأحاديث القاضية بضمان العاقلة مطلقا لجناية الخطأ ولا يخرج عن ذلك إلا ما كان عمدا وظاهره عدم الفرق بين كون الجناية الواقعة على جهة العمد من الرجل على غيره أو على نفسه وإليه ذهبت العترة والحنفية والشافعية وذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق إلى أن جناية العمد على نفس الجاني مضمونة على عاقلتة واعلم أنه قد وقع الإجماع على أن دية الخطأ مؤجلة على العاقلة ولكن اختلفوا فيمقدار الأجل فذهب الأكثر إلى أن الأجل ثلاث سنين
وقال ربيعة إلى خمس وحكى في البحر عن بعض الناس بعد حكايته للإجماع السابق إنها تكون حالة إذلم يرو عنه صلى الله عليه وآله وسلم تأجيلها
قال عمر وابن عباس ولم ينكر انتهى
قال الشافعي في المختصر لا أعلم مخالفا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين قال الرافعي تكلم أصحابنا في ورود الخبر بذلك فمنهم من قال ورد ونسبه إلى رواية علي عليه السلام ومنهم من قال ورد أنه صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالدية على العاقلة وأما التأجيل فلم يرد به الخبر وأخذ ذلك من إجماع الصحابة
وقال ابن المنذر ما ذكره الشافعي لا نعرفه أصلا من كتاب ولا سنة وقد سئل عن ذلك أحمد بن حنبل فقال لا نعرف فيه شيئا فقيل أن أبا عبد الله يعني الشافعي رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لعله سمعه من ذلك المدني فإنه كان حسن الظن به يعني إبراهيم بن أبي يحيى وتعقبه ابن الرفعة بأن من عرف حجة علي من لم يعرف
وروى البيهقي من طريق ابن لهيعة عن يحيى ابن سعيد عن سعيد بن المسيب قال من السنة أن تنجم الدية في ثلاث سنين وقد وافق الشافعي على نقل الإجماع الترمذي في جامعه وابن المنذر فحكى كل واحد منهما الإجماع
وقد روى التأجيل ثلاث سنين ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي عن عمر وهو منقطع لأنه من رواية الشعبي عنه . رواه عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج عن أبي وائل قال أن عمر بن الخطاب جعل الدية الكاملة في ثلاث سنين وجعل نصف الدية في سنتين وما دون النصف في سنة وروى البيهقي التأجيل المذكور عن أمير المؤمنين على رضوان الله تعالى عليه وهو منقطع وفي إسناده ابن لهيعة

كتاب الحدود

باب ما جاء في رجم الزاني المحصن وجلد البكر وتغريبها

1 - عن أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما " قالا أن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله وقال الخصم الآخر وهو أفقه منه نعم فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قل قال أن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بأمرأته وأني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله الوليدة والغنم رد وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس لرجل من أسلم الي امرأة هذا فإن أعترفت فارجمها قال فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجمت "
- رواه الجماعة
قال مالك العسيف الأجير ويحتج به من يثبت الزنا بالإقرار مرة يقتصر على الرجم

2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وإقامة الحد عليه "

3 - وعن الشعبي " أن عليا رضي الله عنه حين رجم المرأة ضربها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواهما أحمد والبخاري

4 - وعن عبادة بن الصامت قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة والهثيب بالثيب جلد مائة والرجم "
- رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي

5 - وعن جابر بن عبد الله " أن رجلا زنى بامرأة فأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجلد الحد ثم أخبر أنه محصن فأمر به فرجم "
- رواه أبو داود

6 - وعن جابر بن سمرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجم ماعز بن مالك ولم يذكر جلدا "
- رواه أحمد

- حديث جابر بن عبد الله سكت عنه أبو داود والمنذري وقد قدمنا في أول الكتاب أن ما سكتنا عنه فهو صالح للاحتجاج به وقد أخرجه أبو داود عنه من طريقين ورجال اسناده رجال الصحيح
وأخرجه أيضا النسائي . وحديث جابر ابن سمرة أخرجه أيضا البيهقي وأورده الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه وقد أخرجه أيضا البزار قال في الزوائد في اسناده صفوان بن المغلس لم أعرفه وبقية اسناده ثقات . وحديثه أصله في الصحيح وسيأتي " كتاب الحدود " الحد لغة المنع ومنه سمى البواب حدادا وسميت عقوبات المعاصي حدودا لأنها تمنع العاصي من العود إلى تلك المعصية التي حد لأجلها في الغالب . وأصل الحد الشيء الحاجز بين الشيئين ويقال على ما ميزا الشيء عن غيره ومنه حدود الدار والأرض ويطلق الحد أيضا على نفس المعصية ومنه ( وتلك حدود الله فلا تقربوها )
وفي الشرع عقوبة مقدرة لأجل حق الله فيخرج التعزيز لعدم تعديره والقصاص لأنه حق لآدمي
قوله : " أنشدك الله " بفتح الهمزة وسكون النون وضم المعجمة أي أذكرك الله
قوله : " إلا قضيت لي بكتاب الله أي لا أسألك إلا القضاء بكتاب الله فالفعل مؤول بالمصدر للضرورة أو بتقدير حرف المصدر فيكون الاستثناء مفرغا . والمراد بكتاب الله ما حكم الله على عباده سواء كان من القرآن أو على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقيل المراد به القرآن فقط
قوله : " وهو أفقه منه " لعل الراوي عرف ذلك قبل الواقعة أو استدل بما وقع منه في هذه القضية على أنه أفقه من صاحبه
قوله : " قال إن ابني هذا " الخ القائل هو الآخر الذي وصفه الراوي بأنه أفقه كما يشعر بذلك السياق
وقال الكرماني أن القائل هو الأول ويدل على ذلك ما وقع في كتاب الصلح من صحيح البخاري بلفظ " فقال الأعرابي إن ابني " بعد قوله في الحديث " جاء اعرابي " قال الحافظ والمحفوظ ما في سائر الطرق
قوله : " عسيفا على هذا " بفتح العين المهملة وكسر السين المهملة أيضا وتحتية وفاء كالأجير وزنا ومعني وقد وقع تفسير ذلك في صحيح البخاري مدرجا كما أشار إليه المصنف ووقع في رواية للنسائي بلفظ " كان ابني اجيرا لامرأته " ويطلق العسيف على السائل والعبد والخادم . العسف في اصل اللغة الجور وسمي الأجير بذلك لأن المستأجر يعسفه على العمل أي يجور عليه . ومعنى قوله على قوله هذا عند هذا
قوله : " وأني أخبرت " على البناء للمجهول
قوله : " جلد مائة " بالإضافة في رواية الأكثرين وقريء بتنوين جلد ونصب مائة
قال الحافظ ولم يثبت رواية
قوله : " والغنم رد " أي مردود
وقد استدل بذلك على عدم حل الأموال المأخوذة في الصلح مع عدم طيبة النفس
قوله : " وعلى ابنك جلد مائة " حكمه صلى الله عليه وآله وسلم بالجلد دون سؤال عن الإحصان يشعر بأنه عالم بذلك من قبل
ووقع في رواية بلفظ " وابني لم يحصن " قوله " يا أنيس " بضم الهمزة بعدها نون ثم تحتية ثم سين مهملة مصغرا
قال ابن عبد البر هو ابن الضحاك الأسلمي وقيل ابن مرشد
وقال ابن السكن في كتاب الصحابة لم أدر من هو ولا ذكر إلا في هذا الحديث غلط بعضهم فقال أنه أنس بن مالك وليس الأمر كذلك فإن أنس بن مالك أنصاري وهذا أسلمى كما وقع التصريح بذلك في حديث الباب
قوله : " فإن اعترفت فارجمها " فيه دليل لمن قال إنه يكفي الإقرار مرة وسيأتي الخلاف في ذلك وبيان ماهو الحق وقد استشكل بعثه صلى الله عليه وآله وسلم إلى المرأة مع أمره لمن أتى الفاحشة بالستر وأجيب بأن بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليها لم يكن لأجل إثبات الحد عليها بل لأنها لما قذفت بالزنا بعث إليها لتنكر فتطالب بحد القذف أو تقر بالزنا فيسقط حد القذف
قوله : " فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجمت " في رواية الأكثرين فأعترفت فرجمها
وفي رواية مختصرة " فغدا عليها فرجمها "
وفي رواية وأما امرأة هذا فترجم والرواية المذكورة في الباب أتم من سائر الروايات لاشعارها بأن انيسا أعاد جوابها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بها فرجمها
قال الحافظ والذي يظهر أن أنيسا لما اعترفت أعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مبالغة في الاستثبات مع كونه كان علق له رجمها على اعترفها ولكنه لابد من أن يقال أن أنيسا أعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه غيره ممن يصح أن يثبت بشهادة حد الزنا لكنه اختصر ذلك في الرواية وإن كان قد استدل به البعض بأنه يجوز للحاكم أم يحكم بإقرار الزاني من غير أن يشهد عليه غيره وأنيس قد فوض إليه صلى الله عليه وآله وسلم الحكم وقد يجاب عنه بانها واقعة عين ويحتمل أن يكون أنيس قد أشهد قبل رجمها
وقد حكى القاضي عياض عن الشافعي في قوله وأبي ثور أنه يجوز للحاكم في الحدود أن بحكم بما أقربه الخصم عنده وأبى ذلك الجمهور . " قوله بنفى عام " في هذا الحديث
وفي حديث أبي هريرة المذكور قبله
وفي حديث عبادة بن الصامت المذكور بعده دليل على ثبوت التغريب ووجوبه على من كان غير محصن
وقد ادعى محمد بن نصر في كتاب الإجماع الاتفاق على نفي الزاني البكر إلا عن الكوفيين
وقال ابن المنذر أقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة العسيف أنه يقضي بكتاب الله تعالى ثم قال إ عليه جلد مائة وتغريب عام وهو المبين لكتاب الله تعالى وخطب عمر بذلك على رؤوس المنابر وعمل به الخلفاء الراشدون ولم ينكره أحد فكان إجماعا
وقد حكى القول بذلك صاحب البحر عن الخلفاء الأربعة وزيد بن علي والصادق وابن أبي ليلى والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق والإمام يحيى وأحد قولي الناصر . وحكى عن القاسمية وأبي حنيفة وحماد أنه التغريب والحبس غير واجبين واستدل لهم بقوله إذ لم يذكرا في آية الجلد وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها " الحديث وهذا الاستدلال من الغرائب فأن عدم ذكر التغريب في آية الجلد لا يدل على مطلق العدم وقد ذكر التغريب في الأحاديث الصحيحة الثابتة باتفاق أهل العلم بالحديث من طريق جماعة من الصحابة بعضها ذكره المصنف في الباب وبعضها لم يذكر وليس بين هذا الذكر وبين عدمه في الآية منافاة وما أشبه هذا الاستدلال بما استدل به الخوارج على عدم ثبوت رجم المحصن فقالوا لأنه لم يذكر في كتاب الله وأغرب من هذا استدلاله بعدم ذكر التغريب في قوله " إذا زنت أمة أحدكم " ( والحاصل ) أن أحاديث التغريب قد جاوزت حد الشهرة المعتبرة عند الحنفية فيما ورد من السنة زائدا على القرآن فليس لهم معذرة عنها بذلك وقد عملوا بما هو دونها بمراحل كحديث نقض الوضوء بالقهقهة وحديث جواز الوضوء بالنبيذ وهما زيادة على ما في القرآن وليس هذه الزيادة مما يخرج بها المزيد عليه عن أن يكون مجزئا حتى تتجه دعوى النسخ وقد أجاب صاحب البحر عن أحاديث التغريب بأنه عقوبة لاحد ويجاب عن ذلك بالقول بموجبه فإن الحدود كلها عقوبات والنزاع في ثبوته لا في مجرد التسمية وأما الاستدلال بحديث سهل بن سعد عند أبي داود أن رجلا من بكر بن ليث أقر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه زنى بامرأة وكان بكرا فجلده النبي صلى الله عليه وآله وسلم مائة وسأله البينة على المرأة إذ كذبته فلم يأت بشيء فجلده حد الفرية ثمانين جلدة قالوا ولو كان التغريب واجبا لما أخل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيجاب عنه باحتمال ان يكون ذلك قبل مشروعية التغريب غاية الأمر احتمال تقدمه وتأخره على أحاديث التغريب والمتوجه عند ذلك المصير إلى الزيادة التي لم تقع منافيه للمزيد ولا يصلح ذلك للصرف عن الوجوب إلا على فرض تأخره ولم يعلم وهكذا يقال في حديث " إذا زنت أمة أحدكم " المتقدم وبه يندفع ما قاله الطحاوي من أنه ناسخ للتغريب معللا ذلك بأنه إذا سقط عن الأمة سقط عن الحرة لأنها في معناها قال ويتأكد ذلك بأحاديث " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم " وقد تقدمت قال وإذا انتفى عن النساء انتفى عن الرجال قال وهو مبني على أن العموم إذا خص سقط الاستدلال به وهو مذهب ضعيف انتهى . وغاية الأمر أنا لو سلمنا تأخر حديث الأمة عن أحاديث التغريب كان معظم ما يستفاد منه أن التغريب في حق الأماء ليس بواجب ولا يلزم ثبوت مثل ذلك في حق غيرها أو يقال أن حديث الأمة المذكور مخصص لعموم أحاديث التغريب مطلقا على ما هو الحق من أنه يبني العام على الخاص تقدم أو تأخر أو قارن ولكن ذلك التخصيص باعتبار عدم الوجوب في الخاص لا باعتبار عدم الثبوت مطلقا فإن مجرد الترك لا يفيد مثل ذلك وظاهر أحاديث التغريب أنه ثابت في الذكر والأنثى وإليه ذهب الشافعي وقال مالك والأوزاعي لا تغريب عن المرأة لانها عورة وهو مروي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وظاهرها أيضا أنه لا فرق بين الحر والعبد وإليه ذهب الثوري وداود والطبري والشافعي في قول له والإمام يحيى ويؤيده في قوله تعالى { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب }
وقد ذهب بعضهم إلى أنه ينصف في حق الأمة والعبد قياسا على الحد وهو قياس صحيح
وفي قول للشافعي إنه لا ينصف فيهما وذهب مالك وأحمد بن حنبل وإسحاق والشافعي في قول له وهو مروي عن الحسن إلى أنه لا تغريب للرق واستدلوا بحديث " إذا زنت أمة أحدكم " المتقدم وقد تقدم الجواب عن ذلك وسيأتي الحديث أيضا في باب السيد يقيم الحد على رقيقه . وظاهر الأحاديث المذكورة في الباب أن التغريب هو نفي الزاني عن محله سنة وإليه ذهب مالك والشافعي وغيرهما ممن تقدم ذكره . والتغريب يصدق بما يطلق عليه اسم الغربة شرعا فلا بد من إخراج الزاني عن المحل الذي لا يصدق عليه اسم الغربة فيه قيل وأقله مسافة قصر . وحكي في البحر عن علي وزيد بن علي والصادق والناصر في أحد قوليه إن التغريب هو حبس سنة وأجاب عنه بأنه خالف لوضع التغريب وتعقبه صاحب ضوء النهار أن مخالفة الوضع لا تنافي التجوز وهما مشتركان في فقد الأنيس قال ومنه " بدا الدين غريبا وسيعود غريبا " وجعل قرينة المجاز حديث النهي عن سفر المرأة مع غير محرم ويجاب عن هذا التعقب بأن الواجب حمل الأحكام الشرعية على ما هي حقيقة فيه في لسان الشارع ولا يعدل عن ذلك إلى المجاز إلا المجيء ولا ملجئ هنا فأن التغريب المذكور في الأحاديث شرعا هو اخراج الزاني عن موضع اقامته بحيث يعد غريبا والمحبوس في وطنه لا يصدق عليه ذلك الاسم وهذا المعنى هو المعروف عند الصحابة الذين هم أعرف بمقاصد الشارع فقد غرب عمر من المدينة إلى الشام وغرب عثمان إلى مصر وغرب ابن عمر أمته إلى فدك
وأما النهي عن سفر المرأة فلا يصلح جعله قرينة على أن المراد بالتغريب هو الحبس . أما أولا فلأن النهي مقيد بعدم المحرم
وأما ثانيا فلانه عام مخصوص بأحاديث التغريب
وأما ثالثا فلان أمر التغريب إلى الإمام لا إلى المحدود ونهى المرأة عن السفر إذا كانت مختارة له وأما مع الإكراه من الإمام فلا نهى يتعلق بها قوله " جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله " في هذا الحديث وكذلك في حديث عبادة المذكور بعده . وحديث جابر بن عبد الله دليل على أنه يجمع للمحصن بين الجلد والرجم . أما الرجم فهو مجمع عليه وحكى في البحر عن الخوارج أنه غير واجب وكذلك حكاه عنهم أيضا ابن العربي وحكاه أيضا عن بعض المعتزلة كالنظام وأصحابه ولا مستند لهم إلا أنه لم يذكر في القرآن وهذا باطل فإنه قد ثبت بالسنة المتواترة المجمع عليها . وأيضا هو ثابت بنص القرآن لحديث عمر عند الجماعة أنه قال كان مما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورجمنا بعده ونسخ التلاوة لا يستلزم نسخ الحكم كما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس
وقد أخرج أحمد والطبراني في الكبيرمن حديث أبي أمامة بن سهل عن خالته العجماء أن فيما أنزل الله من القرآن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة
وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي بن كعب بلفظ " كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة وكان فيها آية الرجم الشيخ والشيخة " الحديث
وأما الجلد فقد ذهب إلى إيجابه على المحصن مع الرجم جماعة من العلماء منهم العترة وأحمد وإسحاق وداود الظاهري وابن المنذر تمسكا بما سلف وذهب مالك والحنفية والشافعية وجمهور العلماء إلى لا أنه يجلد المحصن بل يرجم فقط وهو مروي عن أحمد بن حنبل وتمسكوا بحديث سمرة في أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يجلد ماعزا بل اقتصر على رجمه قالوا وهو متأخر عن أحاديث الجلد فيكون ناسخا لحديث عبادة بن الصامت المذكور ويجاب بمنع التأخر المدعى فلا يصلح ترك جلد ماعز للنسخ لأنه فرع التأخر ولم يثبت ما يدل على ذلك ومع عدم ثبوت تأخره لا يكون ذلك الترك مقتضيا لإبطال الجلد الذي أثبته القرآن على كل من زنى ولا ريب أنه يصدق على المحصن أنه زان فكيف إذا انضم إلى ذلك من السنة ما هو صريح في الجمع بين الجلد والرجم للمحصن كحديث عبادة المذكور ولا سيما وهو صلى الله عليه وآله وسلم في مقام البيان والتعليم لأحكام الشرع على العموم بعد أن أمر الناس في ذلك المقام بأخذ ذلك الحكم عنه فقال خذوا عني خذوا عني
فلا يصلح الاحتجاج بعد نص الكتاب والسنة بسكوته صلى الله عليه وآله وسلم في بعض المواطن أو عدم بيانه لذلك أو إهماله للأمر به وغاية ما في حديث سمرة أنه لم يتعرض لذكر جلده صلى الله عليه وآله وسلم لماعز ومجرد هذا لا ينتهض لمعارضة ما هو في رتبته فكيف بما بينه وبينه ما بين السماء والأرض وقد تقرر أن المثبت أولى من النافي ولا سيما كون المقام مما يجوز فيه أن الراوي ترك ذكر الجلد لكونه معلوما من الكتاب والسنة وكيف يليق بعالم أن يدعي نسخ الحكم الثابت كتابا وسنة بمجرد ترك الراوي لذلك الحكم في قضية عين لا عموم لها وهذا أمير المؤمنين على ابن أبي طالب رضي الله عنه يقول بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم بعدة من السنين لما جمع لتلك المرأة بين الرجم والجلد جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله فكيف يخفى على مثله الناسخ وعلي من بحضرته من الصحابة الأكابر ( وبالجملة ) أنا لو فرضنا أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بترك جلد ماعز وصح لنا ذلك لكان على فرض تقدمه منسوخا وعلي فرض التباس المتقدم بالمتأخر مرجوحا ويتعين تأويله بما يحتمله من وجوه التأويل وعلى فرض تأخره غاية ما فيه أنه يدل على أن الجلد لمن استحق الرجم غير واجب لا غير جائز ولكن أين الدليل على التأخر قال ابن المنذر عارض بعضهم الشافعي فقال الجلد ثابت على البكر بكتاب الله والرجم ثابت بسنة رسول الله كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وقد ثبت الجمع بينهما في حديث عبادة وعمل به أمير المؤمنين علي ووافقه أبي وليس في قصة ماعز ومن ذكر معه تصريح بسقوط الجلد عن المرجوم لاحتمال أن يكون ترك ذكره لوضوحه وكونه الأفضل انتهى
وقد استدل الجمهور أيضا بعدم ذكر الجلد في رجم الغامدية وغيرها قالوا وعدم ذكره يدل على عدم وقوعه وعدم وقوعه يدل على عدم وجوبه ويجاب بمنع كون عدم الذكر يدل على عدم الوقوع لم لا يقال أن عدم الذكر لقيام أدلة الكتاب والسنة القاضية بالجلد وأيضا عدم الذكر لا يعارض صرائح الأدلة القاضية بالإثبات وعدم العلم ليس علما بالعدم ومن علم حجة على من لم يعلم

باب رجم المحصن من أهل الكتاب وإن الإسلام ليس بشرط في الإحصان

1 - عن ابن عمر " أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل وامرأة منهم قد زنيا فقال ما تجدون في كتابكم فقالوا تسخم وجوههما ويخزيان قال كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فاتلوتها أن كنتم صادقين فجاؤا بالتوراة وجاؤا بقار لهم فقرأ حتى إذا انتهى إلى موضع منها وضع يده عليه فقيل له ارفع يدك فرفع يده فإذا هي تلوح فقال أو قالوا يا محمد إن فيها الرجم ولكنا كنا نتكاتمه بيننا فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجما قال فلقد رأيته يجنأ عليها يقيها الحجارة بنفسه " وفي رواية أحمد " بقار لهم أعور يقال له ابن صوريا "

2 - وعن جابر بن عبد الله قال " رجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من أسلم ورجلا من اليهود وامرأة "
- رواه أحمد ومسلم . وعن البراء بن عازب قال " مر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قال . لا ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك بحد الرجم ولكن كثرفي أشرافنا وكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم فأنزل الله عز و جل يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا إلى قوله إن أوتيتم هذا فخذوه يقولون أئتوا محمد أفإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا فأنزل الله تبارك وتعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون قال هي في الكفار كلها "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

- قوله " تسخم " بسين مهملة ثم خاء معجمة قال في القاموس السخم محركة السواد والأسخم الأسود ثم قال وقد تسخم عليه وسخم بصدره تسخيما أغضبه ووجهه سوده : قوله " ويخزيان " بالخاء والزاء المعجمتين أي يفضحان ويشهران
قال في القاموس خزي كرضي خزيا بالكسر وقع في بلية وشهرة فذل بذلك وأخزاه الله فضحه
قوله : " فإذا هي تلوح " يعني آية الرجم
قوله : " فلقد رأيته يجنأ " بفتح أوله وسكون الجيم وفتح النون بعدها همزة أي ينحني
قال في القاموس جنأ عليه كجعل وفرح جنوأ وجنأ أكب كاجنأ وجانأ وتجانأ وكفرح أشرف كاهله على صدره فهو اجنأ والمجنأ بالضم الترس لا حديد فيه انتهى
وفي هذه اللفظة روايات كثيرة هذه أصحها على ما ذكره صاحب المشارق : قوله " رجلا من أسلم " هو ماعزبن مالك الأسلمي
قوله : " وامرأة هي الجهنية " ويقال لها الغامدية : قوله " محمم " بضم الميم الأولى وفتح الحاء المهملة وتشديد الميم الثانية مفتوحة اسم مفعول أي مسود الوجه والتحميم التسويد
( وأحاديث الباب ) تدل على أن حد الزنا يقام على الكافر كما يقام على المسلم
وقد حكى صاحب البحر الإجماع على أنه يجلد الحربي
وأما الرجم فذهب الشافعي وأبو يوسف والقاسمية إلى أنه يرجم المحصن من الكفار . وذهب أبو حنيفة ومحمد وزيد بن علي والناصر والإمام يحيى إلى أنه يجلد ولا يرجم قال الإمام يحيى والذمي كالحربي في الخلاف وقال مالك لا حد عليه
وأما الحربي المستأمن فذهب العترة والشافعي وأبو يوسف إلى أنه يحد وذهب مالك وأبو حنيفة ومحمد إلى أنه لا يحد وقد بالغ ابن عبد البر فنقل الاتفاق على ان شرط الاحصان الموجب للرجم هو الاسلام وتعقب بأن الشافعي وأحمد لا يشترطان ذلك ومن جملة من قال بأن الإسلام شرط ربيعة شيخ مالك وبعض الشافعية ( وأحاديث الباب ) تدل على أنه يحد الذمي كما يحد المسلم . والحربي والمستأمن يلحقان بالذمي بجامع الكفر وقد أجاب من اشترط الإسلام عن أحاديث الباب بأنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما أمضى حكم التوراة على أهلها ولم يحكم عليهم بحكم الإسلام وقد كان ذلك عند مقدمه المدينة وكان إذ ذاك مأمورا باتباع حكم التوراة ثم نسخ ذلك الحكم بقوله تعالى { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } ولا يخفى ما في هذا الجواب من التعسف ونصب مثله في مقابلة أحاديث الباب من الغرائب وكونه صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك عند مقدمه المدينة لا ينافي ثبوت الشرعية فإن هذا الحكم شرعه الله لأهل الكتاب وقرره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا إلى ثبوت الأحكام التي توافق أحكام الإسلام إلا بمثل هذه الطريق ولم يتعقب ذلك في شرعنا ما يبطله ولا سيما وهو مأمور بأن يحكم بينهم بما أنزل الله ومنهى عن اتباع أهوائهم كما صرح بذلك القرآن وقد أتوه صلى الله عليه وآله وسلم يسألونه عن الحكم ولم يأتوه ليعرفهم شرعهم فحكم بينهم بشرعه ونبههم على أن ذلك ثابت في شرعهم كثبوته في شرعه ولا يجوز أن يقال أنه حكم بينهم بشرعهم مع مخالفته لشرعه لأن الحكم منه عليهم بما هو منسوخ عنده لا يجوز على مثله وإنما أراد بقوله فإني أحكم بينكم بالتوراة . كما وقع في رواية من حديث أبي هريرة إلزامهم الحجة
وأما الاحتجاج بقوله تعالى { واللأتي يأتين الفاحشة من نسائكم } فغاية ما فيه أن الله شرع هذا الحكم بالنسبة إلى نساء المسلمين وهو مخرج على الغالب كما في الخطابات الخاصة بالمؤمنين والمسلمين مع أن كثيرا منها يستوي فيه الكافر والمسلم بالإجماع ولو سلمنا أن الآية تدل بمفهومها على أن الكفار خارجات عن ذلك الحكم فهذا المفهوم قد عارضه منطوق حديث ابن عمر المذكور في الباب فإنه مصرح بأنه صلى الله عليه وآله وسلم رجم اليهودية مع اليهودي ومن غرائب التعصبات ما روي عن مالك أنه قال إنما رجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليهوديين لأن اليهود يومئذ لم يكن لهم ذمة فتحاكموا إليه وتعقب بأنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا أقام الحد على من لا ذمة له فلأن يقيمه على من له ذمة بالأولى كذا قال الطحاوي
وقال القرطبي معترضا على قول مالك على أن مجيء اليهود سائلين له صلى الله عليه وآله وسلم يوجب لهم عهدا كما لو دخلوا للتجارة فإنهم في أمان إلى أن يردوا إلى مأمنهم . وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لما أمر برجمها من دون استفصال عن الإحصان كان دليلا على أنه حكم بينهم بشرعهم لأنه لا يرجم في شرعهم إلا المحصن وتعقب ذلك بأنه قد ثبت في طريق عند الطبراني أن أحبار اليهود اجتمعوا في بيت المدارس وقد زنى رجل منهم بامرأة بعد إحصانها
وأخرج أبو داود عن أبي هريرة قال " زنى رجل وامرأة من اليهود وقد أحصنا " وفي إسناده رجل من مزينة لم يسم
وأخرج الحاكم من حديث ابن عباس " أتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهودي ويهودية قد أحصنا " وأخرج البيهقي من حديث عبد الله بن الحرث الزبيدي أن اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيهودي و يهودية قد زنيا وقد اخصنا وأسناده ضعيف فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم علم الإحصان بإخبارهم له لأنهم جاؤا إليه سائلين يطلبون رخصة فيبعد أن يكتبوا عنه مثل ذلك ( ومن جملة ) ما تمسك به من قال إن الإسلام شرط حديث ابن عمر مرفوعا وموقوفا " من أشرك بالله فليس بمحصن " ورجح الدارقطني وغيره الوقف
وأخرجه إسحاق ابن راهويه في مسنده على الوجهين ومنهم من أول الإحصان في هذا الحديث بإحصان القذف . ولأحاديث الباب فوائد ليس هذا موضع بسطها

باب اعتبار تكرار الإقرار بالزنا أربعا

1 - عن أبي هريرة قال " أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في المسجد فناداه فقال يا رسول الله أني زنيت فأعرض عنه حتى ردد عليه أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أبك جنون قال لا قال أحصنت قال نعم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اذهبوا به فارجموه قال ابن شهاب فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله قال كنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته الحجارة هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه "
- متفق عليه . وهو دليل على أ الإحصان يثبت بالإقرار مرة وإن الجواب بنعم إقرار

2 - وعن جابر بن سمرة قال " رأيت ماعز بن مالك حين جيء به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو رجل قصير أعضل ليس عليه رداء فشهد على نفسه أربع مرات أنه زنى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلعلك قال لا والله أنه قد زنى الأخر فرجنه "
- رواه مسلم وأبو داود . ولأحمد " أن ماعزا جاء فأقر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربع مرات فأمر برجمه "

3 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لماعز بن مالك أحق ما بلغني عنك قالو ما بلغك عني قال بلغني أنك وقعت بجارية آل فلان قال نعم فشهد أربع شهادات فأمر به فرجم "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه
وفي رواية " قال جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعترف بالزنا مرتين فطرده ثم جاء فاعترف بالزنا مرتين فقال شهدت على نفسك أربع مرات اذهبوا به فارجموه "
- رواه أبو داود

4 - وعن أبي بكر الصديق " كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم جالسا فجاء ماعز بن مالك فاعترف عنده مرة فرده ثم جاء فاعترف عنده الثانية فرده ثم جاء فاعترف عنده الثالثة فرده فقلت له إنك أن اعترفت رجمك قال فاعترف الرابعة فحبسه ثم سأل عنه فقالوا ما نعلم إلا خيرا قال فأمر برجمه "

5 - وعن بريدة قال " كنا نتحدث أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ماعز بن مالك لو جلس في رحله بعد اعترافه ثلاث مرات لم يرجمه وإنما رجمه عند الرابعة "
- رواهما أحمد

6 - وعن بريدة أيضا قال " كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما أو قال لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما وإنما رجمها بعد الرابعة "
- رواه أبو داود

- قصة ماعز قد رواها جماعة من الصحابة منهم من ذكره المصنف ومنهم جماعة لم يذكرهم وقد أتفق عليها الشيخان من حديث أبي هريرة وابن عباس وجابر من دون تسمية صاحب القصة وقد أطال أبو داود في سننه واستوفى طرقها . وحديث أبي بكر أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني وفي اسانيدهم كلهم جابر الجعفي وهو ضعيف . وحديث بريدة الآخر أخرج نحوه النسائي وفي إسناده بشير بن مهاجر الكوفي الغنوي
وقد أخرج له مسلم ووثفه يحيى بن معين
وقال الإمام أحمد منكر الحديث يجيء بالعجائب مرجيء متهم وقال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه ولكنه يشهد لهذا الحديث حديثه الأول الذي ذكره المصنف . وحديث أبي بكر الذي قبله وكذلك الرواية الأخرى من حديث ابن عباس التي عزاها المصنف إلى أبي داود لأن قوله فيها شهدت على نفسك أربع مرات اذهبوا فارجموه يشعر بأن ذلك هو العلة في ثبوت الرجم وقد سكت أبو داود والمنذري عن هذه الرواية ورجالها رجال الصحيح
قوله : " أبكى جنون " وقع في رواية من حديث بريدة فسأل أبه جنون فأخبر بأنه ليس بمجنون
وفي لفظ " فأرسل إلى قومه فقالوا ما نعلم إلا أنه في العقل من صالحينا " وفي حديث أبي سعيد ما نعلم به بأسا ويجمع بين هذه الروايات بأنه سأله أولا ثم سأل عنه احتياطا وفيه دليل على أنه يجب على الإمام الاستفصال والبحث عن حقيقة الحال ولا يعارض هذا عدم استفصال فيها لا يدل على العدم لاحتمال أن يقتصر الراوي على نقل بعض الواقع
قوله : " فهل أحصنت " بفتح الهمزة أن تزوجت وقد روى في هذه القصة زيادات في الاستفصال . منها في حديث ابن عباس عند البخاري والنسائي وأبي داود بلفظ " لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت " والمعنى أنك تجوزت بإطلاق لفظ الزنا على مقدماته
وفي رواية لهم من حديث ابن عباس أيضا " أفنكتها قال نعم " وسيأتي ذلك في باب استفسار المقر وفي رواية لمسلم وأبي داود من حديث بريدة " أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال له اشربت خمرا قال لا " وفيه " فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريحا "
قوله : " اذهبوا به فارجموه " فيه دليل على أنه لا يجب أن يكون الإمام أول من يرجم وسيأتي الكلام على ذلك في باب أن السنة بداءة الشاهد بالرجم وبداءة الإمام به
وفيه أيضا دليل على أنه لا يحب الحفر للمرجوم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمرهم بذلك وسيأتي بيان ذلك في باب ما جاء في الحفر للمرجوم
قوله : " فلما أذلقته الحجارة " بالذال المعجمة والقاف أي بلغت منه الجهد
قوله : " أعضل " بالعين المهملة والضاد المعجمة أي ضخم عضلة الساق
قوله : " أنه قد زنى الأخر " هو مقصور بوزن الكبد أي الأبعد
قوله : " فاقر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربع مرات " قد تطابقت الروايات التي ذكرها المصنف في هذا الباب على أن ماعزا أقر أربع مرات . ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم بلفظ " فاعترف ثلاث مرات " ووقع عند مسلم من طريق شعبة عن سماك قال فرده مرتين وفي أخرى مرتين أو ثلاثا قال شعبة فذكرته لسعيد بن جبير فقال أنه رده أربع مرات وقد جمع بين الروايات بجعل رواية المرتين على أنه اعترف مرتين في يوم ومرتين في يوم آخر ويدل على ذلك ما أخرجه أبو داود عن ابن عباس قال جاء ماعز إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعترف بالزنا مرتين فطرده ثم جاء فاعترف بالزنا مرتين كما في الرواية المذكورة في الباب فلعله اقتصر الراوي على ما وقع منه في أحد اليومين وأما رواية الثلاث فلعله أقتصر الراوي فيها على المرات التي رده فيها فإنه لم يرده في الرابعة بل استثبت وسأله عن عقله ثم أمر برجمه
قوله : " لو رجعا بعد اعترافهما " أي رجعا على رحالهما ويحتمل انه أراد الرجوع عن الإقرار ولكن الظاهر الأول لقوله أو قال لو لم يرجعا فإن المراد به لم يرجعا إليه صلى الله عليه وآله وسلم فيكون معنى الحديث لو رجعا إلى رحالهما ولم يرجعا إليه صلى الله عليه وآله وسلم بعد كمال الإقرار لم يرجمهما وقد استدل بأحاديث الباب القائلون بأنه يشرط في الإقرار بالزنا أن يكون أربع مرات فإن نقص عنها لم يثبت الحد وهم العترة وأبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى وأحمد وابن حنبل واسحاق و الحسن بن صالح هكذا في البحر وفيه أيضا عن أبي بكر وعمر والحسن البصري ومالك وحماد وأبي ثور والبتى والشافعي أنه يكفي وقوع الإقرار مرة واحدة وروى ذلك عن داود وأجابوا عن أحاديث الباب بما سلف من الاضطراب ويرد عليهم بما تقدم واستدلوا بحديث العسيف المتقدم فأن فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لانيس " واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها "
وبما أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت أنه صلى الله عليه وآله وسلم رجم امراة من جهينة ولم تقر إلا مرة واحدة وسيأتي الحديث في باب تأخير الرجم عن الحبلى . وكذلك حديث بريدة الذي سيأتي هنالك فإن فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم رجمها قبل أن تقر أربعا ولما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث خالد بن اللجلاج عن أبيه أنه كان قاعدا يعمل في السوق فمرت امرأة تحمل صبيا فثار الناس معها وثرت فيمن ثار فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول من أبو هذا معك فسكتت فقال شاب خذوها أنا أبوه يا رسول الله فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعض من حوله يسألهم عنه فقالوا ما علمنا إلا خيرا فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحصنت قال نعم فأمر به فرجم " وعن جابر بن عبد الله عند أبي داود " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر عنده رجل أنه زنى بامرأة فأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجلد الحد ثم أخبر أنه محصن فأمر به فرجم " وقد تقدم . ومن ذلك حديث الذي أقر بأنه زنى بامرأة وأنكرت وسيأتي في باب من أقر انه زنى بامرأة فجحدت . ومن ذلك حديث الرجل الذي أدعت المرأة أنه وقع عليها فأمر برجمه ثم قام آخر فاعترف أنه الفاعل ففي رواية أنه رجمه وفي رواية أنه عفا عنه وهو في سنن النسائي والترمذي . ومن ذلك حديث اليهوديين فإنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كرر عليهما الإقرار قالوا ولو كان تربيع الإقرار شرطا لما تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مثل هذه الواقعات التي يترتب عليها سفك الدماء وهتك الحرم . وأجاب الأولون عن هذه الأدلة بأنها مطلقة قيدتها الأحاديث التي فيها أنه وقع الإقرار أربع مرات ورد بأن الإطلاق والتقييد من عوارض الألفاظ وجميع الأحاديث التي ذكر فيها تربيع الإقرار أفعال ولا ظاهر لها وغاية ما فيها جواز تأخير إقامة الحد بعد وقوع الإقرار مرة إلى أن ينتهي إلى أربع ثم لا يجوز التأخير بعد ذلك وظاهر السياقات مشعر بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما فعل ذلك في قصة ماعز لقصد التثبت كما يشعر بذلك قوله له " أبك جنون " ثم سؤاله بعد ذلك لقومه فتحمل الأحاديث التي فيها التراخي عن إقامة الحد بعد صدور الإقرار مرة على من كان أمره ملتبسا في ثبوت العقل واختلاله والصحو والسكر ونحو ذلك وأحاديث إقامة الحد بعد الإقرار مرة واحدة على من كان معروفا بصحة العقل وسلامة إقراره عن المبطلات
وأما ما رواه بريدة من أن الصحابة كانوا يتحدثون أنه لو جلس في رحله بعد اعترافه ثلاث مرات لم يرجمه فليس ذلك مما تقوم به الحجة لأن الصحابي لا يكون فهمه حجة إذا عارض الدليل الصحيح . ومما يؤيد ما ذكرناه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قالت له الغامدية أتريد أن تردني كما رددت ماعزا لم ينكر ذلك عليها كما سيأتي في باب تأخير الرجم عن الحبلى ولو كان تربيع الإقرار شرطا لقال لها إنما رددته لكونه لم يقرأ ربعا وهذه الواقعة من أعظم الأدلة على أن تربيع الإقرار ليس بشرط للتصريح فيها بأنها متأخرة عن قضية ماعز وقد اكتفى فيها بدون أربع مرات كما سيأتي وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث ابن عباس المذكور في الباب شهدت على نفسك أربع شهادات فليس في هذا ما يدل على الشطية أصلا وغاية ما فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبره بانه قد استحق الرجم لذلك وليس فيه ما ينفي الاستحقاق فيما دونه ولا سيما وقد وقع منه الرجم بدون حصول التربيع كما سلف وأما الاستدلال بالقياس على شهادة الزنا فإنه لما أعتبر فيه أربعة شهود أعتبر في إقراره أن يكون أربع مرات ففي غاية الفساد لأنه يلزم من ذلك أن يعتبر في الإقرار بالأموال والحقوق أن يكون مرتين لأن الشهادة في ذلك لابد أن تكون من رجلين ولا يكفي فيها الرجل الواحد واللازم باطل بإجماع المسلمين فالملزوم مثله وإذا تقرر لك عدم اشتراط الأربع عرفت عدم اشتراط ما ذهبت إليه الحنفية والقاسمية من أن الأربع لا تكفي أن تكون في مجلس واحد بل لا بد أن تكون في أربعة مجالس لأن تعدد الأمكنة فرع تعدد الإقرار الواقع فيها وإذا لم يشترط الأصل تبعه الفرع في ذلك وأيضا لو فرضنا اشتراط كون الإقرار أربعا لم يستلزم كون مواضعه متعددة أما عقلا فظاهر لأن الإقرار أربع مرات وأكثر منها في موضع واحد من غير انتقال مما لا يخالف في امكانه عاقل وأما شرعا فليس في الشرع ما يدل على أن الإقرار الواقع بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم وقع من رجل في أربعة مواضع فضلا عن وجود ما يدل على أن ذلك شرط وأكثر الألفاظ في حديث ماعز بلفظ أنه أقر أربع مرات أو شهد على نفسه أربع شهادات وأما الرد الواقع بعد كل مرة كما في حديث أبي بكر المذكور فليس في ذلك أنه رد المقر من ذلك الموضع إلى موضع آخر ولو سلم فليس الغرض في ذلك الرد هو بعدد المجالس بل الاستثبات كما يدل على ذلك ما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من الألفاظ الدالة على أن ذلك الرد لأجله ومما يؤيد ذلك حديث ابن عباس المذكور في الباب فإن فيه أنه جاء اليوم الأول فأقر مرتين فطرده ثم جاء اليوم الثاني فأقر مرتين فأمر برجمه وهكذا يجاب عن الاستدلال بما روى نعيم ابن هزال أنه صلى الله عليه وآله وسلم أعرض عن ماعز في المرة الأولى والثانية والثالثة كما أخرجه أبو داود وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة والاعراض لا يستلزم أن تكون المواضع التي أقر فيها المقر أربعة بلا شك ولا ريب ولو سلم أنه يستلزم ذلك بقرينة ما روي أنه جاءه من جهة وجهه أولا ثم من عن يمينه ثم من عن شماله ثم من ورائه وسيأتي قريبا أنه كان يقر كل مرة في جهة غير الجهة الأولى فهذا ليس فيه أيضا أن الاعراض لقصد تعدد الإقرار أو تعدد مجالسه بل لقصد الاستثبات كما سلف لما سلف

باب استفسار المقر بالزنا واعتبار تصريحه بما لا تردد فيه

1 - عن ابن عباس قال " لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال لا يا رسول الله قال أفنكحتها لا يكنى قال نعم فعند ذلك أمر برجمه "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود

2 - وعن أبي هريرة قال " جاء الأسلمي إلى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراما أربع مرات كل ذلك يعرض عنه فأقبل عليه في الخامسة فقال أنكتها قال نعم قال كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر قال نعم قال فهل تدري ما الزنا قال نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال فما تريد بهذا القول قال أريد تطهرني فأمر به فرجم "
- رواه أبو داود والدارقطني

- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا النسائي وفي إسناده ابن الهضهاض ذكره البخاري في تاريخه وحكى الخلاف فيه وذكر له هذا الحديث وقال حديثه في أهل الحجاز ليس يعرف إلا بهذا الواحد : قوله " أو غمزت " بغين معجمة وزاي والمراد لعلك وقع منك هذه المقدمات فتجوزت بإطلاق لفظ الزنا عليها
وفي رواية " هل ضاجعتها قال نعم قال فهل باشرتها قال نعم قال هل جامعتها قال نعم " قوله " لا يكني " بفتح أوله وسكون الكاف من الكناية أي أنه ذكر هذا اللفظ صريحا ولم يكن عنه بلفظ آخر كالجماع : قوله " المرود " بكسر الميم الميل قوله " والرشاء " بكسر الراء قال في القاموس والرشاء ككساء الحبل وفي هذا من المبالغة في الاستثبات والاستفصال ما ليس بعده في تطلب بيان حقيقة الحال فلم يكتف بإقرار المقر بالزنا بل استفهمه بلفظ لا أصرح منه في المطلوب وهو لفظ النيك الذي كان صلى الله عليه وآله وسلم يتحاشى عن التكلم به في جميع حالاته ولم يسمع منه إلا في هذا الموطن ثم لم يكتف بذلك بل صوره تصويرا حسيا ولا شك أن تصوير الشيء بأمر محسوس أبلغ في الاستفصال من تسميته بأصرح أسمائه وأدلها عليه
وقد استدل بهذين الحديثين على مشروعية الاستفصال للمقر بالزنا وظاهر ذلك عدم الفرق بين من يجهل الحكم ومن يعلمه ومن كان منتهكا للحرم ومن لم يكن كذلك لأن ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في المقال وذهبت المالكية إلى أنه لا يلقن من اشتهر بانتهاك الحرم
وقال أبو ثور لا يلقن إلا من كان جاهلا للحكم وإذا قصر الإمام في الاستفصال ثم انكشف بعد التنفيذ وجود مسقط للحد فقيل يضمن الدية من ماله إن تعمد التقصير وإلا فمن بيت المال
وقيل على عاقلة الإمام قياسا على جناية الخطأ قال في ضوء النهار والحق أنه إذا تعمد التقصير في البحث عن المسقط المجمع على اسقاطه اقتص منه وإلا فلا يضمن إلا الدية لما عرفت من كون الخلاف شبهة اه وهذا إنما يتم بعد تسليم ان استفصال المقر عن المسقطات المجمع عليها واجب على الإمام وشرط في إقامة الحد يستلزم عدمه العدم كما هو شأن سائر الشروط على ما عرف في الأصول والواجبات والشروط لا تثبت بمجرد فعله صلى الله عليه وآله وسلم وليس في المقام إلا ذلك وغايته الندب وأما الاستدلال على الوجوب بأن الإمام حاكم والحاكم يجب عليه التثبت فيمكن مناقشته بمنع الصغرى والسند أن الحاكم هو من يفصل الخصوماث بين العباد عند الترافع إليه ولا خصومة ههنا بل مجرد التنفيذ لما شرعه الله على من تعدى حدوده بشهادة لسانه عليه بذلك وكون المانع مجوزا لا يستلزم القدح في صحة الحكم الواقع بعد كمال السبب وهو الإقرار لشروطه والألزم ذلك في الإقرار بالأموال والحقوق فيجب على الحاكم مثلا بعد أن يقر عنده رجل بأنه أخذ مال رجل أن يقول له لعلك أردت المجاز ولم يصدر منك الأخذ حقيقة لعلك كذا لعلك كذا واللأزم باطل بالإجماع فالملزوم مثله وبيان الملازمة أن وجود المانع مجوز في الإقرار بالأموال والحقوق كما هو مجوز في الإقرار بالزنا فتقرر لك بهذا أن إيجاب الاستفصال على الإمام في مثل القرار بالزنا وجعله شرطا لإقامة الحد بمجرد كونه حاكما غير منتهض فالأولي التعويل على أحاديث الباب القاضية بمطلق مشروعية الاستفصال في الإقرار بالزنا لا بالمشروعية المقيدة بالوجوب أو الشرطية

باب أن من أقر بحد ولم يسمه لا يحد

1 - عن أنس قال " كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاءه رجل فقال يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي ولم يسأله قال وحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام إليه الرجل فقال يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم في كتاب الله قال أليس قد صليت معنا قال نعم قال فإن الله قد غفر لك ذنبك أو حدك "
- أخرجاه . ولأحمد ومسلم من حديث أبي أمامة نحوه

- لفظ حديث أبي أمامة الذي أشار إليه المصنف قال " بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد ونحن معه إذ جاء رجل فقال يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي فسكت عنه ثم أعاد فسكت وأقيمت الصلاة فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبعه الرجل وأتبعته أنظر ماذا يرد عليه فقال له أرأيت حين خرجت من بيتك أليس قد توضأت فأحسنت الوضوء قال بلى يا رسول الله قال ثم شهدت الصلاة معنا قال نعم يا رسول الله قال فإن الله تعالى قد غفر لك حدك أو قال ذنبك " وفي الباب عن مسعود عند مسلم والترمذي وأبي داود والنسائي قال " إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها فأنا هذا فأقم علي ما شئت فقال عمر لقد ستر الله عليك لو سترت على نفسك فلم يرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئا فانطلق الرجل فأتبعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا فدعاه فتلا عليه أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إلى آخر الآية فقال فقال رجل من القوم أله خاصة أم للناس عامة فقال للناس كافة " هذا لفظ أبو اليسر كعب بن عمرو وقيل غيره
قوله : " إني أصبت حدا " قال في النهاية أي أصبت ذهنيا أوجب على حدا أي عقوبة قال النووي في شرح مسلم هذا الحديث معناه معصية من المعاصي الموجبة للتعذير وهي هنا من الصغائر لأنها كفرتها الصلاة ولو أنها كانت موجبة لحد أو غيره لم تسقط بالصلاة فقد أجمع العلماء على أن المعاصي الموجبة للحدود لا تسقط حدودها بالصلاة وحكى القاضي عياض عن بعضهم أن المراد الحد المعروف قال وإنما لم يحده لأنه لم يفسر موجب الحد ولم يستفسره النبي صلى الله عليه وآله وسلم إيثار اللستر بل استحب تلقين الرجل صريحا انتهى . ومما يؤيد ما ذهب إليه الجمهور من أن المراد بالحد المطلق في الأحاديث هو غير الزنا ونحوه من الأمور التي توجب الحد ما في حديث ابن مسعود الذي ذكرناه من قوله فأصبت منها ما دون أن أمسها فإن هذا يفسر ما أبهم في حديث أنس وأبي أمامة هذا إذا كانت القصة واحدة وإما إذا كانت متعددة فلا ينبغي تفسير ما أبهم في قصة بما فسر في قصة أخرى وتوجه العمل بالظاهر والحكم بأن الصلاة تكفر ما يصدق عليه أنه يوجب الحد ولا شك ولا ريب أن من أقر بحد من الحدود ولم يفسره لا يطالب بالتفسير ولا يقام عليه الحد أن لم يقع منه ذلك لأحاديث الباب ولما سيأتي من أنها تدرأ الحدود بالشبهات بعد ثبوتها وتعيينها فبالأولي قبل التفسير للقطع بأنها مختلفة المقادير فلا يتمكن الإمام من إقامتها مع الأبهام ويؤيد ذلك ما سلف من استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم لماعز بعد أن صرح بأنه زنى

باب ما يذكر في الرجوع عن الإقرار

1 - عن أبي هريرة قال " جاء ماعز الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أنه قد زنى فأعرض عنه ثم جاء من شقه الآخر فقال يا رسول الله إنه قد زنى فأمر به في الرابعة فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة فلما وجد مس الحجارة فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه فر حين وجد مس الحجارة ومس الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هلا تركتموه "
- رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال حسن

2 - وعن جابر في قصة ماعز قال " كنت فيمن رجم الرجل أنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا يا قوم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن قومي قتلوني وغروتي من نفسي وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير قاتلي فلم ننزع عنه حتى قتلناه فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبرناه فال فهلا تركتموه وجئتموني به ليستثبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه فأما ترك حد فلا "
- رواه أبو داود

- الحديث الأول قال الترمذي بعد أن قال أنه حديث حسن وقد روي من غير وجه أبي هريرة انتهى . ورجال إسناده ثقات فإن الترمذي رواه من حديث عبدة بن سليمان عن محمد بن عمر وقد حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة . والحديث الثاني أخرجه أيضا النسائي وأشار إليه الترمذي وفي اسناده محمد بن إسحاق وفيه خلاف قد تقدم الكلام عليه
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي والترمذي من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر طرفا منه . ولفظ أبي داود قال ذكرت لعاصم بن عمر بن قتادة قصة ماعز بن مالك فقال حدثني حسن بن محمد بن علي بن أبي طلب عليه السلام قال حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا تركتموه من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم قال ولا
أعرف الحديث قال فجئت جابر بن عبد الله فقلت أن رجالا من أسلم يحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم حين ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته ألا تركتموه وما أعرف الحديث قال يا ابن أخي أنا أعلم الناس بهذا الحديث فذكره
وفي الباب عن نعيم بن هزال عن أبيه عند أبي داود وفيه " فلما رجم وجد مس الحجارة فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس وقد جزع أصحابه فنزع له بوظيف بعير فقتله ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له فقال هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه
قوله : " فلما وجد مس الحجارة فر يشتد حتى مر برجل معه لحى جمل " الخ ظاهره هذه الرواية ورواية نعيم بن هزال أنه وقع منه الفرار حتى ضربه الرجل الذي معه لحي الجمل . وظاهر قوله في حديث جابر المذكور صرخ ياقوم الخ أنه لم يفر ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم والنسائي وأبي داود واللفظ له قال " لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجم ماعز بن مالك خرجنا إلى البقيع فوالله ما أوثقناه ولاحفرنا له ولكنه قام لنا قال أبو كامل فرميناه بالعظام والمدر والخزف فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتي عرض الحرة فانتصب لما فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكت فظاهر هذه الرواية أنه إنما فر لأجل ما في ذلك المحل الذي فر إليه من الأحجار التي تقتل بلا تعذيب بخلاف المحل الذي كان فيه فإنه لم يكن فيه من الأحجار ما هو كذلك ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن يقال أنه فر أولا من المكان الأول لأجل عدم الحجارة فيه إلى الحرة فلما وصل إليها ونصب نفسه ووجد مس الحجارة التي تفضي على الموت قال ذلك المقال وأمرهم أن يردوه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما لم يفعلوا هرب فلقيه الرجل الذي معه لحى الجمل فضربه به فوقع ثم رجموه حتى مات
قوله : " هلا تركتموه " استدل به على أنه يقبل من المقر الرجوع عن الإقرار ويسقط عنه الحد وإلى ذلك ذهب أحمد والشافعية والحنفية والعترة وهو مروي عن مالك في قول له . وذهب ابن أبي ليلى والبتي وأبو ثور ورواية عن مالك وقول للشافعي أنه لا يقبل منه الرجوع عن الإقرار بعد كماله كغيره من الإقرارات
قال الأولون ويترك إذا هرب لعله يرجع قال في البحر مسألة وإذا هرب المرجوم بالبينة اتبع الرجم حتى يموت لا بالإقرار لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في ماعز " هلا خليتموه " ولصحة الرجوع عن الإقرار ولا ضمان إذ لم يضمنهم صلى الله عليه وآله وسلم لاحتمال كون هربه رجوعا أو غيره انتهى . وذهبت المالكية إلى أن المرجوم لا يترك إذا هرب وعن أشهب أن ذكر عذرا فقيل يترك وإلا فلا ونقله العتبى عن مالك وحكى اللخمي عنه قولين فيمن رجع إلى شبهة قوله " ليستثبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ هذا من قول جابر يعني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال كذلك لأجل الاستثبات والاستفصال فإن وجد شبهة يسقط بها الحد أسقطه لأجلها وإن لم يجد شبهة كذلك أقام عليه الحد وليس المراد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم أن يدعوه وأن هرب المحدود من الحد من جملة المسقطات ولهذا قال " فهلا تركتموه وجئتموني به "

باب أن الحد لا يجب بالتهم وإنه يسقط الشبهات

1 - عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا عن بين العجلاني وامرأته فقال شداد بن الهاد هي المرأة التي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها قال لا تلك امرأة كانت قد أعلنت في الإسلام "
- متفق عليه

2 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو كنت راجما أحدا بغير بينة رجمت فلانة فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها "
- رواه ابن ماجه
واحتج به من لم يحد المرأة بنكولها عن اللعان

- حديث ابن عباس الثاني اسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي قال حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد قال حدثني الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفرعن أبي الأسود عن عروة عن ابن عباس فدكره والعباس صدوق وزيد بن يحيى ثقة وبقية رجال الاسناد رجال الصحيح وقد ورد بالفاظ منها ما ذكره المصنف ومنها ألفاظ أخر وفي بعضها أنها لما أتت بالولد على النعت المكروه قال صلى الله عليه وآله وسلم " لولا الإيمان لكان لي ولها شأن " أخرجه أحمد وأبو داود من حديثه ولقظ البخاري " لولا ما مضى من كتاب الله " وقد تقدم في اللعان ما قاله صلى الله عليه وآله وسلم في شأن الولد الذي كان في بطن المرأة وقت اللعان فإنه قال " إن أتت به على الصفة الفلانية فهو لشريك بن سحماء وإن أتت به على الصفة الفلانية فهو لزوجها هلال بن أمية " قوله فقال شداد بن الهاد في الفتح في كتاب اللعان أن السائل هو عبد الله بن شداد بن الهاد وهو ابن خالة ابن عباس قال سماه أبو الزناد عن القاسم بن محمد في هذا الحديث كما في كتاب الحدود من صحيح البخاري
قوله : " كانت قد أعلنت في الإسلام " في لفظ للبخاري " كانت تظهر في الإسلام السوء " أي كانت تعلن بالفاحشة ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة ولا اعتراف كما تقدم في اللعان
قال الداودي فيه جواز عيب من يسلك مسالك السوء وتعقب بأن ابن عباس لم يسمها فأن أراد إظهار العيب على العموم فمحتمل وقد استدل المصنف رحمه الله بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لو كنت راجما أحدا بغير بينه لرجمتها " على أنه لا يجب الحد بالتهم ولا شك أن إقامة الحد إضرار بمن لا يجوز الإضرار به وهو قبيح عقلا وشرعا فلا يجوز منه إلا ما أجازه الشارع كالحدود والقصاص وما أشبه ذلك بعد حصول اليقين لأن مجرد الحدس والتهمة والشك مظنة للخطأ والغلط وما كان كذلك فلا يستباح به تأليم المسلم وإضراره بلا خلاف

3 - وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا "
- رواه ابن ماجه

4 - وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إدرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فاخلوا سبيله فإن الإمام أن بخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة "
- رواه الترمذي وذكر أنه قد روى موقوفا وأن الوقف أصح
قال وقد روى عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم أنهم قالوا مثل ذلك

- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه ابن ماجه بإسناد ضعيف لأنه من طريق إبراهيم بن الفضل وهو ضعيف . وحديث عائشة أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ولكن في إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف كما قال الترمذي
وقال البخاري فيه أنه منكر الحديث وقال النسائي متروك انتهى . والصواب متروك كما في رواية وكيع قال البيهقي رواية وكيع أقرب إلى الصواب
قال ورواه رشدين عن عقيل عن الزهري ورشدين ضعيف ( وفي الباب ) عن علي مرفوعا أدرؤا الحدود بالشبهات وفيه المختار بن نافع قال البخاري وهو منكر الحديث قال وأصح ما فيه حديث سفيان الثوري عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود " قال أدرؤا الحدود بالشبهات ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم " وروي عن عقبة بن عامر ومعاذ أيضا موقوفا وروي منقطعا موقوفا على عمر . ورواه ابن حزم في كتاب الإتصال عن عمر موقوفا عليه
قال الحافظ وإسناده صحيح ورواه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي عن عمر بلفظ " لأن أخطأ في الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات " وفي مسند أبي حنيفة للحارثي من طريق مقسم عن ابن عباس مرفوعا بلفظ " أدرؤا الحدود بالشبهات " وما في الباب وإن كان فيه المقال المعروف فقد شد من عضده ما ذكرناه فيصلح بعد ذلك للاحتجاج به على مشروعية درء الحدود بالشبهات المحتملة لا مطلق الشبهة وقد أخرج البيهقي وعبد الرزاق عن عمر أنه عذر رجلا زنى في الشام وادعى الجهل بتحريم الزنا وكذا روي عنه وعن عثمان أنهما عذرا جارية زنت وهي أعجمية وادعت أنها لم تعلم التحريم

5 - وعن ابن عباس قال قال عمر بن الخطاب " كان فيما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورجمنا بعده فأخشى أن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد الرجم في كتاب الله تعالى فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى والرجم في كتاب الله حق على من أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف "
- رواه الجماعة إلا النسائي

- قوله " آية الرجم " هي الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وقد قدمنا الكلام على ذلك في أول كتاب الحدود وهذه المقالة وقعت من عمر لما صدر من الحج
وقدم المدينة
قوله : " فأخشى إن طال بالناس زمان " الخ قد وقع ما خشيه رضي الله عنه حتى أفضى ذلك إلى أن الخوارج وبعض المعتزلة أنكروا ثبوت مشروعية الرجم كما سلف وقد أخرج عبد الرزاق والطبراني عن ابن عباس أن عمر قال سيجيء أقوام يكذبون بالرجم
وفي رواية للنسائي وإن ناسا يقولون ما بال الرجم فإن ما في كتاب الله تعالى الجلد وهذا من المواطن التي وافق حدس عمر فيها الصواب وقد وصفه صلى الله عليه وآله وسلم بارتفاع طبقته في ذلك الشأن كما قال أن يكن في هذه الأمة محدثون فمنهم عمر
قوله : " إذا قامت البينة " أي شهادة أربعة شهود ذكور بالإجماع
قوله : " أو كان الحبل " بفتح المهملة والموحدة وفي رواية الحمل وقد استدل بذلك من قال المرأة تحد إذا وجدت حامل ولا زوج لها ولا سيد ولم تذكر شبهة وهو مروي عن عمر ومالك وأصحابه قالوا إذا حملت ولم يعلم لها زوج ولا عرفنا إكراهها لزمها الحد إلا أن تكون غريبة وتدعي أنه من زوج أو سيد . وذهب الجمهور أن مجرد الحبل لا يثبت به الحد ل لا بد من الاعتراف أو البينة واستدلوا بالأحادث الواردة في درء الحدود بالشبهات ( والحاصل ) إن هذا من قول عمر ومثل ذلك لا يثبت به مثل هذا الأمر العظيم الذي يفضي إلى هلاك النفوس وكونه قال في مجمع من الصحابة ولم ينكر عليه لا يستلزم أن يكون إجماعا كما بينا ذلك في غير موضع من هذا الشرح لأن الإنكار في مسائل الاجتهاد غير لازم للمخالفة ولا سيما والقائل لذلك عمر وهو بمنزلة من المهابة في صدور الصحابة وغيرهم اللهم إلا أن يدعي أن قوله إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف من تمام ما يرويه عن كتاب الله تعالى ولكنه خلاف الظاهر لأن الذي كان في كتاب الله تعالى هو ما أسلفنا في أول الكتاب الحدود وقد أجاب الطحاوي بتأويل ذلك على أن المراد أن الحبل إذا كان من زنا وجب فيه الرجم ولا بد من ثبوت كونه من زنا وتعقب بأنه يأيى ذلك جعل الحبل مقابلا للبينة والاعتراف
قوله : " أو الاعترف " قد تقدم الخلاف في مقداره وما هو الحق

باب من أقرانه زنى بامرأة فجحدت

1 - عن سهل بن سعد أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أنه قد زنى بامرأة سماها فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المرأة فدعاها فسألها عما قال فأنكرت فحد وتركها "
- رواه أحمد وأبو داود

- الحديث في إسناده عبد السلام بن حفص أبو مصعب المدني قال ابن معين ثقة وقال أبو حاتم الرازي ليس بمعروف وفي الباب عن ابن عباس عند أبي داود والنسائي " أن رجل من بكر بن ليث أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات فجلد مائة وكان بكرا ثم سأله البينة على المرأة فقالت كذب يا رسول الله فجلده حد الفرية ثمانين " وفي إسناده القاسم بن فياض الصنعاني تكلم فيه غير واحد حتى قال ابن حبان أنه بطل الاحتجاج به وقال النسائي هذا حديث منكر وقد استدل بحديث سهل بن سعد مالك والشافعي يحد من أقر الزنا بامرأة معينة للزنا لا للقذف وقال الأوزاعي وأبو حنيفة يحد للقذف فقط لأن إنكارها شبهة وأجيب بأنه لا يبطل به إقراره وذهبت الهادوية ومحمد وروي عن الشافعي على أنه يحد للزنا والقذف واستدلوا بحديث ابن عباس الذي ذكرناه وهذا هو الظاهر لوجهين الأول أن غاية ما في حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحد ذلك الرجل للقذف وذلك لا ينتهض للاستدلال به على السقوط لاحتمال أن يكون ذلك لعدم الطلب من المرأة أو لوجود مقسط بخلاف حديث ابن عباس فإن فيه أنه أقام الحد عليه . الوجه الثاني أن ظاهر أدلة القذف العموم فلا يخرج من ذلك إلا ما خرج بدليل وقد صدق على ما كان كذلك أنه قاذف وقد تقدم طرف من الكلام في باب من أقر بالزنا بامرأة لا يكون قاذفا من أبواب اللعان

باب الحث على إقامة الحد إذا ثبت والنهي عن الشفاعة فيه

1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا "
- رواه ابن ماجه والنسائي وقال ثلاثين وأحمد بالشك فيهما

2 - وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فهو مضاد الله في أمره "
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث أبي هريرة أخرج نحوه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ " وحد يقام في الأرض بحقه أزكى من المطر أربعين صباحا " قال في مجمع الزوائد وفي إسناده زريق بن السحب ولم أعرفه وفي إسناد حديث أبي هريرة المذكور في الباب عند ابن ماجه والنسائي جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي وهو ضعيف منكر الحديث وحديث ابن عمر أخرجه أيضا الحاكم وصححه وأخرجه بن أبي شيبة عنه من وجه آخر صحيح موقوفا عليه وأخرج نحوه اطبراني في الأوسط عن أبي هريرة مرفوعا وقال فيه فقد ضاد الله في ملكه . وحديث أبي هريرة فيه الترغيب في إقامة الحدود وإن ذلك مما ينتفع به الناس لما فيه من تنفيذ أحكام الله تعالى وعدم الرأفة بالعصاة وردعهم عن هتك حرم المسلمين ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم من حديث عائشة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب فقال أيها الناس إنما هلك الذين من قبلكم أنه كانوا إذا سرق فيهو الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد عليه إذا كان ترك الحدود والمداهنة فيها وإسقاطها عن الأكابر من أسباب الهلاك كانت إقامتها على كل أحد من غير فرق بين شريف ووضيع من أسباب الحياة وتبين سر قوله صلى الله عليه وآله وسلم " حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا " الحديث . وحديث ابن عمر المذكور فيه دليل على تحريم الشفاعة في الحدود والترهيب لفاعلها بما هو غاية في ذلك وهو صفة بمضادة الله تعالى في أمره وقد ثبت النهي عن ذلك في الصحيحين كما في حديث عائشة في قصة المرأة المخزومية لما شفع فيها أسامة بن زيد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم له أتشفع في حد من حدود الله وفي لفظ لا أراك تشفع في حد من حدود الله وسيأتي في باب ما جاء في المختلس من كتاب القطع ولكنه ينبغي أن يقيد المنع من الشفاعة بما إذا كان بعد الرفع إلى الأمام لا إذا كان قبل ذلك لما في حديث صفوان بن أمية عند أحمد والأربعة وصححه الحاكم وابن الجارود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له لما أراد أن يقطع الذي سرق رداءه فشفع فيه هلا كان قبل أن تأتيني به وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب وأخرجه الطبراني عن عروة بن الزبير قال لقي الزبير سارقا فشفع فيه فقيل له حتى يبلغ الإمام قال إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والمشفع
وأخرج ابن أبي شيبة قال الحافظ بسند حسن أن الزبير وعمار وابن عباس أخذوا سارقا فأخلوا سبيله فقال عكرمة فقلت بئس ما صنعتم حين خليتم سبيله فقالوا لا أم لك أما لو كنت أنت لسرك أن يخلى سبيلك
وأخرج الدارقطني من حديث الزبير مرفوعا اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا الله عنه . والموقوف أصح وقد أدعي ابن عبد البر الإجماع على أنه يجب على السلطان الإقامة إذا بلغه الحد وهكذا حكي الإجماع في البحر . وحكى الخطابي عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذية الناس وغيره فقال لا يشفع في الأول مطلقا وفي الثاني تحسن الشفاعة قبل الرفع لا بعده والراجح عدم الفرق بين المحدودين وعلى التفصيل المذكور بين قبل الرفع وبعده تحمل الأحاديث الواردة في الترغيب في الستر على المسلم فيكون الستر هو الأفضل قبل الرفع إلى الإمام

باب أن السنة بداءة الشاهد بالرجم وبداءة الإمام به إذا ثبت بالإقرار

1 - عن عامر الشعبي قال " كان لشراحة زوج غائب بالشام وأنها حملت فجاء بها مولاها على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال إن هذه زنت واعترفت فجلدها يوم الخميس مائة ورجمها يوم الجمعة وحفر لها إلى السرة وأنا شاهد ثم قال إن الرجم سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو كان شهد على هذه أحد لكان أول من يرمي الشاهد يشهد ثم يتبع شهادته حجره ولكنها أقرت فأنا أول من رماها فرماها بحجر ثم رمى الناس وأنا فيهم فكنت والله فيمن قتلها "
- رواه أحمد

- الحديث أخرجه النسائي والحاكم وأصله في صحيح البخاري ولكن بدون ذكر الحفر وما بعده كما تقدم في أول كتاب الحدود من حديث الشعبي وسيأتي الكلام على الحفر قريبا وأما كون الشاهد أول من يرمي الزاني المحصن حيث ثبت ذلك بالشهادة فقد ذهب أبو حنيفة والهادوية إلى أن ذلك واجب عليهم وأن الإمام يجبرهم على ذلك لما فيه من الزجر عن التساهل والترغيب في التثبيت وإذا كان ثبوت الزنا بالإقرار وجب أن يكون الإمام أول من يرجم أو مأموره لما عند أبو داود في رواية من حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجم امرأة وكان هو أول من رماها بحصاة مثل الحمصة ثم قال أرموها واتقوا الوجه ويجاب بأن مجرد هذا الفعل لا يدل على الوجوب
وأما حديث العسيف المتقدم فلا يدل قوله صلى الله عليه وآله وسلمفيه واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها على وجوب البداءة بذلك منه بل غايته الأمر بنفس الرجم لا بالرجم الخاص الذي هو محل النزاع وأما ما رواه المصنف في الباب عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فإنما ينتهض لللاحتجاج به على قول من يقول بالحجية لا على ن يخالف في ذلك والمقام مقام اجتهاد ولهذا حكى صاحب البحر عن العترة والشافعي أنه لا يلزم الإمام حضور الرجم وهو الحق لعدم دليل يدل على الوجوب ولما تقدم في حديث ماعز أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر برجم ماعز ولم يخرج معهم والزنا منه ثبت بإقراره كما سلف وكذلك لم يحضر في رجم الغامدية كما زعم البعض قال في التلخيص لم يقع في طرق الحديثين أنه حضر بل في بعض الطرق ما يدل على أنه لم يحضر وقد جزم بذلك الشافعي قال وأما الغامدية ففي سنن أبي داود وغيره ما يدل على ذلك وإذا تقرر هذا تبين عدم الوجوب على الشهود ولا على الإمام وأما الاستحباب فقد حكى ابن دقيق العيد أن الفقهاء استحبوا أن يبدأ الإمام بالرجم إذا ثبت الزنا بالإقرار وتبدأ الشهود به إذا ثبت بالبينة

باب ما في الحفر للمرجوم

1 - عن أبي سعيد قال " لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نرجم ماعز بن مالك خرجنا به إلى البقيع فوالله ما حفرنا له ولا أوثقناه ولكن قام لنا فرميناه بالعظام والخزف فأشتكى فخرج يشتد حتى انتصب لنا في عرض الحرة فرميناه بجلاميد الجندل حتى سكت

2 - وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال " جائت الغامدية فقالت يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني وإنه ردها فلما كان الغد قالت يا رسول الله لم ترددني لعلك ترددني كما رددت ماعزا فوالله إني لحبلى قال أما لا فاذهبي حتى تلدي فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت هذا قد ولدته قال اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز فقالت هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من رجال المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد فسبها فسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبه إياها فقال مهلا ياخالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لوتابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت "
- رواه أحمد مسلم وأبو داود

3 - وعن عبد الله بن بريدة عن " أبيه أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أني زنيت وأني أريد أن تطهرني فرده فلما كان الغد أتاه فقال يا رسول الله أني قد زنيت فرده الثانية فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قومه هل تعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا قالوا ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضا فسأل عنه فأخبره أنه لا بأس به ولا بعقله فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم "
- رواه مسلم وأحمد وقال في آخره " فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحفر له حفرة فجعل فيها إلى صدره ثم أمر الناس برجمه "

4 - وعن خالد بن اللجلاج أن أباه أخبره فذكر قصة رجل اعترف بالزنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحصنت قال نعم فأمر برجمه فذهبنا فحفرنا له حتى امكننا ورميناه بالحجارة حتى هدأ "
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث خالد بن اللجلاج في اسناده محمد بن عبد الله بن علاثة وهو مختلف فيه وقد أخرجه أيضا النسائي ولأبيه صحبة وهو بفتح اللام وسكون الجيم وآخره جيم أيضا وهو عامري كنيته أبو العلاء عاش مائة وعشرين سنة
قوله : " والخزف " بفتح الخاء المعجمة والزاي آخره فاء وهي أكسار الأواني المصنوعة من الدر
قوله : " في عرض الحرة " بضم العين وسكون الراء والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وهو أرض ذات أحجار سود وقد سمي بذلك مواضع منها موضع وقعة حنين وموضع بتبوك وبنقدة وبين المدينة والعقيق وقبلى المدينة وببلاد عبس وببلاد فزارة وببلاد بني القين وبالدهناء وبعالية الحجاز وقرب فيد وبجبال طيئ وبأرض بارق وبنجد وببني مرة وقرب خيبر وهي حرة النار وبظاهر المدينة تحت واقم وبها كانت وقعة الحرة أيام يزيد وبالبريك في طريق اليمن وحرة غلاس ولبن ولفلف وشوران والحمارة وجفل وميطان ومعشر وليلى وعبادة والرجاء وقمأة مواضع بالمدينء كذا في القاموس
قوله : " بجلاميد " الجلاميد جمع جلمد وهو الصخر كالجلمود والجندل كجعفر ما يقله الرجل من الحجارة وبكسر الدال وكعلبط الموضع يجتمع فيه الحجارة وأرض جندلة كعلبط وقد تفتح كسرتها كذا في القاموس . قوله " إما لا فاذهبي " قال النووي في شرح مسلم هو بكسر الهمزة من أما وتشديد الميم وبالأمانة ومعناه إذا أبيت أن تستري نفسك وتتوبي عن قولك فاذهبي حتى تلدي فترجمين بعد ذلك انتهى
قوله : " فنضخ " بالخاء المعجمة وبالمهملة
قوله : " صاحب مكس " بفتح الميم وسكون الكاف بعدها مهملة هو من يتولى الضرائب التي تؤخذ من الناس بغير حق
قال في قاموي مكس في البيع بمكس إذا جبي مالا والمكس النقص والظلم ودراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الأسواق في الجاهلية أو كان درهم كان يأخذه المصدق بعد فراغه من الصدقة انتهى
قوله : " فصلى عليها " قال القاضي عياض هو بفتح الصاد واللام عند جمهور رواة مسلم ولكن في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود والطبراني فصلى بضم الصاد على البناء للمجهول ويؤيده ما وقع في رواية لأبي داود بلفظ " ثم أمرهم فصلوا عليها " ووقع في حديث عمران ابن حصين عند مسلم أنه قال عمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أيصلى عليها فقال لقد تاب توبة لو قسمت بين أهل المدينة لو سعتهم قوله " إلا وفي العقل " بفتح الواو وكسر الفاء وتشديد الياء صفة مشبهة وهذه الأحاديث المذكورة في الباب قد قدمنا الكلام على فقهها وإنما ساقها المصنف ههنا للاستدلال بها على ما ترجم الباب به وهو الحفر للمرجوم وقد اختلفت الروايات في ذلك فحديث أبي سعيد المذكور فيه أنهم لم يحفروا لماعز وحديث عبد الله بن بريدة فيه أنهم حفروا له إلى صدره وقد جمع بين الروايتين بأن المنفى حفيرة لا يمكنه الوثوب منها والمثبت عكسه أو أنهم لم يحفروا له أول الأمر ثم لما فر فأدركوه حفروا له حفيرة فانتصب لهم فيها حتى فرغوا منه أوانهم حفروا له في أول الأمر ثم لما وجد مس الحجارة خرج من الحفر فتبعوه وعلى فرض عدم إمكان الجمع فالواجب تقديم رواية الإثبات على النفي ولو فرضنا أن ذلك غير مرجح توجه اسقاط الروايتين والرجوع إلى غيرهما كحديث خالد بن اللجلاج فإن فيه التصريح بالحفر بدون تسمية المرجوم وكذلك حديثه أيضا في الحفر للغامدية وقد ذهبت العترة إلى أنه يستحب الحفر إلى سرة الرجل وثدي المرأة وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه لا يحفر للرجل وفي قول للشلفعي أنه إذا حفر له فلا بأس وبه قال الإمام يحيى وفي وجه للشافعية أنه يخير الإمام وفي المرأة عندهم ثلاثة أوجه ثالثها يحفر إن ثبت زناها بالبينة لا بالإقرار والمروي عن أبي يوسف وأبي ثور أنه يحفر للرجل والمرأة والمشهور عن الإمة الثلاثة أنه لا يحفر مطلقا والظاهر مشروعية الحفر لما قدمنا

باب تأخير الرجم عن الحبلى حتى تضع وتأخير الجلد عن ذي المرض المرجو زواله

1 - عن سليمان بن بريدة عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت يا رسول الله طهرني فقال ويحك إرجعي فاستغفري الله وتوبي إليه فقالت أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك قال وما ذاك قالت أنها حبلى من الزنا قال أنت قالت نعم فقال لها حتى تضعي ما في بطنك قال فكفلها رجلمن الأنصار حتى وضعت قال فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال قد وضعت الغامدية فقال إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه فقام رجل من الأنصار فقال إلى رضاعه يا نبي الله قال فرجمها "
- رواه مسلم والدارقطني وقال هذا حديث صحيح

2 - وعن عمران بن حصين " أن امرأة من جهينة أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي حبلى من الزنا فقالت يا رسول الله أصبت حدا فأقمه علي فدعا نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وليها فقال أحسن إليها فإذا وضعت فأتني ففعل فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشدت عليها ثيابها ثم مر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر نصلي عليها يا رسول الله وقد زنت قال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله "
- رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه وهو دليل على أن المحدود محترز تحفظ عورته من الكشف

3 - وعن علي قال " إن أمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زنت فأمرني أن أجلدها فأتيتها فإذا هي حديثة عهد بنفاس فخشيت أن أجلدها أن أقتلها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أحسنت اتركها حتى تماثل "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه

- قوله " من غامد " بغين معجمة ودال مهملة لقب رجل هو أبو قبيلة وهو بطن من جهينة ولهذا وقع في حديث عمران بن حصين المذكور امرأة من جهينة وهي هذه واسم غامد المذكور عمرو بن عبد الله ولقب غامدا لإصلاحه أمرا كان في قومه وهذه القصة قد رواها جماعة من الصحابة منهم بريدة وعمران بن حصين كما ذكره المصنف في هذا الباب وفي الباب الأول . ومنهم أبو هريرة وأبو سعيد وجابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وابن عباس وأحاديثهم عند مسلم وفي سياق الأحاديث بعض اختلاف ففي حديث بريدة المتقدم في الباب الأول أنها جاءت بنفسها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حال الحمل وعند لوضع وأخر رجمها إلى الفطام فجاءت بعد ذلك ورجمت
وفي حديثه المذكور في هذا الباب أنه كفلها رجل من الأنصار حتى وضعت ثم أتى فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا نرجمها وندع ولدها صغيرا فقام رجل من الأنصار فقال إلي رضاعه فرجمت
وفي حديث عمران بن حصين المذكور أنها لما أقرت دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليها وأمره بالإحسان إليها حتى تضع ثم جاء بها عند الوضع فرجمت ولم يمهلها إلى الفطام ويمكن الجمع بأنها جاءت عند الولادة وجاء معها وليها وتكلمت وتكلم ولكن يبقى الإشكال في رواية أنه رجمها عند الولادة ولم يؤخرها ورواية أنه أخرها إلى الفطام وقد قيل أنهما روايتان صحيحتان والقصة واحدة ورواية التأخير رواية صحيحة صريحة لا يمكن تأويلها فيتعين تأويل الرواية القاضية بأنها رجمت عند الولادة بأن يقال فيها طي وحذف التقدير أن وليها جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الولادة فأمر بتأخيرها إلى الفطام ثم أمر بها فرجمت ولا يخفى أن هذا وإن تم باعتبار حديث عمران المذكور في الباب فلا يتم باعتبار حديث بريدة المذكور فإن فيه أنه قام رجل من الأنصار فقال إلى رضاعة يا نبي الله فرجمها ويبعد أن يقال أن هذا لا يدل على أنه قبل قوله وكفالته بل أخرها إلى الفطام ثم أمر برجمها بعد ذلك لأن السياق يأبى ذلك كل الآباء وما أكثر ما يقع مثل هذا الاختلاف بين الصحابة في القصة الواحدة التي مخرجها متحد بالاتفاق ثم ترتكب لأجل الجمع بين رواياتهم العظائم التي لا تخلوا في الغالب من تعسفات وتكلفات كأن السهو والغلط والنسيان لا يجري عليهم وما هم إلا كسائر الناس الناس في العوارض البشرية فإن أمكننا الجمع بوجه سليم عن التعسفات فذاك وإلا توجه علينا المصير إلى الترجيح وحمل الغلط أو النسيان على الرواية المرجوحة إما من الصحابي أو ممن هو دونه من الرواة وقد مر لنا في هذا الشرح عدة مواطن من هذا القبيل مشينا فيها على ما مشى عليه الناس من الجمع بوجوه ينفر عن قبولها كل طبع سليم ويأبى الرضا بها كل عقل مستقيم
قوله : " أصبت حدا فأقمه علي " هذا الإجمال قد وقع من المرأة تبيينه كما في سائر الروايات ولكنه وقع الاختصار في هذه الرواية كما يشعر بذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم عقب ذلك " أحسن إليها فإذا وضعت فأتني " وقد قدمنا أن مجرد الإقرار بالحد من دون تعيين لا يجوز للإمام أن يحد به
قوله : " أحسن إليها " إنما أمره بذلك لأن سائر قرابتها ربما حملتهم الغيرة وحمية الجاهلية على أن يفعلوا بها ما يؤذيها فأمره بالإحسان تحذيرا من ذلك . قوله " فشدت " في رواية " فشكت " ومعناهما واحد والغرض من ذلك أن لا تنكشف عند وقوع الرجم عليها لما جرت به العادة من الاضطراب عند نزول الموت وعدم المبالاة بما يبدو من الإنسان ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المرأة ترجم قاعدة والرجل قائما لما في ظهور عورة المرأة من الشناعة وقد زعم النووي أنه اتفق العلماء على أن المرأة ترجم قاعدة وليس في الأحاديث ما يدل على ذلك ولا شك أنه أقرب إلى الستر ولم يحك ذلك في البحر إلا عن أبي حنيفة والهادوية وحكى عن أبي ليلى وأبي يوسف أنها تحد قائمة وذهب مالك إلى أن الرجل يحد قاعدا
قوله : " ثم صلى عليها " قد تقدم الخلاف في ذلك في كتاب الجنائز
قوله : " لو قسمت بين سبعين " الخ في رواية بريدة المتقدمة في الباب الأول لو تابها صاحب مكس ولا مانع من أن يكون ذلك قد وقع جميعه منه صلى الله عليه وآله وسلم وفيه دليل على أن الحدود لا تسقط بالتوبة وإليه ذهب جماعة من العلماء منهم الحنفية والهادي وذهب جماعة منهم إلى سقوطها بها ومنهم الشافعي واستدل بقصة الغامدية على أنه يجب تأخير الحد على الحامل حتى تضع ثم حتى ترضع وتفطم وعند الهادوية أنها لا تؤخر إلى الفطام إلا إذا عدم مثلها للرضاع والحضانة فإن وجد من يقوم بذلك لم تؤخر وتمسكوا بحديث بريدة المذكور :
قوله " اتركها حتى تماثل " بالمثلثة قال في القاموس تماثل العليل قارب البر وفي رواية لأبي داود " حتى ينقطع عنها الدم " وسيأتي في باب حد الرقيق بلفظ " إذا تعالت من أنفاسها فاجلدها " وفيه دليل عى أن المريض يمهل حتى يبرأ أو يقارب البرء
وقد حكى في البحر الإجماع على أنه يمهل البكر حتى تزول شدة الحر والبرد والمرض المرجو فإن كان مأيوسا فقال الهادي وأصحاب الشافعي أنه يضرب بعثكول أن أحتمله
وقال الناصر والمؤيد بالله لا يحد في مرضه وإن كان مأيوسا والظاهر لحديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف الآتي قريبا وأما المرجوم إذا كان مريضا أو نحوه فذهبت العترة والشافعية والحنفية ومالك إلى أنه لا يمهل لمرض ولا لغيره إذ القصد إتلافه
وقال المروزي يؤخر لشدة الحر أو البرد أو المرض سواء ثبت بإقراره أو بالبينة وقال الإسفرايني يؤخر للمرض فقط وفي الحر والبرد أوجه يرجم في الحال أو حيث يثبت بالبينة لا الإقرار أو العكس

باب صفة صوت الجلد وكيف يجلد من به مرض لا يرجى برؤه

1 - عن زيد بن أسلم " أن رجل أعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسوط فأتى بسوط مكسور فقال فوق هذا فأتى بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال بين هذين فأتى بسوط قد لان وركب به فأمر به فجلد "
- رواه مالك في الموطا عنه

2 - وعن أبي أمامة بن سهل عن سعيد بن سعد بن عبادة " قال كان بين أبياتنا رويجل ضعيف مخدج فلم يرع الحي إلا وهو على أمة منإمائهم يخبث بها فذكر ذلك سعد بن عبادة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان ذلك الرجل مسلما فقال اضربوه حده قالوا يا رسول الله أنه أضعف مما تحسب لو ضربناه مائة قتلناه فقال خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ ثم اضربوه به ضربة واحدة قال ففعلوا "
- رواه أحمد وابن ماجه ولأبي داود معناه من رواية أبي أمامة بن سهل عن بعض الصحابة من الأنصار وفيه ولو حملناه إليك لتفسخت عظامه ما هو إلا جلد على عظم

- حديث زيد بن أسلم هو مرسل وله شاهد عند عبد الرزاق عن معمر بن يحيى ابن أبي كثير نحوه وآخر عند عند ابن وهب عن طريق كريب مولى ابن عباس فهذه الراسيل الثلاثة يشد بعضها بعضا . وحديث أبي أمامة أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي وقال هذا هو المحفوظ عن أبي أمامة مرسلا . ورواه الدارقطني عن فليح عن أبي سالم عن سهل بن سعد
وقال وهم فليح والصواب عن أبي حازم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري وقال إن كانت الطرق كلها محفوظة فيكون أبو أمامة قد حمله عن جماعة من الصحابة وارسله أخري . ورواه أبو داود من حديث الزهري عن أبي أمامة عن رجل من الأنصار ولفظه " أنه اشتكى رجل منهم حتى أضني فعاد جلدة على عظم فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإني وقعت على جارية دخلت علي فذكروا ذلك ارسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا ما رأينا بالحد من الناس من الضر مثل الذي هو به لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ما هو إلا جلد على عظم فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه به ضربة واحدة " وأخرجه النسائي من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيفة عن أبيه باللفظ الذي ذكره أبو داةد وفي إسناده عبد الأعلى بن ثابت الثعلبي قال المنذري لا يحتج به وهو كوفي وقال في التقريب صدوق يهم من السادسة
وقال الحافظ في بلوغ المرام أن إسناد هذا الحديث حسن ولكنه اختلف في وصله وإرساله
قوله : " لم تقطع ثمرته " أي عذبته وهي طرفة
قوله : " وركب به " بضم الراء وكسر الكاف على صغة المجهول أي ركب به الراكب على الدابة وضربها به حتى لان
قوله : " رويجل " تصغير رجل للتحقير
قوله : " مخدج " بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة بعدها جيم وهو السقيم الناقص الخلق
وفي رواية مقعد
قوله : " يخبث بها " بفتح أوله وسكون الخاء المعجمة وضم الموحدة وآخره مثلثة أي بزنى بها
قوله : " عثكالا " بكسر المهملة وسكون المثلثة قال في القاموس كقرطاس العذق والشمراخ ويقال عثكولة بضم العين انتهى . وجاء في رواية اثكال وفي أخرى أثكول وهما لغتان في العثكال وهو الذي يكون فيه البسر . والشمراخ بكسر الشين المعجمة وسكن الميم وآخره خاء معجمة وهو غصن دقيق
وقال في القاموس الشمراخ بالكسر العثكال عليه بسر أو عنب كالشمروخ انتهى . والمراد ههنا بالعثكال العنقود من النخل الذي يكون فيه أغصان كثيرة وكل واحد من هذه الأغصان يسمى شمراخا . وحديث زيد بن أسلم فيه دليل على أنه ينبغي أن يكون السوط الذي يجلد به الزاني متوسط بين الجديد والعتيق وهكذا إذا كان الجلد بعود ينبغي أن يكون متوسطا بين الكبير والصغير فلا يكون من الخشب التي تكسر العظام وتجرح اللحم ولا من الأعواد الرقيقة التي لا تؤثر في الألم وينبغي أن يكون متوسطا بين الجديد والعتيق
وقال في البحر وقدر عرضه بإصبع وطوله بذراع . وحديث أبي أمامة فيه دليل على أن المريض إذا لم يحتمل الحدضرب بعثكول أو ما يشابهه مما يحتمله ويشترط أن تباشره جميع الشماريخ
وقيل ثيكفي الاعتماد وهذا العمل من الحيل الجائزة شرعا وقد جوز الله مثله في قوله { وخذ بيدك دغثا } الآية

باب من وقع على ذات محرم أو عمل عمل قوم لوط أو أتى بهيمة

1 - عن البراء بن عازب قال " لقيت خالى ومعه الراية فقلت اين تريد قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله "
- رواه الخمسة ولم يذكر ابن ماجه والترمذي أخذ المال

- الحديث حسنه الترمذي وأخرجه أبو داود عن البراء أيضا بلفظ " بينما أطوف على إبل لي ضلت إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء فجعل الأعراب يطيفون بي لمتزلتي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ أتوا قبة فاستخرجوا منها رجلا فضربوا عنقه فسألت عنه فذكروا أنه أعرس بامرأة أبيه " قال المنذري وقد اختلف في هذا اختلافا كثيرافروي عن البراء وروي عنه عن عمه وروي عنه قال مربي خالي أبو بردة بن نيار ومعه لواء وهذا لفظ الترمذي . وروي عنه عن خاله وسماه هشيم في حديثه الحرث بن عمرو وهذا لفظ ابن ماجه
وروي عنه قال مر بنا أناس ينطلقون
وروي عنه أني لأطوف على إبل ضلت في تلك الأحياء في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاءهم رهط معه لواء وهذا لفظ النسائي . وللحديث مسانيد كثيرة منها ما رجاله رجال الصحيح ( والحديث ) فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يأمر بقتل من خالف قطعيا من قطعيات الشريعة كهذه المسألة فإن الله تعالى يقول { ولا تنكحوا ما نكح آبائكم من النساء } ولكن لا بد من حمل الحديث على أن ذلك الرجل الذي أمر صلى الله عليه وآله وسلم بقتله عالم بالتحريم وفعله مستحلا وذلك من موجبات الكفر والمرتد يقتل للأدلة الآتية
وفيه أيضا متمسك لقول مالك أنه يجوز التعزير بالقتل
وفيه دليل على أنه يجوز أخذ مال من ارتكب معصية مستحلا لها بعد إراقة دمه وقد قدمنا في كتاب الزكاة الكلام على التأديب بالمال

2 - وعن عكرمة عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به "
- رواه الخكسة إلا النسائي

3 - وعن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس " في البكر يوجد على اللوطية يرجم "
- رواه أبو داود

- الحديث الذي من طريق عكرمة أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وقال الحافظ رجاله موثوقون إلا أن فيه اختلافا
وقال الترمذي وإنما يعرف هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هذا الوجه وروى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو فقال " ملعون من عمل عمل قوم لوط " ولم يذكر القتل انتهى
وقال يحيى بن معين عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ثقة ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال اقتلوا الفاعل والمفعول به " ويجاب عن ذلك أنه أحتج الشيخان به وروى عنه مالك في الموطأ وقد استنكر النسائي هذا الحديث . والأثر المروي عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير ومجاهد أخرجه أيضا النسائي والبيهقي ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند ابن ماجه والحاكم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أقتلوا الفاعل والمفعول به أحصنا أو لم يحصنا " وإسناده ضعيف قال ابن الطلاع في أحكامه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه رجم في اللواط ولا أنه حكم فيه . وثبت عنه أنه قال " اقتلوا الفاعل والمفعول به " رواه عنه ابن عباس وأبو هريرة انتهى
قال الحافظ وحديث أبي هريرة لا يصح وقد أخرجه البزار من طريق عاصم بن عمر العمري عن سهيل عن أبيه عنه وعاصم متروك وقد رواه ابن ماجه من طريقه بلفظ " فارجموا الأعلى والأسفل " وأخرج البيهقي من حديث أبي موسى أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذ أتى الرجل الرجل فهما زانيان وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان " وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن كذبه أبو حاتم وقال البيهقي لا أعرفه والحديث منكر بهذا الإسناد انتهى . ورواه أبو الفتح الأسدي في الضعفاء والطبراني في الكبير من وجه آخر عن أبي موسى وفيه بشر بن المفضل البجلي وهو مجهول
وقد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه وأخرج البيهقي عن علي عليه السلام أنه رجم لوطيا فقال الشافعي وبهذا نأخذ يرجم اللوطي محصنا كان أو غير محصن وأخرج البيهقي أيضا عن أبي بكر أنه جمع الناس في حق رجل ينكح كما ينكح النساء فسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فكان أشدهم يومئذ قولا علي بن أبي طالب عليه السلام قال هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم نرى أن نحرقه بالنار فاجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن يحرقه بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار
وفي إسناده إريال وروي من وجه آخر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي في هذه القصة قال يرجم ويحرق بالنار وأخرج البيهقي أيضا عن ابن عباس أنه سئل عن حد اللوطي فقال ينظر أعلى بناء في القرية فيرمى به منكسا ثم يتبع الحجارة وقد اختلف أهل العلم في عقوبة الفاعل للواط والمفعول به بعد اتفاقهم على تحريمه وأنه من الكبائر للأحاديث المتواترة في تحريمه ولعن فاعله فذهب من تقدم ذكره من الصحابة إلى أن حد القتل ولو كان بكراسواء كان فاعلا أو مفعولا وإليه ذهب الشافعي والناصر والقاسم وابن إبراهيم واستدلوا بما ذكره المصنف وذكرناه في الباب وهو بمجموعه ينتهض للاحتجاج به وقد اختلفوا في كيفية قتل اللوطي فروى عن على أنه يقتل بالسيف ثم يحرق لعظم المعصية وإلى ذلك ذهب أبو بكر كما تقدم عنه وذهب عمر وعثمان إلى أنه يلقى عليه حائط وذهب ابن عباس إلى أنه يلقى من أعلى بناء في البلد
وقد حكى صاحب الشفاء إجماع الصحابة على القتل وقد حكي البغوي عن الشعبي والزهري ومالك وأحمد وإسحاق أنه يرجم وحكى ذلك الترمذي عن مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وروي عن النخعي أنه قال لو كان يستقيم أن يرجم الزاني مرتين لرجم اللوطي
وقال المنذري حرق اللوطية بالنار أبو بكر وعلي وعبد الله بن الزبير وهشام بن عبد الملك وذهب سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والحسن وقتادة والنخعي والثوري والأوزاعي وأبو طالب والإمام يحيى والشافعي في قول له إلى أن حد اللوطي حد الزاني فيجلد البكر ويغرب ويرجم المحصن وحكاه في البحر عن القاسم بن إبراهيم وروي عنه المؤيد بالله القتل مطلقا كما سلف
واحتجوا بأن التلوط نوع من أنواع الزنا لأنه إيلاج فرج في فرج فيكون اللائط والملوط به داخلين تحت عموم الأدلة الواردة في الزنا المحصن والبكر وقد تقدمت ويؤيد ذلك حديث " إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان " وقد تقدم وعلى فرض عدم الشمول الأدلة المذكورة لهما فهما لاحقان بالزاني بالقياس ويجاب عن ذلك بأن الأدلة الواردة بقتل الفاعل والمفعول به مطلقا مخصصة لعموم أدلة الزنا الفارقة بين البكر والثيب على فرض شمولها اللوطي ومبطلة للقياس المذكور على فرض عدم الشمولية لأنه يصير فاسد الاعتبار كما تقرر في الأصول وما أحق مرتكب هذه الجريمة ومقارف هذه الرذيلة الذميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين ويعذب تعذيبا بكسر شهرة الفسقة المتمردين فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ماسبقهم بها من أحد من العالمين أن يصلى من العقوبة بما يكون في الشدة والشناعة مشابها لعقوبتهم وقد خسف الله تعالى بهم واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم وذهب أبو حنيفة والشافعي في قول له والمرتضى والمؤيد بالله إلى أنه يعزر اللوطي والأدلة الواردة في الزاني على العموم
وأما الاستدلال لهذا بحديث لأن أخطيء في العفو خير من أن أخطئ في رد العقوبة فمردود بأن ذلك إنما هو مع الالتباس والنزاع ليس هو في ذلك

4 - وعن عمرو بن أبي عمروعن عكرمة عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو وروى الترمذي وأبو داود من حديث عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس أنه قال " من أتى بهيمة فلاحد عليه " وذكر أنه أصح

- الحديث الذي رواه عكرمة أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه قال الترمذي هذا حديث لانعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وقد رواه سفيان الثوري عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس أنه قال " من أتى بهيمة فلا حدعليه " حدثنا بذلك محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان وهذا أصح من الحديث الأول والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق انتهى
وقد روى هذا الحديث ابن ماجه في سننه من حديث إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وقع على ذات محرم فاقتلوه ومن وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة وإبراهيم المذكور قد وثقه أحمد وقال البخاري منكر الحديث وضعفه غير واحد من الحفاظ وأخرجه أبو يعلى الموصلي من حديث عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير عن علي بن مسهر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعا وذكر ابن عدي عن أبي يعلى أنه قال بلغنا أن عبد الغفار رجع عنه وذكر ابن عدي أنهم أنهم كانوا لقنوه
وأخرج هذا الحديث البيهقي بلفظ " ملعون من وقع على بهيمة وقال اقتلوه واقتلوها لا يقال هذه التي فعل بها كذا وكذا " ومال البيهقي إلى تصحيحه ورواه أيضا من طريق عبادة بن منصور عن عكرمة . ورواه عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد عن داود بن الحصين عن عكرمة وإبراهيم ضعيف وإن كان الشافعي يقوي أمره إذا عرفت هذا تبين لك أنه لم يتفرد برواية الحديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة كما قال الترمذي بل رواه عن عكرمة جماعة كما بينا وقد قال البيهقي رويناه عن عكرمة من أوجه مع أن تفرد عمرو بن أبي عمرو لا يقدح في الحديث فقد قدمنا أنه احتج به الشيخان ووثقه يحيى بن معين وقال البخاري عمرو صدوق ولكنه روى عن عكرمة مناكير . والأثر الذي رواه أبو رزين عن ابن عباس أخرجه أيضا النسائي ولا حكم لرأي ابن عباس إذا انفرد فكيف إذا عارض المروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من طريقه وقد اختلف أهل العلم فيمن وقع على بهيمة فأخرج البيهقي عن جابر بن زيد أنه قال من أتى البهيمة أقيم عليه الحد
وأخرج أيضا عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه إن كان محصنا رجم وروى أيضا الحسن البصري أنه قال هو بمنزلة الزاني قال الحاكم أرى أن يجلد ولا يبلغ به الحد وهو مجمع على تحريم إتيان البهيمة كما حكى ذلك صاحب البحر وقد ذهب إلى أنه يوجب الحد كالزنا الشافعي في قول له والهادوية وأبو يوسف وذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي في قول له والمرتضى والمؤيد بالله والناصر والإمام يحيى إلى أنه يوجب التعزير فقط إذ ليس بزنا ورد بأنه فرج محرم شرعا مشتهى طبعا فأوجب الحد كالقبل . وذهب الشافعي في قول له إلى أنه يقتل أخذا بحديث الباب ( وفي الحديث ) دليل على أنها تقتل البهيمة والغلة في ذلك ما روى أبو داود والنسائي أنه قيل لابن عباس ما شأن البهيمة قال ما أراه قال ذلك إلا أنه مكره أن يؤكل لحمها وقد عمل بها ذلك العمل وقد تقدم أن العلة أن يقال هذه التي فعل بها كذا وكذا
وقد ذهب إلى تحريم لحم البهيمة المفعول بها وإلى أنها تذبح علي عليه السلام والشافعي في قول له وذهبت القاسمية والشافعي في قول له وأبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه يكره أكلها تنزيها فقط قال في البحر أنها تذبح البهيمة ولو كانت غير مأكولة لئلا تأتي بولد مشوه كما روي أن راعيا أتى بهيمة فأتت بولد مشوه انتهى
وأما حديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذبح الحيوان إلا لأكله فهو عموم مخصص لحديث الباب

باب فيمن وطئ جارية امرأته

1 - عن النعمان بن بشير " أنه رفع إليه رجل غشى جارية امرأته فقال لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة وإن كانت لم تحلها لك رجمتك "
- رواه الخمسة
وفي رواية عن النعمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال في الرجل يأتي جارية امرأته قال إن كانت أحلتها له جلدته مائة وإن لم تكن أحلتها له رجمته "
- رواه داود والنسائي

- الحديث قال الترمذي في اسناده اضطراب سمعت محمدا يعني البخاري يقول لم يسمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث إنما رواه عن خالد بن عرفطة وأبو بشر لم يسمع من حبيب بن سالم هذا الحديث أيضا إنما رواه عن خالد بن عرفطة انتهى . والذي في السنن أن أبا بشر رواه عن خالد عن عرفطة عن حبيب ولكن الترمذي رواه في سننه عن أبي بشر عن حبيب وخالد بن عرفطة قال أبو حاتم الرازي هو مجهول وقال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل عنه فقال أنا أتقي هذا الحديث وقال النسائي أحاديث النعمان هذه مضطربة
وقال الخطابي هذا الحديث غير متصل وليس العمل عليه انتهى . وعرفطة بضم العين وسكون الراء المهملتين وضم الفاء وبعدها طاء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث ( وفي الباب ) عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق عند أبي داود والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضي في رجل وقع على جارية امرأته إن كان استكرهها فهي حرة وعليه لسيدتها مثلها وإن كانت طاوعته فهي له وعليه لسيدتها مثلها
قال النسائي لا تصح هذه الأحاديث وقال البيهقي قبيصة بن حريث غير معروف وروينا عن أبي داود أنه قال سمعت أحمد بن حنبل يقول رواه عن سلمة بن المحبق شيخ لا يعرف لا يحدث عنه غير الحسن يعني قبيصة بن حريث وقال البخاري في التاريخ قبيصة ابن حريث سمع سلمة بن المحبق في حديثه نظروقال ابن المنذر لا يثبت خبر سلمة بن المحبق وقال الخطابي هذا حديث منكر وقبيصة بن حريث غير معروف والحجة لا تقوم بمثله وكان الحسن لا يبالي أن يروي الحديث ممن سمع وقال بعضهم هذا كان قبل الحدود وقد روى أبو داود والنسائي وابن ماجة من طريق الحسن البصري عن سلمة بن المحبق نحو ذلك إلا أنه قال وإن كانت طاوعته فهي ومثلها من ماله لسيدتها ( وقد اختلف ) في هذا الحديث عن الحسن فقيل عنه عن جون بن قتادة عن سلمة وجون بن قتادة قال الإمام أحمد لا يعرف والمحبق بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعدها باء موحدة مشددة مفتوحة ومن أهل اللغة من يكسرها . والمحبق لقب واسمه صخر بن عبيد وسلمة ابنه له صحبة سكن البصرة كنيته أبو سنان كنى بابنه سنان وذكر أبو عبد الله بن معده أن لابنه سنان صحبة أيضا . وجون بفتح الجيم وسكون الواو وبعدها نون وقد اختلف أهل العلم في الرجل يقع على جارية امرأته فقال الترمذي روى عن غير واحد من الصحابة منهم أمير المؤمنين علي وابن عمر ان عليه الرجم
وقال ابن مسعود ليس عليه حد ولكن يعزر . وذهب أحمد وإسحاق إلى ما رواه النعمان بن بشير انتهى . وهذا هو الراجح لأن الحديث وإن كان فيه المقال المتقدم فاقل أحواله أن يكون شبهة يدرأ
بها الحد
وقال في البحر مسألة ولو أباحت الزوجة للزوج وطء امتها أو وطيء امرأة يستحق دمها حد
وقال أبو حنيفة لا إذ هما شبهة قلنا لا نسلم انتهى . وهذا منع مجرد فإن مثل حديث النعمان إذا لم يكن شبهة فما يكون شبهة
قوله : " وإن كانت لم تحلها لك رجمتك " زاد أبو داود فوجدوه أحلتها له فجلده مائة ==

12.   مجلد 12. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار محمد بن علي بن محمد الشوكاني

باب حد زنا الرقيق خمسون جلدة

1 - عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال " أرسلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمة سوداء زنت لأجلدها الحد قال فوجدتها في دمها فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته بذلك فقال لي إذا تعالت من نفاسها فاجلدها خمسين "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند

2 - وعن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال " أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنا "
- رواه مالك في الموطأ

- حديث أمير المؤمنين علي قد تقدم الكلام عليه في باب تأخير الرجم عن الحبلى وسيأتي أيضا في الباب الذي بعد هذا . وأثر عمر مؤيد لحديث الباب لوقوع ذلك منه بمحضر جماعة من الصحابة وروى ابن وهب عن ابن جريج عن عمرو ابن دينار أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تجلد وليدتها إذا زنت خمسين . ويشهد لذلك عموم قوله تعالى { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } ولا قائل بالفرق بين الأمة والعبد كما حكى ذلك صاحب البحر وروي عن ابن عباس أنه قال لا حد على مملوك حتى يتزوج تمسكا بقوله تعالى { فإذا أحصن } فإنه تعالى علق حد الأماء بالإحصان وأجاب عنه في البحر بأن لفظ الإحصان محتمل لأنه بمعنى أسلمن وبلغن وتزوجن قال ولو سلم فخلاف ابن عباس منقوض والأولى الجواب بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الآتي في الباب الذي بعد هذا فإن فيه أنه سئل صلى الله عليه وآله وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال إن زنت فاجلدوها وهذا نص في محل النزاع
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي من حديث أبي عبد الرحمن السلمي أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه خطب فقال يا أيها الناس أقيموا الحدود على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحصن وقد وافق ابن عباس طاوس وعطاء وابن جريج وذهب الجمهور إلى خلاف ذلك
قوله : " إذا تعالت من نفاسها " بالعين المهملة أي خرجت وفيه دليل على أنه يمهل من كان مريضا حتى يصح من مرضه وقد تقدم الكلام على ذلك في باب تأخير الرجم عن الحبلى

باب السيد يقيم الحد على رقيقه

1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر "
- متفق عليه . ورواه أحمد في رواية وأبو داود وذكرا فيه في الرابعة الحد والبيع
قال الخطابي معنى لا يثرب لا تقتصرعلى التثريب

2 - وعن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني " قالا سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الأمة إذا زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير قال ابن شهاب لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة "
- متفق عليه

3 - وعن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه " أن خادما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدثت فأمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أقيم عليها الحد فوجدتها لم تجف من دمها فأتيته فأخبرته فقال إذا جفت من دمها فأقم عليها الحد أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم "
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث علي أخرجه مسلم في صحيحه والبيهقي والحاكم ووهم فاستدركه قوله " فتبين زناها " الظاهر أن المراد تبينه بما يتبين في حق الحرة وذلك إما بشهادة أربعة أو بالإقرار على الخلاف المتقدم فيه وقيل أن المراد بالتبين أن يعلم السيد بذلك وإن لم يقع إقرار ولا قامت سهادة وإليه ذهب بعضهم وحكي في البحر الإجماع على أنه يعتبر شهادة أربعة في العبد كالحر والأمة حكمها حكمه وقد ذهب الأكثر إلى أن الشهادة تكون إلى الإمام أو الحاكم وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنها تكون عند السيد
قوله : " ولا يثرب عليها " بمثناة تحتية مضمومة ومثلثة مفتوحة ثم راء مشددة مكسورة وبعدها موحدة وهو التعنيف وقد ثبت في رواية عند النسائي بلفظ " ولا يعنفها " والمراد أن اللازم لها شرعا وهو الحد فقط فلا يضم غليه سيدها ما ليس بواجب شرعا وهو التثريب والمراد نهي السيد عن أن يقتصر على التثريب دون الحد وهو مخالف لما يفهمه السياق وفي ذلك كما قال ابن بطال دليل على أنه لا يعزر من أقيم عليه الحد بالتعنيف واللوم ولهذا لم يثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم سب أحدا ممن أقام عليه الحد بل نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك كما سيأتي من حديث أبي هريرة في كتاب حد شارب الخمر
قوله : " ثم إن زنت " فيه دليل أنه لا يقام على الأمة الحد إلا إذا ونت بعد إقامة الحد عليها لا إذا تكرر منها الزنا قيل إقامة الحد كما يدل على ذلك لفظ ثم بعد ذكر الجلد
قوله : " فليبعها " ظاهر هذا أنها لا تحد إذا زنت بعد أن جلدها في المرة الثانية ولكن الرواية التي ذكرها المصنف عن أبي هريرة وزيد بن خالد مصرحة بالجلد في الثالثة وكذلك الرواية التي ذكرها عن أحمد وأبي داود أنهما ذكرا في الرابعة الحد والبيع نص في محل النزاع وبها يرد على النووي حيث قال أنه لما لم يحصل المقصود من الزجر عدل إلى الإخراج عن الملك دون الجلد مستدلا على ذلك بقوله فليبعها وكذا وافقه على ذلك ابن دقيق العيد وهو مردود وأما الحافظ في الفتح فقال الرجح أنه يجلدها قبل البيع ثم يبيعها وصرح بأن السكوت عن الجلد للعلم به ولا يخفى أنه لم يسكت صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك كما سلف وظاهر الأمر بالبيع أنه واجب وذهب الجمهور إلى أنه مستحب فقط وزعم بعض الشافعية أم الأمر بالبيع منسوخ كما حكاه ابن الرفعة في المطلب ولا أعرف له ناسخا فإن كان هو النهي عن إضاعة المال كما زعم بعضهم فيجاب عنه أولا بأن الإضاعة إنما تكون إذا لم يكن الشيء في مقابل المبيع لا الإضاعة وذكر الحبل من الشعر للمبالغة ولو سلم عدم غرادة المبالغة كما كان في البيع بحبل من شعر إضاعة والألزم أن يكون بيع الشيء الكثير بالحقير غضاعة وهو ممنوع
وقد ذهب داود وسائر أهل الظاهر إلى أن البيع واجب لأن ترك مخالطة الفيقة ومفارقتهم واجبان وبيع الكثير بالحقير جائز إذا كان البائع عالما به بالإجماع
قال ابن بطال حمل الفقهاء الأمر بالبيع على الحض على مباعدة من تكرر منه الزنا لئلا يظن بالسيد الرضا بذلك ولما في ذلك من الوسيلة إلى تكثير أولاد الزنا قال وحمله بعضهم على الوجوب ولا سلف له في الأمة فلا يشتغل به انتهى . وظاهره أنه أجمع السلف على عدم وجوب البيع فإن صح ذلك كان هو القرينة الصارفة للأمر عن الوجوب وإلا كان الحط ما قاله أهل الظاهر ( وأحاديث الباب ) فيها دليل على أن السيد يقيم الحد على مملوكه وإلى ذلك ذهب جماعة من السلف والشافعي . وذهبت العترة إلى أن حد المماليك إلى الإمام إن كان ثم امام وإلا كان إلى سيده وذهب مالك إلى أن الأمة إن كانت مزوجة كان أمر حدها إلى الإمام إلا أن يكون زوجها عبدا لسيدها فأمر حدها إلى السيد واستثنى مالك الالقطع في السرقة وهو وجه للشافعية وفي وجه لهم آخر يستثني حد الشرب وروي عن الثوري والأوزاعي أنه أنه لا يقيم السيد إلا حد الزنا وذهبت الحنفية إلى أنه لا يقيم الحدود على المماليك إلا الإمام مطلقا وظاهر أحاديث الباب أنه يحد المملوك سيده من غير فرق بين أن يكون الإمام موجودا أو معدوما وبين أن يكون السيد صالحا لإقامة الحد أم لا
وقال ابن حزم يقيمه السيد إلا إذا كان كافرا
وقد أخرج البيهقي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال أدركت بقايا الأنصار وهم يضربون الوليدة من ولائدهم في مجالسهم إذا زنت ورواه الشافعي عن ابن مسعود وأبي بردة وأخرجه أيضا البيهقي عن خارجة بن زيد عن أبيه وأخرجه أيضا عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين ينتهي إلى أقوالهم من أهل المدينة أنهم كانوا يقولون لا ينبغي لأحد يقيم شيئا من الحدود دون السلطان إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده وأمته وروى الشافعي عن ابن عمر أنه قطع يد عبده وجلد عبدا له زنى وأخرج مالك عن عائشة أنها قطعت يد عبد لها
وأخرج أيضا أن حفصة قتلت جارية لها سحرتها وأخرج عبد الرزاق والشافعي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدت جارية لها زنت وتقدم في الباب الذي قبل هذا أنها جلدت وليدة لها خمسين وقد احتج من قال أنه لا يقيم الحدود مطلقا إلا الإمام بما رواه الطحاوي عن مسلم بن يسار أنه قال كان رجل من الصحابة يقول الزكاة والحدود والفيء للسلطان
قال الطحاوي لا نعلم له مخالفا من الصحابة وتعقبه ابن حزم بأنه خالفه إثنا عشر صحابيا . وظاهر أحاديث الباب أن الأمة العبد يجلدان سواء كانا محصنين أم لا وقد تقدم الخلاف في ذلك في الباب الذي قبل هذا وقد اختلف أهل العلم في المملوك إذا كان محصنا هل يرجم أم لا فذهب الأكثر إلى الثاني وذهب الزهري وأبو ثور إلى الأول ( واحتج الأولون ) بأن الرجم لا يتنصف وأحتج الآخرون بعموم الأدلة وأما المكاتب فذهبت العترة إلى أنه لا رجم عليه ويجلد كالحر بقدر ما أدى وفي البقية كالعبد وذهبت الشافعية والنفية أنه يجلد كالعبد مطلقا لحديث " المكاتب عبد من بقي عليه درهم " وقد تقدم وتقدم الكلام على التقسيط في المكاتب في باب الكتابة

كتاب القطع في السرقة

باب ما جاء في كم يقطع السارق

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم "
- رواه الجماعة
وفي لفظ بعضهم " قيمته ثلاث دراهم "

2 - وعن عائشة قالت " كان رسول الله يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا "
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه
وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا " . رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه
وفي رواية قال " تقطع يد السارق في ربع دينار " رواه البخاري والنسائي وأبو داود
وفي رواية " قال تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا " رواه البخاري
وفي رواية قال " اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار إثني عشر درهما " رواه أحمد
وفي رواية " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن قيل لعائشة ما ثمن المجن قالت ربع دينار " رواه النسائي

3 - وعن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويرق الحبل فتقطع يده قال الأعمش كانوا كانوا يرونه بيض الحديد والحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي دراهم "
- متفق عليه . وليس لمسلم فيه زيادة قول الأعمش

- قوله " في مجن " بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون وهو الترس ويقال له مجنة يكسر الميم أيضا وجنان وجنانة بضمهما : قول " فصاعدا " هو منصوب على الحالية أي فزائدا ويستعمل بالفاء وبثم لا بالواو
وفي رواية لمسلم " لن تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فما فوقه " قوله " في ربع دينار " هذه الرواية موافقة لرواية الثلاثة الدراهم التي هي ثمن المجن كما في رواية النسائي المذكورة في الباب أن ثمن المجن كان ربع دينار وكما في رواية أحمد أنه كان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم
قال الشافعي وربع الدينار موافق لرواية ثلاثة دراهم وذك إن الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إثنا عشر درهما بدينار وكان كذلك بعده وقد تقدم أن عمر فرض الدية على أهل الورق إثني عشر ألف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار
وأخرج ابن المنذر أنه أتى عثمان بسارق سرق أترجة فقومت بثلاثة دراهم من حساب الدينار بإثني عشر فقطع
وأخرج أيضا والبيهقي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه قطع في ربع دينار وكانت قيمته درهمين ونصفا
وأخرج البيهقي أيضا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه القطع في ربع دينار فصاعدا وأخرج أيضا من طريقه أن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه قطع يد سارق في بيضة من حديد ثمنها ربع دينار ورجاله ثقات ولكنه منقطع
وقد ذهب إلى ما تقتضيه أحاديث الباب من ثبوت القطع في ثلاثة دراهم أو ربع دينار الجمهور من السلف ولخلف ومنهم الخلفاء الأربعة واختلفوا فيما يقوم به ما كان من غير الذهب والفضة فذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه يكون التقويم بالدراهم لا بربع الدينار إذا كان الصرف مختلفا وقال الشافعي الأصل في تقويم الأشياء هو الذهب لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها حتى قال أن الثلاثة الدراهم إذا لم تكن قيمتها ربع دينار لم توجب القطع انتهى
قال مالك وكل واحد من الذهب والفضة معتبر في نفسه لا يقوم بالآخر وذكر بعض البغداديين أنه ينظر في تقويم العروض بما كان غالبا في نقود أهل البلد . وذهبت العترة وأبو حنيفة وأصحابه وسائر فقهاء العراق إلى أن النصاب الموجب للقطع هو عشرة دراهم ولا قطع في أقل من ذلك
واحتجوا بما بما أخرجه البيهقي والطحاوي من حديث محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم عشرة دراهم وأخرج نحو ذلك النسائي عنه وأخرج عنه أبو داود أن ثمنه كان دينارا أو عشرة دراهم
وأخرج البيهقي عن محمد بن إسحاق عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرة دراهم
وأخرج النسائي عن عطاء مرسلا أدنى ما يقطع فيه ثمن المجن قال وثمنه عشرة دراهم قالوا وهذه الروايات في تقدير ثمن المجن أرجح من الروايات الأولى وإن كانت أكثر واصح ولكن هذه أحوط والحدود تدفع بالشبهات فهذه الروايات كأنها شبهة في العمل بما دونها وروي نحو هذا عن ابن العربي قال وإليه ذهب سفيان مع جلالته ويجاب بأن الروايات المروية عن ابن عباس وابن عمرو بن العاص في إسنادها جميعا محمد بن إسحاق وقد عنعن ولا يحتج بمثله إذا جاء بالحديث معنعنا فلا يصلح لمعارضة ما في الصحيحين عن ابن عمر وعائشة وقد تعسف الطحاوي فزعم أن حديث عائشة مضطرب ثم بين الاضطراب بما يفيد بطلان قوله وقد استوفى صاحب الفتح الرد عليه
وأيضا حديث ابن عمر حجة مستقلة ولو سلمنا صلاحية روايات ثمن المجن بعشرة دراهم لمعارضة الروايات الصحيحة لم يكن ذلك مفيدا للمطلوب أعني عدم ثبوت القطع فيما دون ذلك لما في الباب من إثبات القطع في ربع الدينار وهو دون عشرة دراهم فيرجع إلى هذه الروايات ويتعين طرح الروايات المتعارضة في ثمن النجن وبهذا يلوح لك عدم صحة الاستدلال بروايات العسر الدراهم عن بعض الصحابة على سقوط القطع فيها دونها وجعلها شبهة والحدود تدرأ بالشبهات لما سلف وقد أسلفنا عن جماعة من الصحابة أنهم قطعوا في ربع دينار وفي ثلاثة دراهم . المذهب الثالث نقله عياض عن النخعي أنه لا يجب القطع إلا في أربعة دنانير أو أربعين درهما وهذا قول لا دليل عليه فيما أعلم . المذهب الرابع حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري أنه يقطع في درهمين وحكاه في البحر عن زياد بن أبي زياد ول دليل على ذلك من المرفوع وقد أخرج ابن أبي شيبة عن أنس بسند قوي أبا بكر قطع في شيء ما يساوي درهمين
وفي لفظ لا يساوي ثلاثة دراهم . المذهب الخامس أربعة دراهم نقله ابن المنذر عن أبي هريرة وأبي سعيد وكذلك حكاه عنهما في البحر ونقله عياض عن بعض الصحابة وهو مردود بما سلف . المذهب السادس ثلث دينار ورواه ابن المنذر عن الباقر . المذهب السابع خمسة دراهم حكاه في البحر عن الناصر والنخعي وروي عن ابن شبرمة وهو مروي عن أبي ليلى والحسن البصري واستدلوا بما أخرجه ابن المنذر عن عمر أنه قال لا نقطع الخمس إلا في خمس . المذهب الثامن دينار أو ما بلغ قيمته رواه ابن المنذر عن النخعي وحكاه ابن حزم عن طائفة . المذهب التاسع ربع دينار من الذهب ومن غيره في القليل والكثير وإليه ذهب ابن حزم ونقل نحوه ابن عبد البر واستدل ابن حزم بأن التحديد في الذهب منصوص ولم يوجد نص في غيره فيكون داخلاتحت عموم الآية ويجاب عن ذلك برواية النسائي المذكورة في الباب بلفظ " لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن " ويمكن أيضا الجواب عنه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما دون ذلك " كما في الباب لأنه يصدق على ما لم تبلغ قيمته ربع دينار أنه دونه وإن كان من غير الذهب فإنه يفضل الجنس على جنس آخر مغاير له باعتبار الزيادة في الثمن وكذلك العرض على العرض باعتبار اختلاف ثمنهما
المذهب العاشر أنه يثبت القطع في القليل والكثير حكاه في البحر عن الحسن البصري وداود والخوارج واستدلوا بإطلاق قوله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ويجاب بأن إطلاق الآية مقيد بالأحاديث المذكورة في الباب واستدلوا ثانيا بحديث أبي هريرة المذكور في الباب فإن فيه يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده وقد أجيب عن ذلك أن المراد تحقير شأن السارق وخسارة ما ربحه وأنه إذا جعل السرق عادة له جرأه ذلك على سرقة ما فوق البيضة والحبل حتى يبلغ إلى المقدار الذي تقطع به الأيدي هكذا قال الخطابي وابن قتيبة وفيه تعسف ويمكن أن يقال المراد المبالغة في التنفير عن السرقة وجعل مالا قطع فيه بمنزلة مافيه القطع كما حديث " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة " وحديث " تصدق ولو بظلف محرق " مع أن مفحص القطاة لا يكون مسجدا والظلف المحرق لا ثواب في التصدق به لعدم نفعه ولكن مقام الترغيب في بناء المساجد والصدقة اقتضى ذلك على أنه قد قيل إن المراد بالبيضة بيضة الحديد كما وقع في باب الأعمش ولا شك أن لها قيمة وكذلك الحبل فإن في الحبال ما تزيد قيمته على ثلاثة دراهم كحبال السفن ولكن مقام المبالغة لا يناسب ذلك وقد تقدم أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه قطع في بيضة حديد ثمنها ربع دينار . الحادي عشر أنه يثبت القطع في درهم فصاعدا لا دونه حكاه فيي البحر عن البتي وروي عن ربيعة هذه جملة المذاهب المذكورة في المسألة وقد جعلها في الفتح عشرين مذهبا ولكن البقية على ما ذكرنا لا يصلح جعلها مذاهب مستقلة لرجوعها إلى ما حكيناه

باب اعتبار الحرز والقطع فيما يسرع إليه الفساد

1 - عن رافع بن خديج قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا قطع في ثمر ولا كثر "
- رواه الخمسة

2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الثمر المعلق فقال من أصاب منه بفيه من ذي حاجة غيرمتخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع "
- رواه النسائي وأبو داود
وفي رواية قال " سمعت رجلا من مزينة يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحريسة التي توجد في مراتعها قال فيها ثمنها مرتين وضرب نكال وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ من ذلك ثمن المجن قال يا رسول الله فالثمار وما أخذ منها في أكمامها قال من أخذ بفمه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نكال وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن "
- رواه أحمد النسائي . ولابن ماجه معناه وزاد النسائي في آخره " وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال

2 - وعن عمرة بنت عبد الرحمن " أن سارقا سرق أترجة في زمن عثمان بن عفان فأمر بها عثمان أن تقوم فقومت ثلاثة دراهم من صرف أثني عشر بدينار فقطع عثمان يده "
- رواه مالك في الموطأ

- حديث رافع بن خديج أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وصححه البيهقي وابن حبان واختلف في وصله وإرساله
وقال الطحاوي هذا الحديث تلقت العلماء متنه بالقبول . وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا الحاكم وصححه وحسنه الترمذي وأثر عثمان أخرجه أيضا البيهقي وابن المنذر ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند أحمد وابن ماجه بنحو حديث رافع وفي إسناده سعد بن سعيد المقبري وهو ضعيف وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة حبل وهو معضل قوله " ولأكثر " بفتح الكاف والناء المثلثة وهو الجمار
قال في القاموس والكثر ويحرك جمار النخل أو طلعها قال أيضا والجمار كرمان شحم النخلة
قوله : " خبنة " بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها نون قال في القاموس خبن الثوب وغيره يخبنه خبنا وخبانا بالكسر عطفه وخاصة ليقصر والطعام غيبه وخبأه للشدة والخبنة بالضم ماتحمله في حضنك انتهى
قوله : " الجرين " قال في النهاية هو موضع تجفيف التمر وهو له كالبدر للحنطة ويجمع على جرن بضمتين
قال في القاموس والجرن بالضم وكامير ومنبر البيدر وأجرن التمر جمعه فيه انتهى
قوله : " عن الحريسة " بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون التحتية بعدها سين مهملة قيل هي التي ترعى وعليها حرس فهي على هذا المحروسة نفسها وقيل هي السيارة يدركها الليل قبل أن تصل إلى مأواها
وفي القاموس حرس كضرب سرق كاحترس وكسمع عاش طويلا والحريسة المسروقة الجمع حراتس وجدار من حجارة يعمل للغم انتهى
قوله : فيها ثمنها مرتين فيه دليل على جواز التأديب بالمال وقد تقدم الكلام على ذلك في الزكاة . وقوله وضرب نكال يجوز أن يكون بالتنوين للأول وبالإضافة وفيه جواز الجمع بين عقوبة المال والبدن
قوله : " في أكمامها " جمع كم بكسر الكاف وهو وعاء الطلع وقد استدل بحديث رافع على أنه لا قطع على من سرق الثمر والكثر سواء كانا باقيين في منبتهما أو قد أخذا منه وجعلا في غيره وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة قال ولا قطع في الطعام ولا فيما أصله مباح كالصيد والحطب والحشيش واستدل على ذلك أيضا بأن هذه الأمور غير مرغوب فيها ولا يشح بها مالكها فلا حاجة إلى الزجر والحرز فيها ناقص وذهبت الهادوية إلى أنه لاقطع في الثمر والكثر والطبائخ والشواء والهرائس إذا لم تحرز وأما إذ أحرزت وجب فيها القطع وهو محكى عن الجمهور . وذهب الثوري إلى أن الشيء إن كان يبقى يوما فقط كالهرائس الشواء لم يقطع سارقه وإلا قطع وقال الشافعي أن حديث رافع خرج على ما كان عليه عادة أهل المدينة من عدم احراز حوائطها فذلك لعدم الحرز فإذا أحرزت الحوائط كانت كغيرها
وقد حكى صاحب البحر عن الأكثر أن شرط القطع الحرز وعن أحمد وإسحاق وزفر والخوارج وهو مروي عن الظاهرية وطائفة من أهل الحديث أنه لا يشترط . ويدل على ذلك ما سيأتي في قطع جاحد الوديعة وفي باب تفسير الحرز ومما يستدل به على عدم القطع في الثمر إذا كان غير محرز حديث عمرو بن شعيب المذكور في الباب فإن فيه " إن من أصاب من الثمر المعلق بفيه ولم يتخذ خبنة فلا قطع عليه ولا ضمان إن كان من ذوي الحاجة وإن خرج بشيء منه كان عليه غرامة مثليه ومن سرق منه بعد أن يخرز في الجرين قطع إذا بلغ ثمن المجن " فهذا يدل على أن الثمر إذا أحرز قطع سارقه ومما يدل على اعتبار الحرز أيضا رواية النسائي وأحمد المذكور في الباب في سارق الحريسة والثمار وأما أثر عثمان المذكور في الباب أنه قطع في أترجه فلا يعارض ما ورد في اعتبار الحرز لأن غاية ما فيه أنه لم يقع تقييد ذلك بالحرز فيمن حمله على أن تلك الأترجة كانت قد أحرزت وهكذا حديث رافع فإن ظاهره أنه لا قطع في ثمر ولا كثر مطلقا ولكنه مطلق مقيد بحديث عمرو بن شعيب المذكور بعده

باب تفسير الحرز وأن المرجع فيه إلى العرف

1 - عن صفوان بن أمية قال " كنت قائما قي المسجد على خميصة لي فسرقت فأخذنا السارق فرفعناه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بقطعه فقلت يا رسول الله أفي خميصة ثمن ثلاثين درهما أنا أهبها له أو أبيعها له قال فهلا كان قبل أن تأتيني به "
- رواه الخمسة إلا الترمذي
وفي رواية لأحمد والنسائي " فقطعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "

2 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطع يد سارق سرق برنسا من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي

- حديث صفوان أخرجه مالك في الموطأ والشافعي والحاكم من طرق منها عن طاوس عن ابن عباس قال البيهقي وليس بصحيح ومنها عن طاوس عن صفوان قال ابن عبد البر سماع طاوس عن صفوان ممكن لأنه أدرك زمن عثمان وروي عنه أنه قال أدركت سبعين صحابيا ورواه مالك عن الزهري عن عبيد الله بن صفوان عن أبيه وقد صححه ابن الجارود والحاكم وله شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال الحافظ وسنده ضعيف ورواه البزار والبيهقي عن طاوس مرسلا . ورواه أيضا البيهقي عن الشافعي عن مالك أن صفوان بن أمية الحديث وأخرجه أيضا البيهقي من حديث حميد ابن أخت صفوان . وحديث ابن عمر أخرجه أيضا مسلم بمعناه
قوله : " خميصة " بخاء معجمة مفتوحة وميم مكسورة وتحتية ساكنة ثم صاد قال في القاموس الخميصة كساء أسود مربع له علمان
قوله : " برنسا " بضم الموحدة وسكون الراء وضم النون بعده مهملة قال في القاموس هو قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه دراعة كان أوجبه
وفي جامع الأصول وسنن أبي داود وغيرهما بلفظ نرسا بالمثناة من فوق وسكون الراء يعدها مهملة وهو معروف قوله " صفة النساء " بضم . الصاد المهملة وتشديد الفاء أي الموضع المختص بهن من المسجد وصفة المسجد موضع مظلل منه . وحديث صفوان يدل على أن العفو بعد الرفع إلى الأمام لا يسقط به الحد وهو مجمع عليه كما قدمنا ذلك في باب الحث علىإقامة الحد إذا ثبت والنهي عن الشفاعة فيه وروى عن أبي حنيفة أنه يسقط القطع بالعفو مطلقا والحديث يرد عليه بقوله فهلا كان قبل أن تأتيني به الأخبار له عما ذكره من البيع أو الهبة أنهما إنما يصحان قبل الرفع إلى الأمام لا بعده وفيه دليل على أن القطع يسقط بالعفو قبل الرفع وهو مجمع عليه
وقد استدل بحديثي الباب من قال بعدم اشتراط الحرز وقد سبق ذكرهم في الباب الذي قبل هذا ويرد بأن المسجد حرز لما داخله من آلته وغيرها وكذلك الصفة المذكورة في حديث ابن عمر ولا سيما بعد أن جعل صفوان خميصته تحت رأسه كما ثبت في الروايات وأما جعل المسجد حرزا لآلته فقط فخلاف الظاهر ولو سلم ذلك كان غايته تخصيص الحرز يمثل المسجد ونحوه مما يستوي الناس فيه لما في ترك القطع في ذلك من المفسدة وأما التمسك بعموم آية السرقة فلا ينتهض للاستدلال به لأنه عموم مخصوص بالأحاديث القاضية باعتبار الحرز ومما يؤيد اعتباره قول صاحب القاموس السرقة والاستراق المجيء مستترا لأخذ مال غيره من حرز فهذا إمام من أئمة اللغة جعل الحرز جزأ من مفهوم السرقة وكذا قال ابن الخطيب في تيسير البيان

باب ما جاء في المختلس والمنتهب والخائن وجاحد العارية

1 - عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي

- الحديث أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن حبان وصححه وفي رواية له عن ابن جريح عن عمرو بن دينار وأبي الزبير عن جابر وليس فيه ذكر الخائن ورواه ابن الجوزي في العلل من طريق مكي بن إبراهيم عن جريح وقال لم يذكر فيه الخائن غير مكي
قال الحافظ قد رواه ابن حبان من غير طريقه فأخرجه من حديث سفيان عن أبي الزبير عن جابر بلفظ " ليس على المختلس ولا على الخائن قطع " وقال ابن أبي حاتم في العلل لم يسمعه ابن جريح من أبي الزبير إنما سمعه من ياسين بن معاد الزيات وهو ضعيف وكذا قال أبو داود
قال الحافظ أيضا وقد رواه المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر وأسنده النسائي من حديث المغيرة ورواه سويد بن نصر عن ابن المبارك عن ابن جريح أخبرني أبو الزبير قال النسائي ورواه عيسى بن يونس والفضل بن موسى وابن وهب ومخلد ابن يزيد وجماعة فلم يقل واحد منهم عن ابن جريح حدثني أبو الزبير ولا أحسبه سمعه عنه وقد أعله ابن القطان بعنعنة أبي الزبير عن جابر وأجيب بأنه قد أخرجه عبد الرازق في مصنفه وصرح يسماع أبي الزبير من جابر ( وفي الباب ) عن عبد الرحمن بن عوف عند ابن ماجه بإسناد صحيح بنحو حديث الباب وعن أنس عند ابن ماجه أيضا والطبراني في الأوسط . وعن ابن عباس عند ابن الجوزي في العلل وضعفه وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا ولا سيما بعد تصحيح الترمذي وابن حبان لحديث الباب وياسين الزيات هو الكوفي وأصله يمامي قال المنذري لا يحتج بحديثه والمغيرة ابن مسلم هو السراج خراساني كنيته أبو سلمة قال ابن معين صالح الحديث صدوق وقال أبو داود الطبالسي أنه كان صدوقا وقد ذهب إلى أنه لا يقطع المختلس والمنتهب والخائن العترة والشافعية والحنفية وذهب أحمد وإسحاق وزفر والخوارج إلى أنه يقطع وذلك لعدم اعتبارهم الحرز كما سلف والمراد بالخائن هو من يأخذ المال خفية ويظهر النصح للمالك والمنتهب هو من ينتهب المال على جهة القهر والغلبة والمختلس الذي يسلب المال على طريقة الخلسة وقال في النهاية هو من يأخذه سلبا ومكابرة

2 - وعن ابن عمر قال " كانت المخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقطع يدها "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود وقال " فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقطعت يدها " قال أبو داود ورواه ابن أبي نجيح عن نافع عن صفية بنت عبيد قال فيه فشهد عليها

3 - وعن عائشة قالت كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أسامة لا أراك تشفع في حد من حدود الله عز و جل ثم قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا فقال إنما هلك من كان قبلكم بأنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها فقطع يد المخزومية "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي
وفي رواية قال " استعارت مرأة يعني خليا على ألسنة ناس يعرفون ولا تعرف هي فباعته فأخذت فأتى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بقطع يدها وهي التي شفع فيها أسامة بن زبد وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قال " . رواه أبو داود والنسائي

- حديث أبو عمر أخرجه أيضا أبو عوانة في صحيحه من طريق أيوب عن نافع عنه وأخرجه أيضا النسائي وأبو عوانة من وجه آخر عن عبد الله العمري عن نافع عنه أيضا بلفظ استعارت حليا
قوله : " كانت مخزومية " اسمها فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو هي بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي
قوله : " تستعير المتاع وتجحده " في رواية لعبد الرزاق بسند صحيح إلى أبي بكر ابن عبد الرحمن أن امرأة جاءت فقالت إن امرأة تستعير حليا فأعارتها فمكثت لا تراها فجاءت إلى التي استعارت لها تسألها فقالت ما استعرتك شيئا فرجعت إلى الأخرى فانكرت فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعاها فسألها فقالت والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئا فقال اذهبوا إلى بيتها تجدوه تحت فراشها فأتوه وأخذوه فأمر بها فقطعت
قوله : " فأتي أهلها أسامة فكلموه " وفي رواية للبخاري " أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وجاء في رواية أن المخزومية المذكورة عاذت بأم سلمة وأخرج الحاكم موصولا وأبو داود مرسلا أنها عاذت بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستشكل ذلك بأن زينب ماتت في شهر جمادى من السنة السابعة من الهجرة وقصة المخزومية في غزوة الفتح سنة ثمان وقيل المراد زينب بنت أم سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتكون نسبتها إليه مجازا وجاء في رواية لعبد الرزاق أنها عاذت بعمرو بن أبي سلمة والجمع بين الروايات أنها عاذت بأم سلمة وابنتيها فشفعوا لها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يشفعهم فطلب الجماعة من قريش من أسامة الشفاعة ظنا منهم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبل شفاعته لمحبته له
قوله : " لا أراك تشفع في حد من حدود الله " فيه دليل على تحريم الشفاعة في الحدود وهو مقيد بما إذا كان قد وقع الرفع إلى الإمام لا قبل ذلك فإنه جائز وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث من مرسل حبيب ابن أبي ثابت أن النبي ؟ ؟ قال لأسامة لما تشفع لا تشفع في حد فإن الحدود إذا انتهت إلى فليست بمتروكة وقد قدمنا فيباب الحثعلى إقامة الحدود والنهي عن الشفاعة فيه ما فيه أكمل دلالة على الفرق بين الشفاعة في الحد قبل الرفع وبعده
قوله : " إنما هلك من كان قبلكم " في رواية " إنما هلك بنو اسرائيل " وظاهر الحصر العموم وأنه لم يقع الهلاك لمن قبل هذه الأمة أو لبني اسرائيل إلا بهذا السبب وقيل الراد من هلك بسبب تضييع الحدود فيكون المراد بالعموم هذا النوع الخاص وفي حديث عائشة عند أبي الشيخ أنهم عطلوا الحدود عن الأغنياء وأقاموها على الضعفاء ومثله ما في حديث الباب أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه الخ
وفي حديث ابن عباس أنهم كانوا يأخذون الدية من الشريف إذا قتل عمدا والقصاص من الضعيف قوله " فقطع يد المخزومية " فيه دليل على أنه يقطع جاحد العارية وإليه ذهب من لم يشترط في القطع أن يكون من الحرز وهو أحمد وإسحاق وزفر والخوارج كما سلف وبه قال أهل الظاهر وانتصر له ابن حزم . وذهب الجمهور إلى عدم وجوب القطع لمن جحد العارية واستدلوا على ذلك بأن القرآن والسنة أوجبا القطع على السارق والجاحد للوديعة ليس بسارق ورد بأن الجحد داخل في اسم السرقة لأنه هو والسارق لا يمكن الاحتراز منهما بخلاف المختلس والمنتهب كذا قال ابن القيم ويجاب عن ذلك بأن الخائن لا يمكن الاحتراز عنه لأنه آخذ المال خفية مع إظهار النصح كما سلف وقد دل الدليل على أنه لا يقطع وأجاب الجمهور عن أحاديث الباب المذكورة في المخزومية بأن الجحد للعارية وإن كان مرويا فيها من طريق عائشة وجابر وابن عمر وغيرهم لكنه ورد التصريح في الصحيحين وغيرهما بذكر السرقة وفي رواية من حديث ابن مسعود أنها سررقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه وأبو الشيخ وعلقه أبو داود والترمذي ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليا قالوا والجمع ممكن بأن يكون الحلى في القطيفة فتقرر أن المذكورة قد وقع منها السرق فذكر جحد العارية لا يدل على أن القطع كان له فقط ويمكن أن يكون ذكر الحجد لقصد التعريف بحالها وأنها كانت مشتهرة بذلك الوصف والقطع كان للسرقة كذا قال الخطابي وتبعه البيهقي والنووي وغيرهما ويؤيد ما في هذا حديث الباب من قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هلك من كان قبلكم بانه إذا سرق فيهم الشريف الخ فإن ذكر هذا عقب ذكر المرأة المذكورة يدل على أنه قد وقع منها السرقة ويمكن أن يجاب عن هذا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل ذلك الجحد منزلة السرق فيكون دليلا لمن قال أنه يصدق اسم السرق على جحد الوديعة ولا يخفى أن الظاهر من أحاديث الباب أن القطع كان لأجل ذلك الجحد كما يشعر به قوله في حديث ابن عمر بعد وصف القصة فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقطع يدها
وكذلك بقية الألفاظ المذكورة ولا ينافي ذلك وصف المرأة في بعض الروايات بانها سرقت فإنه يصدق على جاحد الوديعة بأنه سارق كما سلف فالحق قطع جاحد الوديعة ويكون ذلك مخصصا للأدلة الدالة على اعتبار الحرز . ووجهه أن الحاجة الماسة بين الناس إلى العارية فلو علم المعيران المستعير إذا جحد لا شيء عليه لجر ذلك إلى سد باب العارية وهو خلاف المشروع

باب القطع بالإقرار وأنه لا يكتفى فيه بالمرأة

1 - عن أبي أميمة المخزومي " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى بلص فاعترف اعترافا ولم يوجد معه المتاع فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أخالك سرقت قال بلى مرتين أو ثلاثا قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقطعوه ثم جيئوا به قال فقطعوه ثم جاؤا به فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قل أستغفر الله وأتوب إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم تب عليه "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي ولم يقل فيه مرتين أو ثلاثا وابن ماجه وذكر مرة ثانية فيه قال " ما أخالك سرقت قال بلى "

2 - وعن القاسم بن عبد الرحمن عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه " قال لا يقطع السارق حتى يشهد على نفسه مرتين "
- حكاه أحمد في رواية مهنا واحتج به

- حديث أبي أمية قال الحافظ في بلوغ المرام رجاله ثقات وقال الخطابي أن في إسناده مقالا قال والحديث إذا ورواه رجل مجهول لم يكن حجة ولم يجب الحكم به قال المنذري وكأنه يشير إلى أن أبا المنذر مولى أبي ذر لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة من رواية حماد بن سلمة عنه ويشهد له ما سيأتي في الباب الذي بعد هذا وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة . منها عن أبي الدرداء أنه أتى بجارية سرقت فقال لها أسرقت قولي لا فقالت لا فخلى سبيلها . وعن عطاء عند عبد الرزاق أنه قال كان من مضى يؤتى إليهم بالسارق فيقول أسرقت ؟ قل لا وسمى أبو بكر وعمر وأخرج أيضا عن عمر بن الخطاب أتي برجل فسأله أسرقت قل لا فقال لا فتركه . وعن أبي هريرة عند ابن أبي شيبة أن أبا هريرة أتى بسارق فقال أسرقت قل لا مرتين أو ثلاثا . وعن أبي مسعود الأنصاري في جامع سفيان أن امرأة سرقت جملا فقال أسرقت قولي لا
قوله : " ما أخالك سرقت " بفتح الهمزة وكسرها أي ما أظنك سرقت وفي ذلك دليل على أنه يستحب تلقين ما يسقط الحد
قوله : " مرتين أو ثلاثا " استدل به من قال ان الإقرار بالسرقة مرة واحدة لا يكفي بل لا بد من الإقرار مرتين أو ثلاثا وأقل ما يلزم به القطع مرتان وإلى ذلك ذهبت العترة وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأحمد بن حنبل وإسحاق وروي عن أبي يوسف . وذهب مالك والشافعية والحنفية وهو مروى عن أبي يوسف إلى أنه يكفي الإقرار مرة ويجاب عن الاستدلال بحديث أبي أمية المذكور أنه لا يدل على اشتراط الإقرار مرتين وإنما يدل على أنه يندب له تلقين المسقط للحد عنه والمبالغة في الاستثبات ومما يدل على أن هذا هو المراد أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لا أخالك سرقت ثلاث مرات وفي رواية ولا قائل بأنه يشترط ثلاث مرات ولو كان مجرد الفعل يدل على الشرطية لكان وقوع التكرار منه صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرات يقتضي اشتراطها وقد تقدم في حديث المجن ورداء صفوان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع ولم ينقل في ذلك تكرير الإقرار وأما الاحتجاج بما روى عن علي عليه السلام كما ذكره المصنف فهو وإن كانت الصيغة مشعرة باشتراط الإقرار مرتين لكنه لا تقوم به حجة إلا عند من يرى حجية قوله كما ذهب إليه بعض الزيدية
قوله : " قل استغفر الله " فيه دليل على مسروعية أمر المحدود بالاستغفار والدعاء له بالتوبة بعد استغفاره

باب حسم يد السارق إذا قطعت واستحباب تعليقها في عنقه

1 - عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى بسارق قد سرق شملة فقالوا يا رسول الله إن هذا قد سرق فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أخاله سرق فقال السارق بلى يا رسول الله فقال اذهبوا به فاقطعوه ثم احسمواه ثم أئتوني به فقطع فأتي به فقال تب إلى الله قال قد تبت إلى الله فقال تاب الله عليك "
- رواه الدارقطني

2 - وعن عبد الرحمن بن محيريز قال " سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق اليد في عنق السارق أمن السنة قال أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه "
- رواه الخمسة إلا أحمد وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف

- حديث أبي هريرة أخرجه موصولا أيضا الحاكم والبيهقي وصححه ابن القطان وأخرجه أبو داود في المراسل من حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان بدون ذكر أبي هريرة ورجح المرسل ابن خزيمة وابن المديني وغير واحد . وحديث عبد الرحمن بن محيريز قال الترمذي حسن غريب لا تعرفه إلا من حديث عمر ابن علي المقدمي عن الحجاج بن أرطأة وعبد الرحمن بن محيريز هو أخو عبد الله ابن محيريز شامي انتهى
وقال النسائي الحجاج بن أرطأة ضعيف لا يحتج بحديثه قال المنذري وهذا الذي قاله النسائي قاله غير واحد من الأئمة
قوله : " ثم احسموه ظاهره أن الحسم واجب والمراد به الكي بالنار أي يكوى محل القطع لينقطع الدم لأن منافذ الدم تنسد به لأنه ربما أسترسل الدم فيؤذي إلى التلف وذكر في البحر أنه إذا كره السارق الحسم لم يحسم له وجعله مندوبا فقط مع رضاه وفي كل من الطرفين نظر أما الأول فلأن ترك الحسم إذا كان مؤديا إلى التلف وجب علينا عدم الإجابة له إلى ما يؤدي إلى تلفه وأما الثاني فلأن ظاهر الحديث الوجوب لكونه أمر أولا صارف له من معناه الحقيقي ولاسيما مع كونه يؤدي الترك إلى التلف فإنه يصير واجبا من جهة أخرى قال في البحر وثمن الدهن وأجرة القطع من بيت المال ثم من مال السارق فإن اختار أن يقطع نفسه فوجهان قال الأمام يحيى لا يمكن كالقصاص وسائر الحدود وقيل يمكن لحصول الزجر انتهى
قوله : " فعلقت في عنقه " فيه دليل على مشروعية تعليق يد السارق في عنقه لأن في ذلك من الزجر ما لا مزيد عليه فإن السارق ينظر إليها مقطوعة معلقة فيتذكر السبب لذلك وما جرى إليه ذلك الأمر من الخسارة بمفارقة ذلك العضو النفيس وكذلك الغير يحصل له بمشاهدة اليد على تلك الصورة من الإنزجار ما تنقطع به وساوسه الرديئة
وأخرج البيهقي أن عليا رضي الله عنه قطع سارقا فمرو به ويده معلقة في عنقه

باب ما جاء في السارق يوهب السرقة بعد وجوب القطع والشفع فيه

1 - عن عبد الله بن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب "
- رواه النسائي وأبو داود

2 - وعن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود "
- رواه أحمد وأبو داود

3 - وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن " أن الزبير بن العوام لقي رجلا قد أخذ سارقا وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفعى له الزبير ليرسله فقال لا حتى أبلغ به السلطان فقال الزبير إذا بلغت به السلطان فلعن الله الشافع والمشفع "
- رواه مالك في الموطأ

4 - وعن عائشة " أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت قالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب فقال يا أيها الناس إن ما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها "
- متفق عليه

- حديث عبد الله بن عمرو أخرجه أيضا الحاكم وصححه وسكت عنه أبو داود وهو من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال في الفتح وسنده إلى عمرو بن شعيب صحيح والواقع فيما وقفنا عليه من نسخ هذا الكتاب عبد الله بن عمر بدون واو ولعله غلط من الناسخ . وحديث عائشة الأول أخرجه أيضا النسائي وابن عدي والعقيلي وقال له طرق وليس فيها شيء يثبت وذكره ابن طاهر في تخريج أحاديث الشهاب من رواية عبد الله بن هرون بن موسى الفروي عن القعني عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أنس وقال الإسناد باطل والحمل فيه على الفروي ورواه الشافعي وابن حبان في صحيحه وابن عدي أيضا والبيهقي من حديث عائشة بلفظ " أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم " ولم يذكر ما بعده قال الشافعي وسمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث ويقول يتجاوز للرجل من ذوي الهيئات عثرته مالم يكن حدا وقال عبد الحق ذكره ابن عدي في باب واصل بن عبد الرحمن الرقاشي ولم يذكر له علة قال الحافظ وواصل هو أبو حرة ضعيف وفي إسنادابن حبان أبو بكر بن نافع وقد نص أبو زرعة على ضعفه في هذا الحديث ( وفي الباب ) عن ابن عمر رواه الشيخ في كتاب الحدود بإسناد ضعيف وعن ابن مسعود رفعه " تجاوزوا عن ذنب السخي فإن الله يأخذ بيده عند عثراته " ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف . وأثر الزبير المذكور أخرجه أيضا الطبراني قال في الفتح وإسناده منقطع مع وقفه وهو عند ابن أبي شيبة بسند حسن عن الزبير
وفي حديث عبد الله بن عمر دليل على مشروعية المعافاة في الحدود قبل الرفع إلى الإمام لا بعده وقد تقدم الكلام على ذلك . وحديث عائشة فيه دليل على أنه يشرع إقالة أرباب الهيئات إن وقعت منهم الزلة نادرا والهيئة صورة الشيء وشكله وحالته ومراده أهل الهيئات الحسنة والعثرات جمع عثرة والمراد بها الزلة كما وقع في الرواية المذكورة قال الشافعي وروي الهيئات الذين يقالون عثراتهم الذين ليسوا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة
وقال الماوردي في تفسير العثرات المذكورة وجهان . أحدهما الصغائر . والثاني أول المعصية زل فيها مطيع والمراد بقوله إلا الحدود أي فإنها لا تقال بل تقام على ذي الهيئة وغيره بعدد الرفع إلى الأمام وأما قبله فيستحب الستر مطلقا لما في حديث أبي هريرة عند الترمذي من حديث " ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة " وأخرجه أيضا الحاكم ورواه الترمذي من حديث ابن عمر ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث مسلمة بن مخلد مرفوعا " من ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة " وروى ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعا " من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ومن كشف عورة أخيه كشف الله عورته حتى يفضحه في بيته "
قوله : " فلعن الله الشافع والمشفع " فيه التشديد في الشفاعة في الحدود بعد الرفع وقد تقدم الكلام على حديث المخزومية الذي ذكره المصنف

باب في حد القطع وغيره هل يستوفي في دار الحرب أم لا

1 - عن بسر بن أرطأة " أنه وجد رجلا يسرق في الغزو فجلده ولم يقطع يده وقال نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن القطع في الغزو "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي منه مرفوع

2 - وعن عبادة بن الصامت " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال جاهدوا الناس في الله القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم واقيموا حدود الله في الحضر والسفر "
- رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه

- حديث بسر بن أرطأة سكت عنه أبو داود وقال الترمذي غريب ورجال إسناده عند أبي داود ثقات إلى بسر وفي إسناد الترمذي ابن لهيعة وفي إسناد النسائي بقية بن الوليد واختلف في صحبة بسر المذكور وهو بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وبعدها راء قرشي عامري كنيته أبو عبد الرحمن فقيل له صحبة وقيل لا صحبة له وإن مولده بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وله أخبار مشهورة وكان يحيى بن معين لا يحسن الثناء عليه
قال المنذري وهذا يدل أنه عنده لا صحبة له ونقل في الخلاصة عن ابن معين أنه قال لا صحبة له وأنه رجل سوء ولى اليمن وله بها آثار قبيحة انتهى . ونقل عبد الغني أن حديثه في الدعاء فيه التصريح بسماعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد غمزه الدارقطني ولا يرتاب منصف أن الرجل ليس بأهل للرواية وقد فعل في الإسلام أفاعيل لا تصدرعمن في قلبه مثقال حبة من إيمان كما تضمنت ذلك كتب التاريخ المعتبرة فثبوت صحبته لا يرفع القدح عنه على ما هو المذهب الراجح بل هو إجماع لا يختلف فيه أهل العلم العلم كما حققنا ذلك في غير هذا الموضع وحققه العلامة محمد بن إبراهيم الوزير في تنقيحه ولكن إذا كان المناط في قبول الرواية هو تحري الصدق وعدم الكذب فلا ملازمة بين القدح في العدالة وعدم قبول الرواية وهذا يتمشى على قول من قال أن الكفر والفسق مظنة تهمة لا من قال أنهما سلب أهلية على ما تقرر في الأصول . وحديث عبادة بن الصامت أخرج أوله الطبراني في الأوسط والكبير قال في مجمع الزوائد وأسانيد أحمد وغيره ثقات يشهد لصحته عمومات الكتاب والسنة وإطلاقتهما لعدم الفرق فيها بين القريب والبعيد والمقيم والمسافر ولا معارضة بين الحديثين لأن حديث بسر أخص مطلقا من حديث عبادة فيبني العام على الخاص وبيانه أن السفر المذكور في حديث عبادة أعم مطلقا من الغزو المذكور في حديث بسر لأنه المسافر قد يكون غازيا وقد لا يكون وأيضا حديث بسر في حد السرقة وحديث عبادة في عموم الحد : وقوله " فجلده " فيه إجمال لعدم ذكر عدد الجلد والظاهر أن أمر ذلك إلى الإمام كسائر التعزيرات

كتاب حد شارب الخمر

1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين قال وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن أخف الحدود ثمانين فأمر به عمر "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه

2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين "
- متفق عليه

3 - وعن عقبة بن الحرث " قال جيء بالنعمان أو ابن النعمان شاربا فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان في البيت أن يضربوه فكنت فيمن ضربه فضربناه بالنعال والجريد "

4 - وعن السائب بن يزيد قال " كنا نؤتي بالشارب في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي امرأة أبي بكر وصدرا من امرأة عمر فنقوم إليه نضربه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان صدرا من امرأة عمر فجلد فيها أربعين حتى إذا عتوا فيها وفسقوا جلد ثمانين "
- رواهما أحمد والبخاري

5 - وعن أبي هريرة قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل قد شرب فقال إضربوه فقال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله قال لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود

6 - وعن حضين بن المنذر قال " شهدت عثمان بن عفان أتى بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال أزيدكم فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد آخر أنه رآه يتقيؤها فقال عثمان أنه يتقيأها حتى شربها فقال يا علي قم فاجلده فقال علي قي يا حسن فاجلده فقال الحسن ول حارها من تولى قارها فكأنه وجد عليه فقال يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال أمسك ثم قال جلد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي "
- رواه مسلم وفيه من الفقه أن للوكيل أن يوكل وأن الشهادتين على شيئين إذا آل معناهما إلى شيء واحد جمعتا جائزة كالشهادة على البيع والإقرار به أو على القتل والإقرار به

- قوله " قد شرب الخمر " أعلم أن الخمر يطلق على عصير العنب المشتد إطلاقا حقيقا اجماعا واختلفوا هل يطلق على غيره حقيقة أو مجازا وعلى الثاني هل مجاز لغة كما جزم به صاحب المحكم
قال صاحب الهداية من الحنفية الخمر عندنا ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتد وهو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم انتهى . أو من باب القياس على الخمر الحقيقية عند من يثبت التسمية بالقياس وقد صرح في الراغب أن الخمر عند البعض اسم لكل مسكر وعند بعض للمتخذ من العنب والتمر وعند بعضهم لغير المطبوخ رجح أن كل شيء بستر العقل يسمى خمرا لأنها سميت بذلك لمخامرتها للعقل وسترها له وكذا قال جماعة من أهل اللغة منهم الجوهري وأبو نصر القشيري والدينوري وصاحب القاموس ويؤيد ذلك أنها حرمت بالمدينة وما كان شرابهم يؤمئذ إلا نبيذ البسر والتمر ويؤيده أيضا أن الخمر في الأصل الستر ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها والتغطية و منه خمروا آنيتكم أي غطوها والمخالطة ومنه خامره داء أي خالطه والإدراك ومنه اختمر العجين أي بلغ وقت ادراكه قال ابن عبد البر الأوجه كلها موجودة في الخمر لأنها تركت حتى أدركت وسكنت فإذا شربت خالطت العقل حتى تغلب عليه وتغطيه ونقل عن الأعرابي أنه قال سميت الخمر خمرا لأنها تركت حتى اختمرت واختمارها تغير رائحتها قال الخطابي زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب فيقال لهم إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمرا عزب فصحاء فلو لم يكن هذا الاسم صحيحا لما أطلقوه انتهى . ويجاب بإمكان أن يكون ذلك الإطلاق الواقع منهم شرعيا لا لغويا وأما الاستدلال على اختصاص الخمر بعصير العنب بقوله تعالى { إني أراني أعصر خمرا } ففاسد لأن الصيغة لا دليل فيها على الحصر المدعي وذكر شيء بحكم لا ينفي ما عداه وقد روى ابن عبد البر عن أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الحديث كلهم أن كل مسكر خمر
وقال القرطبي الأحاديث الواردة عن أنس وعيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب وما كان من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناوله اسم الخمر وهو قول مخالف للغة العرب وللسنة الصحيحة وللصحابة لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا من الأمر بالاجتناب تحريم كل ما يسكر ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين اما يتخذ من غيره بل سووا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه ولم يتوفقوا ولم يستفصلوا ولم يشكل عليهم شيء من ذلك بل بادرو إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن فلو كان عندهم تردد لتوقفوا عن الأراقة حتى يستفصلوا ويتحقق التحريم وقد أخرج أحمد في مسنده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من الحنطة خمر ومن الشعير خمر ومن التمر خمر ومن الزبيب خمر ومن العسل خمر
وروي ايضا أنه خطب عمر عبى المنبر وقال إلا أن الخمر قد حرمت وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل . وهو في الصحيحين وغيرهما وهو من أهل اللغة وتعقب بأن ذلك يمكن أن يكون إطلاقا للأسم
الشرعي لا اللغوي فيكون حقيقة شرعية قال ابن المنذر القائل بأن الخمر من العنب وغيره عمر وعلي وسعد وابن عمر وأبو موسى وأبو هريرة وابن عباس وائشة ومن غيرهم ابن المسيب والشافعي وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث وحكاه في البحر عن الجماعة المذكورين من الصحابة إلا أبا موسى وعائشة وعن المذكورين من غيرهم إلا ابن المسيب وزاد العترة ومالكا والأوزاعي وقال أنه يكفر مستحل خمر الشجرتين ويفسق مستحل ما عداهما ولا يكفر لهذا الخلاف ثم قال فرع وتحريم سائر المسكرات بالسنة والقياس فقط إذ لا يسمى خمرا إلا مجازا وقيل بهما وبالقرآن لتسميتها خمرا في حديث " أن من التمر خمرا " الخبر وقول أبي موسى وابن عمر الخمر ما خامر العقل قلنا مجاز انتهى
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أحاديث منها ما هو بلفظ كل مسكر خمر كل مسكر حرام ومنها ما هو بلفظ " كل مسكر خمر وكل خمر حرام " ومنها ما هو بلفظ " كل شراب أسكر فهو حرام " وهذا لا يفيد المطلوب وهو كونها حقيقة في غير عصير العنب أو مجازا لأن هذه الأحاديث غاية ما يثبت بها أن المسكر على عمومه يقال له خمر ويحكم بتحريمه وهذه حقيقة شرعية لا لغوية وقد صرح الخطابي بمثل هذا وقال إن مسمى الخمر كان مجهولا عند المخاطبين حتى بينه الشارع بأنه ما أسكر فصار ذلك كلفظ الصلاة والزكاة وغيرهما من الحقائق الشرعية وقد عرفت ما سلف عن أهل اللغة من الخلاف
قوله : " فجلد بجريدتين نحو أربعين " الجريد سعف النخل وفي ذلك لدليل على مشروعية أن يكون الجلد بالجريد وإليه ذهب بعض الشافعية وقد صرح القاضي أبو الطيب ومن تبعه بأنه لا يجوز بالسوط وصرح القاضي حسين بتعين السوط واحتج بأنه إجماع الصحابة وخالفه النووي في شرح مسلم فقال أجمعوا على على الاكتفاء بالجريد والنعال واطراف الثياب ثم قال والأصح جوازه بالسوط وحكى الحافظ عن بعض المتأخرين أنه يتعين السوط للمتمردين وأطراف الثياب والنعال للضعفاء وم ؟ ؟ عداهم بحسب ما يليق بهم وهذه الرواية مصرحة بأن الأربعين كانت بجريدتين وفي رواية للنسائي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضربه بالنعال نحوا من أربعين
وفي رواية لأحمد والبيهقي فأمر نحوا من عشرين رجلا فجلده كل واحد جلدتين بالجريد والنعال فيجمع بأن جملة الضربات كانت نحو أربعين إلا أن كل جلدة بجريدتين وهذا الجمع باعتبار مجرد الضرب بالجريد وهو مبين لما أجمل في الرواية المذكورة في حديث أنس بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال " وكذلك ما في سائر الروايات المجملة ولكن الجمع بين الضرب بالجريد والنعال في روايات الباب يدل على أن الضرب بهما غير مقدر بحد لأنها إذا كانت الضربات بالجريد مقدرة بذلك المقدار فلم يأت ما يدل على تقدير الضربات بالنعال إلا رواية النسائي المتقدمة فإنها مصرحة أن الضرب كان بالنعال فقط نحوا من أربعين وورد أيضا الضرب بالأردية كما في رواية السائب بن يزيد المذكورة وفي حديث علي المذكور في جلد الوليد تصريح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد أربعين وهو يخالف ما سيأتي من حديثه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يسن في ذلك سنة ويمكن الجمع بأن المراد بالسنة المذكورة في الحديث الآتي هي الطريقة المستمرة وفعل الأربعين في مرة واحدة لا يستلزم أن يكون ذلك سنة مع عدم الاستمرار كما في سائر الروايات وقيل تحمل رواية الأربعين على التقريب دون التحديد ويمكن الجمع أيضا بما سيأتي أن جلد الوليد بسوط له طرفان فكان الضرب باعتبار المجموع أربعين وبالنظر إلى الحاصل من كل واحد من الطرفين ثمانين وقد ضعف الطحاوي هذه الرواية التي فيها التصريح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد أربعين لعبد الله بن فيروز أو يجاب بأنه قوى الحديث البخاري كما روى ذلك الترمذي عنه . ووثق عبد الله المذكور أبو زرعة والنسائي وإخراج مسلم له دليل على أنه من المقبولين وقال ابن عبد البر أن هذا الحديث أثبت شيء في هذا الباب واستدل الطحاوي على ضعف الحديث بقوله فيه وكل سنة الخ قال لأن عليا لا يرجح فعل عمر على فعل النبي بناء منه على أن قول علي وهذا أحب إلى أشارة إلى الثمانين التي فعلها عمر وليس الأمر كذلك بل المشار إليه هو الجلد الواقع بين يديه في تلك الحال وهو أربعون كما يشعر بذلك الظاهر ولكنه يشكل من وجه آخر وهو أن الكل من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعمر لا يكون سنة بل السنة فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط وقد قيل إن المرأد أن ذلك جائز قد وقع لا محذور فيه
ويمكن أن يقال إن إطلاق السنة على فعل الخلفاء لا بأئ به لما في حديث العرباض بن سارية عند أهل السنن بلفظ " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين الهادين عضوا عليها بالنواجذ " الحديث يمكن أن يقال المراد بالسنة الطريقة المألوفة وقد ألف الناس ذلك في زمن عمر كما ألفوا الأربعين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزمن أبي بكر
قوله : " أخف الحدود ثمانين " هكذا ثبت بالياء قال ابن دقبق العيد حذف عامل النصب والتقدير اجعله ثمانين وقيل التقدير أجده ثمانين
وقيل التقدير أرى أن نجعله ثمانين
قوله : " النعمان أو ابن النعمان " هكذا في نسخ هذا الكتاب مكبرا وفي صحيح البخاري النعمان أو ابن النعمان بالتصغير
قوله : " وعن حضين " بفتح الحاء المهملة وفتح الضاد المجملة
قوله : " لا تعينوا عليه الشيطان " في ذلك دليل على أنه لا يجوز على من أقيم عليه الحد لما في ذلك من إعانة الشيطان عليه وقد تقدم في حديث جلد الامة النهي للسيد عن التثريب عليها وتقدم أيضا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر السارق بالتوبة فلما تاب قال تاب الله عليك وهكذا ينبغي أن يكون الأمر في سائر المحدودين
قوله : " إنه لم ينقبأها حتى شربها " فيه دليل على أنه يكفي في ثبوت حد الشرب شاهد أن أحدهم يشهد على الشرب والآخر على القيء ووجه الاستدلال بذلك أنه وقع بمجمع من الصحابة ولم ينكر وإليه ذهب مالك والناصر والقاسمية . وذهبت الشافعية والحنفية إلى أنه لا يكفي ذلك للاحتمال لا مكان أن يكون المتقيء لها مكرها على شربها أو نحو ذلك
قوله : " ول حارها " بحاء مهملة وبعد الألف راء مشددة قال في القاموس والحار من العمل شاقه وشديده اه وقارها بالقاف وبعد الألف راء مشددة أي ما لا مشقة فيه من الأعمال والمراد ول الأعمال الشاقة من تولي الأعمال التي لا مشقة فيها أستعار للمشقة الحر ولما لا مشقة فيه البرد
قوله : " جمعتا " بضم الجيم وفتح الميم والعين لفظ تأكيد للشهادتين كما يقال جمع لتأكيد ما فوق الأثنتين وفي بعض النسخ جميعا وهو الصواب ( والأحاديث ) المذكورة في الباب فيها دليل على مشروعية حد الشرب وقد أدعى القاضي عياض الإجماع على ذلك
وقال في البحر مسألة ولا ينقص حده عن الأربعين إجماعا وذكر أن الخلاف إنما هو في الزيادة على الأربعين وحكى ابن المنذر والطبري وغيرهما عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حد فيها وإنما فيها التعزير واستدلوا بالأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وآله وسلم وعن الصحابة من الضرب بالجريد والنعال والأردية وبما أخرجه عبد الرزاق عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفرض في الخمر حدا وإنما كان يأمر من حضره أن يضربوه بأيديهم ونعالهم حتى يقول لهم أرفعوا
وأخرج أبو داود والنسائي بسند قوي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يوقت في الخمر حدا وبما سيأتي في باب من وجد منه سكر أو ريح وأجيب بأنه قد أنعقد الإجماع الصحابة على جلد الشارب واختلافهم في العدد إنما هو بعد الاتفاق على ثبوت مطلق الجيد وسيأتي في الباب المشار إليه الجواب عن بعض ما تمسكوا به وقد ذهبت العترة ومالك والليث وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي في قول له إلى أن حد السكر أن ثمانون جلدة . وذهب أحمد وداود وأبو ثور الشافعي في المشهور عنه إلى أنه أربعون لأنها هي التي كانت في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم وزمن أبي بكر وفعلها علي في زمن عثمان كما سلف واستدل الأولون بأن عمر جلد ثمانين بعد ما استشار الصحابة كما سلف وبما سيأتي عن علي أنه أفتى بأنه يجلد ثمانين وبما في حديث أنس المذكور أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر نحو أربعين بجريدتين ( والحاصل ) أن دعوى إجماع الصحابة غير مسلمة فإن اختلافهم في ذلك قبل إمارة عمر وبعدها وردت به الروايات الصحيحة ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاقتصار على مقدار معين بل جلد تارة بالجريد وتارة بالنعال وتارة بهما فقط وتارة بهما مع الثياب وتارة بالأيدي والنعال والمنقول من المقادير في ذلك إنما هو بطريق التخمين ولهذا قال أنس نحو أربعين والجزم المذكور في رواية علي بالأربعين يعارضه ما سيأتي من أنه ليس في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة فالأولى الاقتصار على ماورد في الشارع من الأفعال وتكون جميعها جائزة أفأيها وقع فقد حصل به الجلد المشروع الذي أرشدنا إليه صلى الله عليه وآله وسلم بالفعل والقول كما في حديث من شرب الخمر فاجلدوه وسيأتي فالجلد المأمور به هو الجلد الذي وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم ومن الصحابة بين يدية ولا دليل يقتضي تحتم مقدار معين لا يجوز غيره ( لا يقال ) الزيادة مقبولة فيتعين المصير إليها وهي رواية الثمانين لأنا نقول هي زيادة شاذة لم يذكرها إلا ابن دحية فإنه قال في كتاب وهج الخمر في تحريم الخمر صح عن عمر أنه قال لقد هممت أن أكتب في المصحف أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر ثمانين وقد قال الحافظ في التلخيص أنه لم يسبق ابن دحية إلى تصحيحه . وحكى ابن الطلاع أن في مصنف عبد الرزاق أنه صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر وورد من طريق لا تصح أنه جلد ثمانين انتهى . وهكذا ما رواه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن أزهر أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بجلد الشارب أربعين فإنه قال ابن أبي حاتم في العلل سأل أبي عنه فقال لم يسمعه الزهري عن عبد الرحمن بل عن عقيل بن خالد عنه ولو صح لكان من جملة الأنواع التي يجوز فعلها لا أنه هو المتعين لمعارضة غيره له على أنه قد رواه الشافعي عن عبد الرحمن المذكور بلفظ " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشارب فقال أضربوه فضربوه بالأيدي والنعال " ومن ذلك حديث أبي سعيد عند الترمذي وقال حسن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين وسيأتي ومما يؤيد ثبوت مقدار معين عنه صلى الله عليه وآله وسلم طلب عمر للمشورة من الصحابة فأشاروا عليه بآرائهم ولو كان قد ثبت تقديره عنه صلى الله عليه وآله وسلم لما جهله جميع أكابر الصحابة

1 - وعن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال " ما كنت لاقيم حدا على أحد فيموت واجد في نفسي منه شيئا إلا صاحب الخمر فإنه لو مات وديته وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يسنه "
- متفق عليه وهو لأبي داود وابن ماجه وقالا فيه لم يسن فيه شيئا إنما قلناه نحن قلت ومعني لم يسنه يعني لم يقدره ويوقته بلفظه ونطقه

2 - وعن أبي سعيد " قال جلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخمر بنعلين أربعين فلما كان زمن عمر جعل بدل كل نعل سوطا "
- رواه أحمد

3 - وعن عبيد الله عدي بن الخيار أنه قال لعثمان " قد أكثر الناس في الوليد فقال سنأخذ منه بالحق إن شاء الله تعالى ثم دعا أمير المؤمنين عليا فأمره أن يجلده فجلده ثمانين "
- مختصرا من البخاري وفي رواية له أربعين ويتوجه الجمع بينهما بما رواه أبو جعفر محمد بن علي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام جلد الوليد بسوط له طرفان رواه الشافعي في مسنده

4 - وعن أبي سعيد قال " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجل نشوان فقال أني لم أشرب خمرا إنما شربت زبيبا وتمرا في دباءة قال فأمر به فنهز بالأيدي وخفق بالنعال ونهى عن الدباء ونهى عن الزبيب والتمر يعني أن يخلطا "
- رواه أحمد

5 - وعن السائب بن يزيد " أن عمر خرج عليهم فقال أني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء وأني سائل عما شرب فإن كان مسكرا جلدته فجلده عمر الحد تاما "
- رواه النسائي والدارقطني

6 - وعن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في شرب الخمر قال " أنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة "
- رواه الدارقطني ومالك بمعناه

7 - وعن ابن شهاب أنه سئل عن حد العبد في الخمر فقال " بلغني أن عليه نصف حد الحر وإن عمر وعثمان وعبد الله ابن عمر جلدوا عبيدهم نصف الحد في الخمر "
- رواه مالك في الموطأ

- حديث أبي سعيد الأول أخرجه الترمذي وحسنه قال وفي الباب عن علي وعبد الرحمن بن ازهر وأبي هريرة والسائب وابن عباس وعقبة بن الحرث انتهى . وأثر أبي جعفر محمد بن علي فيه انقطاع . وحديث أبي سعيد الثاني أصله في صحيح مسلم وأخرج الشيخان عن جابر " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعا وأن ينبذ الرطب والبسر جميعا " وأخرج نحوه مسلم عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس واتفقا عليه من حديث أبي قتادة بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجمع بين التمر والزهو والتمر والزبيب ولينبذ كل منهما على حدة والنهي عن الانتباه في الدباء " أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لوفد عبد القيس أنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير " المقير " وأخرج نحوه الشيخان من حديث ابن عباس في قصة وفد عبد القيس ولهما أيضا عن أنس نهى عن الدباء والمزفت . وللبخاري عن ابن أبي أوفى نهى عن المزفت والحنتم والنقير . ولهما عن علي في النهى عن الدباء والمزفت . لعائشة عند مسلم نهى وفد عبد القيس أن ينتبذوا في الدباء والنقير والمزفب والحنتم انتهى والدباء هو القرع والحنتم الجرار الخضر والنقير هو أصل الجذع ينقر ويتخذ منه الأناء والمزفت هو المطلى بالزفت والمقير هو المطلى بالقار . وأثر عمر رواه النسائي من طريق الحرث ابن مسكين وهو ثقة عن ابن القاسم يعني عبد الرحمن صاحب مالك وهو ثقة أيضا عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد عن عمر والسائب له صحبة . وأثر على الآخر أخرجه أيضا الشافعي وهومن طريق ثور بن زبد الديلى ولكنه منقطع لأن ثورا لم يلحق عمر بلا خلاف ووصله النسائي والحاكم فروياه عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة ولم يذكر ابن عباس وقد أعل هذا بما تقدم في أول الباب ان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر قال في التلخيص ولا يقال يحتمل أن يكون علي وعبد الرحمن أشارا بذلك جميعا لما ثبت في صحيح مسلم عن علي في جلد الوليد بن عقبة أنه جلده أربعين وقال جلد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلى فلو كان هو المشير بالثمانين ما أضافها إلى عمر ولم يعمل لكن يمكن أن يقال أنه قال لعمر باجتهاد ثم تغير اجتهاده ولهذا الأثر طرق منها ما تقدم ومنها ما أخرجه الطبري والطحاوي والبيهقي وفيه أن رجلا من بني كلب يقال له ابن وبرة أخبره أن خالد بن الوليد بعثه إلى عمر وقال له إن الناس قد انهمكوا في الخمر واستخفوا العقوبة فقال عمر " لمن حوله ما ترون فقال على فذكر مثل تقدم " وأخرج نحوه عبد الرزاق عن عكرمة وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال شرب نفرمن أهل الشام الخمر وتأولوا الآية الكريمة فاستتشار فيهم فقلت أرى أن تستتيبهم فإن تابوا ضربتهم ثمانين وإلا ضربت أعناقهم لأنهم استحلوا ما حرم فاستتابهم فتابوا فضربهم ثمانين ثمانين . وأثر ابن شهاب فيه انقطاع النانية من حديث الباب بلفظ " قضى أن عقل أهل الكتابين " الخ مقيدة باليهود والنصارى والرواية الأولى منه مطلقة فيحمل المطلق على المقيد ويكون المراد بالحديث دية اليهود والنصارى دون المجوس لانا نقول لا نسلم صلاحية الرواية الثاينة للتقييد ولا للتخصيص لأن ذلك من التنصيص على بعض أفراد المطلق أو العام وما كان كذلك فلا يكون مقيدا لغيره ولا مخصصا له ويوضح ذلك أن غاية ما في قوله عقل أهل الكتابين أن يكون من عداهم بخلافهم لمفهوم اللقب وهو غير معمول به عند الجمهور وهو الحق فلا يصلح لتخصيص قوله صلى الله عليه وآله وسلم " عقل الكافر نصف دية المسلم " ولا لتقييده على فرض الإطلاق ولا سيما مخرج اللفظين واحد والرواي واحد فإن ذلك يفيد أن أحدهما من تصرف الراوي واللازم الأخذ بما هو مشتمل على زيادة فيكون المجوسي داخلا تحت ذلك العموم وكذلك كل من له ذمة من الكفار ولا يخرج عنه إلا من لا ذمة له ولا أمان ولا عهد من المسلمين لأنه مباح الدم ولو فرض عدم دخول المجوسي تحت ذلك اللفظ كان حكمه حكم اليهود والنصارى والجامع الذمة من المسلمين للجميع . ويؤيد ذلك حديث " سنوا بهم سنة أهل الكتاب "
واحتج القائلون بأن دية الذمي كدية المسلم بعموم قوله تعالى { وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله } قالوا وإطلاق الدية يفيد أنها الدية المعهودة وهي دية المسلم ويجاب عنه أولا بمنع كون المعهود ههنا هو دية المسلم لم لا يجوز أن يكون المراد بالدية الدية المتعارفة بين المسلمين لأهل الذمة والمعاهدين وثانيا بأن هذا الإطلاق مقيد بحديث الباب . واستدلوا ثانيا بما أخرجه الترمذي عن ابن عباس وقال غريب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودى العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري وكان لهما عهد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يشعر به عمرو بدية المسلمين . وبما أخرجه البيهقي عن الزهري أنها كانت دية اليهودي والنصراني في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل دية المسلم وفي زمن أبي بكر وعمر وعثمان فلما كان معاوية أعطى أهل المقتول النصف وألقى النصف في بيت المال قال ثم قضى عمر بن عبد العزيز بالنصف وألغى ما كان جعل معاوية . وبما أخرجه أيضا عن عكرمة عن ابن عباس قال " جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دية فيه دليل على أنه لا يجوز الجمع بين الزبيب والتمر وجعلهما نبيذا وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى قوله فزعم أنه شرب الطلاء هي الخمرة اللذيذة على ما في القاموس
قوله : " إذا شرب سكر " الخ أعلم أن معنى هذا الأثر لا يتم إلا بعد تسليم إن كل شارب خمر يهذي بما هو افتراء وأن كل مفتر يجلد ثمانين جلدة والكل ممنوع فإن الهذيان إذا كان ملازما للسكر فلا يلازمه الافتراء لأنه نوع خاص من أنواع ما يهذو به الإنسان والجلد إنما يلزم من افترى افتراء خاصا وهو القذف لا كل مفتر وهذا مم لا خلاف فيه فكيف صح مثل هذا القياس فإن قال قائل أنه من باب الإخراج للكلام على الغالب فذلك أيضا ممنوع فإن أنواع الهذيان بالنسبة إلى الافتراء وأنواع الافتراء بالنسبة إلى القذف هي الغالبة بلا ريب وقد تقرر في علم المعاني أن أصل إذا الجزم بوقوع الشرط ومثل هذا الأمر النادر مما يبعد الجزم بوقوعه باعتبار كثرة الأفراد المشاركة له في ذلك الاسم وغلبتها وللقياس شروط مدونة في الأصول لا تنطبق على مثل هذا الكلام ولكن مثل أمير المؤمنين رضي الله عنه ومن بحضرته من الصحابة الأكابر هم أصل الخبرة بالأحكام الشرعية ومداركها
قوله : " بلغني أن عليه نصف حد الحر " قد ذهب إلى التنصيف للعبد في حد الزنا والقذف والشرب الأكثر من أهل العلم وذهب ابن مسعود والليث والزهري وعمر بن عبد العزيز إلى أه يستوي الحر والعبد في ذلك لعموم الأدلة ويجاب بأن القرآن مصرح في حد الزنا بالتنصيف قال الله تعالى { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } ويلحق بالأماء العبيد ويلحق بحد الزنا سائر الحدود وهذا قياس صحيح لا يختلف في صحته من أثبت العمل بالقياس

باب ما ورد في قتل الشارب في الرابعة وبيان نسخه

1 - عن عبد الله بن عمرو قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه قال عبد الله ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم علي أن أقتله "
- رواه أحمد

2 - وعن معاوية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ثم إذا شربوا فاجلدوهم ثم إذا شربوا الرابعة فاقتلوهم "
- رواه الخمسة إلا النسائي قال الترمذي إنما كان هذا في أول الأمر ثم نسخ بعد هكذا روى محمد بن إسحاق عن محمد ين المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إن شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد الرابعة فاقتلوه قال ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله "

3 - وعن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه فاتى برجل قد شرب فجلده ثم أتى به فجلده ثم أتى به فجلده ثم أتى به فجلده ورفع القتل وكانت رخصة "
- رواه أبو داود وذكره الترمذي بمعناه

4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن سكر فاجلدوه ثم أن سكر فاجلدوه فأن عاد في الرابعة فاضربوه عنقه "
- رواه الخمسة إلا الترمذي وزاد أحمد قال الزهري " فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسكران في الرابعة فخلى سبيله "

- حديث ابن عمرو أخرجه أيضا الحرث بن أبي أسامة في مسنده من طريق الحسن البصري ورواه من طريقه ابن حزم والحسن لم يسمع من عبد الله بن عمرو فهو منقطع وقد جزم بعدم سماعه منه ابن المديني وغيره ووقع في نسخة من هذا الكتاب عبد الله بن عمر بدون واو والصواب إثباتها . وحديث معاوية قال البخاري هو أصح ما في هذا الباب وأخرجه أيضا الشافعي ولادارمي وابن المنذر وابن حبان وصححه من حديث أبي هريرة وأخرج ابن أبي شيبة من رواية أبي سعيد والمحفوظ أنه عن معاوية وأخرجه أبو داود من رواية ابان العطار وفيه فإن شربوا يعني بعد الرابعة فاقتلوهم . ورواه أيضا أبو داود من حديث ابن عمر قالوا واحسبه قال في الخامسة ثم إن شربها فاقتلوه قال وكذا في حديث غطيف في الخامسة . وحديث جابر أخرجه أيضا النسائي . وحديث قبيصة بن ذؤيب أخرجه أيضا الشافعي وعبد الرزاق وعلقه الترمذي
وأخرجه أيضا الخطيب عن ابن إسحاق عن الزهري بن المعتمر ومخول بن راشد فقال لهما كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث وقبيصة بن ذؤيب من أولاد الصحابة ولد عام الفتح وقيل انه ولد أول سنة من الهجرة ولم يذكر له سماع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعده الأئمة من التابعين وذكروا أنه سمع الصحابة قال المنذري وإذا ثبت أن مولده أول سنة من الهجرة أمكن أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد قيل أنه أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو غلام يدعو له وذكر عن الزهري أنه كان إذا ذكر قبيصة بن ذؤيب قال كان من علماء هذه الأمة وأما أبوه ذؤيب بن حلحلة فله صحبة انتهى ورجال الحديث مع إرساله ثقات وأعله الطحاوي بما أخرجه من طريق الوزاعي أن الزهري رواية قال بلغني عن قبيصة ولم يذكر أنه سمع منه وعورض بأنه رواه ابن وهب عن يونس قال أخبرني الزهري أن قبيصة حدثه أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويونس أحفظ لحديث الزهري من الأوزاعي وأخرج عبد الرزاق عن ابن المنكدر مثله
وأما حديث أبي هريرة فقد قدمنا من أخرجه ومن صححه وفي الباب عن الشريد بن أوس الثقفي عند أحمد والأربعة والدارمي والطبري وصححه الحاكم وعن شرحبيل الكندي عند أحمد والطبراني وابن منده ورجاله ثقات وعن أبي الرمداء براء مهملة مفتوحة وميم ساكنة ودال مهملة وبالمد عند الطبراني وابن منده وفي إسناده ابن لهيعة وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بضرب عنقه وأنه ضرب عنقه فأن ثبت هذا كان فيه رد على من يقول إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعمل به ( وقد أختلف العلماء ) هل يقتل الشارب بعد الرابعة أو لا فذهب بعض اهل الظاهر إلى أنه يقتل ونصره ابن حزم واحتج له ودفع دعوى الإجماع على عدم القتل وهذا هو طاهر ما في الباب عن ابن عمرو وذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل الشارب وأن القتل منسوخ قال الشافعي والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره يعني حديث قبيصة ابن ذؤيب ثم ذكر أنه لا خلاف في ذلك بين أهل العلم
وقال الخطابي قد يرد الأمر بالوعيد ولا يراد به الفعل وإنما يقصد به الردع والتحذير وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبا ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل انتهى . وحكى المنذري عن بعض أهل العلم أنه قال أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر وأجمعوا على أنه لا يقتل إذا تكرر منه إلا طائفة شاذة قالت يقتل بعد حده أربع مرات للحديث وهو عند الكافة منسوخ انتهى
وقال الترمذي أنه لا يعلم في ذلك اختلافا بين أهل العلم في القديم والحديث وذكر أيضا في آخر كتابه الجامع في العلل أن جميع ما فيه معمول به عند البعض من أهل العلم إلا حديث إذا سكر فاجلدوه المذكور في البابز وحديث الجمع بين الصلاتين وقد احتج من أثبت القتل بأن حديث معاوية المذكور متأخر عن الأحاديث القاضية تعدم القتل لأن مسلام معاوية متأخر وأجيب عن ذلك بأن تأخر اسلام الرواي لا يستلزم تأخر المروى لجواز أن يروى ذلك عن غيره من الصحابة المتقدم اسلامهم على اسلامه وأيضا قد أخرج الخطيب في المتهمات عن ابن إسحاق عن الزهري عن قبيصة أنه قال في حديثه السابق فأتى برجل من الأنصار يقال له نعيمان فضربه أربع مرات فرأى المسلمون أن القتل عد أخر وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن سهل وفيه قال فحدثت به ابن المنكدر فقال قد ترك ذلك وقد أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بابن النعيمان فجلده ثلاثا ثم أني به الرابعة فجلده ولم يزده وقصة النعيمان أو ابن النعيمان كانت بعد الفتح لأن عقبة بن الحرث حضرها فهي إما بالمدينة ومعاوية أسلم قبل الفتح أو في الفتح على الخلاف وحضور عقبة كان بعد الفتح

باب من وجد منه سكر أو ريح خمر ولم يعترف

1 - عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقت في الخمر حدا وقال ابن عباس شرب رجل فسكر فلقي يميل في الفج فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما حاذى بدار العباس انفلت فدخل على العباس فالتزمه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فضحك وقال أفعلها ولم يأمر فيه شيء "
- رواه أحمد وأبو داود وقال هذا مما تفرد به أهل المدينة

2 - وعن علقمة قال " كنت بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال لجل ما هكذا أنزلت فقال عبد الله والله لقرأتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أحسنت فبينما هو يكلمه إذ وجد منه ريح الخمر فقال أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب فضربه الحد "
- متفق عليه

- حديث ابن عباس أخرجه أيضا النسائي وقوي الحافظ اسناده
قوله : " لم يقت " من التوقيت أي لم يقدره بقدر ولا حده بحد وقد استدل بهذا الحديث من قال إن حد السكر غير واجب وأنه غير مقدر وإنما هو تعزير فقط كما تقدم وأجيب عن هذا بأنه قد وقع الإجماع من الصحابة على وجوبه . وحديث ابن عباس المذكور قد قيل أنه كان قبل أن يشرع الجلد ثم شرع الجلد والأولى أن يقال إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما لم يقم على ذلك الرجل الحد لكونه لم يقر لديه ولا قامت عليه بذلك الشهادة عنده وعلى هذا بوب المصنف فيكون في ذلك دليل على أنه لا يجب على الإمام أن يقيم الحد على شخص بمجرد اخبار الناس له أنه فعل ما يوجبه ولا يلزمه البحث بعد ذلك لما قدمنا من مشروعية الستر وأولوية ما يدرأ الحد على ما يوجبه وأثر ابن مسعود المذكور فيه متمسك لمن يجوز للإمام والحاكم ومن صلح أن يقيم الحدود إذا علم بذلك وإن لم يقع من فاعل ما يوجبها إقرار ولا قامت عليه البينة به وقد خالف في أصل حكم بما علم مطلقا شريح والشعبي وابن أبي ليلى والأوزاعي ومالك وأحمد وإسحاق والشافعي في قول يه فقالوا لا يجوز له أن يقضي بما علم مطلقا
وقال الناصر والمؤيد في قول له والشافعي في قول له أيضا أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في كل شيء من غير فرق بين الحد وغيره وذهبت العترة إلى أنه يحكم بعلمه في الأموال دون الحدود إلا في حد القذف فإنه يحكم فيه بعلمه ويدل على ذلك ما أخرجه البخاري تعليقا أن عمر قال لعبد الرحمن لو رأيت رجلا على حد فقال أرى شهاتك شهادة رجل من المسلمين قال أصبت وصله البيهقي ويؤيده حديث " لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها " في قصة الملاعنة وقد تقدم فإن ذلك يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم زناها

باب ما جاء في قدر التعزير والحبس في التهم

1 - عن أبي بردة بن نيار " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى "
- رواه الجماعة إلا النسائي

2 - وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبس رجلا في تهمة ثم خلى عنه "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه

- حديث أبي بردة مع كونه متفقا عليه قد تكلم في اسناده ابن المنذر والأصيلى من جهة الاختلاف فيه وقال البيهقي قد أقام عمرو بن الحرث اسناده فلا يضره تقصير من قصر فيه وقال الغزالي صححه بعض الأئمة وتعقبه الرافعي في التذنيب فقال أراد بقوله بعض الأئمة صاحب التقريب ولكن الحديث أظهر من أن تضاف صحته إلي فرد من الأئمة فقد صححه البخاري ومسلم . وحديث بهز ابن حكيم حسنه الترمذي وقال الحاكم صحيح الاسناد ثم أخرج له شاهدا من حديث أبي هريرة وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبس في تهمة يوما وليلة وقد تقدم الاختلاف في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده
قوله : " لا يجلد " روي بفتح الياء في أوله وكسر اللام وروي أيضا بضم الياء وفتح اللام وروي بصيغة النهى مجزوما وبصيغة النفي مرفوعا
قوله : " فوق عشرة أسواط " في رواية فوق عشرة ضربات
قوله : " إلا في حد " المراد به ما ورد عن الشارع مقدرا بعدد مخصوص كحد الزنا والقذف ونحوهما وقيل المراد بالحد هنا عقوبة المعصية مطلقا لا الأشياء المخصوصة . فإن ذلك التخصيص إنما هو من اصطلاح الفقهاء وعرف الشرع إطلاق الحد على كل عقوبة لمعصية من المعاصي كبيرة أو صغيرة ونسب ابن دقيق العيد هذه المقالة إلى بعض المعاصرين له وإليها ذهب ابن القيم وقال المراد بالنهي المذكور في التأديب للمصالح كتأديب الأب ابنه الصغير واعترض على ذلك بأنه قد ظهر أن الشارع يطلق الحدود على العقوبات المخصوصة ويؤيد ذلك قول عبد الرحمن بن عوف أن أخف الحدود ثمانون كما تقدم في كتاب حد شارب الخمر وقد ذهب إلى العمل بحديث الباب جماعة من أهل العلم منهم الليث وأحمد في المشهور عنه وإسحاق وبعض الشافعية وذهب أبو حنيفة والشافعي وزيد بن علي والمؤيد بالله والإمام يحيى إلى جواز الزيادة على عشرة أسواط ولكن لا يبلغ إلى أدنى الحدود . وذهب الهادي والقاسم والناصر وأبو طالب إلى أنه يكون في كل موجب للتعزير دون حد جنسه وإلى مثل ذلك ذهب الأوزاعي وهو مروي عن محمد بن الحسن الشيباني وقال أبو يوسف إنه ما يراه الحاكم بالغا ما بلغ وقال مالك وابن أبي ليلى أكثره خمسة وسبعون هكذا حكى صاحب البحر والذي حكاه النووي عن مالك وأصحابه وأبي ثور وأبي يوسف ومحمد أنه إلى رأى الإمام بالغا ما بلغ
وقال الرافعي الاظهر أنها تجوز الزيادة على العشرة وإنما المراعى النقصان عن الحد قال وأما الحديث المذكور فمنسوخ على ما ذكره بعضهم واحتج بعمل الصحابة بخلافه من غير انكار انتهى
وقال البيهقي عن الصحابة آثار مختلفة في مقدار التعزير وأحسن ما يصار إليه في هذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم ذكر حديث أبي بردة المذكور في الباب
قال الحافظ فتبين بما نقله البيهقي عن الصحابة أن لا اتفاق على عمل في ذلك فكيف يدعى نسخ الحديث الثابت ويصار إلى ما يخالفه من غير برهان وسبق إلى دعوى عمل الصحابة بخلافه الأصيلي وجماعة وعمدتهم كون عمر جلد في الخمر ثمانين وأن الحد الأصلي أربعون والباقية ضربها تعزيرا لكن حديث علي السابق يدل على أن عمر إنما ضرب ثمانين معتقدا أنه الحد وأما النسخ فلا يثبت إلا بدليل وذكر بعض المتأخرين أن الحديث محمول على التأديب الصادر من غير الولاة كالسيد يضرب عبده والزوج يضرب زوجته والأب ولده والحق العمل بما دل عليه الحديث الصحيح المذكور في الباب وليس لمن خالفه متمسك يصلح المعارضة وقد نقل القرطبي عن الجمهور أنهم قالو بما دل عليه وخالفه النووي فنقل عن الجمهور عدم القول به ولكن إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل فلا ينبغي لمنصف التعويل على قول أحد عند قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
دعوا كل قول عند قول محمد ... فما آمن في دينه كمخاطر
قوله " في تهمة " بضم التاء وسكون الهاء وقد تفتح في لغة وهي فعلة من الوهم والتاء بدل من الواو واتهمته إذا ظننت فيه ما نسب إليه وفيه دليل على أن الحبس كما يكون حبس ععقوبة يكون حبس استظهار في غير حق بل لينكشف به بعض ما وراءه وقد بوب أبو داودعلى هذا الحديث فقال باب في الحبس في الدين وغيره وذكر معه حديث عمرو بن الشريد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لي الواجد يحل عرضه وعقوبة " وقد تقدم وذكر أيضا حديث الهرماس ابن حبيب عن أبيه عن جده قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغريم لي فقال لي الزمه ثم قال يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك " وأخرجه أيضا ابن ماجه قال في البحر مسألة وندب اتخاذ سجن للتأديب واستيفاء الحقوق لفعل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وعمر وعثمان ولم ينكر وكذلك الدرة والسوط لفعل عمر وعثمان ( فرع ) ويجب حبس من عليه الحق للإيفاء اجماعا أن طلب لحبسه صلى الله عليه وآله وسلم من أعتق شقصا في عبد حتى غرم لشريك قيمته وكذلك التقييد انتهى . الحديث الذي ذكره أخرجه البيهقي وهو منقطع

باب المحاربين وقطاع الطريق

1 - عن قتادة عن أنس " أن ناسا من عكل وعرينة قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتكلموا بالإسلام فاستوخموا المدينة فأمر لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذود وراع وأمرهم أن يخرجوا فليشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستاقوا الذود فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبعث الطلب في آثارهم فأمربهم فسمروا اعينهم وقطعوا أيديهم وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم "
- رواه الجماعة . وزاد البخاري قال قتادة " بلغنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهي عن المثلة " وفي رواية لأحمد والبخاري وأبي داود قال قتادة فحدثني ابن سيرين " إن ذلك كان قبل أن تنزل الحدود " وللبخاري وأبو داود في هذا الحديث " فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم ثم ألقوا في الحرة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا " وفي رواية النسائي " فقطق أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وصلبهم "

2 - وعن سليمان التيمي عن أنس قال " إنما سمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة "
- رواه مسلم والنسائي والترمذي

3 - وعن أبي الزناد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله في ذلك فأنزل إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا " . الآية '
- رواه أبو داود والنسائي

4 - وعن ابن عباس في قطاع الطريق " إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض "
- رواه الشافعي في مسنده

- حديث أبي الزناد مرسل وقد سكت عنه أبو داود ولم يذكر المنذري له علة غير إرساله ورجال هذا المرسل رجال الصحيح وقد وصله أبو الزناد من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عمر عن عمر كما في سنن أبي داود في الحدود ويؤيده ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس " إن ناسا أغاروا على إبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وارتدوا عن الإسلام وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنا فبعث في آثارهم فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم قال فنزلت فيهم آية المحاربة " وعند البخاري وأبي داود عن أبي قلابة أنه قال في العرنيين فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله وهو يشير إلى أنهم سبب الآية
وأخرج أبو داود والنسائي عن ابن عمر أن الآية نزلت في العرنيين وأثر ابن عباس في اسناده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وهو ضعيف عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس واخرجه البيهقي من طريق محمد بن سعيد العوفي عن آبائه إلى ابن عباس في قوله إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال إذا حارب فقتل فعليه القتل إذا ظهر عليه قبل توبته فإذا حارب وأخذ المال وقتل فعليه الصلب وإن لم يقتل فعليه قطع اليد والرجل من خلاف وإذا حارب وأخاف السبيل فإنما فعليه النفي " ورواه أحمد بن حنبل في تفسيره عن أبي معاوية عن عطية به نحوه
وأخرج أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن ابن عباس أنه قال إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفقوا من الأرض إلى غفور رحيم نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدروا عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال
قوله : " من عكل وعرينة " في رواية للبخاري من عكل أو عرينة بالشك ورواية الكتاب هي الصواب كما قال الحافظ ويؤيدها مارواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس " قال كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل " وزعم الداودي وابن التين أن عرين هم عكل وهو غلط بل هما قبيلتان متغايرتان فعكل من عدنان وعرينة من قحطان . وعكل بضم العين المهملة واسكان الكاف قبيلة من تيم الرباب وعرينة بالعين والراء المهملتين والنون مصغرا حي من قضاعة وحي من بجيلة والمراد هنا الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي وكذا رواه الطبري من وجه آخر عن أنس ووقع عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة بإسناد ساقط أنهم من بني فزارة وهو غلط لأن بني فزارة من مضر لا يجتمعون مع عكل ولا مع عرينة أصلا وذكر ابن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد وكانت في جمادى الآخرة سنة ست وذكر الواقدي أنها كانت في شوال منها وتبعه ابن سعد وابن حبان وغيرهما
قوله : " فاستوخموا المدينة " في رواية " اجتووا المدينة " قال ابن فارس اجتويت المدينة إذا كرهت المقام فيها وإن كنت في نعمة وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب لهذه القصة
وقال القزاز اجتووا أي لم يوافقهم طعامها
وقال ابن العربي الجوى داء يأخذ من الوباء ورواية استوخموا بمعنى هذه الرواية وللبخاري في الطب من رواية ثابت عن أنس " أن ناسا كان بهم سقم قالوا يا رسول الله آونا واطعنمنا فلما صحوا قالوا إن المدينة وخمة " والظاهر أنهم قدموا سقاما فلما صحوا من السقم كرهوا الإقامة بالمدينة لوخمها فأما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد والجهد من الجوع كما رواه أبو عوانة عن أنس أنه كان بهم هزال شديد وعنده من رواية أبي سعيد مصفرة ألوانهم وأما الوخم الذي شكوا منه بعد أن صحت أجسامهم فهو من حمي المدينة كما رواه أحمد عن أنس وذكر البخاري في الطب عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا الله أن ينقلها إلى الجحفة "
قوله : " فأمر له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذود وراع " قد تقدم تفسير الذود في الزكاة
وفي رواية للبخاري وغيره فأمرهم بلقاح أي أمره أن يلحقوا بها وفي أخرى له فأمر لهم بلقاح واللقاح بكسر اللام وبعدها قاف وآخره مهملة النوق ذوات الألبان واحدتها لقحة بكسر اللام وإسكان القاف :
قوله " فليشربوا من أبوالها " استدل به من قال بطهارة أبوال الأبل وقاس سائر المأكولا ت عليها وقد تقدم الكلام على ذلك في أوائل الكتاب
قوله : " بناحية الحرة " هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة
قوله : " وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وآله وسلم " اسمه يسار بياء تحتانية ثم مهملة خفيفة كما ذكره الطباني وابن إسحاق في السيرة
وفي لفظ لمسلم أنهم قتلوا أحد الراعيين وجاء الآخر قد جزع فقال قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالأبل
قال الحافظ ولم أقف على اسم الراعي الآتي بالخبر والظاهر أنه راعي إبل الصدقة ولم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبعث الطلب في آثارهم ذكر ابن إسحاق عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث خيلا من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري وكرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي وفي رواية للنسائي " فبعث في طلبهم قافة " أي جمع قايف ولمسلم أنهم شباب من الأنصار قريب من عشرين رجلا وبعث معهم قائفا يقتص آثارهم
وفي مغازي موسى بن عقبة أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد وذكر غيره أنه سعد بن زيد الأشهلي والأول أنصاري ويمكن الجمع بأن كل واحد منهما أمير قومه وكرز أمير الجميع
وفي رواية للطبراني وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثه في آثارهم واسناده ضعيف والمعروف أن جريرا تأخر اسلامه عن هذا الوقت بمدة
قوله : " فأمربهم " فيه حذف تقديره فأدركوا فأخذوا فجيء بهم فأمر بهم
وفي رواية للبخاري فلما ارتفع النهار جيء بهم
قوله : " فسمروا أعينهم " بالسين المهملة وتشديد الميم
وفي رواية للبخاري وسمرت أعينهم
وفي رواية لمسلم وسمل أعينهم بتخفيف الميم واللام قال الخطابي السمر لغة في السمل ومخرجها متقارب قال وقد يكون من المسمار يريد أنهم كحلوا باميال قد أحميت قال والسمل فقء العين بأي شيء كان قال أبو ذؤيب الهذلي
والعين بعدهم كأن حداقها ... سملت بشوك فهي عورا تدمع
وقد وقع التصريح بمعنى السمر في الرواية المذكورة في الباب بلفظ فأمر بمسامير الخ
قوله : " وما حسمهم " أي لم يكوما قطع منهم بالنار لينقطع الدم بل تركه ينزف
قوله : " يستسقون فما سقوا " في رواية للبخاري " ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا " وفي أخرى له " يعضون الحجارة " وفي أخرى له في الطب قال أنس فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت
وفي رواية لأبي عوانة من هذا الوجه يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة
قوله : " وصلبهم " حكي في الفتح عن الواقدي أنهم صلبوا قال والروايات الصحيحة ترده لكن عند أبي عوانة عن أنس فصلب اثنين وقطع اثنين وسمل اثنين وهذا يدل على أنهم ستة فقط وقد تقدم ما يدل على أنهم سبعة : وفي البخاري في الجهاد عن أنس " أن رهطا من عكل ثمانية " قوله " لأنهم سملوا أعين الرعاة " فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما فعل ذلك بهم اقتصاصا لما فعله بالرعاة وإلى ذلك مال جماعة منهم ابن الجوزي وتعقبه ابن دقيق العيد بأن المثلة وقعت في حقهم من جهات وليس في الحديث إلا السمل فيحتاج إلى ثبوت البقية وقد نقل أهل المغازي أنهم مثلوا بالراعي وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ
قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في النهى عن المثلة هذا الحديث ينسخ كل مثلة وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ ويجاب عن هذا التعقب بحديث أبي الزناد المذكور فإن معاتبة الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم تدل على أن ذلك الفعل غير جائز ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد في حديث أبي هريرة في النهي عن التعذيب بالنار بعد الاذن فيه . وقصة العرنيين قبل اسلام أبي هريرة وقد حضر الاذن ثم النهي عنه ويؤيده أيضا ما في الباب عن ابن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود وأصرح من الجميع ما في الباب عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك نهى عن المثلة وإلى هذا مال البخاري وحكاه إمام الحرمين في النهاية عن الشافعي واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء للإجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا وقع منه نهي عن سقيهم انتهى . وتعقب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على ذلك وسكت والسكوت كاف في ثبوت الحكم وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره وبدل عليه أن من معه ماء لطهارته فقط لا يسقي المرتد ويتيمم بل يستعمله ولو مات المرتد عطشا
وقال الخطابي إنما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهم ذلك لأنه أراد بهم الموت بذلك وقيل أن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي البان الأبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم
قوله : وعن ابن عباس في قطاع الطريق أي الحكم فيهم هو المذكور وقد حكى في البحر عن ابن عباس والمؤيد بالله وأبي طالب والحنفية والشافعية أن الآية أعني قوله تعالى { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } نزلت في قطاع الطريق المحاربين وعن ابن عمر والهادي أنها نزلت في العرنين ويدل على ذلك حديث أبي الزناد المذكور في الباب وحكى المؤيد بالله وأبو طالب عن قوم إنها نزلت في المشركين ورد ذلك بالإجماع على أنه لا يفعل بالمشركين كذلك ويدفع هذا الرد بما أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن عباس إنها نزلت في المشركين وقد دعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعلم التأويل
وقد ذهب أكثر العترة والفقهاء إلى أن المحارب هو من أخاف السبيل في غير المصر لأخذ المال وسواء أخاف المسلمين أو الذميين قال الهادي وأبو حنيفة إن قاطع الطريق في المصر أو القرية ليس محاربا للحوق الغوث بل مختلسا أو منتهبا وفي رواية عن مالك إذا كانوا على ثلاثة أميال من المصر أو القرية فمحاربون لا دون ذلك إذ يلحقه الغوث وفي رواية أخرى عن مالك لا فرق بين المصر وغيره لأن الآية لم تفصل وبه قال الأوزاعي وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد والشافعي والناصر والإمام يحيى وإذا لم يكن قد أحدث المحارب غير الإخافة عزره الإمام فقط قال أبو طالب وأصحاب الشافعي ولا نفي مع التعزير وأثبته المؤيد بالله فإن وقع منه القتل فقط فذهبت العترة والشافعي إلى أنه يقتل فقط . وعن أبي حنيفة ليس بمحارب أن قتل بمثقل فإن قتل وأخذ المال فذهب الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والهادي والمؤيد بالله وأبو طالب إلى أنه يقتل ويصلب ولا قطع لدخوله في القتل
وقال الناصر وأبو العباس بل يخير الإمام بين أن يصلب ويقتل أو يقتل ثم يصلب أو يقطع ثم يقتل أو يقطع ويقتل ويصلب لأن أو للتخيير وقال مالك إذا شهروا السلاح وأخافوا لزمهم ما في الآية
وقال الحسن البصري وابن المسيب ومجاهد إذا أخافوا خير الإمام بين أن يقتل فقط أو يقتل ويصلب أو يقطع الرجل واليد فقط أو يحبس فقط لأجل التخيير
وقال أبو الطيب بن سلمة من الشافعية وحصله صاحب الوافي للهادي أنهم إذا أخذوا المال وقتلوا قطعوا للمال ثم قتلوا للقتل ثم صلبوا للجمع بين الأخذ والقتل قال أبو حنيفة والهادوية فإن قتل وجرج قتل فقط لدخول الجرح في القتل وقال الشافعي بل يجرح ثم يقتل إذ هما جنايتان والنفي المذكور في الآية هو طرد سنة عند الهادي والشافعي وأحمد والمؤيد بالله وأبي طالب وقال الناصر وأبو حنيفة وأصحابه بل الحبس فقط إذا القصد دفع أذاء وإذا كان المحاربون جماعة واختلفت جناياتهم فذهبت العترة والشافعي إلى أنه يحد كل واحد منهم بقدر جنايته
وقال أبو حنيفة بل يستوون إذ المعين كالقاتل واختلفوا هل يقدم الصلب على القتل أو العكس فذهب الشافعي والناصر والإمام يحيى إلى أنه يقدم الصلب على القتل إذ المعنى يقتلون بالسيف أو بالصلب
وقال الهادي وأبو حنيفة وهو مروي عن الشافعي رحمه الله أنه لا صلب قبل القتل لأنه مثلة وجعل الهادي أو بمعنى الواو ولذلك قال بتقدم القتل على الصلب وقال بعض أصحاب الشافعي يصلب قبل القتل ثلاثا ثم ينزل فيقتل
وقال بعض أصحاب الشافعي أيضا يصلب حتى يموت جوعا وعطشا وقال أبو يوسف والكرخي يصلب قبل القتل ويطعن في لبته وتحت ثديه الأيسر ويخضخض حتى يموت وروى الرازي عن أبي بكر الكرخي أنه لا معنى للصلب بعد القتل واختلفوا في مقدار الصلب فقال الهادي حتى تنتثر عظامه وقال ابن أبي هريرة حتى يسيل صديده
وقال بعض أصحاب الشافعي ثلاثا في البلاد الباردة وفي الحارة ينزل قبل الثلاث وقال الناصر والشافعي ينزل بعد الثلاث ثم يقتل إن لم يمت ويغسل ويصلى عليه إن تاب وقد رجح صاحب البحر أن الآية للتخيير وتكون العقوبة بحسب الجنايات وأن التقدير أن يقتلوا إذا قتلوا ويصلبوا بعد القتل إذا قتلوا وأخذوا المال وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إذا أخذوا فقط أو ينفوا من الأرض إذا أخافوا فقط إذ محاربة الله ورسوله بالفساد في الأرض متنوعة كذلك وهو مثل تفسير ابن عباس المذكور في الباب وقال صاحب المنار أن الآية تحتمل التخيير احتمالا مرجوحا قال والظاهر أن المراد حصر أنواع عقوبة المحاربة مثل ( إنما الصدقات للفقراء ) الآية
قال وهو مثل ما قاله صاحب البحر يعني في كلامه الذي ذكرناه قبل هذا ورجح صاحب ضوء النهار اختصاص أحكام المحارب بالكافر لتتم فوائد وتندفع مفاسد ثم ذكر ذلك وهو كلام رصين لولا أنه قصر للعام على السبب المختلف في كونه هو السبب وللعلماء في تفصيل أحكام المحاربين أقوال منتشرة مبسوطة في كتب الخلاف وقد أوردنا منها في هذا الشرح طرفا مفيدا
_________ -
[ خطأ في الكتاب ( صفحات محذوفة ) ؟ ؟ من الصفحة 338 حتى الصفحة 351 ضمنا ]
_________ -
نحو ما قالوه فيمن سجد للصنم ونحوه ممن لا تصريح فيه بالجحود بعد أن فسروا الكفر بالجحود فإن احتجوا بقيام الإجماع على تكفير فاعل ذلك قلنا وهذه الأخبار الواردة في حق هؤلاء تقتضي كفرهم ولو لم يعتقدوا تزكية من من كفروه علما قطعيا ولا ينجيهم اعتقاد الإسلام اجمالا والعمل بالواجبات عن الحكم بكفرهم كما لا ينجي الساجد للصنم ذلك
قال الحافظ وممن جنح إلى بعض هذا المحب الطبري في تهذيبه فقال بعد إن سرد أحاديث الباب فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالما فإنه مبطل لقوله في الحديث يقولون الحق ويقرؤن القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا لخطأ منهم فيما تأولوه من آى القرآن على غير المراد منه ويؤيد القول بالكفر ما تقدم من الأمر بقتالهم وقتلهم مع ما ثبت من حديث ابن مسعود أنه لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث وفيه التارك لدينه المفارق للجماعة كما تقدم
وقال القرطبي في المفهم يؤيد القول بتكفيرهم ما في الأحاديث من أنهم خرجوا من الإسلام ولم يتعلقوا منه بشيء كما خرج السهم من الرمية لسرعته وقوة رامية بحيث لم يتعلق من الرمية بشءي وقد أشار إلى ذلك بقوله سبق الفرث والدم . وحكي في الفتح عن صاحب الشفاء أنه قال فيه وكذا انقطع بكفر من قال قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة وحكاه صاحب الروضة في كتاب الردة عنه وأقره وذهب أكثر أهل الأصول من أهل الأصول من أهل السنة إلى أن الخوارج فساق وإن حكم الإسلام يجري عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الإسلام وإنما فسقوا بتكفير المسلمين مستندين إلى تأويل فاسد وجرهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم والشهادة عليهم بالكفر والشك وقال الخطابي أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج مع ضلالته فرقة من فرق المسلمين وأجازوا مناكحاتهم وأكل ذبائحهم وأنهم لا يكفرون ما داموا متمسكين بأصل الإسلام
وقال عياض كادت هذه المسألة أن تكون أشد اشكالا عند المتكلمين من غيرها حتى سأل الفقيه عبد الحق الإمام أبا المعالي عنها فأعتذر بأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم عنها عظيم في الدين قال وقد توقف القاضي أبو بكر البلاقاتي قال ولم يصرح القوم بالكفر وإنما قالوا أقوالا تؤدي إلى الكفر وقال الغزالي في كتاب التفرقة من الإيمان والزندقة الذي ينبغي الأحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا فإن استباحة دماء المسلمين المقرين بالتوحيد خطأ والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلم واحد قال ابن بطال ذهب جمهور العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين من جملة المسلمين قال وقد سئل علي عن أهل النهر وإن هل كفروا فقال من الكفر فروا
قال الحافظ وهذا أن ثبت عن على حمل على أنه لم يكن اطلع على معتقدهم الذي أوجب تكفيرهم عند من كفرهم قال القرطبي في المفهم والقول بتكفيرهم أظهر في الحديث قال فعلى القول بتكفيرهم يقاتلون ويقتلون وتغنم أموالهم وهو قول طائفة من أهل الحديث في أموال الخوارج وعلى القول بعدم تكفيرهم يسلك بهم مسلك أهل البغي إذا شقوا العصا ونصبوا الحرب قال وباب التكفير باب خطر ولا نعدل بالسلامة شيئا

6 - وعن مروان بن الحكم قال " صرخ صارخ لعلي يوم الجمل لا يقتلن مدبر ولا يذفف على جريح ومن أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن "
- رواه سعيد بن منصور

7 - وعن الزهري قال " هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون فأجمعوا أن لا يقاد أحد ولا يؤخذ مال على تأويل القرآن إلا ما وجد بعينه "
- ذكره أحمد في رواية الأثرم واحتج به

- أثر مروان اخرج نحوه أيضا ابن أبي شيبة والحاكم والبيهقي من طريق عبد خير عن علي بلفظ " نادى منادي علي يوم الجمل إلا لا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم " وأخرج الحاكم والبيهقي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لابن مسعود يا ابن أم عبد ما حكم من بغى من أمتى قال الله ورسوله أعلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يقتل أسيرهم وفي لفظ ولا يذفف على جريحهم وزاد ولا يغنم فيئهم سكت عنه الحاكم وقال ابن عدي هذا الحديث غير محفوظ وقال البيهقي ضعيف
قال الحافظ في بلوغ المرام وصححه الحاكم فوهم لان في إسناده كوثر بن حكيم وهو متروك قال وصح عن علي من طرق نحوه موقوفا أخرجه ابن أبي شيبة والحاكم اه وكوثر المذكور قد صرح بتركه البخاري وأخرج البيهقي عن أبي أمامة قال شهدت صفين فكانوا لا يجيزون على جريح ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا وأخرج أيضا عن أبي فاختة أ عليا أتى بأسير يوم صفين فقال لا تقتلني صبرا فقال علي رضي الله عنه لا أقتلك صبرا أني أخاف الله رب العالمين ثم خلى سبيله ثم قال أفيك خير تبايع وأخرج أيضا أن عليا لم يقاتل أهل الجمل حتى دعا الناس ثلاثا حتى إذا كان يوم الثالث دخل عليه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر فقالوا قد أكثروا فينا الجراح فقال ما جهلت من أمرهم شيئا ثم توضأ وصلى ركعتين حتى إذا فرغ رفع يديه ودعا ربه وقال لهم أن ظفرتم على القوم فلا تطلبوا مدبرا ولا تجيزوا على جريح وانظروا إلى ما حضروا به الحرب من آلة فاقبضوه وما سوى ذلك فهو لورثتهم قال البيهقي هذا منقطع والصحيح أنه لم يأخذ شيئا ولم يسلب قتيلا وأخرج أيضا عن علي أنه كان لا يأخذ سلبا وأخرج أيضا عن عرقجة عن أبيه قال لما قتل علي أهل النهر وإن جال في عسكرهم فمن كان يعرف شيئا أخذه حتى بقيت قدر رأيتها أخذت بعد . وأثر الزهري أخرجه أيضا البيهقي بلفظ هاجت الفتنة الأولى فادركت يعني الفتنة رجالا ذوي عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممن شهد معه بدرا وبلغنا أنهم يرون أن هذا أمر الفتنة لا يقام فيها على رجل قاتل في تأويل القرآن قصاص فيمن قتل ولا حد في سباء امرأة سبيت ولا يرى عليها حد ولا بينها وبين زوجها ملاعنة ولا يرى أن يقذفها أحد الاجلد الحد ويرى أن ترد إلى زوجها الأول بعد أن تعتد عدتها من زوجها الآخر ويرى أن يرثها زوجها الأول
قوله : " ولا يذفف " بالذال المعجمة المفتوحة بعده فاء مشددة ثم فاء مخففة على صيغة البناء للمجهول وهو في معنى يجهز قال في القاموس ذف على الجريح ذفا وذفافا ككتاب وذففا محركة أجهز والاسم الذفاف كسحاب قال أيضا في مادة جهاز وجهز على الجريح كمنع وأجهز اثبت قتله وأسرعه وتمم عليه وموت مجهز وجهيز سريع انتهى . في الآثر المذكور دليل على أنه لا يجوز قتل من كان مدبرا من البغاة وكذلك يدل على ذلك الحديث المرفوع الذي ذكرناه وعلى أنه لا يجهز على جريحهم بل يترك على ما هو عليه إلا إذا كان المدبر أو الجريح ممن له فئة جاز قتله عند الهادوية وأبي حنيفة والمروزي من الشافعية
وقال الشافعي لا يجوز إذ القصد دفعهم في تلك الحال وقد وقع وهو الظتاهر من إطلاق النهي في الحديث ولكنه يدل على جواز القتل إذا كان للبغي المذكور فئة قوله تعالى { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله } والهارب والجريح لم يحصل منهما ذلك واجيب بأن المراد بالفيئة إلى الله ترك الصولة والاستطالة وقد حصل ذلك من الهارب الجريح الذي لا يقدر على القتال وأما ما روى عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي أنه قال لا تتبعوا موليا ليس بنحاز إلى فئة فقد أجيب عن الاستدلال بمفهومه على جواز قتل من له فئة واتباعه بأ إمامة علي قطعية وإمامة غيره ظنية فلا يكون الحكم متحدا بل المتوجه الوقوف على ظاهر النهي المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو وإن كان فيه المقال السابق ولكنه يؤيده أن الأصل في دم المسلم تحريم سفكه والآية المذكورة فيها الأذن بالمقاتلة إلى حصول تلك الغاية وربما كان ذلك الهرب من مقدماتها إن لم يكن منها :
قوله " ومن أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن " استدل به علي عدم جواز مقاتلة البغاة إذا كانوا في بيوتهم أو طلبوا منا الأمان لأنهم إذا أغلقوا على أنفسهم فليسوا ببغاة في ذلك الوقت واتصافهم بذلك الوصف شرط جواز مقاتلتهم كما في الآية وإذا طلبوا الأمان فقد فاؤا إلى أمر الله تعالى وهي الغاية التي أذن الله بالقتال إلى حصولها وقد حصلت
قوله : " فاجمعوا على أن لا يقاد أحد " ظاهره وقوع الإجماع منهم على عدم جواز الأقتصاص ممن وقع منه القتل لغيره في الفتنة سواء كان باغيا أو مبغيا عليه وقد ذهبت الشافعية والحنفية والإمام يحيى إلى أنهم لا يضمنون ما أتلفوا أي البغاى وحكى أبو جعفر عن الهادوية أنهم يضمنون
قوله : " لا يؤخذ مال على بأويل القرآن إلا ما وجد بعينه " فيه دليل على أنه لا يجوز أخذ أموال البغاة إلا ما كان منها موجودا عند القتال قال في البحر ولا يجوز سبيهم ولا اغتنام مالم يجلبوا به إجماعا لبقائهم على الملة . وحكي عن أكثر العترة أنه يجوز اغتنام ما اجلبوا به من مال وآلة حرب وحكي عن النفس الزكية والحنفية والشافعية أنه لا يغنم منهم شيء ويدل على ذلك ما تقدم في الحديث المرفوع بلفظ " ولا يغنم منهم " . واعلم أن قتال البغاة جائز إجماعا كما حكي ذلك في البحر ولا يبعد أن يكون واجبا لقوله تعالى { فقاتلوا التي تبغي } وقد حكي في البحر أيضا عن العترة جميعا أن جهادهم أفضل من جهاد الكفار إلى ديارهم إذ فعلهم في دار الإسلام كفعل الفاحشة في المسجد قال في البحر أيضا والبغي فسق إجماعا

باب الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والكف عن إقامة السيف

1 - عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية "
وفي لفظ " من كره من أميره شيئا فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية "

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال كانت بنو اسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا قال فوا ببيعة الأول فالأول ثم أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم "
- متفق عليهن

- قوله " فليصبر " في رواية للبخاري " فليصبر عليه " قوله " من فارق الجماعة شبرا " بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة كناية عن معصية السلطان ومحاربته قال ابن أبي جمرة المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء فكنى عنها بمقدار الشبر لأن الأخذ في ذلك يؤل إلى سفك الدماء بغير حق
قوله : " فميتته جاهلية " في رواية للبخاري مات ميتة جاهلية
وفي رواية له أخرى فمات الامات ميتة جاهلية
وفي رواية لمسلم فميتته جاهلية وفي أخرى له من حديث ابن عمر " من خلع يدا من طاعة لقي الله ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " وفي الرواية الأخرى من حديث ابن عباس المذكور " فمات عليه الامات جاهلية " قال الكرماني الأستفهام هنا بمعنى الأستفهام الأنكاري أي مافارق الجماعة أحد إلا جرى له كذا أو حذف ما فهي مقدرة أو إلا زائدة أو عاطفة على رأي الكوفيين والمراد بالميتة الجاهلية وهي بكسر الميم أن يكون حاله في الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك وليس المراد أنه يموت كافرا بل يموت عاصيا ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي وإن لم يكن جاهليا أو إن ذلك ورد مورد الزجر والتنفير فظاهره غير مراد ويؤيد أن المراد بالجاهلية التشبيه ما أخرجه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وصححه من حديث الحرث بن الحرث الأشعري من حديث طويل وفيه " من فارق الجماعة شبرا فكأنما خلع رقبة الإسلام من عنقه " وأخرجه البزار والطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس وفي سنده جليدين دعلج وفيه مقال وقال من رأسه يدل من عنقه
قوله : " فواببيعة الأول فالأول " فيه دليل على أنه يجب على الرعية الوفاء ببيعة الإمام الأول ثم الأول ولا يجوز لهم المبايعة للأمام الآخر قبل موت الأول
قوله : " ثم أعطوهم حقهم " أي ادفعوا إلى الأمراء حقهم الذي لهم المطالبة به وقبضه سواء كان يختص بهم أو يعم وذلك من الحقوق الواجبة في المال كالزكاة وفي الأنفس كالخروج إلى الجهاد وظاهر الحديث العموم في المخاطبين ونقل ابن التين عن الداودي أنه خاص بالأنصار وكأنه أخذه من كون المخاطب بذلك الأنصار كما في حديث عبد الله بن زيد ولا يلزم من مخاطبتهم بذلك أن يختص بهم فإنه يختص بهم بالنسبة إلى المهاجرين ويختص ببعض المهاجرين دون بعض فالمستأثر من يلي الأمر ومن عداه هو الذي يستأثر عليه ولما كان الأمر يختص بقريش ولاحظ للأنصار فيه خوطب الأنصار في بعض الأوقات وهو خطاب للجميع بالنسبة إلى من لا يلي الأمر وقد ورد ما يدل على التعميم ففي حديث يزيد بن سلمة الجعفي عند الطبراني أنه قال يا رسول الله إن كان علينا أمراء يأخذونا بالحق ويمنعونا الحق الذي لنا أنقاتلهم قال لا عليهم ماحملوا وعليكم ما حملتم
وأخرج مسلم من حديث أم سلمة مرفوعا " سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وبايع قالوا أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا " ونحوه حديث عوف بن مالك الآتي وفي مسند الإسماعيلي من طريق أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة بن الجراح عن عمر رفعه قال " أتاني جبريل فقال إن أمتك مفتتنة من بعدك فقلت من أين قال من قبل أمرائهم وقرائهم يمنع الأمراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم فيفتنون ويتبع القراء الأمراء فيفتنون قلت فكيف يسلم من سلم منهم قال بالكف والصبر أن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه "

3 - وعن عوف بن مالك الأشجعي قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قال قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة إلا من ولى عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة "

4 - وعن حذيفة بن اليمان " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يكون بعدى أئمة لا يهتدون ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس قال قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك قال تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع "

5 - وعن عرفجة الأشجعي قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه "
- رواهن أحمد ومسلم

6 - وعن عبادة بن الصامت قال " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا تنازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان "
- متفق عليه

7 - وعن أبي ذر " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يا أبا ذر كيف بك عند ولاة يستأثرون عليك بهذا الفيء قال والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي وأضرب حتى ألحقك قال أولا أدلك على ما هو خير لك من ذلك تصبر حتى تلحقني "
- رواه أحمد

- حديث أبي ذر في اسناده خالد بن وهبان قال في التقريب مجهول من الثالثة وقال في التهذيب ذكره ابن حبان في الثقات
وقال أبو حاتم مجهول وفي الباب أحاديث غير هذه بعضها بقدم في باب براءة رب المال بالدفع إلى السلطان الجائر في كتاب الزكاة وبعضها مذكور في غير هذا الكتاب من ذلك حديث ابن عمر عند الحاكم بلفظ " من خرج من الجماعة فقد خلع ربقة الأسلام من عنقه حتى يراجعه ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن ميتته ميتة جاهلية " وقد قدمنا نحوه قريبا عن الحرث بن الحرث الأشعري ورواه الحاكم من حديث معاوية أيضا والبزار من حديث ابن عباس وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهلية " وأخرج أيضا مسلم نحوه عن ابن عمر وفيه قصة وأخرج الشيخان من حديث أبي موسى الأشعري لفظ " من حمل علينا السلاح فليس منا " وأخرجاه أيضا من حديث ابن عمر وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وسلمة بن الأكوع وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم من حديث أبي ذر " من فارق الجماعة قدر شبرفقد خلع ربقة الإسلام من عنقه " وأخرج البخاري من حديث أنس " اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عبد حبشي رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله تعالى " وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني " وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث ابن عمر " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فأن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " وأخرج الترمذي من حديث ابن عمر " ألا أخبركم بخير أمرائكم وشرراهم خيارهم الذين تحبونهم ويحبونكم وتدعون لهم ويدعون لكم وشرار أمراؤكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم " وأخرج الترمذي من حديث أبي بكرة " من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله تعالى " والأحاديث في هذا الباب كثيرة وهذا طرف منها
قوله : " خيار أئمتكم " الخ فيه دليل على مشروعية محبة الأئمة والدعاء لهم وإن من كان من الأئمة محبا للرعية ومحبوبا لديهم وداعيا لهم ومدعوا له منهم فهو من خيار الأئمة ومن كان باغضا لرعيته مبغوضا عندهم يسبهم ويسبونه فهو من شرارهم وذلك لأنه إذا عدل فيهم وأحسن القول لهم أطاعوه وانقادوا له وأثنوا عليه فلما كان هو الذي يتسبب بالعدل وحسن القول إلى المحبة والطاعة والثناء منهم كان من خيار الأئمة ولما كان هو الذي يتسبب أيضا بالجور والشتم للرعية إلى معصيتهم له وسوء القالة منهم فيه كان من شرار الأئمة
قوله " لا ما أقاموا فيكم الصلاة " فيه دليل على أنه لا يجوز منابذة الأئمة بالسيف مهما كانوا مقيمين للصلاة ويدل ذلك بمفهومه على جواز المنابذة تركهم للصلاة . وحديث عبادة بن الصامت المذكور فيه دليل على أنها لا تجوز المنابذة إلا عند ظهور الكفر البواح وهو بموحدة فمهملة
قال الخطابي معنى قوله بواحا يريد ظاهرا باديا من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا ادعاه وأظهره قال ويجوز بوحا بسكون الواو ويجوز بضم أوله ثم همزة ممدودة قال ومن رواه بالراء فهو قريب من هذا المعنى . وأصل البراح الأرض القفر التي لا أنيس فيها ولا بناء وقيل البراح البيان يقال برح الخفاء إذا ظهر
قال النووي هي في معظم النسخ من مسلم بالواو وفي بعضها بالراء
قال الحافظ ووقع عند الطبراني كفرا صراحا بصاد مهملة مضمومة ثم راء ووقع في رواية إلا أن تكون معصية لله بواحا
وفي رواية لأحمد ما لم يأمرك بائم بواحا وفي رواية له وللطبراني عن عبادة " سيلى أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى الله " وعند ابن أبي شيبة من حديث عبادة " سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا تعرفون ويفعلون ما تنكرون فليس لاؤلئك عليكم طاعة "
قوله : " فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة " فيه دليل على أن من كره بقلبه ما يفعله السلطان من المعاصي كفاه ذلك ولا يجب عليه زيادة عليه
وفي الصحيح " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه " ويمكن حمل حديث لباب وما ورد في معناه على عدم القدرة على التغيير باليد واللسان ويمكن أن يجعل مختصا بالأمراء إذا فعلوا منكرا لما في الأحاديث الصحيحة من تحريم معصيتهم ومنابذتهم فكفى في الإنكار الكراهة بالقلب لأن في إنكار المنكر عليهم باليد واللسان تظهرا بالعصيان وربما كان ذلك وسيلة إلى المنابذة بالسيف قوله " في جثمان أنس " بضم الجيم وسكون المثلثة أي لهم قلوب كقلوب الشياطين وأجسام كأجسام الأنس
قوله : " وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع " فيه دليل على وجوب طاعة الأمراء وإن بلغوا في العسف والجور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم فيكون هذا مخصصا لعموم قوله تعالى { من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم } وقوله { وجزاء سيئة سيئة مثلها }
قوله : " وعن عرفجة " بفتح العين المهملة وسكون الراء وفتح الفاء بعدها جيم هو ابن شريح بضم المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها حاء وقيل ابن ضريح بضم الضاد المعجمة وقيل ذريح بفتح الذال المعجمة وكسر الراء وقيل صريح بضم الصاد المهملة وقيل شراحيل وقيل سريج بضم السين المهملة وآخره جيم ويقال له الأشجعي ويقال الكندي ويقال الأسلمي
قوله : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " بفتح العين ورسول فاعله
قوله : " في منشطنا " بفتح الميم والمعجمة وسكون النون التي بينهما أي في حال نشاطنا وحال كراهتنا وعجزنا عن العمل بما نؤمر به ونقل ابن التين عن الداودي أن المراد الأشياء التي يكرهونها
قال ابن التين والظاهر أنه أراد في وقت الكسل والمشقة في الخروج ليطابق معنى منشطنا ويؤيده ما عند أحمد في حديث عبادة بلفظ في النشاط والكسل
قوله " وأثرة علينا " بفتح الهمزة والمثلثة والمراد أن طاعتهم لمن يتولى عليهم لا تتوقف على إيصالهم حقوقهم بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم
قوله : " وأن لا ننازع الأمر أهله " أي الملك والإمارة زاد أحمد في رواية وأن رأيت أن لك في الأمر حقا فلا تعمل بذلك الظن بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليكم بغير خروج عن الطاعة
قوله : " إلا أن تروا كفرا بواحا " قد تقدم ضبطه وتفسيره
قوله : " عندكم فيه من الله برهان " أي نص آية أو خبر صريح لا يحتمل التأويل ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل
قال النووي المراد بالكفر هنا المعصية ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولا يتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم اه قال في الفتح
وقال غيره إذا كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف ومحل ذلك إذا كان قادرا ونقل ابن التين عن الداودي قال الذي عليه العلماء في امراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب وإلا فالواجب الصبر وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء فأن أحدث جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه قال ابن بطال إن حديث ابن عباس المذكور في أول الباب حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار قال في الفتح وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وإن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء تسكين الدهماء ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها كما في الحديث اه
وقد استدل القائلون بوجوب الخروج على الظلمة ومنابنتهم السيف ومكافحتهم بالقتال بعمومات من الكتاب والسنة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا شك ولا ريب أن الأحاديث التي ذكرها المصنف في هذا الباب وذكرناها أخص من تلك العمومات مطلقا وهي متواترة المعنى كما يعرف ذلك من له انسة بعلم السنة ولكنه لا ينبغي لمسلم أن يحط على من خرج من السيف الصالح من العترة وغيرهم على أئمة الجور فإنهم فعلوا ذلك باجتهاد منهم وهم أتقى لله وأطوع لسنة رسول الله من جماعة ممن جاء بعدهم من أهل العلم ولقد أفرط بعض أهل العلم كالكرامية ومن وافقهم في الجمود على أحاديث الباب حتى حكموا بأن الحسين السبط رضى الله عنه وأرضاه باغ على الخمير السكير الهاتك لحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم الله فيالله العجب من مقالات تقشعر منها الجلود ويتصدع من سماعها كل جلمود

باب ما جاء في حد الساحر وذم السحر والكهانة

1 - عن جندب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حد الساحر ضربه بالسيف "
- رواه الترمذي الدارقطني وضعف الترمذي إسناده وقال الصحيح عن جندب موقوف

2 - وعن بجالة بن عبدة قال " كنت كاتبا لجزء ابن معاوية عم الأحنف بن قيس فأتى كتاب عمر قبل موته بشهر أن أقتلوا كل ساحر وساحرة وفرقوا بين كل ذي رحم محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة فقتلنا ثلاث سواحر وجعلنا نفرق بين الرجل وحريمه في كتاب الله تعالى "
- رواه أحمد وأبو داود . وللبخاري منه التفريق بين ذوي المحارم

3 - وعن محمد بن عبد الرحمن ابن سعد بن زرارة " أنه بلغه أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتلت جارية لها سحرتها وكانت قد دبرتها فأمرت بها فقتلت "
- رواه مالك في الموطأ عنه

4 - وعن ابن شهاب " أنه سئل علي من سحر من أهل العهد قتل قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه وكان من أهل الكتاب "
- أخرجه البخاري

- حديث جندب في اسناده إسماعيل بن مسلم المكي
قال الترمذي بعد ذكره هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث من قبل حفظه وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري قال وكيع هو ثقة ويروى عن الحسن أيضا والصحيح عن جندب موقوف قال والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم وهو قول مالك ابن أنس وقال الشافعي إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل في سحره ما يبلغ الكفر فإذا عمل عملا دون الكفر فلم نر عليه قتلا اه وأخرج هذا الحديث الحاكم والبيهقي . وأثر عمر أخرجه أيضا البيهقي وعبد الرزاق . وأثر حفصة أخرجه أيضا عبد الرزاق وقد استدل بحديث جندب من قال إنه يقتل الساحر قال النووي في شرح مسلم عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع قال وقد يكون كفرا وقد لا يكون كفرا بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر وإلا فلا وأما تعلمه وتعليمه فحرام قال ولا يقتل عندنا يعني الساحر فإن تاب قبلت توبته
وقال مالك الساحر كافر بالسحر ولا يستتاب ولا تقبل توبته بل يتحتم قتله والمسألة مبنية على الخلاف في قبول توبة الزنديق لأن الساحر عند كافر كما ذكرنا وعندنا ليس بكافر وعتدنا تقبل توبة المنافق والزنديق
قال القاضي عياض وبقول مالك قال أحمد بن حنبل وهو مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين قال أصحابنا إذا قتل الساحر بسحره إنسانا أو أعترف أنه مات بسحره وأنه يقتل غالبا لزمه القصاص وإن مات به ولكنه قد يقتل وقد لا يقتل فلا قصاص وتجب الدية والكفارة وتكون الدية في ماله لا عاقلته لأن العاقلة لا تحمل ما ثبت باعتراف الجاني قال أصحابنا ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة وإنما يتصور باعتراف الساحر والله أعلم اه كلام النووي . وحكي في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه أن السحر كفر وحكي أيضا عن العترة وأكثر الفقهاء أنه لاحقيقة له ولا تأثير لقوله تعالى { وما هم بضارين به من أحد إلا بأذن الله } وعن أبي جعفر الاستر باذى والمغربي من الشافعية أن له حقيقة وتأثيرا إذ قد يقتل السموم وقد يغير العقل وقد يكون بالقول فيفرق بين المرء وزوجه لقوله تعالى { ومن شر النفاثات في العقد } أراد الساحرات فلولا تأثيره لما استعاذ منه وقد يحصل به ابدال الحقائق من الحيوانات قلنا سماه الله خيالا ولاخيال لا حقيقة له فقال يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى قالوا روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سحر حتى كان لا يدري ما يقول قلنا رواية ضعيفة اه كلام البحر . ويجاب عنه بأن الحديث صحيح كما سيأتي ويأتي أيضا أن مذهب جمهور العلماء أن للسحر تأثيرا وهو الحق كما يأتي بيانه انتهى
قوله : " عن الزمزمة " بزايين معجمتين مفتوحتين بينهما ميم ساكنة قال في القاموس الزمزمة الصوت البعيد له دوي وتتابع الرعد وهو أحسنه صوتا واثبته مطرا وتراطن العلوج على أكلهم وهو صموت لا يستعملون لسانا ولا شفة لكنه صوت تديره في خياشيمها وحلوقها فيفهم بعضها عن بعض اه
قوله : " فلم يقتل من صنعه " الخ استدل به من قال إنه لا يقتل الساحر ويجاب عنه بما سيأتي قريبا وأيضا ليس في ذلك دليل لأن غايته جواز الترك لا عدم جواز الفعل فيمكن الجمع على فرض عدم علم التاريخ بأن القتل للساحر جائز لا واجب

5 - وعن عائشة قالت " سحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعا ثم قال أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته قلت وما ذاك يا رسول الله قال جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ثم قال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل قال مطبوب قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق قال فيماذا قال في مشط ومشاط وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في بئر ذروان فذهب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة فقال لكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين قلت يا رسول الله أفاخرجته قال لا أما أنا فقد عافاني الله وشفاني وخشيت أن أثور على الناس منه شرا فأمر بها فدفنت "
- متفق عليه
وفي رواية لمسلم " قالت فقلت يا رسول الله أفلا أخرجته قال لا "

- قوله " حتى أنه ليخيل إليه " الخ قال الإمام المازري مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة إثبات السحر وإن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء خلافا لمن أنكر ذلك وأنكر حقيقة وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها وقد ذكره الله تعالى في كتابه وذكر أنه مما يتعلم وذكر ما فيه إشارة إلى أنه يكفر به وأن يفرق بين المرء وزوجه وهذا كله لا يمكن فيما لا حقيقة له وهذا الحديث أيضا مصرح بإثباته وأنه أشياء دفنت وأخرجت وهذا كله يبطل ما قالوه فاحالة كونه من الحقائق محال ولا يستنكر في العقل أن الله سبحانه يخرق العادة عند النطق بكلام أو تركيب أجسام أو المزج بين قوي على ترتيب لا يعرفه إلا الساحر وإذا شاهد الإنسان بعض الأجسام منها قاتلة كالسموم ومنها مسقمة كالأدوية الحادة ومنها مضرة كالأدوية المضادة للمرض لم يستبعد عقله أن ينفرد الساحر بعلم قوي قتالة أو كلام مهلك أو مؤد إلى التفرقة قال وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسبب آخر فزعم أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع قال وهذا الذي ادعاه هؤلاء المبتدعة باطل لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ والمعجزة شاهدة بذلك وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها ولا كان مفضلا من أجلها وهو مما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطيء وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام فلا يبعد تخيله ولا حقيقة له وقيل أنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحة ما تخيله فتكون اعتقاداته على السداد
قال القاضي عياض وقد جاءت روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على عقله وقلبه واعتقاده ويكون معنى قوله حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهم ويروى أنه يخيل إليه أي يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن فإذا دنا منهم أخذه السحر فلم يأتهن ولم يتمكن من ذلك وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه أنه فعل شيئا ولم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر لا بخلل تطرق إلى العقل وليس في ذلك ما يدخل لبسا على الرسالة ولا طعنا لأهل الضلالة انتهى
قال المازري واختلف الناس في القدر الذي يقع به السحر وهم فيه اضطراب فقال بعضهم لا يزيد تأثيره على قدر التفرقة بين المرء وزوجه لأن الله تبارك وتعالى إنما ذكر ذلك تعظيما لما يكون عنده وتهويلا له فلو وقع به أعظم منه لذكره لأن المثل لا يضرب عند المبالغة إلا بأعلى أحوال المذكور قال ومذهب الأشعرية أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك قال وهذا هو الصحيح عقلا لأنه لا فاعل إلا الله تبارك وتعالى وما يقع من ذلك فهو عادة أجراها الله تعالى ولا تفترق الأفعال في ذلك وليس بعضها بأولى من بعض ولو ورد الشرع بقصره على مرتبة لوجب المصير إليه ولكن لا يوجد شرع قاطع يوجب الاقتصار على ما قاله القائل الأول وذكر التفرقة بين الزوجين في الآية ليس بنص في منع الزيادة وإنما النظر في أنه ظاهر أم لا قال فإن قيل إذا جوزت الأشعرية خرق العادة على يد الساحر فيماذا يتميز عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فالجواب إن العادة تنخرق على يد النبي والولي والساحر ولكن النبي يتحدى بها الخلق ويستعجزهم عن مثلها ويخبر عن الله تعالى بخرق العادة له لتصديقه فلو كان كاذبا لم تنخرق العادة على يديه والولي والساحر لا يتحديان الخلق ولا يستدلان على نبوة ولو ادعيا شيئا من ذلك لم تنخرق العادة لهما
وأما الفرق بين الولي والساحر فمن وجهين أحدهما وهو المشهور إجماع المسلمين على أن السحر لا يظهر إلا على فاسق والكرامة لا تظهر على فاسق فإنما تظهر على ولي وبهذا جزم إمام الحرمين وأبو سعيد المتولي وغيرهما والثاني أن السحر قد يكون ناشئا بفعلها وبمزجها ومعاناة وعلاج والكرامة لا تفتقر إلى ذلك وفي كثير من الأوقات يقع مثل ذلك من غير أن يستدعيه أو يشعر به والله أعلم هكذا في شرح مسلم للنووي
قوله : " دعا الله ودعا " في رواية مسلم " دعا الله ثم دعا ثم دعا " وفي ذلك على استحباب الدعاء عند حصول الأمر المكروه وتكريره وحسن الالتجاء إلى الله سبحانه
قوله : " ما وجع الرجل قال مطبوب " بالطاء المهملة وبموحدتين اسم مفعول
قال ابن الأنباري الطب من الأضداد يقال لعلاج الداء طب وللسحر طب وهو من أعظم الأدواء ورجل طبيب أي حاذق سمي طبيبا لحذقه وفطنته
قال النووي كنوا بالطب عن السحر كما كنوا بالسليم عن اللديغ
قوله : " من بني زريق " بتقديم الزاي
قوله : " في مشط ومشاطة المشط بضم الميم والشين وبضم الميم واسكان الشن وبكسر الميم واسكان الشين وهو الآلة المعروفة التي يسرح بها الشعر والمشاطة بضم الميم وهي الشعر الذي يسقط من الرأس أو اللحية عند تسريحه بالمشط ووقع في رواية للبخاري ومشاقة بالقاف وهي المشاطة وقيل مشاقة الكتان
قوله : " وجف طلعة " بالجيم والفاء وهو وعاء طلع النخل أي الغشاء الذي يكون عليه ويطلق على الذكر والأنثى فلهذا قيده في الحديث
وفي رواية لمسلم وجب طلعة بضم الجيم وبالباء الموحدة
قال النووي هو في أكثر نسخ بلادنا كذلك والطلعة النخلة وهو بإضافة طلعة إلى ذكر
قوله : " في بئر ذروان " وهكذا في معظم نسخ البخاري
وفي جميع روايات مسلم في بئر ذي أروان قال النووي وكلاهما صحيح مشهور قال والذي في مسلم أجود وأصح وأدعى ابن قتيبة أنه الصواب وهو قول الأصمعي وهي بئر بالمدينة في بستان بني زريق
قوله : " نقاعة الحناء " بضم النون من نقاعة وهو الماء الذي تنقع فيه الحناء والحناء ممدود
قوله : " أفأخرجته " في الرواية الثانية " أفلا أخرجته " وفي رواية " أفلا أحرقته " قال النووي كلاهما صحيح وذلك بأن يقال طلبت منه صلى الله عليه وآله وسلم أن يخرجه ثم يحرقه وأخبر أن الله قد عفاه وإنه يخاف من إحراقه وأخرجه واشاعة هذا ضررا وشرا على المسلمين كتذكر السحر أو فعله والحديث فيه أو ايذاء فاعله فيحمله ذلك أو يحمل بعض أهله ومحبيه من المنافقين وغيرهم على سحر الناس وآذاهم وانتصابهم لمنابذة المسلمين بذلك وهذا من باب ترك مصلحة لخوف مفسدة أعظم منها وذلك من أهم قواعد الإسلام وبمثل هذا يجاب عن استدلال من استدل عل عدم جواز قتل الساحر بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقتل من سحره فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا ترك اخراج ما سحر فيه من البئر لمخافة الفتنة فبالأولى تركه القتل الساحر فإن الفتنة في ذلك أعظم وأشد

6 - وعن أبي موسى " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن الخمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر "

7 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواهما أحمد ومسلم

8 - وعن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة "
- رواه أحمد ومسلم

- قوله " لا يدخلون الجنة " فيه دليل على أن بعض أهل التوحيدلا يدخلون الجنة وهم من أقدم عل معصي صرح الشارع بأن فاعلها لا يدخل الجنة كهؤلاء الثلاثة ومن قتل نفسه ومن قتل معاهدا وغيرههم من العصاة الفاعلين لمعصية ورد النص بأنها مانعة من دخول الجنة فيكون حديث أبي موسى المذكور وما ورد في معناه مخصصا لعموم الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار ودخولهم الجنة
قوله : " من أتى كاهنا " قال القاضي عياض كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب أحدها يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء وهذا القسم بطل من حين بعث الله تعالى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم والثاني أن يخبره بما طرأ أو يكون في أقطار الأرض وما خفي عبه ما قرب أو بعد وهذا لا يبعد وجوده ونفت المعتزلة وبعض المتكلمين هذين الضربين وأحالوهما ولا استحالة في ذلك ولا بعد في وجوده لكنهم يصدقون ويكذبون ولانهي عن تصديقهم والسماع منهم عام . الثالث المنجمون وهذا الضرب يخلق الله فيه لبعض الناس قوة ما لكن الكذب فيه أغلب ومن هذا الفن العرافة وصاحبها عراف وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها بها وقد يعتضد بعض هذا الفن ببعض في ذلك كالزجر والطرق والنجوم وأسباب معتادة وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة وقد أكذبهم كلهم الشرع ونهى عن تصديقهم واتيانهم
قال الخطابي العراف هو الذي يتعاطى معرفة مكان الضالة ونحوهما قال في النهاية الكاهن يشمل العراف والمنجم
قوله : " فصدقه بما يقول " زاد الطبراني من رواية أنس " ومن أتاه غير مصدق له لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة " وظاهر هذا التصديق شرط في ثبوت كفر من أتى الكاهن والعراف
قوله : " فقد كفر " ظاهره أنه الكفر الحقيقي وقيل هو الكفر المجازي وقيل من اعتقد أن الكاهن والعراف يعرفان الغيب ويطلعان على الأسرار الألهية كان كافرا كفرا حقيقيا كمن اعتقد تأثير الكواكب وإلا فلا
قوله : " لم يقبل الله منه صلاة أربعين ليلة " قال النووي معناه أنه لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض عنه ولا يحتاج معها إلى إعادة ونظير هذه الصلاة في الأرض المغصوبة فإنها مجزئة مسقطة للقضاء ولكن لا ثواب فيها كذا جمهور أصحابنا قالوا فصلاة الفرض غيرها من الواجبات إذا أتى بها على وجهها الكامل ترتب عليها عليها شيئان سقوط الفرض عنه وحصول الثواب فإذا أداها في أرض مغصوبة حصل الأول دون الثاني ولا بد من هذا التأويل في هذا الحديث فإن العلماء متفقون على أنه لا يلزم من أتى العراف إعادة صلاة أربعين ليلة فوجب تأويله والله أعلم اه

9 - وعن عائشة " قالت سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناس عن الكهانة فقالوا ليسوا بشيء فقالوا يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه يخلطون معها مائة كذبة "
- متفق عليه

10 - وعن عائشة قالت " كان لأبي بكر غلام يأكل من خراجه فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام تدري مما هذا قال وما هو قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه "
- أخرجه البخاري

11 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال اسناده ثقات
قوله : " ليسوا بشيء " معناه بطلان قولهم وأنه لا حقيقة له قال النووي وفيه جواز إطلاق هذا اللفظ على ما كان باطلا انتهى وذلك لأنه لعدم نفقه كالمعدوم الذي لا وجود له
قوله : " تلك الكلمة من الحق يخطفها " بفتح الطاء المهملة على المشهور وبه جاء القرآن وفي لغة قليلة كسرها ومعناه استرقه وأخذه بسرعة
قوله : " فيقرها " بفتح الباء التحتية وصم القاف وتشديد الراء قال أهل اللغة والغريب القر ترديدك الكلام في أذن المخاطب حتى يفهمه تقول قررته فيه أقره قرا
قال الخطابي وغيره معناه أن الجني يقذف الكلمة إلى وليه الكاهن فتسمعها الشياطين
وفي رواية للبخاري يقرها في أذنه كما تقر القارورة
وفي رواية لمسلم فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة بفتح القاف من قر والدجاجة بالدال هي الحيوان المعروف أي صوتها عند مجاوبتها لصواحبها
قال الخطابي وفيه وجه آخر وهو أن تكون الرواية قر الزجاجة بالزاي يدل عليه رواية البخاري المتقدمة بلفظ كما تقر القارورة فإن ذكر القارورة يدل على أن الرواية الزجاجة بالزاي
قال القاضي عياض أما مسلم فلم تختلف الرواية عنه أنها الدجاجة بالدال لكن رواية القارورة تصحح الزجاجة قال القابسي معناه يكون لما يلقيه إلى وليه حس كحس القارورة عند تحريكها على اليد أو على صفا
قوله : " يخلطون " في رواية لمسلم " يقرفون " بالراء قال النووي هذه اللفظة ضبطوها على وجهين أحدهما بالراء والثاني بالذال ووقع في رواية الأوزاعي وابن معقل بالراء باتفاق النسخ ومعناه يخلطون فيه الكذب وهو بمعنى يقذفون وفي رواية يونس يرقون قال القاضي عياض عن شيوخنا بضم الياء وفتح الراء وتشديد القاف قال ورواه بعضهم بفتح الياء واسكان الراء قال في المشارق
قال بعضهم صوابه بفتح الياء واسكان الراء وفتح القاف وكذا ذكره الخطابي قال ومعناه يزيدون يقال وفي فلان إلى الباطل بكسر القاف أي رفعه وأصله من الصعود أي يدعون فيها ما سمعوا قال القاضي عياض وقد تصح الرواية الأولى على تضعيف هذا الفعل وتكثيره
قوله : " فقاء كل شيء في بطنه " فيه متمسك لتحريم ما أخذه الكهان ممن يتكهنون له وإن دفع ذلك بطيبة من نفسه
قوله : " من اقتبس " أي تعلم يقال قبست العلم واعتبسته إذا تعلمته والقبس الشعلة من النار واقتباسها الأخذ منها
قوله : " اقتبس شعبة من السحر " أي قطعة فكما ان تعلم السحر والعمل به حرام فكذا تعلم علم النجوم والكلام فيه حرام . ( 1 ) قال رسلان في شرح السنن
_________ -
( 1 ) اتفق أهل النجوم في أن الخير والشر والإعطاء والمنع وما أشبه ذلك يكون في العالم بالكواكب وبحسب السعود منها والنحوس وعلى حسب كونها من الروح الموافقة والمنافرة لها وعلى حسب نظر بعضها إلى بعض من التسديس والتربيع والتثليث والمقابلة وعلى حسب محاسدة بعضها بعض وعلى حسب كونها في شرفها وهبوطها ووبالها ثم اختلفوا على أي وجه يكون ذلك فزعم قوم منهم أن فعلها بطبائعها وزعم آخرون أن ذلك ليس فعلالها لكنها تدل عليه بطبائعها وزعم آخرون أنها تفعل بالأختيار لا بالطبع إلا أن السعد منها لا يختار إلا الخير والنحس منها لا يختار إلا الشر . ولا شك أن هذا بعينه ليس للاختيار فإن حقيقة القادر المختاد القدرة على فعل أي الضدين شاء وترك أيها شاء . وللإمام أبي القاسم عيسى بن علي رسالة
والمنهى عنه ما يدعيه أهل التنجيم من علم الحوادث والكوائن التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان ويزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها وهذا تعاط لعلم استأثر الله بعلمه قال وأما علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقى فغير داخل فيما نهى عنه ومن المنهى عنه التحدث بمجيء المطر ووقوع الثلج وهبوب الرياح وتغير الأسعار
قوله : " زاد مازاد " أي زاد من علم النجوم كمثل مازاد من السحر والمراد أنه إذا ازداد من علم النجوم فكأنه ازداد من علم السحر
وقد علم أن أصل علم السحر حرام والأزدياد منه أشد تحريما فكذا الأزدياد من علم التنجيم

12 - وعن معاوية بن الحكم السلمي قال " قلت يا رسول الله أنى حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام فإن منا رجالا يأتون الكهان قال فلا تأتيهم قال ومنا رجال يطيرون قال ذلك بشيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنكم قال قلت ومنا رجال يخطون قال كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك "
- رواه أحمد ومسلم

- هذا الحديث هو طويل حذف المصنف رمنه الله ما لا تعلق له بالمقام وقد تقدم في الصلاة طرف منه وفي العتق طرف آخر
قوله : " فلا تأتيهم " فيه النهي عن إتيان الكهان وقد تقدم الكلام على ذلك
قوله : " يطيرون "
_________
بليغة في الرد عليهم وأبداء تناقضهم كتبها لما بصره الله رشده وأراه ما عليه هؤلاء الضلال الجهال الفها نصيحة لبعض إخوانه
وقد ذكرها الإمام ابن القيم في كتابه المسمى مفتاح دار السعادة وعلق عليها فراجعها تهتدي والله أعلم
بفتح التحتية في أوله وتشديد الطاء المهملة وأصله يتطيرون أدغمت التاء الفوقية في الطاء والتطير التشؤم وأصله الشيء المكروه من قول أو فعل أو مرئي وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح فينفرون الظباء والطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في سفرهم وحوائجهم وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم فنفي الشرف ذلك وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير ينفع ولا يضر وقد أخرج أبو داود والترمذي وصححه ابن ماجه من حديث ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " قال الطيرة شرك ثلاث مرات وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل " قال الخطابي قال محمد بن إسماعيل يعني البخاري كان سليمان بن حرب ينكر هذا ويقول هذا الحرف ليس قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكأنه قول ابن مسعود . وحكى الترمذي عن البخاري عن سليمان بن حرب نحو هذا وأن الذي أنكره هو وما منا قال المنذري الصواب ما قاله البخاري وغيره أن قوله وما منا الخ من كلام ابن مسعود
قال الحافظ أبو القاسم الأصبهاني والمنذري وغيرهما في الحديث اضمار أي وما منا إلا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك يعني قلوب أمته وقيل معناه ما منا إلا من يعتريه التطير وتسبق إلى قلبه الكراهية فحذف اختصارا واعتمادا على فهم السامع وهذا هو المعنى ما وقع في حديث الباب قال ذلك بشيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنكم
قال النووي في شرح معناه أن كراهة ذلك تقع في نفوسكم في العادة ولكن لا تلتفتوا إليه ولا ترجعوا عما كنتم عزمتم عليه قبل هذا انتهى . وإنما جعل الطيرة من الشرك لأنهم كانوا يعتقدون أن التطير يجلب لهم نفعا أو يدفع عنهم ضررا إذا عملوا بموجبه فكأنهم أشركوا مع الله تعالى ومعنى إذهابه بالتوكل أن ابن آدم إذا تطير وعرض له خاطر من التطير أذهبه الله بالتوكل والتفويض إليه وعدم العمل بما خطر من ذلك فمن توكل سلم ولم يؤاخذه الله بما عرض له من التطير
وأخرج الشيخان وأبو داود من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا عدوى ولاطيرة ولا صفر ولا هامة فقال اعرابي ما بال الأبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها قال فمن أعدى الأول قال معمر قال الزهري فحدثني رجل عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يوردن ممرض على مصح قال فراجعه الرجل فقال أليس قد حدثتنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا عدوى ولا صفر ولا هامة قال لم أحدثكموه " قال الزهري قال أبو سلمة قد حدث به وما سمعت أبا هريرة بشيء حدثنا قط غيره هذا لفظ أبي داود وقد أخرج حديث " لا عدوى " الخ مسلم وأبو داود من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة وأخرجه أيضا أبو داود من طريق أبي صالح عن أبي هريرة وأخرج مسلم من طريق جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعدوى ولا طيرة ولاغول " وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح " والفأل الصالح الكلمة الحسنة
وأخرج أبو داود عن رجل عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع كلمة فأعجبته فقال أخذنا فالك من فيك " وأخرج أبو داود عن عروة بن عامر القرشي قال " ذكرت الطيرة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أحسنها الفال ولا ترد مسلما فإن رأى أحدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيآت إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك " قال أبو القاسم الدمشقي ولا صحبة لعروة القرشي تصح . وذكر البخاري وغيره أنه سمع من ابن عباس فعلى هذا يكون حديثه مرسلا وقال النووي في شرح مسلم وقد صح عن عروة بن عامر الصحابي رضي الله عنه ثم ذكر الحديث وقال في آخره رواه أبو داود بإسناد صحيح
وأخرج أبو داود والنسائي عن بريدة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يتطير من شيء وكان إذا بعث غلاما سأل عن أسمه فإذا أعجبه اسمه فرح به وروى بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمه رؤى كراهة ذلك في وجهه فإذا دخل قرية سأل عن اسمها فإن أعجبه اسمها فرح به ورؤى بشر ذلك في وجهه وأن كره اسمها رؤى كراهة ذلك في وجهه " وأخرج أبو داود عن سعد بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول لاهامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار " وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشؤم في الدار والمرأة والفرس " وفي رواية لمسلم " إنما الشؤم في ثلاث المرأة والفرس والدار " وفي رواية له " إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس والمسكن والمرأة " وفي رواية له أيضا " إن كان الشؤم في شيء ففي الربع والخادم والفرس " وأخرج أبو داود وصححه الحكم عن أنس " قال قال رجل يا رسول الله إنا كنا في دار كثير فيها عددنا كثير فيها أموالنا فتحولنا إلى دار أخرى فقل فيها عددنا وقلت فيها أموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذروها ذميمة " وأخرج مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد " جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فقل العدد وذهب المال فقال دعوها فإنها ذميمة " وله شاهد من حديث عبد الله بن شداد بن الهاد أحد كبار التابعين أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح
قال النووي اختلف العلماء في حديث الشؤم في ثلاث فقال مالك رحمه الله هو على ظاهره وأن الدار قد يجعل الله تبارك وتعالى سكناها سببا للضرر أو الهلاك وكذا اتخاذ المرأة المعينة أو الفرس أو الخادم قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله تعالى وقال الخطابي قال كثيرون هو في معنى الأستثناء من الطيرة أي الطيرة منهى عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة
وقال آخرون شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها وقيل حرانها وغلاء ثمنها . وشؤم الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه وقيل المراد بالشؤم هنا عدم الموافقة
قال القاضي عياض قال بعض العلماء لهذه الفصول السابقة في الأحاديث ثلاثة أقسام . أحدها ما لم يقع الضرر به ولا اطردت به عادة خاصة ولا عامة فهذا لا يلتفت إليه وأنكر الشرع الألتفات إليه وهو الطيرة والثاني ما يقع عنده الضرر عموما لا يخصه ونادرا لا يتكرر كالوباء فلا يقدم عليه ولا يخرج منه والثالث يخص ولا يعم كالدار والفرس والمرأة فهذا يباح الفرار منه اه والراجح ما قاله مالك وهو الذي يدل عليه حديث أنس الذي ذكرنا فيكون حديث الشؤم مخصصا لعموم حديث لا طيرة فهو في قوة لا طيرة إلا في هذه الثلاث وقد تقرر في الأصول أنه يبنى العام على الخاص مع جهل التاريخ وادعى بعضهم أنه إجماع والتاريخ في أحاديث الطيرة والشؤم مجهول وما حكاه القاضي عياض في كلامه السابق أن الوباء لا يخرج منه ولا يقدم عليه فلعله يتمسك بحديث النهي عن الخوارج من الأرض التي ظهر فيها الطاعون والنهي عن دخولها كما في حديث أسامة بن زيد عند البخاري ومسلم ومالك في الموطأ والترمذي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها "
وقد أخرج أبو داود عن يحيى بن عبد الله بن بحير قال " أخبرني من سمع فروة بن مسيك رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أرض عندنا يقال لها أرض ابين هي أرض ريفنا وميرتنا وأنها وبئة أو قال وباؤها شديد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعها عنك فإن من القرف التلف " اه والقرف بفتح القاف والراء بعده فاء وهوملابسة الداء ومقاربة الوباء ومداناة المرضي وكل شيء قاربته فقد قارفته والتلف الهلاك يعني من قارب متلفا يتلف إذا لم يكن هواه تلك الأرض موافقا له فيتركها
قال ابن رسلان وليس هذا من باب العدوى بل هو من باب الطب فأن استصلاح الهواء من أعون الأشياء على صحة الأبدان وفساد الهواء من أسرع الأشياء إلى الأسقام قال واعلم أن في المتع من الدخول إلى الأرض الوبئة حكما أحدهما تجنب الأسباب المؤذية والبعد منها . الثاني الأخذ بالعافية التي هي مادة مصالح المعاش والمعاد . الثالث أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد فيكون سببا للتلف . الرابع أن لا يجاور الذين قد مرضوا بذلك فيحصل له بمجاورتهم من جنس أمراضهم والحديث يدل على هذا اه
قال المنذري في مختصر السنن بعد أن ذكر حديث فروة المذكور ما لفظه في إسناده رجل مجهول قال ورواه عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر بن راشد عن يحيى بن عبد الله بن بحير عن فروة وأسقط المجهول وعبد الله بن معاذ وثقه يحيى بن معين وغيره وكان عبد الرزاق يكذبه اه ورجال اساد هذا الحديث ثقات لانه رواه أبو داود عن مخلد بن خالد شيخ مسلم وعباس العنبري شيخ البخاري تعليقا ومسلم قالا حدثنا عبد الرزاق عن معمر وهما من رجال الصحيحين عن يحيى بن عبد الله ابن بحير ذكره ابن حبان في الثقات ومما ينبغي أن يجعل مخصصا لعموم حديث " لا عدوى ولا طيرة " ما أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي وابن ماجه في سننهما من حديث الشريد بن سويد الثقفي قال كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنا قد بايعناك فرجع
وأخرج البخاري في صحيحه تعليقا من حديث سعيد بن مسناء قال " سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعدوى ولا طيرة ولا هام ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد " ومن ذلك حديث " لا يورد ممرض على مصح " الذي قدمناه قال القاضي عياض قد اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة المجذوم فثبت عنه الحديثان المذكوران أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكل مع مجذوم وقال له كل ثقة بالله تبارك وتعالى وتوكلا عليه . وعن عائشة قالت كان لنا مولى مجذوم يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي
قال وقد ذهب عمر وغيره من السلف إلى الأكل معه ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ والصحيح الذي قاله الأكثرون ويتعين المصير إليه أنه لا نسخ بل يجب الجمع بين الحديثين وحمل الأمر باجتنابه والفرار منه على الأستحباب والأحتياط وأما الأكل معه ففعله لبيان الجواز والله أعلم كذا في شرح مسلم للنووي . والحديث الذي فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم أكل مع المجذوم أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث يوسف بن محمد عن المفضل بن فضالة وهذا شيخ بصري والمفضل بن فضالة شيخ مصري أوثق من هذا وأشهر
وروى شعبة هذا الحديث عن حبيب بن الشهيد عن أبي بريدة أن عمر أخذ بيد مجذوم وحديث شعبة أشبه عندي وأصح قال الدارقطني تفرد به مفضل بن فضالة البصري أخو مبارك عن حبيب بن الشهيد عنه يعني عن ابن المنكدر
وقال ابن عدي الجرجاني لا أعلم يرويه عن حبيب بن الشهيد غير مفضل بن فضالة وقالوا تفرد بالرواية عنه يونس بن محمد اه . والمفضل بن فضالة البصري كنيته أبو مالك قال يحيى بن معين ليس بذاك
وقال النسائي ليس بالقوى
وقال أبو حاتم يكتب حديثه وذكره ابن حبان في الثقات
قال القاضي عياض قال بعض العلماء في هذا الحديث وما في معناه يعني حديث الفرار من المجذوم دليل على أنه يثبت للمرأة الخيار في فسخ النكاح إذا وجدت زوجها مجذوما أو حدث به جذام
قال النووي واختلف أصحابنا وأصحاب مالك في أن أمته هل لها منع نفسها من استمتاعه إذا أرادها قال القاضي قالوا ويمنع من المسجد والأختلاط بالناس قال وكذلك اختلفوا في أنهم إذا كثروا هل يؤمرون أن يتخذوا لأنفسهم موضعا منفردا خارجا عن الناس ولا يمنعون من التصرف في منافعهم وعليه أكثر الناس أم لا يلزمهم التنحي قال ولم يختلفوا في القليل منهم يعني في أنهم لا يمنعون قال ولا يمنعون من صلاة الجمعة مع الناس ويمنعون من غيرها قال ولو استضر أهل قرية فيهم جذمي بمخالطتهم في الماء فإن قدروا على استنباط ماء بلا ضرر أمروا به وإلا استنبطه لهم الآخرون أو أقاموا من يستقي لهم وإلا فلا يمنعون
قال النووي في شرح مسلم في حديث لا يورد ممرض على مصح قال العلماء الممرض صاحب الأبل المراض والمصح صاحب الأبل الصحاح فمعنى الحديث لا يورد صاحب الأبل المراض ابله على إبل صاحب الأبل الصحاح لأنه ربما أصابها المرض بفعل الله تعالى وقدره الذي أجرى به العادة لا بطبعها فيحصل لصاحبها ضرر بمرضها وربما حصل له ضرر أعظم من ذلك باعتقاد العدوى بطبعها فيكفر والله أعلم انتهى . وأشار إلى نحو هذا الكلام ابن بطال . قيل النهي ليس للعدوى بل للتأذي بالرائحة الكريهة ونحوها حكاه ابن رسلان في شرح السنن وقال ابن الصلاح ووجه الجمع أن هذه الأمراض لا تعدى بطبعها لكن الله سبحانه جعل مخالطة المريض للصحيح سببا لاعدائه مرضه تم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب
قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة والأولى في الجمع أن يقال أن نفيه صلى الله عليه وآله وسلم للعدوى باق على عمومه وقد صح قوله لا يعدى شيء شيئا
قوله : صلى الله عليه وآله وسلم لمن عارضه بأن البعير الأجرب يكون بين الأبل الصحيحة فيخالطها فتجرب حيث رد عليه بقوله فمن أعدى الأول يعني أن الله سبحانه ابتدأ ذلك في الثاني كما ابتدأه في الأول قال وأما الأمر بالفرار من المجذوم فمن باب سد الذرائع لئلا يتفق للشخص الذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء لا بالعدوى المنفية فيظن أن ذلك بسبب مخالطته فيعتقد صحة العدوى فيقع في الحرج فأمر بتجنبه حسما للمادة انتهى . والمناسب للعمل الأصولي في هذه الأحاديث المذكورة في الباب في ثلاث . وحديث فر من المجذوم . وحديث لا يورد ممرض مصح وما في معناها وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في جواب سؤال سميناه اتحاف المهرة بالكلام على حديث لا عدوى ولا طيرة ( 1 )
قوله : " ومنا رجال يخطون " قال ابن عباس في تفسير هذا الخط
_________ -
( 1 ) قال العلامة ابن القيم في حديث فرمن المجذوم وحديث لاعدوى ولاطيرة فالحديثان صحيحان ولا نسخ ولا تعارض بينهما بحمد الله بل كل منهما له وجه
وقد طعن أعداء السنة في أهل الحديث وقالوا يروون الأحاديث التي ينقض بعضها بعضا ثم يصححونها والأحاديث التي تخالف العقل فانتدب أنصار السنة للرد عليهم ونفي التعارض عن الأحاديث الصحيحة
هو الخط الذي يخطه الحازي . والحازي بالحاء المهملة والزاي هو الحزاء وهو الذي ينظر في المغيبات بظنه فيأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلوانا فيقول له أقعد حتى أخط لك وبين يدي الحازي غلام له معه مثل ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط فيها خطوطا كثيرة في أربعة أسطر عجلا ثم يمحو منها على مهل خطين خطين فإن بقي خطان فهو علامة النجح وإن بقي خط واحد فهو علامة الخيبة هكذا في شرح السنن لابن رسلان
قال وهذا علم معروف فيه للناس تصانيف كثيرة وهو معمول به إلى الآن ويستخرجون به الضمير
وقال الحربي الخط في الحديث هو أن يخط ثلاثة خطوط ثم يضرب عليهن ويقول يكون كذا وكذا وهو ضرب من الكهانة
قوله : " كان نبي من الأنبياء يخط " قيل هو ادريس عليه السلام حكى في تفسيره أن هذا النبي كان يخط بأصبعه السبابة والوسطى في الرمل ثم يزجر
قوله : " فمن وافق خطه فذاك " بنصب الطاء على المفعولية والفاعل ضمير يعود إلى لفظ من
قال الخطابي هذا يحتمل الزجر عنه إذا كان علما لنبوته وقد انقطعت فنهينا عن التعاطي لذلك قال القاضي عياض الأظهر من اللفظ خلاف هذا
_________ -
وبيان موافقتها للعقل
قال الأمام أبو محمد بن قتيبة في كتابه بأويل مختلف الحديث
قالوا حديثان متناقضان قالوا رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لا عدوى ولاطيرة وأنه قيل له النقبة تضع بمشفر البعير فتجرب لذلك فقال فمن أعدى الأول هذا أو معناه ثم رويتم في خلاف ذلك لا يورد ذو عاهة على مصح . وفر من المجذوم فرارك من الأسد . وأتاه رجل مجذوم ليبايعه بيعة الإسلام فأرسل إليه البيعة وأمره بالإنصراف ولم يأذن له وقال الشؤم في المرأة الدار والدابة وقالوا هذا كله مختلف لا يشبه بعضه بعضا
قال أبو محمد ونحن نقول أنه ليس في هذا اختلاف ولكل واحد معنى في وقت وموضع فإذا وضع موضعه زال الأختلاف والله أعلم
وتصويب خط من يوافق خطه لكن من أين تعلم الموافقة والشرع منع من
ادعاء الغيب جملة وإنما معناه من وافق خطه فذاك الذي تجدون اصابته لا أنه لا يريد إباحة ذلك لفاعله على ما تأوله بعضهم اه . ولو قيل إن قوله فذاك يدل على الجواز لكان جوازه مشروطا بالموافقة ولا طريق إليها مصتلة بذلك النبي فلا يجوز التعاطي

باب قتل من صرح بسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون من عرض

1 - عن الشعبي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه " أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذمتها "
- رواه أبو داود

2 - وعن ابن عباس " إن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتشتمه فأخذ المعول فجعله في بطنها واتكأ عليه فقتلها فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فجمع الناس فقال أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق الأقام فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتدلدل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر ولي منها إبنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك فأخذت المعول فوضعته في بطنها واتكأت عليه حتى قتلتها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألا أشهدوا أن دمها هدر "
- رواه أبو داود والنسائي واحتج به أحمد في رواية أبيه عبد الله

3 - وعن أنس قال " مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال السام عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتدرون ما يقول قال السام عليك قالوا يا رسول الله ألا تقتله قال لا إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم "
- رواه أحمد والبخاري
وقد سبق أن ذا الخويصرة قال يا رسول الله اعدل وأنه منع من قتله

- حديث الشعبي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه سكت عنه أبو داود وقال المنذري ذكر أن الشعبي سمع من أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وقال غيره أنه رآه ورجال إسناد الحديث رجال الصحيح . وحديث ابن عباس سكت عنه أيضا أبو داود والمنذري
وقال الحافظ في بلوغ المرام أن رواته ثقات . والحديث الذي أشار إليه المصنف أعني قوله قال رسول الله أعدل قد تقدم في باب قتال الخوارج ( وفي الباب ) عن أبي برزة عند أبي داود والنسائي " قال كنت عند أبي بكر فتغيظ علي رجل فاشتد غضبه فقلت اتأذن لي يا خليفة رسول الله أضرب عنقه فأذهبت كلمتي غضبه فقام فدخل فأرسل إلي فقال ما الذي قلت آنفا قلت أئذن لي أضرب عنقه قال أكنت فاعلا لو أمرتك قلت نعم قال لا والله ما كان لبشر بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم " وفي حديث ابن عباس وحديث الشعبي دليل على أنه يقتل من شتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد نقل ابن المنذر الأتفاق على أن من سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم صريحا وجب قتله ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية في كتاب الإجماع أن من سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء فلو تاب لم يسقط عنه القتل لأن حد قذفه القتل وحد القذف لا يسقط بالتوبة وخالفه القفال فقال كفر بالسب فسقط القتل بالإسلام وقال الصيدلاني يزول القتل ويجب حد القذف
قال الخطابي لا أعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلما وقال ابن بطال اختلف العلماء فيمن سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن مالك يقتل من سبه صلى الله عليه وآله وسلم منهم إلا أن يسلم وأما المسلم فيقتل بغير استتابة ونقل ابن المنذر عن الليث والشافعي واحمد وإسحاق مثله في حق اليهودي ونحوه
وروي عن الأوزاعي ومالك في المسلم أنها ردة بستتاب منها وعن الكوفيين إن كان ذميا عزر وإن كان مسلما فهي ردة وحكى عياض خلافا هل كان ترك من وقع منه ذلك لعدم التصريح أو لمصلحة التأليف ونقل عن بعض المالكية أنه لم يقتل اليهود الذين كانوا يقولون له السام عليك لأنهم لم تقم عليهم البينة بذلك ولا أقروا به فلم يقض فيهم بعلمه أنهم لما لم يظهروه ولووه بألسنتهم ترك قتلهم وقيل أنه لم يحمل ذلك منهم على السب بل على الدعاء بالموت الذي لابد منه ولذلك قال في الرد عليهم أي الموت نازل علينا وعليكم فلا معنى للدعاء به أشار إلى ذلك القاضي عياض وطذا من قال السأم بالهمز بمعنى السآمة هو دعاء بأن يملوا الدين وليس بصريح في السب وعلى القول بوجوب قتل من وقع منه ذلك من ذمي أو معاهد فترك لمصلحة التأليف هل ينتقض بذلك عهده محل تأمل واحتج الطحاوي لأصحابه بحديث أنس المذكور في الباب وأيده بأن هذا الكلام لو صدر من مسلم لكانت ردة وأما صدوره من اليهود فالذي هم عليه من الكفر أشد فلذلك لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعقب بأن دماءهم لم تحقن إلا بالعهد وليس في العهد أنهم يسبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمن سبه منهم تعدى العهد فينتقض فيصير كافرا بلا عهد فيهدر دمه إلا ان يسلم ويؤيده أنه لو كان كل ما يعتقدونه لا يؤاخذون به لكانوا لو قتلوا مسلما لم يقتلوا لأن من معتقدهم حل دماء المسلمين ومع ذلك لو قتل منهم أحد مسلما قتل فإن قيل إنما يقتل بالمسلم قصاصا بدليل أنه يقتل به ولو أسلم ولو سب ثم أسلم لم يقتل قلنا الفرق بينهما أن قتل المسلم يتعلق بحق آدمي فلا يهدر وأما السب فإن وجوب القتل به يرجع إلى حق الدين فيهدمه الإسلام والذي يظهر أن ترك قتل اليهود إنما كان لمصلحة التأليف أو لكونهم لم يعلنوا به أو لهما جميعا وهو أولى كما قال الحافظ

[ الردة ]

أبواب أحكام الردة والإسلام ( 1 )

باب قتل المرتد

بسم الله الرحمن الرحيم
- 1 - عن عكرمة " قال أتى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلهم لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بدل دينه فأقتلوه "
- رواه الجماعة إلا مسلما وليس لابن ماجه فيه سوي " من بدل دينه فأقتلوه " وفي حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له
أذهب إلى اليمن ثم اتبعه معاذ بن جبل فلما قدم عليه ألقى له وسادة وقال أنزل وإذا رجل عنده موثق قال ما هذا قال كان يهوديا فأسلم ثم تهود قال لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله "
_________
( 1 ) أي في بيان الأحاديث التي تستنبط منها أحكام الردة . والردة والارتداد كما قال الراغب الرجوع في الطريق الذي جاء منه لكن الردة تختص بالكفر والارتداد يستعمل فيه وفي عيره اه وقد أورد لكل منهما شاهدا من القرآن فقال قال أن الذي أرتدوا على أدبارهم
وقال يا أيها الذين أمنوا من يرتد منكم عن دينه وهو الرجوع من الإسلام إلى الكفر وكذلك ومن يرتد منكم عن دينه فيموت وهو كافر
وقال عز و جل فأرتد على آثارهما قصصا . إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى
وقال تعالى ويرد على أعقابنا وقوله تعالى ولا ترتدوا على أدباركم أي إذا تحققتم أمرا وعرفتم خيرا فلا ترجعوا عنه . وقوله عز و جل فلما أن جاء البشير القاه على وجهه فأرتد بصيرا أي عاد إليه البصير والله أعلم
_________
- متفق عليه
وفي رواية لأحمد " قضى الله ورسوله أن من رجع عن دينه فأقتلوه " ولأبي داود في هذه القصة " فأتى أبو موسى برجل قد أرتد عن الإسلام فدعاه عشرين ليلة أو قريبا منها فجاء معاذ فدعاه فأبى فضرب عنقه "

2 - وعن محمد بن عبد الله بن عبد القاري قال " قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى فسأله عن الناس فأخبره ثم قال هل من مغربة خبر قال نعم كفر رجل بعد إسلامه قال فما فعلتم به قال قربناه فضربنا عنقه فقال عمر هلا حبستموه ثلاثا وأطعمتوه لك يوم رغيفا و استتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله اللهم لم أحضر ولم أرض إذ بلغني "
- رواه الشافعي

- أثر عمر أخرجه أيضا مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن عبد القاري عن أبيه قال الشافعي من لا يتأنى بالمرتد زعموا أن هذا الأثر عن عمر ليس بمتصل ورواه البيهقي من حديث أنس قال لما نزلنا على تستر فذكر الحديث وفيه فقدمت على عمر رضي الله عنه فقال يا أنس ما فعل الستة الرهط من بكر ابن وائل الذين ارتدوا عن الإسلام فلحقوا بالمشركين قال يا أمير المؤمنين قتلوا بالمعركة فاسترجع عمر قلت وهل كان سبيلهم إلا القتل قال نعم قال كنت أعرض عليهم الإسلام فإن أبوا أودعتهم السجن ( وفي الباب ) عن جابر " أن امرأة أم رومان " وفي التلخيص أن الصواب أم مروان ارتدت فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يعرض عليها الإسلام فإن تابت وإلا قتلت . أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريقين وزاد في أحدهما فأبت أن تسلم فقتلت قال الحافظ وإسنادهما ضعيفان وأخرج البيهقي من وجه آخر ضعيف عن عائشة أن امراة أرتدت يوم أحد فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت . أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريقين وزاد في أحدهما فأبت أن تسلم فقتلت قال الحافظ وإسناده هما ضعيفان وأخرج البيهقي من وجه آخر ضعيف عن عائشة أن امرأة ارتدت يوم أحد فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت
وأخرج أبو الشيخ في كتال الحدود عن جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم استتاب رجلا أربع مرات
وفي إسناده العلاء بن هلال وهو متروك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر . ورواه البيهقي من وجه آخر من حديث عبد الله بن وهب عن الثوري عن رجل عن عبد الله بن عبيد بن عمير مرسلا وسمى الرجل نبهان
وأخرج الدارقطني والبيهقي أن أبا بكر استتاب امرأة يقال لها أم قرفة كفرت بعد اسلامها فلم تتب فقتلها الحافظ وفي السير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتل أم قرفة يوم فريظة وهي غير تلك
وفي الدلائل عن أبي نعيم أن زيد بن ثابت قتل أم قرفة في سريته إلى بني فزازة
قوله : " بزنادقة " بزاي ونون قاف جمع زنديق بكسر أوله وسكون ثانية
قال أبو حاتم السجستاني وغيره الزنديق فارسي معرب أصله زنده كرد أي يقول بدوام الدهر لأن زنده الحياة وكرد العمل ويطلق على من يكون دقيق النظر في الأمور وقال ثعلب ليس في كلام العرب زنديق وإنما يقال زندقي لمن يكون شديد التحيل وإذا أراد وأما العامة قالوا ملحد ودهري بفتح الدال أي يقول بدوام الدهر وإذا قالوها بالضم أرادوا كبر السن وقال الجوهري الزنديق من الثنوية وفسره بعض الشراح بأنه الذي يدعى مع الله إلها آخر وتعقب بأنه يلزم منه أن يطلق على كل مشرك قال الحافظ والتحقيق ما ذكره من صنف في الملل والنحل أن أصل الزندقة اتباع ديصان ثم مانى ثم مزدك الأول بفتح الدال المهملة وسكون التحتية بعدها صاد مهملة والثاني بتشديد النون وقد تخفف والياء خفيفة والثالث بزاي ساكنة ودال مهملة مفتوحة ثم كاف ( وحاصل ) مقالتهم أن النور والظلمة قديمان وأنهما امتزجا فحدث العالم كله منهما فمن كان من أهل الشر فهو من الظلمة ومن كان من أهل الخير فهو من النور وأنه يجب أن يسعى في تخليص النور من الظلمة فيلزم ازهاق كل نفس وكان بهرام جد كسرى تحيل على ماني حتى حضر عنده وأظهر له أنه قبل مقالته ثم قتله وقتل أصحابه وبقيت منهم بقايا اتبعوا مزدك المذكور وقام الإسلام والزنديق يطلق على من يعتقد ذلك وأظهر جماعة منهم الإسلام خشية القتل فهذا أصل الزندقة
وأطلق جماعة من الشافعية الزندقة على من يظهر الإسلام ويخفي الكفر مطلقا وقال النووي في الروضة الزنديق الذي لا ينتحل دينا
وقد أختلف الناس في الذين وقع لهم مع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ما وقع وسيأتي
قوله : " لنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تعذبوا بعذاب الله " أي لنهيه عن القتل بالنار بقوله لا تعذبوا بعذاب الله وهذا يحتمل أن يكون مما سمعه ابن عباس من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحتمل أن يكون سمعه من بعض الصحابة
وقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة حديثا وفيه " وإن النار لا يعذب بها إلا الله " ذكره البخاري في الجهاد
وأخرج أبو داود من حديث ابن مسعود في قصة بلفظ " وإنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار " قوله " من بدل دينه فأقتلوه " هذا ظاهره العموم في كل من وقع منه التبديل ولكنه عام يخص منهه من بدله في الباطن ولم يثبت عليه ذلك في الظاهر فإنه تجري عليه أحكام الظاهر ويستثنى منه من بدل دينه في الظاهر ولكن مع الإكراه هكذا في الفتح قال فيه واستدل به على قتل المرتد كالمرتد وخصه الحنفية بالذكر وتمسكوا بحديث النهي عن قتل النساء وحمل الجمهور النهي على الكافرة الأصلية إذا لم تباشر القتال لقوله في بعض طرق حديث النهي عن قتل النساء لما رأى امرأة مقتولة ما كانت هذه لتقاتل ثم نهى عن قتل النساء واحتجوا بأن من الشرطية لا تعم المؤنث وتعقب بأن ابن عباس راوي الخبر وقد قال بقتل المرتدة وقتل أبو بكر الصديق في خلافته امرأة أرتدت كما تقدم والصحابة متوافرون فلم ينكر عليه أحد ذلك واستدلوا أيضا بما وقع في حديث معاذ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أرسله إلى اليمن قال له أيما رجل أرتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه وأيما امرأة أرتدت عن الأسلام فادعها فإن عادت وإلا فاضرب عنقها "
قال الحافظ وسنده حسن وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه ويؤيده اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلها الزنى والسرقة وشرب الخمر والقذف ومن صور الزنا رجم المحصن حتى يموت فإن ذلك مستثنى من النهي عن قتل النساء فيستثنى قتل المرتدة مثله ( واستدل ) بالحديث بعض الشافعية على أنه يقتل من أنتقل من ملة من ملل الكفر إلى ملة أخرى وأجيب بأن الحديث متروك الظاهر فيمن كان كافرا ثم أسلم اتفاقا مع دخوله في عموم الخبر فيكون المراد من بدل دينه الذي هو دين الإسلام لأن الدين في الحقيقة هو دين الإسلام قال الله تعالى { إن الدين عند الله الإسلام } ويؤيده أن الكفر ملة واحدة فإذا انتقل الكافر من ملة كفرية إلى أخرى مثلها لم يخرج عن دين الكفر ويؤيده أيضا قوله تعالى { ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه }
وقد ورد في بعض طرق الحديث ما يدل على ذلك فأخرج الطبراني من وجه أخر عن ابن عباس رفعه " من خالف دينه دين الإسلام فاضربوا عنقه " واستدل بالحديث المذكور في الباب على أنه يقتل الزنديق من غير استتابة وتعقب بأنه وقع في بعض طرق الحديث أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه كما في الفتح من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال قيل لعلي أن هنا قوما على باب المسجد يزعمون أنك ربهم فدعاهم فقال لهم ويلكم ما تقولون قالوا أنت ربنا وخالقنا ورازقنا قال ويلكم إنما أنا عبد مثلكم أكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون إن أطعت الله أثابني إن شاء وإن عصيته خشيت أن يعذبني فأتقوا الله وارجعوا فأبوا فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام فقال أدخلهم فقالوا كذلك فلما كان الثالث قال لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة فأبوا إلا ذلك فأمر علي أن يخدلهم أخدود بين باب المسجد والقصر وأمر بالحطب أن يطرح في الأخدود ويضرم بالنار ثم قال لهم إني طارحكم فيها أو ترجعوا فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم حتى إذا احترقوا قال
أني إذا رأيت أمرا منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا
قال الحافظ إن اسناد هذا صحيح وزعم أبو مظفر الأسفرايني في الملل والنحل إن الذين أحقهم علي رضي الله عنه طائفة من الروافض ادعوا فيه الألهية وهم السبئية وكان كبيرهم عبد الله بن سبا يهوديا ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة وأما ما رواه ابن أبي شيبة أنهم أناس كانوا يعبدون الأصنام في السر فسنده منقطع فإن ثبت حمل على قصة أخرى وقد ذهب الشافعي إلى أنه يستتاب الزنديق كما يستتاب غيره . وعن أحمد وأبي حنيفة روايتان إحداهما لا يستتاب والأخرى أن تكرر منه لم تقبل توبته وهو قول الليث واسحاق . وحكي عن أبي اسحاق المروزي من أئمة الشافعية قال الحافظ ولا يثبت عنه بل قيل أنه تحريف من اسحاق بن راهوية والأول هو المشهور عن المالكية . وحكى عن مالك أنه جاء تائبا قبل وإلا فلا وبه قال أبو يوسف واختاره أبو اسحاق الأسفرايني وأبو منصور البغدادي وعن جماعة من الشافعية أن كان داعية لم يقبل وإلا قبل وحكي في البحر عن العترة وأبي حنيفة والشافعي ومحمد أنها تقبل توبة الزنديق لعموم أن ينتهوا . وعن مالك وأبي يوسف والجصاص لا تقبل إذ يعرف منهم التظهر تقية بخلاف ما ينطقون به قال المهدي فيرتفع الخلاف حينئذ فيرجع إلى القرائن لكن الأقرب العمل بالظاهر وإن التبس الباطن لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لمن يستأذنه في قتل منافق " أليس يشهد أن لا إله إلا الله " الخبر ونحوه اه
قال في الفتح واستدل من منع من قبول توبة الزنديق بقوله تعالى { إلا الذين تابوا واصلحوا " فقال الزنديق لا يطلع على إصلاحه لأن الفساد إنما أتى مما أسره فإذا أطلع عليه وأظهر الإقلاع عنه لم يرد على ما كان عليه ولقوله تعالى { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم } وأجيب بأن المراد من مات منهم على ذلك ما فسره ابن عباس أخرجه عنه ابن أي حاتم وغيره . واستدل لمن قال بالقبول بقوله تعالى { اتخذوا إيمانهم جنة } فدل على أن إظهار الإيمان يحصن من القتل قال الحافظ وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم لا سامة " هلا شققت عن قلبه " وقال للذي ساره في قتل رجل " أليس يصلي قال نعم قال أولئك الذين نهيت عن قتلهم " وقال صلى الله عليه وآله وسلم لخالد لما استأذنه في قتل الذي أنكر القسمة " إني لم أومر بأن أنقب عن قلوب الناس " وهذه الأحاديث في الصحيح والأحاديث في هذا الباب كثيرة
قوله : " ثم أتبعه " بهمزة ثم مثناة ساكنة
قوله : " معاذ بن جبل " بالنصب أي بعثه بعده ظاهره أنه ألحقه به بعد أن توجه ووقع في بعض النسخ وأتبعه بهمزة وصل وتشديد المثناة ومعاذ بالرفع
قوله : " فلما قد عليه " في البخاري في كتاب المغازي أن كلا منهما كان على عمل مستقل وأن كلا منهما كان إذا سار في أرضه بالقرب من صاحبه أحدث به عهدا وفي أخرى له فجعلا يتزاوران
قوله : " وسادة " هي ما تجعل تحت رأس النائم كذا قال النووي قال وكان من عادتهم أن من أرادوا إكرامه وضعوا الوسادة تحته مبالغة في إكرامه
قوله : " وإذا رجل عنده " الخ هي جملة حالية بين الأمر والجواب قال الحافظ ولم أقف على أسمه
قوله : " قضاء الله " خبر مبتدأ محذوف ويجوز النصب
قوله " فضرب عنقه " في رواية للطبراني فأبى بحطب فألهب فيه النار فكتفه وطرحه فيها ويمكن الجمع بأنه ضرب عنقه ثم ألقاه في النار قوله " هل من مغربة خبر " بضم الميم وسكون الغين المعجمة وكسر الراء وفتحها مع الإضافة فيهما معناه هل من خبر جديد من بلاد بعيدة شيوخ الموطأ فتحوا الغين وكسروا الراء وشددوها
قوله : " هلا حبستموه " الخ وكذلك قوله في الحديث الأول فدعاه عشرين ليلة الخ استدل بذلك من أوجب الاستتابة للمرتد قبل قتله وقد قدمنا في أول الباب ما في ذلك من الأدلة قال ابن بطال أختلفوا في استتابة المرتد فقيل يستتاب فإن تاب إلا قتل وهو قول الجمهور وقيل يجب قتله في الحال وإليه ذهب الحسن وطاوس وبه قال أهل الظاهر ونقله ابن المنذر عن معاذ وعبيد بن عمير وعليه يدل تصرف البخاري فإنه استظهر بالآيات التي لا ذكر فيها للاستتابة التي فيها أن التوبة لا تنفع وبعموم قوله " من بدل دينه فأقتلوه وبقصة معاذ المذكور ولم يذكر غير ذلك
قال الطحاوي ذهب هؤلاء إلى أن حكم من أرتد عن الإسلام حكم الحربي الذي بلغته الدعوى فإنه يقاتل من قبل أن يدعى وإنما تشرع الاستتابة لمن خرج عن الإسلام لا عن بصيرة فأما من خرج عن بصيرة فلا ثم نقل عن أبي يوسف موافقتهم لكن إن جاء مبادرا بالتوبة خلي سبيله ووكل أمره إلى الله . وعن ابن عباس إن كان أصله مسلما لم يستتب وإلا استتيب واستدل ابن القصار لقول الجمهور بالإجماع يعني السكوتي لأن عمر كتب في أمر المرتد هلا حبستموه ثلاثة أيام ثم ذكر الأثر المذكور في الباب ثم قال ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة كأنهم فهموا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم من بدل دينه فأقتلوه أي إن لم يرجع وقد قال تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } . واختلف القائلون بالاستتابة هل يكتفي بالمرة أم لابد من ثلاث وهل الثلاث في مجلس أو في يوم أو في ثلاثة أيام ونقل ابن بطال عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه يستتاب شهرا وعن النخعي يستتاب أبدا

باب ما يصير به الكافر مسلما

[ ؟ ؟ نقص في الطباعة ؟ ؟ ] الجنة فدخل الكنيسة فإذا يهود وإذا يهودي يقرأ عليهم التوراة فلما أتوا على صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمسكوا وفي ناحيتها رجل مريض فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لكم أمسكتم فقال المريض أنهم أتوا على صفة نبي فامسكوا ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة فقرأ حتى أتى على صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمته فقال هذه صفتك وصفة أمتك أشهد أن لا اله إلا الله وإنك رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه لوا أخاكم "
- رواه أحمد

2 - وعن أبي صخر العقيلي قال " حدثني رجل من الأعراب قال جلبت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فرغت من بيعتي قلت لالقين هذا الرجل لاسمعن منه قال فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتهم في أقفائهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه على ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجملهم وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي فقال برأسه هكذا أي لا فقال ابنه أي والله الذي أنزل التوراة انا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال أقيموا اليهودي عن أخيكم ثم ولى دفنه وجننه والصلاة عليه "
- رواه أحمد

3 - وعن أنس " أن يهوديا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشهد أنك رسول الله ثم مات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلوا على صاحبكم "
- رواه أحمد في رواية مهنا محتجا به

4 - وعن ابن عمر قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا أصبح أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين "
- رواه أحمد والبخاري وهو دليل على أن الكناية مع النية كصريح لفظ الإسلام

- حديث ابن مسعود أخرجه أيضا الطبراني قال في مجمع الزوائد في إسناده عطاء بن السائب وقد اختلط . وحديث أبي صخر العقيلي قال في مجمع الزوائد أبو صخر لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح
وقال ابن حجر في المنفعة قلت اسمه عبد الله بن قدامة وهو مختلف في صحبته وجزم البخاري ومسلم وابن حبان وغيرهم بأن له صحبة ثم ذكر ابن حجر في المنفعة الاضطراب في إسناده . وحديث أنس قال في مجمع الزوائد أخرجه أبو يعلى بإسناد رجاله رجال الصحيح والأحاديث المذكورة في الباب بعضها يشهد لبعض وقد ورد في معناها أحاديث . منها ما أخرجه في الموطأ عن رجل من الأنصار " أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجارية له فقال يا رسول الله على رقبة مؤمنة أفأعتق هذه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتشهدين أن لا إله إلا الله قالت نعم قال أتشهدين أن محمدا رسول الله قالت نعم قال أتؤمنين بالبعث بعد الموت قالت نعم قال أعتقها " وأخرج أبو داود والنسائي من حديث الشريد بن سويد الثقفي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لجارية من ربك قالت الله قال فمن أنا قالت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة " وأخرج مسلم ومالك في الموطأ وأبو داود والنسائي من حديث معاوية بن الحكم السلمي " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لجارية أراد معاوية بن الحكم أن يعتقها عن كفارة أين الله فقالت في السماء فقال من أنا قالت أنت رسول الله فقال أعتقها " وأخرج نحوه أبو داود من حديث أبي هريرة ومثل ذلك أحاديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " كما في الأمهات عن جماعة من الصحابة
قوله : " ابتعث الله نبيه " أي بعثه الله من بيته ليحصل بذلك إدخال رجل الجنة وهو الرجل المريض في الكنيسة فإن دخوله صلى الله عليه وآله وسلم إليها كان سبب إسلامه الذي صار سببا في دخوله الجنة
قوله : " لوا أخاكم فيه " الأمر لمن كان من السلمين في حضرته صلى الله عليه وآله وسلم بأن يلوا أمر ذلك الرجل المريض لأنه قد صار بسبب تكلمه بالشهادتين أخا لهم
قوله : " وجنته " الجنن بالجيم ونونين القبر ذكره في النهاية
قوله : " صبأنا صبأنا " أي دخلنا في دين الصابئة وكان أهل الجاهلية يسمون من أسلم صابئا وكأنهم قالوا أسلمنا أسلمنا والصابئ في الأصل الخارج من دين إلى دين قال في القاموس صبأ كمنع وكرم صبأ وصبوأ خرج من دين إلى دين اه
قوله : " مما صنع خالد " بترأ صلى الله عليه وآله وسلم من صنع خالد ولم يتبرأ منه وهكذا ينبغي أن يقال لمن فعل ما يخالف الشرع ولا سيما إذا كان خطأ وقد استدل المصنف بأحاديث الباب على أنه يصير الكافر مسلما بالتكلم بالشهادتين ولو كان ذلك على طريق الكناية بدون تصريح كما وقع في الحديث الآخر
وقد وردت أحاديث صحيحة قاضية بأن الإسلام مجموع خصال . أحدها التلفظ بالشهادتين منها حديث ابن عمر عند مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي قال حدثني عمر بن الخطاب قال " بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم إذ طلع عليه رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر " وفيه فقال " يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " ومنها ما أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة وفيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان " ومنها ما أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان " ومنها ما أخرجه الشيخان ومالك في الموطأ وأبو داود والنسائي من حديث طلحة ابن عبد الله أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " خمس صلوات في اليوم والليلة وصيام رمضان " وذكر له الزكاة
وأخر النسائي عن بهز بن حكيم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن آيات الإسلام فقال أن تقول أسلمت وجهي وتخليت وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة " وأخرج النسائي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم " وأخرج الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " وأخرج مسلم من حديث جابر والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أبي موسى نحو ذلك
وأخرج الشيخان من حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى " وأخرج البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها " ولفظ البخاري " من شهد أن لا إله إلا الله واستقبل قبلتنا وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم " فهذه الأاديث ونحوها تدل على أن الرجل لا يكون مسلما إلا إذا فعل جميع الأمور المذكورة فيها . والأحاديث الأولة تدل على أن الإنسان يصيرمسلما بمجرد النطق بالشهادتين
قال الحافظ في الفتح عند الإسلام عند الكلام على حديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " في باب قتل من أبى من قبول الفرائض من كتاب استتابة المرتدين والمعاندين ما لفظه وفيه منع قتل من قال لا إله إلا الله ولو لم يزد عليها وهو كذلك لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلما الراجح لا بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله لا يحق الأسلام
قال البغوي الكافر إذا كان وثنيا ثنويا لا يقر بالواحدانية فإذا قال لا إله إلا الله حكم بإسلامه ثم يجبر على قبول جميع الأحكام ويبرأ من كل دين خالف الإسلام وأما من كان مقرا بالوحدانية منكرا للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول محمد رسول الله فإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة فلا بد أن يقول إلى جميع الخلق فإن كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج إلى أن يرجع عن اعتقاده
قال الحافظ ومقتضى قوله يجبر أنه إذا لم يلتزم يجري عليه حكم المرتد وبه صرح القفال واستدل بحديث الباب وادعى أنه لم يرد في خبر من الأخبار أمرت أن أقاتل حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهي غفلة عظيمة فإن ثابت في الصحيحين في كتاب الإيمان منهما كما قدمنا الإشارة إلى ذلك انتهى

باب صحة الإسلام مع الشرط الفاسد

1 - عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم " أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم على أن يصلي صلاتين فقبل منه "
- رواه أحمد
وفي لفظ آخر له " على أن لا يصلي إلا صلاة فقبل منه "

2 - وعن وهب قال " سألت جابرا عن شأن ثقيف إذا بايعت فقال أشترطت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد وأنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك يقول سيتصدقون ويجاهدون "
- رواه أبو داود

3 - وعن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل أسلم قال أجدني كارها قال أسلم وإن كنت كارها "
- رواه أحمد

- هذه الأحاديث فيها دليل على أنه يجوز مبايعة الكافر وقبول الإسلام منه وإن شرط شرطا باطلا وأنه يصح إسلام من كان كارها
وقد سكت أبو داود والمنذري عن حديث وهب المذكور وهو وهب بن منبه وإسناده لا بأس به وأخرج أبو داود أيضا من حديث الحسن البصري عن عثمان بن أبي العاص أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم فأشترطوا عليه أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكم أن لا تحشروا ولا تعشروا ولا خير في دين ليس فيه ركوع
قال المنذري قد قيل أن الحسن البصري لم يسمع من عثمان بن أبي العاص والمراد بالحشر جمعهم إلى الجهاد والنفير إليه وبقوله يعشروا أخذ العشور من أموالهم صدقة وبقوله و لا يجب بفتح الجيم وضم الباء الموحدة المشددة وأصل التجبية أن يقوم الإنسان مقام الراكع وأردوا أنهم لا يصلون
قال الخطابي ويشبه أن يكون إنما سمح لهم بالجهاد والصدقة لأنهما لم يكونا بعد واجبتين في العاجل لأن الصدقة إنما تجب بإنقطاع الحول والجهاد إنما يجب بحضوره وأما الصلاة فهي راتبة فلم يجري أن يشترطوا تركها انتهى . ويعكر على ذلك حديث نصر بن عاصم المذكور في الباب فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل من الرجل أن يصلي صلاتين فقط أو صلاة واحدة على أختلاف الرايتين ويبقى الإشكال في قوله في الحديث الذي ذكرناه " لا خير في دين ليس فيه ركوع " فإن ظاهره يدل على أنه لاخير في إسلام من أسلم بشرط أن لا يصلي ويمكن أن يقال أن نفي الخيرية لا يستلزم عدم جواز قبول من أسلم بشرط أن لا يصلي وعدم قبوله صلى الله عليه وآله وسلم لذلك الشرط من ثقيف لا يستلزم عدم جواز القبول مطلقا

باب تبع الطفل لأبويه في الكفر ولمن أسلم منهما في الإسلام وصحة إسلام المميز

1 - عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة فطرة الله التي فطر الله عليها "
- الآية متفق عليه
وفي رواية متفق عليها أيضا قالوا " يا رسول الله أفرأيت من يموت منهم وهو صغير قال الله أعلم مما كانوا عاملين "

2 - وعن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد قتل عقبة بن أبي معيض قال من للصبية قال النار "
- رواه أبو داود والدارقطني في الأفراد وقال فيه " النار لهم ولأبيهم "

3 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا حنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم "
- رواه البخاري وأحمد وقال فيه " ما من رجل مسلم " وهو عام فيما إذا كانوا من مسلمة أو كافرة قال البخاري فكان ابن عباس مع أنه من المستضعفين ولم يكن مع أبيه على دين قومه

- حديث ابن مسعود سكت عنه أبو داود المنذري ورجال إسناده ثقات إلا علي بن الحسين الرقي وهو صدوق كما قال في التقريب وأخرج نحوه البيهقي من طريق محمد بن يحيى بن سهل بن أبي خيثمة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أقبل بالأسارى فكان بعرق الظبية أمر عاصم بن ثابت فضرب عنق عقبة بن أبي معيد صبرا فقال من للصبية يا محمد قال النار لهم ولا يهم
قوله : " على الفطرة " للفطرة معان منها الخلقة ومنها الدين قال في القاموس وفي الفطرة صدقة الفطر والخلقة التي خلق عليها المولود في رحم أمه والدين انتهى . والمناسب ههنا هو المعنى الآخر أعني الدين أي كل مولود يولد على الدين الحق فإذا لزم غيره فذلك لأجل ما يعرض له بعد الولادة من التغييرات من جهة أبويه أو سائر من يربيه
قوله : " جمعاء " بفتح الجيم وسكون الميم بعدها عين مهملة قال في القاموس والجمعاء الناقة المهزولة ومن البهائم التي لم يذهب من بدنها شيء . والمراد هنا المعنى اللآخر لقوله هل تحسون فيها من جدعاء والجدع قطع الأنف أو الأذن أو اليد أو الشفة كما في القاموس قال والجدعة محركة ما بقي بعد القطع انتهى
والمعنى أن البهائم كما أنها تولد سليمة من الجدع كاملة الخلقة وإنما يحدث لها نقصان الخلقة بعد الولادة بالجدع ونحوه كذلك أولاد الكفار يولدون على الدين الحق الكامل وما يعرض لهم من التلبس بالأديان الخالفة له فإنما هو حادث له بعد الولادة بسبب الأبوين ومن يقوم مقامهما . وحديث أبي هريرة فيه دليل على أن أولاد الكفار يحكم لهم عند الولادة بالإسلام وإنه إذا وجد الصبي في دار الإسلام دون أبويه كان مسلما لأنه إنما صار يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا بسبب أبويه فإذا عدما فهو باق على ما ولد عليه وهو الإسلام
قوله : " الله أعلم بما كانوا عاملين " فيه دليل على أن أحكام أولاد الكفار عند الله إذا ماتوا صغارا غير متعينة بل منوطة بعمله الذي كان يعمله لو عاش
وفي حديث ابن مسعود المذكور دليل على أنهم من أهل النار لقوله فيه النار لهم ولأبيهم ويشكل ذلك على مذهب العدلية لعدم موجب التعذيب منهم ( والحاصل ) أن مسألة أطفال الكفار بأعتبار أمر الآخرة من المعارك الشديدة لأختلاف الأحاديث فيها ولها ذيول مطولة لا يتسع لها المقام وفي الوقف عن الجزم بأحد الأمرين سلامة من الوقوع في مضيق لم تدع إليه حاجة ولا ألجأت إليه ضرورة وأما بأعتبار أحكام الدنيا فقد ثبت في صحيح البخاري في باب أهل الدار من كتاب الجهاد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن أولاد المشركين هو يقتلون مع أبائهم فقال هم منهم
قال في الفتح أي في الحكم في تلك الحالة وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الأباء إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم انتهى
وأخرج أبو داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان ويحمل هذا على أنه لا يجوز قتلهم بطريق القصد
وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة أني بامرأة مقتولة فقال ما كانت هذه تقاتل ونهى عن قتل النساء والصبيان
وأخرج نحوه أبو داود في المراسيل من حديث عكرمة وقد ذهب مالك والأوزاعي إلى أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان لم يجزي رميهم ولا تحريقهم . وذهب الشافعي والكوفيون وغيرهم إلى الجمع بما تقدم وقالوا إذا قاتلت المرأة جاز قتلها ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي وأبو حبان من حديث رباح بن الربيع التميمي قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين فرأى امرأة مقتولة فقال ما كانت هذه لتقاتل فإن مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت وقد ابن بطال وغيره الاتفاق على منع القصد إلى قتل النساء والولدان وأما حديث أنس المذكور في الباب فمحله كتاب الجنائز وإنما ذكره المصنف ههنا للاستدلال به على أن الولد يكون مسلما بإسلام أحد أبويه لما في قوله " ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد " فإنه يقتضي أن من كان له ذلك المقدار من الأولاد دخل الجنة وإن كانوا من امرأة غير مسلمة ونفعهم لأبيهم في ذلك الأمر إنما يصح بعد الحكم بإسلامهم لأجل إسلام أبيهم

4 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فإذا أعرب عنه لسانه فإما شاكرا وأما كفورا "
- رواه أحمد

5 - وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه عرض الإسلام على ابن صياد صغير فروى ابن عمر " أن عمر بن الخطاب أنطلق مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رهط من أصحابه قبل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظهره بيده ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابن صياد أتشهد أني رسول الله فنظر إليه ابن صياد فقال أشهد أنك رسول الأميين فقال ابن صياد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتشهد أني رسول الله رفصه رسول الله وقال آمنت بالله وبرسله "
- وذكر الحديث متفق عليه

6 - وعن عروة قال " أسلم علي وهو ابن ثمان "
- أخرجه البخاري في تاريخه
وأخرج أيضا عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قتل علي رضي الله عنه وهو ابن ثمان وخمسين سنة قلت وهذا يبين اسلامه لأنه أسلم في أوائل المبعث "

7 - وروي عن ابن عباس قال وكان علي رضي الله عنه أول من أسلم من الناس بعد خديجة "
- رواه أحمد
وفي لفظ " أول من صلى علي رضي الله عنه " رواه الترمذي

8 - عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن رجل من الأنصار قال " سمعت زيد بن أرقم يقول أول من أسلم علي رضي الله عنه قال عمر بن مرة فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي قال أول من أسلم أبو بكر الصديق "
- رواه أحمد الترمذي وصححه
وقد صح أن من مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى وفاته نحو ثلاث وعشرين سنة وأن عليا رضي الله عنه عاش بعده نحو ثلاثين سنة فيكون قد عمر بعد إسلامه فوق الخمسين وقد مات ولم يبلغ الستين فعلم أنه أسلم صغيرا

- حديث جابر أصله في الصحيحين وحديث ابن عمر الذي ذكره المصنف في شأن ابن صياد لم يذكر من أخرجه ولم تجري له عادة بذلك وهو في الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والموطأ وفي بعض النسخ قال متفق عليه " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماذا ترى قال يأتيني صادق وكاذب فقال صلى الله عليه وآله وسلم خلط عليك الأمر ثم قال له صلى الله عليه وآله وسلم إني قد خبأت لك خبيئا فقال ابن صياد هو الدخ فقال صلى الله عليه وآله وسلم أخسأ فلن تعدو قدرك فقال عمر ذرني يا رسول الله اضرب عنقه فقال صلى الله عليه وآله وسلم إن يكن هو فلن تسلط عليه وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله " . زاد الترمذي بعد قوله " خبأت لك خبيئا وخبأ له يوم تأتي السماء بدخان مبين " وحديث عروة مرسل وكذلك حديث جعفر بن محمد عن أبيه . وحديث ابن عباس قال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه من حديث شعبة عن أبي بلج إلا من حديث محمد بن حميد وأبو بلج اسمه يحيى بن أبي سليم
وقال بعض أهل العلم أول من أسلم من الرجال أبو بكر وأسلم علي وهو غلام ابن ثمان سنين وأول من أسلم من النساء خديجة انتهى : وحديث زيد بن أرقم قال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث حسن صحيح انتهى
وفي إسناده ذلك الرجل المجهول ولم يقع التصريح بأنه من الصحابة حتى تغتفر جهالته كما قررنا ذلك غير مرة بل روايته بواسطة تدل على أنه ليس من الصحابة فلا يكون حديثة حينئذ صحيحا ولا حسنا
وأما قول إبراهيم النخعي فهو مرسل فلا يصلح لمعارضة زيد بن أرقم وابن عباس
وقد أخرج الترمذي أيضا عن أنس بن مالك قال بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين وصلى علي رضي الله عنه يوم الثلاثاء قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مسلم الأعور ومسلم الأعور ليس عندهم بذاك القوي وقد روي هذا عن مسلم عن حية عن علي نحو هذا اه والأولى الجمع بينما ورد مما يقتضي أن عليا أول الناس إسلاما وإن أبا بكر أولهم إسلاما بأن يقال علي كان أول من أسلم من الصبيان وأبو بكر أول من أسلم من الرجال وخديجة أول من أسلم من النساء
قوله : " حتى يعرب عن لسانه " فيه دليل على أنه لا يحكم للصبي مادام غير مميز إلا بدين الإسلام فإذا أعرب عنه لسانه بعد تمييزه حكم عليه بالملة التي يختارها
قوله : " قبل ابن صياد " بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهته . وابن صياد اسمه صاف وأصله من اليهود وقد اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافا شديدا وأشكل أمره حتى قيل فيه كل قول . وظاهر الحديث المذكور أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مترددا في كونه هو الدجال أم لا ومما يدل على أنه هو الدجال ما أخرجه الشيخان وأبو داود عن محمد بن المنكدر قال كان جابر بن عبد الله يحلف لله أن ابن صياد الدجال فقلت أتحلف بالله فقال إني سمعت عمر بن الخطاب يحلف على ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا ينكره وقد أجيب عن التردد منه صلى الله عليه وآله وسلم بجوابين الأول أنه تردد صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يعلمه الله بأنه هو الدجال فلما أعلمه لم ينكر على عمر حلفه والثاني أن العرب قد تخرج الكلام مخرج الشك وإن لم يكن في الخبر شك ومما يدل على أنه هو الدجال ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر قال " لقيت ابن صياد يوما ومعه رجل من اليهود فإذا عينه قد طفت وهي خارجة مثل عين الحمار فلما رأيتها قلت أنشدك الله يا ابن صياد متى طفت عينك قال لا أدري والرحمن قلت كذبت وهي في رأسك قال فمسحها ونخر ثلاثا فزعم اليهودي أني ضربت بيدي صدره وقلت إخسأ فلم تعدو قدرك فذكرت ذلك لحفصة فقال حفصة اجتنب هذا الرجل فإنا نتحدث أن الدجال يخرج عند غضبة يغضبها " وأخرج مسلم هذا الحديث بمعناه من وجه آخر عن ابن عمرو لفظه " لقيته مرتين فذكر الأولى ثم قال ثم لقيته لقية أخرى وقد نفرت عينه فقلت متى فعلت عينك ما أرى فقال لا أدري فقلت لا تدري وهي في رأسك قال إن شاء الله في عصاك هذه ونخر كأشد نخير حمار سمعت فزعم أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت وأنا والله ما شعرت قال وجاء حتى دخل على حفصة فحدثها فقالت ما تريد إليه ألم تسمع أنه قد قال صلى الله عليه وآله وسلم أول ما يبعثه على الناس غضب يغضبه " ثم قال ابن بطال فإن قيل هذا أيضا يدل على التردد في أمره فالجواب أنه قد وقع الشك في أنه الدجال الذي يقتله عيسى بن مريم ولم يقع الشك في أنه أحد الدجالين الكذابين الذين أنذر بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله " إن بين يدي الساعة دجالين كذابين " وهو في الصحيحين وتعقبه الحافظ بأن الظاهر أن حفصة وابن عمر أرادا الدجال الأكبر واللام في القصة الواردة عنهما للعهد لا للجنس وكذلك حلف عمر وجابر السابق على أن ابن الصياد هو الدجال
وقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن ابن عمر كان يقول والله لا أشك أن المسيج الدجال هو ابن صياد
وأخرج مسلم عن أبي سعيد قال صحبني ابن صياد إلى مكة فقال ماذا لقيت من الناس يزعمون أني الدجال ألست سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يولد له قلت بلى قال فإنه قد ولد لي قال أولست سمعته يقول لا يدخل المدينة ولا مكة قلت بلى قال فقد ولدت في المدينة وأنا أريد مكة وأخرج مسلم أيضا عن أبي سعيد أنه قال له ابن صياد هذا عذرت الناس مالي وأنتم يا أصحاب رسول الله ألم يقل نبي الله أن الدجال يهودي وقد أسلمت فذكر نحو الأول
وفي مسلم أيضا عن أبي سعيد أنه قال له ابن صياد لقد هممت أن آخذ حبلا فأعلقه بشجرة ثم أختنق به مما يقول الناس يا أبا سعيد من خفي عليه حديث رسول الله ما خفي عليكم يا معشر الأنصار ثم ذكر نحو ما تقدم وزاد قال أبو سعيد حتى كدت أعذره
وفي آخر كل من الطرق أنه قال أني لا أعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن قال أبو سعيد فقلت له تبا لك سائر اليوم وأجاب البيهقي بأن سكوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حلف عمر يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان متوقفا في أمره ثم جاءه التثبت من الله تعالى بأنه غيره على ما تقتضيه قصة تميم الداري وبه تمسك من جزم بأن الدجال غير ابن صياد وطريقه أصح وتكون الصفة التي في ابن صياد فقط ما في الدجال وقد أخرج قصة تميم مسلم من حديث فاطمة بنت قيس قال البيهقي وفيها أن الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير ابن صياد وكان ابن صياد أحد الدجالين الكذابين الذين أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخروجهم وقد وخرج أكثرهم وكان الذين يجزمون بأن ابن صياد هو الدجال لم يسمع قصة تميم وقد خطب بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر أن تميما أخبره أنه لقي هو وجماعة معه في دير في جزيرة لعب بهم الموج شهرا حتى وصلوا إليها رجلا كأعظم إنسان رأوه قط خلقا وأشده وثاقا مجموعة يداه إلى عنقه بالحديد فقالوا له ويلك ما أنت فذكر الحديث وفيه أنه سأله عن نبي الأميين هل بعث وأنه قال إن تطيعوه فهو خير لكم وفيه أنه قال إني مخبكم عني أنا المسيح الدجال وإني أوشك أن يؤذن لي بالخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة
وفي بعض طرقه أنه شيخ قال الحافظ وسندها صحيح
وهذا الحديث ينافي ما استدل به على أن ابن صياد هو الدجال ولا يكن الجمع أصلا إذ لا يلتئم أن يكون من كان في الحياة النبوية شبه المحتلم ويجتمع به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسأله أن يكون شيخا في آخرها مسجونا في جزيرة من جزائر البحر موثوقا بالحديد يستفهم عن خبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل خرج أم لا فينبغي أن يحمل حلف عمر وجابر على أنه وقع قبل علمهما بقصة تميم قال ابن دقيق العيد في أوائل شرح الالمام ما ملخصه إذا أخبر شخص بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر ليس فيه حكم شرعي فهل يكون سكوته صلى الله عليه وآله وسلم دليلا على مطابقته ما في الواقع كما وقع لعمر في حلفه على ابن صياد أنه الدجال كما فهمه جابر حتى صار يحلف عليه ويستند إلى خلف عمر أو لا يدل فيه نظر قال والأقرب عندي أنه لا يدل لأن مأخذ المسألة ومناطها هو العصمة من التقرير على باطل وذلك يتوقف على تحقق البطلان ولا يكفي فيه عدم تحقق الصحة قال الخطابي اختلف السلف في أمر ابن صياد بعد كبره فروى أن تاب من ذلك القول ومات بالمدينة وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا وجهه حتى يراه الناس وقيل لهم اشهدوا
وقال النووي قال العلماء قصة ابن صياد مشكلة وأمره مشتبه ولكن لا شك أنه الدجال من الدجاجلة والظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يوح إليه في أمره بشيء وإنما أوحى إليه بصفات الدجال وكان في ابن صياد قرائن محتملة فلدلك كان صلى الله عليه وآله وسلم لا يقطع في أمره بشيء انتهى
وقد أخرج أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ اصبهان ما يؤيد كون ابن صياد هو الدجال عن حسان بن عبد الرحمن عن أبيه قال لما افتتحنا اصبهان كان بين عسكرنا وبين اليهود فرسخ فكنا نأتيها فنمتار منها فأتينا يوما فإذا اليهود يزفنون فسألت صديقا لي منهم فقال هذا ملكنا الذي استفتح به العرب فدخلت فبت على سطح فصليت الغداة فلما طلعت الشمس إذ الوهج من قبل العسكر فنظرت فإذا هو ابن صياد فدخل المدينة فلم يعد حتى الساعة
قال الحافظ في الفتح بعد أن ساق هذه القصة وعبد الرحمن بن حسان ما عرفته والباقون ثقات وقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن جابر قال فقدنا ابن صياد يوم الحرة وفتح اصبهان كان في خلافة عمر كما أخرجه أو نعيم في تاريخها وقد أخرج الطبراني في الأوسط من حديث فاطمة بنت قيس مرفوعا أن الدجال يخرج من أصبهان وأخرجه أيضا من حديث عمران بن حصين وأخرجه أيضا بسند صحيح كما قال الحافظ من حديث أنس لكن عنده من يهودية أصبهان قال أبو نعيم وإنما سميت يهودية اصبهان لأنها كانت تختص بسكنى اليهود قال الحافظ في الفتح وأقرب ما يجمع بين ما تضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقا وأن ابن صياد هو سلطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى اصبهان فاستتر مع قرينه إلى أن تجيء المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها . وقصة تميم السابقة قد توهم بعضهم من عدم إخراج البخاري لها أنها غريبة وهو وهم فاسد وهي ثابتة عند أبي داود من حديث أبي هريرة وعند ابن ماجه عن فاطمة بنت قيس
وأخرجها أبو يعلى عن أبي هريرة من وجه آخر
وأخرجها أبو داود بسند حسن من حديث جابر وغير ذلك وفي هذا المقدار كفاية وإنما تكلمنا عن قصة ابن صياد مع كون المقام ليس مقام الكلام عليها لأنها من المشكلات المعضلات التي لا يزال أهل العلم يسألون عنها فأردنا أن نذكر ههنا ما فيه تحليل ذلك الإشكال وحسم مادة ذلك الإعضال
قوله : " عند أطم " بضم الهمزة الطاء المهملة وهو البناء المرتفع قوله " أتشهد أني رسول الله " استدل به المصنف رحمه الله تعالى على صحة إسلام المميز كما ذكر ذلك في ترجمة الباب وكذلك يدل على ذلك بقية الأحاديث المذكورة في الباب في إسلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقد أختلف في مقدار سنه عند الموت على أقوال مذكورة في كتب التاريخ

باب حكم أموال المرتدين وجناياتهم

1 - عن طارق بن شهاب قال " جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح فخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية فقالوا هذه المجلية قد عرفناها فما المخزية قال تنزع منكم الحلقة والكراع ونغنم ما أصبنا منكم وتردون علينا ما أصبتم منا وتدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار وتتركون أقواما يتبعون أذناب الأبل حتى يرى الله خليفة رسوله والمهاجرين والأنصار أمرا يعذرونكم له فعرض أبو بكر ما قال على القوم فقام عمر بن الخطاب فقال قد رأيت رأيا وسنشير عليك أما ما ذكرت من الحرب المجلية والسلم المخزية فنعم ما ذكرت وأما ما ذكرت إن نغنم ما أصبنا منكم وتردون ما أصبتم منا فنعم ما ذكرت وأما ما ذكرت تدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار فإن قتلانا قاتلت فقتلت على أمر الله أجورها على الله ليس لها ديات فتبايع القوم على ما قال عمر "
- رواه البرقاني على شرط البخاري

- هذا الأثر أخرج بعضه البخاري في صحيحه وأخرج بقيته البرقاني في مستخرجه بطوله كما ذكره المصنف وأخرجه أيضا البيهقي من حديث ابن إسحاق عن عاصم بن حمزة قوله " بزاخة " بضم الباء الموحدة ثم زاي وبعد الألف خاء معجمة هو موضع قيل بالبحرين وقيل ماء لبني أسد كذا في التليخص
وفي القاموس وبزاخة بالضم موضع به وقعة أبو بكر رضي الله عنه انتهى
قوله : " المجلية " يحتمل أن يكون بالخاء المعجمة أي المهلكة قال في القاموس خلا مكانه مات وقال أيضا خلا المكان خلوا وخلاء وأخلا وأستخلى فرغ وكان خلاء ما فيه أحد وأخلاه جعله أو وجده خاليا وخلا وقع في موضع خال لا تزاحم فيه انتهى . ويحتمل أن يكون بالجيم قال في القاموس جلا القوم عن الموضع ومنه جلوا وأجلوا تفرقوا أو جلا من الخوف وأجلى من الجدب انتهى . والمراد الحرب المفرقة لأهلها لشدة وقعها وتأثيرها
وقال في الفتح المجلية بضم الميم وسكون الجيم بعدها لام مقصورة ثم تحتانية من الجلاء بفتح الجيم وتخفيف اللام مع المد ومعناه الخروج عن جميع المال
قوله : " والسلم المخزية " بالخاء المعجمة الزاي أي المذلة قال في القاموس خزي كرضي خزيا بالكسر وخزي وقع في شهرة فذل بذلك كأخزوزي وأخزاه الله فضحه ومن كلامهم لمن أتى بمستهجن ماله أخزاه الله
قال وخزي بالكسر خزء وخزاية بالقصر أستحيا انتهى
قوله : " الحلقة " بفتح الحاء المهملة وسكون اللام بعدها قاف قال في القاموس الحلقة الدرع والخيل انتهى وقال في النهاية والحلقة بسكون اللام السلاح عاما وقيل الدروع خاصة والمراد بالكراع الخيل
قال في القاموس هو اسم لجميع الخيل فعلى هذا يكون المراد بالحلقة الدروع أو هي وسائر السلاح الذي يحارب به
قوله : " يتبعون أذناب الأبل " أي يمتهنون بخدمة الأبل ورعيها والعمل بها لما في ذلك من الذلة والصغار
وقد استدل بالأثر المذكور على أنه يجوز مصالحة الكفار المرتدين على أخذ أسلحتهم وخيلهم ورد ما أصابوه من المسلمين وقد اختلف هل يملك الكفار ما أخذوه على المسلمين فذهب الهادي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إلى أنهم يملكون علينا ما استولوا عليه قهرا وإذا استولينا عليه فصاحبه أحق بعينه ما لم يقسم فإن قسم لم يستحقه إلا بدفع القيمة لمن صار في يده وذهب أبو بكر الصديق وعمر وعبادة بن الصامت وعكرمة الشافعي والمؤيد بالله إلى أنهم لا يملكون علينا ولو أدخلوه قهرا فصاحبه أحق به قبل القسمة وبعدها بلا شيء وأما ما أخذوه من أموال أهل الإسلام في دارهم قهرا كالعبد الآبق فذهب الهادي والنفس الزكية وأبو حنيفة إلى أنهم لا يملكونه علينا إذ دار الحرب دار إباحة فالملك فيها غير حقيقي وذهب مالك والأوزاعي والزهري وعمر وبن دينار وأبو يوسف ومحمد إلى أنهم يملكونه علينا وهو مروي عن أبي طالب ولعله يأتي تحقيق هذا البحث إن شاء الله تعالى

كتاب الجهاد والسير

باب الحث على الجهاد وفضل الشهادة والرباط والحرس

1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها "
- متفق عليه

2 - وعن أبي عبس الحارثي قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي والترمذي

3 - وعن أبي أيوب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غدوة أو روحة في سبيل الله خير مما طلعت عليه الشمس وغربت "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي . وللبخاري من حديث أبي هريرة مثله

4 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة "
- رواه أحمد والترمذي

5 - وعن أبي موسى قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي

6 - وعن ابن أبي أوفى " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الجنة تحت ظلال السيوف "
- رواه أحمد والبخاري

7 - وعن سهل بن سعد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها "
- متفق عليه

- حديث أبي هريرة الآخر قال الترمذي هو حديث حسن ولفظه عن أبي هريرة قال " مر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذبة فأعجبته لطيبها فقال لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب ولن أفعل حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزوا في سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة "
قوله : " كتاب الجهاد " قال في الفتح بكسر الجيم أصله لغة المشقة يقال جاهدت جهادا أي بلغت المشقة وشرعا بذل الجهد في قتال الكفار ويطلق أيضا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق فأما مجاهدة النفس فلى تعلم أمور الدين ثم على العمل بها ثم على تعليمها وأما مجاهدة الشيطان فعلى ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات
وأما مجاهدة الكفار فتقع باليد والمال واللسان والقلب وأما الفساق فباليد ثم اللسان ثم القلب ثم قال واختلف في جهاد الكفار هل كان أولا فرض عين أو فرض كفاية ثم قال في باب الوجوب النفير فيه قولان مشهوران للعلماء وهما في مذهب الشافعي
وقال الماوردي كان عينا على المهاجرين دون غيرهم ويؤيده وجوب الهجرة قبل الفتح في حق كل من أسلم إلى المدينة لنصر الإسلام وقال السهيلي كان عينا على الأنصار دون غيرهم ويؤيده مبايعتهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة على أن يؤوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وينصروه فيخرج من قومهما أنه كان على الطائفتين كفاية في حق غيره ومع ذلك فليس في حق الطائفتين على التعميم بل في حق الأنصار إذا طرق المدينة طارق وفي حق المهاجرين إذا أريد قتال أحد من الكفار أبتداء
وقيل كان عينا في الغزوة التي يخرج فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون غيرها والتحقيق أنه كان عينا على من عينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حقه وإن لم يخرج وأما بعده صلى الله عليه وآله وسلم فهو فرض كفاية على المشهور إلا أن تدعو الحاجة كأن يدهم العدو ويتعين على من عينه الإمام ويتأدى فرض الكفاية بفعله في السنة مرة عند الجمهور ومن حججهم أن الجزية تجب بدلا عنه ولا تجب في السنة أكثر من مرة اتفاقا فليكن بدلها كذلك وقيل يجب كل ما أمر وهو قوي قال والتحقيق أن جنس جهاد الكفار متعين على كل مسلم إما بيده وإما بلسانه وإما بماله وإما بقلبه انتهى . وأول ما شرع الجهاد بعد الهجرة النبوية إلى المدينة اتفاقا
قوله : " لغدوة أو روحة " الغدوة بالفتح والللام للابتداء وهي المرة الواحدة من الغدو وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه . والروحة المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها
قوله : " في سبيل الله " أي الجهاد
قوله : " خير من الدنيا وما فيها " قال ابن دقيق العيد يحتمل وجهين أحدهما أن يكون من باب تنزيل الغائب منزلة المحسوس تحقيقا له في النفس لكون الدنيا محسوسة في النفسس مستعظمة في الطباع ولذلك وقعت المفاضلة بها وإلا فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة والثاني أن المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا كلها لأنفقها في طاعة الله تعالى ويؤيد هذا الثاني ما رواه ابن المبارك في كتاب الجهاد من مرسل الحسن قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جيشا فيهم عبد الله بن رواحة فتأخر ليشهد الصلاة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم " ( والحاصل ) أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل له أعظم من جميع ما في الدنيا فكيف لمن حصل منها أعلى الدرجات . والنكتة ي ذلك أن سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا
قوله : " من أغبرت قدماه " زاد أحمد من حديث أبي هريرة ساعة من نهار وفيه دليل على عظم قدر الجهاد في سبيل الله فإن مجرد مس الغبار إذا كان من موجبات السلامة من النار فكيف بمن سعى وبذل جهده واستفرغ وسعه قوله " خير مما طلعت عليه الشمس وغربت " هذا هو المراد بقوله في الحديث الأول " خير من الدنيا وما فيها "
قوله : " فواق ناقة " وقدر ما بين الحلبتين من الاستراحة
قوله : " تحت ظلال السيوف " الظلال جمع ظل وإذا تدانى الخصمان صار كل واحد منهم تحت ظل سيف صاحبه لحرصه على رفعه عليه ولا يكون ذلك إلا عند التحام القتال قال القرطبي وهو من الكلام النفيس الجامع الموجز المشتمل على ضروب من البلاغة مع الوجازة وعذوبة اللفظ فإنه أفاد الحض على الجهاد والإخبار بالثواب عليه والحض على مقاربة العدو واستعمال السيوف والإجماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظل المقاتلين
وقال ابن الجوزي المراد أن الجنة تحصل بالجهاد . وله " وموضع سوط أحدكم " في رواية للبخاري وقاب قوس أحدكم أي قدره

8 - وعن معاذ بن جبل " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فواق ناقة وجبت له الجنة ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر كما كانت لونها الزعفران وريحها المسك "
- رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه

9 - وعن عثمان بن عفان قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه في المنازل "
- رواه احمد والترمذي والنسائي . ولابن ماجه معناه

10 - وعن سلمان الفارسي قال " سمعت رسول الله يقول رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي

11 - وعن عثمان بن عفان قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة بقيام ليلها وصيام نهارها "
- رواه أحمد

12 - وعن ابن عباس " قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشيت الله وعين باتت تحرس في سبيل الله "
- رواه الترمذي
وقال حديث حسن بن غريب

13 - وعن أبي أيوب قال " إنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأظهر الإسلام قلنا هل نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله تعالى وانفقوا في سبيل الله ولا ترموا بأيديكم في التهلكة فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد "
- رواه أبو داود

14 - وعن أنس قال " قال رسزل الله صلى الله عليه وآله وسلم جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي

- حديث معاذ أخرجه أيضا ابن ماجه وإسناد الترمذي وابن ماجه صحيح وأما إسناد أبو داود ففيه بقية بن الوليد وهو متكلم فيه ولفظه عند أبي داود " من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة ومن سئل الله القتل من نفسه صادقا ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك ومن خرج به خراج في سبيل الله عز و جل فإن عليه طابع الشهداء " وذكر المصنف رحمه الله أن الترمذي صحح حديث معاذ المذكور ولم نجد ذلك في جامعه وإنما صحح حديث أبي هريرة بمعناه ولكنه قد وافق المصنف على حكاية تصحيح الترمذي لحديث معاذ جماعة منهم المنذري في مختصر السنن والحافظ في الفتح وصححه أيضا ابن حبان والحاكم وحديث عثمان قال الترمذي بعد إخراجه أنه حديث حسن صحيح غريب . وحديث سلمان الفارسي أخرجه أيضا الترمذي . وحديث عثمان الثاني أشار إليه الترمذي . وحديث ابن عباس قال الترمذي بعد إخراجه حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شعيب بن زريق . وحديث أبي أيوب أخرجه أيضا النسائي والترمذي وقال حسن صحيح وصححه أيضا ابن حبان والحاكم ولفظ الحديث عند أبي داود عن أسلم بن عمران قال " غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة فحمل رجل على العدو فقال الناس مه مه لا إله إلا الله يلقي بيده إلى التهلكة فقال أبو أيوب إنما أنزلت هذه الآية فذكره
وفي الترمذي فضالة بن عبيد بدل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد . وحديث أنس سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح وصححه النسائي ( والأحاديث ) في فضل الجهاد كثيرة جدا لا يتسع لبسطها إلا مؤلف مستقل
قوله : " من جرح جرحا " ظاهر هذا أنه لا يختص بالشهيد الذي يموت من تلك الجراح بل هو حاصل لكل من جرح ويحتمل أن يكون المراد بهذا الجرح هو ما يموت صاحبه بسببه قبل إندماله لا ما يندمل في الدنيا فإن أثر الجراحة وسيلان الدم يزول ولا ينف ذلك كونه له فضل في الجملة قال في الفتح قال العلماء الحكمة في بعثه كذلك أن يكون معه شاهد فضيلته ببذل نفسه في طاعة الله
قوله " أو نكب نكبة " بضم النون من نكب وكسر الكاف قال في القاموس نكب عنه كنصر وفرح نكبا ونكبا ونكوبا عدل كنكب وتنكب ونكبهتنكبا نحاه لازم متعد وطريق منكوب على غير قصد ونكبه الطريق ونكب به عنه عدل والنكب الطرح انتهى
وقال في الفتح النكبة أن يصيب العضو شيء فيدميه انتهى
قوله : " لونها الزعفران " في حديث أبي هريرة عند الترمذي وغيره اللون لون الدم والريح ريح المسك
قوله : " رباط يوم في سبيل الله " بكسر الراء وبعدها موحدة ثم طاء مهملة قال في القاموس المرابطة أن يربط كل من الفريقين خيولهم في ثغرة وكل معد لصاحبه فسمي المقام في الثغر رباطا ومنه قوله تعالى { وصابروا ورابطوا } انتهى
قوله : " أمن الفتان " بفتح الفاء وتشديد التاء الفوقية وبعد الألف نون قال في القاموس الفتان اللص والشيطان كالفاتن والصانع والفتانان الدرهم والدينار ومنكر ونكير قال في النهاية وبالفتح هو الشيطان لأنه يفتن الناس عن الدين انتهى . والمراد ههنا الشيطان أو منكر ونكير
قوله : " حرس " هو مصدر حرس والمراد هنا حراسة الجيش يتولاها واحد منهم فيكون له الأجر لما في ذلك من العناية بشأن المجاهدين والتعب في مصالح الدين ولذلك قال في الحديث الآخر " عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله " قوله " فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة للنهي لكل أحد عن كل ما يصدق عليه أنه من باب الألقاء بالنفس إلى التهلكة والأعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإذا كانت تلك الصورة التي قال الناس إنها من باب الألقاء لما رأو الرجل الذي حمل على العدو كما سلف من صور الإلقاء لغة أو شرعا فلا شك أنها داخلة تحت عموم الآية ولا يمنع من الدخول اعتراض أبي أيوب بالسبب الخاص وقد تقرر في الأصول رجحان قول من قال أن الأعتبار بعموم اللفظ ولا حرج في اندراج التهلكة باعتبار الدين وباعتبار الدنيا تحت قوله ( ولا تلقوا بأيديكم بالتهلكة ) ويكون ذلك من باب استعمال المشترك في جميع معانيه وهو أرجح الأقوال الستة المعروفة في الأصول في استعمال المشترك
وفي البخاري في التفسير إن التهلكة هي ترك النفقة في سبيل الله وذكر صاحب الفتح هنالك أقوالا أخر فليراجع
وقد أخرج الحاكم من حديث أنس " أن رجلا قال يا رسول الله أرأيت إن انغمست في المشركين فقاتلتهم حتى قتلت أإلى الجنة قال نعم فأنغمس الرجل في صف المشركين فقاتل حتى قتل "
وفي الصحيحين عن جابر قال " قال رجل أين أنا يا رسول الله إن قتلت قال في الجنة فألقى تمرات كن بيده ثم قاتل حتى قتل " وروى ابن إسحاق في المغازي عن عاصم بن عمر بن قتادة قال لما " التقى الناس يوم بدر قال عوف بن الحرث يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده قال أن يراه غمس يده في القتال يقاتل حاسرا فنزع درعه ثم تقدم فقاتل حتى قتل " قوله " جاهدوا المشركين " الخ فيه دليل على وجوب المجاهدة للكفار بلأموال والأيدي والألسن
وقد ثبت الأمر القرآني بالجهاد بالأنفس والأموال في مواضع . وظاهر الأمر الوجوب وقد تقدم الكلام على ذلك وسيأتي أيضا

باب أن الجهاد فرض كفاية وأنه شرع مع كل برو فاجر

1 - عن عكرمة عن ابن عباس " قال ألا تنفروا يعذبكم عذبا أليما وما كان لأهل المدينة إلى قوله يعملون نسختها الآية التي تليها وما كان المؤمن "
- رواه أبو داود

2 - وعن عروة بن الجعد البارقي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال الخيل معقود في نواصيها الأجر والمغنى إلى يوم القيامة "
- متفق عليه . ولأحمد ومسلم والنسائي من حديث جرير البجلي مثله وفيه مستدل بعموم على الإسهام لجميع أنواع الخيل وبمفهومه على عدم الإسهام لبقية الدواب

3 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله إلا الله لانكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل وجهاد ماض مذ بعثني الله إلى أن يقاتل أخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والإيمان بالأقدار "
- رواه أبو داود وحكاه أحمد في رواية ابنه عبد الله

- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده ثقات إلا علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال وهو صدوق وبوب عليه أبو داود باب في نسخ نفير العامة بالخاصة وحسنه الحافظ في الفتح
وأخرج أبو داود عن ابن عباس أنه سأله نجدة بن نفيع عن هذه الآية ألا تنفروا يعذبكم عذابا أليما قال فامسك عنهم المطر وكان عذابهم . ونجدة بن نفيع الحنفي مجهول كما قاله صاحب الخلاصة . وحديث أنس سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده يزيد بن أبي نشبة وهو مجهول
وأخرج أيضا سعيد بن المنصور وفيه ضعف وله شواهد
قوله : " نسختها الآية التي تليها وما كان المؤمنون لينفروا كافة " قال الطبري يجوز أن يكون ألا تنفروا يعذبكم عذابا أليما خاصة والمراد به من استنفره النبي صلى الله عليه وآله وسلم فامتنع
قال الحافظ والذي يظهر أنها مخصوصة وليست بمنسوخة وقد وافق ابن عباس على دعوى النسخ عكرمة والحسن البصري كما روى ذلك الطبري عنهما وزعم بعضهم أن قوله { انفروا ثبات } ناسخة لقوله تعالى { انفروا خفافا وثقالا } وثبات جمع ثبة ومعناه جماعات متفرقة ويؤيده قوله تعالى بعده أو انفروا جميعا
قال الحافظ والتحقيق أنه لا نسخ بل المرجع في الآيتين يعني هذه وقوله تعالى { ألا تنفروا } مع قوله { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } إلى تعيين الامام وإلى الحاجة قوله " الخيل معقود " الخ المراد بها المتخذة للغزو بأن يقاتل عليها أو ترتبط لأجل ذلك وقد روى أحمد من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا " الخيل في نواصيها الخير معقود أبدا إلى يوم القيامة فين ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليها احتسابا كان شبعها وجوعها وريها وظمأها وأروائها وأبوالها فلاحا في موازينه يوم القيامة " قوله " الأجر والمغنم " بدلا من قوله الخير أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هو الأجر والمغنم ووقع عند مسلم من رواية جرير " فقالوا لما ذاك يا رسول الله قال الأجر والمغنم "
قال الطيبي يحتمل أن يكون الخير الذي فسر بالأجر والمغنم استعارة لظهوره وملازمته وخص الناصية لرفعة قدرها فكأنه شبهه لظهوره بشيء محسوس معقود على ما كان مرتفعا فنسب الخير إلى لازم المشبه به وذكر الناصية تجريد للاستعارة والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة قال الخطابي وغيره قالوا ويحتمل أن يكون كني بالناصية عن جميع ذات الفرس كما يقال فلان مبارك الناصية ويبعده ما رواه مسلم من حديث جرير قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلوي ناصية فرسه بإصبعه ويقول " فذكر الحديث فيحتمل أن تكون خصت بذلك لكونها المقدم منها إشارة إلى أن الفضل في الإقدام بها على العدودون المؤخر لما فيه من الإشارة إلى الإدبار
قوله : " والجهاد ماض " الخ فيه دليل على أن الجهاد لا يزال ما دام الإسلام والمسلمون إلى ظهور الدجال وأخرج أبو داود وأبو يعلى مرفوعا وموقوفا من حديث أبي هريرة " الجهاد ماض مع البر والفاجر " ولا بأس بإسناده إلا أنه من رواية مكحول عن أبي هريرة ولم يسمع منه
وأخرج أبو داود من حديث عمران بن حصين قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناواهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال " قوله " لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل " في دليل على أنه لا فرق في حصول فضيلة الجهاد بين أن يكون الغزو مع الإمام العادل أو الجائر
وقد استدل المصنف بما ذكره في الباب على أن الجهاد فرض كفاية وقد تقدم الكلام على ذلك في أول الكتاب
وقد حكى في البحر عن العترة والشافيعة والحنفية أنه فرض كفاية وعن ابن المسيب أنه فرض عين وعن قوم فرض عين في زمن الصحابة

باب ما جاء في إخلاص النية في الجهاد وأخذ الأجرة عليه والإعانة

1 - عن أبي موسى قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله فقال من قاتل لتكون كلمة الله العليا فهو في سبيل الله "
- رواه الجماعة

2 - وعن عبد الله بن عمرو قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما من غازية تغزوا في سبيل الله فيصيبون غنيمة ألا تجعلوا ثلثي أجرهم في الآخرة ويبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم "
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي

3 - وعن أبي أمامة قال " جاء زجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاشيء له فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا شيء له ثم قال إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغى به وجهه "
- رواه أحمد والنسائي

- حديث أبي أمامة جود الحافظ إسناده في فتح الباري وقد أخرج أبو موسى في الصحابة عن لاحق بن ضميرة الباهلي قال وفدت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأته عن الرجل يلتمس الأجر والذكر فقال لا شيء له في إسناده ضعيف
وأخرج أبو داود من حديث أبو هريرة " أن رجل قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضا من عرض الدنيا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا أجر له فأعاد ذلك مرة أخرى ثم ثالثة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا أجر له "
قوله : " يقاتل شجاعة " في رواية للبخاري في الجهاد والرجل يقاتل للذكر أي ليذكر بين الناس ويشتهر بالشجاعة
قوله : " ويقاتل رياء " في رواية للبخاري والرجل يقاتل ليري مكانه ومرجعه إلى الرياء والمراد بالمقاتلة لأجل الحمية أن يقاتل لأجل من يقاتل لأجله من أهل أو عشيرة أو صاحب ويحتمل أن تفسر الحمية بالقتال لدفع المضرة والقتال غضبا لجلب المنفعة
وفي رواية للبخاري والرجل يقاتل للمغنم وفي أخرى له والرجل يقاتل غضبا والحاصل من الروايات أن القاتل يقع بسبب خمسة أشياء طلب المغنم وإظهار الشجاعة والرياء والحمية والغضب وكل منها يتناوله المدح والذم ولهذا لم يحصل الجواب بالإثبات ولا بالنفي
قوله : " من قاتل لتكوم كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " المراد بكلمة الله دعوة الله إلى الإسلام ويحتمل أن يكن المراد به أن لا يكون في سبيل الله إلا من كان سبب قتاله طلب إعلاء كلمة الله فقط . بمعنى أنه لو أضاف إلى ذلك سبب من السباب المذكورة أخل به . وصرح الطبري أنه لا يخل إذا حصل ضمنا لا أصلا ومقصودا به قال الجمهور كما حكاه صاحب الفتح لكنه يعكر على هذا ما في حديث أبي أمامة المذكور من أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا ويمكن أن يحمل على قصد الأمرين معا على حد واحد فلا يخالف ما قاله الجمهور ( فالحاصل ) أنه إما أن يقصد الشيئين معا أو يقصد أحدهما فقط أو يقصد أحدهما ويحصل الآخر ضمنا والمحذزر أن يقصد غير الإعلاء سواء حصل الإعلاء ضمنا أو لم يحصل ودونه أن يقصدهما معا فإنه محذور على ما دل عليه حديث أبي أمامة والمطلوب أن يقصد الإعلاء فقط سواء حصل غير الإعلاء ضمنا أو لم يحصل
قال ابن أبي جمرة ذهب المحققون إلى أنه لو إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما ينضاف إليه وعلى هذا يحمل حديث أبي هريرة الذي ذكرناه وأما حديث عبد الله بن عمرو المذكور فليس فيه ما يدل على جواز قصد غير الغزو في سبيل الله لأن الغنيمة إنما حصلت بعد أن كان الغزو في سبيل الله ولم يكن مقصود في الابتداء ولهذا قال في أول الحديث مامن غازية تغزوا في سبيل الله الخ
قال في الفتح والحاصل مما ذكر أن القتال منشؤه القوة العقلية والقوة الغضبية والقوة الشهوانية ولا يكون في سبيل الله إلا الأول
وقال ابن بطال إنما عدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن لفظ جواب السائل لأن الغضب والحمية قد يكونان لله فعدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك إلى لفظ جامع فأفاد رفع الالتباس وزيادة الإفهام وفيه بيان أن الأعمال إنما تحتسب بالنية الصالحة وإن الفضل الذي ورد في المجاهدين يختص بمن ذكر

4 - وعن أبي هريرة " قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكن قاتلت أن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى يلقى في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال فقال ما عملت فيها تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلهفأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه فألقي في النار "
- رواه أحمد ومسلم

5 - وعن أبي أيوب " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ستفتح عليكم الأمصار وستكونون جنودا مجندة يقطع عليكم بعوث فيكره الرجل منكم البعث فيها فيتخلص من قومه ثم يتصفح القبائل يعرض نفسه عليهم يقول من أكفيه بعث كذا من أكفيه بعث كذا ألا وذلك الأجير إلى آخر قطرة من دمه "
- رواه أحمد وأبو داود

6 - وعن عبد الله بن عمرو " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للغازي أجره وللجاعل أجره وأجر الغازي "
- رواه أبو داود

7 - وعن زيد بن خالد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا "
- متفق عليه

- حديث أبي أيوب سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده أبو سورة ابن أخي أبي أيوب وفيه ضعف وكذلك حديث عبد الله بن عمرو سكتا عنه ورجال إسناده ثقات
قوله : " إن أول الناس " الخ لفظ الترمذي أول ما يدعى به يوم القيامة رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله تعالى للقارئ ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي فيقول بلى يا رب قال فما عملت فيما علمت فيقول كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله تعالى كذبت وتقول الملائكة كذبت إنما أردت أن يقال فلان قارئ وقد قيل ذلك . وذكر نحو ذلك في الذي قتل في سبيل الله والذي له مال كثير
قوله : " نعمه " بكسر النون وفتح العين المهملة جمع نعمة بسكون العين وهذا الحديث فيه دليل على أن فعل الطاعات العظيمة مع سوء النية من أعظم الوبال على فاعله فإن الذي أوجب سحبه في النار على وجهه هو فعل تلك الطاعة المصحوبة بتلك النية الفاسدة وكفى بهذا رادعا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد اللهم إنا نسألك صلاح النية وخلوص الطوية
وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه " وأخرج الترمذي عن كعب بن مالك قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من طلب العلم ليجاري به العلماء ويماري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار " وأخرج الترمذي أيضا عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعوذوا بالله من جب الحزن قالوا يا رسول الله وما جب الحزن قال واد في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم مائة مرة قيل يا رسول الله ومن يدخله قال القراء المراؤن بأعمالهم " وأخرج الترمذي أيضا عن أبي هريرة وابن عمر " قالا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكون في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين يلبسون الناس جلود الضأن ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله تعالى أبي تغترون أم علي تجترؤن فبي حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدر الحليم فيهم حيران " وأخرج الشيخان عن أبي وائل قال " سمعت أسامة يقول قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فتجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهي عن المنكر وآتيه " وأخرج الحاكم من حديث معاذ يرفعه قال " إن يسير الرياء شرك " قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولا يحفظ له علة
وأخرج ابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه من حديث عائشة مرفوعا " الشرك في هذه الأمة أخفي من دبيب النمل " وفي الباب عن أبي سعيد رواه أحمد . وعن أبي موسى وأبي بكر وحذيفة ومعقل بن يسار رواها الهيثمي
وأخرج أحمد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا " من سمع بعلمه الله به سامع خلقه وصغره وحقره "
قوله : " بعوث " جمع بعث وهو طائفة من الجيش يبعثون في الغزو كالسرية وفيه دليل على أنه يحرم على الرجل أن يمتنع من الخروج إلى الغزو مع قومه ثم يذهب يعرض يفسه على غير قومه ممن طلبوا إلى الغزو ليكون عوض عن أحدهم بالأجرة فإن من فعل ذلك كان خروجه للدنيا لا للدين ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم فهو الأجير إلى أخر قطرة من دمه أي لا يكون في سبيل الله من دمه شيء بل في سبيل ما أخذه من الأجرة
قوله : " وللجاعل أجره وأجر الغازي " فيه دليل على أنه لا يستحق أجر الغزو من خرج بالأجرة بل يكون أجره لليستأجر وهو الذي أعطاه الجعالة أي ما جعله له من الأجرة ويكون ذلك أي أجر المجعول له منضما إلى أجر الجاعل إذا كان غازيا وإن لم يكن غازيا فله أجر الذي دفعه من الأجر وأجر المجعول له
قوله : " من جهز غازيا " أي هيأ له أسباب سفره وما يحتاج إليه مما لا بد منه
قوله " فقد غزا " قال ابن حبان معناه أنه مثله في الأجر وإن لم يغز حقيقة ثم أخرج الحديث من وجه آخر بلفظ " كتب له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجره شيء " وأخرج ابن ماجه وابن حبان أيضا من حديث ابن عمر بلفظ " من جهز غازيا حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع " وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث بعثا وقال ليخرج من كل رجلين رجل والأجر بينهما وفي رواية له ثم قال للقاعد " أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج " ففيه اشارة إلى الغازي إذا جهز نفسه وقام بكفاية من يخلفه بعده كان له الأجر مرتين
وقال القرطبي لفظة نصف يحتمل أن تكون مقحمة من بعض الرواة وقد احتج بها من ذهب إلى أن المراد بالأحاديث التي وردت بمثل ثواب الفعل حصول أصل الأجر له بغير تضعيف وإن التضعيف يختص بمن باشر العمل قال ولا حجة له في هذا الحديث لوجهين . أحدهما أنه لا يتناول محل النزاع لأن المطلوب إنما هو أن الدال على الخير مثلا هل له مثل أجر فاعله مع التضعيف أو بغير تضعيف والحديث المذكور إنما يقتضي المشاركة والمشاطرة فافترقا . ثانيهما ما تقدم من احتمال كون لفظة نصف زائدة : قال الحافظ لا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في الصحيح والذي يظهر في توجيهها أنها أطلقت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والمخالف له فإن الثواب إذا انقسم بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما لللآخر فلا تعارض بين الحديثين وأما من وعد بمثل ثواب العمل وإن لم يعمله إذا كان له فيه دلالة أو مشاركة أو نية صالحة فليس على إطلاقه في عدم التضعيف لكل أحد وصرف والخبر عن ظاهره يحتاج على مستند وكأن مستند القائل إن العامل يباشر المشقة بنفسه بخلاف الدال ونحوه لكن من يجهز الغازي بماله مثلا وكذا من يخلفه فيمن ترك بعده يباشر شيئا من المشقة أيضا فإن الغازي لا يتأتى منه الغزو وإلا بعد أن يكفي ذلك العمل فصار كأنه يباشر معه الغزو بخلاف من اقتصر على النية مثلا انتهى
قوله : " ومن خلفه في أهله بخير " بفتح الخاء المعجمة واللام الخفيفة أي قام بحال من يتركه

باب استئذان الأبوين في الجهاد

1 - عن ابن مسعود قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة على وقتها قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله حدثني بهن ولو استزدته لزادني "
- متفق عليه

2 - وعن عبد الله بن عمرو قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال أحي والداك قال نعم قال ففيهما فجاهد "
- رواه البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه

3 - وفي رواية " أتى رجل فقال يا رسول الله أنى جئت أريد الجهاد معك ولقد أتيت وأن والدي يبكيان قال فارجع إليهما فأضحكمها كما أبكيتهما "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

4 - وعن أبي سعيد " إن رجلا هاجر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اليمن فقال هل لك أحد باليمن فقال أبواي فقال أذنا لك فقال لا فقال أرجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك أحد فجاهد وإلا فبرهما "
- رواه أبو داود

5 - وعن معاوية بن جاهمة السلمي " إن جاهمة أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك فقال هل لك من أم قال نعم فقال الزمها فإن الجنة عند رجليها "
- رواه أحمد والنسائي . وهذا كله إن لم يتعين عليه الجهاد فإذا تعين فتركه معصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الله عز و جل

- الرواية الثانية من حديث عبد الله بن عمرو أخرجها أيضا النسائي وابن حبان وأخرجها أيضا مسلم وسعيد بن منصور من وجه آخر في نحو هذه القصة قال ارجع إلى والدتك فأحسن صحبتها . وحديث أبي سعيد صححه ابن حبان وحديث معاوية بن جاهمة أخرجه أيضا البيهقي من طريق ابن جريج عن محمد بن طلحة ابن ركانة عن معاوية وقد اختلف في اسناده على محمد بن طلحة اختلافا كثيرا ورجال اسناد النسائي ثقات إلا محمد بن طلحة وهو صدوق يخطئ
قوله : " أي العمل أحب إلى الله " في رواية للبخاري وغيره أي العمل أفضل وظاهره إن الصلاة أحب الأعمال وأفضلها
قال في الفتح وحاصل ما أجاب به العلماء عن هذا الحديث ونحوه مما اختلف فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال إن الجواب اختلف لاختلاف أحوال السائلين بأن أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بمالهم فيه رغبة أو بما هو لائق بهم أو كان الأختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أقضل منه في غيره فقد كان الجهاد في أول الإسلام أفضل الأعمال لأنه الوسيلة إلى القيام بها والتمكن من ادائها وقد تظافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة ومع ذلك ففي وقت مواساة الفقراء المضطرين تكون الصدقة أفضل أو أن أفضل ليست على بابها بل المراد بها الفضل المطلق أو المراد من أفضل الأعمال فحذفت من وهي مرادة
وقال ابن دقيق العيد الأعمال في هذا الحديث محمولة على البدنية وأريد بذلك الأحتراز عن الإيمان لأنه من أعمال القلوب فلا تعارض بينه وبين حديث أبي هريرة أفضل الأعمال إيمان بالله الحديث : وقال غيره المراد بالجهاد هنا ما ليس بفرض عين لأنه يتوقف على إذن الوالدين فيكون برهما مقدما عليه قوله " الصلاة على وقتها " قال ابن بطال فيه أن البدار إلى الصلاة في أول الوقت أفضل من التراخي فيها لأنه إنما شرط فيها أن تكون أحب الأعمال إذا أقيمت لوقتها المستحب
قال الحافظ وفي أخذ ذلك من اللفظ المذكور نظر
قال ابن دقيق العبد ليس في هذا اللفظ ما يقتضي أولا ولا آخرا وكان المقصود به الأحتراز عما إذا وقعت قضاء وتعقب بأن إخراجها عن وقتها محرم ولفظ أحب يقتضي المشاركة في الأستحباب فيكون المراد الأحتراز عن ايقاعها آخر الوقت وأجيب أن المشاركة إنما هي بالنسبة إلى الصلاة وغيرها من الأعمال فإن وقعت الصلاة في وقتها كانت أحب إلى الله من غيرها من الأعمال فوقع الأحتراز عما إذا وقعت خارجة عن وقتها من معذور كالنائم والناسي فإن إخراجهما لها عن وقتها لا يوصف بالتحريم ولا يوصف بكونه أفضل الأعمال مع كونه محبوبا لكن ايقاعها في الوقت أحب
وقد روى الحديث الدارقطني والحاكم والبيهقي بلفظ الصلاة في أول وقتها وهذا اللفظ مما تفرد به علي بن حفص وهو شيخ صدوق من رجال مسلم
قال الدارقطني ما أحسبه حفظه لأنه كبر وتغير حفظه قال الحافظ ورواه الحسين المعمري في اليوم والليلة عن أبي موسى محمد بن المثني عن غندر عن شعبة كذلك قال الدارقطني تفرد به المعمري فقد رواه أصحاب أبي موسى عنه بلفظ " على وقتها " ثم أخرجه الدارقطني عن المحاملي عن أبي موسى كرواية الجماعة وكذا رواه أصحاب غندر عنه والظاهر أن المعمري وهم فيه لأنه كان يحدث من حفظه وقد أطلق النووي في شرح المهذب أن رواية في أول وقتها ضعيفة وتعقبه الحافظ بأن لها طريقا أخرى أخرجها ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وغيرهما من طريق عثمان بن عمر عن مالك بن مغول عن الوليد وتفرد عثمان بذلك والمعروف عن مالك بن مغول كرواية الجماعة وكان من رواها كذلك ظن أن المعنى واحد ويمكن أن يكون أخذه من لفظه على لأنها تقتضي الأستعلاء على جميع الوقت فتعين أوله والظاهر أن على بمعنى اللام أي لوقتها
قال القرطبي وغيره أن اللام في لوقتها للاستقبال مثل ( فطلقوهن لعدتهن ) أي مستقبلات عدتهن وقيل للابتداء كقوله ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) وقيل بمعنى في أي وقتها وقيل إنها لإرادة الاستعلاء على الوقت وفائدته تحقق دخول الوقت ليقع الأداء فيه قوله " ثم أي " قيل الصواب أنه غير منون لانه موقوف عليه في الكلام والسائل ينتظر الجواب والتنوين لا يوقف عليه فتنوينه ووصله بما بعده خطأ فيوقف عليه ثم يؤتى بما بعده
قال الفاكهاني وحكى ابن الجوزي وابن الخشاب الجزم بتنوينه لأنه معرب غير مضاف وتعقب بأنه مضاف تقديرا والمضاف إليه محذوف لفظا والتقدير ثم أي العمل أحب فوقف عليه بلا تنوين
قوله " بر الوالدين " كذا للأكثر وللمستملى ثم بر الوالدين بزيادة ثم وفي الحديث فضل تعظيم الوالدين وإن أعمال البدن يفضل بعضها على بعض وفيه فوائد غير ذلك
قوله : " ففيهما فجاهد " أي خصصهما بجهاد النفس في رضائهما
قال في الفتح ويستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضده إذا فهم المعنى لأن صيغة الأمر في قوله فجاهد ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما بهما وليس ذلك مرادا قطعا وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد وهوتعب البدن وبذل المال ويؤخذ منه أن كل شيء يتعب النفس يسمى جهادا اه ولا يخفى أن كون المفهوم من تلك الصيغة إيصال الضرر بالأبوين إنما يصح قبل دخول لفظ في عليها وأما بعد دخولها كما هو الواقع في الحديث فليس ذلك المعنى هو المفهوم منها فإنه لا يقال جاهد في الكفار بمعنى جاهدهم كما يقال جاهد في الله فالجهاد الذي يراد منه إيصال الضرر لمن وقعت المجاهدة له هو جاهده لا جاهد فيه وله
وفي الحديث دليل على أن بر الوالدين قد يكون أفضل من الجهاد
قوله : " فإن أذنا لك فجاهد " فيه دليل على أنه يجب استئذان الأبوين في الجهاد وبذلك قال الجمهور وجزموا بتحريم الجهاد إذا منع منه الأبوان أو أحدهما لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية فإذا تعين الجهاد فلا أذن ويشهد له ما أخرجه ابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو قال " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عن أفضل الأعمال قال الصلاة قال ثم مه قال الجهاد قال فإن لي والدين فقال آمرك بوالديك خيرا فقال والذي بعثك نبيا لأجاهدن ولأتركنهما قال فأنت أعلم " وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقا بين الحديثين وهذ بشرط أن يكون الأبوان مسلمين وهل يلحق بهما الجد والجدة الأصح عند الشافعية ذلك وظاهره عدم الفرق بين الأحرار والعبيد
قال في الفتح واستدل بالحديث على تحريم السفر بغير إذنهما لأن الجهاد إذا منع منه مع فضيلته فالسفر المباح أولى نعم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث يتعين السفر طريقا إليه فلا منع وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف

باب لا يجاهد من عليه دين إلا برضا غريمه

1 - عن أبي قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال فقام رجل فقال يا رسول الله أرأيت أن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف قلت قال أرأيت أن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه . ولأحمد والنسائي من حديث أبي هريرة مثله

2 - وعن عبد الله بن عمرو " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك "
- رواه أحمد ومسلم

3 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القتل في سبيل الله يكفر كل خطيئة فقال جبريل إلا الدين فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا الدين "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب

- حديث أبي هريرة رجال اسناده في سنن النائي ثقات وقد أشار إليه الترمذي فقال بعد إخراجه لحديث أبي قتادة وفي الباب عن أنس ومحمد بن جحش وأبي هريرة اه قوله " افضل الأعمال " فيه دليل على أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل من غيرهما من أعمال الخير وهو يعارض في الظاهر ما تقدم في الباب الأول ويتوجه الجمع بما سلف
قوله : " نعم " فيه دليل على أن الجهاد بشرط أن يكون في سبيل الله مع الأحتساب وعدم الأنهزام من مكفرات جميع الذنوب والخطايا فيكون الشهيد بالشهادة مستحقا للمغفرة العامة إلا ما كان من الديون اللازمة للآدميين فإنها لا تغفر للشهيد ولا تسقط عنه بمجرد الشهادة وذلك لكونه حق الآدمي وسقوطه إنما يكون بضاء واختياره ولهذا امتنع صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة على من عليه دين كما تقدم في الضمانة ويلحق بالدين ما كان جقا لآدمي من دم أو عرض بجامع أن كل واحد حق لآدمي يتوقف سقوطه على اسقاطه
قوله : " فإن جبريل قال لي ذلك " لعل الجواب منه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله نعم من غير استثناء كان بالأجتهاد ثم لما أخبره جبريل بما أخبر استعاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السائل سؤاله ثم أخبره بأن استثناء الدين ليس هو من جهته وإنما هو بأمر الله له بذلك
وقد استدل بأحاديث الباب على أنه لا يجوز لمن عليه دين أن يخرج إلى الجهاد إلا بأذن من له الدين لأنه حق لآدمي والجهاد حق لله تعالى وينبغي أن يلحق بذلك سائر حقوق الآدميين كما تقدم لعدم الفرق بين حق وحق . ووجه الاستدلال بأحاديث الباب على عدم جواز خروج المديون إلى الجهاد بغير أذن غريمه أن الدين يمنع من فائدة الشهادة وهي المغفرة العامة وذلك يبطل ثمرة الجهاد وقد أشار صاحب البحر إلى مثل ذلك فقال ومن عليه دين حال لم يخرج إلا بأذن الغريم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " نعم إلا الدين " الخبر فإذا منع الشهادة بطلت ثمرة الجهاد اه ولا يخفى أن بقاء الدين في ذمة الشهيد لا يمنع منالشهادة بل هو شهيد مغفور له ذنب إلا الدين وغفران ذنب واحد يصح جعله ثمرة للجهاد فكيف بمغفرة جميع الذنوب إلا واحدا منها فالقول بأن ثمرة الشهادة مغفرة جميع الذنوب ممنوع كما أن القول بأن عدم غفران ذنب واحد يمنع من الشهادة ويبطل ثمرة الجهاد ممنوع أيضا وغاية ما اشتملت عليه أحاديث الباب هو أن الشهيد يغفر له جميع ذنوبه إلا ذنب الدين وذلك لا يستلزم عدم جواز الخروج إلى الجهاد إلا بأذن من له الدين بل إن أحب المجاهد أن يكون جهاده سببا لمغفرة كل ذنب استأذن صاحب الدين في الخروج وإن رضي بأن يبعى عليه ذنب واحد منها جاز له الخروج بدون استئذان وهذا إذا كان الدين حالا وأما إذا كال مؤجلا ففي ذلك وجهان
قال الإمام يحيى أصحهما يعتبر الأذن أيضا إذ الدين مانع للشهادة وقيل لا كالخروج للتجارة قال في البحر ويصح الرجوع عن الأذن قبل التحام القتال إذ الحق له لا بعده لما فيه من الوهن

باب ما جاء في الأستعانة بالمشركين

1 - عن عائشة قالت " خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان تذكر منه جرأة ونجدة ففرح به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رأوه فلما أدركه قال جئت لأتبعك فأصيب معك فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تؤمن بالله ورسوله قال لا قال فأرجع فلن استعين بمشرك قالت ثم مضى حتى إذا كان بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قال أول مرة فقال لا قال فأرجع فلن استعين بمشرك قال فرجع فأدركه البيداء فقال له كما قال أول مرة تؤمن بالله ورسوله قال نعم فقال له فأنطلق "
- رواه أحمد ومسلم

2 - وعن خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يريد غزوا أنا ورجل من قومي ولم نسلم فقلنا أنا نستحي ان يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم فقال أسلمتما فقلنا لا فقال إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين فأسلمنا وشهدنا معه "
- رواه أحمد

3 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 000000 لا تستضيئوا بنار المشركين ولا تنقشوا على خواتيمكم عربيا "
- رواه أحمد والنسائي

4 - وعن ذي مخبر قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ستصالحون الروم صلحا وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم "
- رواه أحمد وأبو داود

5 - وعن الزهري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعان بناس من اليهود في خيبر في حربه فأسهم لهم "
- رواه أبو داود في مراسيله

- حديث خبيب بن عبد الرحمن أخرجه الشافعي والبيهقي وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وقال في مجمع الزوائد أخرجه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات . وحديث أنس في إسناده عند النسائي أزهر بن راشد وهو ضعيف وبقية رجال إسناده ثقات . وحديث ذي مخبر أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناد أبي داود رجال الصحيح . وحديث الترمذي أخرجه أيضا الترمذي مرسلا والزهري مراسيله ضعيفة . ورواه الشافعي فقال أخبرنا يوسف حدثنا حسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال استعان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر مثله وقال ولم يسهم لهم
قال البيهقي لم أجده إلا من طريق الحسن بن عمارة وهو ضعيف والصحيح ما أخبرنا الحافظ أبو عبد الله فساق بسنده إلى أبي حميد الساعدي قال " خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا خلف ثنية الوداع إذا كتيبة قال من هؤلاء قالوا بنو قينقاع رهط عبد الله بن سلام قال أو تسلموا قالوا فأمرهم أن يرجعوا وقال إنا لا نستعين بالمشركين فأسلموا . وحديث عائشة فيه دليل على أنها لا تجوز الاستعانة بالكافر وكذلك حديث خبيب بن عبد الرحمن ويعارضهما في الظاهر حديث ذي مخبر وحديث الزهري المذكور أن وقد جمع بأوجه منها ما ذكره البيهقي عن نص الشافعي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفرس الرغبة في الذين ردهم فردهم رجاء أن يسلموا فصدق الله ظنه
وفيه نظر لأن قوله لا أستعين بمشرك نكرة في سياق النفي تفيد العموم . ومنها أن الأمر في ذلك إلى رأي الإمام وفيه النظر المذكور بعينه . ومنها أن الاستعانة كانت ممنوعة ثم رخص فيها قال الحافظ في التلخيص وهذا أقربها وعليه نص الشافعي وإلى عدم جواز الاستعانة بالمشركين ذهب جماعة من العلماء وهو مروي عن الشافعي وحكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه أنها تجوز الاستعانة بالكفار والفساق حيث يستقيمون على أوامره ونواهيه واستدلوا باستعانته صلى الله عليه وآله وسلم بناس من اليهود كما تقدم وباستعانة صلى الله عليه وآله وسلم بصفوان بن أمية يوم حنين وبإخباره صلى الله عليه وآله وسلم بأنها ستقع من المسلمين مصالحة الروم ويغزون جميعا عدوا من وراء المسلمين
قال في البحر وتجوز الاستعانة بالمنافق اجماعا لاستعانته صلى الله عليه وآله وسلم بابن أبي وأصحابه وتجوز الاستعانة بالفساق على الكفار لإجماعا وعلى البغاة عندنا لاستعانة علي عليه السلام بالأشعث انتهى
وقد روي عن الشافعي المنع من الأستعانة بالكفار على المسلمين لأن في ذلك جعل سبيل الكافر على المسلم وقد قال تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } وأجيب بأن السبيل هو اليد وهي للإمام الذي استعان بالكافر وشرط بعض العلم ومنهم الهادوية أنها لا بجوز الأستعانة بالكفار والفساق إلا حيث مع الإمام جماعة من المسلمين يستقل بهم في امضاء الأحكام الشرعية على الذين استعان بهم ليكونوا مغلوبين لا غالبين كما كان عبد الله بن أبي ومن معه من المنافقين يخرجون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم للقتال وهم كذلك ومما يدل على جواز الأستعانة بالمشركين أن قزمان خرج مع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد وهو مشرك فقتل ثلاثة من بني عبد الدار حملة لواء المشركين حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم وآله وسلم أن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر كما ثبت ذلك عند أهل السير وخرجت خزاعة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قريش عام الفتح ( والحاصل ) أن الظاهر من الأدلة عدم جواز الأستعانة بمن كان مشركا مطلقا لما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنا لا نستعين بالمشركين من العموم
وكذلك قوله أنا لا أستعين بمشرك ولا يصلح مرسل الزهري لمعارضة ذلك لما تقدم من أن مراسيل الزهري ضعيفة والمسند فيه الحسن بن عمارة وهو ضعيف ويؤيد هذا قوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } وقد أخرج الشيخان عن البراء قال " جاء رجل مقنع بالحديد فقال يا رسول الله أقاتل أو أسلم قال أسلم ثم قاتل فأسلم ثم قاتل فقتل فقال صلى الله عليه وآله وسلم عمل قليلا وأجر كثيرا " وأما استعانته صلى الله عليه وآله وسلم بابن أبي فليس إلا لإظهار الإسلام وأما مقاتلة قزمان مع المسلمين فلم يثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم أذن له بذلك في ابتداء الأمر وغاية ما فيه أنه يجوز للإمام السكوت عن كافر قاتل مع المسلمين
قوله : " بحرة الوبرة " الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء والوبرة بفتح الواو والباء الموحدة بعدها راء بسكون الموحدة أيضا موضع على أربعة أميال من المدينة
قوله : " بالشجرة " اسم موضع وكذلك البيداء
قوله : " ولا تنقشوا على خواتيمكم عربيا " بفتح العين المهملة والراء وبعدها موحدة
قال في القاموس في مادة عرب ولا تنقشوا على خاتيمكم عربيا أي لا تنقشوا محمد رسول الله كأنه قال نبيا عربيا يعني نفسه صلى الله عليه وآله وسلم انتهى نهي صلى الله عليه وآله وسلم ان ينقشوا على خواتيمهم مثل ما كان ينقش على حاتمه وهو محمد رسول الله لأنه كان علامة له في ذلك الوقت يختم به كتبه

باب ما جاء في مشاورة الإمام الجيش ونصحه لهم ورفقه وأخذهم بما عليهم

1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شاور حين بلغه اقبال أبي سفيان فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ثم تكلم عمر فأعرض عنه فقام سعد بن عبادة فقال ايانا تريد يا رسول الله والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لاخضناها ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا قال فندب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس فأنطلقوا "
- رواه أحمد ومسلم

2 - وعن أبي هريرة " قال ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد والشافعي

- قوله " حين بلغه اقبال أبي سفيان " هذا الأمر كان في غزوة بدر وقد اقتصر المصنف ههنا على أول الحديث لكونه محل الحاجة وتمامه فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ووردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه فقول لهم ما لي علم بأبي سفيان ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس فإذا قال ذلك ضربوه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يصلي فلما رأى ذلك انصرف فقال والذي نفسي بيده أنكم لتضربونه إذا صدقكم وتتركونه إذا كذبكم ثم قال هذا مصرع فلان ويضع يده على الأرض ههنا ههنا قال فوالله ما ماط أحد منهم عن موضعه
قوله : " أن نخيضها " أي الخيل هو بالخاء المعجمة بعدها مثناة تحتية ثم ضاد معجمة قال في القاموس خاض الماء يخوضه خوضا وخياضا دخله كخوضه واختاضه وبالفرس أو رده كاخاضه انتهى
قوله : " برك " كسر الباء الموحدة وفتحها مع سكون الراء . والغماد بغين معجمة مثلثة كما في القاموس وهو موضع في ساحل البحر بينه وبين جدة عشرة أميال وهو البندر القديم . وحكى صاحب القاموس عن ابن عليم في الباهر أنه أقصى معمور الأرض
قوله : " ما رأيت أحدا قط " الخ فيه دليل على أنه يشرع للإمام أن يستكثر من استشارة أصحابه الموثوق بهم دينا وعقلا وقد ذهبت الهادوية إلى وجوب استشارة الإمام بأهل الفضل واستدلوا بظاهر قوله تعالى { وشاورهم في الأمر } وقيل أن الأمر في الآية للندب أيناسا لهم وتطييبا لخواطرهم وأجيب بأن ذلك نوع من التعظيم وهو واجب والاستدلال بالآية على الوجوب إنما يتم بعد تسليم أنها غير خاصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو بعد تسليم أن الخطاب الخاص به يعم الأمة أو الأئمة وذلك مخلف فيه عند أهل الأصول

3 - وعن معقل بن يسار قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة "
- متفق عليه
وفي لفظ " ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجتهد لهم ولا ينصح لهم إلا لم يدخل الجنة " . رواه مسلم

4 - وعن عائشة قالت " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به "
- رواه أحمد ومسلم

5 - وعن جابر قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتخلف في المسير فيزجي الضعيف فيردف ويدعو لهم "
- رواه أبو داود

6 - وعن سهل بن معاذ عن أبيه قال " غزونا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزوة كذا وكذا فضيق الناس الطريق فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناديا فنادى من ضيق منزلا أو قطع طريقا فلا جهاد له "
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث جابر سكت عن أبو داود والمنذري ورجال اسناده رجال الصحيح إلا الحسن بن شوكر وقد قيل أن البخاري روى له كما ذكره صاحب التقريب وحديث سهل بن معاذ في اسناده إسماعيل بن عياش وفي مقال قد تقدم وسهل بن معاذ ضعيف كما قال المنذري
قوله : " إلا حرم الله عليه الجنة " وفي رواية للبخاري لم يجد رائحة الجنة زاد الطبراني وعرفها يوجد يوم القيامة من مسيرة سبعين عام وأصل هذا الحديث أن عبيد الله بن زياد لما أفرط في سفك الدماء وكان معقل بن يسار حينئذ مريضا مرضه الذي مات فيه فأتى عبيد الله يعوده فقال له معقل إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكره
وفي مسلم أنه لما حدثه بذلك قال ألا كنت حدثتني قبل هذا اليوم قال لم أكن لأحدثك قبل سبب ذلك والمراد بهذا السبب هو ما كان يقع منه من سفك الدماء ووقع في رواية الإسماعيلي من الوجه الذي أخرجه مسلم لولا أني ميت ما حدثتك فكأنه كان يخشى بطشه فلما نزل به الموت أراد أن يكف بعض شره عن المسلمين وأخرج الطبراني في الكبير عن الحسن قال قدم علينا عبيد الله بن زياد أميرا أمره علينا معاوية غلاما سفيها يسفك الدماء سفكا شديدا وفينا عبد الله بن معقل المزني فدخل عليه ذات يوم فقال له انته عما أراك تصنع فقال له وما أنت وذاك قال ثم خرج إلى المسجد فقلنا له ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رؤوس الناس فقال أنه كان عندي علم فأحببت أن لا أموت حتى أقول به على رؤوس الناس ثم قام فما لبث أن مرض مرضه الذي توفى فيه فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده فذكر نحو حديث الباب فيحتمل أن تكون القصة وقعت للصحابيين قوله " ما من أمير " في رواية للبخاري ما من وال يلي رعية من المسلمين
قوله : " ثم لا يجتهد " في رواية أبي المليح ثم لا يجد له بجيم ودال مشددة من الجد بالكسر ضد الهزل
قوله : " يلي " قال ابن التين يلي جاء على غير القياس لأن ماضيه ولي بالكسر فمستقبله يولي بالفتح وهو مثل ورث يرث قال ابن بطال هذا وعيد شديد على أئمة الجور فمن ضيع من استرعاه الله أو خانهم أو ظلمهم فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة ومعنى حرم الله عليه الجنة أي أنفذ عليه الوعيد ولم يرض عنه المظلومين ونقل ابن التين عن الداودي نحوه قال ويحتمل أن يكون هذا في حق الكافر لأن المؤمن لا بد له من نصحه
قال الحافظ وهو احتمال بعيد جدا والتعليل مردود والكافر أيضا قد يكون ناصحا فيما تولاه ولا يمنعه ذلك الكفر انتهى . ويمكن أن يجاب على هذا بأن النصح من الكافر لا حكم له لعدم كونه مثابا عليه والأولى في الجواب أن يقال إن الواقع في الحديث نكرة في سياق النفي وهي تعم الكافر والمسلم فلا يقبل التخصيص إلا بدليل وقال بعضهم يحمل على المستحل قال الحافظ والأولى أنه محمول على غير المستحل وإنما أريد به الزجر والتغليظ قال وقد وقع في رواية لمسلم بلفظ " لم يدخل معهم الجنة " وهو يؤيد أن المراد أنه لا يدخل الجنة في وقت اتنهى . ويجاب بأن الحمل على الزجر والتغليظ خلاف الظاهر فلا يصار إليه لدليل ورواية مسلم لا تدل على أن الدخول في بعض الأوقات لأن النفي فيها مطلق وغاية ما فيه أنه غير مؤكد كما في النفي بلن
قال الطيبي أن قوله وهو غاش قيد للفعل مقصود بالذكر يريد أن الله تعالى إنما ولاه على عباده ليديم لهم النصيحة لا ليغشهم حتى يموت على ذلك فمن قلب القضية استحق أن يعاقب قوله " فيزجي الضعيف " بضم التحتية وسكون الزاي بعدها جيم قال في القاموس زجاه ساقه ودفعه كزجاه وازجاه
قوله : " ويردف " قال في القاموس الردف بالكسر الراكب خلف الراكب انتهى والمراد أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يردف خلفه من ليس له راحلة إذا كان يضعف عن المشي وهذا من حسن خلقه الذي وصفه الله تعالى به وذكر عظمه فقال ( إنك لعلى خلق عظيم بالمؤمنين رؤف رحيم )
قوله : " فلا جهاد له " فيه أنه لا يجوز لأحد تضييق الطريق التي يمر بها الناس ونفي جهاد من فعل ذلك على طريق المبالغة في الزجر والتنفير وكذلك لا يجوز تضييق المنازل التي ينزل فيها المجاهدون لما في ذلك الإضرار بهم

باب لزوم طاعة الجيش لأميرهم ما لم يأمر بمعصية

1 - عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " الغزو غزوان فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد فإن نومه ونبهه أجر كله وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصي الإمام وأفسد في الأرض فإنه لن يرجع بالكفاف "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي

2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص المير فقد عصاني "
- متفق عليه

3 - وعن ابن عباس " في قوله تعالى { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } قال نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سرية "
- رواه أحمد والنسائي

4 - وعن علي رضي الله عنه قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فعصوه قي شيء فقال اجمعوا لي حطبا فجمعوا ثم قال أوقدوا نارا فأوقدوا ثم قال ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تسمعوا وتطيعوا قالوا بلى قال فادخلوها فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النار فكانوا كذلك حتى سكن غضبه وطفئت النار فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لو دخلوها لم يخرجوا منها أبدا وقال لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف "
- متفق عليه

- حديث معاذ في إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال قال في التقريب صدوق كثير التدليس عن الضعفاء وقد صرح بالتحديث في سند هذا الحديث عن يجير وحديث ابن عباس أخرجه أبو داود قال المنذري في مختصر السنن وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
قوله : " وأنفق الكريمة " هي الفرس التي يغزى عليها قال في القاموس والكريمان الحج والجهاد ومنه خير الناس مؤمن بين كريمين أو معناه بين فرسين يغزوا عليهما أو بعيرين يستقي عليهما اه ويحتمل أن يكون المراد إنفاق الخصلة الكريمة عند المنفق المحبوبة إليه من غير تعيين
قوله : " وياسر الشريك " أي سامحه وعامله باليسر ولم يعاسره
قوله : " ونبهه " بفتح النون وسكون الموحدة أي انتباهه في سبيل الله
قوله : " لن يرجع بالكفاف " أي لم يرجع لا عليه ولا له من ثواب تلك الغزوة وعقابها بل يرجع وقد لزمه الإثم لأن الطاعات إذا لم تقع بصلاح سريرة انقلبت معاصي والعاصي آثم
قوله : " من أطاعني فقد أطاع الله " الخ هذا الحديث فيه دليل على أن طاعة من كان أميرا طاعة له صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته طاعة لله وعصيانه عصيان له وعصيانه عصيان لله وقد قدمنا من الأدلة الدالة على وجوب طاعة الأئمة والأمراء في باب الصبر على جور الأئمة من آخر كتاب الحدود ما فيه كفاية فليرجع إليه
وقد نص القرآن على ذلك فقال أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وهي نازلة في طاعة الأمراء كما في رواية ابن عباس المذكورة في الباب
وقد قيل أن أولي الأمر هم العلماء كما وقع في الكشاف وغيره من كتب التفسير
قوله : " رجلا من الأنصار " روى أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث أبي سعيد أن الرجل المذكور هو علقمة بن مجزز وكذا ذكر ابن إسحاق
وقيل أنه عبد الله بن حذافة السهمي وكان من أصحاب بدر وكان فيه دعابة ويجمع بينهما بأن كل واحد منهما كان أميرا على بعض من تلك السرية ويدل على ذلك حديث أبي سعيد الذي أشرنا إليه ولفظه " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علقمة بن مجزز على بعث أنا فيهم حتى إذا انتهينا إلى رأس غزاتنا إذ كنا ببعض الطريق إذا بطائفة من الجيش وأمر عليهم عبد الله بن حذافة السهمي وكان من أصحاب بدر وكان فيه دعابة " الحديث
وقد بوب البخاري على هذا الحديث فقال باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي
قوله : " أوقد نارا " الخ قيل أنه لم يقصد دخولهم النار حقيقة وإنما أشار بذلك إلى أن طاعة الأمير واجبة ومن ترك الواجب دخل النار فإذا شق عليكم دخول هذه النار فكيف بالنار الكبرى وكان قصده أنه لو رأى منهم الجد في ولوجها لمنعهم
قوله : " لو دخلوها لم يخرجوا منها " قال الداودي يريد تلك النار لأنهم يموتون بتحريقها فلا يخرجون منها أحياء قال وليس المراد بالنار نار جهنم ولا أنهم يخلدون فيها لأنه قد ثبت في حديث الشفاعة أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من أيمان قال وهذا من المعاريض التي فيها مندوحة يريد أنه سيق مساق الزجر والتخويف ليفهم السامع أن من فعل ذلك خلد في النار وليس ذلك مرادا وإنما أريد به الزجر والتخويف وقد ذكر له صاحب الفتح توجيهات في كتاب المغازي
قوله : " لا طاعة في معصية الله " أي لا تجب بل تحريم على من كان قادرا على الامتناع
وفي حديث معاذ عند أحمد لا طاعة لمن لم يطع الله . وعند البزار في حديث عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري لا طاعة في معصية الله وسنده قوي
وفي حديث عبادة بن الصامت عند أحمد والطبراني لا طاعة لمن عصي الله ولفظ البخاري في حديث الباب " فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " وهذا تقييد لما أطلق في الأحاديث المطلقة القاضية بطاعة أولى الأمر على العموم والقاضية بالصبر على ما يقع من الأمير مما يكره والوعيد على مفارقة الجماعة والمراد بقوله لا طاعة في معصية الله نفى الحقيقة الشرعية لا الوجودية وقوله " إنما الطاعة في المعروف " فيه بيان ما يطاع فيه من كان من أولي الأمر وهو الأمر المعروف لا ما كان منكرا والمراد بالمعروف ما كان من الأمور المعروفة في الشرع لا المعروف في العقل أو العادة لأن الحقائق الشرعية مقدمة على غيرها على ما تقرر في الأصول

باب الدعوة قبل القتال

1 - عن ابن عباس قال " ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوما قط إلا دعاهم "
- رواه أحمد

2 - وعن سيمان بن بريدة عن أبيه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا بسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فايتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا ان يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم ما يجري على المسلمين ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم وإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذمتكم وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله وإذا حاصرت أهل حصن وأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي وصححه . وهو حجة في أن قبول الجزية لا يختص بأهل الكتاب وأن ليس كل مجتهد مصيبا بل الحق عند الله واحد وفيه المنع من قتل الولدان ومن التمثيل

- حديث ابن عباس أخرجه أيضا الحاكم من طريق عبد الله بن أبي نجيح عن أبيه عنه
قال في مجمع الزوائد أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجاله رجال الصحيح . وظاهر قوله إلا دعاهم يخلف حديث نافع عن ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون " قوله " أو سرية " هي القطعة من الجيش تنفصل عنه ثم تعود إليه وقيل هي قطعة من الخيل زهاء أربعمائة كذا قال إبراهيم الحربي . وسميت سرية لأنها تسري ليلا على خفية
قوله : " ولا تغلوا " بضم الغين أي لا تخونوا إذا غنمتم شيئا
قوله : " ولا تغدروا " بكسر الدال وضمها وهو ضد الوفاء
قوله : " وليدا " هو الصبي
قوله : " فادعهم " وقع في نسخ مسلم ثم ادعهم
قال عياض الصواب اسقاط ثم وقد اسقطها أبو عبيد في كتابه وأبو داود في سننه وغيرهما لأنه تفسير للخصال الثلاث
وقال المازري أن ثم دخلت لاستفتاح الكلام وفي هذا دليل على أنه يشرع للإمام إذا أرسل للأمام إذا أرسل قومه إلى قتال الكفار ونحوهم أن يوصيهم بتقوى الله وينهاهم عن المعاصي المتعلقة بالقتال كالغلول والغدر والمثلة وقتل الصبيان وفيه دليل على وجوب تقديم دعاء الكفار إلى الإسلام قل المقاتلة وفي المسألة ثلاثة مذاهب . الأول أنه يجب تقديم الدعاء للكفار إلى الإسلام من غير فرق بين من بلغته الدعوة منهم ومن لم تبلغه وبه قال مالك والهادوية وغيرهم وظاهر الحديث معهم . والمذهب الثاني أنه لا يجب مطلقا وسيأتي في هذا الباب دليل من قال به . المذهب الثالث أنه يجب لمن لم تبلغهم الدعوة ولا يجب أن بلغتهم لكن يستحب قال ابن المنذر وهو قول جمهور أهل العلم وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه وبه يجمع بين ما ظاهره الأختلاف من الأحاديث وقد زعم الإمام المهدي أن وجوب تقديم دعوة من لم تبلغه الدعوة مجمع عليه ويرد ذلك ما ذكرنا من المذاهب الثلاثة وقد حكاها المازري وأبو بكر بن العربي
قوله : " ثم ادعهم إلى التحول " فيه ترغيب الكفار بعد اجابتهم وإسلامهم إلى الهجرة إلى ديار المسلمين لأن الوقوف بالبادية ربما كان سببا لعدم معرفة الشريعة لقلة من فيها من أهل العلم قوله " ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة شيء " الخ ظاهر هذا أنه لا يستحق من كان بالبادية ولم يهاجر نصيبا في الفيء والغنيمة إذا لم يجاهد وبه قال الشافعي وفرق بين مال الفىء والغنيمة وبين مال الزكاة وقال إن للإعراب حقا في الثاني دون الأول . وذهب مالك وأبو حنيفة والهادوية إلى عدم الفرق بينهما وأنه يجوز صرف كل واحد منهما في مصف الآخر . وزعم أبو عبيد أن هذا الحكم منسوخ وإنما كان في أوائل الإسلام وأجيب بمنع دعوى النسخ
قوله : " فسلهم الجزية " ظاهره عدم الفرق بين الكافر العجمي والعربي والكتابي وإلى ذلك ذهب مالك والأوزاعي وجماعة من أهل العلم وخالفهم الشافعي فقال لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس عربا كانوا أو عجما واستدل بقوله تعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } بعد ذكر أهل الكتاب وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " وأما سائر المشركين فهم داخلون تحت عموم " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وذهبت العترة وأبو حنيفة إلى أن الجزية لا تقبل من العربي غير الكتابي وتقبل من الكتابي ومن العجمي ولعله يأتي لهذا البحث مزيد بسط
قوله : " ذمة الله " الذمة عقد الصلح والمهادنة وإنما نهى عن ذلك لئلا ينقض الذمة من لا يعرف حقها وينتهك حرمتها بعض من لا تمييز له من الجيش فيكون ذلك أشد لأن نقض ذمة الله ورسوله أشد من نقض ذمة أمير الجيش أو ذمة جميع الجيش وإن كان نقض الكل محرما
قوله : " إن تخفروا " بضم التاء الفوقية وبعدها خاء معجمة ثم فاء مكسورة وراء يقال أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وخفرته بمعنى أمنته وحميته
قوله : " فلا تنزلهم على حكم الله " الخ هذا النهي محمول على التنزيه والاحتياط وكذلك الذي قبله والوجه ما سلف ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا
وفيه دليل لمن قال إن الحق مع واحد وأن ليس كل مجتهد مصيب من الصواب لا من الإصابة
وقد قيل إن هذا الحديث لا ينتهض للاستدلال به على أن ليس كل مجتهد مصيبا لأن ذلك كان في زمن النبي والأحكام الشرعية إذ ذاك لا تزال تنزل ونيسخ بعضها بعضا ويخصص بعضها ببعض فلا يؤمن أن ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم خلاف الحكم الذي قد عرفه الناس

3 - وعن فروة بن مسيك قال " قلت يا رسول الله أقاتل بمقبل قومي مدبرهم قال نعم فلما وليت دعاني فقال لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام "
- رواه أحمد

4 - وعن ابن عوف قال " كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال فكتب إلي إنما كان ذلك في أول الإسلام وقد أغار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلهم وستى ذراربهم وأصاب يومئذ جويرية ابنة الحرث حدثني به عبد الله بن عمر وكان في ذلك الجيش "
- متفق عليه . وهو دليل على استرقاق العرب

5 - وعن سهل بن سعدانه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر " فقال أين علي فقيل أنه يشتكي عينيه فأمر فدعا له فبصق في عينيه فبرأ مكانه حتى كأنه لم يكن به شيء فقال نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فوالله لان يهتدي بك رجل واحد خير لك من حمر النعم "
- متفق عليه

6 - وعن البراء بن عازب قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع فدخل عبد الله بن عتيك بيته ليلا فقتله وهو نائم "
- رواه أحمد والبخاري

- حديث فروة اخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وقد أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه
قوله : " علي بن المصطلق " بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء وكسر اللام بعدها قاف وهو بطن شهير من خزاعة . والمصطلق أبوهم وهو المصطلق ابن سعد بن عمرو بن ربيعة ويقال المصطلق لقبه واسمه جذيمة بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة
قوله : " وهم غارون " بغين معجمة تشديد الراء جمع غار بالتشديد أي غافلون والمراد بذلك الأخذ على غفلة
قوله : " وسبى ذراريهم " فيه دليل على جواز استرقاق العرب لأن بني المصطلق عرب من خزاعة كما سلف وسيأتي الكلام على ذلك في باب جواز استرقاق العرب
قوله : " فبصق في عينيه فبرأ مكانه " فيه معجزة ظاهرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيه منقبة لعلي عليه سلام الله ورحمته وبركاته فإن هذه الغزوة هي التي قال فيها صلى الله عليه وآله وسلم " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فتطاول الناس لها فقال ادعوا لي عليا فأتى به أرمد فبصق في عينيه ودفع إليه الراية ففتح الله عليه " هذا لفظ مسلم والترمذي
قوله : " حتى يكونوا مثلنا " المراد من المثلية المذكورة يصفوا بوصف الإسلام في القيام بأمور الإسلام كلها فإن ذلك لا يمكن امتثاله حال المقاتلة
قوله : " على رسلك " بكسر الراء وسكون السين أي أمشي إليهم على الرفق والتؤدة قال في القاموس الرسل بالكسر الرفق والتؤدة
قوله : " بساحتهم " قال في القاموس الساحة الناحية وفضاء بين دور الحي الجمع ساح وسوح وساحات انتهى
قوله : " فوالله لأن يهتدي بك رجل " الخ فيه الترغيب في التسبب لهداية من كان على ضلالة وإن ذلك خير للإنسان من أجل النعم الواصلة إليه في الدنيا
وفي حديث فروة وسهل بن سعد دليل على وجوب تقديم دعاء الكفار إلى الإسلام على الإطلاق وقد تقدم الخلاف في ذلك والصواب الجمع بين الأحاديث المختلفة بما سلف لحديث ابن عمر المذكور فإن فيه التصريح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقدم الدعوة لبني المصطلق
قوله : " إلى أبي رافع " هو عبد الله بن أبي الحقيق وهذا طرف من الحديث أورده المصنف ههنا لأنه محل الحاجة باعتبار ترجمة الباب لتضمنه وقوع القتل لأبي رافع قبل تقديم الدعوة إليه وعدم أمره صلى الله عليه وآله وسلم لمن بعثه لقتله بأن يقدم الدعوة له إلى الإسلام والقصة مشهورة ساقها البخاري بطولها في المغازي من صحيحه
قوله : " رهطا من الأنصار : هم عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة وعند ابن إسحاق ومسعود بن سنان وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة وخزاعي بن الأسود
قوله : " ابن عتيك " بفتح المهملة وكسر المثناة وهوابن قيس بن الأسود من بني سلمة بكسر اللام وكان سبب أمره صلى الله عليه وآله وسلم بقتله أنه كان يؤذي صلى الله عليه وآله وسلم ويعين عليه كما في الصحيح

باب ما يفعله الإمام إذا أراد الغزو من كتمان حاله والتطلع على حال عدوه

1 - عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها "
- متفق عليه وهو لأبي داود وزاد والحرب خدعة

2 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحرب خدعة "

3 - وعن أبي هريرة قال " سمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحرب خدعة "

4 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يأتيني بخبر القوم يومالأحزاب فقال الزبير أنا ثم قال من يأتيني بخبر القوم قال الزبير أنا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكل نبي حواري وحواري الزبير "
- متفق عليهن

5 - وعن أنس قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبسا عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان فجاء فحدثه الحديث فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتكلم فقال إن لنا طلبة فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا فجعل رجال يستأذنونه في ظهرهم في علو المدينة فقال لا إلا من كان ظهره حاضرا فانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه حتى سبقوا ركب المشركين إلى بدر "
- رواه أحمد ومسلم

- قوله " ورى " أي ستر ويستعمل في إظهار شيء مع إرادة غيره وأصله من الورى بفتح الواو وسكون الراء هو ما يجعل وراء الإنسان لأن من ورى بشيء كأنه جعله وراءه
وقيل هو في الحرب أخذ العدو على غرة وقيده السيرا في شرح كتاب سيبويه بالهمزة قال وأصحاب الحديث لم يضبطوا فيه الهمزة فكأنهم سهلوها
قوله : " خدعة " بفتح الخاء المعجمة وضمها مع مع سكون الدال المهملة وبضم أوله وفتح ثانيه قال النووي اتفقوا على أن الأولى أفصح وبذلك جزم أبو ذر الهروي والقزاز والثانية ضبطت كذلك في رواية الأصيلي ورجح ثعلب الأولى وقال بلغنا بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو بكر بن طلحة أراد ثعلب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يستعمل هذه البنية كثيرا لو جاز لفظها ولكونها تعطي معنى البنيتين الآخرتين قال ويعطي معناهما أيضا الأمر باستعمال الحيلة ما أمكن ولو مرة قال فكانت مع اختصارها كثيرة المعنى . ومعنى خدعة بالإسكان أنها تخدع أهلها من وصف الفاعل باسم المصدر أو من وصف المفعول كما يقال هذا الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه
وقال الخطابي معناها أنها مرة واحدة أي إذا خدع مرة واحدة لم تقل عثرتهوقيل الحكمة في الإتيان بالتاء للدلالة على الوحدة فإن الخداع إن كان من المسلمين فكأنه حضهم على ذلك ولو مرة واحدة وإن كان من الكفار فكأنه حذرهم من مكرهم ولو وقع مرة واحدة فلا ينبغي التهاون بهم لما ينشأ عنه من المفسدة ولو قل وفي اللغة الثالثة صيغة المبالغة كهمزة ولمزة . وحكى المنذري لغة رابعة بالفتح فيهما قال وهو جمع خادع أي أن أهلها بهذه الصفة فكأنه قال أهل الحرب خدعة وحكى مكي ومحمد بن عبد الله الواحد لغة خامسة كسر أوله مع الإسكان وأصله إظهار أمر وإضمار خلافه وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب والندب إلى خداع الكفار وإن من لم يتيقظ لم يأمن أن ينعكس الأمر عليه
قال النووي واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيف ما أمكن إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز
قال ابن العربي الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالكمين ونحو ذلك وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة قال ابن المنير معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها لإثما هي المخادعة لا المواجهة وذلك لخطر المواجهة ولحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر
قوله : " بسبسا " بضم الباء الموحدة الأولى وبعدها سين مهملة ساكنة وبعدها باء موحدة مفتوحة ثم سين مهملة وهو ابن عمر ويقال ابن بشر
وفي سنن أبي بسبسة بزيادة تاء التأنيث وقيل فيه أيضا بسيسة بالباء الموحدة مضمومة في أوله وفتح السين المهملة ثم ياء مثناة تحتية ساكنة
قوله : " فقال إن لنا طلبة " بكسر اللام كما في القاموس
وفي النهاية الطلبة الحاجة فيه إبهام للمقصود وقد أورده المصنف للاستدلال به على أن الإمام يكتم أمره كما وقع في الترجمة

باب ترتيب السرايا والجيوش واتخاذ الرايات وألوانها

1 - عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " خير الصحابة أربعة وخير الجيوش أربعة آلاف ولا تغلب إثنا عسر ألفا من قلة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن وذكر أنه في أكثر الروايات عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا . وتمسك به من ذهب إلى أن الجيش إذا كان إثني عشر ألفا لم يجز أن يفر من أمثاله وأضعافه وإن كثروا

2 - وعن ابن عباس قال " كانت راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوداء ولواؤه أبيض "
- رواه الترمذي وابن ماجه

3 - وعن سماك عن رجل من قومه عن آخرمنهم " قال رأيت راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم صفراء "
- رواه أبو داود

4 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة ولواؤه أبيض "
- رواه الخمسة إلا أحمد

5 - وعن الحرث بن حسان البكري قال " قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر وبلال قائم بين يديه متقلد بالسيف وإذا رايات سود فسألت ما هذه الرايات فقالوا عمرو بن العاص قدم من غزاة "
- رواه أحمد وابن ماجه
وفي " لفظ قدمت المدينة فدخلت المسجد فإذا هو غاص بالناس وإذا رايات سود وإذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت ما شأن الناس قالوا يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها " رواه الترمذي

6 - وعن البراء بن عازب " أنه سئل عن راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كانت قال كانت سوداء مربعة من نمرة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي

- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود واقتصر المنذري في مختصر السنن على نقل كلام الترمذي
وأخرجه أيضا الحاكم وقال هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين . وحديث ابن عباس الثاني أخرج نحوه أبو داود والنسائي وفي إسناد حديث الباب يزيد بن حيان أخو مقاتل بن حيان قال البخاري عنده غلط كثير وأخرج البخاري هذا الحديث في تاريخه مقتصرا على الراية . وحديث سماك في إسناده رجل مجهول آخر وهو الذي قال رأيت راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن جهالة الرجل الآخر غير قادحة إن كان صحابيا لما قررنا غير مرة أن مجهول الصحابة مقبول وليس في هذا الحديث ما يدل على أنه صحابي لأنه يمكن أنه رأى راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد موته ولم تثبت رؤيته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث جابر أخرجه أيضا الحاكم وابن حبان وقال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك قال وسألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك . وحديث الحرث بن حسان رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن الحرث بن حسان فذكره وهؤلاء رجال الصحيح وهذا الحديث إنما أشار إليه الترمذي في كتاب الجهاد إشارة لأنه قال بعد إخراج حديث البراء المذكور ما لفظه وفي الباب عن علي والحرث بن حسان وابن عباس ولم يذكر اللفظ الذي ذكره المصنف ونسبه إليه ولعله ذكره في موضع آخر من جامعه . وحدبث البراء قال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة انتهى
وفي إسناده أبو يعقوب الثقفي واسمه إسحاق بن إبراهيم قال ابن عدي الجرجاني روي عن الثقات ما لا يتابع عليه
وقال أيضا وأحاديثه غير محفوظة انتهى
وفي الباب عن سلمة في الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فأعطاها عليا " وعن يزيد بن جابر الغفري عند ابن السكن قال عقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رايات الأنصار وجعلهن صفرا " . وعن أنس عند النسائي أن ابن أم مكتوم كانت مهه راية سوداء في بعض مشاهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المنذري وهو حديث حسن وقال ابن القطان صحيح . وعن أبي هريرة عند ابن عدي وعن بريدة عند أبي يعلى . وعن أنس حديث آخر عند أبي يعلى رفعه " إن الله أكرم أمتي بالألوية وإسناده ضعيف . وعن ابن عباس غير ما تقدم عند أبي الشيخ بلفظ " كان مكتوبا على راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا إله إلا الله محمد رسول الله " وسنده ضعيف أيضا
قوله : " خير الصاحبة أربعة " فيه دليل على أن خير الصحابة موجود فيها أصل الخير من غير فرق بين السفر و الحضر ولكنه قد أخرج أهل السنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا " الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب " وصححه الحاكم وابن خزيمة
وأخرجه أيضا الحاكم من حديث أبي هريرة وصححه
وظاهره أن ما دون الثلاثة عصاة لأن معنى قوله شيطان أي عاص وقال الطبري هذا الزجر زجر أدب وأرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة وليس بحرام فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الأستيحاش لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف والحق إن الناس يتباينون في ذلك فيحتمل أن يكون الزجر عنه لحسم المادة فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك
وقيل في تفسير قوله الراكب شيطان أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان أو أشبه الشيطان في فعله وقيل إنما كره ذلك لأن الواحد لو مات في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه وكذلك الإثنان إذا ماتا أو أحدهما لم يجد الآخر من يعينه بخلاف الثلاثة ففي الغالب تؤمن الوحشة والخشية
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر " لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده " وقد ثبت في الصحيح أن الزبير انتدب وحده ليأتي النبي بخبر بني قريظة قال ابن المنير السير لمصلحة الحرب أخص من السفر فيجوز السفر للمنفرد للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالإفراد كإرسال الجاسوس والطليعة والكراهة عدا ذلك ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة وقد وقع في كتب المغازي بعث جماعة منفردين منهم حذيفة ونعيم بن مسعود وعبد الله بن أنيس وخوات بن جبير وعمرو بن أمية وسالم بن عمير وبسبسة غيرهم وعلى هذا فوجود أصل الخبر في سائر الأسفار غير سفر الحرب ونحوه إنما هو في الثلاثة دون الواحد والاثنين والأربعة خير من الثلاثة كما يدل على ذلك حديث الباب
قوله : " وخير الجيوش أربعة آلاف " وظاهر هذا أن هذا الجيش خير من غيره من الجيوش سواء كان أقل منه أو أكثر ولكن الأكثر إذا بلغ إلى اثني عشر ألفا لم يغلب من قلة وليس بخير من أربعة آلاف وإن كانت تغلب من قلة كما يدل على ذلك مفهوم العدد
قوله : " راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوداء ولواؤه أبيض " اللواء بكسر اللام والمد وهو الراية ويسمى أيضا العلم وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش ثم صارت تحمل على رأسه كذا في الفتح
وقال أبو بكر بن العربي اللواء غير الراية فاللواء ما يعقد في طرف المح ويلوى عليه والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح وقيل اللواء دون الراية وقيل اللواء العلم الضخم والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار والراية يتولاها صاحب الحرب وجنح الترمذي إلى التفرقة فترجم الألوية وأورد حديث جابر المتقدم ثم ترجم الرايات وأورد حديث البراء المتقدم أيضا
قوله : " من نمرة " هي ثوب حبرة قال في القاموس النمرة بالضم النكبة من أي لون كان والأنمر ما فيه نمرة بيضاء وأخرى سوداء ثم قال والنمرة الحبرة وشملة فيها خطوط بيض وسود أو بردة من صوف يلبسها الأعراب انتهى

باب ما جاء في تشييع الغازي واستقباله

1 - عن سهل بن معاذ عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " لأن أشيع غازيا فاكفيه في رحله غدوة أو روحة أحب إلي من الدينا وما فيها "
- رواه أحمد وابن ماجه

2 - وعن السائب عن يزيد قال " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة تبوك خرج الناس يتلقونه من ثنية الوداع قال السائب فخرجت مع الناس وأنا غلام "
- رواه أبو داود والترمذي وصححه . وللبخاري نحوه

3 - وعن ابن عباس قال " مشي معهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجهم ثم قال انطلقوا على اسم الله وقال اللهم أعنهم يعني النفر الذين وجههم إلى كعب بن الأشرف "
- رواه أحمد

- حديث معاذ في اسناده أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف وفي اسناده أيضا رجل لم يسم وقد أخرجه الطبراني . وحديث ابن عباس في اسناده ابن إسحاق وهو مدلس وبقية اسناده رجاله رجال الصحيح وقد أخرجه أيضا البزار والطبراني وفي الباب ما في الصحيحين أن ابن الزبير وابن جعفر وابن عباس لقوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قادم فحمل اثنين منهم وترك والثالث وأخرج البخاري عن ابن عباس قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة استقبله أغيلمة لبني عبد المطلب فحمل واحدا بين يديه وآخر خلفه وأخرج أحمد والنسائي عن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمله خلفه وحمل قم ابن عباس بين يديه
قوله : أشيع غازيا " التشييع الخروج مع المسافر لتوديعه يقال شيع فلانا خرج معه ليودعه ويبلغه منزله
قوله : " أحب إلي من الدنيا وما فيها " قد تقدم الكلام على مثل هذه العبارة في أول كتاب الجهاد ( وفي هذا الحديث ) الترغيب في تشييع الغازي واغانته على بعض ما يحتاج على القيام بمؤنته لأن الجهاد من أفضل العبادات والمشاركة في مقدماته من أفضل المشاركات
قوله : " من ثنية الوداع "
قال في القاموس الثنية العقبة أو طريقاها أو الجبل أو الطريق فيه أو إليه انتهى
قال في القاموس أيضا وثنية الوداع بالمدينة سميت لأن من سافر إلى مكة كان يودع ثم يشيع إليها انتهى
قوله : " بقيع الغرقد " قد تقدم ضبطه وتفسيره وفي الحديث دليل على مشروعية تلقى الغازي إلى خارج البلد لما في الأتصال به من البركة والتيمن بطلعته فإنه في تلك الحال ممن حرمه الله على النار كما تقدم ولما في ذلك من التأنيس له والتطييب لخاطره والترغيب لمن كان قاعدا في الغزو
قوله : " وقال اللهم أعنهم " فيه أستحباب الدعاء للغزاة وطلب الإعانة من الله لهم فإن من كان ملحوظا بعين الربانية ومحوطا بالإعانة والألهية ظفر بمراده

باب استصحاب النساء لمصلحة المرضى والجرحى والخدمة

1 - عن الربيع بنت معوذ قالت " كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة "
- رواه أحمد والبخاري

2 - وعن أم عطية الأنصارية قالت " غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع غزوات اخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على الزمني "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه

3 - وعن أنس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحة "
- روان مسلم والترمذي وصححه

4 - وعن عائشة أنها " قالت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد قال لكن أفضل الجهاد حج مبرور "
- رواه أحمد والبخاري

- قوله " عن الربيع " بالتشديد وأبوها معوذ بالتشديد للواو وبعدها ذال معجمة قوله " كنا نغزو " الخ جعلت الإعانة المغزاة غزوا ويمكن أن يقال أنهن ما أتين لسقي الجرحى ونحو ذلك إلا وهي عازمات على المدافعة عن أنفسهن وقد وقع في صحيح مسلم عن أنس أن أم سليم أتخذت خنجرا يوم حنين فقالت اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه ولهذا بوب البخاري باب غزو النساء وقتالهن
قوله : " وأداوي الجرحى " فيه دليل على أنه يجوز للمرأة الأجنبية معالجة الرجل الأجنبي للضرورة
وقال ابن بطال ويختص ذلك بذوات المحارم وإن دعت الضرورة فليكن بغير مباشرة ولامس ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد أمرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من وراء حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم
وقال الأوزاعي تدفن كما هي
قال ابن المنير الفرق بين حال المداواة وغسل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة والضرورات تبيح المحظورات اه هكذا يكون حال المرأة في رد القتلى والجرحى فلا تباشر بالمس مع امكان ما هو دونه . وحديث عائشة قد تقدم في أول كتاب الحج
قال ابن بطال دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء ولكن ليس في قوله أفضل الجهاد حج مبرور وفي رواية البخاري جهادكن الحج ما يدل على أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد وإنما لم يكن واجبا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد

باب الأوقات التي يستحب فيها الخروج إلى الغزو والنهوض إلى القتال

1 - عن كعب بن مالك " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج في يوم الخميس في غزوة تبوك وكان أن يخرج يوم الخميس "
- متفق عليه

2 - وعن صخر الغامدي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم باك لأمتي في بكورها قال فكان إذا بعث سرية أوجيشا بعثهم من أول النهار وكان صخر رجلا تاجرا وكان يبعث تجارته من أو النهار فأثرى وكثر ماله "
- رواه الخمسة إلا النسائي

3 - وعن النعمان ابن مقرن " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر "
- رواه أحمد وأبو داود وصححه والبخاري وقال " انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات "

4 - وعن ابن أبي أوفى قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس "
- رواه أحمد

- حديث صخر حسنه الترمذي وقال لا نعرف له غير هذا الحديث ان وفي اسناده عمارة بن حديد سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال مجهول وسئل عنه أبو زرعة الرازي فقال لا نعرف
قال أبو علي ابن السكن أنه مجهول لم ير وعنه غير يعلى ابن عطاء الطائفي وذكر أنه روى من حديث مالك مرسلا
وقال النمري هو مجهول لم ير وعنه غير يعلى الطائفي
وقال أبو القاسم البغوي وابن عبد البرانه ليس لصخر غير هذا الحديث . وذكر بعضهم أنه قد روى حديثا آخر وهو قوله " لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء " وقد تقدم في الجنائز
وأخرج حديث صخر ابن حبان قال ابن طاهر في تخريج أحاديث الشهاب هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة ولم يخرج شيئا منها في الصحيحين . وأقر بها إلى الصحة والشهرة هذا الحديث وذكره عبد القادر الرهاوي في أربعينيته من حديث علي والعبادلة وابن مسعود وجابر وعمران بن حصين وأبي هريرة وعبد الله بن سلام وسهل بن سعد وأبي رافع وعبادة بن وثيمة وأبي بكرة وبريدة بن الحصيب . وحديث بريدة صححه ابن السكن وراوه ابن منده في مستخرجه عن وائلة بن الأصقع ونييط بن شريط وزاد ابن الجوزي في العلل المتناهية عن أبي ذر وكعب بن مالك وأنس والعريض بن عميرة وعائشة وقال لا يثبت منها شيء وضعها كلها
وقد قال أبو حاتم لا أعلم في اللهم بارك لأمتي في بكورها حديثا صحيحا . وحديث ابن أبي أوفى المذكور في الباب أخرجه أيضا سعيد بن منصور الطبراني وضعف اسناده في مجمع الزوائد
قوله : " كان يحب أن يخرج يوم الخميس " قال في الفتح لعل سببه ما روي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم بورك لأمتي في بكورها يوم الخميس وهو حديث ضعيف أخرجه الطبراني من حديث نبيط بنون وموحدة مصغرا ابن شريط بفتح الشين المعجمة قال وكونه صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب الخروج يوم الخميس لا يستلزم المواظبة عليه لقيام مانع منه وقد ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم خرج لحجة الوداع يوم السبت كما تقدم في الحج اه وقد أخرج حديث نبيط المذكور البزار من حديث ابن عباس وأنس
وفي حديث ابن عباس عنبسة بن عبد الرحمن وهو كذاب
وفي حديث أنس عمرو بن مساور وهو ضعيف وروي بلفظ اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبتها ويوم خميسها . وسئل أبو زرعة عن هذه الزيادة فقال هي مفتعلة . وحديث صخر المذكور فيه مشروعية التبكير من غير تقييد بيوم مخصوص سواء كان ذلك في سفر جهاد أو حج أو تجارة أو في الخروج إلى عمل من الأعمال ولو في الحضر
قوله : " حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر " ظاهر هذا أن التأخير ليدخل وقت الصلاة لكونه مظنة الإجابة وهبوب الريح قد وقع النصر به في الأحزاب فصار مظنة لذلك ويدل على ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث النعمان بن مقر من وجه آخر غير الوجه الذي روى منه حديثه المذكور في الباب ولفظه قال " " غزوت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قاتل فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس فإذا زالت قاتل فإذا دخل وقت العصر أمسك حتى يصليها ثم يقاتل وكان يقال عند ذلك تهيج رياح النصر وتدعو المؤمنين لجيوشهم في صلاتهم قال في الفتح لكن فيه انقطاع

باب ترتيب الصفوف وجعل سيما وشعار يعرف وكراهة رفع الصوت

1 - عن أبي أيوب قال " صففنا يوم بدر فبدرت منا بادرة أمام الصف فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال معي معي "

2 - وعن عمار بن ياسر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يستحب للرجل أن يقاتل تحت راية قومه "
- رواهما أحمد

3 - وعن المهلب بن أبي صفرة عمن سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول " إن بيتكم العدو فقولوا حم لا ينصرون "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي

4 - وعن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إنكم ستلقون العدو غدا فإن شعاركم حم لا تنصرون "
- رواه أحمد

5 - عن سلمة بن الأكوع قال " غزونا مع أبي بكر زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان شعارنا أمت أمت "
- رواه أحمد وأبو داود

6 - وعن الحسن عن قيس بن عبادة قال " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكرهون الصوت عند القتال "

7 - وعن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثل ذلك رواهما أبو داود

- حديث أبي أيوب قال في مجمع الزوائد في إسناده ابن لهيعة وفيه ضعف والصحيح أن أبا أيوب لم يشهد بدرا اه . وحديث عمارة في مجمع الزوائد إسناده منقطع قال وأخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني وفي إسناده إسحاق بن أبي إسحاق الشيباني ولم يضعفه أحد وبقية رجاله ثقات اه
وقد أخرج نحو حديث أبي أيوب الترمذي من حديث عبد الرحمن بن عوف والبزار من طريق عكرمة عن ابن عباس عنه قال عبانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عند البخاري من حديث مروان والمسور في قصة الفتح وقصة أبي سفيان قال ثم مرت كتيبة لم يرى مثلها وقال من هؤلاء قيل له الأنصار عليهم سعد بن عبادة ومعه الراية وفيه وجاءت كتيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورايته مع الزبير الحديث بطوله وهو شاهد لحديث عمار بن ياسر المذكور
وأخرج البخاري وأبو داود من حديث حمزة بن أبي أسيد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين اصطففنا يوم بدر إذا أكثبوكم يعني إذا غشوكم فارموهم بالنبل واستبقوا نبلكم . وحديث المهلب ذكر الترمذي أنه روى عن المهلب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وأخرجه الحاكم موصولا وقال صحيح قال والرجل الذي لمك يسمه المهلب هو البراء . ورواه النسائي من هذا الوجه بلفظ حدثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحديث البراء أخرجه أيضا النسائي والحاكم وحديث سلمة بن الأكوع أخرجه النسائي وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص
وأخرجه الحاكم من حديث عائشة " جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شعار المهاجرين يوم بدر عبد الرحمن والخزرج عبد الله " الحديث وأخرج أيضا عن ابن عباس رفعه جعل الشعار الأزد يا مبرور يا مبرور
وفي الباب عن سمرة بن جندب عند أبي داود قال " كان شعار المهاجرين عبد الله وشعار الأنصار عبد الرحمن وهو من رواية الحسن عنه وفي سماعه منه خلاف قد مر غير مرة وفي إسناده الحجاج بن أرطأة ولا يحتج بحديثه . وحديث قيس بن عباد وأبي بردة سكت عنهما أبو داود والمنذري ورجالهما رجال الصحيح . قولله " صففنا يوم بدر " الخ فيه دليل على مشروعية الإصطفاف حال القتال لما في ذلك من الترهيب على العدو والتقوية للجيش ولكونه محبوبا لله تعالى قال عز و جل { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص }
قوله : " أن يقاتل تحت راية قومه " إنما كان ذلك مشروعا لما يتكلفه الإنسان من إظهاره القوة والجلادة إذا كان بمرأى من قومه ومسمع بخلاف ما إذا كان في غير قومه فإنه لا يفعل كفعله بين قومه لما جبلت عليه النفوس من محبة ظهور المحاسن بين العشيرة وكراهة ظهور المساوى بينهم ولهذا أفرد صلى الله عليه وآله وسلم كل قبيلة من القبائل التي غزت معه غزوة الفتح بأميرها ورايتها كما يحكي ذلك كتب الحديث والسير
قوله : " حم لا ينصرون " هذا اللفظ فيه التفاؤل بعدم انتصار الخصم مع حصول الغرض بالشعار وهو العلامة في الحرب يقال نادوا بشعارهم أو جعلوا لأنفسهم شعارا والمراد أنهم جعلوا العلامة بينهم لمعرفة بعضهم بعضا في ظلمة الليل هو التكلم عند أن يهجم عليه العدو بهذا اللفظ " قوله أمت أمت " أمر بالموت وفيه التفاؤل بموت الخصم
وفي لفظ " يامنصور أمت أمت " وفي آخر " يا منص " وهو ترخيم منصور محذوف الراء والواو
قوله : " يكرهون الصوت عند القتال " فيه دليل على أن رفع الصوت حال القتال وكثرة اللغط والصراخ مكروهة ولعل وجه كراهتهم لذلك أن التصويت في ذلك الوقت ربما كان مشعرا بالفزع والفشل بخلاف الصمت فإنه دليل الثبات ورباط الجأش

باب استحباب الخيلاء في الحرب

1 - عن جابر بن عتيك " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن من الغيرة ما يحب الله ومن الغيرة ما يبغض الله وإن من الخيلاء ما يحب الله ومنها ما يبغض الله فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة وأما الغيرة التي يبغض الله فالغيرة في غير الريبة والخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل نفسه عند القتال واختياله عند الصدقة والخيلاء التي يبغض الله فاختيال الرجل في الفخر والبغي "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي

- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وفي اسناده عبد الرحمن بن جابر بن عتيك وهو مجهول وقد صحح الحديث الحاكم
قوله : " فالغيرة في الريبة " نحو أن يغتار الرجل على محارمه إذا رأى منهم فعلا محرما فإن الغيرة في ذلك ونحوه مما يحبه الله وفي الحديث الصحيح ما أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الزنا
وأما الغيرة في غير الريبة فنحو أن يغتار الرجل على أمه أن ينكحها زوجها وكذلك سائر محارمه فإن هذا مما يبغضه الله تعالى لأن ما أحله الله تعالى فالواجب علينا الرضا به فإن لم نرض به كان ذلك من إيثار حمية الجاهلية على ما شرعه الله لنا واختيال الرجل بنفسه عند القتال من الخيلاء الذي يحبه الله لما في ذلك من الترهيب لأعداء الله والتنشيط لأوليائه ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي دجانة لما رآه يختال عند القتال " إن هذه مشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموطن " وكذلك الأختيال عند الصدقة فإنه ربما كان من أسباب الأستكثار منها والرغوب فيها وأما اختيال الرجل في الفخر فنحو أن يذكرماله من الحسب والنسب وكثرة المال والجاه والشجاعة والكرم لمجرد الأفتخار ثم يحصل منه الاختيال عند ذلك فإن هذا الاختيال مما يبغضه الله تعالى لأن الافتخار في الأصل مذموم والأختيال مذموم فينضم قبيح إلى قبيح وكذلك الاختيال في البغي نحو أن يذكر الرجل أنه قتل فلانا وتأخذ ماله ظلما أو يصدر منه الأختيال حال البغي على مال الرجل أو نفسه فإن هذا يبغضه الله لأن فيه انضمام قبيح إلى قبيح كما سلف

باب الكف وقت الإغارة عمن عنده شعار الإسلام

1 - عن أنس " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا غزا قوما لم يغز حتى يصبح فإذا سمع أذانا أمسك وإذا لم يسمع أذانا أغار بعد ما يصبح "
- رواه أحمد والبخاري
وفي رواية " كان يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الآذان فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار وسمع رجلا يقول الله أكبر الله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الفطرة ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله فقال خرجت من النار " . رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه

2 - وعن عصام المزني قال " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث السري يقول إذا رأيتم مسجدا أوسمعتم مناديا فلا تقتلوا أحدا "
- رواه الخمسة إلا النسائي

- حديث عصام قال الترمذي بعد أخراجه هذا حديث حسن غريب وهو من رواية ابن عصام عن أبيه قيل اسمه عبد الله
وقيل اسمه عبد الرحمن قال في التقريب لا يعرف
قوله : " وإذا لم يسمع أذانا أغار " فيه دليل على جواز قتال من بلغه الدعوة بغير دعوة ويجمع بينه وبين ما تقدم في باب الدعوة قبل القتال بأن يقال الدعوة مستحبة لا شرط هكذا في الفتح
وقد قدمنا الخلاف في ذلك وماذكره الإمام المهدي من أن وجوب تقديم الدعوة مجمع عليه والاعتراض عليه وفي هذا الحديث والذي بعده دليل على جواز الحكم بالدليل لكونه صلى الله عليه وآله وسلم كف عن القتال بمجرد سماع الآذان وفي الأخذ بالأحوط في امر الدماء لأنه كف عنهم في تلك الحال مع احتمال أن لا يكون ذلك على الحقيقة
قوله : " على الفطرة " فيه أن التكبير من الأمور المختصة بأهل الإسلام وأنه يصح الاستدلال به على إسلام أهل قرية سمع منهم ذلك قوله " خرجت من النار " هو نحو الأدلة القاضية بأن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وهي مطلقة مقيدة بعدم المانع جمعا بين الأدلة وللكلام على ذلك موضع آخر
قوله : " إذا رأيتم مسجدا " فيه دليل على أن مجرد وجود المسجد في البلد كاف في الاستدلال به على إسلام أهله وإن لم يسمع منهم الآذان لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر سراياه بالأكتفاء بأحد الأمرين إما وجود مسجد أو سماع الآذان

باب جواز تبييت الكفار ورميهم بالمنجنيق وإن أدى إلى قتل ذراريهم تبعا

1 - عن الصعب بن جثامة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم ثم قال هي منهم "
- رواه الجماعة إلا النسائي . وزاد أبو داود وقال الزهري " ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل النساء والصبيان "

2 - وعن ثور ين يزيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف "
- أخرجه الترمذي هكذا مرسلا

3 - وعن سلمة بن الأكوع قال بيتنا هوازن مع أبي بكر الصديق وكان أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد

- الزيادة التي زادها أبو داود عن الزهري أخرجها الإسماعيلي من طريق جعفر الفريابي عن علي بن المديني عن سفيان بلفظ وكان الزهري إذا حدث بهذا الحديث قال وأخبرني ابن كعب بن مالك عن عمه " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان " وأخرجه أيضا ابن حبان مرسلا كأبي داود قال في الفتح وكأن الزهري أشار بذلك إلى نسخ حديث الصعب وحديث ثور بن يزيد أخرجه أيضا أبو داود في المراسيل من طريق مكحول عنه
وأخرجه أيضا الواقدي في السيرة وزعم أن الذي أشار به سلمان الفارسي وقد أنكر ذلك يحيى بن أبي كثير وإنكاره ليس بقادح فإن من علم حجة علي من لم يعلم . حديث سلمة أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وان ماجه وهو طرف من الحديث الذي تقدم في باب ترتيب الصفوف
قوله : " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل " السائل هو الصعب بن جثامة الراوي للحديث كما يدل على ذلك ما في صحيح ابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري بسنده عن الصعب قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم قال نعم " قوله " عن أهل الدار " أي المنزل هكذا في البخاري . وغيره ووقع في بعض نسخ مسلم " سئل عن الذراري " قال عياض الأول هو الصواب ووجه النووي الثاني قوله " هم منهم " أي في الحكم في تلك الحالة وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى المشركين إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم " ثم نهى رسول الله " الخ استدل به من قال إنه لا يجوز قتلهم مطلقا وسيأتي قوله " بيتنا هوازن " البيات هو الغارة بالليل ( وفي الحديث ) دليل على أنه يجوز تبييت الكفار قال الترمذي وقد رخص قوم من أهل العلم في الغارة بالليل وأن يبيتوا وكرهه بعضهم قال أحمد وإسحاق لابأس أن يبيت العدو ليلا

باب الكف عن قصد النساء والصبيان والرهبان والشيخ الفاني بالقتل

1 - عن ابن عمر قال " وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان "
- رواه الجماعة إلا النسائي

2 - وعن رياح بن ربيع " أنه خرج مع رسول الله في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد فمر رياح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة فوقفوا ينظرون إليها يعني وهم يتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على راحلته فأفرجوا عنها فوقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما كانت هذه لتقاتل فقال لأحدهم إلحق خالدا فقل له لا تقتل ذرية وعسيفا "
- رواه أحمد وأبو داود

3 - وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال انطلقوا باسم الله وبالله على ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين "
- رواه أبو داود

4 - وعن ابن عباس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث جيوشه قال أخرجوا باسم الله تعالى تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع "

5 - وعن ابن كعب بن مالك عن عمه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين بعث إلى ابن أبي الحقيق بخيبر نهى عن قتل النساء والصبيان "

6 - وعن الأسود بن سريع قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقتلوا الذرية في الحرب فقالوا يا رسول الله أو أليس هم أولاد المشركين قال أو ليس خياركم أولاد المشركين "
- رواهن أحمد

- حديث رياح بكسر الراء المهملة وبعدها تحتانية هكذا في الفتح
وقال المنذري بالباء الموحدة ويقال بالياء التحتانية ورجح البخاري أنه بالموحدة أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي واختلف فيه على المرقع بن صيفي فقيل عن جده رياح وقيل حنظلة بن الربيع وذكر البخاري وأبو حاتم أن الأول أصح . وحديث أنس في اسناده خالد بن الفزر بكسر الفاء وسكون الزاي وبعدها راء مهملة وحديث ابن عباس في إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف ووثقه أحمد . وحديث ابن كعب بن مالك أخرجه أيضا الإسماعيلي في مستخرجه وأخرجه أبو داود وابن حبان من حديث الزهري مرسلا كما تقدم وقال مجمع الزوائد رجال أحمد الصحيح . وحديث الأسود بن سريع قال في مجمع الزوائد أيضا ورجال أحمد ورجال الصحيح ( وفي الباب ) عن علي عند البيهقي بنحو حديث ابن عباس المذكور . وعن جرير عند ابن أبي حاتم في العلل وعم سمرة عند أحمد والترمذي وصججه بلفظ " اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم " وأحاديث الباب تدل على أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان وإلى ذلك ذهب مالك والأوزاعي فلا يجوز ذلك عندهما بحال من الأحوال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وتجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم . وذهب الشافعي والكوفيون إلى الجمع بين الأحاديث المذكورة فقالوا إذا قاتلت المرأة جاز قتلها وقال ابن حبيب من المالكية لا يجوز القصد إلى قتلها إذا قاتلت إلا إن باشرت القتل أو قصدت إليه ويدل على هذا ما رواه أبو داود في المراسيل عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " مر بامرأة مقتولة يوم حنين فقال من قتل هذه فقال رجل أن يا رسول الله غنمتها فأردفتها خلفي فلما رأت الهزيمة فينا أهوت إلى القائم سيفي لتقتلني فقتلتها فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ووصله الطبراني في الكبير وفيه حجاج بن ارطأة وأرسله ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن يحيى الأنصاري ونقل ابن بطال أنه اتفق الجميع على المنع من القصد على قتل النساء والولدان أما النساء فلضعفهن وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفار ولما في استبقائهم جميعا من الأنتفاع أما بالرق أو بالفداء فيمن يجوز أن يفادي به قال في الفتح وقد كحى الحازمي قولا بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر حديث الصعب وتزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي وهو غريب
قوله : " ولا عسيفا " بمهملتين وفاء كأجير وزنا ومعنى وفيه دليل على أنه لا يجوز قتل من كان مع القوم أجيرا ونحوه لأنه من المستضعفين
قوله : " لا تقتلوا شيخا فانيا " ظاهره أنه لا يجوز قتل شيوخ المشركين ويعارضه حديث اقتلوا شيوخ المشركين الذي ذكرناه وقد جمع بين الحديثين بأن الشيخ المنهي عن قتله في الحديث الأول هو الفاني الذي لم يبق فيه نفع للكفار ولامضرة على المسلمين وقد وقع التصريح بهذا الوصف بقوله شيخا فانيا والشيخ المأمور بقتله في الحديث الثاني هو من بقي فيه نفع للكفار وهو بالرأي كما في دريد بن الصمة فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من حنين بعث أبا عامر على جيش أوطاس فلقي دريد بن الصمة وقد كان نيف على المائة وقد أحضروه ليدبر لهم الحرب فقتله أبو عامر ولم ينكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك عليه كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي موسى والقصة معروفة
قال أحمد بن حنبل في تعليل أمره صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الشيوخ إن الشيخ لا يكاد يسلم والصغير أقرب إلى الإسلام
قوله : " ولا تغلوا " وسيأتي الكلام على تحريم الغلول والغد والمثلة
قوله : " وضموا غنائمكم " أي أجمعوها أي جمعوها
قوله : " ولا أصحاب الصوامع " فيه دليل على أنه لا يجوز قتل من كان متخليا للعباد من الكفار لارهبان لاعراضه عن ضر المسلمين والحديث وإن كان فيه المقال المتقدم لكنه معتضد بالقياس على الصبيان والنساء بجامع عدم النفع والضرر وهو المناط ولهذا لم ينكر صلى الله عليه وآله وسلم على قاتل المرأة التي أرادت قتله ويقاس على النصوص عليهم بذلك الجامع من كان مقعدا أو اعمى أو نحوهما ممن كان لا يرجى نفعه ولا ضرره على الدوام

باب الكف عن المثلة والتحريق وقطع الشجر وهدم العمران إلا لحاجة ومصلحة

1 - عن صفوان بن عسال قال " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سرية فقال سيروا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا "
- رواه أحمد وابن ماجه

2 - وعن أبي هريرة " قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعث فقال إن وجدتم فلانا وفلانا لرجلين فأحرقوهما بالنار ثم قال حين أردنا الخروج أني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وصححه

3 - وعن يحيى بن سعيد " أن أبا بكر بعث جيوشا إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان يزيد أمير ربع من تلك الأرباع فقال إني موصيك بعشر خلال لا تقتل امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطع شجرا مثمرا ولا تخرب عامرا ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكله ولا تعقرن نخلا ولا تحرقه ولا تغلل ولا تخبن "
- رواه مالك في الموطأ عنه

- حديث صفوان بن عسال قال ابن ماجه حدثنا الحسن بن علي الخلال حدثنا أبو أسامة قال حدثني عطية بن الحرث بن روق الهمداني قال حدثني أبو العريف عبد الله بن خليفة عن صفوان فذكره وعطية صدوق وعبد الله بن خليفة ثقة وأخرجه أيضا النسائي . وهذا الحديث هو مثل حديث ابن عباس المتقدم في الباب الأول وجميع ما اشتمل عليه قد تقدم أيضا في حديث بريدة المتقدم في باب الدعوة قبل القتال . وأثر يحيى بن سعيد المذكور مرسل لأنه لم يدرك زمن أبي بكر ورواه البيهقي من حديث يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب . ورواه سيف في الفتوح عن الحسن بن أبي الحسن مرسلا
قوله : " ولا تمثلوا " فيه دليل على تحريم المثلة وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة قد سبق في هذا المشروح وشرحه بعض منها
قوله : " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ زاد الترمذي إن هذين الرجلين من قريش
وفي رواية لأبي داود " إن وجدتم فلانا فاحرقوه بالنار " هكذا بالأفراد وروى في فوائد على بن حرب عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح إن اسمه هبار بن الأسود . ووقع في رواية ابن إسحاق إن وجدتم هيار بن الأسود والرجل الذي سبق منه إلى زينب ما سبق فحرقوهما بالنار يعني زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان زوجها أبو العاص بن الربيع لما أسره الصحابة ثم اطلقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة شرط عليه أن يجهز إليه ابنته زينب فجهزها فتبعها هبار بن الأسود ورفيقه فنخسا بعيرها فأسقطت ومرضت من ذلك والقصة مشهورة عن ابن إسحاق وغيره
وقال في روايته وكان نخسا بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين خرجت من مكة
وقد أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن أبي ابن نجيح إن هبار بن الأسود أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيء في خدرها فاسقطت فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية فقال إن وجدتموه فأجعلوه بين حرمتي حطب ثم أشعلوا فيه النار ثم قال لانستحي من الله لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله الحديث فكأن أفراد هبار بالذكر في الرواية السابقة لكونه كان الأصل في ذلك والآخر كان تبعا له وسمي ابن السكن في روايته من طريق ابن إسحاق الرجل الآخر نافع بن عبد قيس وبه جزم ابن هشام في رواي السيرة عنه . وحكى السهيلي عن مسند البزار إنه خالد بن عبد قيس فلعله تصحف عليه وإنما هو كذلك هو في النسخ المعتمدة من مسند البزار وكذلك أورده ابن السكن أولا من مسند البزار وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه من طريق ابن لهيعة كذلك قال الحافظ وقد أسلم هبار هذا ففي رواية ابن أبي نجيح المذكور فلم تصبه السرية وأصابه الإسلام فهاجر فذكر قصة اسلامه وله حديث عند الطبراني وآخر عند ابن منده وعاش إلى أيام معاوية وهو بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة قال الحافظ أيضا ولم أقف لرفيقه على ذكر في الصحابة فلعله مات قبل أن يسلم
قوله : " وإن النار لا يعذب بها إلا الله " هو خبر بمعنى النهي وقد اختلف السلف في التحريق فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقا سواء كان في سبب كفر أو في حال مقاتلة أو في قصاص وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما
قال المهلب ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة وقد سمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعين العرنيين بالحديد كما تقدم وقد أحرق أبو بكر بالنار في حضرة الصحابة . وحرق خالد بن الوليد ناس من أهل الردة وكذلك حرق علي كما تقدم في كتاب الحدود
قوله : " ولا تعقرن " بالعين المهملة والقاف والراء في كثير من النسخ وفي نسخ ولا تعزقن بالعين المهملة والزاي المكسورة القاف ونون التوكيد
قال في النهاية هو القطع وظاهر النهي في حديث الباب التحريم وهو نسخ للأمر المتقدم سواء كان بوحي إليه أو اجتهاد وهو محمول على من قصد إلى ذلك في شخص بعينه

4 - وعن جرير بن عبد الله قال " قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا تريحني من ذي الخلصة قال فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحاب خيل وكان ذو الخلصة بيت في اليمن لخنعم وبجيلة فيه نصب يعبد يقال له كعبة اليمانية قال فأتاها فحرقها بالنار وكسرها ثم بعث رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبشره بذلك فلما أتاه قال يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب قال فبرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات "
- متفق عليه

5 - وعن ابن عمران " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع نخل بني النضير وحرق ولها يقول حسان
وهان على بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير
وفي ذلك نزلت ما قطعتم من لينة أو تركتموها "
- الآية متفق عليه ولم يذكر أحمد الشعر

6 - وعن أسامة بن زيد قال " بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قرية يقال لها ابني فقال أئتها صباحا ثم حرق "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
وفي اسناده صالح بن أبي الأخضر قال البخاري هو لين

- حديث أسامة بن زيد سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده من ذكره المصنف
وقال يحيى بن معين هو ضعيف
وقال أحمد يعتبر به وقال العجلي يكتب حديثه وليس بالقوي
وقال في التقريب ضعيف
قوله : " ذي الخلصة " بفتح المعجمة واللام والمهملة وحكى بتسكين اللام قال في القاموس وذو الخلصة محركة وبضمتين بيت كان يدعى الكعبة اليمانية لخثعم كان فيه صنم اسمه الخلصة أو لأنه كان منبت الخلصة انتهى . وهي نبات له حب أحمر
قوله : " من أحمس " بالمهملتين على وزن أحمد قال في القاموس الحمس الأمكنة الصلبة جمع أحمس وبه لقب قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم في الجاهلية لتحمسهم في دينهم أو لالتجائهم بالحمساء وهي الكعبة لأن حجرها أبيض إلى السواد والحماسة الشجاعة والأحمس الشجاع كالحميس كذا في القاموس وفي الفتح هم رهط ينسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار قال وفي العرب قبيلة أخرى يقال لها أحمس ليست مرادة هنا ينسبون إلى أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار " قوله نصب " بضم النون والصاد أي صنم قوله " كعبة يمانية " أي كعبة الجهة اليمانية
قوله : " فبرك " بفتح الموحدة وتشديد الراء أي دعا لهم بالبركة
قوله : " كأنها جمل أجرب " بالجيم والموحدة وهو كناية عن نزع زينتها وإذهاب بهجتها
وقال الحافظ أحسب المراد أنها صارت مثل الجمل المطلى بالقطران من جربه إشارة إلى أنها صارت سوداء لما وقع فيها من التحريق
قوله : " سراة " بفتح المهملة وتخفيف الراء جمع سرى وهو الرئيس قوله " بني لؤي " بضم اللام وفتح الهمزة وهو أحد أجداد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبنوهم قريش وأراد حسان تعيير مشركي قريس بما وقع في حلفائهم من بني النضير
قوله : " بالبويرة " بالباء الموحدة تصغير بورة وهي الحفرة وهي هنا مكان معروف بين الحديبية وتيماء وهي من جهة قبلة مسجد قباء إلى جهة الغرب ويقال لها أيضا البويلة باللام بدل الراء
قوله : " من لينة " قال السهلي في تخصيص اللينة بالذكر إيماء إلى أن الذي يجوز قطعه من شجر العدو هو مالا يكون معدا للاقتيات لأنهم كانو يقتاتون العجوة والبرني دون اللينة وكذا ترجم البخاري في التفسير فقال ما قطعتم من لينة نخلة ما لم تكن برنية أو عجوة
وقيل اللينة الدقل
وفي معالم التنزيل اللينة فعلة من اللون وتجمع على ألوان وقيل من اللين ومعناه النخلة الكريمة وجمعها ليان
وقال في القاموس إنها الدقل من النخل
قوله : " يقال له ابني " بضم الهمزة والقصر ذكره في النهاية وحكى أبو داود إن أبا مسهر قيل له ابني فقال نحن أعلم هي يبنا فلسطين والأحاديث المذكورة فيها دليل على جواز التحريق في بلاد العدو
قال في الفتح ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور واحتجوا بوصية أبي بكر لجيوشه أن لا يفعلوا شيئا من ذلك وقد تقدمت في أول الباب . وأجاب الطبري بأن النهي محمول على القصد لذلك بخلاف ما إذا أصابوا ذلك في حال القتال كما وقع في نصب المنجنيق على الطائف وهو نحو مما أجاب به في النهي عن قتل النساء الصبيان وبهذا قال أكثر أهل العلم وقال غيره إنما نهى أبو بكر عن ذلك لأنه قد علم أن تلك البلاد تفتح فأراد بقاءها على المسلمين انتهى . ولا يخفى أن ما وقع من أبي بكر لا يصلح لمعارضة ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما تقرر من عدم حجية قول الصحابي

باب تحريم الفرار من الزحف إذا لم يزد العدو على ضعف المسلمين إلا المتحيز إلى فئة وإن بعدت

1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وماهن يا رسول الله قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات "
- متفق عليه

2 - وعن ابن عباس " لما نزلت إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين فكتب عليهم أن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت الآن خفف الله عنكم الآية فكتب أن لا تفر مائة من مائتين "
- رواه البخاري وأبو داود

3 - وعن ابن عمر قال " كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحاص الناس حيصة وكنت فيمن حاص فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب ثم قلنا لو دخلنا المدينة فبتنا ثم قلنا لو عرضنا نفوسنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال من الفرارون فقلنا نحن الفرارون قال بل أنتم العكارون أنا فئتكم وفئة المسلمين قال فأتيناه حتى قبلنا يده "
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث ابن عمر أخرجه أيضا الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد انتهى . ويزيد بن أبي زياد تكلم فيه غير واحد من الأئمة
قوله : " الموبقات " أي المهلكات قال في القاموس وبق كوعد ووجل وورث وبوقا هلك كاستوبق وكمجلس المهلك والموعد والمجلس وواد في جهنم وكل شيء حال بين شيئين وأوبقه حبسه وأهلكه اه . ( وفي الحديث ) دليل على أن هذه السبع المذكورة من كبائر الذنوب والمقصود من إيراد الحديث ههنا هو قوله فيه " والتولي يوم الزحف " فإن ذلك يدل على الفرار من الكبائر المحرمة وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الفرار من موجبات الفسق
قال في البحر مسألة ومهما حرمت الهزيمة فسق المنهزم لقوله تعالى { فقد باء بغضب من الله } وقوله " الكبائر سبع إلا متحرفا لقتال " وهو أن يرى القتال في غير موضعه أصلح وأنفع فينتقل إليه قال ابن عباس وكانت هزيمة المسلمين في أوطاس إنحرافا من مكان إلى مكان أو متحيزا إلى فئة وإن بعدت إذ لم تفصل الآية ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل غزوة موتة أنا فئة كل مسلم الخبر ونحوه انتهى . ومن ذلك قوله في حديث الباب " أنا فئتكم وفئة المسلمين " والأصل في جواز ذلك قوله تعالى { ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله } وقد جوزت الهادوية الفرار إلى منعة من جبل أو نحوه وإن بعدت ولخشية استئصال المسلمين أو ضرر عام للإسلام وأما إذا ظنوا أنهم يغلبون إذا لم يفروا ففي جواز فرارهم وجهان
قال الإمام يحيى أصحهما أنه يجب الهرب لقوله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ولا إذ قال له رجل يا رسول الله أرأيت لو انغمست في المشركين وقد تقدم في أول الجهاد وتقدم تفسير الآية
قوله : " لما نزلت أن يكن منكم عشرون صابرون " الخ قال في البحر وكانت الهزيمة محرمة وإن كثر الكفار لقوله تعالى { فلا تولوهم الأدبار } ثم خفف عنهم بقوله { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } فأوجب على كل واحد مصابرة عشرة ثم خفف عنهم وأوجب على الواحد مصابرة اثنين بقوله { الآن خفف الله عنكم } الآية واستقر الشرع على ذلك فحينئذ حرمت الهزيمة لقول ابن عباس من فر من اثنين فقد فر ومن فر منثلاثة فلم يفر انتهى
قوله : " فحاص الناس حيصة " بالمهملات
قال ابن الأثير حصت عن الشيء حدت عنه وملت عن جهته هكذا قال الخطابي
قال المصنف رحمة الله تعالى وقوله حاصوا أي حادوا حيدة ومنه قوله تعالى { ما لهم من محيص } ويروى جاضوا جيضة بالجيم والضاد المعجمتين وهو بمعنى حادوا انتهى
قوله : " ثم قلنا لو دخلنا المدينة " الخ لفظ أبي داود فقلنا ندخل المدينة فنبيت فيها لنذهب ولا يرانا أحد فدخلنا فقلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن كانت لنا توبة أقمنا وإن كان غير ذلك ذهبنا فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل صلاة الفجر فلما خرج قمنا إليه فقلنا نحن الفرارون فأقبل إلينا فقال لا أنتم العكارون فدنونا فقبلنا يده فقال أنا فئة المسلمين
قوله : " العكارون " بفتح العين المهملة وتشديد الكاف قيل هم الذين يعطفون إلى الحرب وقيل إذا حاد الإنسان عن الحرب ثم عاد إليها يقال قد عكر وهو عاكر وعكار
قال في القاموس العكار الكرار العطاف واعتكر اختلطوا في الحرب والعكر رجع بعضه فلم يقدر على عدة انتهى

باب من خشي الأسر فله أن يستأسر وله أن يقاتل حتى يقتل

1 - عن أبي هريرة قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرة رهطا عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهداة وهو بين عسفان ومكة ذكروا لبني لحيان فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام فاقتصوا أثرهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤ إلى فدفد وأحاط بهم القوم فقال لهم انزلوا وأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا قال عاصم بن ثابت أمير السرية أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر اللهم خبر عنا نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصم في سبعة فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم خبيب الأنصاري وابن دئنة ورجل آخر فلما استمكنوا منهم اطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم فقال الرجل الثالث هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي في هؤلاء لأسوة يريد القتلي فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه وانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهم بمكة بعد وقعة بدر وذكر قصة قتل خبيب إلى أن قال استجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه خبرهم وما أصيبوا "
- مختصر لأحمد والبخاري وأبو داود

- تمام الحديث " فاشترى خبيب بنو الحرث بن عامر بن نوفل وكان خبيب هو قتل يوم بدر الحارث فممكث عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله فاستعار موسى من بعض بنات الحرث ليستحد بها فأعارته قالت فغفلت عن صبي لي فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه فلما رأيته فزعت فزعة حتى عرف ذلك مني وفي يده الموسى فقال أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى وكانت تقول ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة وأنه لموثق بالحديد وما كان إلا رزقا رزقه الله خبيبا فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال دعوني أصلي ركعتين ثم انصرف إليهم فقال لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت فكان أول من صلى الركعتين عند القتل وقال اللهم احصهم عددا وقال
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الآله وإن يشأ يبارك علي أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه عقبة بن الحرث فقتله وبعث قريش إلى عاصم ليأتوا بشيء من جسده بعد موته وكان قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء هكذا في صحيح البخاري وسنن أبي داود
قوله : " عينا " العين الجاسوس على ما في القاموس وغيره وفيه مشروعية بعث الأعيان
وقد أخرج مسلم وأبو داود من حديث أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث بسبسة عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان " قوله " بالهدأة " بفتح الهاء وسكون الدال المهملة لعدها همزة مفتوحة كذا للأكثر وللكشميهني بفتح الدال وتسهيل الهمزة . وعند ابن اسحاق الهدة بتشديد الدال بغير ألف قال على سبعة أميال من عسفان
قوله : " لبني لحيان " هم قبيلة معروفة اسم أبيهم لحيان بكسر اللام وقيل بفتحها وسكون المهملة وهو ابن هذيل بن مكدرة بن الياس بن مضر
قوله : " فنفروا لهم " أي أمروا جماعة منهم أن ينفروا إلى الرهط المذكورين
قوله : " الفدفد " بفائين ودالين مهملتين الموضع الغليظ المرتفع
قال في مختصر النهاية هو المكان المرتفع
قوله : " خبيب " بضم الخاء المعجمة وفيح الموحدة وسكون التحتية وآخره موحدة أيضا وهو ابن عدي من الأنصار . قوله " دئنة " بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة بعدها نون واسمه زيد
قوله : " ورجل آخر " هو عبد الله بن طارق وعالجوه أي مارسوه والمراد أنهم خادعوه ليتبعهم فأبى . والاستحداد حلق العانة . والقطف العنقود وهو اسم لكل ما تقطفه . والشلو العضو من الإنسان . والممزع بتشديد الزاي بعدها مهملة المفرق والظلة الشيء المظل من فوق . والدبر بتشديد الدال السكون الباء وبعدها راء مهملة جماعة النحل
وقد استدل المصنف رحمه الله تعالى بهذا الحديث على أنه يجوز لمن لم يقدر على المدافعة ولا أمكنه الهرب أن يستأسر وهكذا ترجم البخاري على هذا الحديث باب هل يستأسر الرجل ومن لم يستأسر أي هل يسلم نفسه للأسر أم لا . ووجه الاستدلال بذلك أنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنكر ما وقع من الثلاثة المذكورين من الدخول تحت أسر الكفار ولا أنكر ما وقع من السبعة المقتولين من الإصرار على الامتناع من الأسر ولو كان ما وقع من إحدى الطائفتين غير جائز لأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بعدم جوازه وأنكره فدل ترك الإنكار على أنه يجوز لمن لا طاقة له بعدوه أن يمتنع من الأسروأن يستأسر

باب الكذب في الحرب

1 - عن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من لكعب ابن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله قال محمد بن مسلمة أتحب أن أقتله يا رسول الله قال نعم قال فأذن لي فأقول قال قد فعلت قال فأتاه فقال إن هذا يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد عنانا وسألنا الصدقة قال وأيضا والله قال فإنا اتبعناه فنكره أن ندعه حتى ننظر إلى ما يصير أمره قال فلم يزل يكلمه حتى استمكن منه فقتله "
- متفق عليه

2 - وعن أم كلثوم بنت عقبة " قالت لم أسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرخص في شيء من الكذب مما تقول الناس إلا في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

- ححديث جابر هو في بعض الروايات كما ساقه المصنف مختصرا وفي بعضها أنه قال له بعد قوله حتى تنظر إلى ما يصير إليه أمره قد أردت أن تسلفني سلفا قال فما ترهنني ترهنني نساؤكم قال أنت أجمل العرب أترهنك نساءنا قال فترهنون أبناءكم قال يسب ابن أحدنا فيقال رهن في وسق أو ويقين من تمر ولكن ترهنك اللامة يعني السلاح قال نعم وواعده أن يأتيه بالحرث وأبي عبس بن جبر وعباد بن بشر قال فجاءوا فدعوه ليلا فنزل إليهم فقالت له امرأته أني لا أسمع صوتا كأنه صوت الدم فقال إنما هو محمد إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه فإذا استمكنت منه فدونكم قال فنزل وهو متوشح فقالوا نجد منك ريح الطيب فقال نعم فتحتي فلانة أعطر نساء العرب فقال محمد أفتأذن لي أن أشم منك قال نعم فشم ثم قال أتأذن لي أن أعود قال نعم فاستمكن منه ثم قال دونكم فقتلوه . أخرجه الشيخان وأبو داود . وحديث أم كلثوم هو أيضا في صحيح البخاري في كتاب الصلح منه ولكنه مختصر
وقد ورد في معنى حديث أم كلثوم أحاديث أخر منها حدبث أسماء بنت يزيد عند الترمذي قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " يا أيها الناس ما يحملكم أن تتابعوا على الكذب كتتابع الفراض في النار الكذب كله على ابن آدم حرام إلا في ثلاث خصال رجل كذب على امرأة ليرضيها ورجل كذب في الحرب فإن الحرب خدعة ورجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما والتتابع التهافت في الأمر " والفراش الطائر الذي يتواقع في ضوء السراج فيحترق
وأخرج مالك في الموطأ عن صفوان بن سليم الزرقي أن رجلا قال يا رسول الله أكذب امرأتي فقال صلى الله عليه وآله وسلم لا خير في الكذب قال فاعدها وأقول لها فقال صلى الله عليه وآله وسلم لا جناح عليك
وأخرج أحمد وابن حبان والحاكم وصححاه من حديث أنس في قصة الحجاج بن علاط استئذانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة وأذن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم واخباره لأهل مكة أن أهل خيبر هزموا المسلمين
وأخرج الطبراني في الأوسط " الكذب كله أثم إلا ما نفع به مسلم أو دفع به عن دين " وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات ثنتين في كتاب الله تعالى قوله أني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وواحدة في شأن سارة " الحديث
قوله : " فأذن لي فأقول " أي أقول مالا يحل في جانبك
قوله : " عنانا " بفتح العين المهملة وتشديد النون الأولى أي كلفنا بالأوامر والنواهي
قوله : " سألنا الصدقة " أي طلبها منا ليضعها : وقوله " فنكره أن ندعه " إلى آخر معناه نكره فراقه ( والحديث ) المذكور قد استدل به على جواز الكذب في الحرب وكذلك بوب عليه البخاري باب الكذب في الحرب
قال ابن المنير الترجمة غير مطابقة لأن الذي وقع بينهم في قتل كعب ابن الأشرف يمكن أن يكون تعريضا ثم ذكر أن الذي وقع في حديث الباب ليس فيه شيء من الكذب وأن معنى ما في الحديث هو ما ذكرناه في تفسير ألفاظه وهو صدق قال الحافظ والذي يظهر أنه لم يقع منهم يما قالوه شيء من الكذب أصلا وجميع ما صدر منهم تلويح كما سبق لكن ترجم يعني البخاري لقول محمد بن مسلمة أولا ائذن لي أن أقول قال قل فإنه يدخل فيه الأذن في الكذب تصريحا وتلويحا
قوله : " إلا في الحرب " الخ قال الطبري ذهبت طائفة إلى جواز الكذب لقصد الإصلاح وقالوا إن الثلاث المذكورة كالمثال وقالوا إن الكذب المذموم إنما هو فيما فيه مضرة وليس فيه مصلحة وقال آخرون لا يجوز الكذب في شيء مطلقا وحملوا الكذب المراد هنا على التورية والتعريض كمن يقول للظالم دعوت لك أمس وهو يريد قوله اللهم أغفر للمسلمين وبعد امرأته بعطية شيء ويريد أن قدر الله ذلك وأن يظهر من نفسه قوة قلب وبالأول جزم الخطابي وبالثاني خزم المهلب والأصلي وغيرهما
قال النووي الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى
وقال ابن العربي الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما ما انقلب حلالا انتهى . ويقوي ذلك حديث الحجاج بن علاط المذكور ولا يعارض ما ورد في جواز الكذب في الأمور المذكورة ما أخرجه النسائي من طريق مصعب بن سعد عن أبيه في قصة عبد الله بن أبي سرح وقول الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كف عن بيعته هلا أو مأت إلينا بعينك قال ما ينبغي لنبي أن يكون له خائنة إلا عين لأن طريق الجمع بينهما أن المأذون فيه بالخداع والكذب في الحرب حالة الحرب خاصة
وأما حالة المبايعة فليست بحالة حرب كذا قيل وتعقب بأن قصة الحجاج بن علاط أيضا لم تكن في حال حرب
قال الحافظ والجواب المستقيم أن يقال المنع مطلقا من خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يتعاطى شيئا من ذلك وإن كان مباحا لغيره ولا يعارض ذلك ما تقدم من أنه كان إذا أراد غزور ورى بغيرها فإن المراد أنه كان يريد أمرا فلا يظهره كان يريد أن يغزو جهة الشرق فيسأل عن أمر في جهة المغرب ويتجهز للسفر فيظن من يراه ويسمعه أن يريد جهة المغرب وأما أنه يصرح بإرادته المغرب ومراده المشرق فلا
قال ابن بطال سألت بعض شيوخي عن معنى هذا الحديث فقال الكذب المباح في الحرب ما يكون في المعارض لا التصريح بالتأمين مثلا وقال المهلب لا يجوز الكذب الحقيقي في شيء من الدين أصلا قال ومحال أن يأمر بالكذب من يقول من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ويرده ما تقدم
قال الحافظت واتفقوا على إن المراد بالكذب في حق المراة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقا عليه أو عليها أو أخذ ماليس له أو لها وكذا في الحرب في غير التأمين واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار كما لو قصد ظالم قتل رجل هو مخنف عنده فله ان ينفي كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم انتهى وقال القاضي زكريا وضابط ما يباح من الكذب وما لا بياح أن الكلام وسيلة إلى المقصود فكل مقصود محمود أن أمكن التوصل إليه بالصدق فالكذب فيه حرام وإن لم يمكن إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا وواجب أن كان المقصود واجبا انتهى . والحق أن الكذب حرام كله بنصوص القرآن والسنة من غير فرق بين ما كان منه في مقصد محمود أو غير محمود ولا يستثنى منه إلا ما خصه الدليل من الأمور المذكورة في أحاديث الباب نعم إن صح ما قدمنا عن الطبراني في الأوسط كان من جملة المخصصات لعموم الأدلة القاضية بالتحريم على العموم

باب ما جاء في المبارزة

1 - عن أمير المؤمنين علي رضوان الله عليه " قال تقدم عتبة بن ربيعة ومعه ابنه وأخوه فنادى من يبارز فانتدب له شباب من الأنصار فقال من أنتم فأخبروه فقال لا حاجة لنا فيكم إنا أردنا بني عمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قم يا حمزة قم يا علي قم يا عبيدة بن الحرث فأقبل حمزة إلى عتبة وأقبلت إلى سيبة واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان فأثخن كل واحد منا صاحبه ثم ملنا إلى الوليد فقتلناه واحتملنا عبيدة "
- رواه أحمد وأبو داود

2 - وعن قيس بن عباد عن علي قال " أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن يوم القيامة قال قيس فيهم نزلت هذه الآية هذان خصمان اختصموا في ربهم قال هم الذين تبارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة بن الحرث وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة "
وفي رواية " أن عليا قال فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم هذان خصمان اختصموا في ربهم "
- رواهما البخاري

3 - وعن سلمة بن الأكوع " قال بارز عمي يوم خيبر مرحب اليهودي "
- رواه أحمد في قصة طويلة ومعناه لمسلم

- حديث علي الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وفي الباب عن أبي ذر عند الشيخين في ذكر المبارزة المذكورة مختصرا وأخرج ابن إسحاق في المغازي أن عليا بارز يوم الخندق عمرو بن عبد ود " ووصله الحاكم من حديث أنس بنحوه وأخرج ابن إسحاق أيضا في المغازي عن جابر قال " خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر قد جمع سلاحه وهو يرتجز فذكر الشعر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من لهذا فقال محمد بن مسلمة أنا يا رسول الله " فذكر الحديث والقصة ورواه أحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد والذي في صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع مطولا أنه بارزه علي وفيه " فخرج مرحب وهو يقول "
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
فقال علي عليه السلام
أنا الذي سمتن أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره
وضرب رأس مرحب فقتله
قال الحافظ في التلخيص إن الأخبار متواترة أن عليا هو الذي قتل مرحبا انتهى . ورواية سلمة التي ذكرها المصنف في الباب تدل على أن الذي بارز مرحبا هو عمه . ويمكن الجمع بأن يقال أن محمد بن مسلمة وكذلك عم سلمة بن الأكوع بارزاه أولا ولم يقتلا ثم بارزه علي آخرا فقتله ساقي مرحب فقطعهما ولم يجهز عليه فمر به علي فضرب عنقه وأعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمد بن مسلمة وروى الحاكم بسند منقطع فيه الواقدي أيضا أن أباد جانة قتله وجزم ابن إسحاق في السيرة أن محمد ين مسلمة هو الذي قتله قال الحافظ في التلخيص في باب قسمة الفيء والصحيح أن علي بن أبي طالب هو الذي قتله كما ثبت في صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع وفي مسند أحمد عن علي انتهى
وفي الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف أن عوفا ومعوذا ابني غفراء خرجا يوم بدر إلى البراز فلم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروى ابن إسحاق في المغازي أن عبد الله بن رواحة خرج يوم بدر إلى البراز هو ومعوذ وعوف ابنا عفراء وذكر القصة
قوله : " فانتدب له شباب من الأنصار " هم عبد الله بن رواحة ومعوذ وعوف ابنا عفراء كما بين ذلك ابن إسحاق في المغازي
قوله : " قم يا عبيدة بن الحرث " قال ابن إسحاق أن عبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة كانا أسن القوم فبرز عبيدة لعتبة وحمزة لشيبة وعلي للوليد وروى موسى بن عقبة أنه برز حمزة لعتبة وعبيدة لشيبة وهو المناسب لحديث الباب فقتل علي وحمزة من بارزاهما وأختلف عبيدة ومن بارزه بضربتين فوقعت الضربة في ركبة عبيدة فمات منها لما رجعوا بالصفراء ومال حمزة وعلي إلى الذي بارز عبيدة فأعاناه على قتله وفي الأحاديث التي ذكرها المصنف وذكرناها دليل على أنها تجوز المبارزة وإلى ذلك ذهب الجمهور والخلاف في ذلك للحسن البصري . وشرط الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق أذن الأمير كما في هذه الرواية فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذن للمذكورين
قوله : " فأثخن كل واحد منا صاحبه " لفظ أبي داود فأثخن كل واحد منهما صاحبه أي كل واحد من المذكورين وهما عبيدة والوليد ومعنى الرواية المذكورة في الباب أنه أثخن حمزة من بارزه وهو عتبة وأثخن علي من بارزه وهو شيبة ثم مالا إلى الوليد
قال في القاموس أثخن في العدو بالغ في الجراحة فيهم وفلانا أو هنه وحتى إذا أثخنتموهم أي غلبتموهم وكثر فيهم الجراح انتهى
قوله : " ثم ملنا إلى الوليد " فيه دليل على أنه يجوز أن تعين كل طائفة من الطائفتين المتبارزتين بعضهم بعضا

باب من أحب الإقامة بموضع النصر ثلاثا

1 - عن أنس عن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال "
- متفق عليه
وفي لفظ لأحمد والترمذي " بعرصتهم " وفي رواية لأحمد " لما فرغ من أهل بدر أقام بالعرصة ثلاثا "

- قوله " أقام بالعرصة " بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها صاد مهملة وهي البقعة الواسعة بغير بناء من دار أو غيرها ( وفي الحديث دليل ) على أنها تشرع الإقامة بالمكان الذي ظهر به حزب الحق على حزب الباطل ثلاث ليال
قال المهلب حكمة الإقامة لإراحة الظهر والأنفس وقال ابن الجوزي إنما كان ذلك لإظهار تأثير الغلبة وتنفيذ الأحكام وقلة الأحتفال بالعدو وكأنه يقول من كانت فيه قوة منكم فليرجع إلينا
وقال ابن المنير يحتمل أن يكون المراد أن تقع ضيافة الأرض التي وقعت فيها المعاصي بإيقاع الطاعة فيها بذكر الله تعالى واظهار شعار المسلمين وإذا كان ذلك في حكم الضيافة ناسب أن يقيم عليها ثلاثا لأن الضيافة ثلاث قال الحافظ ولا يخفى إن كان محله إذا كان في أمن من عدو طارق

باب أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين وإنها لم تكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

1 - عن عمرو بن عبسة " قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعير من المغنم فلما أخذ وبرة من جنب البعير ثم قال ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس والخمس مردود فيكم "
- رواه أبو داود والنسائي بمعناه

2 - وعن عبادة بن الصامت " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى بهم في غزونهم إلى بعير من المقسم فلما سلم قام إلى البعير من المقسم فتناول وبرة بين أنملتيه فقال إن هذا من غنائمكم وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم فأدوا الخيط والمخيط وأكبر من ذلك وأصغر "
- رواه أحمد في المسند

3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في قصة هوازن " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دنا من بعير فأخذ وبرة من سنامه ثم قال يا أيها الناس أنه ليس لي من هذا الفئ شيء ولاهذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم فأدوا الخيط والمخيط "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي ولم يذكر وأدوا الخيط والمخيط

- حديث عمرو بن عبسة سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وحديث عبادة بن الصامت أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وحسنه الحافظ في الفتح
قال المنذري وروى أيضا من حديث جبير بن مطعم والعرباض بن سارية انتهى . وحديث عمرو بن شعيب قد قدمنا الكلام على الأسانيد المروية عنه عن أبيه عن جده وقد أخرج هذا الحديث مالك والشافعي ووصله النسائي من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحسنه الحافظ في الفتح
قوله : " وبرة " بفتح الواو والباء الموحدة بعدها راء قال في القاموس الوبر محركة صوف الإبل والأرانب وتحوها الجمع أوبار
قوله : " والمخيط " هو ما يخاط به كالأبرة ونحوها وفيه دليل على التشديد في أمر الغنيمة وإنه لا يحل لأحد أن يكتم منها شيئا وإن كان حقيرا وسيأتي الكلام على ذلك في باب التشديد في الغلول ( وأحاديث ) الباب فيها دليل على أنه لا يأخذ الإمام من الغنيمة إلا الخمس ويقسم الباقي منها بين الغانمين والخمس الذي يأخذه أيضا ليس هو له وحده بل يجب عليه أن يرده على المسلمين علىحسب ما فصله الله تعالى في كتابه بقوله { واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } وروى الطبراني في الأوسط وابن مردوية في التفسير من حديث ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث سرية قسم وخمس الغنيمة فضرب ذلك الخمس في خمسة ثم قرأ واعلموا إنما غنمتم من شيء " الآية فجعل سهم الله وسهم رسوله واحدا وسهم ذوي القربى هو والذي قبله في الخيل والسلاح سهم اليتامى وسهم المساكين وسهم ابن السبيل لا يعطيه غيرهم ثم جعل الأربعة الأسهم الباقية للفرس سهمان ولراكبه سهم وللراجل سهم
وروى أيضا أبو عبيد في الأموال نحوه ( وفي أحاديث ) الباب أيضا دليل على أنه لا يستحق الإمام السهم الذي يقال له الصفي
واحتج من قال بأنه يستحقه بما أخرجه أبو داود عن الشعبي وابن سيرين وقتادة أنهم قالوا كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهم يدعى الصفى ولا يقوم بمثل هذا المرسل حجة
وأما اصطفاؤه صلى الله عليه وآله وسلم سيفه ذا الفقار من غنائم بدر فقد قيل أن الغنائم كانت له يومئذ خاصة فنسخ الحكم بالتخميس كما حكى ذلك صاحب البحر عن الإمام يحيى
وأما صفية بنت حيى بن أخطب فهي من خيبرو ولم يقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للغانمين منها إلا البعض فكان حكمها حكم ذلك البعض الذي لم يقسم على أنه قد روى أنها وقعت في سهم دحية بن خليفة الكلبي فأشتراها منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسبعة أرؤس
وقد ذهب إلى أن الإمام يستحق الصفي العترة وخالفهم الفقهاء وسيذكر المصنف رحمه الله الأدلة القاضية باستحقاق الإمام للصفي في باب مستقل سيأتي

باب أن السلب للقاتل وأنه غير مخموس

1 - وعن أبي قتادة قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة قال فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فاستدرت إليه شحتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقة وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقال ما للناس فقلت أمر الله ثم إن الناس رجعوا وجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه قال فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال مثل ذلك قال فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال ذلك الثالثة فقمت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مالك يا أبا قتادة فقصصت عليه القصة فقال رجل من القوم صدق يا رسول الله سلب ذلك القتيل عندي فأرضه من حقه فقال أبو بكر الصديق لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدق فأعطه إياه فأعطاني قال فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام "
- متفق عليه

2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم حنين من قتل رجلا فله سلبه فقتل أبو طلحة عشرين رجلا وأخذ أسلابهم "
- رواه أحمد وأبو داود وفي لفظ " من تفرد بدم رجل فقتله فله سلبه قال فجاء أبو طلحة بسلب أحد وعشرين رجلا " رواه أحمد

3 - وعن عوف بن مالك " أنه قال لخالد بن الوليد ما علمت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضي بالسلب للقاتل قال بلى "
- رواه مسلم

4 - وعن عوف وخالد أيضا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخمس السلب "
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث أنس سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح وتمامه " ولقي أبو طلحة أم سليم ومعها خنجر فقال يا أم سليم ما هذا معك قالت أردت والله إن دنا مني بعضهم أبعج به بطنه فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وأخرج قصة أم سليم مسلم أيضا . وحديث عوف وخالد أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يخمس السلب أخرجه أيضا ابن حبان والطبراني قال حافظ بعد ذكره في التلخيص ما لفظه وهو ثابت في صحيح مسلم في حديث طويل فيه قصة لعوف بن مالك مع خالد بن الوليد اه
وفيه نظر فإن هذا اللفظ الذي هو محل الحجة لم يكن في صحيح مسلم بل الذي فيه هو ما سيأتي قريبا وفي إسناد هذا الحديث إسماعيل بن عياش وفيه كلام معروف قد تقدم ذكره مرارا
قوله : " جولة " بفتح الجيم وسكون الواو أي حركة فيها اختلاط وهذه الجولة كانت قبل الهزيمة
قوله : " فرأيت رجلا من المشركين " قد علا رجلا من المسلمين " قال الحافظ لم أقف على اسميهما
قوله : " على حبل عاتقه " حبل العاتق عصبه والعاتق موضع الرداء من المنكب
قوله : " وجدت منها ريح الموت " أي من شدتها وأشعر ذلك بأن هذا المشرك كان شديد القوة جدا قوله " فأرسلني " أي أطلقني قوله " فحلقت عمر بن الخطاب " الخ في السياق حذف تبينه الرواية الأخرى من حديثه في البخاري وغيره بلفظ " ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب "
قوله : " أمر الله " أي حكم الله وما قضى به
قوله : " فله سلبه " السلب بفتح المهملة واللام بعدها موحدة هو ما يوجد مع المحارب من ملبوس وغيره عند الجمهور وعن أحمد لا تدخل الدابة وعن الشافعي يختص بأداة الحرب
وقد ذهب الجمهور أيضا إلى أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه أم لا . وذهبت العترة والحنفية والمالكية إلى أنه لا يستحقه القاتل إلا أن شرط له الإمام ذلك وروى عن مالك أنه يخير الإمام بين أن يعطى القاتل السلب أو يخمسه واختاره القاضي إسماعيل وعن إسحاق إذا كثرت الأسلاب خمست . وعن مكحول والثوري يخمس مطلقا وقد حكى عن الشافعي أيضا وحكاه في البحر عن ابن عمر وابن عباس والقاسمية . وحكى أيضا عن أبي حنيفة وأصحابه والشافعي والإمام يحيى أنه لا يخمس . وحكى أيضا عن علي مثل قول إسحاق ( واحتج ) القائلون بتخميس السلب بعموم قوله تعالى { واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه } الآية فإنه لم يستثن شيئا . واستدل من قال أنه لا خمس فيه بحديث عوف بن مالك وخالد المذكوز في الباب وجعلوه مخصصا لعموم الآية
قوله : " فقال رجل من القوم " قال الواقدي اسمه أسود من خزاعة
قال الحافظ وفيه نظر لأن في الرواية الصحيحة أن الذي أخذ السلب قرشي
قوله : " لاها الله " قال الجوهري ها للتنبيه وقد يقسم بها يقال لاها الله ما فعلت كذا
قال ابن مالك فيه شاهد على جواز الأستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه قال ولا يكون ذلك إلا مع الله أي لم يسمع لاها الرحمن كما سمع لا والرحمن قال وفي النطق بها أربعة أوجه . أحدها ها الله باللام بعد الهاء بغير إظهار شيء من الألفين . ثانيها مثله لكن بإظهار ألف واحده بغير همز كقولهم التقت حلقتا البطان . ثالثا ثبوت الألفين بهمزة قطع . رابعها بحذف الألف وثبوت همزة القطع اه
قال الحافظ والمشهور في الرواية من هذه الأوجه الثالث ثم الأول
وقال أبو حاتم السجستاني العرب تقول لا ها الله ذا بالهمزة والقياس ترك الهمزة . وحكى ابن التين عن الداودي أنه رواه برفع الله قال والمعنى يأبى الله وقال غيره إن ثبتت الرواية بالرفع فتكون ها للتنبيه والله مبتدأ ولا يعمد خبره ولا يخفى تكلفه
قال الحافظ وقد نقل الأئمة الاتفاق على الجر فلا يلتفت إلى غيره قال وأما إذا فثبت في جميع الروايات المعتمدة والأصول المحققة من الصحيحين وغيرهما بكسر الألف ثم ذال معجمة منونة
وقال الخطابي هكذا يروونه وإنما هو في كلامهم أي العرب لا ها الله ذا والهاء فيه بمنزلة الواو والمعنى لا والله يكون ذا ونقل عياض في المشارق عن إسماعيل القاضي أن المازني قال قول الرواة لا ها الله إذا خطأ والصواب لا ها الله ذا أي ذا يميني وقسمي
وقال أبو زيد ليس في كلامهم لا ها الله إذا وإنما هو لا ها الله ذا وذا صلة في الكلام والمعنى لا والله هذا ما أقسم به ومنه أخذ الجوهري فقال قولهم لا ها الله ذا معناه لا والله هذا ففرقوا بين حرف التنبيه والصلة والتقدير لا والله ما فعلت ذا وتوارد كثير ممن تكلم على هذا الحديث على أن الذي وقع في الحديث بلفظ إذا خطأ وإنما هو ذا تبعا لأهل العربية ومن زعم أنه ورد في شيء من الروايات خلاف ذلك فلم يصب بل يكون ذلك من إصلاح من قلد أهل العربية
وقد أختلف في كتابة إذا هذه هل تكتب بألف أو بنون وهذا الخلاف مبني على أنها اسم أو حرف قال الأصل فيمن قيل له سأجيء إليك فأجاب إذا أكرمك أي إذا جئتني أكرمك ثم حذف جئتني وعوض عنه التنوين وأضمرت أن فعلى هذا تكتب بالنون ومن قال هي حرف وهم الجمهور اختلف فمنهم من قال هي بسيطة وهو الراجح ومنهم من قال مركبة من إذ وأن فعلى الأولى تكتب بالألف وهو الراجح وبه وقع رسم المصاحف وعلى الثاني تكتب بنون واختلف في معناها فقال سيبويه معناها الجواب والجزاء وتبعه جماعة فقالوا هي حرف جواب يقتضي التعليل وأفاد أبو علي الفارسي أنها قد تتمحض للتعليل وأكثر ما تجيء جواب لو وأن ظاهرا أو مقدارا قال في الفتح فعلى هذا لو ثبتت الرواية بلفظ إذا لاختل نظم الكلام لأنه يصير هكذا لا والله إذا لا يعمد إلى أسد الخ وكان حق السياق أن يقول إذا يعمد أي لو أجابك إلى ما طلبت لعمد إلى أسد الخ وقد ثبتت الرواية بلفظ لا يعمد الخ فمن ثم أدعى من أدعى أنها تغيير ولكن قال ابن مالك وقع في الرواية إذا بألف وتنوين وليس ببعيد وقال أبو البقاء هو بعيد ولكن يمكن أن وجه بأن التقدير لا والله لا يعطى إذا ويكون لا يعمد الخ تأكيدا للنفي المذكور وموضحا للسبب فيه وقال الطيبي ثبتت في الرواية لا ها الله إذا فحمله بعض النحويين على أنه من تغيير بعض الرواة لأن العرب لا تستعمل لا ها الله بدون ذا وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذا لأنها حرف جزاء ومقتضى الجزاء أن لا يذكر لا في قوله لا يعمد بل كانوا يقولون إذا يعمد إلى أسد الخ ليصح جوابا لطالب السلب
قال والحديث صحيح والمعنى صحيح وهو كقولك لمن قال لك افعل كذا فقلت له والله لا أفعل فالتقدير والله إذا لا يعمد إلى اسد قال ويحتمل أن تكون إذا زائدة كما قال أبو البقاء أنها زائدة في قول حماسي . إذا لقام بنصري معشر خشن في جواب قوله . لو كنت من مازن لم تستبح إبلي
قال والعجب ممن يعتني بشرح الحديث ويقدم نقل بعض الأدباء على أئمة الحديث وجها بذاته وينسبون إليهم الغلط والتصحيف ولا أقول أن جهابذة المحدثين أعدل وأتقن في النقل إذ يقتضي المشاركة بينهم بل أقول لا يجوز العدول عنهم في النقل إلى غيرهم وقد سبقه إلى مثل ذلك القرطبي في المفهم فإنه قال وقع في رواية في مسلم لا ها الله ذا بغير ألف ولا تنوين وهو الذي جزم به من ذكرناه يعني من قدم النقل عنه من أئمة العرب قال والذي يظهر لي أن الرواية المسهورة صواب وليست بخطأ وذلك أن هذا الكلام وقع على جواب إحدى الكلمتين للأخرى والهاء هي التي عوض بها عن واو القسم وذلك ان العرب تقول في القسم الله لأفعلن بمد الهمزة وبقصرها فكأنهم عوضوا عن الهمزة هاء فقالوا ها الله لتقارب مخرجهما وكذلك قالوها بالمد والقصر وتحقيقه أن الذي مد مع الهاء كأنه نطق بهمزتين أبدل من إحداهما ألفا استثقالا لاجتماعهما كما يقول الله والذي قصر كأنه نطق بهمزة واحدة كما يقول الله
وأما " إذا " فهي بلا شك حرف جواب وتعليل وهي مثل التي وقعت في قوله صلى الله عليه وآله وسلم وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال " أينقص الرطب إذا جف " قالوا " نعم " قال " فلا إذا " قال فلا والله إذا لكان مساويا لما وقع هنا وهو لا ها الله إذا من كل وجه ولكنه لم يحتج هنا إلى القسم فتركه قال فقد وضح تقرير الكلام ومناسبته واستقامته معنى ووضعا من غير حاجة إلى تكلف بعيد يخرج عن البلاغة ولا سيما من أرتكب أبعد وأفسد فجعل الهاء للتنبيه وذا للإشارة وفصل بينهما بالقسم به وقال ليس هذا قياسا فيطرد ولا فصيحا فيحمل عليه الكلام النبوي ولا مرويا برواية ثابتة قال وما جدوى للعذرى وغيره في مسلم فإصلاح ممن اغتر بما حكى عن أهل العربية والحق أحق أن يتبع
قال في الفتح قال أبو جعفر الغرناطي في حاشية نسختهمن البخاري استرسل جماعة من القدماء في هذا الإشكال إلى أن جعلوا المخلص منه أن اتهموا الإثبات بالتصحيف فقالوا والصواب لا ها الله ذا باسم الإشارة قال ويا عجباه من قوم يقبلون التشكيك على الروايات الثابتة ويطلبون لها تأويلا وجوابهم أن ها الله لا يستلزم اسم إشارة كما قال أبو مالك وأما جعل لا يعمد جواب فأرضه فهو سبب الغلط وليس بصحيح من زعمه وإنما هو جواب شرط مقدر يدل عليه قوله صدق فأرضه فكان أبا بكر قال إذا صدق في أنه صاحب السلب إذ لا يعمد إلى السلب فيعطيك حقه فالجزاء على هذا صحيح لأن صدقه سبب أن لا يفعل ذلك قال وهذا لا تكلف فيه انتهى
قال الحافظ في الفتح وهو توجيه حسن والذي قبله أقعد ويؤيد ما رجحه من الاعتماد على ما ثبتت به الرواية كثرة وقوع هذه الجملة في كثير من الأحاديث منها ما وقع في حديث عائشة في قصة بريرة لما ذكرت أن أهلها يشترطون الولاء قالت فانتهرتها قالت لا ها الله إذا ومنها ما وقع في حديث جليبيب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب عليه امرأة من الأنصار إلى أبيها فقال حتى أستأمر أمها قال فنعم إذا قال فذهب إلى امرأته فذكر لها ذلك فقالت لا ها الله إذا وقد منعناها فلانا الحديث صححه ابن حبان من حديث أنس ومنها ما أخرجه أحمد في الزهد قال مالك بن دينار للحسن يا أبا سعيد أو ليست مثل عباءتي هذه قال لا ها الله إذا لا ألبس مثل عباءتك هذه وغير ذلك من الأحاديث والراجح أن إذا الواقعة في حديث الباب وما شابهه حرف جواب وجزاء والتقدير لا الله حينئذ ثم أراد بيان السبب في ذلك فقال لا يعمد إلى أسد الخ . قوله " لا يعمد " الخ معناه لا يقصد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة يقاتل عن دين الله ورسوله فيأخذ حقه ويعطيك بغير طيبة من نفسه هكذا ضبط للأكثر بالتحتانية في يعمد وفي يعطيك وضبطه النووي بالنون فيهما
قوله : " فيعطيك سلبه " أي سلب قتيله وأضافه إليه باعتبار أنه ملكه
قوله : " فابتعت به " ذكر الواقدي أن الذي اشتراه منه حاطب بن أبي بلتعة وأن الثمن كان سبع أواق قوله " مخرفا " بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء أي بستانا سمي بذلك لأنه يخترف منه التمر أي يجتني وأنا بكسر الميم فهو اسم الآلة التي يخترف بها
قوله : " في بني سلمة " بكسر اللام وهم بطن من الأنصار من قوم أبي قتادة
قوله : " تأثلته " بمثناة ثم مثلثة أي أصلته وأثلة كل شيء أصله
قوله : " من تفرد بدم رجل " فيه دليل على أنه لا يستحق السلب إلا من تفرد بقتل المسلوب فإن شاركه في ذلك غيره كان السلب لهما . قوله " لم يخمس السلب " فيه دليل لمن قال أنه لا يخمس السلب وقد تقدم الخلاف في ذلك

5 - وعن عوف بن مالك قال " قتل رجل من حمير رجلا من العدو فأراد سلبه فمنعه خالد بن الوليد وكان واليا عليهم فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عوف بن مالك فأخبره بذلك فقال خالد ما منعك أن تعطيه سلبه فقال استكثرته يا رسول الله قال ادفعه إليه فمر خالد بعوف فجر بردائه ثم قال هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستغضب فقال لا تعطه يا خالد هل أنتم تاركون لي أمرائي إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعا إبلا وغنما فرعاها ثم تحين سقيها فأوردها حوضا فشرت فيه فشربت صفوه وتركت كدره فصفوه لكم وكدره عليهم "
- رواه أحمد ومسلم
وفي رواية قال " خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة موتة ورافقني مددي من أهل اليمن ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فجعل الرومي يفري في المسلمين فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه فلما فتح الله عز و جل للمسلمين بعث إليه خال بن الوليد فأخذ السلب قال عوف فأتيته فقلت يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالسلب للقاتل قال بلى ولكن استكثرته قلت لتردنه إليه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد وذكر بقية الحديث بمعنى ما تقدم " رواه أحمد وأبو داود
وفيه حجة لمن جعل السلب المستكثر إلى الإمام وأن الدابة من السلب

6 - وعن سلمة بن الأكوع قال " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو ازن فبين نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه ثم انتزع طلقا من جعبته فقيد به الجمل ثم تقدم فتغدى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة من الظهر وبعضنا مشاة إذ خرج يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه فقعد عليه فأثاره به الجمل فأتبعه رجل على ناقة ورقاء قال سلمة فخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته فلما وضع ركبتيه في الأرض اخترط سيفي فضربت رأس الرجل فندر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس معه فقال من قتل الرجل فقالوا سلمة بن الأكوع قال له سلبه أجمع "
- متفق عليه

- قوله " رجل من حمير " هو المددي المذكور في الرواية الثانية
قوله : " لا تعطه يا خالد " فيه دليل على أن للإمام أن يعطي السلب غير القاتل لأمر يعرض فيه مصلحة من تأديب أو غيره
قوله : " هل أنتم تاركون لي أمرائي " فيه الزجر عن معارضة الأمراء ومغاضبته والشماتة بهم لما تقدم من الأدلة الدالة على وجوب طاعتهم في غير معصية الله
قوله : في " غزوة موتة " بضم الميم وسكون الواو بغير همز لأكثر الرواة وبه جزم المبرد ومنهم من همزها وبه جزم ثعلب والجوهري وابن فارس . وحكى صاحب الواعي الوجهين
وأما الموتة التي وردت الاستعاذة منها وفسرت بالجنون فهي بغير همز
قوله : " مددي " بفتح الميم ودالين مهملتين قال في النهاية الإمداد جمع مددوهم الأعوان والأنصار الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد ومددي منسوب إليه اه
قوله : " يفري " بفتح أوله بعده فاء ثم راء والفرى شدة النكاية فيهم يقال فلان يفري إذا كان يبالغ في الأمر وأصل الفري القلع قال في القاموس وهو يفري الفري كغني يأتي بالعجب في عمله اه
قوله : " فعرقب فرسه " أي قطع عرقوبها قال في القاموس عرقبه قطع عرقوبه اه
قوله : " فبينا نحن نتضحى " أي نأكل في وقت الضحى كما يقال نتغدى ذكر معنى ذلك في النهاية
قوله : " من جعبته " بالجيم والعين المهملة قال في النهاية الجعبة التي يجعل فيها النشاب والطلق بفتح اللام قيد من جلود
قوله : " له سلبه أجمع " فيه دليل على أن القاتل يستحق جميع السلب وإن كان كثيرا وعلى أن القاتل يستحق السلب في كل حال حتى قال أبو ثور وابن المنذر يستحقه ولو كان المقتول منهزما
وقال أحمد لا يستحقه إلا بالمبارزة وعن الأوزاعي إذا التقى الزحفان فلا سلب
وقد اختلف إذا كان المقتول امرأة هل يستحق سلبها القاتل أم لا فذهب أبو ثور وابن المنذر إلى الأول وقال الجمهور شرطه أن يكون المقتول من المقاتلة واتفقوا على أنه لا يقبل قول من ادعى السلب إلا ببينة تشهد له بأنه قتله والحجة في ذلك ما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه " فمفهومه أنه إذا لم يكن له بينة لا تقبل . وعن الأوزاعي يقبل قوله بغير بينة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه أبا قتادة بغير بينة وقد تقدم وفيه نظر لأنه وقع في المغازي الواقدي إن أوس بن خولي شهد لأبي قتادة وعلى تقدير أن لا يصح فيحمل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم بأنه القاتل بطريقة من الطرق وأبعد من قال من المالكية أن المراد بالبينة هنا الذي أقر له أن السلب عنده فهو شاهد والشاهد الثاني وجود المسلوب فإنه بمنزلة الشاهد على أنه قتله ولذلك جعل اوثا في باب القسامة وقيل إنما استحقه أبو قتادة بإقرار الذي هو بيده وهذا ضعيف لأن الإقرار إنما يفيد إذا كان المال منسوبا لمن بيده فيؤاخذ بإقراره والمال هنا لجميع الجيش . ونقل ابن عطية عن أكثر الفقهاء أن البينة هنا يكفي فيها شاهد واحد وقد اختلف في المرأة والصبي هل يستحقان سلب من قتلاه في ذلك وجهان قال الإمام يحيى أصحهما يستحقان لعموم من قتل قتيلا فله سلبه
قال في البحر وإنما يستحق السلب حيث قتله والحرب قائمة لا لو قتله نائما أو فارا قبل مبارزته أو مشغولا بأكل ولا لو لارماه بسهم إذ هو في مقابلة المخاطرة بالنفس ولا مخاطرة هنا ولا لو قتل أسيرا أو عزيلا عن السلاح ولا لو قتل من لا سطوة له كالمقعد والزمن فإن قطع يديه ورجليه استحق سلبه إذ قد كفى شره ولو جرحه رجل ثم قتله آخر فالسلب للآخر إذ لم يعط صلى الله عليه وآله وسلم ابن مسعود سلب أبي جهل وقد جرحه بل قاتليه من الأنصار قال فلو ضرب أحدهما يده والآخر رقبته فالسلب لضارب الرقبة إن لم تكن ضربة الآخر قاتلة وإلا اشتركا انتهى . والمراد بالسلب هو ما أجلب به المقتول من ملبوس ومركوب وسلاح لاما كان باقيا في بيته قال الإمام يحيى ولا المنطقة والخاتم والسوار والجنيب من الخيل فليس بسلب
قال المهدي بل المذهب أن كل ما ظهر على القتيل أو معه فهو سلب لا ما يخفي من جواهر أو دراهم أو نحوها والظظاهر من حديث الباب المؤكد بلفظ أجمع أنه يقال لكل شيء وجد مع المقتول وقت القتل سلب سواء كان مما يظهر أو يخفى واختلفوا هل يدخل الإمام في العموم إذ قال من قتل قتيلا فله سلبه فذهب أبو حنيفة والهادوية إلى الأول لعموم اللفظ إلا لقرينه مخصصة نحو أن يقول من قتل منكم وذهب الشافعي والمؤيد بالله في قول له أنه لا يدخل ومرجع هذا إلى المسألة المعروفة في الأصول وهي هل يدخل المخاطب في خطاب نفسه أم لا وفي ذلك خلاف معروف

7 - وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال " بينا أنا واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قال قلت نعم وما حاجتك إليه يا ابن ابن أخي قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال فعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه قال فابتدراه بسيفهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبراه فقال إياكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما سيفكما قالا لا فنظر في السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء "
- متفق عليه

8 - وعن ابن مسعود قال " نفلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر سيف أبي جهل كان قتله "
- رواه أبو داود ولأحمد معناه وإنما أدرك ابن مسعود أبا جهل وبه رمق فأجهز عليه روى معنى ذلك أبو داود وغيره
- حديث ابن مسعود هو من رواية ابنه أبي عبيدة عن أبيه عبد الله ابن مسعود أنه وجد أبا جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو صريع يذب الناس عنه بسيف له فأخذه عبد الله بن مسعود فقتله به فنفله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسلبه
قوله : " حديثة " أسنانهما بالجرصفة لغلامين وأسنانهما بالرفع
قوله : " بين أضلع منهما " من الضلاعة وهي القوة قال في النهاية معناه بين رجلين أقوى من اللذين كنت بينهما وأشد . ووقع في رواية الحموي بين أصلح منهما بالصاد والحاء المهملتين
قوله : " لا يفارق سوادي سواده " السواد بفتح السين المهملة وهو الشخص
قوله : " حتى يموت الأعجل منا " أي الأقرب أجلا وقيل أن لفظ الأعجل تصحيف وإنما هو الأعجر وهو الذي يقع في كلام العرب كثيرا قال في الفتح والصواب ما وقع في الرواية لوضوح معناه
قوله : " فنظر في السيفين " قال المهلب نظره صلى الله عليه وآله وسلم في السيفين واستلا له لهما ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار عمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسلب لمن كان في ذلك أبلغ ولذلك سألهما أولا هل مسحتما سيفكما أم لأنهما لو مسحاهما لما تبين المراد من ذلك
وقد استشكل ما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من القضاء بالسلب لأحدهما بعد حكمه بأن كلا منهما قتله حتى استدل بذلك من قال أن إعطاء السلب مفوض إلى رأي الإمام وقرره الطحاوي وغيره بأنه لو كان يجب للقاتل لكان السلب مستحقا بالقتل ولجعله بينهما لاشتراكهما في قتله فلما خص به أحدهما دل على أنه لا يستحق بالقتل وإنما يستحق بتعيين الإمام وأجاب الجمهور بأن في السياق دلالة على أن السلب يستحقه من أثخن في الجرح ولو شاركه غيره في الضرب أو الطعن قال المهلب وإنما قال كلا كما قتلته وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه لنطييب نفس الآخر
وقال الإسماعيلي أقول أن الأنصاريين ضرباه فأثخناه فبلغا به المبلغ الذي يعلم معه أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ وقد دل قوله كلا كما قتله على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة وإبانتها ولما لم يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت بجراحته حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في القتل إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه
وقد أخرج الحاكم من طريق ابن إسحاق حدثني ثور بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس قال ابن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال قال معاذ بن عمرو بن الجموح سمعتهم يقولون أبو جهل لا يخلص إليه فجعلته من شأني فعمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة اطنت قدمه وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي قال ثم عاش معاذ إلى وقت عثمان قال ومر بأبي جهل معوذ بن عفراو فضربه حتى أثبته وبه رمق ثم قال معوذ حتى قتل فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل لعنه الله فوجده بآخر رمق فذكر ما تقدم فقال في الفتح فهذا الذي رواه ابن إسحاق يجمع بين الأحاديث لكنه يخالف ما في الصحيح من حديث عبد الرحمن ابن عوف فإنه رأى معاذا ومعوذا شدا عليه جميعا طرحاه وابن إسحاق يقول إن ابن عفراء هو معوذ بتشديد الواو والذي في الصحيح معاذ فيحتمل أن يكون معاذ بن عفراء شد عليه مع معاذ بن عرو كما في الصحيح وضربه بعد ذلك معوذ حتى أثبته ثم حز رأسه ابن مسعود فتجتمع الأقوال كلها وإطلاق كونها قتلاه يخالف في الظاهر حديث ابن مسعود إنه وجده وبه رمق وهو محمول على أنهما بلغا به بضربهما إياه بسيفيهما منزلة المقتول حتى لم يبق له إلا مثل حركة المذبوح وفي تلك الحالة لقيه ابن مسعود فضرب عنقه
وأما ما وقع عند موسى بن عقبة وكذا عند أبي الأسود عن عروة إن ابن مسعود وجد أبا جهل مصروعا بينه وبين المعركة غير كثير متقنعا في الحديد واضعا سيفه على فخذه لا يتحرك منه عضو فظن عبد الله أنه ميت جراحا فأتاه من ورائه فتناول قائم سيف أبي جهل فاستله ورفع بعضد أبي جهل عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه فيحمل على أن ذلك وقع له بعد أن خاطبه بما تقدم
قوله : " والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ ابن عفراء " وقع في البخاري في الخمس أنهما ابنا عفراء فقيل إن عفراء أم معاذ واسم أبيه الحرث وأما معاذ بن عمرو بن الجموح فليس اسم أمه عفراء وإنما اطلق عليه تغليبا ويحتمل أن تكون أم معاذ أيضا تسمى عفراء وإنه لما كان لمعوذ أخ يسمى معاذا باسم الذي شركه في قتل أبي جهل " ظنه الراوي أخاهت
قوله : " نفلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر سيف أبي جهل يمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وآله وسلم نفل ابن مسعود سيفه الذي قتله به فقط وعلى ذلك يحمل قوله في رواية أحمد فنفلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسلبه جمعا بين الأحاديث

باب التسوية بين القوي والضعيف ومن قاتل ومن لم يقاتل

1 - عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر من فعل كذا وكذا فله من النفل كذا وكذا قال فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات فلم يبرحوا بها فلما فتح الله عليهم قال المشيخة كنا ردءا لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى فأبى الفتيان وقالوا جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا فأنزل الله عز و جل يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول إلى قوله عز و جل كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وأن فريقا من المؤمنين لكارهون يقول فكان ذلك خيرا لهم وكذلك هذا أيضا فاطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسواء "
- رواه أبو داود

2 - وعن عبادة بن الصامت قال " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله العدو فانطلقت طائفة في أثرهم يهزمون ويقتلون واكبت طائفة على الغنائم يحوونه ويجمعونه واحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن حويناها وجمعناها فليس لا حد فيها نصيب وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأحق منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فنزلت يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فواق بين المسلمين
وفي لفظ مختصر فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقسمه فينا على بواء يقول على السواء "
- رواه أحمد

3 - وعن سعد بن مالك قال " قلت يا رسول الله الرجل يكون حامية القوم أيكون سهمه وسهم غيره سواء قال ثكلتك أمك ابن أم سعد وهلى ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم "
- رواه أحمد

4 - وعن مصعب ابن سعد قال رأى سعدا له فضلا على من دونه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم "
- رواه البخاري والنسائي

5 - وعن الدرداء قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ابغوني ضعفاءكم فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه

- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا الحاكم وصححه أبو الفتح في الأقتراح على شرط البخاري . وحديث عبادة قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات انتهى
وأخرجه أيضا الطبراني وأخرج نحوه الحاكم عنه وحديث سعد ابن مالك في إسناده محمد بن راشد المكحولي قال في التقريب صدوق يهم . وحديث أبي الدرداء سكت عنه أبو داود وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وللنسائي زيادة تبين المراد من الحديث ولفظها قال نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما نصر هذه الأمة بضعفائها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم
قوله : " من النفل " بفتح النون والفاء زيادة يزادها الغازي على نصيبه من الغنيمة ومته نفل الصلاة وهو ما عدا الفرض وقال وفي القاموس النفل محركة الغنيمة والهبة والجمع أنفال ونفال اه
قوله : " ولزم المشيخة " بفتح الميم كما في شمس العلوم هو جمع شيخ ويجمع أيضا على شيوخ وأشياخ وشيخة وشيخان ومشايخ
قوله : " ردءا " بكسر الراء وسكون الدال بعد همزة هو العون والمادة على ما في القاموس . والمراد بقوله لفئتم أي رجعتم إلينا
قوله : " فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسواء " فيه دليل على أنها إذا انفردت منه قطعة فغنمت شيئا كانت الغنيمة للجميع
قال ابن عبد البر لا يختلف الفقهاء في ذلك أي إذا خرج الجيش جميعه ثم انفردت منه قطعة انتهى وليس المراد الجيش القاعد في بلاد الإسلام فإنه لا يشارك الجيش الخارج إلى بلاد العدو بل قال ابن دقيق العيدان المنقطع من الجيش عن الجيش الذي فيه الإمام ينفرد بما يغنمه قال وإنما قالوا هوبمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبا منهم يلحقهم عونه وغوثه لو احتاجوا انتهى
قوله : " فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فواق " أي قسمها بسرعة في قدر ما بين الحلبتين
وقيل المراد فضل في القسمة فجعل بعضهم أفوق من بعض على قدر عنايته
قوله : " على بواء " بفتح الموحدة والواو بعدها همزة ممدودة وهو السواء كما فسره المصنف رحمه الله
قوله : " حامية القوم " بالحاء المهملة قال في القاموس والحامية الرجل يحمي أصحابه والجماعة أيضا حامية وهو على حامية القوم أي آخر من يحميهم في مضيهم انتهى
قوله : " رأى سعد " أي ابن أبي وقاص وهو والد مصعب الراوي عنه
قال في الفتح وصورة هذه السياق مرسلة لأن مصعبا لم يدرك زمان القول لكنه محمول على أنه سمع ذلك من أبيه
وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيل فأخرج من طريق معاذ بن هانئ حديث محمد بن طلحة فقال فيه عن مصعب بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر المرفوع دون ما في أوله وكذا أخرجه هو والنسائي من طريق مسعر عن طلحة بن مصرف عن مصعب عن أبيه ولفظه " أنه ظن أن له فضلا على من دونه " الحديث . ورواه عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعا أيضا لكنه اختصره ولفظه " ينصر المسلمون بدعاء المستضعفين " أخرجه أبو نعيم في ترجمته في الحلية من رواية عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاتي عن عمرو بن مرة وقال غريب من حديث عمرو تفرد به عبد السلام والمراد بقوله " رأى سعد " أي ظن كما هو رواية النسائي
قوله : " على من دونه " أي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما هو مصرح به في رواية النسائي أيضا وسبب ذلك ماله من الشجاعة والإقدام في ذلك الموطن
قوله : " هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم " قال ابن بطال بأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء وأكثر خشوعا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق تزخرف الدنيا
وقال المهلب أراد صلى الله عليه وآله وسلم بذلك حض سعد على التواضع ونفي الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حالة
وقد روى عبد الرزاق من طريق مكحول في قصة سعد هذه زيادة مع إرسالها فقال " قال سعد يا رسول الله أرأيت رجلا يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره " فذكر الحديث وعلى هذا فالمراد بالفضل إرادة الزيادة من الغنيمة فأعلمه صلى الله عليه وآله وسلم أن سهام المقاتلة سواء فإن كان القوى يترجح بفضل شجاعته فإن الضعيف يترجح بفضل دعائه واخلاصه
قوله : " ابغوني ضعفاءكم " أي طلبوا لي ضعفاءكم قال في القاموس بغيته أبغيه بغاء وبغى وبغية بضمهن وبغية بالكسر طلبته كابتغيته وتبغيته واستبغيته والبغية ما ابتغى كالبغية قال وابغاء الشيء طلبه له كبغاه اياه وكرماه أو أعانه على طلبه انتهى

باب جواز تنفيل بعض الجيش لبأسه وغنائه أو تحمله مكروها دونهم

1 - عن سلمة بن الأكوع وذكر قصة إغارة عبد الرحمن الفزاري على سرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستنقاذه منه قال " فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانخير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة قال ثم أعطاني رسول الله سهم الفارس وسهم الراجل فجعلها لي جميعا "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

2 - وعن سعد بن أبي وقاص " قال جئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر بسيف فقلت يا رسول الله إن الله قد شفى صدري اليوم من العدو فهب لي هذا السيف فقال إن هذا السيف ليس لي ولا لك فذهبت وأنا أقول يعطاه اليوم من لم يبل بلائي فبينا أنا إذ جاءني رسول الله فقال أجب فظننت أنه نزل في شئ بكلامي فجئت فقال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنك سألتني هذا السيف وليس هو لي ولا لك وأن الله قد جعله لي فهو لك ثم قرأ { يسئلونك عن الأنفال قد الأنفال لله والرسول } إلى آخر الآية "
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث سعد بن أبي وقاص عمزاه المنذري في مختصر السنن إلى مسلم والترمذي والنسائي وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه
قوله : " عبد الرحمن الفزاري " هو ابن عيينة بن حصن . وعن ابن إسحاق أن رأس القوم الذين أغاروا على السرح هو عيينة بن حصن
قوله : " سرح " بفتح السين المهملة وسكون الراء بعدها حاء مهملة
قال في القاموس السرح المال السائم وسوم المال كالسروح واسامتها كالتسريح انتهى . ولفظ البخاري " كانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترعى " واللقاح بكسر اللام وتخفيف القاف ثم مهملة ذوات الدر من الأبل واحدتها لقحة بالكسر وبالفتح أيضا واللقوح الحلوب وذكر ابن سعد أنها كانت عشرين لقحة قال وكان فيهم ابن أبي ذر وامرأته فأغار المشركون عليهم فقتلوا الرجل وأسروا المرأة والقصة مبسوطة في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما
قوله : " واستنقاذه " أي السرح منه أي من عبد الرحمن المذكور
قوله : " ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن ينفل بعض الجيش ببعض الغنيمة إذا كان له العناية والمقاتلة ما لم يكن لغيره
وقال عمرو بن شعيب ذلك مختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم دون من بعده وكره مالك أن يكون بشرط من أمير الجيش كأن يحرض على القتال ويعد بأن ينفل الربع أو الثلث قبل القسمة أو نحو ذلك لأن القتال حينئذ يكون للدنيا فلا يجوز قال في الفتح وفي هذا رد على من حكى الإجماع على مشروعيته وقد اختلف العلماء هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو مما عدا الخمس على أقوال . واختلفت الرواية عن الشافعي في ذلك فروى عنه أنه من أصل الغنيمة وروى عنه أنه من الخمس وروى عنه أنه من خمس الخمس والأصح عند الشافعية أنه من خمس الخمس ونقله منذر بن سعيد عن مالك وهو شاذ عندهم وسيأتي في الباب الذي بعد هذا ما يرد هذا القول
وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم النفل من أصل الغنيمة و إلى ذلك ذهبت الهادوية وقال مالك وطائفة لا نفل إلا من الخمس
قال الخاطبي أكثر ما روي من الأخبار يدل على ان النفل من أصل الغنيمة
قال ابن عبد البر إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة وإن إنفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث وسيأتي بيان الخلاف في المقدار الذي يجوز تنفيله

باب تنفيل الجيش عليه واشتراكهما في الغنائم

1 - عن حبيب بن سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفل الربع بعد الخمس في بدأته ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته "
- رواه أحمد وأبو داود

2 - وعن عبادة بن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي

3 - وفي رواية " كان إذا غاب في أرض الغدو نفل الربع وإذا أقبل راجعا وكل الناس نفل الثلث وكان يكره الأنفال ويقول ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم "
- رواه أحمد

- حديث حبيب أخرجه أيضا ابن ماجه وصححه ابن الجارود وابن حبان والحاكم وقد رواه أبو داود عنه من طرق ثلاث منها عن مكحول بن عبد الله الشامي قال " كنت عبدا بمصر لامرأة من بني هذيل فأعتقتني فما خرجت من مصر وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ثم أتيت الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلا حويته فيما أرى ثم أتيت العراق فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ثم أتيت الشام فغربلتها كل ذلك أسأل عن النفل فلم أجد أحدا يخبرني فيه بشيء حتى لقيت شيخا يقال له زياد بن جارية التميمي فقلت له هل سمعت عن النفل شيئا قال نعم سمعت حبيب بن مسلم الفهري يقول شهدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة قال المنذري وأنكر بعضهم أن يكون لحبيب هذا صحبة وأثبتها له غير واحد وقد قال في حديثه شهدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكنيته أبو عبد الرحمن فكان يسمي حبيبا الرومي لكثرة مجاهدته الروم انتهى . وولاه عمر بن الخطاب أعمال الجزيرة وأذربيجان وكان فاضلا مجاب الدعوة وهو بالحاء المهملة المفتوحة بموحدتين بينهما مثناة تحتية . وحديث عبادة بن الصامت صححه أيضا ابن حبان ( وفي الباب ) عن معن بن يزيد قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا نفل غلا بعد الخمس " رواه أحمد وأبو داود وصححه الطحاوي
قوله : " نفل الربع بعد الخمس في بدأته " الخ
قال الخطابي البدأة ابتداء السفر للغزو وإذا نهضت سرية من جملة العسكر فإذا أوقعت بطائفة من العدو فما غنموا كان لهم فيه الربع ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه فإن قفلوا من الغزوة ثم رجعوا فأوقعوا بالعدو ثانية كان لهم مما غنموا الثلث لأن نهوضهم بعد القفل أشق لكون العدو على حذر وحزم انتهى . ورواية أحمد المذكورة في حديث عبادة تدل على أن تنفيل الثلث لأجل ما لحق الجيش من الكلال وعدم الرغبة في القتال لا لكون العدو أخذ حذره منهم
قوله : " بعد الخمس " فيه دليل على أنه يجب تخميس الغنيمة قبل التنفيل وكذلك حديث معن الذي ذكرناه ( وفي الحديثين ) أيضا دليل على أنه يصح أن يكون النفل زيادة على مقدار الخمس وفيه رد على من قال أنه لا يصح التنفيل غلا من الخمس أو خمس الخمس وقد تقدم بيان القائل بذلك وسيأتي تفصيل الخلاف في المقدار الذي يجوز التنفيل إليه

4 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش والخمس في ذلك كله واجب "

5 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية قبل نجد فخرجت فيها فبلغت سهماننا إثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعيرا بعيرا "
- متفق عليهما
وفي رواية قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية قبل نجد فأصبنا نعما كثيرا فنفلنا أميرنا بعيرا بعيرا لكل إنسان ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيننا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا إثني عشر بعيرا بعد الخمس وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالذي أعطانا صاحبنا ولا عاب عليه ما صنع فكان لكل رجل منا ثلاثة عشر بعيرا بنفله " . رواه أبو داود

6 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم يرد مشدهم على مضعفهم ومتسريهم على قاعدهم "
- رواه أبو داود وقال أحمد في رواية أبي طالب قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " السرية ترد على العسكر والعسكر يرد على السرية "

- حديث عنرو بن شعيب أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر مطولا . ورواه ابن ماجه من حديث معقل بن يسار مختصرا . ورواه الحاكم عن أبي هريرة مختصرا أيضا . ورواه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث علي زقد تقدم في أول كتاب الدماء
قوله : " والخمس في ذلك كله واجب " فيه دليل على أنه يجب تخميس النفل ويدل على ذلك أيضا حديث حبيب بن مسلمة المتقدم فإن فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم نفل الربع بعد الخمس ونفل الثلث بعد الخمس وكذلك حديث معن الذي تقدم قريبا بلفظ " لا نفل إلا بعد خمس "
قوله : " قبل نجد " بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهنها قوله " فبلغت سهماننا " أي أنصباؤنا والمراد أنه بلغ نصيب كل واحد هذا القدر وتوهم بعضهم أن ذلك جميع الأنصباء
قال النووي وهو غلط . قوله " إثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعيرا بعيرا " هكذا وقع في الرواية
وفي رواية أخرى للبخاري إثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا وقد وقع بيان هذا الشك في غيره من الروايات المذكورة بعضها في الباب
وفي رواية لأبي داود " فكان سهمان الجيش إثني عشر بعيرا ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا فكان سهامهم إثني عشر بعيرا " وأخرج ابن عبد البر من هذا الوجه أن ذلك الجيش أربعة آلاف
قوله : " ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ فيه دليل على أن الذي نفلهم هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد وقع الخلاف بين الرواة في القسم والتنفيل هل كانا جميعا من أمير ذلك الجيش أو من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أحدهما من أحدهما فهذه الرواية صريحة أن الذي نفلهم هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ورواية أبي داود المذكورة بعدها مصرحة بأن الذي نفلهم هو الأمير . ورواية ابن إسحاق مصرحة أن التنفيل كان من الأمير والقسم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وظاهر رواية مسلم من طريق الليث عن نافع أن ذلك صدر من أمير الجيش وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويمكن الجمع أن المراد بالرواية التي صرح فيها بأن المنفل هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه وقع منه التقرير قال النووي معناه أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجازت نسبته إلى كل منهما
وفي هذا التنفيل دليل على أنه يصح أن يكون التنفيل أكثر من خمس الخمس
قال ابن بطال وحديث الباب يرد على هذا القول معنى قول من قال أن التنفيل يكون من خمس الخمس لأنهم نفلوا نصف السدس وهو أكثر من خمس الخمس وقد زاده ابن المنير إيضاحا فقال لو فرضنا أنهم كانوا مائة لكان قد حصل لهم ألف ومائتا بعير ثم بين مقدار الخمس وخمسه وأنه لا يمكن أن يكون لكل إنسان منه بعير
قال ابن التين قد انفصل من قال من الشافعية بأن التنفيل من خمس الخمس بأوجه . منها أن الغنيمة لم تكن كلها أبعرة بل كان فيها أصناف أخر فيكون التنفيل وقع من بعض الأصناف دون بعض . ثانيها أن يكون نفلهم من سهمه من هذه الغزاة وغيرها فضم هذا إلى هذا فلذلك زادت العدة . ثالثها أن يكون نفل بعض الجيش دون بعض قال وظاهر السياق يرد هذه الاحتمالات قال وقد جاء أنهم كانوا عشرة وأنهم غنموا مائة وخمسين بعيرا فخرج منها الخمس وهو الثلاثون وقسم عليهم البقية فحصل لكل واحد إثنا عشر ثم نفلوا بعيرا بعيرا فعلى هذا يكون نفلوا ثلث الخمس وقد قدمنا عن ابن عبد البر أنه قال إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث انتهى
قال الحافظ في الفتح وهذا الشرط قال به الجمهور وقال الشافعي لا يتحدد بل هو راجع إلى ما يراه الإمام من المصلحة ويدل له قوله تعالى { قل الأنفال لله والرسول } ففوض إليه أمرها انتهى
وقد حكى صاحب البحر هذا الذي قال به الشافعي عن أبي حنيفة والهادي والمؤيد بالله . وحكي عن الأوزاعي أنه لا يجوز الثلث . وعن ابن عمر يكون بنصف السدس
قال الأوزاعي ولا ينفل من أول الغنيمة ولا ينفل ذهبا ولا فضة وخالفه الجمهور ولم يأت في الأحاديث الصحيحة ما يقضي بالأقتصار على مقدار معين ولا على نوع معين فالظاهر تفويض ذلك إلى رأي الإمام في جميع الأجناس
قوله : " المسلمون تتكافأ دماؤهم " هذا قد سبق شرحه في كتاب الدماء إلى قوله وهم يد على سواهم وقد ذكره المصنف هنالك من حديث علي
قوله : " يرد مشدهم على مضعفهم " أي يرد من كان له فضل قوة على من كان ضعيفا والمراد بالمتسري الذي يخرج في السرية وقد تقدم الكلام على هذا

باب بيان الصفي الذي كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسهمه مع غيبته

1 - عن يزيد بن عبد الله قال " كنا بالمربد إذ دخل رجل معه قطعة أديم فقرأناها فإذا فيها من محمد رسول الله إلى بني زهير بن أقيش إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأديتم الخمس من المغنم وسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسهم الصفي أنتم آمنون بأمان الله ورسوله فقلنا من كتب لك هذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود والنسائي

2 - وعن عامر الشعبي قال " كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم سهم يدعى الصفى إن شاء عبدا وإن شاء أمة وإن شاء فرسا يختاره قبل الخمس "

3 - وعن ابن عون قال " سألت محمدا عن سهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصفي قال كان يضرب له سهم مع المسلمين وإن لم يشهد والصفي يؤخذ له رأس من الخمس قبل كل شيء "
- رواهما أبو داود وهما مرسلان

4 - وعن عائشة قالت " كانت صفية من الصفي "
- رواه أبو داود

5 - وعن ابن عباس " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب

- حديث يزيد بن عبد الله سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح قال المنذري ورواه بعضهم عن يزيد بن عبد الله وسمى الرجل النمر بن تولب الشاعر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقال أنه ما مدح أحد ولا هجا أحدا وكان جوادا لا يكاد يمسك شيئا وأدرك الإسلام وهو كبير انتهى . ويزيد ابن عبد الله المذكور وهو ابن الشخير وحديث عامر الشعبي سكت عنه أيضا أبو داود ورجاله ثقات وهو مرسل وأخرجه أيضا النسائي . وحديث ابن عون سكت أيضا أبو داود ورجاله ثقات وهو مرسل كما قال المصنف لأن الشعبي وابن سيرين لم يدركا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخرجه أيضا النسائي . وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح وأخرجه ابن حبان والحاكم وصححه أيضا ويشهد له ما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن أبي عمرو بن أنس بن مالك قال " قدمنا خبير فلما فتح الله الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي وقد قتل زوجها وكانت عروسا فأصطفاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه فخرج بها حتى بلغا سد الصبهاء وحلت فبنى بها " ويعارضه ما أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أيضا قال صارت صفية لدحية الكلبي ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وما أخرجه أيضا مسلم وأبو داود من طريق ثابت البناني عنه قال وفع في صهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبعة أرؤس ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وبهيئها قال حماد يعني ابن زيد وأحسبه قال وتعتد في بيتها وهي صفية بنت حيي . وما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أنس أيضا من طريق عبد العزيز بن صهيب قال جمع السبى يعني بخيبر فجاء دحية فقال يا رسول الله أعطني جارية من السبى فقال اذهب فخذ جارية فأخذ صفية بنت حيي فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا نبي الله أعطيت دحية بنت حيي سيدة قريظة والنضير ما تصلح إلا لك قال أدعو بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له خذ جارية من السبى غيرها وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتقها وتزوجها . وبهذه الرواية يجمع بين الروايات المختلفة
وأما ما وقع من أن صلى الله عليه وآله وسلم أشتراها بسبعة أرؤس فلعل المراد أنه عوضه عنها بذلك المقدار وإطلاق الشراء على العوض على سبيل المجاز ولعله عوضه عنها جارية أخرى من قرابتها فلم تطب نفسه فأعطاه زيادة على ذلك سبعة أرؤس من جملة السبي
قال السهيلي لا معارضة بين هذه الأخبار فإنه أخذها من دحية قبل القسمة الذي عوضه عنه ليس على سبيل البيع
وقد أشار الحافظ في الفتح إلى مثل ما ذكرنا من الجمع والحكمة في استرجاعها من دحية أنه لما قيل له أنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها فإن في ذلك رضا الجميع وليس ذلك من الرجوع في الهبة في شيء وحديث ابن عباس المذكور في الباب قال الترمذي بعد إخراجه وتحسينه إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث أبي الزناد وأخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه قوله ذا الفقار بفتح الفاء قال في القاموس وذو الفقار بالفتح سيف العاص بن منبه قتل يوم بدر كافرا فصار إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم إلى علي انتهى
قوله : " وهو الذي رأى فيه الرؤيا " أي رأى أن فيه فلولا فعبره بقتل واحد من أهله فقتل حمزة بن عبد المطلب والقضية مشهورة والأحاديث المذكورة تدل على أن للإمام أن يختص من الغنيمة بشيء لا يشاركه فيه غيرة وهو الذي يقال له الصفي وقد قدمنا الخلاف في ذلك في باب أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين

باب من يرضخ له من الغنيمة

1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة وأما بسهم فلم يضرب لهن "

2 - وعنه أيضا " أنه كتب إلى نجدت الحروري سألت عن المرأة والعبد هل كانا لهما سهم معلوم إذا حضر الناس وأنه لم يكن لهما سهم معلوم إلا أن يحذيا من غنائم القول "
- رواهما أحمد ومسلم

3 - وعن ابن عباس " قال كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعطي المرأة والمملوك من الغنائم دون ما يصيب الجيش "
- رواه أحمد

4 - وعن عمير مولي آبي اللحم قال " شهدت خيبر مع سادتي فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بي فقلدت سيفا فإذا أنا أجره فأخبر أني مملوك فأمر لي بشيء من خرثي المتاع "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه

5 - وعن حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه " أنها خرجت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزوة خيبر سادس ست نسوة فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبعث إلينا فجئنا فرأينا فيه الغضب فقال مع من خرجتن وبإذن من خرجتن فقلنا يا رسول الله خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل الله ومعنا دواء للجرحى ونناول السهام ونسقي السويق قال قمن فانصرفن حتى إذا فتح الله عليه خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال قال فقلت لها يا جدة وما كان ذلك قالت تمرا "
- رواه أحمد وأبو داود

6 - وعن الزهري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه "
- رواه الترمذي وأبو داود في مراسيله

7 - وعن الأوزاعي قال " أسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصبيان بخيبر "
- رواه الترمذي ويحمل الإسهام فيه وفيما قبله على الرضخ

- حديث ابن عباس الأول والثاني أخرجهما أيضا أبو داود والترمذي وصححهما وحديث ابن عمير أخرجه أيضا ابن ماجه وصححه وزاد الترمذي بعد قوله " فأمر لي بشيء من خرثي المتاع " ما لفظه " وعرضت عليه رقية كنت أرقى بها المجانين فأمرني بطرح بعضها وحبس بعضها " . وحديث حشرج أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود وفي إسناده رجل مجهول وهو حشرج قال الحافظ في التلخيص
وقال الخطابي إسناده ضعيف لا تقوم به الحجة . وحديث الزهري رواه الترمذي عن قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن عروة بن ثابت عن الزهري قال الترمذي هذا حديث حسن غريب انتهى وهذا مرسل . وحديث الأوزاعي رواه الترمذي عن علي بن خرشم قال أخبرنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي ولفظه " أسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصبيان بخيبر وأسهم أئمة المسلمين لكل مولود ولد في الحرب وأسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للنساء بخيبر وأخذ بذلك المسلمون بعده " انتهى وهذا ايضا مرسل
قوله : " إلى نجدة الحروري " بفتح النون وسكون الجيم وبعدها دال مهملة وهو ابن عامر الحنفي الخارجي وأصحابه يقال لهم النجدات محركة . والحروري نسبة إلى حروراء وهي قرية بالكوفة
قوله : " يحذين " بالحاء المهملة والذال المعجمة أي يعطين قال في القاموس الحذوة بالكسر العطية انتهى
قوله : " آبي اللحم " هو اسم فاعل من أبى يأبي فهو أبى قال أبو داود قال أبو عبيدة كان حرم اللحم نفسه فسمي آبي اللحم
قوله : " من خرثى المتاع " بالخاء المعجمة المضمومة وسكون الراء المهملة بعدها مثلثه وهو سقطه
قال في النهاية هو أثاث البيت وقال في القاموس الخرثي بالضم أثاث البيت أو أردأ المتاع والغنائم
قوله : " وعن حشرج " بفتح الحاء المهملة وسكون الشين المعجمة وبعدها راء مهملة مفتوحة الجيم
قوله : " عن جدته " هي أم زياد الأشجعية وليس لها سوي هذا الحديث
قوله : " ونسقي السويق " هو شئ يعمل من الحنطة والشعير ( وقد اختلف ) أهل العلم هل يسهم للنساء إذا حضرت فقال الترمذي أنه لا يسهم لهن عند أكثر أهل العلم قال وهو قول سليمان الثوري والشافعي قال وقال بعضهم يسهم للمرأة والصبي وهو قول الأوزاعي
وقال الخطابي أن الأوزاعي قال يسهم لهن قال وأحسبه ذهب إلى هذا الحديث يعني حديث حشرج بن زياد واسناده ضعيف لا يقوم به حجة اه وقد حكي في البحر عن العترة والشافعية والحنفية انه لا يسهم للنساء والصبيان والذميين وعن مالك أنه قال لا أعلم العيد يعطى شيئا . وعن الحسن بن صالح أنه يسهم للعبد كالحر . وعن الزهري أنه يسهم للذمي لا للعبد والنساء والصبيان فيرضخ لهم وقال الترمذي بعد أن أخرج حديث عمير مولى آبي اللحم المذكور في الباب والعمل على هذا عند بعض أهل العلم أنه لا يسهم للمملوك ولكن يرضخ له بشئ وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق
وقال أيضا أن العمل عند بعض أهل العمل على أنه لا يسهم لأهل الذمة وإن قاتلوا مع المسلمين العدو ورأى بعض أهل العمل أنه يسهم لهم إذا شهدوا القتال مع المسلمين انتهى . والظاهر أنه لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد والذميين وما ورد من الأحاديث مما فيه أشعار بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسهم لاحد من هؤلاء فينبغي حمله على الرضخ وهو العطية القليلة جمعا بين الأحاديث وقد صرح حديث ابن عباس المذكور في أول الباب بما يرشد إلى هذا الجمع فإنه نفى أن يكون للنساء والعبيد سهم معلوم وأثبت الحذية وهكذا حديثه الآخر فإنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعطي المرأة والمملوك دون ما يصيب الجيش . وهكذا حديث عمير المذكور فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رضخ له بشيء من الأثاث ولم يسهم له فيحمل ما وقع في حديث حشرج من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسهم للنساء بخيبر على مجرد العطية من الغنيمة وهكذا يحمل ما وقع في مرسل الزهري المذكور من الإسهام للصبيان كما لمح إلى ذلك المصنف رحمة الله عليه

باب الإسهام للفارس والراجل

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه "
- رواه أحمد وأبو داود
وفي لفظ " أسهم للفرس سهمين وللرجل سهما " . متفق عليه
وفي لفظ " أسهم يوم حنين للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان وللرجل سهم " رواه ابن ماجه . وعن المنذر بن الزبير عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى الزبير سهما وأمه سهما وفرسه سهمين " رواه أحمد
وفي لفظ " قال ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر للزبير أربعة أسهم سهم للزبير وسهم لذي القربى لصفية أم الزبير وسهمين للفرس " رواه النسائي

3 - وعن أبي عمرة عن أبيه " قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة نفر ومعنا فرس فأعطى كل إنسان منا سهما وأعطى الفرس سهمين "
- رواه أحمد وأبو داود . واسم هذا الصحابي عمرو بن محصن

4 - وعن أبي رهم قال " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا وأخي ومعنا فرسان فأعطانا ستة أسهم أربعة أسهم لفرسينا وسهمين لنا "

5 - وعن أبي كبشة الأنماري قال " لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة كان الزبير على المجنبة اليسرى وكان المقداد على المجنبة اليمنى فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح الغبار عنهما وقال إني جعلت للفرس سهمين وللفارس سهما فمن نقصهما نقصه الله "
- رواهما الدار قطني

6 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسم لمائتي فرس بخيبر سهمين سهمين "

7 - وعن خالدا الحذاء قال " لا يختلف فيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم "
- رواهما الدارقطني

8 - وعن مجمع بن جارية الأنصاري قال " قسمت خيبر على أهل الحديبية فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ثمانية عشر سهما وكان الجيش ألفا وخمسمائة فيهم ثلثمائة فارس فأعطى الفارس سهمين والراجل سهما "
- رواه أحمد وأبو داود وذكر أن حديث ابن عمر أصح قال وأتى الوهم في حديث مجمع أنه قال ثلثمائة فارس وإنما كانوا مائتي فارس

- حديث ابن عمر له ألفاظ في الصحيحين وغيرهما غير ما ذكره المصنف وهو في الصحيحين من حديثه . وحديث أنس وحديث عروة بن الجعد البارقي وفي الباب عن أبي هريرة عند الترمذي والنسائي . وعن عتبة بن عبد عند أبي داود . وعن جرير عند مسلم وأبي داود . وعن جابر وأسماء بنت يزيد عند أحمد . وعن حذيفة عند أحمد والبزار وله طرق أخرى جمعها الدمياطي في كتاب الخيل
قال الحافظ وقد لخصته وزدت عليه في جزء لطيف . وحديث المنذر بن الزبير قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات وقد أخرج نحوه النسائي من طريق يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن جده وروى الشافعي من حديث مكحول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى الزبير خمسة أسهم لما حضر خيبر بفرسين وهو مرسل وقد روى الشافعي أيضا عن ابن الزبير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعط الزبير إلا لفرس واحدة وقد حضر يوم خيبر بفرسين وولد الرجل أعرف بحديثه ولكنه روى الواقدي عن عبد الملك بن يحيى عن عيسى بن معمر قال كان مع الزبير يوم خيبر فرسان فأسهم له النبي صلى الله عليه وآله وسلم خمسة أسهم وهذا المرسل يوافق مرسل مكحول لكن الشافعي كان يكذب الواقدي . وحديث أبي عمرة في إسناده المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود وفيه مقال وقد استشهد به البخاري . ورواه أبو داود أيضا من طريق أخرى عن رجل من آل أبي عمرة عن أبي عمرة وزاذ فكان للفارس ثلاثة اسهم . وحديث أبي رهم أخرجه أيضا أبو يعلى والطبراني وفي إسناده إسحاق بن أبي فروة وهو متروك . وحديث أبي كبشة أخرجه أيضا الطبراني وفي إسناده عبد الله بن يسر الحبراني وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور وبقية أحاديث الباب القاضية بأنه يسهم للفرس وصاحبه ثلاثة أسهم تشهد لها الأحاديث الصحيحة التي ذكرها المصنف وذكرناها
وأما حديث مجمع بن جارية فقال أبو داود حديث أبي معاوية أصح والعمل عليه ونعني به حديث ابن عمر المذكور في أول الباب قال وارى الوهم في حديث مجمع أنه قال ثلثمائة فارس وإنما كانوا مائتي فارس وقال الحافظ في الفتح أن في إسناده ضعفا ولكنه يشهد له ما أخرجه الدارقطني من طريق أحمد بن منصور الرمادي عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وابن نمير كلاهما عن عبيد الله ابن عمر بلفظ أسهم للفارس سهمين قال الدارقطني عن شيخه أبي بكر النيسابوري وهم فيه الرمادي أو شيخه وعلى فرض صحته فيمكن تأويله بأن المراد أسهم للفارس بسبب فرسه سهمين غير سهمه المختص به كما أشار إلى ذلك الحافظ
قال وقد رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ومسنده بهذا الإسناد فقال للفرس وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد له عن ابن أبي شيبة قال فكأن الرمادي رواه بالمعني
وقد أخرجه أحمد عن أبي أسامة وابن نمير معا بلفظ أسهم للفرس قال وعلى هذا التأويل يحمل ما رواه نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن عبيد الله مثل رواية الرمادي أخرجه الدارقطني وقد رواه علي بن الحسن بن شقيق وهو أثبت من نعيم عن ابن المبارك بلفظ أسهم للفرس وقيل إن إطلاق الفرس على الفارس مجاز مشهور ومنه قولهم يا خيل الله اركبي كما ورد في الحديث ولا بد من المصير إلى تأويل حديث مجمع وما ورد في معناه لمعارضته للأحاديث الصحيحة الثابتة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما كما تقدم وقد تمسك أبو حنيفة وأكثر العترة بحديث مجمع الذكور وما ورد في معناه فجعلوا للفارس وفرسه سهمين وقد حكى ذلك عن علي وعمر وأبي موسى . وذهب الجمهور إلى أنه يعطي الفرس سهمين والفارس سهما والراجل سهما
قال الحافظ في الفتح والثابت عن عمر وعلي كالجمهور وحكى في البحر عن علي وعمر والحسن البصري وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز وزيد بن علي والباقر والناصر والإمام يحيى ومالك والشافعي والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد وأهل المدينة وأهل الشام أنه يعطى الفارس وفرسه ثلاثة سهام واحتج لهم ببعض أحاديث الباب ثم أجاب عن ذلك فقال قلت يحتمل أن الثالث في بعض الحالات تنفيل جمعا بين الأخبار انتهى . ولا يخفى ما في هذا الاحتمال من التعسف وقد أمكن الجمع بين أحاديث الباب بما أسلفنا وهو جمع نير دلت عليه الأدلة التي قدمناها وقد تقرر في الأصول أن التأويل في جانب المرجوح من الأدلة لا الراجح والأدلة القاضية بأن للفارس وفرسه سهمين مرجوحة لا يشك في ذلك من له أدنى إلمام بعلم السنة وقد نقل عن أبي حنيفة أنه أحتج لما ذهب إليه بأنه يكره أن تفضل البهيمة على المسلم وهذه حجة ضعيفة وشبه ساقطة ونصبها في مقابلة السنة الصحيحة المشهورة مما لا يليق بعالم وأيضا السهام في الحقيقة كلها للرجل لا للبهيمة وأيضا قد فضلت الحنفية الدابة على الإنسان في بعض الأحكام فقالوا لو قتل كلب صيد قيمته أكثر من عشرة آلاف درهم وقد استدل للجمهور في مقابلة هذه الشبهة بأن الفرس تحتاج إلى مؤنة لخدمتها وعلفها وأنه يحصل بها من الغناء في الحرب ما لا يخفى وقد اختلف فيمن حضر الوقعة بفرسين فصاعدا هل يسهم لكل فرس أم لفرس واحدة فروي عن سليمان بن موسى أنه يسهم لكل فرس سهمان بالغا ما بلغت
قال القرطبي في المفهم ولم يقل أحد أنه يسهم لأكثر من فرسين إلا ما روي عن سليمان بن موسى وحكي في البحر عن الشافعية والحنفية والهادوية أن من حضر بفرسين أو أكثر أسمهم لواحد فقط وعن زيد بن علي والصادق والأوزاعي وأحمد بن حنبل وحكاه في الفتح عن الليث وأبي يوسف وأحمد وإسحاق أنه يسهم لفرسين لا أكثر قال الحافظ في التلخيص فيه أحاديث منقطعة أحدها عن الأوزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسهم للخيل ولا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس رواه سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش وهو معضل ورواه سعيد بن طريق الزهري أن عمر كتب إلى ابن أبي عبيدة أنه يسهم للفرس سهمين وللفرسين أربعة أسهم ولصاحبه سهما فذلك خمسة أسهم وما كان فوق الفرسين فهو جنائب
وروى الحسن عن بعض الصحابة قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقسم إلا لفرسين :
وأخرج الدارقطني بإسناد ضعيف عن أبي عمر قال أسهم لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفرسي أربعة ولي سهما . فأخذت خمسة وقد قدمنا اختلاف الرواية في حضور الزبير يوم خيبر بفرسين هل أعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرس واحدة أو سهم فرسين والإسهام للدواب خاص بالأفراس دون غيرها من الحيوانات قال في البحر مسألة ولا يسهم لغير الخيل من البهائم اجماعا إذ لا ارهاب في غيرها ويسهم للبرذون والمقرف والهجين عند الأكثر وقال الأوزاعي لا يسهم للبرذون

باب الإسهام لمن غيبه الأمير في مصلحة

1 - إن ابن عمر " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام يعني يوم يدر فقال إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله وأنا أبايع له فضرب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره "
- رواه أبو داود

2 - وعن ابن عمر قال " لما تغيب عثمان عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت مريضة فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن لك أجر رجل وسهمه "
- رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه

- حديث ابن عمر الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده موثقون قوله " وأنا أبايع له " في رواية للبخاري " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده اليمنى " أي أشار بها وقال " هذه يد عثمان " أي بدلها " فضرب بها على يده اليسرى فقال هذه - أي البيعة - لعثمان " أي عن عثمان
قوله : " وكانت مريضة " وأخرج الحاكم في المستدرك من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال " خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عثمان وأسامة بن زيد على رقية في مرضها لما خرج إلى بدر فماتت رقية حين وصل زيد بن خارثة بالبشارة وكان عمر رقية لما ماتت عشرين سنة
قال ابن إسحاق ويقال إن ابنها عبد الله بن عثمان مات بعدها سنة أربع من الهجرة وله ست سنين
وقد استدل بقصة عثمان المذكورة على أنه يسهم الإمام لمن كان غائبا في حاجة له بعصه لقضائها وأما من كان غائبا عن القتال لا لحاجة الإمام وجاء بعد الواقعة فذهب أكثر العترة والشافعي ومالك والأوزاعي والثوري والليث إلى أنه لا يسهم له وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يسهم لمن حضر قبل احرازها إلى دار الإسلام وسيأتي في باب ما جاء في المدد يلحق بعد تقضي الحرب ما استدل به أهل القول الأول وأهل القول الثاني

باب ما يذكر في الإسهام لتجار العسكر وأجرائهم

1 - عن خارجة بن زيد قال " رأيت رجلا سأل أبي عن الرجل يغزو ويشتري ويبيع ويتجر في غزوه فقال له إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتبوك نشتري ونبيع وهو يرانا ولا ينهانا "
- رواه ابن ماجه

2 - وعن يعلي ابن منية قال " أذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالغزو وأنا شيخ كبير ليس لي خادم فالتمست أجيرا يكفيني وأجري به سهمه فوجدت رجلا فلما دنا الرحيل أتاني فقال ما أدري ما السهمان وما يبلغ سهمي قسم لي شيئا كان السهم أو لم يكن فسميت له ثلاثة دنانير فلما حضرت غنيمة أردت أن أجري له سهمه فذكرت الدنانير فجئت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت أمره فقال ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى "
- رواه أبو داود
وقد صح أن سلم ابن الأكوع كان أجيرا لطلحة حين أدركه عبد الرحمن بن عيينة لما أغار على سرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سهم الفارس والراجل وهذا المعنى لأحمد ومسلم في حديث طويل . ويحمل هذا على أجير يقصد مع الخدمة الجهاد والذي قبله على من لا يقصده أصلا جمعا بينهما

- الحديث الأول في إسناده عند ابن ماجه سنيد بن داود المصيصي وهو ضعيف ويشهد له ما أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري عن عبيد الله بن سليمان أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حدثه قال لما فتحنا خيبر أخرجوا غنائمهم من المتاع والسبي فجعل الناس يتبايعون غنائمهم فجاء رجل فقال يا رسول الله لقد ربحت ربحا ما ربح اليوم مثله أحدج من أهل هذا الوادي فقال ويحك وما ربحت قال ما زلت أبيع وأبتاع حتى ربحت ثلاثمائة أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنبئك بخير رجل ربح قال ما هو يا رسول الله قال ركعتين بعد الصلاة فهذا الحديث وحديث خارجة المذكور فيهما دليل على جواز التجارة في الغزو وعلى أن الغازي مع ذلك يستحق نصيبه من المغنم وله الثواب الكامل بلا نقص ولو كانت التجارة في الغزو موجبة لنقصان أجر الغازي لبينه صلى الله عليه وآله وسلم فلما لم يبين ذلك بل قرره دل على عدم النقصان ويؤيد ذلك جواز الإتجار في سفر الحج لما ثبت في الحديث الصحيح أنه لما تحرج جماعة من التجارة في سفر الحج أنزلالله تعالى { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } . والحديث الثاني سكت عنه أيضا أبو داود والمنذري وأخرجه الحاكم وصححه وأخرجه البخاري بنحوه وبوب عليه باب الأجير وقد اختلف العلماء في الإسهام للأجير إذا استؤجر للخدمة فقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق لا يسهم له وقال الأكثر يسهم له واحتجوا بحديث سلمة الذي أشار إليه المصنف وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسهم له وأما إذا استؤجر الأجير ليقاتل فقالت الحنفية والمالكية لا سهم له وقال الأكثر له سهمه وقال أحمد لو استأجر الإمام قوما على الغزو لم يسهم لهم سوى الأجرة وقال الشافعي هذا فيمن لم يجب عليه الجهاد أما الحر البالغ المسلم إذا حضر الصف فإنه يتعين عليه الجهاد فيسهم له ولا يستحق أجرة وقال الثوري لا يسهم للأجير إلا إن قاتل وقال الحسن وابن سيرين يقسم للأجير من المغنم وهكذا رواه البخاري عنهما تعليقا ووصله عبد الرزاق عنهما بلفظ يسهم للأجير ووصله ابن أبي شيبة عنهما بلفظ العبد والأجير إذا شهدا القتال أعطوا من الغنيمة والأولي المصير إلى الجمع الذي ذكره المصنف رحمه الله فمن كان من الأجراء قاصدا للقتال استحق الإسهام من الغنيمة ومن لم يقصد فلا يستحق إلا الأجرة المسماة
قوله : " يعلى بن منية " هو يعلى بن أمية المشهور ومنية أمه وقد ينسب تارة إليها كما وقع في هذا الحديث . وقصة سلمة بن الأكوع من مقاتلته للقوم الذين أغاروا على سرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واسنتقاذه للسرح وقتل بعض القوم وأخذ بعض أموالهم قد تقدمت الإشارة إليها قريبا وهي قصة مبسوطة في كتب الحديث والسير فلا حاجة إلى إيرادها هنا بكمالها

باب ما جاء في المدد يلحق بعد تقضى الحرب

1 - عن أبي موسى قال " بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وإخوان لي أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم إما قال في بضعة وإما قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي قال فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده فقال جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثنا ههنا وأمرنا بالإقامة قال فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا أو قال أعطانا منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم
- متفق عليه

2 - وعن أبي هريرة " أنه حدث سعيد بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبان بن سعيد بن العاص على سرية من المدينة قبل نجد فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر بعد أن فتحها وإن حزم خيلهم ليف فقال أبان أقسم لنا يا رسول الله قال أبو هريرة فقلت لا تقسم لهم يا رسول الله قال أبان أنت بها يا وبر تحدر علينا من رأس ضال فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اجلس يا أبان ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود وأخرجه البخاري تعليقا

- قوله " بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ظاهره أنه لم يبلغهم شأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بعد الهجرة بمدة طويلة وهذا إذا أراد الهجرة بمدة طويلة وهذا إذا أراد بالمخرج البعثة وإن أراد الهجرة فيحتمل أن يكون بلغتهم الدعوة فأسلموا واقاموا ببلادهم إلى أن عرفوا بالهجرة فعزموا عليها وإنما تأخروا هذه المدة لعدم بلوغ الخبر إليهم بذلك وأما لعلهم بما كان المسلمون فيه من المحاربة مع الكفار فلما بلغتهم المهادنة أمنوا وطلبوا الوصول إليه
وقد روى ابن منده من وجه آخر عن أبي بردة عن أبيه " خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى جئنا إلى مكة أنا وأخوك وأبو عامر بن قيس وأبو رهم ومحمد بن قيس وأبو بردة وخمسون من الأشعريين وستة من عك ثم خرجنا في البحر حتى أتينا المدينة وصححه ابن حبان من هذا الوجه ويجمع ما بينه وبين ما في الصحيح أنهم مروا بمكة في حال مجيئهم إلى المدينة ويجوز أن يكونوا دخلوا مكة لأن ذلك كان حال الهدنة
قوله : " أنا وإخوان لي " زاد البخاري " أنا أصغرهم " واسم أبي بردة عامر وأبو رهم بضم الراء وسكون الهاء اسمه مجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر المهملة وتشديد التحتانية قال ابن عبد البر وجزم ابن حبان في الصحابة بأن اسمه محمد . وذكر ابن قانع أن جماعة من الأشعريين أخبروه وحققوا وكتبوا خطوطهم أن اسم أبي رهم مجيلة بكسر الجيم بعدها تحتانية خفيفة ثم لام ثم هاء
قوله : " أما قال في بضعة " الخ قد بين في الرواية المتقدمة أنهم كانوا خمسين من الأشعريين وهم قومه فلعل الزائد على ذلك هو أبو موسى وأخوته فمن قال اثنين أراد من ذكرهما في حديث الباب وهما أبو بردة وأبو رهم ومن قال ثلاثة أو أكثر فعلى الخلاف في عدد من كان معهمن أخوته
وأخرج البلاذري بسند له عن ابن عباس أنهم كانوا أربعين والجمع بينه وبين ما قبله بالحمل على الأصول والأتباع وقال ابن إسحاق كانوا ستة عشر رجلا وقيل أقل
قوله : " فوافقنا جعفر بن أبي طالب " أي بأرض الحبشة
وقد سمى ابن إسحاق من قدم مع جعفر فسرد أسماءهم وهم ستة عشر رجلا
قوله : " وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر " الخ فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يجتهد في الغنيمة ويعطى بعض من حضر من المدد دون بعض . فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أعطى من قدم مع جعفر ولم يعط غيرهم
وقد استدل به أبو حنيفة على قوله المتقدم أنهيسهم للمدد وقال ابن التين يحتمل أن يكون أعطاهم برضا بقية الجيش وبهذا جزم موسى بن عقبة في مغازيه ويحتمل أن يكون إنما أعطاهم من الخمس . وبهذا جزم أبو عبيد في كتاب الأموال ويحتمل أن يكون أعطاهم من جميع الغنيمة لكونهم وصلوا قبل القسمة وبعد حوزها وهو أحد الأقوال للشافعي
وقد احتج أبو حنيفة بإسهامه صلى الله عليه وآله وسلم لعثمان يوم بدر كما تقدم في باب الإسهام لمن غيبه الأمير في مصلحة . وأجيب عن ذلك بأجوبة منها أن ذلك خاص به وبمن كان مثله ومنها أن ذلك كان حيث كانت الغنيمة كلها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند نززول قوله تعالى { يسألونك عن الأنفال } ومنها أنه أ'طاه من الخمس على فرض أن يكون ذلك بعد فرض الخمس ومنها التفرقة بين من كان في حاجة تتعلق بمنفعة الجيش أو بإذن الإمام فيسهم له بخلاف غيره وهذا مشهور مذهب مالك وقال ابن بطال لم يقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غير من شهد الواقعة إلا في خيبر فهي مستثناة من ذلك فلا تجعل أصلا يقاس عليه فإنه قسم
لأصحاب السفينة لشدة حاجتهم وكذلك أعطى الأنصار عوض ما كانوا أعطوا المهاجرين عند قدومهم عليهم
وقال الطحاوي يحتمل أن يكون استطاب أنفس أهل الغنيمة بما أعطي الأشعريين وغيرهم ومما يؤيد أنه لا نصيب لمن جاء بعد الفراغمن القتال ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح وابن أبي شيبة أن عمر قال الغنيمة لمن شهد الواقعة
وأخرجه الطبراني والبيهقي مرفوعا وموقوفا وقال الصحيح موقوف
وأخرجه ابن عدي من طريق أخرى عن على موقوفا . ورواه الشافعي من قول أبي بكر وفيه انقطاع
قوله : " وإن حزم " بمهملة وزاي مضمومتين . وقوله ليف بكسر اللام وسكون التحتية بعدها فاء وهو معروف
قوله : " يا وير " بفتح الواو وسكون الموحدة دابة صغيرة كالسنور وحشية . ونقل أبو علي عن أبي حاتم أن بعض العرب يسمي كل دابة من حشرات الجبال وبرا
قال الخطابي أراد أبان تحقير أبي هريرة وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا بمنع وإنه قليل القدرة على القتال ومعنى قوله وأنت بها أي وأنت بهذا المكان والمنزلة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع كونك لست من أهله ولا من قومه ولا من بلاده . ولفظ البخاري وأنت بهذا
قوله : " تحدر " بالحاء المهملة وتشديد الدال المهملة أيضا
وفي رواية للبخاري تدل وهو بمعناه
وفي رواية له أيضا تدأدأ بمهملتين بينهما همزة ساكنة قيل أصله تدهدء فأبدلت الهاء همزة وقيل الدأدأة صوت الحجارة في المسيل
قوله : " من رأس ضال " فسر البخاري الضال بالسدر كما في رواية المستملى وكذا قال أهل اللغة أنه السدر البري
وفي رواية للبخاري من رأس ضأن بالنون قيل هو رأس الجبل لأنه في الغالب موضع مرعى الغنم وقيل هو جبل دوس وهم قوم أبي هريرة

باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم

1 - عن أنس قال " لما فتحت مكة قسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك الغنائم في قريش فقالت الأنصار إن هذا لهو العجب أن سيوفنا تقطر من دمائهم وأن غنائمنا ترد عليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجمعهم فقال ما الذي بلغني عننكم قالوا هو الذي بلغك وكانوا إلا يكذبون فقال أما ترضون أن ترجع الناس بالدنيا إلى بيوتهم وترجعون برسول الله إلى بيوتكم فقالوا بلى فقال لو سلك الناس واديا أو شعبا وسلكت الأنصار واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعب الأنصار " وفي رواية " قال قال ناس من الأنصار حين أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن فطفق يعطي رجالا المائة من الإبل فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فحدث بمقالته فجمعهم وقال إني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبي إلى رحالكم فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا يا رسول الله لقد رضينا "

2 - وعن ابن مسعود قال " لما آثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذلك وأعطى أناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة قال رجل والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله فقلت والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتيته فأخبرته فقال فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ثم قال رحم الله موسى فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر "
- متفق عليهن

3 - وعن عمرو بن تغلب " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى بما أو سبي فقسمه فأعطى قوما ومنع آخرين فكأنهم عتبوا عليه فقال إني أعطي قوما أخاف ضلعهم وجزعهم وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغني منهم عمرو بن تغلب فقال عمرو بن تغلب ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمر النعم "
- رواه أحمد والبخاري والظاهر أن إعطائهم كان من سهم المصالح من الخمس ويحتمل أن يكون نفلا من أربعة أخماس الغنيمة عند من يجيز التنفيل منها

- قوله " واديا أو شعبا " الوادي هو المكان المنخفض وقيل الذي فيه ماء والمراد هنا بلدهم والشعب بكسر الشين المعجمة اسم لما انفرج بين جبلين
وقيل الطريق في الجبل وأراد صلى الله عليه وآله وسلم بهذا وما بعده التنبيه على جزيل ما حصل لهم من ثواب النصرة والقناعة بالله ورسوله عن الدنيا ومن هذا وصفه فحقه أن يسلك طريقه ويتبع حاله
قال الخطابي لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب فإذا تفرقت في السفر سلك كل قوم منهم واديا وشعبا فأراد أنه مع الأنصار
قال ويحتمل أن يريد بالوادي المذهب كما يقال فلان في واد وأنا في في واد انتهى
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الأنصار في هذه الواقعة ومدحهم فمن جملة ما قاله لهم لولا الهجرة لكنت أمرا من الأنصار وقال الأنصار شعار والناس دثار كما في صحيح البخاري وغيره
قوله : " حين أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن " أي أعطاه غنائم الذين قاتلهم منهم يوم حنين . وأصل الفيء الرد والرجوع ومنه سمى الظل بعد الزوال فيئا لأنه رجع من جانب إلى جانب فكأن أموال الكفار سميت فيئا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طارئ فإذا غلب الكفار على شيء من المال فهو بطريق التعدي فإذا غنمه المسلمون منهم فكأنه رجع إليهم ما كان لهم
قوله : " فطفق يعطي رجالا " هم المؤلفة قلوبهم والمراد بهم ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلاما ضعيفا وقيل كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية وقد اختلف في المراد بالمؤلفة الذين هم أحد المستحقين للزكاة فقيل كفار يعطون ترغيبا في الإسلام وقيل مسلمون لهم أتباع كفار يتألفونهم وقيل مسلمون أول ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم والمراد بالرجال الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ههنا هم جماعة قد سرد أبو الفضل بن طاهر في المبهمات له أسماؤهم فقال هو أبو سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى وحكيم بن حزام وأبو السنابل بن بعكك وصفوان بن أمية وعبد الرحمن بن يربوع وهؤلاء من قريش . وعيينة بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس التميمي وعباس بن مرادس السلمي ومالك بن عوف النصري والعلاء بن حارثة الثقفي
قال الحافظ في الفتح وفي ذكر الأخيرين نظر وقيل إنما جاءا طائعين من الطائف إلى الجعرانية وذكر الواقدي في المؤلفة معاوية ويزيد بن أبي سفيان وأسيد بن حارثة ومخرمة بن نوفل وسعيد بن يربوع وقيس بن عدي وعمرو بن وهب وهشام بن عمرو زاد بن إسحاق النضر بن الحرثبن هشام وجبير بن مطعم ومما ذكره أبو عمر سفيان بن عبد الأسد والسائب بن أبي السائب ومطيع بن الأسود وأبو جهم بن حذيفة وذكر ابن الجوزي فيهم زيد الخيل وعلقمة بن علاثة وحكيم بن طليق بن سفيان بن أمية وخالد بن قيس السهمي وعمير بن مرادس وذكر غيرهم فيهم قيس بن مخرمة وأحيحة بن أمية ابن خلف وأبي بن شريق وحرملة بن هوذة وخالد بن هوذة وعكرمة بن عامر العبدري وشيبة بن عثمان وعمرو بن ورقة ولبيد بن ربيعة والمغيرة بن الحارث وهشام بن الوليد المخزومي
قوله : " أن يذهب الناس بالأموال " في رواية للبخاري " بالشاة والبعير " قوله " إلى رحالكم " بالحاء المهملة أي بيوتكم
قوله : " قال رجل في رواية الأعمش فقال رجل من الأنصار وفي رواية الواقدي أنه اسمه معتب بن قشير من بني عمرو بن عوف وكان من المنافقين وفيه رد على مغلطاي حيث قال لم أر أحدا قال إنه من الأنصار إلا ما وقع في رواية الأعمشي وجزم بأنه حرقوص بن زهير السعدي المتقدم ذكره في باب ذكر الخوارج وتبعه ابن الملقن وأخطأ في ذلك فإن قصة حرقوص غير هذه كما تقدم
قوله : " ما أريد فيها وجه الله " وفي رواية البخاري " ما أراد بهذا " قوله " رحم الله موسى " الخ فيه الأعراض عن عن الجاهل والصفح عن الأذى والتأسي بمن مضى من النظراء
قوله : " ضلعهم " بفتح الضاد المعجمة واللام وهو الأعوجاج وفي أحاديث الباب دليل على أنه يجوز للإمام أن يؤثر بالغنائم أو ببعضها من كان مائلا من اتباعه إلى الدنيا تأليفا له واستجلابا بالطاعة وتقديمه على من كان من أجناده قوى الإيمان مؤثرا للآخرة على الدنيا

باب حكم أموال المسلمين إذا أخذها الكفار ثم أخذت منهم

1 - عن عمر أن بن الحصين " قال أسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء فكانت المرأة في الوثاق وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم فانفاتت ذات ليلة من الوثائق فاتت الأبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء فلم ترغ قال وهي ناقة منوقة "
وفي رواية " مدربة فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت ونذروا بها فاعجزتهم قال ونذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت إنها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا ذلك فقال سبحان الله بئسما جزتها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحنها لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد "
- رواه أحمد ومسلم

2 - وعن ابن عمر " أنه ذهب فرس له فأخذه العدو فظهر عليهم المسلمون فرد عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبق عبد له فلحق بأرض الروم وظهر عليهم المسلمون فرده خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه
وفي رواية " أن غلاما لابن عمر أبق إلى العدو فظهر عليه المسلمون فرده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ابن عمر ولم يقسم "
- رواه أبو داود

- قوله " العضباء " بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة بعدها موحدة وهي ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قوله : " فانفلتت " بالنون والفاء أي المرأة
قوله : " منوقة " بالنون والقاف أي مذللة
قوله : " مدربة " بالدال المهملة والراء المشددة المفتوحة بعدها موحدة وهي المؤدبة المعودة للركوب والتدريب مأخوذة من الدربة وهي المعرفة بالشيء
قوله : " ونذروا بها " بضم النون وكسر الذال المعجمة أي علموا بها
وفي شرح النووي هو بفتح النون
قوله : " لا وفاء لنذر في معصية الله " سيأتي الكلام على هذا في كتاب النذرو إن شاء الله
قوله : " ذهب فرس له فأخذه " في رواية الكشميهني ذهبت فأخذها والفرس اسم جنس يذكر ويؤنث
قوله : " في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " كذا وقع في رواية ابن نمير أن قصة الفرس في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقصة العبد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخالفه يحيى القطان عن عبيد الله العمري فجعلها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في رواية للبخاري وكذا وقع في رواية موسى ابن عقبة عن نافع وصرح بأن قصة الفرس كانت في زمن أبي بكر
وقد وافق ابن نمير إسماعيل بن زكريا أخرجه الإسماعيلي من طريقه وأخرجه من طريق ابن المبارك عن عبيد الله فلم يعين الزمان لكن قال في روايته أنه افتدى الغلام بروميتين وكأن هذا الأختلاف هو السبب في ترك البخاري الجزم في الترجمة على هذا الحديث فإنه قال باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم أي هل يكون أحق به أو يدخل في الغنيمة ولكنه يمكن الاحتجاج بوقوع ذلك في زمن أبي بكر والصحابة متوافرون من غير نكير منهم
وقد اختلف أهل العلم في ذلك فقال الشافعي وجماعة لا يملك أهل الحرب بالغلبة شيئا من المسلمين ولصاحبه أخذه قبل القسمة وبعدها . وعن علي والزهري وعمرو بن دينار والحسن ولا يرد أصلا ويختص به أهل المغانم وقال عمر وسلمان بن ربيعة وعطاء والليث ومالك وأحمد وآخرون وهي رواية عن الحسن أيضا ونقلها ابن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء السبعة أو وجده صاحبه قبل القسمة فهو حق به وإن وجده بعد القسمة فلا يأخذه إلا بالقيمة
واحتجوا بحديث عن ابن عباس مرفوع بهذا التفصيل أخرجه الدارقطني وإسناده ضعيف جدا . وإلى هذا التفصيل ذهبت الهادوية وعن أبي حنيفة كقول مالك إلا في الآبق فقال هو والثوري صاحبه أحق به مطلقا

باب ما يجوز أخذه من نحو الطعام والعلف بغير قسمة

1 - عن ابن عمر قال " كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه "
- رواه البخاري

2 - وعن ابن عمر " أن جيشا غنموا في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم طعاما وعسلا فلم يؤخذ منهم الخمس "
- رواه أبو داود

3 - وعن عبد الله بن المغفل قال " أصبت جرابا من شحم يوم خيبر فالتزمته فقلت لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبتسما "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي

4 - وعن ابن أبي أوفى قال " أصبنا طعاما يوم خيبر وكان الرجل يجيئ فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينطلق "

5 - وعن القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " قال كما نأكل كل الجزر في الغزو ولانقسمه حتى إن كنا لنرجع إلى رجالنا وأخرجتنا مملوءة منه "
- رواهما أبو داود

- حديث ابن عمر الأول زاذ فيه أبو داود فلم يؤخذ منهم الخمس وصحح هذه الزيادة ابن حبان وحديث ابن عمر الثاني أخرجه أيضا ابن حبان وصححه البيهقي ورجح الدارقطني وقفه . وحديث عبد الله بن المغفل أخرجه أيضا البخاري وزاد فيه الطيالسي في مسنده بإسناد صحيح فقال هو لك . وحديث ابن أبي أوفى أخرجه الحاكم والبيهقي قال ابن الصلاح في كلامه على الوسيط هذا الحديث لم يذكر في كتب الأصول انتهى وقد صححه الحاكم وابن الجارود
وأخرجه أيضا الطبراني من حديثه بلفظ لم يخمس الطعام يوم خيبر وحديث القاسم مولى عبد الرحمن سكت عنه أبو داود وقال المنذري أنه تكلم في القاسم غير واحد انتهى وفي إسناده أيضا ابن حرشف وهو مجهول
قوله : " كنا نصيب في مغاز ينا " الخ زاد الإسماعيلي في رواية والفواكه
وفي رواية له بلفظ " كنا نصيب السمن والعسل في المغازي فنأكله " وفي رواية له من وجه آخر " أصبنا طعاما وأعناما يوم اليرموك فلم تقسم " قال في الفتح وهذا الموقوف لا يغاير الأول لاختلاف السياق وللأول حكم الرفع للتصريح يكونه في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأما يوم اليرموك فكان بعده فهو موقوف يوافق المرفوع انتهى . ولا يخفى أنه ليس في روايات الحديث تصريح بأنه في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما فيه أن إطلاق المغازي من الصحابى ظاهر في أنها مغازي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس في ذلك من التصريح في شيء
قوله : " ولا نرفعه " أي ولانحمله على سبيل الأدخار ويحتمل أن يريد ولا نحمله إلى متولى أمر الغنيمة أو إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا نستأذنه في أكله اكتفاء بما سبق منه من الأذن
قوله : " عبد الله بن المغفل " بالمعجمة والفاء بوزن محمد . " قوله جرابا " بكسر الجيم
قوله : " فالتزمته " في رواية للبخاري فنزوت بالنون والزاي وثبت مسرعا وموضع الحجة من الحديث عدم انكار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا سيما مع وقوع التبسم منه صلى الله عليه وآله وسلم فإن ذلك يدل على الرضا وقد قدمنا أن أبا داود الطيالسي زاد فيه فقال هو لك وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم عرف شدة حاجته إليه فسوغ له الأستئثار به
وفي الحديث جواز أكل الشحوم التي توجد عند اليهود وكانت محرمة على اليهود وكرهها مالك وروى عنه وعن أحمد تحريمها قوله " الجزر " بفتح الجيم جمع جزور وهي الشاة التي تجزر أي تذبح كذا قيل
وفي غريب الجامع الجزر جمع جزور وهو الواحد من الأبل يقع على الذكر والأنثى
وفي القاموس في مادة جزر ما لفظه والشاة السمينة ثم قال والجزور البعير أو خاص بالناقة المجزورة ثم قال وما يذبح من الشاة انتهى
وقد قيل أن الجزر في الحديث بضم الجيم والزاي جمع جزور وهو ما تقدم تفسيره ( وأحاديث ) الباب تدل على أنه يجوز أخذ الطعام ويقاس عليه العلف للدواب بغير قسمة ولكنه من ذلك على مقدار الكفاية كما في حديث ابن أبي أوفى . وإلى ذلك ذهب الجمهور سواء أذن الإمام أو لم يأذن . والعلة في ذلك أن الطعام يقل في دار الحرب وكذلك العلف فأبيح للضرورة والجمهور أيضا على جواز الأخذ ولو لم تكن ضرورة وقال الزهري لا نأخذ شيئا من الطعام ولا غيره إلا بأذن الإمام
وقال سليمان بن موسى يأخذ إلا إن نهى الإمام وقال ابن المنذر قد وردت الاحاديث الصحيحة في التشديد في الغلول واتفق علماء الأمصار على جواز أكل الطعام وجاء الحديث بنحو ذلك فليقتصر عليه وقال الشافعي ومالك يجوز ذبح الأنعام للأكل كما يجوز أخذ الطعام ولكن قيده الشافعي بالضرورة إلى الأكل حيث لا طعام

باب إن الغنم تقسم بخلاف الطعام والعلف

1 - عن رجل من الأنصار قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد وأصابوا غنما فانتهبوها فإن قدورنا لتغلى إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي على قوسه فاكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال النهبة ليست بأحل من الميتة وإن الميتة ليست بأحل من النهبة "
- رواه أبو داود

2 - وعن معاذ قال " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر فأصبنا فيها غنما فقسم فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طائفة وجعل بقيتها في المغنم "
- رواه أبو داود

- الحديث الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده موثقون ولكن لفظه بالشك هكذا أن النهبة ليست بأحل من الميته أو أن الميتة ليست بأحل من النهبة قال والشك من هناد وهو ابن السري
وأخرجه أيضا البيهقي . والحديث الثاني سكت عنه أيضا أبو داود والمنذري وفي إسناده أبو عبد العزيز شيخ من الأردن وهو مجهول ولفظه عن عبد الرحمن بن غنم قال رابطنا مدينة قنسرين مع شرحبيل بن السمط فلما فتحها أصاب فيها غنما وبقرا فقسم فينا طائفة منها وجعل بقيتها في المغنم فلقيت معاذ بن جبل فحدثته فقال معاذ غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحديث
قوله : " ثم جعل يرمل اللحم بالتراب " أي يضع التراب عليه
قال في القاموس وأرمل الطعام جعل في الرمل والثوب لطخه بالدم انتهى . والحديث الأول ليس فيه دليل على ما ترجم له المصنف من أن الغنم تقسم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما منع من أكلها لأجل النهبى كما وقع التصريح بذلك لا لأجل كونها غنيمة مشتركة لا يجوز الانتفاع بها قبل القسمة نعم الحديث الثاني فيه دليل على أن الإمام يقسم بين المجاهدين من الغنم ونحوها من الأنعام ما يحتاجونه حال قيام الحرب ويترك الباقي في جملة المغنم وهذا مناسب لمذهب الجمهور المتقدم فإنهم يصرحون بأنه يجوز للغانمين أخذ القوت وما يصلح به وكل طعام يعتاد أكله على العموم من غير فرق بين أن يكون حيوانا أو غيره وقد استدل على أن المنع من ذبح الحيوانات المغنومة بغير أذن الإمام بما في الصحيح من حديث رافع بن خديج في ذبحهم الأبل التي أصابوها لأجل الجوع وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باكفاء القدور قال المهلب إنما أكفأ القدور ليعلم أن الغنيمة إنما يستحقونها بعد القسمة ويمكن أن يحمل ذلك على أنه وقع الذبح في غير الموضع الذي وقع فيه القتال وقد ثبت في هذا الحديث أن القصة وقعت في دار الإسلام لقوله فيها بذي الحليفة وقال القرطبي المأمور بأكفائه إنما هو المرق عقوبة للذين تعجلوا وأما نفس اللحم فلم يتلف بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغانم لأجل النهي عن اضاعة المال

باب النهي عن الأنتفاع بما يغنمة الغانم قبل أن يقسم الإحالة الحرب

1 - عن رويفع بن ثابت " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم حنين لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبتاع مغنما حتى يقسم ولا يلبس ثوبا من فئ المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه ولا أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه "
- رواه أحمد وأبو داود

2 - وعن ابن مسعود " قال انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وهو صريع وهو يذب الناس عنه بسيف له فجعلت أتناوله بسيف لي غير طائل فأصبت يده فنذر سيفه فأخذته فضربته حتى قتلته ثم أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فنفلني بسلبه "
- رواه أحمد

- الحديث الأول في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف قد تقدم التنبيه عليه غير مرة وأخرجه أيضا الدارمي والطحاوي وابن حبان وحسن الحافظ في التفح إسناده
وقال في بلوغ المرام رجاله ثقات لا بأس بهم . والحديث الثاني أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وهو من رواية أبي عبيدة عن أبيه ولم يسمع منه
وقال مجمع الزوائد أن رجاله رجال الصحيح غير محمد بن وهب بن أبي كريمة وهو ثقة انتهى
وأخرج نحوه أبو داود ولفظه عن أبي عبيده وهو ابن عبد الله ابن مسعود عن أبيه أنه قال " مررت فإذا أبو جهل صريع قد ضربت رجله فقلت يا عدو الله يا أبا جهل قد أخزى الله الآخر قال ولا أهابه عند ذلك فقال أبعد من رجل قتله قومه فضربته بسيف غير طائل فلم يغن شيئا حتى سقط سيفه من يده فضربته حتى برد " وأخرج نحوه النسائي مختصرا وقوله أبعد من رجل الخ قال الخطابي في المعالم هكذا رواه أبو داود وهو غلط وإنما هو أعمد بالميم بعد العين كلمة للعرب معناها هل زاد على رجل قتله قومه يهون على نفسه ما حل بها انتهى . والحديث الأول فيه دليل على أنه لا يحل لأحد من المجاهدين أن يبيع شيئا من الغنيمة قبل قسمتها لأن ذلك من الغلول وقد وردت الأحاديث الصحيحة بالنهي عنه ولا يحل أيضا أن يأخذ ثوبا منها فيلبسه حتى يخلقه ثم يرده أو يركب دابة منها حتى إذا أعجفها ردها لما في ذلك من الأضرار بسائر الغانمين والاستبداد بمالهم فيه يصيب بغير أذن منهم
قال في الفتح وقد اتفقوا على جواز ركوب دوابهم يعني أهل الحرب وليس ثيابهم واستعمال سلاحهم حال الحرب ورد ذلك بعد انقضاء الحرب وشرط الأوزاعي فيه أذن الإمام وعليه أن يرد كلما فرغت حاجته ولا يستعمله في غير الحرب ولا ينتظر برده انقضاء الحرب لئلا يعرضه للهلاك قال وحجته حديث رويفع المذكور ونقل عن أبي يوسف أنه حمله على ما إذا كان الآخذ غير محتاج يتقى به دابته أو ثوبه بخلاف من ليس له ثوب ولا دابة . ووجه استدلال المصنف رحمه الله تعالى بحديث ابن مسعود على ترجمه في الباب أنه وقع من ابن مسعود الضرب بسيف أبي جهل قبل أن يستأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك ولم ينكره عليه فدل على جواز استعماله السلاح المغنوم ما دامت الحرب قائمة بغير أذن الإمام وقد تقدم الكلام على قوله فنفلني يسلبه في باب أن السلب للقاتل

باب ما يهدى للأمير والعامل أو يؤخذ من مباحات دار الحرب

1 - عن أبي حميد الساعدي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هدايا العمال غلول "
- رواه أحمد

2 - وعن أبي الجويرية قال أصبت جرة حمراء فيها دنانير في إمارة معاوية في أرض الروم قال وعلينا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بني سليم يقال له معن بن يزيد فأتيته بها فقسمها بين المسلمين وأعطاني مثل ما أعطى رجلا منهم ثم قال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا نفل إلا بعد الخمس لأعطيتك قال ثم أخذ يعرض على من نصيبه فأبيت
- رواه أحمد وأبو داود

- الحديث الأول أخرجه أيضا الطبراني وفي إسناده إسماعيل بن عباس عن أهل الحجاز وهو ضعيف في الحجازيين ويشهد له ما أخرجه الشيخان وأبو داود من حديث أبي حميد المذكور قال استعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا على الأزد يقال له ابن اللتبية فلما قدم قال هذا لكم مهذا أهدي لي فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيقول هذا لكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا . الحديث . والحديث الثاني في إسناده عاصم بن كليب قال علي بن المديني لا يحتج به إذا انفرد وقال الإمام أحمد لا بأس بحديثه وقال أبو حاتم الرازي صالح وقال النسائي ثقة واحتج به مسلم وقد أخرجه الطحاوي وصححه من حديث معن بن يزيد المذكور قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا نفل إلا بعد الخمس
قوله : " غلول " بضم المعجمة واللام أي خيانة
قوله : " وعن أبي الجويرية " اسمه حطان بن خفاف قال في الخلاصة وثقه أحمد . قوله " لا نفل إلا بعد الخمس " قد تقدم الكلام على ذلك وقد استدل المصنف بالحديث الأول على أنها لا تحل الهدية للعمال وقد تقدم في الزكاة في باب العاملين عليها حديث بريدة عن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول . وظاهره المنع من الزيادة على المفروض للعامل من غير فرق بين ما كان من الصدقات المأخوذة من أرباب الأموال أو من أربابها على طريق الهدية أو الرشوة . والحديث الثاني بوب عليه أبو داود باب النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم أي هل يجوز أم لا واستدل به المصنف على حكم ما يؤخذ من مباحات دار الحرب وأنها تكون بين الغانمين لا يختص بها

باب التشديد في الغلول وتحريق رحل الغال

1 - عن أبي هريرة " قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر ففتح الله علينا فلم نغنم ذهبا ولا ورقا غنمنا المتاع والطعام والثياب ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد له وهبه له رجل من جذام يسمى رفاعة بن يزيد من بني الضبيب فلما نزلنا الوادي قالم عبد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحل رحله فرمى بسهم فكان فيه حتفه فقلنا هنيئا له الشهادة فقال كلا والذي نفس محمد بيده أن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم قال ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال يا رسول الله أصبت هذا يوم خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شراك من نار أو شرا كان من النار "
- متفق عليه

2 - وعن عمر قال " لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالا فلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال صلى الله عليه وآله وسلم كلا أني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال فخرجت فناديت أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون "
- رواه أحمد ومسلم

3 - وعن عبد الله بن عمر " قال كان على ثقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال صلى الله عليه وآله وسلم هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها "
- رواه أحمد والبخاري

- قوله " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " هكذا وقع في رواية ثور بن يزيد وقد حكى الدار قطني عن موسى بن هرون أنه قال وهم ثور في هذا الحديث لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى النبي وإنما قدم بعد خروجهم وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت قال أبو مسعود ويؤيده حديث عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر بعد ما فتتحوها قال ولكن لا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم الغرض من هذه القصة المذكورة علول الشملة
قال الحافظ وكان محمد بن إسحاق استشعرتموهم ثور بن يزيد في هذه اللفظة فرواه عنه في المغازي بدونها وأخرجه ابن حبان والحاكم وابن منده من طريقه بلفظ " انصرففا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى وادي القري " وروي البيهقي في الدلائل من وجه آخر عن أبي هريرة " قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر إلى وادي القرى " فلعل هذا أصل الحديث . وحديث قدوم أبي هريرة المدينة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق خثيم بن عراكبن مالك عن أبيه عن أبي هريرة قال " قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر وقد استخلف سباع بن عرفطة فذكر الحديث وفيه فزودنا شيئا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلم المسلمون فأشركونا في سهامهم "
قوله : " غنمنا المتاع والطعام والثياب " رواه البخاري " إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط " وهذه المذكورة رواية مسلم ورواية الموطأ إلا الأموال والثياب والمتاع
قوله : " عبد له " هو مدعم كما وقع في رواية البخاري بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة أيضا
قوله : " رفاعة بن زيد " قال الواقدي كان رفاعة وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه
قوله : " من بني الضبيب " بضم الضاد المعجمة ثم موحدتين بينهما تحتية بصيغة التصغير
وفي رواية للبخاري أحد بني الضباب بكسر الضاد المعجمة وموحدتين بينهما ألف بصيغة جمع الضب وهم بطن من جذام
قوله : " يحل رحله " رواية البخاري فبينما مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زاد البيهقي في الرواية المذكورة وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم نكن على تعبية
قوله : " لتلتهب عليه نارا " يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة نفسها نارا فيعذب بها ويحتمل أن يكون المراد أنها سبب لعذاب النار وكذا القول في الشراك المذكور
قوله : " فجاء رجل " قال الحافظ لم أقف على اسمه
قوله : " بشراك أو شراكين " الشراك بكسر المعجمة وتخفيف الراء سير النعل على ظهر القدم . قوله " على ثقل " بمثلثة وقاف مفتوحتين العيال وما ثقل حمله من الأمتعة
قوله : " يقال له كركرة " اختلف في ضبطه فذكر عياض أنه يقال بفتح الكافين وبكسرهما وقال النووي إنما اختلف في كافه الأولى وأما الثانية فمكسورة اتفاقا قال عياض هو للأكثر بالفتح في رواية علي وبالكسر في رواية ابن سلام . وعند الأصبلي بالكسر في الأول وقال القابسي لم يكن أسود يمسك دابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند القتال
وروي أبو سعيد النيسابوري في شرف المصطفى أنه كان نوبيا أهداه له هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة فأعتقهوذكر البلاذري أنه مات في الرق
قوله : " هو في النار " أي يعذب على معصيته أو المراد هو في النار أن لم يعف الله عنه . وظاهر الروايتين أن كركرة المذكور غير مدعم الذي قبله وكلام القاضي عياض يشعر بأن قصتهما متحدة
قال الحافظ والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما قال نعم عند مسلم من حديث عمر ثم ذكر الحديث المذكور في الباب ثم قال فهذا يمكن تفسيره بكركرة بخلاف قصة مدعم فإنها كانت بوادي القرى ومات بسهم وغل شملة والذي أهدى كركرة هوذة والذي أهدى مدعم رفاعة فافترقا ( وأحاديث الباب ) تدل على تحريم الغلول من غيرفرق بين القليل منه والكثير ونقل النووي الإجماع على أنه من الكبائر وقد صرح القرآن والسنة بأن الغال يأتي يوم القيامة والشيء الذي غله معه فقال الله تعالى ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة وثبت في البخاري وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس على رقبته شاة . الحديث وظاهر قوله شراك من نار الخ إن من أعاد إلى الإمام ما غله بعد القسمة لم يسقط عنه الإثم قال الثوري والأوزاعي والليث ومالك يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي وكان الشافعي لا يرى ذلك ويقول إن كان ملكه فليس عليه أن يتصدق به وإن كان لم يملكه فليس له الصدقة بمال غيرهقال والواجب أن يدفع إلى الإمام كالأموال الضائعة انتهى
وأما قبل القسمة فقال ابن المنذر أجمعوا أن للغال أن يعيد ما غل قبل القسمة

4 - وعن عبد الله بن عمرو قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيؤن بغنائمهم فيخمسه ويقسمه فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال يا رسول الله هذا فيما كنا أصبنا من الغنيمة فقال أسمعت بلالا نادى ثلاثا قال نعم قال فما منعك أن تجيء به فاعتذر إليه فقال كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك "
- رواه أحمد وأبو داود
قال البخاري قد روي في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغال ولم يأمر بحرق متاعه

5 - وعن صالح بن زائدة بن محمد قال " دخلت مع مسلمة أرض الرومفأتى برجل قد غل فسأل سالما عنه فقال سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا وجدتم الرجل قد غل فاحرقوا متاعه واضربوه قال فوجد في متاعه مصحفا فسأل سالما عنه فقال وتصدق بثمنه "
- رواه أحمد وأبو داود

6 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه "
- رواه أبو داود وزاد في رواية ذكرها تعليقا " زمنعوه سهمه "

- حديث عبد الله بن عمر سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه الحاكم وصححه . وحديث صال بن محمد أخرجه أيضا الترمذي والحاكم والبيهقي قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال سألت محمدا عن هذا الحديث فقال إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة الذي يقال له أبو واكد الليثي وهو منكر الحديث قال المنذري وصالح بن محمد بن زائدة تكلم فيه غير واحد من الأئمة وقد قيل أنه تفرد به وقال البخاري عامة أصحابنا يحتجون بهذا في الغلول وهو باطل ليس بشيء وقال الدارقطني أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمد قال وهذا حديث لم يتابع عليه ولا أصل لهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمحفوظ أن سالما أنر بذلك وصحح أبو داود وقفه . ورواه من وجه آخر باللفظ الذي ذكره المصنف وقال هذا أصح : وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وفي إسناده زهير بن محمد وهو الخراساني نزيل مكة وقال البيهقي يقال هو غيره وأنه مجهول وقد رواه أبو داود من وجه آخر عن زهير موقوفا قال في الفتح وهو الراجح
قوله : " ولم يأمر بحرق متاعه " هذا لفظ رواية الترمذي عن البخاري ولفظ البخاري في الجهاد في باب القليل من الغلول ولم يذكر عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه حرق متاعه يعني في حديثه الذي ساقه في ذلك الباب وهو الحديث الذي تقدم في أول هذا الباب ثم قال البخاري وهذا أصح
قال في الفتح أشار إلى تضعيف عبد الله بن عمر في الأمر بحرق رحل الغال والإشارة بقوله هذا إلى الحديث الذي ساقه . والحرق بفتح الحاء المهملة والراء وقد تسكن الراء كما في النهاية مصدر حرق بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر حديث الإحراق أحمد في رواية وهو قول مكحول والأوزاعي وعن الحسن يحرق متاعه كله إلا الحيوان والمصحف
وقال الطحاوي لو صح الحديث لحتمل أن يكون حين كانت العقوبة بالمال انتهى
وقد قدمنا الكلام على العقوبة بالمال في كتاب الزكاة
وفي حديث عبد الله بن عمرو دليل على أنه لا يقبل الإمام مممن الغال ما جاء به بعد وقوع القسمة ولو كان يسيرا وقد تقدم الخخلاف في ذلك قريبا
قوله : " ومنعوه سهمه " فيه دليل على أنه ييجوز للإمام بعد عقوبة الغال بتحريق متاعه أن يعاقبه عقوبة أخرى بمنعه سهمه من الغنيمة وكذلك يعاقب عقوبة ثالثة بضربه كما وقع في الحديث المذكور

باب المن والفداء في حق الأسارى

1 - عن أنس " أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من حيال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم أخذهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعتقهم فأنزل الله عز و جل وهو . الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة إلى آخر الآية "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي

2 - وعن جبير بن مطعم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في اسارى بدر لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتني لتركتهم له "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود

3 - وعن أبي هريرة قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن اثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ماذا عندك يا ثمامة قال عندي يا محمد خير أن تقتل تقتل ذا دم وأن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة قال عندي ما قلت لك أن تنعم تنعم على شاكر وأن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى كان الغد فقال ما عندك يا ثمامة قال عندي ما قلت لك أن تنعم تنعم على شاكر وأن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اطلقوا ثمامة فأنطلق إلى نخل قريب من المسجد فأغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا محمد والله ما كان على الأرض أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلى وأن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت فقال لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا والله لا تأتيكم من يمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفق عليه

- قوله " سلما " بفتح السين المهملة واللام عن بعضهم وعن الأكثرين بسكون اللام يعني مع كسر السين والأول أصوب والسلم الأسير لأنه أسلم والسلم الصلح كذا في المشارق
قوله : " لو كان المطعم " الخ إنما قال صلى الله عليه وآله وسلم كذلك لأنها كانت للمطعم عنده يد وهي إنه دخل صلى الله عليه وآله وسلم في جواره لما رجع من الطائف فأراد أن يكافئه بها والمطعم المذكور هو والد جبير الراوي لهذا الحديث والنتني جمع نتن بالنون والتاء المثناة من فوق المراد بهم أسارى بدر وصفهم بالنتن لما هم عليه من الشرك كما وصفوا بالنجس
قوله : " لتركتهم له " يعني بغير فداء وبين السبب في ذلك ابن شاهين بنحو ما قدمنا
وقد ذكر ابن إسحاق القصة في ذلك مبسوطة وكذلك الفاكهي بإسناد حسن مرسل وفيه أن المطعم أمر أولاده الأربعة فلبسوا السلاح وقام كل واحد منهم عند ركن من الكعبة فبلغ ذلك قريشا فقالوا له أنت الرجل لا تخفر ذمتك وقيل أن اليد التي كانت له أنه كان من أشد من سعى في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب
قوله : " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيلا " الخ زعم سيف في كتاب الرده له أن الذي أخذ ثمامة وأسره هو العباس بن عبد المطلب قال في الفتح وفيه نظر لأن العباس إنما قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في زمان فتح مكة وقصة ثمامة تقتضي أنها كانت قبل ذلك بحيث اعتمر ثمامة ثم رجع إلى بلاده ثم منعهم أن يميروا أهل مكة ثم شكا أهل مكة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك قم بعث يشفع فيهم عند ثمامة
قوله : " من بني حنيفة " هو ابن لجيم بجيم ابن صهيد بن علي بن بكر بن وائل وهي قبيلة كبيرة مشهورة ينزلون اليمامة بين مكة واليمن
قوله : " ثمامة " بضم المثلثة وأثاله بضم الهمزة وبمثلثة خفيفة وهو ابن النعمان ابن مسيلمة الحنفي وهو من فضلاء الصحابة
قوله : " ماذا عندك " أي أي شيء عندك ويحتمل أن تكون ما استفهامية وذا موصولة وعندك صلة أي ما الذي استقر في ظنك أن أفعله بك فأجابه بأنه ظن خيرا فقال عندي يا محمد خير أي لأنك لست ممن يظلم بل ممن يعفو ويحسن
قوله : " تقتل ذا دم " بمهملة وتخفيف الميم للأكثر وللكشميهني ذم بمعجمة بعدها ميم مشددة
قال النووي معنى رواية الأكثر أن تقتل تقتل ذا دم بمهملة أي صاحب دم لدمه موقع يستشفي قتله بقتله ويدرك ثأره لرياسته وعظمته ويؤتمل أن يكون المعنى عليه دم وهو مطلوب به فلا لوم عليك في قتله وأما الرواية بالمعجمة فمعناها ذا ذمة وثبت ذلك في رواية أبو داود وضعفها عياض لأنه ينقلب المعنى لأنه إذا كان ذا ذمة يمتنع قتله وقال النووي يمكن تصحيحها بأن يحمل على الوجه الأول والمراد بالذمة الحرمة في قومه . وأوجه الجميع الثاني لأنه مشاكل لقوله بعد ذلك وإن تنعم تنعم على شاكر وجميع ذلك تفصيل لقوله عندي خير وفعل الشرط إذا كرر في الجزاء دل على فخامة الأمر قوله " قال عندي ما قلت لك أن تنعم " الخ قدم في اليوم الأول القتل وفي اليومين الآخرين الأنعام وفي ذلك نكتة وهي أنه قدم أول يوم أشق الأمرين عليه وأشفاهما لصبر خصومه وهو القتل فلما لم يقع قدم الأنعام استعطافا وكأنه رأى في اليوم الأول إمارات الغضب دون اليومين الآخرين
قوله : " اطلقوا ثمامة " في رواية ابن إسحاق قال قد عفوت عنك يا ثمامة وأعتقتك وزاد أيضا أنه لما كان في الأسر جمعوا ما كان في أهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طعام ولبن فلم يقع ذلك من ثمامة موقعه فلما أسلم جاؤا بالطعام فلم يصب منه إلا قليلا فتعجبوا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء وإن المسلم يأكل في معي واحد " قوله " فبشره " أي بخير الدنيا واللآخرة أو بشهر بالجنة أو بمحو ذنوبه وتبعاته السابقة
قوله : " صبوت " هذا اللفظ كانوا يطلقونه على من أسلم وأصله يقال لمن دخل في دين الصابئة وهم فرقة معروفة
قوله " لا ولكن أسلمت " الخ كأنه قال لا ما خرجت من الدين لأن عبادة الأوثان ليست دينا فإذا تركتها أكون قد خرجت من دين بل استحدثت دين الإسلام . وقوله " مع محمد " أي وافقته على دينه فصرنا متصاحبين في الإسلام
وفي رواية ابن هشام ولكني تبعت خير الدين دين محمد
قوله : " ولا والله فيه حذف تقديره والله لا أرجع إلى دينكم ولا أرفق بكم فأترك الميرة تأتيكم من اليمامة قوله " حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " زاد ابن هشام ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنك تأمر بصلة الرحم فكتب إلى ثمامة أن يخلي فيما بينهم وبين الحمل إليهم وفي هذه القصة من الفوائد ربط الكافر في المسجد والمن على الأسير الكافر وتعظيم أمر العفو عن المسئ لأن ثمامة أقسم أن بغضة القلب انقلبت حبا في ساعة واحدة لما أسداه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه من العفو والمن بغير مقابل وفيه الأغتسال عند الإسلام وإن الإحسان يزيل البغض ويثبت الحب وإن الكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم له أن يستمر في عمل ذلك الخير وفيه الملاطفة لمن يرجى إسلامه من الأسارى إن كان في ذلك مصلحة للإسلام ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه وفيه بعث السرايا إلى بلاد الكفار وأسر من وجد منهم والتخيير بعد ذلك في قتله والإبقاء عليه

4 - وعن ابن عباس قال " لما أسروا الأسارى يعني يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لناقوة على الكفار وعسى الله أن يهديهم للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما ترى يا ابن الخطاب فقال والله ما أرى الذى رأى أبو بكر ولكني أرى تمكننا فضرب أعناقهم فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان نسبيا لعمر فاضرب عنقه ومكن فلانا من فلان قرابته فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديقها فهوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فإذا صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة منه وأنزل الله عز و جل ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا فأحل الله الغنيمة لهم "
- رواه أحمد مسلم

5 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة "
- رواه أبو داود

6 - وعن عائشة قالت " لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال وبعثت فيه بقلادة كانت لها عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص قالت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رق لها رقة شديدة فقال إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا لها قالوا نعم "
- رواه أحمد وأبو داود

7 - وعن عمران بن حصين " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدي رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بني عقيل "
- رواه أحمد والترمذي وصححه ولم يقل فيه من بني عقيل

8 - وعن ابن عباس " قال كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فداءهم ان يعلموا أولاد الأنصار الكتابة قال فجاء يوما غلام يبكي إلى أبيه فقال ما شأنك قال ضربني معلمي قال الخبيث يطلب بذحل بدر والله لا تأتيه أبدا "
- رواه أحمد

- حديث عباس الثاني أخرجه أيضا النسائي والحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله ثقات إلا أبا العنبس وهو مقبول . وحديث عائشة أخرجه أيضا الحاكم وفي إسناده محمد بن إسحاق . وحديث عمران بن حصين أخرجه أيضا مسلم مطولا كما سيأتي وأخرجه ابن حبان مختصرا وحديث ابن عباس الثالث في إسناده علي بن عاصم وهو كثير الغلط والخطأ وقد وثقه أحمد
وفي الباب عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عند الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أن جبريل هبط فقال خيرهم يعني أصحابك في أساري بدر القتل أو الفداء على أن يقتل منهم قابل مثلهم قالوا الفداء ويقتل منا قال الترمذي
وفي الباب عن ابن مسعود وأنس وابن برزة الأسلمي وجبير بن مطعم قال هذا يعني حديث على حديث حسنغريب من حديث الثوري لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة . ورواه أبو أسامة عن هشام عن ابن سيرين عن عبيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه وروى ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه مرسلا
وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم من حديث أنس صلى الله عليه وآله وسلم استشار الناس في أساري بدر فقال أبو بكر أرى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء وأخرج البخاري عن أنس " أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا أتأذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه فقال لا تدعوا منه درهما " وأخرج البيهقي من حديث ابن عباس أنه قال في قوله تعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } إن ذلك كان يوم بدر والمسلمون كانوا في قلة فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله تعالى { فأما منا بعد وأما فداء } فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المؤمنين بالخيار فيهم إن شاؤا قتلوهم وإن شاؤا استعبدوهم وإن شاؤا فادوهم وفي إسناده علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهو لم يسمع منه لكنه إنما أخذ التفسير عن ثقات أصحابه كمجاهد وغيره وقد اعتمدهما البخاري وأبو حاتم وغيرهما في التفسير
وأخرج أبو داود عن ابن عباس من وجه آخر قال حدثني عمر بن الخطاب : قال لما كان يوم بدر فأخذ يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفداء أنزل الله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله عذاب أليم ثم أحل لهم الغنائم
قوله : " لما أسروا الأسارى " قد ساق ابن إسحاق في المغازي تفصيل أمر فداء الأسارى فذكر ما يشفي ويكفي
قوله : " قاعدين يبكيان " إنما وقع البماء منه صلى الله عليه وآله وسلم ومن أبى بكر لما أنزل الله من المعاتبة ولما وقع من عرض العذاب على الذين أخذوا الفداء كما في الحديث المذكور
قوله : " من بني عقيل " بضم العين المهملة كذا في المشارق
قوله : " بذحل " بفتح الذال المعجمة وسكون الحاء المهملة قال في مختصر النهاية الذحل الوتر وطلب المكافأة بجناية جنت عليه
وقال في القاموس الذحل الثأر أو طلب مكافأة بجناية جنت عليك أو عداوة أتت إليك أو العداوة والحقد الجمع إذحال وذحول
وقد استدل المصنف بالأحاديث التي ذكرها على ما ترجم به من المن والفداء في حق الأسارى ومذهب الجمهور أن الأمر في الأسارى الكفرة من الرجال إلى الإمام بفعل ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين
وقال الزهري ومجاهد وطائفة لا يجوز أخذ الفداء من أسرى الكفار أصلا وعن الحسن وعطاء لا تقتل الأسرى بل يتخير بين المن والفداء وعن مالك لا يجوز المن بغير فداء وعن الحنفية لا يجوز المن أصلا لا بفداء ولا بغيره قال الطحاوي وظاهر الآية يعني قوله تعالى { فأما منا بعد مأما فداء } حجة للجمهور وكذا حديث أبي هريرة في قصة ثمامة المذكور في أول الباب وقال أبو بكر الرازي احتج أصحابنا لكراهة فداء المشركين بالمال بقوله تعالى { لولا كتاب من الله سبق } الآية ولا حجة لهم في ذلك لأنه كان قبل حل الغنيمة كما قدمنا عن ابن عباس والحاصل أن القرآن والسنة قاضيان بما ذهب إليه الجمهور فإنه قد وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم المن وأخذ الفداء كما في أحاديث الباب ووقع منه القتل فإنه قتل النضر بن الحرث وعقبة بن أبي معيط وغيرهما ووقع منه فداء رجلين من المسلمين برجل من المشركين كما في حديث عمران بن حصين قال الترمذي بعد أن ساق حديث عمران بن حصين المذكور والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم أن للإمام أن بمن على من شاء من الأسارى ويقتل من شاء منهم ويفدي من شاء واختار بعض أهل العلم القتل على الفداء قال قال الأوزاعي بلغني أن هذه الآية منسوخة يعني قوله ( فأما منا بعد مإما فداء ) نسخها قوله ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) حدثنا بذلك هناد اخبرنا ابن المبارك عن الأوزاعي قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد إذا أسر الأسير يقتل أو يفادي أحب إليك قال أن قدر أن يفادي فليس به بأس وإن قتل فما أعلم به بأسا قال إسحاق بن إبراهيم الأثخان أحب إلي إلا أن يكون معروفا طمع به الكثير انتهى
وقد ذهب إلى جواز فك الأسير من الكفار بالأسير من المسلمين جمهور أهل العلم لحديث عمران بن حصين المذكور

باب أن الأسير إذا أسلم لم يزل ملك المسلمين عنه

1 - عن عمران بن حصين " قالت كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من بني عقيل وأصابوا معه الغضباء فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في الوثاق فقال يا محمد فأتاه فقال ما شأنكفقال بما أخذتني وأخذت سابقة الحاج يعني الغضباء فقال أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف ثم انصرف فناداه فقال يا محمد يامحمد فقال ما شأنك قال إني مسلم قال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح ثم انصرف فناداه يا محمد يا محمد فأتاه فقال ما شأنك فقال إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني قال هذه حاجتك ففدي بعد بالرجلين "
- رواه أحمد ومسلم

- قوله " لبني عقيل " بضم العين المهملة كما تقدم
قوله : " العضباء " بفتح المهملة وسكون الضاد المعجمة ثم باء موحدة وقد تقدم الكلام في ضبطها في كتاب الحج
قوله : " بجريرة حلفائك " الجريرة الجناية
قال في النهاية ومعنى ذلك أن ثقيفا لما نقضوا اللوادعة التي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينكر عليهم بنو عقيل صاروا مثلهم في نقض العهد ( وفي حديث ) دليل على ما ترجم المصنف الباب به من أنه لا يزول ملك المسلمين عن الأسير بمجرد إسلامه لأن هذا الرجل أخبر بأنه مسلم وهو في الأسر فلم يقبل منه صلى الله عليه وآله وسلم ولم يفكه من أسره ولم يخرج بذلك عن ملك من أسره
وفيه أيضا دليل على أن للإمام أن يمتنع من قبول غإسلام من عرف منه أنه لم يرغب في الإسلام وإنما دعته إلى ذلك الضرورة ولا سيما إذا كان في عدم القبول مصلحة للمسلمين فإن هذا الرجل استنقذ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلين مسلمين من أسر الكفار ولو قبل منه الإسلام لم يحصل ذلك ويمكن أن يقال أن معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح " أي لو قلت كلمة الإسلام أو هذه الكلمة التي أخبرت بها عن الإسلام قبل أن يقع عليك الأسر لكنت آمنا ولم يجر عليك ما جرى من الأسر وأخذ المال ولم يرد بذلك رد إسلامه بل قبله منه ولكنه لم يحصل بإسلامه الفكاك من الأسر وإرجاع ما أخذ من ماله فلم يحصل له كل الفلاح لأنه لم يعامل في تلك الحال معاملة المسلمين بل عومل معاملة الكفار فبقي في وثاقه وتحت ملك من أسره وعلى هذا يكون في الحديث دليل على ما أراد المصنف لأن الرجل صار مسلما ولم يزل عنه ملك المسلمين وأما على تقدير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقبل منه الإسلام من الأصل فلا يكون فيه دليل على ذلك لأن الرجل باق على كفره ( وفي الحديث ) مشروعية إجارة الأسير إذا دعا وإذا كرر ذلك مرات والقيام إلى ما يحتاج إليه من طعام وشراب . ومعنى قوله " هذه حاجتك " أي حاضرة يؤتى إليك الساعة

باب الأسير يدعي الإسلام قبل الأسر وله شاهد

1 - عن ابن مسعود قال " لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينفلتن منهم أحدا إلا بفداء أو ضرب عنق قال عبد الله بن مسعود فقلت يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما رأيتنا في يوم أخوف أن يقع علي حجارة من السماء مني في ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا سهيل بن بيضاء قال ونزل القرآن { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } إلى آخر الآيات "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن

- الحديث من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه وقد قدمنا أنه لم يسمع منه
قال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث هذا حديث حسن وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه
قوله : " لا ينفلتن " أي لا يخرج من الأسر أحد إلا بأح الأمرين إما الفداء أو القتل زفيه متمسك لمن قال إنه لا يجوز المن بغير فداء وهو مالك كما سلف ولكن غاية ما فيه أنه يدل بمفهوم الحصر على عدم جواز ذلك وقوله تعالى { فأما منا بعد وأما فداء } يدل بمنطوقه على الجواز ويؤيده ما تقدم من منه صلى الله عليه وآله وسلم على ثمامة بن أثال وعلى الثمانين الرجل الذين هبطوا عليه من جبال التنعيم كما سلف وعلى أهل مكة حيث قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء قوله " ونزل القرآن ما كان لنبي " الخ لفظ الترمذي " ونزل القرآن بقول عمر ما كان لنبي " الخ . ( والحديث ) يدل على ما ترجم به المصنف الباب من أنه يجوز فك الأسير من الأسر بغير فداء إذا إدعى الإسلام قبل الأسر ثم شهد له بذلك شاهد وكذلك إذا لك تقع منه دعوى وشهد له شاهد أنه كان قد أسلم قبل الأسر كما وقع في حديث الباب فإنه لم يذكر فيه أن سهيل بن بيضاء إدعى الإسلام أولا ثم شهد له بعد ذلك ابن مسعود بل ليس فيه إلا مجرد صدور الشهادة من ابن مسعود بذكره الإسلام قبل الأسر

باب جواز استرقاق العرب

1 - عن أبي هريرة قال " لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيهم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول هم أشد أمتي على الدجال قال وجاءت صدقاتهن فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه صدقات قومنا قال وكان سبية منهم عند عائشة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل "
- متفق عليه

2 - وفي رواية " ثلاث خصال سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بني تميم لا أزال أحبهم بعده كان على عائشة محرر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتقي من هؤلاء وجاءت صدقاتهم فقال هذه صدقات قومي قال وهم أشد الناس قتالا في الملاحم "
- رواه مسلم

3 - وعن مروان بن الحكم وعن مسور بن مخرمة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب الحديث إلى أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت بكم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا فإنا نختار سبينا فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤنا تائبين وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى ترفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود

4 - وعن عائشة قالت " لما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السبي لثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له فكاتبته عن نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله إني جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فجئتك أستعينك على كتابتي قال فهل لك من خير من ذلك قالت وما هو يا رسول الله قال أقضي كتابتك وأتزوجك قالت نعم يا رسول الله قال قد فعلت قال وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوج جويرية بنت الحارث فقال الناس أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأرسلوا ما بأيديهم قالت فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها "
- رواه أحمد واحتج به في رواية محمد بن الحكم وقال لا أذهب إلى قول عمر ليس على عربي ملك قدسي النبي صلى الله عليه وآله وسلم العرب في غير حديث وأبو بكر على حين سبى بني ناجية

- حديث عائشة في قصة بني المصطلق أخرجه أيضا الحاكم وأبو داود والبيهقي وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر كما تقدم في باب الدعوة قبل القتالز قوله " أحب بني تميم " هم القبيلة الشهيرة ينسبون إلى تميم بن مر بضم الميم بلا هاء ابن أد بضم أوله وتشديد الدال المهملة ابن طابخة بموحدة مكسورة ومعجمة بن الياس بن مضر
قوله : " بعد ثلاث " زاد أحمد من وجه آخر عن أبي زرعة عن أي هريرة " وما كان قوم من الأحياء أبغض إلي منهم فأحببتهم " انتهى وإنما كان يبغضهم لما كان بينهم وبين قومه في الجاهلية من العداوة
قوله : " هم أشد أمتي على الدجال " في الرواية الثانية " وهم أشد الناس قتالا في الملاحم " وهي أعم من الرواية الأولى ويمكن أن يحمل العام هنا على الخاص فيكون المراد هنا بالملاحم أكثرها وهي قتال الدجال ليدخل غيره بطريق الأولى
قوله : " هذه صدقات قومي " وأما نسبهم إليه لاجتماع نسبه بنسبهم في الياس بن مضر قال وكانت سبية منهم أي من تميم وهي بوزن فعيلة مفتوح الأول من السبي أو السباء في رواية الإسماعيلي نسمة بفتح النون المهملة أي نفس
قوله : " محرر " بمهملات اسم مفعول وقد بين ذلك الطبراني أن الذي كان على عائشة نذر ولفظه " نذرت عائشة أن تعتق محررا من بني إسماعيل " وله في الكبير " أن عائشة قالت يا نبي الله إني نذرت عتيقا من ولد إسماعيل فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم اصبري حتى يجيء فيء بني العنبر غدا فجاء فيء بني العنبر فقال خذي منهم أربعة " الحديث قوله " وقد كنت استأنيت بكم " أي أخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم وكان صلى الله عليه وآله وسلم قد ترك السبي بغير قسمة وتوجه غبى الطائف فحاصرها ثم رجع عنها إلى الجعرانة ثم قسم الغنائم هناك فجاءه وفد هوازن بعد ذلك فبين لهم أنه انتظرهم وقوله " بضع عشر ليلة " بيان لمدة الانتظار
قوله : " قفل " بفتح القاف والفاء أي رجع وذكر الواقدي أن وفد هوازن كانوا أربعة وعشرين بيتا فيهم الزبر قال السعدي فقال يا رسول الله إن في هذه الحظائر إلا أمهاتك وخالاتك وحواضنك ومرضعاتك فأمنن علينا من الله عليك
قوله : " أن يطيب " بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء التحتانية أي يعطي ذلك طيبة من نفسه من غير عوض
قوله : " على حظه " أي يرد السيب بشرط أن يعطى عوضه
قوله : " يفيء الله علينا " بضم أوله ثم فاء مكسورة وهمزة بعد التحتانية الساكنة أي يرجع إلينا من مال الكفار من خراج أو غنيمة أو غير ذلك ولم يرد الفيء الإصلاحي وحده
قوله : " عرفاؤكم " بضم العين المهملة جمع عريف بوزن عظيم وهو القائم بأمر طائفة من الناس من عرفت بالضم وبالفتح على القوم عرافة فإنا عارف وعريف وليت أمر سياستهم وحفظ أمورهم وسمي بذلك لكونه يتعرف أمورهم
قوله : " فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا " نسبة التطييب والإذن إلى الجميع حقيقة لكن سبب ذلك مختلف فالأغلب الأكثر منهم طابت أنفسهم أن يردوا السبي لأهله بغير عوض وبعضهم رده بشرط التعويض ومعنى طيبوا حملوا أنفسهم على ترك السبايا حتى طابت بذلك يقال طيبت نفسي بكذا إذا حملتها على السماح به من غير إكراه فطابت بذلك ويقال طيبت نفس فلان إذا كلمته بما يوافقه وإنما قلنا أن بعضهم رده بشرط العوض مع أن ظاهر الحديث يدل على أنه لم يشترط العوض أحدا منهم لما في رواية موسى بن عقبة بلفظ " فأعطى الناس ما بأيديهم إلا قليلا من الناس سألوا الفداء " وفي رواية عمرو بن شعيب " فقال المهاجرون ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت الأنصار كذلك وقال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة أما أنا وبنو فزارة فلا وقال العباس ابن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تمسك منكم بحقح فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم "
قال ابن بطال في الحديث مشروعية إقامة العرفاء لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر جميع الأمور بنفسه فيحتاج إلى إقامة من يعاونه ليكفيه ما يقيمه فيه قال والأمر والنهي إذا توجه إلى الجميع يقع التواكل فيه من بعضهم فربما وقع التفريط فإذا أقام على كل قوم عريفا لم يسع كل أحد إلا الإنقياد بما أمر به وفيه أن الخبر الوارد في ذم العرفاء لا يمنع إقامة العرفاء لأنه محمول إن ثبت على أن الغالب على العرفاء الاستطالة ومجاوزة الحد وترك الإنصاف المفضي إلى الوقوع في المعصية والحديث في ذم العرفاء أخرجه أبو داود من طريق المقدام بن معد يكرب رفعه " العرافة حق ولابد للناس من عريف والعرفاء في النار " ولأحمد وصححه ابن خزيمة من طريق عباد بن علي عن أبي حازم عن أبي هريرة رفعه " ويل للأمراء ويل للعرفاء " قال الطيبي قوله والعرفاء في النار ظاهر أقيم مقام الضمير يشعر أن العرافة على خطر ومن باشرها غير آمن الوقوع في المحظور المفضي إلى العذاب فهو كقوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونه نارا } . فينبغي للقاقل أن يكون على حذر منها لئلا يتورط فيما يؤديه إلى النار
قال الحافظ ويؤيد هذا التأويل الحديث الآخر حيث توعد الأمراء بما توعد به العرفاء فدل على أن المراد بذلك الإشارة إلى أن كل من يدخل في ذلك لا يسلم فإن الكل على خطر والاستثناء مقدر في الجميع . ومعنى العرافة حق أن أصل نصبهم حق فإن المصلحة مقتضية لما يحتاج إليه الأمير من المعاونة على ما لا يتعاطاه بنفسه ويكفي في الاستدلال بذلك وجودهم في العهد النبوي كما دل عليه حديث الباب
قوله
قوله : " بني الكصطلق " قد تقدم ضبطه وتفسيره في باب الدعوة قبل القتال
قوله : " وقعت جويرية " بالجيم مصغرا بنت الحارث بن أبي ضرار بن الحرث بن مالك بن المصطلق وكان أبوها سيد قومه وقد أسلم بعد ذلك
قوله : " ملاحة " بضم الميم وتشديد اللام بعدها حاء مهملة أي مليحة وقيل شديدة الملاحة وجمعه ملاح وإملاح وملاحون بتخفيف اللام وملاحون بتشديدها ذكر معنى ذلك في القاموس
وقد استدل المصنف رحمه الله تعلى بأحاديث الباب على جواز استرقاق العرب وإلى ذلك ذهب الجمهور كما حكاه الحافظ فيكتاب العتق من فتح الباري . وحكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة أنه لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف واستدل له بقوله تعالى { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } الآية قال والمراد مشركوا العرب إجماعا إذا كان العهد لهم يومئذ دون العجم اه . ثم قال في موضع آخر من البحر فأما الاسترقاق وإن كان عربيا غير كتابي لم يجز الشافعي يجوز لنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم لو كان الاسترقاق ثابتا على العرب الخبر اه . وهو يشير إلى حديث معاذ الذي أخرجه الشافعي والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم حنين لو كان الاسترقاق جائزا على العرب لكان اليوم إنما هو أسرى وفي إسناده الواقدي وهو ضعيف جدا ورواه الطبراني من طريق أخرى فيها يزيد ابن عياض وهو أشد ضعفا من الواقدي ومثل هذا لا تقوم به حجة
وظاهر الآية عدم الفرق بين العربي والعجمي وقد خصت الهادوية عدم جواز الاسترقاق بذكور العرب دون إناثهم ومن أدلتهم على عدم جواز استرقاق الذكور من العرب أنه لو ثبت الاسترقاق لهم لوقع ولم يرد في وقوعه شيء على كثرة اسر العرب في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم فإن المكروه أيضا لابد أن يقع ولو لبيان الجواز ولا يجوز أن يخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغ حكم الله
قال في المنار مستدلا على ما ذهب إليه الجمهور وقد استفتحت الصحابة أرض الشام وهم عرب وكذلك في أطراف بلاد العرب المتصلة بالعجم ولم يفتشوا العربي من العجمي والكتابي من الأمي بل سووا بينهم لم يرو عن أحد خلاف ذلك ثم ذكر قول أحمد ابن حنبل الذي ذكره المصنف ( والحاصل ) أنه قد ثبت في جنس أساري الكفار جواز القتل والمن والفداء والاسترقاق فمن ادعى أن بعض هذه الأمور تختص ببعض الكفار دون بعض لم يقبل منه ذلك إلا بدليل ناهض يخصص العمومات والمجوز قائم في مقام المنع وقول علي وفعله عند بعض المانعين من استرقاق ذكور العرب حجة وقد اسيرق بني ناجية ذكورهم وإناثهم وباعهم كما هو مشهور في كتب السير والتواريخ وبنو ناجية من قريش فكيف ساغت لهم مخالفته

باب قتل الجاسوس إذا كان مستأمنا أو ذميا

1 - عن سلمة بن الأكوع قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عيين وهو في سفر فجلس عند بعض أصحابه يتحدث ثم انسل فقال ثم انسل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلبوه فاقتلوه فسبقتهم إليه فقتلته فنفلني سلبه "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود

2 - وعن فرات بن أبي حيان " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتله وكان ذميا وكان عينا لأبي سفيان وحليفا لرجل من الأنصار فمر بحلقة منالأنصار فقال إني مسلم فقال رجل من الأنصار يا رسول الله إنه يقول أنه مسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن منكم رجالا نكلهم إلي وإيمانهم منهم فرات بن حيان "
- رواه أحمد وأبو داود وترجمه بحكم الجاسوس الذمي

3 - وعن علي رضي الله عنه " بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال انطلقوا حتى تأتواروضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا اتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم "
- متفق عليه

- حديث فرات بن حيان في إسناده أبو همام الدلال محمد بن محبب ولا يحتج بحديثه وهو يرويه عن سفيان الثوري ولكنه قد روى الحديث المذكور عن سفيان بشر بن السري البصري وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه . ورواه عن الثوري أيضا عباد بن موسى الأزرق العباداني وكان ثقة
قوله : " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عين " في رواية لمسلم أن ذلك كان في غزوة هوازن وسمي الجاسوس عينا لأن عمله بعينه أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها كأن جميع بدنه صار عينا
قوله : " فنفلني " في رواية البخاري فنفله بالالتفات من ضمير المتكلم إلى الغيبة . وسبب قتله أنه أطلع على عورة المسلمين كما وقع عند مسلم من رواية عكرمة بلفظ فقيد الجمل ثم تقدم يتغذى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة في الظهر إذ خرج يشتد
وفي الحديث دليل على أنه يجوز قتل الجاسوس قال النووي فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق وأما المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي ينتقض عهده بذلك وعند الشافعية خلاف أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض اتفاقا . وحديث فرات المذكور في الباب يدل على جواز قتل الجاسوس الذمي وذهبت الهادوية إلى أنه يقتل جاسوس الكفار والبغاة إذا كان قد قتل أو أو حصل القتل بسببه وكانت الحرب قائمة وإذا اختل شيء من ذلك حبس فقط
قوله : " وعن فرات " بضم الفاء وراء مهملة وبعد الألف تاء مثناة فوقية وهو عجلي سكن الكوفة وهاجر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يزل يغزو معه إلى أن قبض فنزل الكوفة
قوله : " روضة خاخ " بخائين معجمتين منقوطتين من فوق
قوله : " ظعينة " بالظاء المعجمة بعدها عين مهملة وهي المرأة
قوله : " من عقاصها " جمع عقيصة وهي الظفيرة من شعر الرأس وتجمع أيضا على عقص
قوله : " من حاطب " بحاء مهملة وبلتعة بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح اتاء المثناة من فوق بعدها عين مهملة
قوله : " أنه قد شهد بدرا " ظاهر هذا أن العلة في ترك قتله كونه ممن شهد بدرا وأولا ذلك لكان مستحقا للقتل ففيه متمسك لمن قال أنه يقتل الجاسوس ولو كان من المسلمين وقد روى ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة قال لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم ثم أعطاه امرأة من مزينة وذكر ابن إسحاق أن اسمها سارة وذكر الواقدي أن اسمها كنود وفي رواية له أخرى سارة وفي أخرى له أيضا أم سارة . وذكر الواقدي أن حاطبا جعل لها عشرة دنانير على ذلك وقيل دينارا واحدا
وقيل أنها كانت مولاة العباس قال السهيلي كان حاطب حليفا لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزيواسم أبي بلتعة عمرو وقيل كان أيضا حليفا لقريش وذكر يحيى بن سلام في تفسيره أن لفظ الكتاب أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده فانظروا لأنفسكم والسلام . كذا حكاه السهيلي وروى الواقدي بسند له مرسل إن حاطبا كتب إلى سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم وقد أحببت أن تكون لي عندكم يد
قوله " وما يدريك لعل الله " الخ هذه بشارة عظيمة لأهل بدر رضوان الله عليهم لم تقع لغيرهم والترجي المذكور قد صرح العلماء بأنه في كلام الله وكلام رسوله للوقوع وقد وقع عند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه أن الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم . وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعا لن يدخل النار أحد شهد بدرا وقد استشكل قوله اعملوا ما شئتم فإن ظاهره أنه للإباحة وهو خلاف عقد الشرع وأجيب بأنه إخبار عن الماضي أي كل عمل كان لكم فهو مغفور ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي ولقال فسأغفر لكم وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب لأنه صلى الله عليه وآله وسلم خاطب به عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين فدل على أن المراد ما سيأتي وأورده بلفظ الماضي مبالغة في تحقيقه وقيل أن صيغة الأمر في قوله اعملوا للتشريف والتكريم فالمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك وأنهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السالفة وتأهلوا لأن يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت أي كل ما عملتموه بعد هذه الوقعة من أي عمل كان فهو مغفور وقيل أن المراد أن ذنوبهم تقع إذا وقعت مغفورة وقيل هي بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم وفيه نظر ظاهر لما وقع في البخاري وغيره في قصة قدامة بن مظعون من شربه الخمر في أيام عمر وأن عمر حده ويؤيد القول بأن المراد بالحديث أن ذنوبهم إذا وقعت تكون مغفورة ما ذكره البخاري في باب استتابة المرتدين عن أبي عبد الرحمن السلمي التابعي الكبير أنه قال لحبان بن عطية قد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء يعني عليا كرم الله وجهه
قال في الفتح واتفقوا أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها اه

باب أن عبد الكافر إذا خرج إلينا مسلما فهو حر

1 - عن ابن عباس قال " أعتق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الطائف من خرج إليه من عبيد المشركين "
- رواه أحمد

2 - وعن الشعيبي عن رجل من ثقيف قال " سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرد إلينا أبا بكرة وكان مملوكنا فأسلم قبلنا فقال لا هو طليق الله ثم طليق رسوله "
- رواه أبو داود

3 - وعن علي قال " خرج عبدان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني يوم الحديبية قبل الصلح فكتب إليه مواليهم فقالوا والله يا محمد ما خرجوا إليك رغبة في دينك وإنما خرجوا هربا من الرقة فقال ناس صدقوا يا رسول الله ردهم إليهم فغ ؟ ؟ صلى الله عليه وآله وسلم وقال ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا وأبى أن يردهم وقال هم عتقاء الله عز و جل "
- رواه أبو داود

- حديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأخرجه أيضا ابن سعد من وجه آخر مرسلا وقصة أبي بكرة في تدليه من حصن الطائف مذكورة في صحيح البخاري في غزوة الطائف وحديث على أخرجه أيضا الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي وقال أبو بكر البزار لا نعلمه يروي عن علي بن أبي طالب إلا من حديث ربعي
قوله : " من عبيد المشركين " منهم أبو بكرة والمنبعث وكان عبدا لعثمان بن عامر بن معتب ومنهم مرزوق زوج سمية والدة زياد والأزرق وكان لكلدة الثقفي . وورد أن كان لعبيد الله بن ربيعة وبحنس وكان لابن مالك الثقفي وإبراهيم بن جارية وكان لخرشة الثقفي ويقال كان معهم زياد بن سمية والصحيح أنه لم يخرج حينئذ لصغره
وقد روي أنهم ثلاثة وعشرون عبدا من الطائف من جملتهم أبو بكرة كما ذكره البخاري في المغازي وفيه رد على من زعم أن أبا بكرة لم ينزل من سور الطائف غيره وهو شيء قاله موسى بن عقبة في مغازية وتبعه الحاكم وجمع بعضهم بين القولين أن أبا بكرة نزل وحده أولا ثم نزل الباقون بعده وهو جمع حسن : قوله " إن يرد إلينا أبا بكرة " اسمه نفيع بن الحرث وكان مولى الحرث بن كلدة الثقفي فتدلى من حصن الطائف ببكرة فكني أبا بكرة لذلك أخرج ذلك الطبراني بإسناد لا بأس به من حديث أبي بكرة
قوله : " عبدان " جمع عبد وفي أحاديث الباب دليل على أن من هرب من عبيد الكفار إلى المسلمين صار حرا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم هم عتقاء الله ولكن ينبغي للإمام أن ينجز عتقتهم كما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم في عبيد الطائف كما في حديث ابن عباس المذكور في الباب

باب أن الحربي إذا أسلم قبل القدرة عليه أحرز أمواله

1 - قد سبق قوله عليه السلام " فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالها إلا بحقها "

2 - وعن صخر بن عيلة " أن قوما من بني سليم فروا عن أرضهم حين جاء الإسلام فأخذتها فأسلموا فخاصموني فيها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فردها عليهم وقال إذا أسلم الرجل فهو أحق بأرضه وماله "
- رواه أحمد وأبو داود بمعناه وقال فيه فقال يا صخران القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودماءهم

3 - وعن أبي سعيد الأعشم " قال قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العبد إذا جاء فأسلم ثم جاء مولاه فأسلم إنه حر وإذا جاء المولى ثم جاء العبد بعد ما أسلم مولاه فهو أحق به "
- رواه أحمد في رواية أبي طالب وقال أذهب إليه قلت وهو مرسل

- الحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله قد سبق الخ تقدم في أول كتاب الصلاة . وحديث صخر بن عيلة قال الحافظ في بلوغ المرام رجاله موثقون اه وعيلة بفتح العين المهملة وسكون التحتانية وهي أم صخر
وفي الباب عن أبي هريرة عند أبي يعلى مرفوعا " من أسلم على شيء فهو له " وضعفه ابن عدي بياسين الزيات الرواي عن أبي هريرة قال البيهقي وإنما يروى عن ابن أبي مليكة وعن عروة مرسلا وفي الباب أيضا عن عروة مرسلا عند سعيد بن منصور برجال ثقات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاصر بني قريظة فأسلم ثعلبة وأسيد بن سعية فأحرز لهما إسلامها أموالهما وأولادهما لصغار
وأخرج ابن إسحاق في المغازي عن شيخ من بني قريظة أنه قال له هل تدري كيف كان إسلام ثعلبة وأسيد ونفر من هذيل لم يكونوا من بني قريظة والنضير كانوا فوق ذلك أنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيبان فأقام عندنا فوالله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس خيرا منه فقدم علينا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسنين وكان يقول أنه يتوقع خروج نبي قد أظل زمانه فذكر الحديث فلما كانت الليلة التي افتتح فيه قريظة قال أؤلئك الفتية الثلاثة يا معشر يهود والله إنه للرجل الذي كان ذكر لكم ابن الهيبان قالوا ما هو أياه قال بلى والله إنه لهو قال فنزلوا وأسلموا وكانوا شبابا فخلوا أموالهم وأولادهم وأهليهم في الحصن عند المشركين فلما فتح رد ذلك عليهم وأخرجه أيضا البيهقي وأسيد المذكور بفتح الهمزة وكسر السين وسعية بفتح السين المهملة وإسكان العين المهملة أيضا وفتح التحتية
وقيل بالنون بدل الياء قال النووي وهو تصحيف من بعض الفقهاء والهيبان بفتح الهاء والياء المثناة من تحت والباء الموحدة كذا ضبطه المطرزي في المغرب
وفي القاموس الهيبان بالتشديد وقد يخفف صحابي أسلم
قوله : " دماءهم وأموالهم " الظاهر أن الأموال تشمل المنقول وغير المنقول فيكون المسلم طوعا أحق بجميع أمواله وقد صرح بدخول الأرض في حديث صخر المذكور في الباب لقوله فيه " بأرضه وماله " وقد ذهب الجمهور إلى أن الحربي إذا أسلم طوعا كانت جميع أمواله في ملكه ولا فرق بين أن يكون إسلامه في دار السلام أو دار الكفر على ظاهر الدليل
وقال بعض الحنفية أن الحربي إذا أسلم في دار الحرب وأقام بها حتى غلب المسلمون عليها فهو أحق بجميع ماله إلا أرضه وعقاره فإنها تكون فيئا للمسلمين وقد خلافهم أبو يوسف في ذلك فوافق الجمهور وذهبت الهادوية إلى مثل ما ذهب إليه بعض الحنفية إذا كان إسلامه في دار الحرب قالوا وإن كان إسلامه في دار الإسلام كانت أمواله جميعها فيئا من غير فرق بين المنقول وغيره إلا أطفاله فإنه لا يجوز سبيهم ويدل على ما ذهب إليه الجمهور أنه صلى الله عليه وآله وسلم أقر عقيلا على تصرفه فيما كان لأخويه علي وجعفر وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدور والرباع بالبيع وغيره ولم يغير ذلك ولا أنتزعها ممن هي في يده لما ظفر فكان ذلك دليلا على تقرير من بيده دار أو أرض إذا أسلم وهي في يده بطريق الأولى وقد بوب البخاري على قصة عقيل هذه فقال باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم قال القرطبي يحتمل أن يكون مراد البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من على أهل مكة بأموالهم ودورهم قبل أن يسلموا فتقرير من أسلم يكون بطريق الأولى قوله " فأخذتها " الأخذ هو صخر المذكور
قوله : " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العبد " الخ فيه دليل على أن من أسلم من عبيد الكفار قبل إسلامهم صار حرا بمجرد إسلامه لما تقدم في الباب الأول أن العبيد الذين يفرون من دار الحرب إلى دار الإسلام عتقاء الله ومن أسلم بعد إسلام سيده كان مملوكا لسيده لإن إسلام السيد قد أحرز ماله ودمه والعبد من جملة أمواله ( والحديث ) المذكور وإن كان مرسلا إلا أنه يدل على معناه الحديث المتفق عليه الذي أشار إليه المصنف لقوله فيه " فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم " فلو حكم بحرية عبد الرجل المسلم إذا أسلم لكان بعض ماله خارجا عن العصمة وهكذا يدل على هذا المعنى حديث صخر المذكور وأحاديث الباب الأول تدل على ما دل عليه حديث أبي سعيد المذكور من أن عبد الحربي إذا أسلم صار حرا بإسلامه فقد دل على جميع ما اشتمل عليه من التفصيل غيره من الأحاديث فلا يضر إرساله

باب حكم الأرضين المغنومة

1 - عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما قرية أتيتموها فأقمتم فيها فسهمكم فيها وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ورسوله ثم هي لكم "
- رواه أحمد ومسلم

2 - وعن أسلم مولى عمر قال قال عمر " أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك أخر الناس بيانا ليس لهم من شيء ما فتحت على قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر ولكن أتركها خزانة لهم يقتسمونها "
- رواه البخاري

3 - وفي لفظ " قال لئن عشت إلى هذا العام المقبل لا تفتح للناس قرية إلا قسمتها بينهم كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر "
- رواه أحمد

4 - وعن بشير بن يسار عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أدركهم يذكرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهما جمع كل سهم مائة سهم فجعل نصف ذلك كله للمسلمين فكان في ذلك النصف سهام المسلمين وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معها وجعل النصف الآخر لمن ينزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس "
- رواه أحمد وأبو داود

5 - وعن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة " قال قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر نصفين نصف لنوائبه وحوائجه ونصف بين المسلمين قسمها على ثمانية عشر سهما "
- رواه أبو داود

6 - وعن سعيد بن المسيب " أن رسول الله أفتتح بعض خيبر عنوة "
- رواه أبو داود

7 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منعت العراق درهما وقفيزها ومنعت الشام مديها ودينارها ومنعت مصر أردبها ودينارها وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

- حديث بشر بن يسار سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا أبو داود عنهمن طريق أخرى أنه سمع نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا ذكر هذا الحديث قال فكان النصف سهام سهام المسلمين وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعزل النصف للمسلمين لما ينوبه من الأمور والنوائب وأخرجه أبو داود أيضا من طريق ثالثة عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا واسطة بأطول من اللفظين المذكورين سابقا وهو مرسل فإنه لم يدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أدرك فتح خيبر . وحديث بشر أيضا الذي رواه من طريق سهل سكت عنه أبو داود والمنذري
قوله : " أيما قرية " الخ فيه التصريح بأن الأرض المغنومة تكون للغانمين قال الخطابي فيه دليل على أن أرض العنوة حكمها حكم سائر الأموال التي تغنم وإن خمسها لأهل الخمس وأربعة أخمماسها للغانمين قوله " ببانا " بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة وبعد الألف نون كذا للأكثر قال أبو عبيد بعد أن أخرجه عن ابن مهدي قال ابن مهدي يعني شيئا واحدا قال الخطابي ولا حسب هذه اللفظة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث
وقال الأزهري بل هي لغة صحيحة لكنها غير فاشية هي لغة معد وقد صححها صاحب العين وقال ضوعفت حروفه يقال هم على بيان واحد وقال الطبري البيان المعدم الذي لا شيء له فالمعنى لولا أني أتركهم فقراء معدومين لا شيء لهم أي متساوين في الفقر وقال أبو سعيد الضرير فيما تعقبه على أبي عبيد صوابه بيانا بالموحدة ثم تحتانية بدل الثانية أي شيئا واحدا فإنهم قالوا لمن لا يعرف هو هيان بن بيان اه
وقد وقع من عمر ذكر هذه الكلمة في قصة أخرى وهو أنه كان يفضل في القسمة فقال لئن عشت لأجعلن للناس بيانا واحدا ذكره الجوهري وهو مما يؤيد تفسيره بالتسوية
قوله : " يقتسمونها " أي يقتسمون خراجها
قوله : " كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر " فيه تصريح بما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنه عارش ذلك عنده حسن النظر لآخر المسلمين فيما يتعلق بالأرض خاصة فوقفها على المسلمين وفرض عليها الخراج الذي يجمع مصلحتهم
وروى أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه أراد أن يقسم السواد فشاور في ذلك فقال لعلي رضي الله عنه دعه يكون مادة للمسلمين فتركه وأخرج أيضا من طريق عبد الله بن أبي قيس أن عمر أراد قسمة الأرض فقال له معاذ إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبيدون فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة ويأتي قوم يسدون من الإسلام مسدا ولا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم فاقتضى رأي عمر تأخير قسم الأرض وضرب الخراج عليها للغانمين ولمن يجيء بعدهم وقد اختلف في الأرض التي يفتتحها المسلمون عنوة
قال ابن المنذر ذهب الشافعي إلى أن عمر استطاب أنفس الغانمين الذين افتتحوا أرض السواد وإن الحكم في أرض العنوة أن تقسم كما قسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيبر وتعقب بأنه مخالف لتعليل عمر بقوله لولا أن أترك آخر الناس الخ لكن يمكن أن يقال معناه لولا أن ترك آخر الناس ما استطابت أنفس الغانمين وأما قول عمر كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر فإنه يريد بعض خيبر لا جميعها هكذا قال الطحاوي وأشار إلى ما في ذلك حديث بشير بن يسار المذكور في الباب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عزل نصف خيبر لنوائبه وما بنزل به وقسم النصف الباقي بين المسلمين والمراد بالذي عزله ما افتتح صلحا وبالذي قسمه ما افتتح عنوة وقد اختلف في الأرض الذي أبقاها عمر بغير قسمة فذهب الجمهور إلى أنه وقفها لنوائب المسلمين وأجرى فيها الخراج ومنع بيعها وقال بعض الكوفيين أبقاها ملكا لمن كان بها من الكفرة وضرب عليهم الخراج قال في الفتح وقد اشتد نكير كثير من فقهاء أهل الحديث لهذه المقالة انتهى
وقد ذهب مالك إلى أن الأرض المغنومة لا يقسم بل تكون وقفا يقسم خراجها في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة وبناء القناطر والمساجد وغير ذلك من سبل الخير إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة فإن له أن يقسم الأرض وحكى هذا القول ابن القيمعن جمهور الصحابة ورجحه وقال أنه الذي كان عليه سيرة الخلفاء الراشدين قال ونازع في ذلك بلاب وأصحابه وطلبوا أن يقسم بينهم الأرض التي فتحوها فقال عمر هذا غير المال ولكن أحبسه فيئا يجري عليكم وعلى المسلمين فقال بلال وأصحابه اقسمها بيننا فقال عمر اللهم أكفني بلالا وذويه فما حال الحول ومنهم عين تطرف ثم وافق سائر الصحابة عمر قال ولا يصح أن يقال أنه استطاب نفوسهم ووقفها برضاهم فإنهم نازعوه فيها وهو بأبى عليهم ثم قال ووافق عمر جمهور الأئمة وإن اختلفوا في كيفية إبقائها بلا قسمة فظاهر مذهب أحمد وأكثر نصوصه على أن الإمام مخير فيها تخيير مصلحة لا تخيير شهوة فإن كان الأصلح للمسلمين قسمتها قسمها وإن كان الأصلح أن يقفها على جماعتهم وقفها وإن كان الأصلح قسمة البعض ووقف البعض فعله فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل الأقسام الثلاثة فإنه قسم أرض قريظة والنضير وترك قسمة مكة وقسم بعض خيبر وترك بعضها لما ينوبه من مصالح المسلمين وفي رواية لأحمد أن الأرض تصير وقفا بنفس الظهور والاستيلاء من غير وقف من الإمام وله رواية ثالثة أن الإمام يقسمها بين الغانمين كما يقسم بينهم المنقول إلى أن يتركوا حقهم منها قال وهو مذهب الشافعي بناء من الشافعي على أن آية الأنفال وآية الحشر متواردتان وأن الجميع يسمى فيئا وغنيمة ولكنه يرد عليه أن ظاهر سوق آية الحشر أن الفيء غير الغنيمة وأن له مصرفا عاما ولذلك قال عمر أنها عمت الناس بقوله ( والذين جاؤا من بعدهم ) ولا يتأتى حصة لمن جاء من بعدهم إلا إذا بقيت الأرض محبسة للمسلمين إذ لو استحقها المباشرون للقتال وقسمت بينهم توارثها ورثة أولءك فكانت القرية والبلد تصير إلى امرأة واحدة أو صبي صغير ذهبت الحنفية إلى أن الإمام مخير بين القسمة بين الغانمين وأن يقرها لأربابها على خراج أو ينتزعها منهم ويقرها مع آخرين وعند الهادوية الإمام مخير بين وجوه أربعة معروفة في كتبهم
قوله : " افتتح بعض خيبر عنوة " العنة بفتح العين المهملة وسكون النون القهر
قوله : " وقفيزها " القفيز مكيال ثمانية مكاكيك قوله " ومنعت العراق مديها " المدي مائة مد وإثنان وتسعون مدا وهو صاع أهل العراق قوله " ومنعت مصر أردبها " بالراء والدال المهملتين بعدها موحدة قال في القاموس الأردب كقرشب مكيال ضخم بمصر ويضم أربعة وعشرون صاعا انتهى . قوله " وعدتم من حيث بدأتم " أي رجعتم إلى الكفر بع الإسلام وهذا الحديث من أعلام النبوة لإخباره صلى الله عليه وآله وسلم بما سيكون من ملك المسلمين هذه الأقاليم ووضعهم الجزية والخراج ثم بطلان ذلك إما بتغلبهم وهو أصح التأويلين وفي البخاري ما يدل عليه : ولفظ المنع في الحديث يرشد إلى ذلك وإما بإسلامهم ووجه الاستدلال المصنف بهذا الحديث على ما ترجم الباب به من حكم الأرضين المغنومة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم أن الصحابة يضعون الخراج على الأرض ولم يرشدهم إلى خلاف ذلك بل قرره وحكاه لهم
باب ما جاء في فتح مكة هل هو عنوة أو صلح

1 - عن أبي هريرة أنه ذكر فتح مكة فقال " أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل مكة فجعل الزبير على إحدى المجنبتين وبعث خالدا على المجنبة الأخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كتيبته قال وقد بشت قريش أوباشها وقالوا نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء لنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا قال أبو هريرة ففطن فقال لي أبا هريرة قلت لبيك يا رسول الله قال اهتف لي بالأنصار ولا يأتيني إلا أنصار ي فهتف بهم فجاؤا فطافوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال بيديه أحداهما على الأخرى احصدوا حصدا حتى توافوني بالصفا قال أبو هريرة فانطلقنا فما يشاء أحد منا أن يقتل منهم ما شاء إلا قتله وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن فأغلق الناس أبوابهم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحجر فاستلمه ثم طاف في البيت وفي يده قوس وهو آخذ بسية القوس فأتى بطوافه على صنم إلى جنب البيت يعبدونه فأخذ يطعن به في عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل ثم أتى الصفا فعلا حيث ينظر إلى البيت فرفع يده فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه والأنصار تحته قال يقول بعضهم لبعض أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته قال أبو هريرة وجاء الوحي وكان إذا جاء لم يخف علينا فليس أحد من الناس يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقضي فلما قضي الوحي رفع رأسه ثم قال يا معشر الأنصار أقلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته قالوا قلنا ذلك يا رسول الله قال فما أسمى إذن كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم فأقبلوا إليه يبكون ويقولون والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن برسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصدقانكم ويعذرانكم "
- رواه أحمد زمسلم

2 - وعن أم هانئ " قالت ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب فسلمت عليه فقال من هذه فقلت أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال مرحبا يا أم هانئ فلما فرغ من غسله قام يصلي ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد فلما انصرف قلت يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلا قد أجرته فلان بن هبيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ قالت وذلك ضحى "
- متفق عليه
وفي لفظ لأحمد " قالت لما كان يوم فتح مكة أجرت رجلين من أحمائي فأدخلتهما بيتا وأغلقت عليهما بابا فجاء ابن أمي علي فتفلت عليهما بالسيف " وذكرت حديث أمانهما

- قوله " على إحدى المجنبتين " بضم الميم وفتح الجيم وكسر النون المشددة قال في القاموس والمجنبة بفتح النون المقدمة والمجنبتان بالكسر الميمنة والميسرة انتهى . فالمراد هنا أنه صلى الله عليه وآله وسلم بعث الزبير إما على الميسرة أو على الميمنة وخالدا على الأخرى
قوله : " على الحسر " بضم الحاء المهملة وتشديد السين المهملة ثم راء جمع حاسر وهو من لا سلاح معه
قوله : " في كتيبته " هي الجيش قوله " وبشت قريش أوباشها " الأوباش بموحدة ومعجمة الأخلاط والسفلة كما في القاموس والمراد أن قريشا جمعت السفلة منها
قوله : " اهتف لي بالأنصار " أي اصرخ بهم قال في القاموس هتفت الحمامة تهتف صاتت وبه هتافا بالضم صاح
قوله : " ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى " فيه استعارة القول للفعل والمراد أنه أشار بيديه إشارة تدل على الأمر منه صلى الله عليه وآله وسلم بقتل من يعرض لهم من أوباش قريش . وقوله " احصدوهم حصدا " تفسير منه صلى الله عليه وآله وسلم لما دلت عليه الإشارة بالقول هكذا وقع عند المصنف فيما رأيناه من النسخ بدون لفظ أي المشعرة بأن ما بعدها تفسير للإشارة من الراوي ولفظ مسلم أي احصدوهم حصدا
قوله : " أبيدت خضراء قريش " في رواية " أبيحت " وخضراء قريش بالخاء والضاد المعجمتين بعدهما راء قال القاموس والخضراء سواد القوم ومعظمهم
قوله : " لا قريش بعد اليوم " يجوز في قريش الفتح لكنه يحتاج إلى تأويل أي لا أحد من قريش لأنه لا يفتح بعد لا إلا النكرة والرفع أيضا على أنها بمعنى ليس وهو شاذ حتى قيل أنه لم يرد إلا في الشعر
قوله : " بسية قوسه " سية القوس ما انعطف من الطرفين لأنهما متساويان وهي بكسر السين المهملة وفتح الياء التحتية وخففة
قوله : " على صنم إلى جنب البيت " في رواية البخاري أن الأصنان كانت ثلثماءة وستين
قوله : " يطعن " بضم العين وبفتحها والأول أشهر . قوله " ويقول جاء الحق " زاد في حديث ابن عمر عند الفاكهي وصححه ابن حبان فيسقط الصنم ولا يمسه وللفاكهي والطبراني من حديث ابن عباس قلم يبق لهم إبليس أقدامها بالرصاص وإنما فعل ذلك صلى الله عليه وآله وسلم لها إذلالا لها ولعابديها وإظهار لعدم نفعها لأنها إذا عجزت أن تدفع عن نفسها فهي عن الدفع عن غيرها أعجز
قوله : " الضن " بكسر الضاد المعجمة مشددة بعدها نون أي الشح والبخل أن يشاركهم أحد في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله " يصدقانكم ويعذرانكم " فيه جواز الجمع بين ضمير الله ورسوله وكذلك وقع الجمع بينهما في حديث النهي عن لحوم الحمر الأهلية بلفظ " إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية " فلا بد من حمل النهي الواقع في حديث الخطيب الذي خطب بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم فقال " من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوي " الحديث وقد تقدم على من اعتقد التسوية كما قدمنا ذلك في موضعه
قوله : " وعن أم هانئ " قد تقدم الكلام على أطراف من هذا حديث فيي صلاة الضحى
قوله : " زعم ابن أمي " في رواية للبخاري في أول كتاب الصلاة زعم ابن أبي والكل صحيح فإنه شقيقها وزعم هنا بمعنى ادعى قوله " إنه قاتل رجلا " فيه إطلاق اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعل
قوله : " فلان بن هبيرة " بالنصب على البدل أو الرفع على الحذف
وفي رواية أحمد المذكورة رجلين من أحمائي وقد أخرجها الطبراني قال أبو العباس بن سريج هما جهدة بن هبيرة ورجل آخر من بني مخزوم وكانا فيمن قاتل خالد بن الوليد ولم يقبلا الأمان فأجارتهما أم هانئ وكانا من أحمائها وقال ابن الجوزي إن كان ابن هبيرة منهما فهو جعدة انتهى
قال الحافظ وجعدة معدود فيمن له رواية ولم يصح له صحبة وقد ذكره من حييث الرواية في التابعين البخاري وابن حبان وغيرهما فكيف يتهيألمن هذه سبيله في صغر السن أن يكون عام الفتح مقاتلا يحتاج إلى الأمان انتهى . وهبيرة المذكور هو زوج أم هانئ فلو كان الذي أمنته أم هانئ هو ابنها منه لم يهم علي بقتله لأنها كانت قد أسلمت وهرب زوجها وترك ولدها عندها وجوز ابن عبد البر يكون ابنا لهبيرة من غيرها مع نقله عن أهل النسب أنهم لم يذكروا الهبيرة ولدا من غير أن هانئ وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن اللذين أجارتهم أم هانئ هما الحرث بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزوميان وروى الأزرقي بسند فيه الواقدي في حديث أم هانئ هذا أنهما الحرث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة وحكي بعضهم أنهما الحرث بن هشام وهبيرة بن أبي وهب وليس بشيء لأن هبيرة هرب بعد فتح مكة إلى نجران فلم يزل بها مشركا حتى مات كذا جزم به ابن إسحاق وغيره فلا يصح ذكره فيمن أجارته أم هانئ وقال الكرماني قال الزبير بن بكار فلان بن هبيرة هو الحرث بن هشام
قال الحافظ والذي يظهر لي أن في رواية الحديث حرفا كان فيه فلان ابن عم ابن هبيرة فسقط لفظ عم أو كان فيه فلان قريب ابن هبيرة فتغير لفظ قريب إلى لفظ ابن وكل من الحرث بن هشام وزهير بن أبي أمية وعبد الله بن أبي ربيعة يصح وصفه بأنه ابن عم هبيرة وقريبه لكون الجميع من بني مخزوم
وقد تمسك بحديث أبي هريرة وحديث أم هانئ من قال أن مكة فتحت عنوة ومحل الحجة من الأول أمره صلى الله عليه وآله وسلم للأنصار بالقتل لأوباش قريش ووقوع القتل منهم ومحل الحجة من الثاني ما وقع من علي من أراد قتل من أجارته أم هانئ ولو كانت مكة مفتوحة صلحا لم يقع منه ذلك وسيأتي ذكر الخلاف وما هو الحق في ذلك

3 - وعن هشام بن عروة عن أبيه قال " لما سار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح فبلغ ذلك قريشا خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم ابن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتوا مر الظهران فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذوهم وأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم أبو سفيان فلما سار قال للعباس أحبس أبا سفيان عند خطم الجبل حتى ينظر إلى المسلمين فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر كتيبة بعد كتيبة على أبي سفيان حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها قال يا عباس من هذه قال هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة ومعه الراية فقال سعد بن عبادة يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة فقال أبو سفيان يا عباس حبذا يوم الذمار ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وراية النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الزبير بن العوام فلما مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أبي سفيان قال ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال ما قال قال قال كذا وكذا فقال كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ترجز رايته بالحجون قال عروة فأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت العباس يقول للزبير بن العوام يا أبا عبد الله ههنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تركز الراية قال نعم قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ خالد بن الولييد أن يدخل من أعلى مكة من كداء ودخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كدي "
- رواه البخاري

- قوله " عن هشام بن عروة عن أبيه قال لما سار " الخ هكذا أورده البخاري مرسلا قال في الفتح ولم أره في شيء من الطرق موصولا عن عروة ولكن آخر الحديث موصول لقول عروة فيه أخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت العباس الخ قوله " فبلغ ذلك قريشا " يحتمل أن يكون ذلك بطريق الظن لا أن مبلغ بلغهم حقيقة ذلك
قوله : " حتى أتوا من الظهران " بفتح الميم وتشديد الراء مكان معروف والعامة تقول بسكون الراء وزيادة واو والظهران بفتح المعجمة وسكون الهاء بلفظ نثنية ظهر قوله " فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذوهم " الخ في رواية ابن إسحاق فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر الظهران قال العباس والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش قال فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى جئت الأراك فقلت لعلي أجد بعض الحطابة أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم إذا سمعت كلام أبا سفيان وبديل بن ورقاء قال فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة قال فعرف صوتي فقال أبو الفضل قلت نعم قال ما الحيلة قلت فأركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأستأمنه لك قال فركب خلفه ورجع صاحباه وهذا مخالف لما في حديث الباب أنهم أخذوهم
وفي رواية ابن عائذ فدخل بديل وحكيم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلما
قال في الفتح فيحمل قوله ورجع صاحباه أي بعد أن أسلما واستمر أبو سفيان عند العباس لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له أن يحبسه حتى يرى العساكر ويحتمل أن يكونا رجعا لما التقى العباس بأبي سفيان فأخذهما العسكر أيضا وفي مغازي موسى بن عقبة فلقيهم العباس فأجارهم وأدخلهم على صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم بديل وحكيم وتأخر أبو سفيان بإسلامه إلى الصبح ويجمع بين الروايات أن الحرس أخذوهم فلما رأوا أبا سفيان مع العباس تركوه معه . قوله " احبس أبو سفيان " في رواية موسى بن عقبة أن العباس قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني لا آمن أن يرجع أبو سفيان فيكفر فأحبسه بالمضيق دون الأراك حتى يرى جنود الله ففعل فقال أبو سفيان أغدر يا بني هاشم قال له العباس لا ولكن لي إليك حاجة فتصبح فتنظر جنود الله وما أعد الله للمشركين فحبسه بالمضيق دون الأراك حتى أصبحوا . قوله " عند خطم الجبل " في رواية النفسي والقابسي بفتح الخاء المعجمة وسكون المهملة وبالجيم والموحدة أي أنف الجبل وهي رواية ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي وفي رواية الأكثر بفتح المهملة من اللفظة الأولى وبالخاء المعجمة وسكون التحتانية من الثانية أي إزدحامها وإنما حبسه هناك لكونه كان مضيقا ليرى الجميع ولا تفوته رؤية أحد منهم
قوله : " كتيبة " بوزن عظيمة وهي القطعة من الجيش من الكتب وهو الجمع
قوله : " ومعه الراية " أي راية الأنصار وكانت راية المهاجرين مع الزبير كما هو مذكور في آخر الحديث
قوله : " يوم الملحمة " بالحاء المهملة أي يوم الحرب لا يوجد منه مخلص أو يوم القتل يقال لحم فلان فلانا إذا قتله
قوله : " يوم الذمار " بكسر المعجمة وتخفيف الميم أي الهلاك قال الخطابي تمنى أبو سفيان أن تكون له يد فيحمي قومه ويدفع عنهم وقيل المراد هذا يوم الغضب للحريم والأهل وقيل المراد هذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي من أن ينالني فيه مكروه
قوله : " وهي أقل الكتائب " أي أقلها عددا لأن عدد المهاجرين كان أقل من عدد غيرهم من القبائل
وقال القاضي عياض وقع للجميع بالقاف ووقع في الجمع للحميدي أجل بالجيم
قوله : " كذب سعد " فيه إطلاق الكذب على الأخبار بغير ما سيقع ولو قاله القائل بناء على ظنه وقوة القرينة والخلاف في ماهية الكذب معروف قوله " يعظم الله فيه الكعبة " وهذا إشارة إلى ما وقع من إظهار الإسلام وأذان بلال على ظهر الكعبة وإزالة الأصنام عنها ومحو ما فيها من الصور وغير ذلك
قوله : " ويوم تكسي فيه الكعبة " قيل أن قريشا كانت تكسوا الكعبة في رمضان فصادف ذلك اليوم أو المراد باليوم الزمان أو أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى أنه هو الذي يكسوها في ذلك العام
قوله : " بالحجون " بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة وهو مكان معروف بالقرب من مقبرة مكة قوله " فأخبرني نافع بن جبير " لم يدرك نافع يوم الفتح ولعله سمع العباس يقول للزبير ذلك في حجة اجتمعوا فيها بعد أيام النبوة فإن نافعا لا صحبة له
قوله : " قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ القائل هو عروة وهو من بقية الخبر المرسل وليس فيه من المرفوع إلا ماصرح بسماعه من نافع وأما باقيه فيحتمل أن يكون عروة تلقاه عن أبيه أو عن العباس فإنه أدركه وهو صغير أو جمعه من نقل جماعة له بأسانيد مختلفة قال الحافظ وهو الراجح
قوله : " من كداء " بالمد مع فتح الكاف والآخر بضم الكاف والقصر والأول يسمى المعلى والثاني الثنية السفلى وهذا يخالف ما وقع في سائر الأحاديث في البخاري وغيره أن خالدا دخل من أسفل مكة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم من أعلاها وأمر الزبير أن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه وبعث خالدا في قبائل قضاعة وسليم وغيرهم وأمرهم أن يدخل من أسفل مكة وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت وتمام الحديث المذكور في الباب فقتل من خيل خالد يومئذ رجلان كما في صحيح البخاري وكان على المصنف أن يذكر ذلك لأنه يدل على ما ترجم الباب به وفي مغازي موسى بن عقبة أنه قتل من المشركين يومئذ نحو عشرين رجلا قتلهم أصحاب خالد وذكر ابن سعدان عدة من أصيب من الكفار أربعة وعشرون رجلا
وروى الطبراني من حديث ابن عباس قال " خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله حرم مكة " الحديث " فقيل له هذا خالد بن الوليد يقتل فقال قم يافلان فقل له فليرفع القتل فأتاه الرجل فقال له أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لك أقتل من قدرت عليه فقتل سبعين ثم اعتذر الرجل إليه فسكت " قال وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر الأمراء أن لا يقتلوا إلا من قاتلهم غير أنه كان أهدر دم نفر سماهم انتهى

4 - وعن سعد قال " لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وسماهم "
- رواه النسائي وأبو داود

5 - وعن أبي بن كعب قال " لما كان يوم أحد قتل من الأنصار ستون رجلا ومن المهاجرين ستة فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لنربين عليهم كان يوم الفتح قال رجل لا يعرف لا قريش بعد اليوم فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمن الأسود والأبيض إلا فلانا وفلانا ناس سماهم فأنزل الله عز و جل وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصبر ولا نعاق "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند وقد سبق حديث أبي هريرة وأبي شريح إلا أن فيهما " وإنما أحلت لي ساعة من نهار " وأكثر هذه الأحاديث تدل على أن الفتح عنوة

6 - وعن عائشة قالت " قلنا يا رسول الله ألا تبني بيتا بمنى يظلك قال لامنى مناخ لمن سبق "
- رواه الخمسة إلا النسائي
وقال الترمذي حديث حسن

7 - وعن علقمة بن نضلة قال " توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعي رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن ومن استغنى أسكن "
- رواه ابن ماجه

- حديث سعد أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وتمامه اقتلوهم وإن وجدتموهم معلقين بستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل من بني غنم ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو معلق بأستار الكعبة فاستبق سعيد بن الحرث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمار وكان أشب الرجلين فقتله الحديث بطوله من طريق عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد المخزومي عن جده عن أبيه وفيه وأما ابن خطل فقتله الزبير بن العوام وجزم أبو نعيم في المعرفة بأن الذي قتله هو أبو برزة وذكر ابن هشام أن عبد الله بن خطل قتله سعيد بن حريث وأبو الأسلمي اشتركا في دمه وذكر ابن حبيب أنه أمر بقتل هند بنت عتبة وقريبة بالقاف والموحدة وسارة فقتلتا وأسلمت هند وذكر ابن إسحاق أن سارة أمنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن استؤمن لها ومنهم الحويرث بن نقيد بنون وقاف مصغرا وهبار بن الأسود وفرتنا بالفاء المفتوحة والراء الساكنة والتاء المثناة الفوقية والنون وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحرث بن طلاطل الخزاعي وذكر الحاكم ممن أهدر دمه كعب بن زهير ووحشي بن حرب وأرنب مولاة ابن خطل وقد ذكر الحافظ في الفتح جملة من لم يؤمنهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسمائهم فكانوا ثمانية رجال وست نسوة منهم من أسلم ومنهم من قتل ومنهم من هرب . وحديث أبي أخرجه أيضا الترمذي وقال حسن غريب من حديث أبي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن خزيمة في الفوائد وابن حبان والطبراني وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الدلائل . وحديث أبي هريرة وأبي شريح تقدما في باب هل يستوفي القصاص والحدود في الحرم من كتاب الدماء . وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه عن أم مسيكية وذكر غيرهما أنها مكية وحديث علقمة بن نضلة رجال إسناده ثقات فإن ابن ماجه قال حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة قال حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد وعثمان بن أبي حسين عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة فذكره وعمر بن سعيد وعثمان بن أبي سليمان ثقتان وأما أبو بكر وعيسى فمن رجال الصحيح
قوله : " لنربين " أي لنزيدن عليهم وفي حديث سعد وحديث أبي بن كعب دليل على أن مكة فتحت صلحا وقد اختلف أهل اعلم في ذلك فذهب الأكثر إلى أنها فتحت عنوة وعن الشافعي ورواية عن أحمد أنها فتحت صلحا لما ذكر في حديث الباب من التأمين ولأنها لم تقسم ولأن الغانمين لم يملكوا دورها والألجاز إخراج أهل الدور منها وحجة الأولين ما وقع من التصريح بالأمر بالقتال ووقوعه من خالد بن الوليد وتصريحه صلى الله عليه وآله وسلم بأنها أحلت له ساعة من نهار ونهيه عن التأسي به في ذلك كما وقع جميع ذلك في الأحاديث المذكورة في الباب تصريحا وإشارة وأجابوا عن ترك القسمة بأنها لا تستلزم عدم العنوة فقد تفتح البلد عنوة ويمن على أهلها وتترك لهم دورهم وغنائمهم ولأن قسمة الأرض المغنومة ليس متفق عليها بل الخلاف ثابت عن الصحابة فمن بعدهم وقد فتحت أكثر البلاد عنوة فلم تقسم وذلك في زمن عمر وعثمان مع وجود أكثر الصحابة وقد زادت مكة عن ذلك بأمر يمكن يدعي اختصاصها به دون بقية البلاد وهي أنها دار النسك ومتعبد الخلق وقد حعلها الله تعالى حرما سواء العاكف فيه والباد وأما قول النووي احتج الشافعي بالأحاديث المشهورة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة ففيه نظر لأن الذي أشار إليه إن كان مراده ما وقع من قوله صلى الله عليه وآله وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن كما تقدم وكذا من دخل المسجد كما عند أبي إسحاق فإن ذلك لا يسمى صلحا إلا إذا التزم من أشير إليه بذلك الكف عن القتال والذي ورد في الأحاديث الصحيحة ظاهر في أن قريشا لم يلتزموا ذلك لأنهم استعدوا للحربكما تقدم في حديث أبي هريرة أن قريشا وبشت أوباشا فإن كان مراده بالصلح وقوع عقده فهذا لم ينقل كما قال الحافظ قال ولا أظنه عني إلا الاحتمال الأول أعني قوله من دخل دار أبي سفيان فهو آمن
وتمسك أيضا من قال إنه أمنهم بما وقع عند أبي إسحاق في سياق قصة الفتح فقال العباس لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة يخبرهم بما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة ثم قال في القصة بعد قصة أبي سفيان من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وغلى المسجد وعند موسى بن عقبة في المغازي وهي أصح ما صنف في ذلك كما قال الحافظ وروي ذلك عن الجماعة ما نصه أن أبا سفيان وحكيم بن حزام فادع الناس بالأمان أرأيت إن أعتزلت قريش وكفت أيديها آمنون هم قال من كف يده وأغلق داره فهو آمن قالوا فابعثنا نؤذن بذلك فيهم قال فانطلقوا فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل دار حكيم فهو آمن ودار أبي سفيان بأعلى مكة ودار حكيم بأسفلها فلما توجها قال العباس يا رسول الله إني لا آمن أبا سفيان أن يرتد فرده حتى تريه جنود الله قال افعل فذكر القصة وفي ذلك تصريح بعموم التأمين فكان هذا أمانا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة ثم قال الشافعي كانت مكة مؤمنة ولم يكن فتحها عنوة والأمان كالصلح وأما الذين تعرضوا للقتال والذين استثنوا من الأمان وأمر أن يقتلوا ولو تعلقوا بأستار الكعبة فلا يستلزم ذلك أنها فتحت عنوة ويمكن الجمع بين حديث أبي هريرة في أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالقتال وبين حديث عروة المتقدم المصرح بتأمينه صلى الله عليه وآله وسلم لهم وكذلك حديث سعد وحديث أبي بن كعب المذكوران بأن يكون التأمين علق على شرط وهو ترك قريش المجاهرة بالقتال فلما تفرقوا إلى دورهم ورضوا بالتأمين المذكور لم يستلزم أن أوباشهم الذين لم يقبلوا ذلك وقاتلوا خالد بن الوليد ومن معه حتى قاتلهم وهزمهم ان تكون البلد فتحت عنوة لأن العبرة بالأصول لا بالإتباع وبالأكثر لا بالأقل كذا قال الحافظ في الفتح ويجاب عنه بما تقدم في أول الباب من حديث أبي هريرة أن قريشا وبشت أوباشا لها وقالوا نقدم هؤلاء الخ فإنه يدل على أن غير الأوباش لم يرضوا بالتامين بل وقع التصريح في ذلك الحديث بأنهم قالوا فإن كان للأوباش شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا ومما احتج به الشافعي ما وقع في سنن أبي داود بإسناد حسن عن جابر أنه سئل هل غنمتم يوم الفتح شيئا قال لا ويجاب بأن عدم الغنيمة لا يستلزم عدم العنوة لجواز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عليهم بالأموال كما من عليهم بالأنفس حيث قال إذهبوا فأتنم الطلقاء
ومن أوضح الأدلة على أنها فتحت عنوة قوله صلى الله عليه وآله وسلم " وإنما أحلت لي ساعة من نهار " فإن هذا تصريح بأنها أحلت له في ذلك يسفك بها الدماء وإن حرمتها ذهبت فيه وعادت بعده ولو كانت مفتوحة صلحا لما كان لذلك معنى يعتد به وقد وقع في مسند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن تلك الساعة استمرت من صبيحة يوم الفتح إلى العصر واحتجت طائفة منهم الماوردي إلى أن بعضها فتح عنوة لما وقع من قصة خالد بن الوليد وقرر ذلك الحاكم في الإكليل وفيه جمع بين الأدلة
قال الحافظ في الفتح والحق أن صورة فتحها كان عنوة ومعاملة أهلها معاملة من دخلت بإمان ومنع قوم منهم السهيلي ترتيب عدم قسمتها وجواز بيع دورها وإجارتها على أنها فتحت صلحا وذكر المصنف رحمه الله لحديث عائشة وحديث علقمة بن نضلة في أحاديث الباب يشعر بأنه من القائلين بالترتب ولا وجه لذلك لأن الإمام مخير بين قسمة الأرض المغنومة بين الغانمين وبين إبقائها وقفا على المسلمين ويلزم من ذلك منع بيع دورها وأجارتها وأيضا قد قال بعضهم لا تدخل الأرض في حكم الأموال لأن من مضى كانوا إن غلبوا على الكفار لم يغنموا إلا الأموال وتنزل النار فتأكلها وتصير الأرض لهم عموما كما قال تعالى { ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } الآية وقال تعالى { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها } الآية

باب بقاء الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام وأن لا هجرة من دار أسلم أهلها

1 - عن سمرة بن جندب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله "
- رواه أبو داود

2 - وعن رير بن عبد الله " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود فاسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمرهم بنصف العقل وقال أنا برئمن كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قالوا يا رسول الله ولم قال لا تتراءى نارهما "
- رواه أبو داود والمنذري

3 - وعن معاوية قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها "
- رواه أحمد وأبو داود

4 - وعن عبد الله بن السعدي " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو "
- رواه أحمد والنسائي

5 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا "
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه لكن له منه " إذا استنفرتم فانفروا " وروت عائشة مثله متفق عليه

6 - وعن عائشة وسئلت عن الهجرة فقالت " لا هجرة اليوم كان المؤمن يفر بدينه إلى الله ورسوله مخافة أن يفتن فأما اليمو فقد أظهر الله الإسلام والمؤمن بعبد ربه حيث شاء "
- رواه البخاري

7 - وعن مجاشع بن مسعود أنه جاء بأخيه مجالد بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال " هذا مجالد جاء يبايعك على الهجرة فقال لا هجرة بعد فتح مكة ولكن أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد "
- متفق عليه

- حديث سمرة قال الذهبي إسناده مظلم لا تقوم بمثله حجة . وحديث جرير أخرجه أيضا ابن ماجه ورجال إسناده ثقات ولكن صحح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والدارقطني إرساله إلى قيس بن أبي حازم ورواه الطبراني أيضا موصولا وحديث معاوية أخرجه أيضا النسائي قال الخطابي إسناده فيه مقال . وحديث عبد الله السعدي أخرجه أيضا ابن ماجه وابن منده والطبراني والبغوي وابن عساكر
قوله : " فهو مثله " فيه دليل على تحريم مساكنة الكفار ووجوب مفارقتهم والحديث وإن كان فيه المقال المتقدم لكن يشهد لصحته قوله تعالى { فلا تقعدوا معهم إنكم إذا مثلهم } وحديث بهز بن خكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده مرفوعا " لا يقبل الله من مشرك عملا بعد ما أسلم أو يفارق المشركين " قوله " لا تتراءى نارهما " يعني لا ينبغي أن يكونا بموضع بحيث تكون نار كل واحد منهما في مقابلة الأخرى على وجه لو كانت متمكنة من الإبصار لأبصرت الأخرى فإثبات الرؤية للنار مجاز
قوله : " ما قوتل العدو " فيه دليل على أن الهجرة باقية ما بقيت المقاتلة للكفار
قوله : " لا هجرة بعد الفتح " أصل الهجرة هجرة الوطن وأكثر ما تطلق على من رحل من البادية إلى القرية
قوله : " ولكن جهاد ونية " قال الطيبي وغيره هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة إنقطعت إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك
قوله : " إذا استنفرتم فانفروا " قال النووي أن الخير الذي انقطع بإنقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة و إذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه
قال الطيبي أن قوله ولكن جهاد الخ معطوف على محل مدخول لا هجرة إلى الهجرة من الوطن أما للفرار من الكفار أو إلى الجهاد أو إلى غير ذلك كطلب العلم فانقطعت الأولى وبقيت الأخريان فاغتنموهما ولا تقاعدوا عنهما بل إذا استنفرتم فانفروا
قال الحافظ وليس الأمر في انقطاع الهجرة من الكفار على ما قال انتهى
وقد اختلف في الجمع بين أحاديث الباب فقال الخطابي وغيره كانت الهجرة فرضا من أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم للاجتماع فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو انتهى
قال الحافظ وكانت الحكمة أيضا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من اذى من يؤذيه من الكفار فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه وفيهم نزلت { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } الآية وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها
وقال الماوردي إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام فالإقامة فيها أفضل من الرحلة عنها لما يترجى من دخول غيره الإسلام ولا يخفى ما في هذا الرأي من المصادمة لأحاديث الباب القاضية بتحريم الإقامة في دار الكفر
وقال الخطابي أيضا أن الهجرة أفترضت لما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } فلما فتحت مكة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل انقطعت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب
وقال البغوي في شرح السنة يحتمل الجمع بطريق أخرى فقوله لا هجرة بعد الفتح أي من مكة إلى المدينة . وقوله " لا تنقطع " أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الإسلام قال ويحتمل وجها آخر وهو أن قوله لا هجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه إلا بإذن فقوله لا تنقطع أي هجرة من هاجر على غير هذا الوصف من الأعراب ونحوهم وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ " انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار " أي ما دام في الدنيا دار كفر فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن على دينه ومفهومه أنه لو قدر أن لا يبقى في الدنيا دار كفر إن الهجرة تنقطع لإنقطاع موجبها وأطلق ابن التين أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت واجبة وأن من أقام بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة بغير عذر كان كافرا
قال الحافظ وهو إطلاق مردود
وقال ابن العربي الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام وكانت فرضا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستمرت بعده لمن خاف على نفسه والتي انقطعت أصلا هي القصد إلى حيث كان وقد حكى في البحر أن الهجرة عن دار الكفر واجبة إجماعا حيث حمل على معصية أو ترك أو طلبها الإمام بقوته لسلطانه وقد ذهب جعفر بن مبشر وبعض الهادوية إلى وجوب الهجرة عن دار الفسق قياسا على دار الكفر وهو قياس مع الفارق والحق عدم وجوبها من دار الفسق لأنها دار إسلام وإلحاق دار الإسلام بدار الكفر بمجرد وقوع المعاصي فيها على وجه الظهور ليس بمناسب لعلم الرواية ولا لعلم الدراية . وللفقهاء في تفاصيل الدور والأعذار المسوغة لترك الهجرة مباحث ليس هذا محل بسطها

أبواب الأمان والصلح والمهادنة

باب تحريم الدم بالأمان وصحته من الواحد

1 - عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به "
- متفق عليه

2 - عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكل غادر لواء يوم القيانة يرفع له بقدر غدرته إلا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة "
- رواه أحمد ومسلم

3 - وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم "
- رواه أحمد

4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أن المرأة لتأخذ للقوم يعني تجير على المسلمين "
- رواه الترمذي وقال حسن غريب

- حديث علي تقدم في أول كتاب الدماء وقد أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وأخرجه أيضا أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ " يد المسلمين على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويجير عليهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم " ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر مطولا ورواه ابن ماجه من حديث معقل بن يسار مختصرا بلفظ " المسلمون يد على سواهم تتكافأ دماؤهم " ورواه الحاكم عن أبي هريرة مختصرا بلفظ " المسلمون تتكافأ دماؤهم " ورواه من حديثه أيضا مسلم بلفظ " إن ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " وهو متفق عليه أيضا من حديث علي من طريق أخرى بأطول من هذا
وأخرجه البخاري من حديث أنس وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث أبي عبيدة بلفظ " يجير على المسلمين بعضهم " وفي إسناده حجاج بن أرطأة وهو ضعيف
وأخرجه أيضا أحمد من حديث أبي أمامة بنحوه
وأخرجه أيضا الطيالسي في مسنده من حديث عمرو ابن العاص بلفظ " يجير على المسلمين أدناهم " ورواه أحمد من حديث أبي هريرة وحديث أبي هريرة المذكور في الباب رواه الترمذي من طريق يحيى بن أكثم حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة فذكره ثم قال وفي الباب عن أم هانئ وهذا حديث حسن غريب انتهة
وقد تقدم حديث أم هانئ قريبا
وأخرج أبو داود والنسائي عن عائشة قالت إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين فيجوز
قوله : " يعرف به " في رواية للبخاري ينصب وفي إخراج له يرى . ولمسلم من حديث أبي سعيد عند أستة قال ابن منير كأنه عومل بنقيض قصده لأن عادة اللواء أن يكون على الرأس فنصبه عند السفل زيادة في فضيحته لأن الأعين غالبا تمتد إلى الألوية فيكون ذلك سببا لامتدادها للذي بدأت له ذلك اليوم فيزداد بها فضيحة . قوله " بقدر غدرته " قال في القاموس والغدرة بالضم والكسر ما أغدر من شيء
قال القرطبي هذا خطاب منه للعرب بنحو ما كانت تفعل لأنهم كانوا يرفعون للوفاءراية بيضاء وللغدر راية سوداء ليلوموا الغادر ويذموه فاقتضى الحديث وقوع مثل ذلك للغادر ليشتهر بصفته في القيامة فيذمه أهل الموقف وقد زاد مسلم في رواية له " يقال هذه غدرة فلان " قال في الفتح وأما الوفاء فلم يرد فيه شيء ولا يبعد أن يقع كذلك وقد ثبت لواء الحمد لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وفي حديث أنس وحديث أبي سعيد دليل على تحريم الغدر وغلظه ولا سيما من صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى صرره إلى خلق كثير ولأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء قال القاضي عياض المشهوران هذا الحديث ورد في ذم الإمام إذا غدر في عهود لرعيته أو لمقابلة أو للأمامة التي تقلدها والتزم القيام بها فمن حاف فيها أو ترك الرفق فقد غدر بعهده وقيل المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام فلا تخرج عليه ولا تتعرض لمعصية لما يترتب على ذلك من الفتنة قال والصحيح الأول
قال الحافظ ولا أدري ما المانع من حمل الخبر على أعم من ذلك . وحكي في الفتح في موضع آخر أن الغدر حرام بالاتفاق سواء كان في حق المسلم أو الذمي
قوله : " يسعى بها أدناهم " أي أقلهم فدخل كل وضيع بالنص وكل شريف بالفحوى ودخل في الأدنى المرأة والعبد والصبي والمجنون فأما المرأة فيدل على ذلك حديث أبي هريرة وحديث أم هانئ المتقدم قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على جواز أمان المرأة إلا شيئا ذكره عبد الملك ابن الماجشون صاحب مالك لا أحفظ ذلك عن غيره قال أن أمر الأمان إلى الأمام وتأول ما ورد مما يخالف ذلك على قضايا خاصة قال ابن المنذر وفي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " يسعى بذمتهم أدناهم " دلالة على إغفال هذا القائل قال في الفتح وجاء عن سحنون مثل قول ابن الماجشون فقال هو إلى الأمام إن أجازه جاز وإن رده رد انتهى
وأما العبد فأجاز الجمهور امانه قاتل أو لم يقاتل وقال أبو حنيفة أن قاتل جاز أمانه وإلا فلا وقال سحنون إن إذن له سيده في القتال صح أمانه وإلا فلا
وأما الصبي فقال ابن المنذر أجمع أهل العلم أن أمان الصبي غير جائز قال الحافظ وكلام غيره يشعر بالتفرقة بين المراهق وغيره وكذا المميز الذي يعقل والخلاف عن المالكية والحنابلة وأما المجنون فلا يصح أمانه بلا خلاف كالكافر لكن قال الأوزاعي إن غزا الزمن مع المسلمين فأمن أحدا فإن شاء الإمام أمضاه وإلا فليرده إلى مأمنه . وحكى ابن المنذر عن الثوري أنه استثنى من الرجال الأحرار الأسير في أرض الحرب فقال لا ينفذ أمانه وكذلك الأجير

باب ثبوت الأمان للكافر إذا كان رسولا

1 - عن ابن مسعود قال " جاء ابن النواحة وابن أثال رسولا مسيلمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها أتشهد أن أني رسول الله قالا نشهد أن مسيلمة رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آمنت بالله ورسوله لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما قال عبد الله فمضت السنة أن الرسل لا تقتل "
- رواه أحمد

2 - وعن نعيم بن مسعود الأشجعي قال " سمعت حين قريء كتاب مسيلمة الكذاب للرسولين فما تقولان أنتما نقول كما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما "
- رواه أحمد وأبو داود

3 - وعن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال بعثتني قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقع في قلبي الإسلام فقلت يا رسول الله لا أرجع إليهم قال إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن أرجع إليهم فإن كان في قلبك الذي فيه الأن فارجع "
- رواه أحمد وأبو داود وقال هذا كان في ذلك الزمان اليوم لا يصلح . ومعناه والله أعلم أنه كان في المرة التي شرط لهم فيها أن يرد من جاءه منهم مسلما

- حديث ابن مسعود أخرجه أيضا الحاكم وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي مختصرا . وحديث نعيم بن مسعود سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص وأخرج أبو نعيم في الصحابة أن مسليمة بعث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة وتين وابن شغاف الحنفي وابن النواحة فأما وتين فأسلم وأما الآخران فشهدا أنه رسول الله وأن مسيلمة من بعده فقال خذوهما فأخذا فخرجوا بهما إلى البيت فحبسا فقال رجل هبهما لي يا رسول الله ففعل . وحديث أبي رافع أخرجه أيضا النسائي وصححه ابن حبان
قوله : " ابن النواحة " بفتح النون وتشديد الواو وبعد الألف مهملة وفي سنن أبي داود من طريق حارثة بن مضرب أنه أتى عبد الله يعني ابن مسعود فقال ما بيني وبين أحد من العري حنة وإني مررت بمسجد لبني حنيفة فإذا هم يؤمنون بمسيلمة فأرسل إليهم عبد الله فجيء بهم فاستتابهم غير ابن النواحة قال له سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لولا أنك رسول لضربت عنقك فأنت اليوم لست برسول فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه في السوق ثم قال من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلا في السوق
قوله : " وابن أثال " بضم الهمزة وبعددها مثلثة
قوله : " لا أخيس " بالخاء المعجمة والسين المهملة بينهما مثناة تحتية أي لا أنقض العهد من خاس الشيء في الوعاء إذا فسد
قوله : " ولا أحبس " بالحاء المهملة والموحدة ( والحديثان ) إلا ولإن يدلان على تحريم قتل الرسل الواصلين من الكفار وأن تكلموا بكلمة الكفر في حضرة الإمام أو سائر المسلمين ( والحديث ) الثالث فيه دليل على أنه يجب الوفاء بالعهد للكفار كما يجب للمسلمين لأن الرسالة تقتضي جوابا يصل على يد الرسول فكان ذلك بمنزلة عقد العهد

باب ما يجوز من الشروط مع الكفار ومدة المهادنة وغير ذلك

1 - عن حذيفة بن اليمان " قال ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي الحسيل قال فأخذنا كفار قريش فقالوا أنكم تريدون محمدا فقلنا ما نريده وما نريد إلا الندينة قال فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننطلق إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرناه الخبر فقال انصرفا نفى لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم "
- رواه أحمد ومسلم . وتمسك به من رأي يمين المكره منعقدة

2 - وعن أنس " أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاشترطوا عليه أن من جاء منكم لا ترده ترده عليكم ومن جاء رددتموه علينا فقالوا يا رسول الله أنكتب هذا قال نعم إنه من ذهب منا إليه فأبعده الله ومن جاء منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا "
- رواه أحمد ومسلم

- قوله " وأبي الحسيل " بضم الحاء المهملة وفتح السين المهملة أيضا وسكون الياء بلفظ التصغير وهو والد حذيفة فيكون لفظ الحسيل عطف بيان
قوله : " فاشترطوا عليه إن من جاء منكم " الخ في لفظ البخاري الآتي بعد هذا أن سهيلا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا
قوله : " فقالوا يا رسول الله " الخ سمي الواقدي جماعة ممن قال ذلك منهم أسيد بن حضير وسعد بن عبادة وذكر البخاري في المغازي أن سهل بن حنيف كان ممن أنكر ذلك أيضا وقال الحافظ في الفتح وقائل ذلك يشبه أن يكون هو عمر . ولابن عائد من حديث ابن عباس نحوه وسيأتي بعد هذا الحديث بسط قصة الصلح وقد أطال ابن إسحاق في القصة وزاد على ما عند غيره وقد استدل المصنف بالحديثين المذكورين على جواز مصالحة الكفار على ما وقع فيهما وسيأتي بشط الكلام في ذلك

3 - وعن عروة بن الزبير عن المسور ومروان يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه " قالا خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم زمن الحديبية حتى إذا كان ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة فأنطلق بركض نذيرا لقريش وسار النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به ناقته فقال الناس حل حل فالحت فقالوا خلات القصواء خلات القصواء فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما خلات القصواء وما ذاك لها يخلق ولكن حبسها حابس الفيل قال والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطينهم إياها ثم زجرها فوثبت قال فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل يتربضه الناس تبرضا فلم يلبث الناس حتى نزجوه وشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فوالله مازال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فبيناهم كذلك إذ جاءهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل تهامة فقال أني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا اعدادا مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادقوك عن بيت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنا لم نجئ لقتال أحد ولكن جئنا معتمرين وإن قريش قد نهكتكم الحرب وأضرت بهم فإن شاؤا ماددتهم مدة ويحلو بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاؤا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا وقد جموا وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلتهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره فقال بديل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريش فقال إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل وقد سمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا ققال سفهاؤهم لا حاجة لنا إلى ان تخبرنا عنه بشيء وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته يقول سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام عروة بن مسعود فقال أي قوم ألستهم بالوالد قالوا بلى قال أو لست بالولد قالوا بلى قال فهل تتهموني قالوا لا قال ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني قالوا بلى قال فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد أقبلوها وذروني آته قالوا أئته فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحو من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب أجتاح أصله قبلك وأن تكن الأخرى فإني والله لأرى وجوها أو أني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك فقال له أبو بكر أمصص ببظر اللات إن نحن نفر عنه وندعه فقال من ذا قالوا أبو بكر فقال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي ولم أجزك بها لأجبتك قال وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه سيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرب يده بنصل السيف وقال أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرفع عروة رأسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة قال أي غدر ألست أسعى في غدرتك وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية قتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما الإسلام فاقبل وأما المال فلست منه في شيء
ثم أن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعينه قال فوالله ما تنخم صلى الله عليه وآله وسلم يخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عند وما يحدون إليه النظر تعظيما له فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى و النجاشي والله إن رأيت ملكا قط تعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توشأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إله النظر تعظيما له وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بني كنانة دعوني آته فقالوا أئته فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثوها له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فلما رجع إلى أصحابه قال رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال دعوني آته فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا مكرز بن حفص وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبينا هو يكلمه جاء سهيل بن عمرو قال معمر فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سهل الله لكم من أمركم قال معمر قال الزهري في حديثه فجاء سهيل بن عمرو فقال هات أكتب بيننا وبينكم كتابا فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكاتب فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو لكن أكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اكتب باسمكم اللهم ثم قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال سهيل والله لو كنا نعلم إنك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله قال الزهري وذلك لقوله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن تخلو بيننا وبين البيت فنطوف به قال سهيل والله لا تتحدث العرب إنا أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام المقبل فكتب سهيل وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا قال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين من جاء مسلما فبيناهم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنا لم نقض الكتاب بعد قال فوالله أذن لا أصالحك على شيء أبدا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأجره لي فقال ما أنا بمجيره لك فقال بلى فأفعل قال ما أنا بفاعل قال مكرز بلى قد أجرناه لك قال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا في الله قال فقال عمر بن الخطاب فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت ألست نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قلت أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به قال بلى فأخبرتك إنك تأتيه العام قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به
قال فأتيت أبا بكر فقلت با أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذن قال أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق قلت اليس كان يحدثنا أنا سنأتي البين ونطوف به قال بلى إفأخبرك أنك تأتيه العام قلت لا قال فإنك إذن آتيه ومطوف به قال عمر فعملت لذلك أعمالا فلما فرغ من قضية الكتاب قال صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا فوالله ما قام منهم أحد حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك أخرج ولا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقا فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلمارأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ثم جاء نسوة مؤمنات فأنزل الله عز و جل يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات مهاجرات حتى بلغ بعصم الكوافر فطلق عمر يومئذ إمرأتين كانتا في الشرك فتزوج إحداهما معاوية ابن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية ثم رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون تمرا لهم فقال أبو بصير لأحد الرجلين والله إني لا أرى سيفك هذا يا فلان جيدا فاستله الآخر فقال أجل والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه به حتى برد وفر الآخر حتى أتي المدينة فدخل المسجد يدعو فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رآه لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال قتل والله صاحبي وإني لمقتول فجاء أبو بصير فقال يا نبي الله قد أوفي الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال وتفلت منهم أبو جندل بن سهل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فوالله ما يسمعون بعيرا خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم وأنزل الله عز و جل وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم حتى بلغ حمية الجاهلية وكان حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينه وبين البيت "
- رواه أحمد والبخاري . ورواه أحمد بلفظ آخر وفيه " هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس وفيه وإن بيننا عيبة مكفوفة وإنه لا إغلال ولا إسلاس وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن في عقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعهده وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا جندل إصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا وفيه فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل "

4 - وعن مروان والمسور قالا " لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يأتيك أحد منا وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه فكره المسلمون ذلك وامتعضوا منه وأبي سهيل إلا ذلك فكاتبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما وجاء المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ وهي عاتق فجاء أهلها يسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله عز و جل فيهن إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن إلي ولاهم يحلون لهن "
- رواه البخاري

5 - وعن الزهري قال " عروة فأخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يمتحنهن وبلغنا أنه لما أنزل الله أن يردوا إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهن وحكم على المسلمين أن لا يمسكوا بعصم الكوافر أن عمر طلق إمرأتين قريبة بنت أبي أمية وابنة جرول الخزاعي فتزوج قريبة معاوية وتزوج الأخرى أبو جهم فلما أبى الكفار أن يقروا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم أنزل الله تعالى وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم والعقاب ما يؤدي المسلمون إلى من هاجرت إمرأته من الكفار فأمر أن يعطي من ذهب له زوج من المسلمين ما أنفق من صداق نساء الكفار اللاتي هاجرن وما يعلم أحد من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها "
- أخرجه البخاري
قوله : " الأحابيش " أي الجماعة المجتمعة من قبائل والتحبش التجمع والجنب الأمر يقال ما فعلت كذا في جنب حاجتي وهو أيضا القطعة من الشيء يكون معظمه أو كثيرا منه محروبين أي مسلوبين قد أصيبوا بحرب ومصيبة ويروى موتورين والمعنى واحد . وقوله " العوذ المطافيل " يعني النساء والصبيان والعائذ الناقة القريب عهدها بالولادة والمطفل التي معها فصيلها وحل حل زجر للناقة وألحت أي لزمت مكانها وخلأت أي حرنت . والثمد الماء القليل . والتبرض أخذه قليلا قليلا والبرض القليل والأعداد جمع عد وهو الماء الذي لا انقطاع لمادته . وجاشت بالرأي أي فارت به . وعيبة نصحه أي موضع سره لأن الرجل يضع في عيبته حر متاعه . وجمعوا أي استراحوا والسالفة صفحة العنق والخطة الأمر والشأن . والأشواب الأخلاط من الناس مقلوب الأوباش . والضغطة بالضم الشدة والتضييق . والرسف مشى المقيد . والغرز للرجل بمنزلة الركاب من السرج . وقوله " حتى برد " أي مات ومسعر حرب أي موقد حرب والمسعر والمسعار ما يحمي به النار من الخشب ونحوه . وسيف البحر ساحله وامتعضوا منه كرهوا وشق عليهم . والعاتق الجارية حين تدرك . والعيبة المكفوفة المشرجة وكني بذلك عن القلوب ونقائها من الغل والخداع . والإغلال الخيانة . والإسلال من السلة وهي السرقة وقد جمع هذا الحديث فوائد كثيرة فنشير إلى بعضها إشارة تنبه من يتدبره على بقيتها . فيه أن ذا الحليفة ميقات للعمرة كالحج وأن تقليد الهدى سنة في نفل النسك وواجبه وإن الإشعار سنة وليس من المثلة المنهي عنها وأن أمير الجيش ينبغي له أن يبعث العيون العيون أمامه نحو العدو وإن الاستعانة بالمشرك الموثوق به في أمر الجهاد جائز للحاجة لأن عينة الخزاعي كان كافرا وكانت خزاعة مع كفرها عيبة نصحه وفيه استحباب مشورة الجيش إما لاستطابة نفوسهم أو استعلام مصلحة
وفيه جواز سبي ذرارى المشركين بلإنفرادهم قبل التعرض لرجالهم وفي قول أبي بكر لعروة جواز التصريح باسم العورة لحاجة ومصلحة وأنه ليس بفحش منهى عنه وفي قيام المغيرة على رأسه بالسيف استحباب الفخر والخيلء في الحرب لإرهاب العدو وأنه ليس داخل بذمة لمن أحب أن يتمثل له الناس قياما وفيه أن مال المشرك المعاهد لا يملك بغنيمة بل يرد عليه
وفيه بيان طهارة النخامة والماء المستعمل
وفيه استحباب التفاؤل وإن المكروه الطيرة وهي التشاؤم
وفيه أن المشهود عليه إذا عرف باسمه واسم أبيه أغني عن ذكر الجد
وفيه أن مصالحة العدو ببعض ما فيه ضيم على المسلمين جائزة للحاجة والضرورة دفعا لمحذور أعظم منه
وفيه أن من وعد أو حلف ليفعلن كذا ولم يسم وقتا فإنه على التراخي وفيه أن الإحلال نسك على المحصروان له نحر هدية بالحل لأن الموضع الذي نحروا فيه بالحديبية من الحل بدليل قوله تعالى والهدى معكوفا أن يبلغ محله
وفيه أن مطلق أمره عليه السلام على الفور وأن الأصل مشاركة أمته له في الأحكام
وفيه أن شرط الرد لا يتناول من خرج مسلما إلى غير بلد الإمام وفيه أن النساء لا يجوز شرط ردهن للآية وقد أختلف في دخولهن في الصلح فقيل لمن يدخلن فيه لقوله على أن لا يأتيك منا رجل إلا رددته وقيل دخلن فيه لقوله في رواية أخرى لا يأتيك منا أحد لكن نسخ ذلك أو بين فساده بالآية وفيما ذكرناه تنبيه على غيره

- قوله " عن المسور ومروان " هذه الرواية بالنسبة إلى مروان مرسلة لأنه لا صحبة له وأما المسور فهي بالنسبة إليه أيضا مرسلة لأنه لم يحضر القصة وقد ثبت في رواية للبخاري في أول كتاب الشروط من صحيحه عن الزهري عن عروة أنه سمع المسور ومروان يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرا بعض هذا الحديث وقد سمع المسور ومروان من جماعة من الصحابة شهدوا هذه القصة كعلي وعمر وعثمان والمغيرة وأم سلمة وسهل بنف وغيرهم ووقع في بعض هذه الأحاديث شيء يدل على أنه عن عمر كما سيأتي التنبيه عليه في مكانه
وقد روى أبو الأسود عن عروة هذه القصة فلم يذكر المسور ولا مروان لكن ئارسلها وكذلك أخرجها ابن عائذ في المغازي وأخرجها الحاكم في الإكليل من طريق أبي الأسود ايضا عن عروة منقطعة
قوله : " زمن الحديبية " هي بئر سمي المكان بها وقيل شجرة حدباء صغرت وسمي المكان بها قال قال المحب الطبري الحديبية قرية من مكة أكثرها في الحرم . ووقع عند ابن سعد أنه صلى الله عليه وآله وسلم خرج يوم الاثنين لهلال ذي القعدة زاد سفيان عن الزهري في رواية ذكرها البخاري في المغازي وكذا في رواية أحمد عن عبد الرزاق في بضع عشرة مائة فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدى وأحرم منها بعمرة وبعث عينا له من خزاعة وروى عبد العزيز الأفاقي عن الزهري في هذا الحديث عن ابن أبي شيبة خرج صلى الله عليه وآله وسلم في ألف وثمانمائة وبعث عينا له من خزاعة يدعى ناجية يأتيه بخبر قريش كذا سماه ناجية والمعروف أن ناجية اسم الذي بعث معه الهدي كما جزم به ابن إسحاق وغيره وأما الذي بعثه عينا لخبر قريش فاسمه بسر بن سفيان كذا سماه ابن إسحاق وهو بضم الموحدة وسكون المهملة على الصحيح
قوله : " بالغميم " بفتح المعجمة وحكي عياض فيها التصغير قال المحب الطبري يظهر أن المراد كراع الغميم الذي وقع ذكره في الصيام هو الذي بين مكة والمدينة انتهى . وسياق الحديث أنه كان قريبا من الحديبية فهو غير كراع الغميم الذي بين مكة والمدينة وأما الغميم هذا فقال ابن حبيب هو مكان بين رابغ والجحفة وقد بين ابن سعدان خالدا كان بهذا الموضع في مائتي فارس فيهم عكرمة بن أبي جهل والطليعة مقدمة الجيش
قوله : " بقترة " بفتح القاف والمثناة من فوق وهو الغبار الأسود وفي نسخة من هذا الكتاب بغبرة بالغين المعجمة وسكون الموحدة
قوله : " حتى إذا كان بالثنية " في رواية ابن إسحاق فقال صلى الله عليه وآله وسلم من يخرجنا على طريق غير طريقهم التي هم بها قال فحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رجلا من أسلم قال أنا يا رسول الله فسلك بهم طريقا وعرا فلما خرجوا منه بعد أن شق عليهم وأفضوا إلى أرض سهلة قال لهم استغفروا الله ففعلوا فقال والذي نفسي بيده إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فامتنعوا وهذه الثنية هي ثنية المرار بكسر الميم وتخفيف الراء وهي طريق في الجبل تشرف على الحديبية وزعم الداودي أنها الثنية التي أسفل مكة وهو وهم وسمى ابن سعد الذي سلك بهم حمزة بن عمرو الأسلمي
قوله : " بركت به ناقته " في رواية للبخاري راحلته . وحل بفتح الحاء المهملة وسكون اللام كلمة تقال للناقة إذا تركت السير وقال الخطابي إن قلت حل واحدة فبالسكون وإن أعدتها نونت في الأول وسكنت في الثانية وحكى غيره السكون فيها والتنوين كنظيره في بخ بخ حلحلت فلانا إذا أزعجته عن موضعه قوله " فالحت " بتشديد المهملة أو تمادت على عدم القيام وهو من الإلحاح
قوله " خلأت " الخلاء بالمعجمة وبالمد للإبل كالحران للخيل وقال ابن قتيبة لا يكون الخلاء إلا للنوق خاصة
وقال ابن فارس لا يقال للجمل خلأ ولكن الخ والقصواء بفتح القاف بعدها مهملة ومد اسم ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيل كان طرف أذنها مقطوعا والقصو القطع من طرف الأذن وكان القياس بأن تكون بالقصر وقد وقع ذلك في بعض نسخ أبي ذر . وزعم الداودي أنها كانت لا تسبق فقيل لها قصواء لأنها بلغت من السبق أقصاه
قوله : " وما ذاك لها بخلق " أي بعادة قال ابن بطال وغيره في هذا الفصل جواز الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش طلبا لغرتهم وجواز التنكب عن الطريق السهل إلى الوعر للمصلحة وجواز الحكم على الشيء بما عرف من عادته وإن جاو أن يطرأ عليه غيره وإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد منه مثلها لا ينسب إليها ويرد على من نسبه إليها ومعذرة من نسبه ممن لا يعرف صورة الحال
قوله : " حبسها حابس الفيل " زاد ابن إسحاق عن مكة أي حبسها الله تعالى عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها وقصة الفيل مشهورة ومناسبة ذكرها أن الصحابة لو دخلوا مكة على تلك الصورة وصدهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال يفضي إلى سفك الدماء ونهب الأموال كما لو قدر دخول الفيل وأصحابه مكة لكن سبق في علم الله تعالى في الموضعين أنه سيدخل في الإسلام خلق منهم وسيخرج من أصلابهم ناس يسلمون ويجاهدون زكان بمكة في الحديبية جمع كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فلو طرق الصحابة مكة لما أمن أن يصاب منهم ناس بغير عمد كما أشار إليه تعالى في قوله { ولولا رجال مؤمنون } ووقع للمهلب جواز استبعاد هذه الكلمة وهي حابس الفيل على الله تعالى فقال المراد حبسها أمر الله عز و جل وتعقب أنه يجوز إطلاقه في حق الله تعال فيقال حبسها الله حابس الفيل كذا أجاب ابن المنير وهو مبني على الصحيح من أن الأسماء توفيقية وقد توسط الغزالي وطائفة فقالوا محل المنع ما لم يرد نص بما يشتق منه بشرط أن لا يكون ذلك السم المشتق مشعرا بنقص فيجوز تسميته بواقي لقوله تعالى { ومن تق السيآت يومئذ فقد رحمته } ولا يجوز تسميته البناء زإن ورد قوله تعالى { والسماء بنيناها بأيد }
قال في الفتح وفي هذه القصة جواز التشبيه من الجهة العامة وإن اختلفت الجه الخاصة لأن أصحاب الفيل كانوا على باطل محض وأصحاب هذه الناقة كانوا على حق محض ولكن جاء النشبيه من جهة إرادة الله تعالى منع الحرم مطلقا أما من أهل الباطل فواضح وأما من أهل الحق فللمعنى الذي تقدم ذكره
وقال الخطابي معنى تعظيم حرمات الله في هذه القصة ترك القتال في الحرم والجنوح إلى المسالمة والكف عن إرادة سفك الدماء
قوله : " والذي نفسي بيده " قال ابن القيم وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحلف في أكثرمن ثمانين موضعا
قوله : " خطة " بضم الخاء المعجمة أي خصلة يعظمون فيها حرمات الله أي من ترك القتال في الحرم وقيل المراد بالحرمات حرم الحرم والشهر الإحرام
قال الحافظ وفي الثلث نظر لأنهم لو عظموا والإحرام ما صدوه ووقع في رواية لابن إسحاق يسألونني فيها صلة الرحم وهي من جملة حرمات الله
قوله : " ألا أعطينهم إياها " أي أجبتم إليها قال السهيلي لم يقع في شيء من طرق الحديث أنه قال إن شاء الله مع أنه مأمور بها في كل حالة والجواب أنه كان أمرا واجبا حتما فلا يحتاج فيه إلى الاستثناء كذا قال وتعقب بأنه تعلى قال في هذه القصة لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فقال إن شاء الله مع تحقق وقوع ذلك تعليما وإرشادا فالأولي أن يحمل على أن الاستثناء سقط من الراوي أو كانت القصة قبل نزول الأمر بذلك ولا يعارضه كون الكهف مكية إذ لا مانع أن يتأخر نزول بعض السورة
قوله " ثم زجرها أي الناقة " فوثبت أي قامت
قوله : " علي ثمد " بفتح المثلثة والميم أي حفيرة فيها ماء قليل يقال ماء مثمود أي قليل فيكون لفظ قليل بعد ذلك تأكيد تادفع توهم أن يراد لغة من يقول أن الثمد الماء الكثير وقيل الثمد ما يظهر من الماء في الشتاء ويذهب في الصيف
قوله : " يتبرضه الناس " بالموحدة وتشديد الراء وبعدها ضاد معجمة وهو الأخذ قليلا قليلا وأصل البرض بالفتح والسكون اليسير من العطاء وقال صاحب العين هو جمع الماء بالكفين قوله " فلم يلبث " لفظ البخاري فلم يلبثه بضم أوله وسكون اللام من الإلباث وقال ابن التين بفتح اللام وكسر الموحدة المثقلة أي لم يتركوه يلبث أي يقيم . قوله " وشكى " بضم أوله على البناء للمجهول . " فانتزع سهما " من كنانته أي أخرج سهما من جعبته
قوله : " ثم أمرهم أن يجعلوه فيه " في رواية ابن إسحاق أن ناجية بن جندب هو الذي نزل بالسهم وكذا رواه ابن سعد قال ابن إسحاق وزعم بعض أهل العلم أنه البراء بن عازب وروى الواقدي أنه خالد بن عبادة الغفاري ويجمع بأنهم تعاونوا على ذلك بالحفر وغيره وفي البخاري في المغازي من حديث البراء في قصة الحديبية أنه صلى الله عليه وآله وسلم جلس على البئر ثم دعا بإناء فمضمض ودعا ثم صبه فيها ثم قال دعوها ساعة ثم أنهم ارتووا بعد ذلك ويمكن الجمع بوقوع الأمرين جميعا
قوله : " يجيش " بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة أي يفور . وقوله " بالري " بكسر الراء ويجوز فتحها . زقوله " صدروا عنه " أي رجعوا رواء بعد ورودهم
قوله : " بديل " بموحدة مصغرا ابن ورقاء بالقاف والمد صاحبي مشهور
قوله : " في نفر من قومه " سمى الواقدي منهم عمرو بن سالم وخراش بن أمية وفي رواية أبي الأسود عن عروة منهم خارجة بن كرز ويزيد بن أمية كذا في الفتح
قوله : " وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " العيبة " بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها موحدة ما يوضع فيه الثياب لحفظها أي أنهم موصع النصح له والأمانة على سره ونصح بضم النون وحكى ابن التين فتحها كأنه شبه الصدر الذي هو مستودع السر بالعيبة التي هي مستودع الثياب
وقوله " من أهل تهامة " بكسر المثناة وهي مكة وما حولها وأصلها من التهم وهو شدة الحرور كود الريح
قوله : " إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي " إنما اقتصر على هذين لكون قريش الذين كانوا بمكة أجمع ترجع أنسابهم إليهما وبقي من قريش بنو سامة ابن لؤي وبنو عوف بن لؤي ولم يكن بمكة منهم أحدا وكذلك قريش الظواهر الذين منهم بنو تميم بن غلب ومحارب بن فهر قال هشام بن الكلبي بنو عامر بن لؤي وكعب بن لؤي هما الصريحان لا شك فيهما بخلاف سامة وعوف أي ففيهما الخلاف قال وهم قريش البطاح أي بخلاف قريش الظواهر
قوله : " نزلوا أعدادا مياه الحديبية " الأعداد بالفتح جمع عد بالكسر والتشديد هو الما الذي لا إنقطاع له . وغفل الداودي فقال هو موضع بمكة وقول بديل هذا يشعر بأنه كان بالحديبية مياه كثيرة وأن قريشا سبقوا إلى النزول عليها فلذا عطش المسلمون حين نزلوا على الثمد المذكور
قوله : " معهم العوذ المطافيل " العوذ بضم المهملة وسكون الواو بعدها معجمة جمع عائذ وهي الناقة ذات اللبن والمطافيل الأمهات اللائي معها أطفالها يريد أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا ألبانها ولا يرجعوا حتى يمنعوه أو كني بذلك عن النساء معهم الأطفال والمراد أنهم خرجوا معهم بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام وليكون أدعى إلى عدم الفرار قال الحافظ ويحتمل إرادة المعنى الأعم قال ابن فارس كل أنثى إذا وضعت فهي سبعة أيام عائذ والجمع عوذ كأنها سميت بذلك لأنها تعوذ ولدها وتلتزم الشغل به
وقال السهيلي سميت بذلك وإن كان الولد هو الذي يعوذ بها لأنها تعطف عليه بالشفقة والحنو كما قالوا تجارة رابحة وإن كان مربوحا فيها ووقع عند ابن سعد معهم العوذ المطافيل والنساء والصبيان
قوله : " قد نهكتهم " بفتح أوله وكسر الهاء أي أبلغت فيهم حتى أضعفتهم إما أضعفت قوتهم وإما أضعفت أموالهم
قوله : " ماددتهم " أي جعلت بيني وبينهم مدة نترك الحرب بيننا وبينهم فيها والمراد بالناس المذكورين سائر كفار العرب وغيرهم
قوله : " فإن أظهر فإن شاؤوا " هو شرط بعد شرط والتقدير فإن ظهر على غيرهم كفاهم المؤنة وإن أظهرانا على غيرهم فإن شاؤا أطاعوني وإلا فلا تنقضي مدة الصلح إلا وقد جمعوا أي استراحوا وهو بفتح الجيم وتشديد الميم المضمومة أي قووا ووقع في رواية ابن إسحاق وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة وإنما ردد الأمر مع أنه جازم بأن الله سينصره ويظهره لو عد الله تعالى له بذلك على طريق التنزيل مع الخصم وفرض الأمر كما زعم الخصم قال في الفتح ولهذه النكتة حذف القسم الأول وهو التصريح بظهور غيره عليه لكن وقع التصريح به في رواية ابن إسحاق ولفظه فإن أصابوني كان الذي أرادوا ولابن عائذ من وجه آخر عن الزهري فإن ظهر الناس علي فذلك الذي يبتغون فالظاهر أن الحذف وقع من بعض الرواة تأدبا
قوله : " حتى تنفرد سالفتي " السالفة بالمهملة وكسر اللام بعدها فاء صفحة العنق وكني بذلك عن القتل قال الداودي المراد الموت أي حتى أموت وأبقى منفردا في قبري ويحتمل أن يكون أراد أنه يقاتل حتى ينفرد وحده في مقاتلتهم وقال ابن امنير لعله صلى الله عليه وآله وسلم نبه بالأدنى على الأعلى أي أن لي من القوة بالله والحول به ما يقتضي أني أقاتل عن دينه لو انفردت فكيف لا أقاتل عن دينه مع وجود المسلمين وكثرتهم ونفاذ بصائرهم في نصر دين الله تعالى
قوله " أو لينفذن الله أمره " بدون شك قال الحافظ وحسن الإتيان بهذا الجزم بعد ذلك التردد للتنبيه على أنه لم يورده إلا على سبيل الفرض
قوله : " فقام عروة بن مسعود " هو ابن معتب بضم أوله وفتح المهملة وتشديد الفةقية المكسورة بعدها موحدة الثقفي
قوله : " ألستم بالوالد " هكذا رواية الأكثر من رواة البخاري ورواية أبي ذر " ألستم بالولد وألست بالوالد " والصواب الأول وهو الذي في رواية أحمد وابن إسحاق وغيرهما وزاد ابن إسحاق عن الزهري أن أم عروة هي سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف فأراد بقوله ألستم ألستم بالوالد أنكم حي قد ولدوني في الجملة لكون أمي منكم
قوله : " استنفرت أهل عكاظ " بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وآخره معجمة أي دعوتهم إلى نصركم قوله " فلما بلحوا " بالموحدة وتشديد اللام المفتوحتين ثم مهملة مضمومة أي امتنعوا والتبليح التمنع من الإجابة وبلح الغريم إذا امتنع عن أداء ما عليه زاد ابن إسحاق فقالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم
قوله : " خطة رشد " بضم الخاء المعجمة وتشديد المهملة والرشد بضم الراء وسكون المعجمة وبفتحها أي خصلة خير وصلاح وإنصاف وقد بين ابن إسحاق في روايته أن سبب تقديم عروة لهذا الكلام عند قريش ما رآه من ردهم العنيف على من يجيء من عند المسلمين
قوله " آته " بالمد والجزم وقالوا أئته بألف وصل بعدها همزة ساكنة ثم مثناة من فوق مكسورة قوله " اجتاح " بجيم ثم مهملة أي أهلك أهله بالكلية وحذف الجزاء من قوله إن تكن الأخرى تأدبا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتقدير أن تكن الغلبة لقريش لا آمنهم عليك مثلا وقوله " فإني والله لأرى وجوها " إلى كالتعليل لهذا المحذوف قوله " أشوابا " بتقديم المعجمة على الواو وكذا للأكثر ووقع لأبي ذر عن الكشميهني أو باشا بتقديم الواو والأشواب الأخلاط من أنواع شتى والأوباش الأخلاط من السفلة فالأوباش أخص من الأشواب كذا في الفتح قوله " امصص ببظر اللات " بألف وصل ومهملتين الأولى مفتوحة بصيغة الأمر وحكى ابن التين عن رواية القابسي ضم الصاد الأولى وخطأها والبظر الموحدة وسكون المعجمة قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة واللات اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها وكانت عادة العرب الشتم بذلك ولكن بلفظ الأم فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبدها مقام أمه وحمله على ذلك ما أغضبه من نسبة المسلمين إلى الفرار وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لأرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك
قوله : " لولا يد " أي نعمة وقد بين عبد العزيز اللآفاقي عن الزهري في هذا الكتاب أن اليد المذكورة هي أن عروة كان تحمل بدية فاعانه فيها أبو بكر بعون حسن وفي رواية الواقدي بعشر قلائص
قوله : " بنعل السيف " هو ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها
قوله : " أخر يدك " فعل أمر من التأخير زاد ابن إسحاق قبل أن لا تصل إليك
قوله " أي غدر " بالمعجمة بوزن عمر معدول عن غادر مبالغة في وصفة بالغدر
قوله : " ألست أسعي في غدرتك " أي في دفع شر غدرتك وقد بسط القصة ابن إسحاق وابن الكلبي والواقدي بما حاصله أنه خرج المغيرة لزيارة المقوقس بمصر هو وثلاثة عشر نفرا من ثقيف من بني مالك فأحسن إليهم وأعطاهم وقصر بالمغيرة فحصلت له الغيرة منهم فلما كانوا بالطريق شربوا الخمر فلما سكروا وناموا وثب المغيرة فقتلهم ولحق بالمدينة فأسلم فتهايج الفريقان بنو مالك والأحلاف رهط المغيرة فسعي عروة بن مسعود وهو عم المغيرة حتى أخذوا منه دية ثلاثة عشر نفسا والقصة طويلة
قوله : " وأما المال فلست منه في شيء " أي لا أتعرض له لكونه مأخوذا على طريقة الغدر واستفيد من ذلك أنها لا تحل اموال الكفار غدرا في حال الأمن لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلما كان أو كافرا فإن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة ولعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ترك المال بيده لإمكان أن يسلم قومه فير إليهم أموالهم
قوله : " يرمق " بضم الميم وآخره قاف أي يلحظ
قوله : " وما يحدون إليه النظر " يضم أوله وكسر المهملة أي يديمون قوله " ووفدت على قيصر " هو من عطف الخاص على العام وخص قيصر ومن بعده لكونهم أعظم ملوك ذلك الومان
قوله : " فقال رجل من بني كنانة " في رواية الآفاقي فقام الحليس بمهملتين مصغرا وسمي ابن إسحاق والزبير بن بكار أباه علقمة وهو من بني الحرث من عبد مناة
قوله : " فابعثوها له " أي أثيروها دفعة واحدة في رواية ابن إسحاق فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض الوادي بقلائده قد حبس محله رجع ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعند الحاكم أنه صاح الحليس هلكت قريش ورب الكعبة أن القوم إنما أتوا عمارا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أخا بني كنانة أعلمهم بذلك
قال الحافظ فيحتمل أن يكون خاطبه عن بعد
قوله : " مكرز " بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الراء بعدها زاي هو من بني عامر بن لؤي
قوله " هو رجل فاجر " في رواية ابن إسحاق غادر ورجحها الحافظ ويؤيد ذلك ما في مغازي الواقدي أنه قتل رجلا غدرا وفيها أيضا أنه أراد أن يبيت المسلمين بالحديبية فخرج في خمسين رجلا فأخذهم محمد بن مسلمة وهو على الحرس فانفلت منهم مكرز فكأنه صلى الله عليه وآله وسلم أشار إلى ذلك قوله " إذا جاء سهيل ابن عمرو " في رواية ابن إسحاق فدعت قريش سهيل بن عمرو فقالوا اذهب إلى هذا الرجل فصالحه
قوله : " فأخبرني أيوب عن عكرمة " الخ قال الحافظ هذا مرسل لم أقف على من وصله بذكر ابن عباس فيه لكن له شاهد موصول عنه عند ابن أبي شيبة من حديث سلمة بن الأكوع قال بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليصالحوه فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سهيلا قال لقد سهل لكم من أمركم وللطبراني نحوه من حديث عبد الله بن السائب
قوله : " فعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكاتب " هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما بينه إسحاق بن راهويه في مسنده في هذا الوجه عن الزهري وذكره البخاري أيضا في الصلح من حديث البراء
وأخرج عمر بن شبة من طريق عمرو بن سهيل بن عمرو عن أبيه أنه قال الكتاب عندنا كاتبه محمد بن سلمة
قال الحافظ ويجمع أن أصل كتاب الصلح بخط علي رضي الله عنه كما هو في الصحيح ونسخ محمد بن سلمة لسهيل بن عمرو مثله
قوله : " هذا ما قاضى " بوزن فاعل من قضيت الشيء فصلت الحكم فيه
قوله : " ضغطة " بضم الضاد وسكون الغين المعجمتين ثم طاء مهملة أي قهرا
وفي رواية ابن إسحاق أنها دخلت علينا عنوة
قوله : " فقال المسلمون " الخ قد تقدم بيان القائل في أول الباب
قوله " أبو جندل " بالجيم والنون بوزن جعفر وكان اسمه العاصي فتركه لما أسلم وكان محبوسا بمكة ممنوعا من الهجرة وعذب بسبب الإسلام وكان سهيل أوثقه وسجنه حين أسلم فخرج من السجن وتنكب الطريق وركب الجبال حتى هبط على المسلمين ففرح به المسلمون وتلقوه
قوله : " يرسف " بفتح أوله وبضم المهملة بعدها فاء أي يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد
قوله : " إنا لم نقض الكتاب " أي لم نفرغ من كتابته
قوله : " فأجزه لي " بالزاي بفعل صيغة الأمر من الإجازة أي امض فعلي فيه فلا أرده إليك واستثنيه من القضية ووقع عند الحميدي في الجمع بالراء ورجح ابن الجوزي الزاي وفيه أن الاعتبار فيالعقود بالقول ولو تأخرت الكتابة والإشهاد ولأجل ذلك أمضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسهيل الأمر في رد ابنه إليه وكان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تلطف معه لقوله لم نقض الكتاب بعد رجاء أن يجيبه
قوله : " قال مكرز بلى قد أجزناه " هذه رواية الكشمسهني ورواية الأكثر من رواة البخاري بل بالإضراب وقد استشكل ما وقع من مكرز من الإجازة لأنه خلاف ما وصفه صلى الله عليه وآله وسلم به من الفجوز وأجيب أن الفجوز حقيقة ولا يستلزم أن لا يقع منه شيء من البر نادرا أو قال ذلك نفاقا وفي باطنه خلافه ولم يذكر في هذا الحديث ما أجاب به سهيل على مكرز لما قال ذلك وقد زعم بعض الشراح أن سهيلا لم يحببه لأن مكرزا لم يكن ممن جعل له أمر عقد الصلح بخلاف سهيل وتعقب بأن الواقدي روى أن مكرزا كان ممن جاء في الصلح مع سهيل وكان معهما حويطب ابن عبد العزى لكن ذكر في روايته ما يدل على أن إجازة مكرز لم تكن في أن لا يرده إلى سهيل بل في تأمينه من التعذيب ونحو ذلك وإن مكرزا وحويطبا أخذا أبا جندل فادخلاه فسطاطا وكفا أباه عنه
وفي مغازي ابن عائذ نحو ذلك كله ولفظه فقال مكرز بن حفص وكان ممن أقبل مع سهيل بن عمرو في التماس الصلح له أنا له جار وأخذ بيده فأدخله فسطاطا
قال الحافظ وهذا لو ثبت لكان أقوى من الاحتمالات الأول فإنه لم يجزه بأن يقره عند المسلمين بل ليكف العذاب عنه ليرجع إلى طواعية ابيه فما خرج بذلك عن الفجور لكن يعكر عليه ما في رواية الصحيح السابقة بلفظ فقال مكرز قد أجزناه لك يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا جندل اصبر واحتسب فإنا لا نغدر وإن الله جاعل لك فرجا ومخرجا
قال الخطابي تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين أحدهما أن الله تعالى قد أباح التقية للمسلم إذا خاف الهلاك ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإيمان إن لم تمكنه التورية فلم يكن رده إليهم إسلاما لأبي جندل إلى الهلاك مع وجود السبيل إلى الخلاص من الموت بالتقية . والوجه الثاني أنه إنما رده لأبيه والغلب أن أباه لا يبلغ به إلى الهلاك وإن عذبه أو سجنه فله مندوحة بالتقية أيضا
وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله يبتلى به صبر عباده المؤمنين ( واختلف العلماء ) هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلما من عندهم إلى بلاد المسلمين أم لا فقيل نعم على ما دلت عليه قصة أبي جندل وأبي بصير وقيل لا وأن الذي وقع في القصة منسوخ وأن ناسخه حديث " أنا بريء من كل مسلم بين المشركين " وقد تقدم وهو قول الحنفية وعند الشافعية يفصل بين العاقل والمجنون والصبي فلا يردان
وقال بعض الشافعية ضابط جواز الرد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب
قوله : " ألست نبي الله حقا قال بلى " زاد الواقدي من حديث أي سعيد قال قال عمر لقد دخلني أمر عظيم وراجعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم مراجعة ما راجعته مثلها قط
قوله " فلم نعطي الدنية " بفتح المهملة وكسر النون وتشديد التحتية
قوله : " أولست كنت حدثتنا " الخ في رواية ابن إسحاق كان الصحابة لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأوا الصلح دخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون . وعند الواقدي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان رأى في منامه قبل أن يعتمر أنه دخل هو وأصحابه البيت فلما رأوا تأخير ذلك شق عليهم
قال في الفتح ويستفاد من هذا الفصل جواز البحث في العلم حتى يظهر المعنى وأن الكلام يحمل على عمومه وإطلاقه حتى تظهر أداة التخصيص والتقييد وأن من حلف على فعل شيء ولم يذكر مدة معينة لم يحنث حتى تنقضي أيام حياته
قوله : " فأتيت أبا بكر " الخ لم يذكر عمر أنه راجع أحدا في ذلك غير أبي بكر لما له عنده من الجلالة وفي جواب أبي بكر عليه بمثل ما أجاب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليل على سعة علمه وجودة عرفانه بأحوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قوله : " فاستمسك بغرزة " بفتح العين المعجمة وسكون الراء بعدها زاي قال المصنف هو للإبل بمنزلة الركاب للفرس والمراد التمسك بأمره وترك المخالفة له كالذي يمسك بركاب الفارس فلا يفارقه
قوله : " قال عمر فعلت لذلك أعمالا " القائل هو الزهري كما في البخاري وهو منقطع لأن الزهري لم يدرك عمر قال بعض الشراح المراد بقوله أعمالا أي من الذهاب والمجيء والسؤال والجواب ولم يكن ذلك شكا من عمر بل طلبا لكشف ما خفي عليه وحثا على إذلال الكفار بما عرف من قوته في نصرة الدين
قال في الفتح وتفسير الأعمال بما ذكره مردود بل المراد به الأعمال الصالحة لتكفر عنه ما نضى من التوقف في الامتثال ابتداء
وقد ورد عن عمر التصريح بمراده ففي رواية ابن إسحاق وكان عمر يقول ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به وعند الواقدي من حديث ابن عباس قال عمر لقد أعتقت بسبب ذلك رقابا وصمت دهرا قال السهيلي هذا الشك الذي حصل لعمر هو مالا يستمر صاحبه عليه وإنما هو من باب الوسوسة قال الحافظ والذي يظهر أنه توقف منه ليقف على الحكمة وتنكشف عنه الشبهة ونظيرته قصته في الصلاة على عبد الله بن أبي وإن كان في الأولى لم يطابق اجتهاده الحكم بخلاف الثانية وهي هذه القصة وإنما عمل الأعمال المذكورة لهذه وإلا فجميع ما صدر منه كان معذورا فيه بل هو فيه مأجور لأنه مجتهد فيه
قوله : " فلما فرغ من قضية الكتاب " زاد ابن إسحاق فلما فرغ من قضية الكتاب أشهد جماعة على الصلح رجال من المسلمين ورجال من المشركين منهم علي وأبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن سهيل بن عمرو ومكرز بن حفص وهو مشرك
قوله " فوالله ما قام منهم أحد " قيل كأنهم توقفوا لاحتمال أن يكون الأمر بذلك للندب أو لرجاء نزول الوحي بإبطال الصلح المذكور أو أن يخصصه بالإذن بدخولهم مكة ذلك العام لإتمام نسكهموسوغ لهم ذلك لأنه كان زمان وقوع النسخ ويحتمل ان يكون أهمتهم صورة الحال فاستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذل عند أنفسهم مع ظهور قوتهم واقتدارهم في اعتقادهم على بلوغ غرضهم وقضاء نسكهم بالقهر والغلبة أو أخروا الامتثال لاعتقادهم أن الأمر المطلق لا يقتضي الفور
قال الحافظ ويحتمل مجموع هذه الأمور لمجموعهم
قوله : " فذكر لها ما لقي من الناس " فيه دليل على فضل المشورة وإن الفعل إذا انضم إلى إلى القول كان أبلغ من القول المجرد وليس فيه أن الفعل مطلقا أبلغ من القول نعم فيه أن الاقتداء بالأفعال أكثر منه بالأقوال وهذا معلوم مشاهد
وفيه دليل على فضل أم سلمة ووفور عقلها حتى قال إمام الحرمين لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة وتعقب بإشارة بنت شعيب على أبيها في أمر موسى . ونظير هذه القصة ما وقع في غزوة الفتح فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بالفطر في رمضان فلما استمروا على الامتناع تناول القدح فشرب فلما رأوه يشرب شربوا
قوله : " نحر بدنه " زاد ابن إسحاق عن ابن عباس أنها كانت سبعين بدنة كان فيها جمل لأبي جهل في رأسه برة من فضة ليغيظ به المشركين وكان غنمه منه غزوة بدر
قوله " ودعا حالقه " قال ابن إسحاق بلغني أن الذي حلقه في ذلك اليوم هو خراش بمعجمتين ابن أمية بن الفضل الخزاعي قوله " فجاءه أبو بصير " بفتح الموحدة وكسر المهملة ابن جارية بالجيم الثقفي حليف بني زهرة كذا قال ابن إسحاق وبهذا يعرف أن قوله في حديث الباب رجل من قريش أي بالحلف لأن بني زهرة من قريش
قوله : " فأرسلوا في طلبه رجلين " سماهما ابن سعد في الطبقات خنيس بمعجمة ونون وآخره مهملة مصغرا ابن جابر ومولى له يقال له كوير
وفي رواية للبخاري أن الأخنس بن شريق هو الذي أرسل في طلبه زاد ابن إسحاق فكتب الأخنس بن شريق والأزهر بن عبد عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابا وبعثا به مع مولى لهما ورجل من بني عامر استأجراه اه قال الحافظ والأخنس من ثقيف رهط أبي بصير وأزهر من بني زهرة حلفاء أبي بصير فلكل منهما المطالبة برده ويستفاد منه أن المطالبة بالرد تختصص بمن كان من عشيرة المطلوب بالأصالة أو الحلف وقيل أن اسم أحد لرجلين مرثد بن حمران زاد الواقدي فقدما بعد أبي بصير بثلاثة أيام
قوله : " فقال أبو بصير لأحد الرجلين " في رواية ابن إسحاق للعامري وفي رواية ابن سعد لخنيس بن جابر
قوله : " فاستله الآخر " أي صاحب السيف أخرجه من غمده قوله " حتى برد " بفتح الموحدة والراء أي خمدت حواسه وهو كناية عن الموت لأن الميت تسكن حركته وأصل البرد السكون قال الخطابي وفي رواية ابن إسحاق فعلاه حتى قتله
قوله : " وفر الآخر " في رواية ابن إسحاق وخرج المولى يشتد أي هربا
قوله : " ذعرا " بضم المعجمة وسكون المهملة أي خوفا
قوله : " قتل صاحبي " بضم القاف وفي هذا دليل على أنه يجوز للمسلم الذي يجيء من دار الحرب في زمن الهدنة قتل من جاء في طلب رده إذا شرط لهم ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر على أبي بصير قتله للعامري ولا أمر فيه بقود ولا دية
قوله " ويل أمه بضم " اللام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة وهي كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم لأن الويل الهلاك فهو كقولهم لأمه الويل ولا يقصدون والويل يطلق على العذاب والحرب والزجر وقد تقدم شيء من ذلك في الحج في قوله للأعرابي ويلك وقال الفراء أصله وى ؟ ؟ فلان أي للفلان أي حزن له فكثر الاستعمال فالحقوا بها اللم فصارت كأنها منها وأعربوها وتبعه ابن مالك إلا أنه قال تبعا للخليل أن وى ؟ ؟ كلمة تعجب وهي من أسماء الأفعال واللم بعدها مكسورة ويجوز ضمها اتباعا للهمزة وحذفت الهمزة تخفيفا قوله " مسعر حرب " بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح العين المهملة أيضا وبالنصب على التمييز وأصله من مسعر حرب أي يسعرها
قال الخطابي يصفه بالإقدام في الحرب والتسعير لنارها
قوله : " لو كان له أحد " أي يناصره ويعاضده قوله " سيف البحر " بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها فاء أي ساحله
قوله : " عصابة " أي جماعة ولا واحد لها من لفظها وهي تطلق على الأربعين فما دونها وفي رواية ابن إسحاق أنهم بلغوا نحو السبعين نفسا وزعم السهيلي أنهم بلغوا ثلثمائة رجل
قوله : " ما يسمعون بعير " بكسر المهملة أي بخبر عير وهي القافلة قوله " فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم " في رواية موسى بن عقبة عن الزهري فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي بصير فقدم كتابه وأبو بصير يموت فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يده فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدا
وفي الحديث دليل على أن من فعل مثل فعل أبي بصير لم يكن عليه قود ولا دية وقد وقع عند ابن إسحاق أن سهيل بن عمرو لما بلغه قتل العامري طالب بديته لأنه من رهطه فقال له أبو سفيان ليس على محمد مطالبة بذلك لأنه وفي بما عليه وأسلمه لرسولكم ولم يقتله بأمره ولا على آل أبي بصير أيضا شيء لأنه ليس على دينهم
قوله : " فأنزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم " طاهره أنها نزلت في شأن أبي بصير والمشهور في سبب نزولها ما أخرجه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع ومن حديث أنس بن مالك وأخرجه أحمد والنسائي من حديث عبد الله بن مغفل بإسناد صحيح أنها نزلت بسبب القوم الذين أرادوا من قريش أن يأغذوا من المسلمين غرة فظفروا بهم وعفا عنهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت الآية بما تقدم وقيل في نزولها غير ذلك
قوله " على وضع الحرب عشر سنين " هذا هم المعتمد عليه كما ذكره ابن إسحاق في المغازي وجزم به ابن سعد وأخرجه الحاكم من حديث علي ووقع في مغازي ابن عائذ في حديث ابن عباس وغيره أنه كان سنتين وكذا وقع عند موسى بن عقبة ويجمع بأن العشر السنين هي المدة التي وقع الصلح عليها والسنتين هي المدة التي انتهى أمر الصلح فيها حتى وقع نقضه على يد قريش وأما ما وقع في كامل ابن عدي ومستدرك الحاكم في الأوسط للطبراني من حديث ابن عمر أن مدة الصلح كانت أربع سنين فهو مع ضعف إسناده منكر مخالف للصحيح وقد اختلف العلماء في المدة التي تجوز المهادنة فيها مع المشركين فقيل لا تجاوز عشر سنين على ما في هذا الحديث وهو قول الجمهور وقيل تجوز الزيادة وقيل لا تجاوز أربع سنين وقيل ثلاثا وقيل سنتين والأول هو الراجح
قوله : " عيبة مكفوفة " أي أمرا مطويا في صدور سليمة وهو إشارة إلى ترك المؤاخذة بما تقدم بينهم من أسباب الحرب وغيرها والمحافظة على العهد الذي وقع بينهم
قوله : " وأنه لا إغلال ولا إسلال " أي لا سرقة ولا خيانة يقال أغل الرجل أي خان أما في الغنيمة فيقال غل بغير ألف والإسلال من السلة وهي السرقة وقيل من سل السيوف والإغلال من لبس الدروع ووهاه أبو عبيد والمراد أن يأمن الناس بعضهم من بعض في نفوسهم وأموالهم سرا وجهرا
قوله : " وامتعضوا منه " بعين مهملة وضاد معجمة أي انفقوا وشق عليهم قال الخليل معض بكسر المهملة والضاد المعجمة من الشيء وامتعض توجع منه وقال ابن القطاع شق عليه وأنف منه ووقع من الرواة اختلاف في ضبط هذه اللفظة فالجمهور على ما هنا والأصيلي والهمداني بظاء مشالة وعند القابسي امتعظوا بتشديد الميم وعند النسفي انغضوا بنون وغين معجمة وضاد معجمة غير مشالة قال عياض وكلها تغييرات حتى وقع عند بعضهم انفضوا بفاء وتشديد وبعضهم أغيظوا من الغيظ
قوله : " وهي عاتق " أي شابة
قوله " فامتحنوهن الآية " أي أخبروهن فيما يتعلق بالإيمان باعتبار ما يرجع إلى ظاهر الحال دون الإطلاع على ما في القلوب وإلى ذلك أشار بقوله تعالى { الله أعلم بإيمانهن } وأخرج الطبري عن ابن عباس قال كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله
وأخرج الطبري أيضا وابن البزار عن ابن عباس أيضا كان يمتحنهن والله ما خرجن من بغض زوج والله ما خرجن رغبة عن أرض إلى أرض والله ما خرجن التماس دنيا
قوله : " قال عروة أخبرتني عائشة " هو متصل كما في مواضع في البخاري
قوله : " لما أنزل الله أن يردوا للمشركين ما أنفقوا " يعني قوله تعالى { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } قوله " قريبة " بالقاف والموحدة مصغر في أكثر نسخ البخاري . وضبطها الدمياطي تفتح وتبعه الذهبي . زكذا الكشميهني وفي القاموس بالتصغير وقد تفتح انتهى . وهي بنت أبي أمية ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهي أخت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قوله : " فلما أبى الكفار أن يقروا " الخ أي أبوا أن يعملوا بالحكم المذكور في الآية وقد روى البخاري في النكاح عن مجاهد في قوله تعالى { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } قال من ذهب من أزواج المسلمين إلى الكفار فليعطهم الكفار صدقاتهن وليمسكوهن ومن ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد فكذلك هذا كله في صلح بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين قريش وروى البخاري أيضا عن الزهري في كتاب الشروط قال بلغنا أن الكفار لما أبوا أن يقروا بما أنفق المسلمون على أزواجهم كما في الآية وهو أن المرأة إذا جاءت من الكشركين إلى المسلمين مسلمة لم يردها المسلمون إلى زوجها المشرك بل يعطونه ما أنفق عليها من صداق ونحوه
وكذا بعكسه وفامتثل المسلمون ذلك وأعطوهم وأبى المشركون أن يمتثلوا ذلك فحبسوا من جاءت إليهم مشركة ولم يعطوا زوجها المسلم ما أنفق عليهافلهذا نزلت { وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم } أي أصبتم من صدقات المشركات عوض ما فات من صدقات المسلمات قوله " وما يعلم أحد من المهاجرات " الخ هذا النفي لا يرده ظاهر ما دلت عليه الآية والقصة لأن مضمون القصة أن بعض أزواج المسلمين ذهبت إلى زوجها الكافر فأبى أن يعطي زوجها المسلم ما أنفق عليها فعلى تقدير أن تكون مسلمة فالنفي مخصوص بالمهاجرات فيحتمل كون من زقع منها ذلك من غير المهاجرات كالأعرابيات مثلا أو الحصر على عمومه وتكون نزلت في المرأة المشركة إذا كانت تحت مسلم مثلا فهربت منه إلى الكفار
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله تعالى { وإن فاتكم شيء من أزواجكم } قال نزلت في أم الحكم بنت بنت أبي سفيان ارتدت فتزوجها رجل ثقفي ولم ترتد غمرأة من قريش غيرها ثم أسلمت مع ثقيف حين أسلموا فإن ثبت هذا استثني من الحصر المذكور في الحديث أو يجمع أنها لم تكن هاجرت فيما قبل ذلك
قوله : " الأحابيش " لم يتقدم في الحديث ذكر هذا اللفظ ولكنه مذكزر في غيره في بعض ألفاظ هذه القصة أنه صلى الله عليه وآله وسلم بعث عينا من خزاعة فتلقاه فقال أن قريشا قد جمعوا لك الأحابيش وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشيروا علي أترون أن أميل على ذرا ريهم فإن يأتونا كان الله قد قطع جنبا من المشركين وإلا تركناهم محروبين فأشار إليه أبو يكر بترك ذلك فقال امضوا بسم الله والأحابيش هم بنو الحرث بن عبد مناة بن كنانة وبنو المصطلق بن خزاعة والقارة وهو ابن الهون ابن خزيمة ==

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق