روابط مصاحف م الكاب الاسلامي

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
 

الخميس، 2 يونيو 2022

مجلد 9.و10. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار محمد بن علي بن محمد الشوكاني

 

9. مجلد 9. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار محمد بن علي بن محمد الشوكاني

1 - عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال " أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أقوم على بدنه وان أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وان لا أعطي الجازر منا شيئا وقال نحن نعيه من عندنا "
- متفق عليه

2 - وعن أبي سعيد " أن قتادة بن النعمان أخبره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام فقال أني كنت أمرتكم أن لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام ليسعكم وأني أحله لكم فكلوا ماشئتم ولا تبيعوا لحوم الهدى والأضاحي وكلوا وتصدقوا واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها وان أطعمتم من لحومها شيئا فكلوا أني شئتم
- متفق عليه

- حديث قتادة ذكره صاحب الفتح ولم يتعقبه مع جرى عادته بتعقب ما في ضعف . وقال في مجمع الزوائد أنه مرسل صحيح الإسناد انتهى . قوله " أن أقوم على بدنه " أي عند نحرها للاحتفاظ بها ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك أي على مصالحها في علفها ورعيها وسقيها وغير ذلك . ولم يقع في هذه الرواية عدد البدن . ووقع في رواية أخرى للبخاري وغيره أنها مائة بدنة وقد تقدم ما روى من أنه صلى الله عليه وآله وسلم نحر ثلاثين بدنة كما في رواية أبي داود أو ثلاثا وستين كما في رواية مسلم وهي الأصح : قوله " واجلتها " جمع جلال بضم الجيم وتخفيف اللام وهو ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه ويجمع أيضا على جلال بكسر الجيم قوله " وان لا أعطي الجازر منها شيئا " فيه دليل على أنه لا يعطى الجازر شيئا البتة وليس ذلك المراد به المراد أنه لا يعطى لأجل الجزارة لا لغير ذلك . وقد بين النسائي ذلك في روايته من طريق شعيب بن إسحاق عن ابن جريج قال ابن خزيمة والمراد أنه يقسمها كلها على المساكين إلا ما أمره به من أن يأخذ من كل بدنة بضعة كما في حديث جابر الطويل عند مسلم ( والحديث ) يدل على أنه لا يجوز إعطاء الجازر من لحم الهدى الذي نحره على وجه الأجرة وقال القرطبي ولم يرخص في إعطاء منها لأجل إلا الحسن البصري وعبد الله بن عبيد بن عمير انتهى . وقد روى ابن خزيمة والبغوي انه يجوز إعطؤه منها إذا كان فقيرا بعد توفير أجرته من غيرها . وقال غيرهما ان القياس ذلك لولا إطلاق الشارع المنع وظاهره عدم جواز الصدقة والهدية كما لا تجوز الأجرة وذلك لانها قد تقع مسامحة من الجازر في الأجرة لاجل ما يعطاه من اللحم على وجه الصدقة أو الهدية وقد استدل به على نمع بيع الجلد والجلال قال القرطبي فيه دليل على ان جلود الهدى وجلالها لاتباع لعفهما على اللحم وإعطئهما حكمه وقد اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذلك الجلود والجلال . وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو وجه عند الشافعية قالوا ويصرف ثمنه مصرف الأضحية . قوله " ماشئتم " فيه إطلاق المقدار الذي يأكله المضحي من أضحيته وتفويضه إلى مشيئته : قوله " ولا تبيعوا لحوم الأضاحي " فيه دليل على منع بيع لحوم الأضاحي وظاهره التحريم وقد بين الشارع وجوه الانتفاع في الأضحية من الاكل والتصدق والادخار والائتجار : قوله " واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها " فيه رد على الأوزاعي ومن معه وفيه أيضا الأذن بالانتفاع بها بغير البيع . وقد روى عن محمد بن الحسن ان له ان يشتري بمسكها غربالا أو غيرها من آلة البيت لا شيئا من المأكول . وقال الثوري لا يبيعه ولكن يجعله سقائ وشنا في البيت وهو ظاهر الحديث . قوله وان أطعمتم " الخ فيه دليل على أنه يجوز لمن أطعمه غيره من لحم الأضحية ان يأكل كيف شاء وان كان غنيا ؟

باب من أذن في انتهاب أضحيته

1 - عن عبد الله بن قرط " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر وقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمس بدنات أو ست ينحرهن فطفقن يزدلفن إليه أيتهن يبدأ بها فلما وجبت جنوبها قال كلمة خفية لم أفهمها فسألت بعض من يليني ما قال قالوا قال من شاء اقتطع "
- رواه أحمد وأبو داود وقد احتج به من رخص في نثار العروس ونحوه

- الحديث أخرجه أيضا النسائي وابن حبان في صحيحه وسكت عنه أبو داود والمنذري : قوله " ابن قرط " بضم القاف وآخره طاء مهملة : قوله " يوم النحر " هو يوم الحج الأكبر على الصحيح عند الشافعية ومالك وأحمد لما في البخاري أنه صلى الله عليه وآله وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات وقال هذا يوم الحج الأكبر ( وفي الحديث ) دلالة على أنه أفضل أيام السنة ولكنه يعارضه حديث خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة وقد تقدم في أبواب الجمعة وتقدم الجمع ويعارضه أيضا ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة " وقد ذهبت الشافعية إلى أنه أفضل من يوم النحر ولا يخفى الباب ليس فيه إلا أن يوم النحر أعظم وكونه أعظم وان كان مستلزما لكونه أفضل لكنه ليس كالتصريح بالأفضلية كما في حديث جابر اذ لا شك أن الدلالة المطابقية أقوى من الالتزامية فإن أمكن الجمع بحمل أعظمية يوم النحرعلى غير الأفضلية فذاك وإلا يمكن فدلالة حديث جابر على أفضلية يوم عرفة أقوى من دلالة حديث عبد الله بن قر على أفضلية يوم النحر : قوله " يوم القرط بفتح القاف وتشديد الراء وهو اليوم الذي يلي يوم النحر سمى بذلك لأن الناس يقرون فيه بمنى وقد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر فاستراحوا ومعنى قروا واستقروا ويسمى يوم النفر الأول ويوم الأكارع قوله يزدلفن " أي يقترين واصل الدال تاء ثم أبدلت منه ومنه المزدلفة لاقترابها إلى عرفات ومنه قوله تعالى { وأزلفت الجنة للمتقين } وفي هذه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث تسارع إليه الدواب التي لا تعقل لأراقة دمها تبركا به فيالله العجب من هذا النوع الإنساني كيف يكون هذا النوع البهيمي أهدى من أكثره وأعرف تقرب إليه هذه العجم لإزهاق أرواحها . وفرى أوداجها وتتنافس في ذلك وتتسابق إليه ومع كونها لا ترجو جنة ولا تخاف نارا ويبعد ذلك الناطق العاقل عنه مع كونه ينال بالقرب منه النعيم الأجل والعاجل ولا يصيبه ضرر في نفس ولا مال حتى قال القائل مظهرا لندة حرصه على قتل المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أين محمد لانجوت إن نجا وأراق الآخر دمه وكسر ثنيته فانظر إلى هذا التفاوت الذي يضحك منه ابليس ولأمر ما كان الكافر شر الدواب عند الله : قوله " فلما وجبت جنوبها " أي سقط إلى الأرض جنوبها والوجوب السقوط : قوله " من شاء اقتطع " أي من شاء أن يقطع منها فليقتطع هذا محل الحجة على جواز انتهاب الهدي والأضحية واستدل به على جواز انتهاب نثلر العروس كما ذكره المصنف . ومن جملة من استدل به البغوي ووجه الدلالة قياس انتهاب النثار على انتهاب الأضحية وقد رويت في النثار وانتهابه أحاديث لا يصح منها شيء وليس هذا محل ذكرها وقد ذهب بعض أهل العلم إلى كراهة انتهاب النثار وروى ذلك عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وعكرمة وتمسكوا بما ورد في النهي عن النهبي وهو يعم كل ما صدق عليه أنه انتهاب ولا يخرج منه إلا ما خص بمخصص صالح

كتاب العقيقة وسنة الولادة

1 - عن سلمان بن عامر الضبي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع الغلام عقيقة فاهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى "
- رواه الجماعة إلا مسلما

2 - وعن سمرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل غلام وهينة بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي

3 - وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة "
- رواه أحمد والترمذي وصححه . وفي لفظ " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين " رواه أحمد وابن ماجه

4 - وعن أم كرز الكعبية " أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العقيقة فقال نعم عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة ولا يضركم ذكرانا كن أو أناثا "
- رواه أحمد والترمذي وصححه

- حديث سمرة أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححه عبد الحق وهو من رواية الحسن عن سمرة والحسن مدلسة لكنه روى البخاري في صحيحه من طريق الحسن أنه سمع حديث العقيقة من سمرة . قال الحافظ كأنه عنى هذا وقد تقدم قوله من قال أنه لم يسمع منه غيره . وحديث عائشة أخرجه أيضا ابن حبان والبيهقي وحديث أم كرز أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والحاكم والدارقطني . قال في التلخيص له طرق عند الأربعة والبيهقي : قوله " مع الغلام عقيقه " العقيقة الذبيحة التي تذبح للمولود والعق في الأصل الشق والقطع . وسبب تسميتها بذلك أنه يشق حلقها بالذبح وقد يطلق اسم العقيقة على شعر المولود وجعله الزمخشري الأصل والشاة مشتقة منه : قوله " فاهر يقوا عنه دما " تمسك بهذا وببقية الأحاديث القائلون بأنها واجبة وهم الظاهرية والحسن البصري وذهب الجمهور من العترة وغيرهم إلى انها سنة وذهب أبو حنيفة إلى أنها ليست فرضا ولا سنة وقيل أنها عند تطوع ( احتج الجمهور ) بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل " وسيأتي ذلك يقتضي عدم الوجوب لتفويضه إلى الاختيار قرينة صارفة للأوامر ونحوها عن الوجوب إلى الندب وبهذا الحديث احتج أبو حنيفة على عدم الوجوب والسنية ولكنه لا يخفى أنه لا منافاة بين التفويض إلى الأختيار وبين كون الفعل الذي وقع فيه التفويض سنة . وذهب محمد بن الحسن إلى أن العقيقة كانت في الجاهلية وصدر الإسلام فنسخت بالاضحية وتمسك بما سيأتي ويأتي الجواب عنه . وحكى صاحب البحر عن أبي حنيفة أن العقيقة جاهلية محاها الاسلام وهذا ان صح عنه حمل على انها لم بتلغه الأحاديث الواردة في ذلك . قوله " وأميطوا عنه الأذى " المراد احلقوا عنه شعر رأسه كما في الحديث الذي بعده . ووقع عند أبي داود عن ابن سيرين أنه قال ان إن لم يكن الأذى حلق الرأس وإلا فلا أدرى ما هو . وأخرج الطحاوي عنه أيضا قال لم أجد من يخبرني عن تفسير الأذى وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس . وأخرجه أبو داود بإسناد صحيح عن الحسن كذلك . ووقع في حديث عائشة عند الحاكم بلفظ " وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى " قال في الفتح ولكن لا يتعين ذلك في حلق الرأس فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب ويماط عنه اقذارةه رواه أبو الشيخ قوله " كل غلام رهينة بعقيقته "
قال الخطابي اختلف الناس في معنى هذا فذهب أحمد بن حنبل إلى أن معناه أنه إذا مات وهو طفل ولم يعق عنه لم يشفع لابويه وقيل المعنى أن العقيقة لازمة لابد منها فشبه لزومها للمولود بلزوم الرهن للمرهون في يد المرتهن . وقيل أنه مرهون بالعقيقة بمعنى أنه لا يسمى ولا يحلق شعره إلا بعد ذبحها وبه صرح صاحب المشارق والنهاية : قوله " يذبح عنه يوم سابعه " بضم الياء من قوله يذبح وبناء الفعل للمجهول وفيه دليل على أنه يصح أن يتولى ذلك الأجنبي كما يصح أن يتولاه القريب عن قريبه والشخص عن نفسه وفيه أيضا دليل على أن وقت العقيقة سابع الولادة وأنها تفوت بعده وتسقط ان مات قبله وبذلك قال مالك وحكى عنه ابن وهب انه قال ان فات السابع الأول فالثاني ونقل الترمذي عن أهل العلم أنهم يستحبون أن تذبح العقيقة في السابع فان لم يمكن ففي الرابع عشر فان لن يمكن فيوم أحد وعشرين وتعقبه الحافظ بأنه لم ينقل ذلك صريحا الا عن أبي عبد الله البوشنجي ونقله صالح بن أحمد عن أبيه . ويدل على ذلك ما أخرجه البيهقي عن عبد الله بن بريدة عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال العقيقة تذبح لسبع ولأربع عشرة ولإحدى وعشرين " وعند الحنابلة في اعتبار الأسابيع بعد ذلك روايات . وعن الشافعية ان ذكر السابع للاختيار لا للتعين : ونقل الرافعي انه يدخل وقتها بالولادة وقال الشافعي ان معناه انها لا تؤخر عن السابع اختيارا فان تأخرت إلى البلوغ سقطت عمن كان يريد أن يعق عنه لكن ان أراد هو أن يعق عن نفسه فعل . ونقل صاحب البحر عن الامام يحيى انها لا تجزي قبل السابع ولا بعده اجماعا ودعوى الاجماع مجازفة لما عرفت من الخلاف المذكور . قوله " ويسمى فيه " في رواية يدعى وقال أبو داود انها وهم من همام . وقال ابن عبد البر هذا الذي تفرد به همام ان كان حفظه فهو منسوخ . وقد سئل قتادة عن معنى قوله يدمى فقال إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة واستقبلت بها أو داجها صم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل عن رأسه مثل الخيط ثم يعلق ثم يغسل رأسه بعد ويحلق . وقد كره الجمهور التدمية واستدلوا عن ذلك بما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن عائشة " قالت كانوا في الجاهلية إذا عقوا عن الصبي خضبوا بطنه بدم العقيقة فإذا حلقوا رأس المولود وضعوها على رأسه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اجعلوا مكان الدم خلوقا " زاد أبو الشيخ " ونهى ان يمس رأس المولود بدم " وأخرج ابن ماجه عن يزيد بن عبد الله المزني " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم " وهذا مرسل لأن يزيد لا صحبة له وقد وصله البزار من هذه الطريق وقال عن أبيه ومع هذا فقد قيل إنه عن أبيه مرسل وسيأتي حديث بريدة الأسلمي ونقل ابن حزم عن ابن عمر وعطاء واستحباب التدمية وحكاه في البحر عن الحسن البصري وقتادة . وفي قوله ويسمى دليل على استحباب التسمية في اليوم السابع وحمل ذلك بعضهم على التسمية عند المذبح واستدل بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق همام عن قتادة قال يسمى على المولود ما يسمى على الأضحية بسم الله عقيقة فلان ومن طريق سعيد عن قتادة نحوه وزاد " اللهم منك ولك عقيقة فلان بسم الله والله أكبر " . ولا يخفى بعده لان قوله " ويسمى فيه مشعر " بأن المراد تسمية المولود في ذلك اليوم ولو كان المراد ما ذكره ذلك البعض لقال ويسمي عليها . قوله " مكافئتان " قال النووي بكسر الفاء بعدها همزة هكذا صوابه عند أهل اللغة والمحدثون يقولونه بفتح الفاء قال أبو داود في سننه أي مستويتان أو متقاربتان وكذا قال أحمد قال الخطابي والمراد التكافؤ في السن فلا تكون إحداهما مسنة والأخرى غير مسنة . وقيل معناه أن يذبح إحداهما مقابلة للأخرى وفي هذا الحديث وحديث أم كرز المذكور بعده وكذلك حديث بريدة وابن عباس وأبي رافع وسيأتي دليل على أن المشروع في العقيقة شاتان عن الذكر وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وداود والإمام يحيى وحكاه للمذهب . وحكاه في الفتح عن الجمهور . وقال مالك أنها شاة عن الذمر والأنثى قال في البحر وهو المذهب . واستدل على ذلك في حديث بريدة الآتي بلفظ " كنا نذبح شاة " الخ وبحديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن الحسن والحسين عليهما السلام كبشا كبشا ويجاب عن ذلك بان أحاديث الشاتين مشتملة على الزيادة فهي من هذه الحيثية أولى بالقبول . وأما حديث ابن عباس فسيأتي أيضا في رواية منه أنه عق عن كل واحد بكبشين وأيضا القول أرجح من الفعل وقيل أن في اقتصاره صلى الله عليه وآله وسلم على شاة دليلا على أن الشاتين مستحبة فقط وليست بمتعينة والشاة جائزة غير مستحبة . وقيل أنه لم يتيسر إلا شاة وأما الأنثى فالمشروع في العقيقة عنها شاة واحدة إجماعا كما في البحر . قوله " ولا يضر كم ذكرانا كن أو أناثا " فيه دليل على أنه لافرق بين ذكور الغنم واناثها

5 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العقيقة فقال لا أحب العقوق وكأنه كره الاسم فقالوا يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له قال من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي

6 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بتسمة المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب

7 - وعن بريدة الأسلمي قال " كنا في الجاهلية إذا ولد لاحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران "
- رواه أبو داود

8 - وعن ابن عباس " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا "
- رواه أبو داود والنسائي وقال " بكبشين كبشين "

- حديث عمرو بن شعيب الأول سكت عنه أبو داود وقال المنذري في إسناده عمرو بن شعيب وفيه مقال يعني في روايته عن أبيه وجده وقد سلف بيان ذلك . وحديثه الثاني أخرجه الحاكم وحديث بريدة أخرجه ايضا أحمد والنسائي قال في التلخيص وإسناده صحيح انتهى . وفيه نظر لان في إسناده علي بن الحسين بن وافد وفيه مقال وقد أخرج نحو حديث بريدة هذا ابن حبان وصححه وابن السكن وصححه من حديث عائشة والطبراني في الصغير من حديث أنس والبيهقي من حديث فاطمة والترمذي والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والبيهقي من حديث علي عليه السلام وحديث ابن عباس صححه عبد الحق وابن دقيق العيد وأخرج نحوه ابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث عائشة بزيادة يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى : قوله " وكأنه كره الأسم " وذلك لأن العقيقة التي هي الذبيحة والعقوق للأمهات مشتقان من العق الذي هو الشق والقطع فقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا أحب العقوق " بعذ سؤاله عن العقيقة للاشارة إلى كراهة اسم العقيقة لما كانت هي والعقوق يرجعان إلى أصل واحد ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم " من أحب منكم أن ينسك " ارشادا منه إلى مشروعية تحويل العقيقة إلى النسيكة وما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله مع الغلام عقيقة وكل غلام مرتهن بعقيقته ورهينة بعقيقته فمن البيان للمخاطبين بما يعرفونه لان ذلك اللفظ هو المتعارف عند العرب ويمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وآله وسلم تكلم بذلك لبيان الجواز وهو لا ينافي الكراهة التي اشعر بها قوله " لا أحب العقوق " : قوله " من أحب منكم " قد قدمنا ان التفويض إلى المحبة يقتضي رفع الوجوب وصرف ما أشعر به إلى الندب . قوله " مكافأتان " قد تقدم ضبطه وتفسيره . قوله " أمر بتسمية المولود " الخ فيه مشروعية التسمية في اليوم السابع والرد على من حمل التسمية في حديث سمرة السابق على التسمية عند الذبح وفيه أيضا مشروعية وضع الأذى عنه وذبح العقيقة في ذلك اليوم . قوله " فلما جاء الله بالاسلام " الخ فيه دليل على تلطيخ رأس المولود بالدم من عمل الجاهلية وانه منسوخ كما تقدم وأصرح منه في الدلالة على النسخ حديث عائشة عند ابن حبان وابن السكن وصححاه كما تقدم بلفظ " فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعلوا مكان الدم خلوقا " : قوله " ونلطخه بزعفران " فيه دليل على استحباب تلطيخ رأس الصبي بالزعفران أو غيره من الخلوق كما في حديث عائشة المذكور . قوله " عق عن الحسن والحسين " فيه دليل على أنها تصح العقيقة من غير الأب مع وجوده وعدم امتناعه وهو يرد ما ذهبت إليه الحنابلة من أنه يتعين الأب الا ان يموت أو يمتنع . وروى عن الشافعي ان العقيقة تلزم من تلزمه النفقة ويجوز أن يعق الانسان عن نفسه ان صح ما أخرجه البيهقي عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن نفسه بعد البعثة " ولكنه قال انه منكر وفيه عبد الله بن محرر بمهملات وهو ضعيف جدا كما قال الحافظ وقال عبد الرزاق إنما تكلموا فيه لاجل هذا الحديث . قال البيهقي وروى من وجه آخر عن قتادة عن انس وليس بشيء . وأخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن أنس وأخرجه أيضا ابن أيمن في مصنفه والخلال من طريق عبد الله بن المثني عن ثمامة بن عبد الله عن أنس عن أبيه به وقال النووي في شرح المهذب هذا حديث باطل وأخرجه أيضا الطبراي والضياء من طريق فيها ضعف وقد احتج بحديث أنس هذا من قال أنها تجوز العقيقة عن الكبير وقد حكاه ابن رشد عن بعض أهل العلم

9 - وعن أبي رافع " أن حسن بن علي رضي الله عنهما لما ولد أرادت أمه فاطمة رضي الله عنها أن تعق عنه بكبشين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تعقي عنه ولكن احلقي شعر رأسه فتصدقي بوزنه من الورق ثم ولد حسين رضي الله عنه فصنعت مثل ذلك "
- رواه أحمد

10 - وعن أبي رافع قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن في أذن الحسين حين ولدته فاطمة بالصلاة "
- رواه أحمد وكذلك أبو داود والترمذي وصححه وقالا " الحسن "

11 - وعن أنس " أن أم سليم ولدت غلاما قال فقال لي أبو طلحة احفظه حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه به وأرسلت معه بتمرات فأخذها الني صلى الله عليه وآله وسلم فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في الصبي وحنكه به وسماه عبد الله "

12 - وعن سهل بن سعد قال " أتي بالمنذر بن أسيد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين ولد فوضعه على فخذه وأبو أسيد جالس فلهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشيء بين يديه فأمر أبو أسيد بابنه فاحتمل من فخذه فاستفاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اين الصبي فقال أبو أسيد قلبناه يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما اسمه قال فلان ولكن اسمه المنذر فسماه يومئذ المنذر "
- متفق عليهما

- حديث أبي رافع الأول أخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده ابن عقيل وفيه مقال وقال البيهقي أنه تفرد به ويشهد له ما أخرجه مالك وأبو داود في المراسيل والبيهقي من حديث جعفر بن محمد زاد البيهقي عن أبيه عن جده " أن فاطمة رضي الله عنها وزنت شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم رضي الله عنهم فتصدقت بوزنه فضة " وأخرجه الترمذي والحاكم من حديث محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي رضي الله عنهم قال " عق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحسن شاة وقال يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة فوزناه فكان وزنه درهما أو بعض درهم . وروى الحاكم من حديث علي رضي الله عنه قال " أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة فقال زنى شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة وأعطى القابلة رجل العقيقة " ورواه أبو داود في سننه من طريق حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا . وحديث أبي رافع الثاني أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ورواه أبو نعيم والطبراني من حديثه بلفظ " اذن في أذن الحسن والحسين رضي الله عنهما " ومداره علي عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف . قال البخاري منكر الحديث وأخرج ابن السني من حديث الحسين بن علي رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ " من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان " وام الصبيان هي التابعة من الجن هكذا أورد الحديث في التلخيص ولم يتكلم عليه : قوله " لا تعقي عنه " قيل يحمل هذا على أنه قد كان صلى الله عليه وآله وسلم عق عنه وهذا متعين لما قدمنا في رواية الترمذي والحاكم عن علي عليه السلام : قوله " من الورق " قال في التلخيص الروايات كلها متفقة على التصدق بالفضة وليس في شيء منها ذكر الذهب وقال الرافعي انه يتصدق بوزن شعره ذهبا وان لم يفعل ففضة . وقال المهدي في البحر أنه يتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة ويدل على ذلك ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال " سبعة من السنة في الصبي يوم السابع يسمى ويختن ويماط عنه الأذى وتثقب أذنه ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ بدم عقيقه ويتصدق بوزن شعر رأسه ذهبا أو فضة " وفي إسناده رواد بن الجراح وهو ضعيف وبقية رجاله ثقاة وفي لفظه ما ينكر وهو ثقب الأذن والتلطيخ بدم العقيقة : قوله " أذن في أذن الحسين عليه السلام " الخ فيه استحباب التأذين في أذن الصبي عند ولادته وحكى في البحر استحباب ذلك عن الحسن البصري واحتج على الاقامة في اليسرى بفعل عمر بن عبد العزيز وهو توقيف وقد روى ذلك ابن المنذر عنه أنه كان إذا ولد له أذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى قال الحافظ لم أره عنه مسندا انتهى . وقد قدمنا نحو هذا مرفوعا . قوله " فمضغها " أي لاكها في فيه . قوله " وحنكه " بفتح المهملة بعدها نون مشددة والتحنيك ان يمضع المحنك التمر أو نحوه حتى يصير مائعا بحيث يبتلع ثم يفتح فم المولود ويضعها في فمه ليدخل شيء منا جوفه قال النووي اتفق العلماء على اسباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر فإن تعذر فما في معناه أو قريب منه من الحلوا قال ويستحب ان يكون من الصالحين وممن يبرك به رجلا كان او امرأة فان لم يكن حاضرا عند المولود حمل إليه ( وفيه استحباب ) التسمية بعبد الله قال النووي وإبراهيم وسائر الأنبياء الصالحين قال في البحر وعبد الرحمن واستحباب تفويض التسمية إلى أهل الصلاح . قوله " أسيد " بفتح الهمزة على المشهور وحكى عياض عن أحمد الضم وكذا عن عبد الرزاق ووكيع : قوله " فلهى " روى بفتح الهاء وكسرها مع الياء والأولى لغة طئ والثانية لغة الأكثر ومعناه اشتغل بذلك الشيء قاله أهل الغريب والشراح : قوله " استفاق " أي فرغ من ذلك الأشتغال : قوله " قلبناه " أي رددناه وصرفناه وفي الحديث استحباب التسمية بالمنذر
( فائدة ) قد وقع الخلاف في ابحاث تتعلق بالعقيقة الأول هي يجزئ منا غير الغنم أم لا فقيل لا يجزئ وقد نقله ابن المنذر في حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه . وقال البوشنجي لا نص للشافعي في ذلك وعندي لا يجزئ غيرها انتهى . ولعل وجه ذلك ذكرها في الأحاديث دون غيرها ولا يخفى ان مجرد ذكرها لا ينفي اجزاء واختلف قول مالك في الاجزاء وأما الأفضل عند فالكبش مثل الأضحية كما تقدم والجمهور على اجزاء البقر والغنم . ويدل عليه ما عند الطبراني وأبي الشيخ من حديث أنس مرفوعا بلفظ " يعق عنه من الأبل والبقر والغنم " ونص أحمد على أنها تشترط بدنة أو بقرة كاملة . وذكر الرافعي أنه يجوز اشتراك سبعة في الأبل والبقر كما في الأضحية ولعل من جوز اشتراك عشرة هناك يجوز هنا . الثاني هل يشترط فيها ما يشترط في الأضحية وفيه وجهان للشافعية . وقد استدل بإطلاق الشاتين على عدم الأشتراط وهو الحق لكن لا لهذا الإطلاق بل لعدم ورود ما يدل ههنا على تلك الشروط والعيوب المذكورة في الأضحية وهي أحكام شرعية لا تثبت بدون دليل . وقال المهدي في البحر مسألة الامام يحيى ويجزيء عنها ما يجزئ أضحية بدنة أو بقرة شاة وسنها وصفتها والجامع التقرب باراقة الدم انتهى ولا يخفى أنه يلزم علىمقتضى هذا القياس ان تثبت أحكام الأضحية في كل دم متقرب به ودماء الولائم كلها مندوبة عند المستدل بذلك القياس والمندوب في كل دم متقرب به ودماء الولائم كلها مندوبة عند المستدل بذلك القياس والمندوب متقرب به فيلزم ان يعتبر فيها أحكام الأضحية بل روى عن الشافعي في أحد قوليه ان وليمة العرس واجبة . وذهب أهل الظاهر إلى وجوب كثير من الولائم ولا أعرف قائلا يقول بأنه يشترط في ذبائح شيء من هذه الولائم ما يشترط في الأضحية فقد استلزم هذا القياس ما لم يقل به أحد وما استلزم الباطل باطل الثالث . في مبدأ وقت ذبح العقيقة وقد اختلف أصحاب مالك في ذلك فقيل وقتها الضحايا وقد تقدم الخلاف فيه هل هو من بعد الفجر أو من طلوع الشمس أو من وقت الضحى أو غير ذلك . وقيل أنها تجيء في الليل . وقيل لا على حسب الخلاف السابق في الأضحية وقيل يجزئ في كل وقت وهو الظاهر لما عرفت من عدم الليل على انه يعتبر فيها ما يعتبر في الأضحية

باب ما جاء في الفرع والعتيرة ونسخهما

1 - عن مخنف بن سليم قال " كنا وقوفا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعرفات فسمعه يقول يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة هل تدرون ما العتيرة هي التي تسمونها الرجبية "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي . وقال هذا حديث حسن غريب

2 - وعن أبي رزين العقيلي أنه " قال يا رسول الله ان كنا نذبح في رجب ذبائح فنأكل منا ونطعم من جاءنا فقال له لا بأس بذلك "

3 - وعن الحرث بن عمرو " أنه لقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع قال فقال رجل يا رسول الله الفرائع والعتائر فقال من شاء فرع ومن شاء لم يفرع ومن شاء عتر ومن شاء لم يعتر في الغنم أضحية "
- رواهما أحمد والنسائي

4 - وعن نبيشة الهذلى قال " قال رجل يا رسول الله انا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا قال اذبحوا لله في أي شهر كان وبروا الله عز و جل وأطعموا قال فقال رجل آخر يا رسول الله انا كنا نفرع فرعا في الجاهلية فما تأمرنا قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل سائمة من الغنم فرع تغذوه غنمك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه على ابن السبيل فان ذلك هو خير "
- رواه الخمسة إلا الترمذي

- حديث مخنف أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وفي إسناده أبو رملة واسمه عامر . قال الخطابي هو مجهول والحديث ضعيف المخرج . وقال أبو بكر المعافري حديث مخنف بن سليم ضعيف لا يحتج به . وحديث أبي زرين العقيلي أخرجه أيضا البيهقي وأبو داود وصححه ابن حبان بلفظ " أنه قال يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انا كنا نذبح في الجاهلية ذبائح في رجب فنأكل منها ونطعم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا بأس بذلك " وحديث الحرث بن عمرو أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححاه . وحديث نبيشة صححه ابن المنذر وقال النووي أسانيده صححه ( وفي الباب ) عن عائشة عند أبي داود والحاكم والبيهقي قال النووي بإسناده صحيح قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالفرعة من كل خمسين واحدة " وفي رواية " من كل خمسين شاة شاة " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود قال " سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الفرع فقال الفرع حق وأن تتركون حتى يكون بكرا أو ابن مخاض أو ابن لبون فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل الله خير من أن تذبحه فيلزق بحمه بوبره وتكفأ إناءك وتوله ناقتك " يعني ان ذبحه يذهب لبن الناقة ويفجعها قوله " في كل عام أضحية " هذا من جملة الأدلة التي تمسك بها من قال بوجوب الأضحية وقد تقدم الكلام على ذلك . قوله " وعتيرة " بفتح العين المهملة وكسر الفوقية وسكون التحتية بعدها راء وهي ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب ويسمونها الرجبية كما وقع في الحديث المذكور . قال النووي اتفق العلماء على تفسير العتيرة بهذا : قوله " الفرائع " جمع فرع بفتح الفاء والراء ثم عين مهملة ويقال فيه الفرعة بالهاء هو أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه ولا يملكونه رجاء البركة في الأم وكثرة نسلها هكذا فسره أكثر أهل اللغة وجماعة من أهل العلم منهم الشافعي وأصحابه وقيل هو أول النتاج للأبل وهكذا جاء تفسيره في البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي وقالوا كانا يذبحونه لآلهتهم فالقول الأول باعتبار أو نتاج الدابة على انقرادها والثاني باعتبار نتاج الجميع وان لم يكن أول ماتنتجه أمه وقيل هو أول النتاج لمن بلغت ابله مائة يذبحونه . قال شمر قال أبو مالك كان الرجل إذا بلغت ابله مائة قدم بكر افنحره لصنمه ويسمونه فرعا . قوله " حتى إذا استحمل " في رواية لأبي داود عن نصر بن علي استحمل للحجيج أي إذا قدر الفرع على ان يحمله من أراد الحج تصدقت بلحمه على ابن السبيل ( وأحاديث ) الباب تدل على بعضها على وجوب العتيرة والفرع وهو حديث مخنف وحديث نبيشة وحديث عائشة وحديث عمرو ابن شعيب . وبعضها يدل على مجرد الجواز من غير وجوب وهو حديث الحرث بن عمرو وأبي رزين فيكون هذان الحديثان كالقرينة الصارفة للأحاديث المقتضية للوجوب إلى الندب ( وقد اختلف ) في الجمع بين الأحاديث المذكورة والأحاديث الآتي القاضية بالمنع من الفرع والعتيرة فقيل إنه يجمع بينها بحمل هذا الأحاديث على الندب وحمل الأحاديث الآتية على عدم الوجوب ذكر ذلك جماعة منهم الشافعي والبيهقي وغيرهما فيكون المراد بقوله لا فرع ولاعتيرة أي لافرع واجب ولا عتيرة واجبة وهذا لا بد منه مع عدم العلم بالتاريخ لان المصير إلى الترجيح مع امكان الجمع لا يجوز كما تقرر في موضعه . وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى ان هذه الأاحاديث منسوخة بالأحاديث الآتية وادعة القاضي عياض ان جماهير العلماء عن ذلك ولكنه لا يجوز الجزم به الا بعد ثبوت أنها متأخرة ولم يثبت

5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا فرع ولاعتيرة والفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه والعتيرة في رجب "
- متفق عليه . وفي لفظ " لاعتيرة في الاسلام ولافرع " رواه أحمد . وفي لفظ " انه نهى عن الفرع والعتيرة " وراه أحمد والنسائي

6 - وعن ابن عمر رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا فرع ولا عتيرة "
- رواه أحمد

- حديث ابن عمر رضي الله عنه متنه متن حديث أبي هريرة المتفق عليه شاهد لصحته ولم يذكره في مجمع الزوائد بل ذكر حديث ابن عمر الآخران النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في العتيرة هي حق وفي بعض نسخ المتن رواه ابن ماجه مكان قوله رواه أحمد . قوله " لا فرع ولاعتيرة " قد تقرر ان النكرة الواقعة في سياق النفي تعم فيشعر ذلك بنفي كل فرع وكل عتيرة والخبر محذوف وقد تقرر في الأصول ان المقتضى لا عموم له فيقدر واحد وهو الصقها بالمقام وقد تقدم ان المحذوف هو لفظ واجب وواجبة ولكن إنما حسن المصير إلى أن المحذوف هو ذلك الحرص على الجمع بين الأحاديث ولولا ذلك لكان المناسب تقدير ثابت في الاسلام أو مشروع أو حلال كما يرشد إلى ذلك التصريح بالنهي في الرواية الأخرى ( وقد استدل ) بحديثي الباب من قال بأن الفرع والعتيرة منسوخان وهم من تقدم ذكره وقد عرفت ان النسخ لا يتم إلا بعد معرفة تأخر تاريخ ما قيل إنه ناسخ فأعدل الأقوال الجمع بين الأحاديث بما سلف ولا يعكر على ذلك رواية النهي لأن معنى النهي الحقيقي وان كان هو التحريم لكن إذا وجدت قرينة أخرجته عن ذلك ويمكن أن يجعل النهي موجها إلى ما كانوا يذبحونه لاصنامهم فيكون على حقيقته ويكون غير متناول لما ذبح من الفرع والعتيرة لغير ذلك مما فيه وجه قربة . وقد قيل إن المراد بالنفي المذكور نفي مساواتهما للاضحية في الثواب أو تأكد الاستحباب وقد استدل الشافعي بما روى عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " اذبحوا لله في أي شهر كان " كما تقدم في حديث نبيشة على مشروعية الذبح في كل شهر ان أمكن قال في سنن حرملة أنها ان تيسرت كل شهر كان حسنا
وإلى هنا انتهى النصف الأول من نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار بمعونة العزيز الغفار وصلى الله على نبيه المختار وآله الأخيار . بك اللهم أستعين على نيل الأوطار من أسرار منتقي الأخبار متوسلا إليك بنبيك المختار قال المصنف رحمه الله تعالى

كتاب البيوع

أبواب ما يجوز بيعه وما لا يجوز

باب ما جاء في بيع النجاسة وآلة المعصية وما لا نفع فيه

1 - عن جابر " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى به السف ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال هو حرام ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ذلك قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه " ( 1 ) [ أي هذا الكتاب في ذكر الأحاديث التي يستنط منها أحكام البيوع . ولما فرغ من بيان العبادات المقصود منها التحصيل الأخروى شرع في بيان المعاملات المقصود منها التحصيل الدنيوي . فقدم العبادات لاهتمامها ثم ثنى بالمعاملات لأنها ضرورية . وأخر النكاح لأن شهوته متأخرة عن الأكل والشرب ونحوهما . وأخر الجنايات والمخاصمات لأن وقوع ذلك في الغالب إنما هو بعد الفراغ من شهوتي البطن والفرج . وصدر الصنف المبحث بلفظ كتاب لأنه مشتمل على أبواب كثيرة في أنواع البيوع . وجمع البيوع وإن كان مصدرا لاختلاف أنواعه . فالمطلق ان كان ببيع بالثمن كالثوب بالدراهم . والمقايضة بالياء التحتية إن كان عينا بعين كالثوب بالعبد . والسلم إن كان بيع الدين بالعين والصرف إن كان بيع الثمن بالثمن . والمرابحة إن كان بالثمن مع زيادة . والتولية إن لن يكن مع زيادة . والوضعية إن كان بالنقصان واللازم إن كان تاما وغير اللازم إن كان بالخيار . والصحيح والباطل والفاسد والمكروه . وللبيع تفسير لغة وشرعا وركن وشرط ومحل وحكم وحكمة . أما معناه لغة فمطلق المبادلة وهو ضد الشراء ويطلق البيع على الشراء أيضا فلفظ البيع والشراء يطلق كل منهما على ما يطلق عليه الآخر فهما من الألفاظ المشتركة بين المعاني المتضادة وشرعا هو مبادلة مال بمال على سبيل التراضي . وأما ركنه فإيجاب وقبول . وأما شرطه فاهلية المتعاقدين . وأما محله فهو المال . وأما حكمه فهو ثبوت الملك للمشتري في المبيع وللبائع في الثمن إذا كان تاما وعند الاجازة إذا كان موقوفا . وأما حكمته على ما ذكره الحافظ في الفتح إن حاجة الانسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبا وصاحبه قد لا يبذله ففي شرعية البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج اه اقول قد ذكر العلماء للبيع حكما كثيرة منا اتساع أمور المعاش والبقاء . ومنا اطفاء نار المنازعات والنهب والسرق والخيانات والحيل المكروهة . ومنها بقاء نظام المعاش وبقاء العالم لان المحتاج يميل إلى ما في يد غيره فبغير المعاملة يفضي إلى التقاتل والتنازع وفناء العالم واختلال نظام المعاش وغير ذلك ومشروعيته ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع : والله أعلم ]
- رواه الجماعة

2 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه "
- رواه أحمد وأبو داود وهو حجة في تحريم بيع الدهن النجس

- حديث ابن عباس في التنفير عنها وأما تحريم بيعها على أهل الذمة فمبني على الخلاف في خطاب الكافر بالفروع : قوله " والميتة " بفتح الميم وهي مازالت عنها الحياة لا بذكاة شرعة . ونقل ابن المنذر أيضا الإجماع على تحريم بيع الميتة والظاهر أنه تحريم بيعها بجميع اجزائها قيل ويستثنى من ذلك السمك والجراد ومالا تحله الحياة . قوله " والخنزير " فيه دليل على تحريم بيعه بجميع أجزائه وقد حكى صاحب الفتح الإجماع على ذلك . وحكى ابن المنذر عن الأوزاعي وأبي يوسف وبعض المالكية الترخيص في القليل من شعره والعلة في تحريم بيعه وبيع الميتة هي النجاسة عند جمهور العلماء فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة ولكن المشهور عن مالك طهارة الخنزير : قوله " والأصنام " جمع صنم قال الجوهري هو الوثن وقال غيره الوثن ما له جثة والصنم ما كان مصورا فبينهما على هذا عموم وخصوص من وجه ومادة اجتماعهما إذا كان الوثن مصورا والعلة في تحريم بيعها عدم المنفعة المباحة فإن كان ينتفع بها بعد الكسر جاز بيعها عند البعض ومنعه الأكثر . قوله " أرأيت شحوم الميتة " الخ أي فهل بيعها لما ذكر من المنافع فإنها مقتضية لصحة البيع كذا في الفتح : قوله " ويسصبح بها الناس " الاستصباح استفعال من المصباح وهو السراج الذي يشتعل منه الضوء . قوله " لا هو حرام الأكثر على أن الضمير راجع إلى البيع وجعله بعض العلماء راجعا إلى الانتفاع فقال يحرم الأنتفاع بها وهو قول أكثر العلماء فلا ينتفع من الميتة بشيء إلا ما خصه دليل كالجلد المدبوغ والظاهر أن مرجع الضمير البيع لأنه المذكور صريحا والكلام فيه ( 1 ) [ من قال ان الضمير يرجع إلى البيع يقول بجواز الانتفاع بالنجس مطلقا ويحرم بيعه ويستدل أيضا بالإجماع على جواز اطعام الميتة الكلاب : وإذا كان التحريم للبيع جاز الانتفاع بشحوم الميتة والأدهان المتنجسة في كل شيء غير أكل الآدمي ودهن بدنه فيحرمان كحرمة أكل الميتة والترطب بالنجاسة . وإلى هذا ذهب الشافعي ونقله القاضي عياض عن مالك وأكثر أصحابه وأبي حنيفة وأصحابه والليث . والله أعلم . ] ويؤيد ذلك قوله في آخر الحديث " فباعوها " وتحريم الانتفاع يؤخذ من دليل آخر كحديث " لاتنتفعوا من الميتة بشيء " وقد تقدم والمعنى لا تظنوا إن هذه المنافع مقتضية لجواز بيع الميتة فإن بيعها حرام . قوله " جملوه " بفتح الجيم والميم أي أذابوه يقال جملة إذا أذابه والجميل الشحم المذاب . وفي رواية للبخاري " جملوها ثم باعوها " وحديث ابن عباس فيه دليل على ابطال الحيل والوسائل إلى المحرم وإن كان ما حرمه الله على العباد فبيعه حرام لتحريم ثمنه فلا يخرج من هذه الكلية إلا ما خصة دليل والتنصيص على تحريم بيع الميتة في حديث الباب مخصص لعموم مفهوم قوله صلى الله عليه وآله وسلم " إنما حرم من الميتة أكلها " وقد تقدم : وقوله " لعن الله اليهود " زاد في سنن أبي داود ثلاثا

3 - وعن أبي حنيفة " أنه اشترى حجاما فأمر فكسرت محاجمه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ولعن المصورين "
- متفق عليه

4 - وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحوان الكاهن "
- رواه الجماعة

5 - وعن ابن عباس قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب وقال إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا "
- رواه أحمد وأبو داود

6 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله ثقات لأن أبا داود رواه من طريق عبيد الله بن عمرو الواقي وهو من رجال الجماعة عن عبد الكريم بن مالك الجزري وهو كذلك عن قيس بن حبتر بفتح الحاء المهملة واسكان الموحدة وفتح الفوقية وهو من ثقات التابعين كم قال ابن حبان . وحديث جابر هو في مسلم بلفظ " سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور فقال زجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك " وقد أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ثمن الهر " وقال الترمذي غريب وقال النسائي هذا حديث منكر اه وفي إسناده عمر بن زيد الصنعاني قال ابن حبان يتفرد بالمناكير عن المشاهير حتى خرج عن حد الأحتجاج به . وقال الخطابي قد تكلم بعض العلماء في إسناد هذا الحديث وزعم أنه غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقال ابن عبد البر حديث بيع السنور لا يثبت رفعه . وقال النووي الحديث صحيح رواه مسلم وغيره انتهى . ولم يخرجه مسلم من طريق عمر بن زيد المذكور بل رواه من حديث معقل بن عبد الله الجزري عن أبي الزبير قال " سألت جابرا " وقد أخرج الحديث أيضا أبو داود والترمذي من طريق أخرى ليس فيها عمر ابن زيد الصنعاني باللفظ الذي ذكره المصنف ولكن في إسناده اضطراب كما قال الترمذي : قوله " حرم ثمن الدم " اختلف في المراد به فقيل أجرة الحجامة فيكون دليلا لمن قال بأنها غير حلال وسيأتي الكلام على ذلك في باب ما جاء في كسب الحجام من أبواب الأجارة . وقيل المراد به ثمن الدم نفسه فيدل على تحريم بيعه وهو حرام اجماعا كم في الفتح . قوله " وثمن الكلب " فيه دليل على تحريم بيع الكلب ( 1 ) وظاهره عدم الفرق بين العلم وغيره سواء كان مما يجوز اقتناؤه أو مما لا يجوز وإليه ذهب الجمهور . وقال أبو حنيفة يجوز وقال عطاء والنخعي يجوز بيع كلب الصيد دون غيره
ويدل عليه ما أخرجه النسائي من حديث جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب إلاكلب صيد " قال في الفتح ورجال إسناده ثقات إلا أنه طعن في صحته وأخرج نحوه الترمذي من حديث أبي هريرة لكن من رواية أبي المهزم وهو ضعيف فينبغي حمل المطلق على المقيد ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد ان صلح المقيد للاحتجاج به وقد اختلفوا أيضا هل تجب القيمة على متلفه فمن قال بتحريم بيعه قال بعدم الوجوب ومن قال بجوازه قال بالوجوب ومن فصل في البيع فصل في لزوم القيمة وروى عن مالك أنه لا يجوم بيعه وتجب القيمة وروى عنه أن بيعه مكروه فقط . قوله " وكسب البغي " في الرواية الثانية ومهر البغي ( 2 ) والمراد ما تأخذه الزانية على الزنا وهو مجمع على تحريمه والبغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة تشديد التحتانية
وأصل البغي الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في الفساد واستدل به على أن الأمة إذا أكرهت على الزنا فلا مهرها وفي وجه للشافعية يجب للسيد الحكم . قوله " ولعن الواشمة والمستوشمة " سيأتي الكلام على هذا في باب ما يكرهه من تزين النساء من كتاب الوليمة إن شاء الله . قوله " وآكل الربا وموكله يأتي إن شاء الله الكلام على هذا في باب التشديد في الربا من أبواب الربا قوله " ولعن المصورين " فيه أن المصور من أشد المحرمات لأن اللعن لا يكون إلا على ما هو كذلك وقد تقدم ما يحرم من التصوير ومالا يحرم في أبواب اللباس . قوله " وحلوان الكاهن " الحلوان بضم الحاء المهملة ومصدر حلوته إذا أعطيته . قال في الفتح وأصله من الحلاوة شبه بالشي الحلو من حيث أنه يؤخذ سهلا بلا كلفة ولا مشقة الحلوان أيضا الرشوة والحلوان أيضا ما يأخذه الرجل من مهر ابنته لنفسه . والكاهن قال الخطابي هو الذي يدعى مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن قال في الفتح حلوان الكاهن حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل وفي معناه التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاناه العرافون من استطلاع الغيب . قوله " فاملأ كفه ترابا " كناية عن منعه من الثمن كما يقال للطالب الخائب لم يحصل في كفه غير التراب وقيل المراد التراب خاصة حملا للتحديث على ظاهره وهذا جمود لا ينبغي التعويل عليه ومثله حمل من حمل حديث " احثوا التراب في وجوه المداحين " على معناه الحقيقي . قوله " والسنور " بكسر السين المهملة وفتح النون المشددة وسكون الواو بعدها راء وهو الهر وفيه دليل على تحريم بيع الهروبه قال أبو هريرة ومجاهد وجابر وابن زيد حكى ذلك عنهم ابن المنذر وحكاه المنذري أيضا عن طاوس وذهب الجمهور إلى جواز بيعه وأجابوا عن هذا الحديث بما تقدم من تضعيفه وقد عرفت دفع ذلك وقيل إنه يحمل النهي على كراهة التنزيه وأن بيعه ليس من مكارم الأخلاق ولامن المروآت ولا يخفى أن هذا إخراج للنهي عن معناه الحقيقي بلا مقتض
_________
( 1 ) أقول ما ذكره الشارح من أن قوله في الحديث " وثمن الكلب " يدل على تحريم بيعه إنما هو باللزوم لا بالنص لأن الحديث دل على تحريم ثمن الكلب بالنص وعلى تحريم بيعه باللزوم أفهم
( 2 ) وسمي مهرا مجازا في حكمه تفاصيل ترجع إلى كيفية أخذه والذي اختاره العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى أنه في جميع كيفياته يجب التصدق به ولا يرد إلى الدافع لأنه دفعه باختياره في مقابل عوض ولا يمكن صاحب العوض استرجاعه فهو كسب خبيث يجب التصدق به ولا يعان صاحب المعصية بحصول غرضه ورجوع ماله إليه : والله أعلم

باب النهي عن بيع فضل الماء

1 - عن إباس بن عبد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع فضل الماء "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي

2 - وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله
- رواه أحمد وابن ماجه

- حديث إباس قال القشيري هو على شرط الشيخين وحديث جابر هو صحيح [ 1 ] [ وقد ذهب إلى هذا العموم العلامة ابن القيم في زاد المعاد وقال إنه يجوز دخول الأرض المملوكة لاخذ الماء والكلأ لأن له حقا في ذلك ولا يمنعه استعمال ملك الغير وقال أنه نص أحمد على جواز الرعي في أرض غير مباحة للراعي . قال الصنعاني في سبل السلام وإلى مثله ذهب المنصور بالله والإمام يحيى في الحطب والحشيش : والله أعلم ] مسلم ولفظه لفظ حديث إباس وكذا أخرجه النسائي ( والحديثان ) يدلان على تحريم بيع فضل الماء وهو الفاضل عن كفاية صاحبه والظاهر أنه لافرق بين الماء الكائن في أرض مباحة أو في أرض مملوكة وسواء كان للشرب أو لغيره وسواء كان لحاجة الماشية أو الزرع وسواء كان في فلاة أو في غيرها وقال القرطبي ظاهر هذا اللفظ النهي عن نفس بيع الماء الفاضل الذي يشرب فإنه السابق إلى الفهم وقال النووي وحاكيا عن أصحاب الشافعي أنه يجب بذل الماء في الفلاة بشروط . أحدها أن لا يكون ماء أخر يستغنى به . الثاني أن يكون البذل لحاجة الماشية لا لسقي الزرع . الثالث أن لا يكون مالكه محتاجا إليه ويؤيد ما ذكرنا من دلالة الحديثين على المنع من بيع الماء على العموم حديث أبي هريرة عند الشيخين مرفوعا بلفظ " لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ " وذكره صاحب جامع الأصول بلفظ " لا يباع فضل الماء " وهو لفظ مسلم وسيأتي هذا الحديث وما في معناه في باب النهي عن منع فضل الماء من كتاب إحياء الموات ويؤيد المنع من البيع أيضا أحاديث " الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار " وستأتي في باب " الناس شركاء في ثلاث " من كتاب إحياء الموات أيضا وقد حمل الماء المذكور في حديثي الباب على ماء الفحل وهو مع كونه خلاف الظاهر مردود بما في حديث جابر الذي أشار إليه المصنف فإنه في صحيح مسلم بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع فضل الماء وعن منع ضراب الفحل وقد خصص من عموم حديثي المنع من البيع للماء ما كان منه محرزا في الآنية فإنه يجوز بيعه قياسا على جواز بيع الحطب إذا أحرزه الحاطب لحديث الذي أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالاحتطاب ليستغني به عن المسألة وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد تقدم في الزكاة وهذا القياس بعد تسليم صحته إنما يصح على مذهب من جوز التخصيص بالقياس والخلاف في ذلك معروف في الأصول ولكنه يشكل على النهي عن بيع الماء على الأطلاق ما ثبت في الحديث الصحيح من أن عثمان اشترى نصف بئر رومة من اليهودي وسبلها للمسلمين بعد أن سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول " من يشتري بئر رومة فيوسع بها على المسلمين وله الجنة وكان اليهودي يبيع ماءها " الحديث فإنه كما يدل على جواز بيع البئر نفسها وكذلك العين بالقياس عليها يدل على جواز بيع الماء لتقريره صلى الله عليه وآله وسلم لليهودي على البيع ويجاب بأن هذا كان في صدر الإسلام وكانت شوكة اليهود في ذلك الوقت قوية والنبي صلى الله عليه وآله وسلم صالحهم في مبادئ الأمر على ما كانوا ثم استقرت الأحكام وشرع لامته تحريم بيع الماء فلا يعارضه ذلك التقرير وأيضا الماء هنا دخل تبعا لبيع البئر ولا نزاع في جواز ذلك

باب النهي عن ثمن عسب الفحل

1 - عن ابن عمر قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن عسب الفحل "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود

2 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع ضراب الفحل "
- رواه مسلم والنسائي

3 - وعن أنس " أن رجلا من كلاب سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عسب الفحل فنهاه فقال يا رسول الله أنا نطرق الفحل فنكرم فرخص له في الكرامة "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب

- وفي الباب عن أنس غير حديث الباب عند الشافعي وعن علي عليه السلام عند الحاكم في علوم الحديث وابن حبان والبزار وعن البراء عند الطبراني وعن ابن عباس عند أيضا : قوله " عسب الفحل " بفتح العين المهملة وإسكان السين المهملة أيضا وفي آخره موحدة ويقال له العسيب أيضا والفحل الذكر من كل حيوان فرسا كان أوجملا أو تيسا أو غير ذلك . وقد روى النسائي من حديث أبي هريرة نهى عن عسيب التيس واختلف فيه فقيل هو ماء الفحل وقيل أجرة الجماع ويؤيد الأول حديث جابر المذكور في الباب ( وأحاديث الباب ) تدل على أن بيع ماء الفحل واجارته حرام لأنه غير متقوم ولامعلوم ولا مقدور على تسليمه وإليه ذهب الجمهور وفي وجه للشافعية والحنابلة وبه قال الحسن وابن سيرين وهو مروي عن مالك أنها تجوز إجارة الفحل للضراب مدة معلومة وأحاديث الباب ترد عليهم لأنها صادقة على الأجارة قال صاحب الأفعال أعسب الرجل عسبا اكترى منه فحلا ينزيه ولا يصح القياس على تلقيح النخل لأن ماء الفحل صاحبه عاجز عن تسليمه بخلاف التلقيح قال في الفتح وأما عارية ذلك فلا خلاف في جوازه . قوله " فرخص له في الكرامة " فيه دليل أن المعير إذا أهدى إليه المستعير هدية بغير شرط حلت له وقد ورد الترغيب في اطراق الفحل . أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي كبشة مرفوعا " من اطرق فرسا فاعقب كان له كاجر سبعين فرسا "

باب النهي عن بيوع الغرر

1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر "
- رواه الجماعة إلا البخاري

2 - وعن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر "
- رواه أحمد

3 - وعن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حبل الحبلة "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي . وفي رواية " نهى عن بيع حبل الحبلة وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت " . رواه أبو داود وفي لفظ " كان أهل الجاهلية يبتاعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم يحمل التي نتجت فنهاهم صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك " متفق عليه . وفي لفظ " كانوا يبتاعون الجزور إلى حبل الحبلة فنهاهم صلى الله عليه وآله وسلم عنه " رواه البخاري

- حديث ابن مسعود في إسناده يزيد بن أبي زياد عن المسيب بن رافع عن ابن مسعود قال البيهقي فيه إرسال بين المسيب وعبد الله والصحيح وقفه وقال الدارقطني في العلل اختلف فيه والموقوف أصح وكذلك قال الخطيب وابن الجوزي وقد روى أبو بكر ابن أبي عاصم عن عمران بن حصين حديثا مرفوعا وفيه النهي عن بيع السمك في الماء فهو شاهد لهذا . قوله " نهى عن بيع الحصاة " اختلف في تفسيره فقيل وهو أن يقول بعتك من هذا الأثواب ما وقعت عليه هذه الحصاة ويرمي الحصاة أو من هذه الأرض ما انتهت إليه في الرمي وقيل هو أن يشرط الخيار إلى أن يرمي الحصاة وقيل هو أن يجعل نفس الرمي بيعا ويؤيده ما أخرجه البزار من طريق حفص بن عاصم عنه أنه قال يعني إذا قذف الحصاة فقد وجب البيع : قوله " وعن بيع الغرر " بفتح المعجمة وبراءين مهملتين وقد ثبت النهي عنه في أحاديث . منها المذكور في الباب . ومنها عن ابن عمر عند أحمد وابن حبان . ومنها عن ابن عباس عند ابن ماجه . ومنها عن سهل بن سعد الطبراني ومن جملة بيع الغرر بيع السمك في الماء كما في حديث ابن مسعود ومن جملته بيع الطير في الهواء وهو مجمع على ذلك والمعدوم والمجهول والآبق وكل ما دخل فيه الغرر بوجه من الوجوه . قال النووي النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدا ويستثنى من بيع الغرر أمران . أحدهما ما يدخل في المبيع تبعا بحيث لو أفرد لم يصح بيعه . والثاني ما يتسامح بمثله أما لحقارته أو للمشقة في تمييزه أو تعيينه ومن جملة ما يدخل تحت هذين الأمرين بيع أساس البناء واللبن في ضرع الدابة والحمل في بطنها والقطن الحشو في الجبة : قوله " حبل الحبلة " الحبل بفتح الحاء المهملة والباء وغلط عياض من سكن الباء وهو مصدر حبلت تحبل والحبلة بفتحهما أيضا جمع حابل مثل ظلمة وظالم وكتبة وكاتب والهاء فيه للمبالغة وقيل هو مصدرسمي به الحيوان والأحاديث المذكورة في الباب تقضي البيع لأن النهي يستلزم ذلك كما تقرر في الأصول . واختلف في تفسير حبل الحبلة فمنهم من فسره بما وقع في الرواية من تفسير ابن عمر كما جزم به ابن عبد البر . وقال الإسماعيلي والخطيب هو من كلام نافع ولا منافاة بين الروايتين ومن جملة الذاهبين إلى هذا التفسير مالك والشافعي وغيرهما وهو أن يبيع لحم الحزور بثمن مؤجل إلى أن يلد ولد الناقة وقيل إلى أن يحمل ولد الناقة ولا يشترط وضع الحمل وبه جزم أبو أسحق في التنبيه وتمسك بالتفسيرين المذكورين في الباب فإنه ليس فيهما ذكران يلد الولد ولكنه وقع في رواية متفق عليها بلفظ " كان الرجل يبتاع إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها وهو صريح في اعتبار ان يلد الولد ومشتمل على زيادة فيرجح . وقال أحمد وإسحاق وابن حبيب المالكي والترمذي وأكثر أهل اللغة منهمه أبو عبيدة وأبو عبيد هو بيع ولد الناقة الحامل في الحال فتكون علة النهي على القول الأول جهالة الأجل وعلى القول الثاني بيع الغرر لكونه معدوما ومجهولا وغير مقدور على تسليمه ويرجح الأول قوله في حديث الباب " لحوم الجزور " وكذلك قوله " يبتاعون الجزور " قال ابن التين محصل الخلاف هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الحبين وعلى الأول هل المراد بالأجل ولادة الأم أم ولادة ولدها وعلى الثاني هل المراد بيع الجنين الأول أو جنين الجنين فصارت أربعة أقوال كذا في الفتح : قوله " ان تنتج " بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه والفاعل الناقة قال في الفتح وهذا الفعل وقع في لغة العرب على صيغة الفعل المسند إلى المفعول : قوله " الجزور " بفتح الجيم وضم الزاي وهو البعير ذكرا كان أو أنثى

4 - وعن شهربن حوشب عن أبي سعيد قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع وعن بيع ما في ضروعها إلا بكيل وعن شراء العبد وهو آبق وعن شراء المغانم حتى تقسم وعن شراء الصدقات حتى تقبض وعن ضربة الغائص "
- رواه أحمد وابن ماجه وللترمذي منه شراء المغانم وقال غريب

5 - وعن ابن عباس قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع المغانم حتى تقسم "
- رواه النسائي

6 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله
- رواه أحمد وأبو داود

7 - وعن ابن عباس قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يباع ثمر حتى يطعم أو صوف على ظهر أو لبن في ضرع أو سمن في لبن "
- رواه الدارقطني

- حديث أبي سعيد أخرجه أيضا البزار والدارقطني وقد ضعف الحافظ إسناده وشهربن حوشب فيه مقال تقدم وقد حسن الترمذي ما أخرجه منه ويشهد لأكثر الأطراف التي اشتمل عليها أحاديث أخر منها أحاديث النهي عن بيع الغرر وما ورد في النهي عن بيع الملاقيح والمضامين وما ورد في حبل الحبلة على أحد التفسيرين وحديث أبي هريرة في إسناد أبي داود رجل مجهول وحديث ابن عباس الآخر أخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده عمر بن فروخ قال البيهقي تفرد به وليس بالقوي انتهى . ولكنه قد وثقه ابن معين وغيره وقد رواه عن وكيع مرسلا أبو داود في المراسيل وابن أبي شيبة في مصنفه قال ووقفه غيره على ابن عباس وهو المحفوظ . وأخرجه ايضا أبو داود من طريق أبي إسحاق عن عكرمة والشافعي من وجه آخر عن ابن عباس والطبراني في الأوسط من طريق عمر المذكور وقال لا يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بهذا الإسناد وفي الباب عن عمران بن حصين مرفوعا عند أبي بكر بن أبي عاصم بلفظ " نهى عن بيع ما في ضروع الماشية قبل أن تحلب وعن الجنين في بطون الأنعام وعن بيع السمك في الماء وعن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة وعن بيع الغرر " قوله " عن شراء ما في بطون الأنعام " فيه دليل على أنه لا يصح شراء الحمل وهو مجمع عليه والعلة الغرر وعدم القدرة على التسليم : قوله " وعن بيع ما في ضروعها " هو أيضا مجمع على عدم صحة بيعه قبل انفصاله لما فيه من الغرر والجهالة الا أن يبيعه منه كيلا نحو أن يقول بعت منك صاعا من حليب بقرتي فإن الحديث يدل على جوازه لارتفاع الغرر والجهالة . قوله " وعن شراء العبد الآبق " فيه دليل على أنه لا يصح بيعه وقد ذهب إلى ذلك الهادي والشافعي . وقال أبو حنيفة وأصحابه والمؤيد بالله وأبو طالب أنه يصح موقوفا على التسليم واستدلوا بعموم قوله تعالى { وأحل الله البيع } وهو من التمسك بالعام في مقابلة ما هو أخص منه مطلقا وعلة النهي عدم القدرة على التسليم إن كانت عين العبد الآبق معلومة ولا فجموع الجهالة والغرر وعدم القدرة على التسليم . قوله " وشراء المغانم " مقتضى النهي عدم صحة بيعها قبل القسمة لأنه لا ملك على ماهو الاظهر من قول الشافعي وغيره لاحد من الغانمين قبلها فيكون ذلك من أكل أموال الناس بالباطل : قوله " وعن شراء الصدقات " فيه دليل على أنه لا يجوز للمتصدق عليه بيع الصدقة قبل قبضها لأنه لا يملكها الا به وقد خصص من هذا العموم المصدق فقيل يجوز له بيع الصدقات قبل قبضها وهو غير مقبول إلا بدليل يخص هذا العموم وجعل التخلية إليه بمنزلة القبض دعوى مجردة وعلى تسليم قيامها القبض فلا فرق بينه وبين غيره . قوله " وعن ضربة الغائص " المراد بذلك أن يقول من يعتاد الغوص في البحر لغيره ما أخرجته في هذه الغوصة فهو لك بكذا من الثمن فإن هذا لا يصح لما فيه من الغرر والجهالة . قوله " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يباع ثمر حتى يطعم " سيأتي الكلام على هذا في باب النهي عن بيع قبل بدو صلاحه : قوله " أو صوف على ظهر " فيه دليل على عدم صحة بيع الصوف ما دام على ظهر الحيوان وإلى ذلك ذهب العترة والفقهاء والعلة الجهالة والتأدية إلى الشجار في موضع القطع : قوله " أو سمن في لبن " يعني لما فيه من الجهالة والغرر

8 - وعن أبي سعيد قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الملامسة والنابذة في البيع والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر بثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض "
- متفق عليه

9 - وعن أنس قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المحالفة والمخاضرة والمنابذة والملامسة والمزابنة "
- رواه البخاري

- قوله " عن الملامسة والمنابذة " هما مفسران بما ذكر في الحديث ذكر البخاري ذلك في اللباس عن الزهري وقد فسر ابان الملامسة أن يمس الثوب ولا ينظر إليه والمنابذة أن يطرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه وينظر إليه وهو كالتفسير الأول . قال في الفتح ولأبي عوانة عن يونس أن يتبايع القوم السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها أو يتنابذ القوم السلع كذلك فهذا من أبواب القمار وفي رواية لابن ماجه من طريق سفيان عن الزهري المنابذة أن يقول الق إلى مامعك والقي إليك ما معي والنسائي من حديث أبي هريرة الملامسة أن يقول الرجل للرجل ابيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر احدمنها إلى ثوب الآخر ولكن يلمسه لمسا . والمنابذة أن يقول انبذ ما معي وتنبذ ما معك فيشتري كل واحد منهما من الآخر ولا يدري كم مع الآخر . وروى أحمد عن معمر أنه فسر المنابذة بأن يقول إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع . والملامسة أن يلمس بيده ولا ينشره ولا يقلبه إذا مسه وجب البيع . ولمسلم عن أبي هريرة الملامسة أن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل . والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر لم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه . قال الحافظ وهذا التفسير الذي في حديث أبي هريرة أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة لأنها مفاعلة فتستدعي وجود الفعل من الجانبين قال واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور هي أوجه للشافعية أصحها أن يأتي بثوب مطوى أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول له صاحب الثوب بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته وهذا موافق للتفسير الذي في الأحاديث . الثاني أن يجعلا نفس اللمس بيعا بغير صيغة زائدة . الثالث أن يجعلا اللمس شرطا في قطع خيار المجلس والبيع على التأويلات كلها باطل . ثم قال واختلفوا في المنابذة على ثلاثة أقوال وهي ثلاثة أوجه للشافعية أصحها أن يجعلا نفس النبذ بيعا كما تقدم في الملامسة وهو الموافق للتفسير المذكور في الأحاديث والثاني أن يجعلا النبذ بيعا بغير صيغة . والثالث أن يجعلا النبذ قاطعا للخيار هكذا في الفتح . والعلة في النهي عن الملامسة والمنابذة الغرر والجهالة وابطال خيار المجلس وحديث أنس يأتي الكلام علي ما اشتمل عليه من المحاقلة والمزابنة في باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه وأما المخاضرة المذكورة فيه فهي بالخاء والضاد المعجمتين وهي بيع الثمرة خضراء قبل بدو صلاحها وسيأتي الخلاف في ذلك

باب النهي عن الاستثناء في البيع الا أن يكون معلوما

1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والثنيا الا ان تعلم "
- رواه النسائي والترمذي وصححه

- الحديث أخرجه مسلم بلفظ " نهى عن الثنيا " وأخرجه أيضا بزيادة " الا أن تعلم " النسائي وابن حبان في صحيحه وغلط ابن الجوزي فزعم ان هذا الحديث متفق عليه وليس الأمر كذلك فإن البخاري لم يذكر في كتابه الثنيا وهو يدل على تحريم الحاقلة والمزابنة وسيأتي الكلام عليهما شيئا والثنيا بضم المثلثة وسكون النون المراد بها الاستثناء في البيع نحو أن يبيع الرجل شيئا ويستثنى بعضه فإن كان الذي استثناه معلوما نحو أن يستثني واحدة من الأشجار أو منزلا من المنازل أو موضعا معلوما من الأرض صح بالاتفاق وإن كان مجهولا نحو أن يستثني شيئا غير معلوم لم يصح البيع وقد قيل أنه يجوز أن يستثني مجهول العين إذا ضرب لاختياره مدة معلومة لانه بذلك صار كالمعلوم وبه قالت الهادوية وقال الشافعي لا يصح لما في الجهالة حال البيع من الغرر وهو الظاهر لدخول هذه الصورة تحت عموم الحديث واخراجها يحتاج إلى دليل ومجرد كون مدة الاختيار معلومة وإن صار به على بصيرة في التعيين بعد ذلك لكنه لم يصر به على بصيرة حال العقد وهو المعتبر ( والحكمة ) في النهي عن استثناء المجهول ما يتضمنه من الغرر مع الجهالة

باب بيعتين في بيعة

1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من باع بيعين في بيعة فله أو كسهما أو الربا "
- رواه أبو داود . وفي لفظ " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيعتين في بيعة " رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه

2 - وعن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صفقتين في صفقة قال سماك هو الرجل يبيع البيع فيقول هو بنسا بكذا وهو ينقد بكذا وكذا "
- رواه أحمد

- حديث أبي هريرة باللفظ الأول في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة وقد تكلم فيه غير واحد قال المنذري والمشهور عنه من رواية الدراوردي ومحمد بن عبد الله الأنصاري أنه صلى الله عليه وآله وسلم " نهى عن بيعتين في بيعة " انتهى وهو باللفظ الثاني عند من ذكره المصنف وأخرجه أيضا الشافعي ومالك في بلاغاته وحديث ابن مسعود أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات وأخرجه أيضا البزار والطبراني في الكبير والأوسط وفي الباب عن ابن عمر عند الدارقطني وابن عبد البر قوله " من باع بيعتين " فسره سماك بما رواه الصنف عن أحمد عنه وقد وافقه على مثل ذلك الشافعي فقال بان يقول بعتك بألف نقدا أو ألفين إلى سنة فخذ أيهما شئت أنت وشئت أنا ونقل أن الرفعة عن القاضي إن المسألة مفروضة على أنه قبل على الأبهام اما لو قال قبلت بألف نقدا أو بألفين بالنسيئة صح ذلك . وقد فسر ذلك الشافعي بتفسير آخر فقال هو أن يقول بعتك ذا العبد بألف على أن تبيعني دارك كذا أي إذا وجب لك عندي وجب لي عندك وهذا يصلح تفسير اللرواية الأخرى من حديث أبي هريرة لا للأولى فإن قوله فله أوكسهما يدل على أنه باع الشيء الواجد بيعتين بيعة بأقل وبيعة بأكثر . وقيل في تفسير ذلك هو أن يسلفه دينارا في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال بعني القفيز الذي لك على إلى شهرين بقفيزين فصار ذلك بيعتين في بيعة لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيرد إليه أوكسهما وهو الأول كذا في شرح السنن لابن رسلان . قوله " فله أوكسهما " أي انقصهما قال الخطابي لا أعلم أحدا قال بظاهر الحديث وصحح البيع باوكس الثمنين إلا ما حكى عن الأوزاعي وهو مذهب فاسد انتهى . ولا يخفى إن ماقاله هو ظاهر الحديث لأن الحكم له بالاوكس يستلزم صحة البيع به : قوله " أو الربا " يعني أو يكون قد دخل هو وصاحبه في الربا المحرم إذا لم يأخذ الأوكس بل أخذ الأكثر وذلك ظاهر في التفسير الذي ذكره ابن رسلان وأما في التفسير الذي ذكره أحمد عن سماك وذكره الشافعي ففيه متمسك لمن قال يحرم بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لاجل النساء وقد ذهب إلى ذلك زين العابدين بن علي بن الحسين والناصر والمنصور بالله والهادوية والامام يحيى . وقالت الشافعية والحنفية وزيد بن علي والمؤيد بالله والجمهور إنه يجوز لعموم الأدلة القاضية بجوازه وهو الظاهر لان ذلك المتمسك هو الرواية الأولى من حديث أبي هريرة وقد عرفت ما في راويها من المقال ومع ذلك فالمشهور عنه اللفظ الذي رواه غيره وهو النهي عن بيعتين في بيعة ولا حجة فيه على المطلوب ولو سلمنا أن تلك الرواية التي تفرد بها ذلك الراوي صالحة للاحتجاج لكان احتمالها لتفسير خارج عن محل النزاع كما سلف عن ابن رسلان قادحا في الاستدلال بها على المتنازع فيه على أن غاية ما فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على هذه الصورة وهي أن يقول نقدا بكذا ونسيئة كذا الا إذا قال من أول الأمر نسيئة بكذا فقط وكان أكثر من سعر يومه مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة ولا يدل الحديث على ذلك فالدليل أخص من الدعوى وقد جمعنا رسالة في هذه المسألة وسميناها شفاء الغلل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل وحققناها تحقيقا لم نسبق إليه والعلة في تحريم بعتين في بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين والتعليق بالشرط المستقبل في صورة بيع هذا على أن يبيع منه ذاك ولزوم الربا في صورة القفيز الحنطة : قوله " أو صفقتين في صفقة " أي بيعتين في بيعة

النهي عن بيع العربون

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع العربان "
- رواه أحمد والنسائي وأبو دواد وهو لمالك في الموطأ

- الحديث منقطع لانه من رواية مالك أنه بلغه عن عمرو بن شعيب ولم يدركه فبينهما راو لم يسم وسماه ابن ماجه فقال عن مالك عن عبد الله بن عامر الأسلمي وعبد الله لا يحتج بحديثه وفي إسناده ابن ماجه هذا أيضا حبيب كاتب الإمام مالك وهو ضعيف لا يحتج به . وقد قيل أن الرجل الذي لم يسم هو ابن هليعة ذكر ذلك ابن عدي وهو أيضا ضعيف . ورواه الدارقطني . والخطيب عن مالك عن عمرو ابن الحرث عن عمرو بن شعيب وفي إسنادهما الهيثم ابن اليمان وقد ضعفه الأزدي وقال أبو حاتم صدوق ورواه موصولا من غير طريق مالك وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن زيد بن أسلم أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العربان في البيع فاصله " وهو مرسل وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف : قوله " العربان " بضم العين المهملة وإسكان الراء ثم موحدة مخففة ويقال فيه عربون بضم العين والياء ويقال بالهمزة مكان العين . قال أبو داود قال مالك وذلك فيما نرى والله أعلم أن يشتري الرجل العبد أو يتكار الدابة ثم يقول أعطيك دينارا على أني أن تركت السلعة و الكراء فما أعطيتك لك انتهى . وبمثل ذلك فسره عبد الرزاق عن زيد بن أسلم والمراد أنه إذا لم يختر السلعة أو اكترى الدابة كان الدينار أو نحوه للمالك بغير شيء وإن اختارهما أعطاه بقية القيمة أو الكراء ( وحديث ) الباب يدل على تحريم البيع مع العربان وبه قال الجمهور وخالف في ذلك أحمد فأجازه وروى نحوه عن عمر وابنه . ويدل على ذلك حديث زيد بن أسلم المتقدم وفيه المقال المذكور والأولى ما ذهب إليه الجمهور لأن حديث عمر بن شعيب قد ورد من طرق يقوي بعضها بعضا ولأنه يتضمن الحظر وهو أرجح من الإباحة كما تقرر في الأصول . والعلة في النهي عنه اشتماله على شرطين فاسدين . أحدهما شرط كون ما دفعه إليه يكون مجانا إن اختار ترك السلعة . والثاني شرط الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع

باب تحريم بيع العصير ممن يتخذه خمرا وكل بيع أعان على معصية

1 - عن أنس " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحامله والمحمول إليها وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له "
- رواه الترمذي وابن ماجة

2 - وعن ابن عمر قال " لعنت الخمرة على عشرة وجوه لعنت الخمرة بعينها وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحموله إليه وآكل ثمنها "
- رواه أحمد وابن ماجة وأبو داود بنحوه ولكنه لم يذكر وآكل ثمنها ولم يقل عشرة

- الحديث الأول قال الحافظ في التلخيص ورواته ثقات والحديث الثاني في إسناده عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أمير الأندلس قال يحيى لا أعرفه وقال قوم هو معروف وصححه ابن السكن ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند أبي داود وعن ابن عباس عند ابن حبان وعن ابن مسعود عند الحاكم وعن بريدة عند الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن أحمد بن أبي خيثمة بلفظ " من حبس العنب أيام القطف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمرا فقد نقحم النار على بصيرة " حسنه الحافظ في بلوغ المرام . وأخرجه البيهقي بزيادة " أو ممن يعلم أن يتخذه خمرا " وقد استدل المصنف رحمه الله بحديثي الباب على تحريم بيع العصير ممن يتخذه خمرا وتحريم كل بيع أعان على معصية قياسا على ذلك وليس في حديثي الباب تعرض لتحريم بيع العنب ونحوه ممن يتخذه خمرا لأن المراد بلعن بائعها وآكل ثمنها بائع الخمر وآكل ثمن الخمر وكذلك بقية الضمائر المذكورة هي للخمر ولو مجازا كما في عاصرها ومعتصرها فإنه يؤل المعصور إلى الخمر والذي يدل على مراد المصنف حديث بريدة الذي ذكرناه لترتيب الوعيد الشديد على من باع العنب إلى من يتخذه خمرا ولكن قوله حبس وقوله أو ممن يعلم أن يتخذه خمرا يدلان على اعتبار القصد والتعمد للبيع لمن يتخذه خمرا ولا خلاف في التحريم مع ذلك وأما مع عدمه فذهب جماعة من أهل العلم إلى جوازه منهم الهادوية مع الكراهة ما لم يعلم أنه يتخذه لذلك ولكن الظاهر أن البيع من اليهودي والنصراني لا يجوز لأنه مظنة لجعل الخمر خمرا ويؤيد المنع مع من البيع مع ظن استعمال المبيع في معصية أما ما أخرجه الترمذي وقال غريب من حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " ولا تبيعوا القينات المغنيات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام "

باب النهي عن بيع ما لا يملكه ليمض فيشتريه ويسلمه

1 - عن حكيم بن حزام قال " قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ياتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه ثم أبتاعه من السوق فقال لا تبع ما ليس عندك "
- رواه الخمسة

- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حسن صحيح وقد روى من غير وجه عن حكيم انتهى . وفي بعض طرقه عبد الله بن عصمة زعم عبد الحق أنه ضعيف جدا ولم يتعقبه ابن القطان بل نقل عن ابن حزم أنه مجهول . قال الحافظ وهو جرح مردود وقد روى عنه ذلك ثلاثة كما في التلخيص وقد احتج به النسائي ( وفي الباب ) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح مالم يضمن ولا بيع ماليس عندك " قوله " ما ليس عندك " أي ماليس في ملكك وقدرتك والظاهر أنه يصدق على العبد المغصوب الذي لا يقدر لى انتزاعه ممن هو في يده وفي الآبق الذي لا يعرف مكانه والطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه ويدل على ذلك معنى عند لغة قال الرضى أنها تستعمل في الحاضر القريب وما هو في حوزتك وإن كان بعيدا انتهى . فيخرج عن هذا ما كان غائبا خارجا عن الملك أو داخلا عن الحوزو وظاهره أنه يقال لما كان حاضرا وإن كان خارجا عن الملك . فمعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تبع ماليس عندك " أي ماليس حاضرا عندك ولا غائبا في ملكك وتحت حوزتك . قال البغوي النهي في هذا الحديث عن بيوع الأعيان التي لا يملكها أما بيع شيء موصوف في ذمته فيجوز فيه السلم بشروطه فلو باع شيئا موصوفا في ذمته عام الوجود عند المحل المشروط في البيع جاز وإن لم يكن البيع موجودا في ملكه حالة العقد كالسلم قال وفي معنى بيع ما ليس عنده في الفساد بيع الطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه إلى محله فإن اعتاد الطائر أن يعود ليلا لم يصح أيضا عند الأكثر إلا النحل فإن الأصح فيه الصحة كما قال النووي في زيادات الروضة وظاهر النهي تحريم مالم يكن في ملك الأنسان ولا داخلا تحت مقدرته وقد استثنى من ذلك فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم وكذلك إذا كان المبيع في ذمة المشتري إذ هو كالحاضر المقبوض

باب من باع سلعة من رجل ثم من آخر

1 - عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أيما إمرأة زوجها وليان فهي للأول منهما وأيما رجل باع بيعا من رجلين فهو للأول منهما "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه لم يذكر فيه فصل النكاح وهو يدل بعمومه على فساد بيع البائع المبيع وإن كان في مدة الخيار

- الحديث هو من رواية الحسن عن سمرة وفي سماعه منه خلاف قد تقدم وقد حسنه الترمذي وصححه أبو زرعة وأبو حاتم والحاكم . قال الحافظ وصحته متوقفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة ورجاله ثقات ورواه الشافعي وأحمد والنسائي من طريق قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر قال الترمذي الحسن عن سمرة في هذا أصح : قوله " فهي للأول منها " فيه دليل أن المرأة إذا عقد لها ولين لزوجين كانت لمن عقد له أول الوليين من الزوجين وبه قال الجمهور وسواء كان دخل بها الثاني أم لا وخالف في ذلك مالك وطاوس والزهري . وروى عن عمر فقالوا أنها تكون للثاني إذا كان قد دخل بها لأن الدخول أقوى والخلاف في تفاصيل هذه المسألة بين المفرعين طويل قوله " وأيما رجحل باع " الخ فيه دليل أن من باع شيئا من رجل ثم باعه من آخر لم يكن للبيع الآخر حكم بل هو باطل لأنه باع غير ما يملك إذ قد صار في ملك المشتري الأول ولا فرق بين أن يكون البيع الثاني وقع في مدة الخيار أو بعد أنقراضها الأن المبيع قد خرج عن ملكة بمجرد البيع

باب النهي عن بيع الدين بالدين وجوازه بالعين ممن هو عليه

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ "
- رواه الدارقطني

2 - وعن ابن عمر قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم ووآخذ الدنانير فقال لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء "
- رواه الخمسة . وفي لفظ بعضهم " أبيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير " وفيه دليل على جواز التصرف في الثمن قبل قبضه وإن كان في مدة الخيار وعلى أن خيار الشرط لا يدخل الصرف

- الحديث الأول صححه الحاكم على شرط مسلم وتعقب بأنه تفرد به موسى بن عبيدة الربذي كما قال الدارقطني وابن عدي . وقد قال فيه أحمد لا تحل الرواية عنه عندي ولا أعرف هذا الحديث عن غيره وقال ليس في هذا أيضا حديث يصح ولكن إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع دين بدين وقال الشافعي أهل الحديث يوهنون هذا الحديث اه . ويؤيده ما أخرجه الطبراني عن رافع بن خديج " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع كالئ دين بدين " ولكن في إسناده موسى المذكور فلا يصلح شاهدا والحديث الثاني صححه الحاكم وأخرجه ابن حبان والبيهقي وقال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث سماك بن حرب وذكر أنه روى عن ابن عمر موقوفا واخرجه النسائي موقوفا عليه ايضا قال البيهقي والحديث تفرد برفعه سماك بن حرب وقال شعبة رفعه لنا سماك وأنا أفرقه : قوله " الكالئ بالكالئ " هو مهموز قال الحاكم عن أبي الوليد حسان هو بيع النسيئة كذا نقله أبو عبيد في الغريب وكذا نقله الدارقطني عن أهل اللغة وروى البيهقي عن نافع قال هو بيع الدين بالدين . وفيه دليل على عدم جواز بيع الدين بالدين وهو إجماع كما حكاه أحمد في كلامه السابق وكذا لا يجوز بيع كل معدوم بمعدوم . قوله " بالبقيع " قال الحافظ بالباء الموحدة كما وقع عند البيهقي في بقيع الغرقد . قال النووي ولم يكن إذ ذاك قد كثرت فيه القبور . وقال ابن باطيش لم أر من ضبطه والظاهر أنه بالنون حكى ذلك عنه في التلخيص وابن رسلان في شرح السنن : قوله " لا بأس " خ فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثمن الذي في الذمة بغيره وظاهره إنهما غير حاضرين جميعا بل الحاضر أحدهما وهو غير اللازم فيدل على أن ما في الذمة كالحاضر : قوله " مالم تفترقا وبينكما شيء " فيه دليل على أن جواز الاستبدال مقيد بالتقابض في المجلس لان الذهب والفضة مالان ربويان فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر الا بشرط وقوع التقابض في المجلس وهو محكى عن عمر وابنه عبد الله رضي الله عنهما والحسن والحكم وطاوس والزهري ومالك والشافعي وأبي حنيفة . والثوري والأوزاعي وأحمد وغيرهم وروى عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب وهو أحد قولي الشافعي أنه كروه أي الاستبدال المذكور والحديث يرد عليهم ( واختلف ) الأولون فمنهم من قال يشترط أن يكون بسعر يومها كما وقع في الحديث وهو مذهب أحمد وقال أبو حنيفة والشافعي أنه يجوز بسعر يومها وأغلى وأرخص وهو خلاف ما في الحديث من قوله " بسعر يومها " وهو أخص من حديث " إذا أختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " فيبني العام على الخاص

باب نهي المشتري عن بيع ما اشتراه قبل قبضه

1 - عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ابتعت طعاما فلا تبعه حتى تستوفيه "
- رواه أحمد ومسلم

2 - وعن أبي هريرة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يشتري الطعام ثم يباع حتى يستوفي "
- رواه أحمد ومسلم . ولمسلم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من اشترى طعاما فلا يبيعه حتى يكتاله "

3 - وعن حكيم بن حزام قال " قلت يا رسول الله أني أشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم على قال إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه "
- رواه أحمد

4 - وعن زيد بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم "
- رواه أبو داود والدارقطني

5 - وعن ابن عمر قال " كانوا يتبايعون الطعام حزافا با على السوق فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه "
- رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه وفي لفظ في الصحيحين " حتى يحولوه " للجماعة إلا الترمذي " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه " ولأحمد " من اشترى طعاما بكيل أو وزن فلا يبعه حتى يقبضه " ولأبي داود والنسائي " نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه "

6 - وعن ابن عباس " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه قال ابن عباس ولا أحسب كل شيء إلا مثله "
- رواه الجماعة إلا الترمذي وفي لفظ في الصحيحين " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله "

- حديث حكيم بن حزام أخرجه أيضا الطبراني في الكبير وفي إسناده العلاء ابن خالد الواسطي وثقه ابن حبان وضعفه موسى بن إسماعيل وقد أخرج النسائي بعضه وهو طرف من حديثه المتقدم في باب النهي عن بيع مالا يملكه . وحديث زيد بن ثابت أخرجه أيضا الحاكم وصححه وابن حبان وصححه أيضا : قوله " إذا ابتعت طعاما " وكذا قوله في الحديث الثاني " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ وكذا قوله " من اشترى طعاما " وكذلك بقية ما فيه التصريح بمطلق الطعام في حديث الباب في جميعها دليل على أنه لا يجوز لمن اشترى طعاما أن يبيعه حتى يقبضه من غير فرق بين الجزاف وغيره وإلى هذا ذهب الجمهور وروى عن عثمان التبى أنه يجزم بيع كل شيء قبل قبضه والأحاديث ترد عليه فإن النهي يقتضي التحريم بحقيقته ويدل على الفساد المرادف للبطلان كما تقرر في الأصول وحكى في الفتح عن مالك في المشهور عنه الفرق بين الجزاف وغيره فأجاز بيع الجزاف قبل قبضه وبه قال الأوزاعي وإسحاق واحتجوا بان الجزاف يرى فيكفي فيه التخلية والاستيفاء إنما يكون في مكيل أو موزون . وقد روى أحمد من حديث ابن عمر مرفوعا " من اشترى طعاما بكيل أو وزن فلا يبعه حتى يقبضه " رواه أبو داود والنسائي بلفظ " نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه " كما ذكره المصنف والدارقطني من حديث جابر " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري " ونحوه للبزار من حديث أبي هريرة قال في الفتح بإسناد حسن قالوا وفي ذلك دليل على أن القبض إنما سيكون شرطا في المكيل والموزون دون الجزاف واستدل الجمهور بإطلاق أحاديث الباب وبنص حديث ابن عمر فإنهم صرح فيه بأنهم كانوا يبتاعون جزافا الحديث . ويدل لما قالوا حديث حكيم بن جزام المذكور لأنه يعم كل مبيع ويجاب عن حديث ابن عمر وجابر اللذين احتج بهما مالك ومن معه بأن التنصيص على كون الطعام المنهي عن بيعه مكيلا أو موزونا لا يستلزم عدم ثبوت الحكم في غيره نعم لو لم يوجد في الباب إلا الأحاديث التي فيها إطلاق لفظ الطعام لأمكن أن يقال أنه يحمل المطلق على المقيد بالكيل والوزن وأما بعد التصريح بالنهي عن بيع الجزاف قبل قبضه كما في حديث ابن عمر فيحتم المصير إلى أن حكم الطعام متحد من غير فرق بين الجزاف وغيره ورجح صاحب ضوء النهار أن هذا الحكم أعني تحريم بيع الشيء قبل قبضه مختص بالجزاف دون المكيل والموزون وسائر المبيعات من غير الطعام وحكي هذا عن مالك ويجاب عنه بما تقدم من إطلاق الطعام والتصريح بما هو أعم منه كما في حديث حكيم والتنصيص على تحريم بيع المكيل من الطعام والموزون كما في حديث ابن عمر وجابر وما حكاه عن مالك خلاف ما حكاه عنه غيره فإن صاحب الفتح حكى عنه ما تقدم وهو مقابل لما حكاه عنه . وكذلك روى عن مالك ما يخالف ذلك ابن دقيق العيد وابن القيم وابن رشد في بداية المجتهد وغيرهم وقد سبق صاحب ضوء النهار إلى هذا المذهب ابن المنذر ولكنه لم يخصص بعض الطعام دون بعض بل سوى بين الجزاف وغيره ونفى اعتبار القبض عن غير الطعام وقد حكى ابن القيم في بدائع الفوائد عن أصحاب مالك كقول ابن المنذر ويكفي في رد هذا المذهب حديث حكيم فإنه يشتمل بعمومه غير الطعام وحديث زيد بن ثابت فإنه صرح بالنهي في السلع وقد استدل من خصص هذا الحكم بالطعام بما في البخاري من حديث ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى من عمر بكرا كان ابنه راكبا عليه ثم وهبه لابنه قبل قبضه " ويجاب عن هذا بانه خارج عن محل النزاع لان البيع معاوضة بعوض وكذلك الهبة إذا كانت بعوض وهذه الهبة الواقعة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست على عوض وغاية ما في الحديث جواز التصرف في المبيع قبل قبضه بالهبة بغير عوض ولا يصح الالحاق للبيع وسائر التصرفات بذلك لأنه مع كونه فاسد الاعتبار قياس مع الفارق وأيضا قد تقرر في الأصول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمر
الأمة أو نهاها أمرا أو نهيا خاصا بها ثم فعل ما يخالف ذلك ولم يقم دليل يدل على التأسي في ذلك الفعل بخصوصه كان مختصا به لأن هذا الأمر أو النهي الخاصين بالأمة في مسألة مخصوصة هما أخص من أدلة التأسي العامة مطلقا فيبني العام على الخاص وذهب بعض المتأخرين إلى تخصيص إلى تخصيص التصرف الذي نهى عنه قبل القبض بالبيع دون غيره قال فلا يحل البيع ةيحل غيره من التصرفات وأراد بذلك الجمع بين أحاديث الباب وحديث شرائه صلى الله عليه وآله وسلم للبكر ولكنه يعكر عليه أن ذلك يستلزم الحاق جميع التصرفات التي بعوض وبغير عوض بالهبة بغير عوض وهو إلحاق مع الفارق وأيضا الحاقها بالهبة المذكورة دون البيع الذي وردت بمعنه الأحاديث تحكم والأولى الجمع بالحاق التصرفات بعوض بالبيع فيكون نعلها قبل القبض غير جائز والحاق التصرفات التي لا عوض فيها بالهبة المذكورة وهذا هو الراجح ولا يشكل عليه ما قدمنا من أن ذلك الفعل مختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن ذلك إنما هو على طريق التنزل مع ذلك الفعل مختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن ذلك إنما هو على طريق التنزيل مع ذلك القائل بعد فرض أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم يخالف ما دلت عليه أحاديث الباب وقد عرفت أنه لا مخالفة فلا اختصاص ويشهد لما ذهبنا إليه إجماعهم على صحة الوقف والعتق قبل القبض ويشهد له أيضا ما علل به النهي فإنه أخرج البخاري عن طاوس قال قلت لابن عباس كيف ذاك قال دراهم بدراهم والطعام مرجأ استفهمه عن سبب النهي فأجابه بأنه إذا باعه المشتري قبل القبض وتأخر المبيع في يد البائع فكأنه باع دراهم بدراهم ويبين ذلك ما أخرجه مسلم عن ابن عباس أنه قال لما ساله طاوس ألا تراهم يتباعدون بالذهب والطعام مرجأ وذلك لأنه إذا اشترى طعاما بمائة دينار ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام ثم باع الطعام إلى آخر بمائة وعشرين مثلا فكأنه اشترى بذهبه ذهبا أكثر منه ولا يخفى ان مثل هذه العلة لا ينطبق على ما كان من التصرفات بغير عوض وهذا التعليل أجود ما علل به النهي لأن الصحابة أعرف بمقاصد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا شك أن المنع من كل تصرف قبل القبض من غير فرق بين ما كان بعوض وما لا عوض فيه لا دليل عليه إلا الالحاق لسائر التصرفات بالبيع وقد عرفت بطلان الحاق مالا عوض فيه بما فيه عوض ومجرد صدق اسم التصرف على الجميع لا يجعله مسوغا للقياس عارف بعلم الأصول : قوله " حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " فيه دليل على أنه لا يكفي مجرد القبض بل لابد من تحويله إلى المنزل الذي يسكن فيه المشتري أو يضع فيه بضاعته وكذلك يدل على هذا قوله في الرواية الأخرى " حتى يحولوه " وكذلك ما وقع في بعض طرق مسلم عن ابن عمر بلفظ " كنا نبتاع الطعام فبعث علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه " وقد قال صاحب الفتح أنه لا يعتبر الإيواء إلى الرحال لأن الأمر به خرج مخرج الغالب ولا يخفى أن هذه دعوى تحتاج إلى برهان لأنه مخالفة لما هو الظاهر ولا عذر لمن قال إنه يحمل المطلق على المقيد من المصير إلى ما دلت عليه هذه الروايات : قوله " جزافا " بتثليث الجيم والكسر أفصح من غيره وهو مالم يعلم قدره على التفصيل . قال ابن قدامة يجوز بيع الصبرة جزافا لا نعلم فيه خلافا إذا جهل البائع والمشتري قدرها : قوله " ولا أحسب كل شيء الا مثله " استعمل ابن عباس القياس ولعله لم يبلغه النص المقتضى لكون سائر الأشياء كالطعام كما سلف : قوله " حتى يكتاله " قيل المراد بالاكتيال القبض والاستيفاء كما في سائر الروايات ولكنه لما كان الأغلب في الطعام ذلك صرح بلفظ الكيل وهو خلاف الظاهر كما عرفت والظاهر أن من اشترى شيئا مكايلة أو موازنة فلا يكون قبضه الا بالكيل أو الوزن فإن قبضه جزافا كان فاسدا وبهذا قال الجمهور كما حكاه الحافظ عنهم في الفتح ويدل عليه حديث اختلاف الصاعين

باب النهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان

1 - عن جابر قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع للبائع وصاع للمشتري "
- رواه ابن ماجه والدارقطني

2 - وعن عثمان قال " كنت ابتاع التمر من بطن اليهود يقال لهم بنو قينقاع وأبيعه وإذا بعت فكل "
- رواه أحمد والبخاري منه بغير اسناد كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- حديث جابر أخرجه ايضا البيهقي وفي إسناده ابن أبي ليلى قال البيهقي وقد روى من وجه آخر ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند البزار بإسناد حسن . وعن أنس وابن عباس عند ابن عدي بإسنادين ضعيفين جدا كما قال الحافظ . وحديث عثمان أخرجه عبد الرزاق ورواه الشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا . قال البيهقي روى موصولا من أوجه إذا ضم بعضها إلى بعض قوي . وقال في مجمع الزوائد إسناد حسن واستدل بهذه الأحاديث على أن من اشترى شيئا مكايلة وقبضه ثم باعه إلى غيره لم يجز تسليمه بالكيل الأول حتى بكيله على من اشتراه ثانيا وإليه ذهب الجمهور كما حكاه في الفتح عنهم : قال وقال عطاء يجوز بيعه بالكيل الأول مطلقا وقيل إن باعه بنقد جاز بالكيل الأول وإن باعه بنسيئة لم يجز الأول والظاهر ما ذهب إليه الجمهور من غير فرق بين بيع وبيع للأحاديث المذكورة في الباب التي تفيد بمجموعها ثبوت الحجة وهذا إنما هو إذا كان الشراء مكايلة وأما إذا كان جزافا فلا يعتبر الكيل المذكور عند أن يبيعه المشتري

باب ما جاء في التفريق بين ذوي المحارم

1 - عن أبي موسى قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة "
- رواه أحمد والترمذي

2 - وعن علي عليه السلام " قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما وفرقت بينهما فذكرت ذلك له فقال أدركهما فأرجعتهما ولا تبعهما إلا جميعا "
- رواه أحمد . وفي رواية " وهب لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم غلامين أخوين فبعت أحدهما فقال لي يا علي ما فعل غلامك فأخبرته فقال رده رده " رواه الترمذي وابن ماجه

3 - وعن أبي موسى قال " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فرق بين الوالد وولده وبين الأخ وأخيه "
- رواه ابن ماجه والدارقطني

4 - وعن علي عليه السلام " أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك ورد البيع "
- رواه أبو داود والدارقطني

- حديث أبي أيوب أخرجه أيضا الدارقطني والحاكم وصححه وحسنه الترمذي وفي إسناده حي بن عبد الله المعافري وهو مختلف فيه وله طريق أخرى عند البيهقي وفيها غنقطاع لأنها من رواية العلاء بن كثير الإسكندراني عن أبي أيوب ولم يدركه . وله طريق أخرى عند الدارمي . وحديث أبي موسى إسناده لا بأس به فإن محمد بن عمر بن الهياج صدوق وطليق بن عمران مقبول . وحديث علي الأول رجال إسناده ثقات كما قال الحافظ وقد صححه ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم والطبراني وابن القطان وحديثه الثاني هو من رواية ميمون بن أبي شبيب عنه وقد أعله أبو داود بالإنقطاع بينهما وأخرجه الحاكم وصحح إسناده ورجحه البيهقي لشواهده ( وفي الباب ) عن أنس عند ابن عدي بلفظ " لا يولهن والد عن ولده " وفي إسناده مبشر بن عبيد وهو ضعيف ورواه من طريق أخرى فيها إسماعيل بن عياش عن الحجاج بن ارطأة وقد تفرد به إسماعيل وهو ضعيف في غير الشاميين . وعن أبي سعيد عند الطبراني بلفظ " لا توله والدة بولدها " وأخرجه البيهقي بإسناد ضعيف عن الزهري مرسلا ( والأحاديث ) المذكورة في الباب فيها دليل على تحريم التفريق بين الوالدة والولد وبين الأخوين أما بين الوالدة وولدها فقد حكي في البحر عن الإمام يحيى أنه إجماع حتى يستغني الولد بنفسه وقد اختلف في إنعقاد البيه فذهب الشافعي إلى أنه لا ينعقد . وقال أبو حنيفة وهو قول للشافعي أنه ينعقد . وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يحرم التفريق بين الأب والابن وأجاب عليه صاحب البحر بأنه مقيس على الأم ولا يخفى أن حديث أبي موسى المذكور في الباب يشمل الأب فالتعويل عليه أن صح أولى من التعويل على القياس وأما بقية القرابة فذهبت الهادوية والحنفية إلى أنه يحرم التفري بينهم قياسا وقال الإمام يحيى والشافعي لا يحرم والذي يدل عليه النص هو تحريم التفريق بين الأخوة وأما بين من عداهم من الأرحام فالحاقه بالقياس فيه نظر لأنه لا تصل منهم بالمفارقة مشقة كما تحصل بالمفارقة بين الوالد والولد وبين الأخ وأخيه فلا الحاق لوجود الفارق فينبغي الوقوف على ما تناوله النص وظاهر الأحاديث أنه يحرم التفريق سواء كان بالبيع أو بغيره مما فيه مشقة تساوي مشقة التفريق بالبيع إلا التفريق الذي لا اختيار فيه للمفرق كالقسمة والظاهر أيضا أنه لا يجوز التفريق بين من ذكر لا قبل البلوغ ولا بعده وسيأتي بيان ما استدل به على جوازه بعد البلوغ

5 - وعن سلمة بن الأكوع قال " خرجنا مع أي بكر أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فغزونا فزارة فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا فلما صلينا الصبح أمرنا أبو بكر فشننا الغارة فقتلنا على الماء من قتلنا ثم نظرت إلى عنق من الناس فيه الذرية والنساء نحوالجبل وأنا أعدو في أثرهم فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل قال فجئت بهم اسوقهم إلى أبي بكر وفيهم امرأة من فزارة عليها قشع من أدم ومعها ابنة لها من أحسن العرب وأجمله فنفلني أبو بكر فلم أكشف لها ثوبا حتى قدمت المدينة ثم بت فلم أكشف لها ثوبا فلقيني النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السوق فقال يا سلمة هب لي المرأة فقلت يا رسول الله لقد اعجبتني وما كشفت لها ثوبا فسكت وتركني حتى إذا كان من الغد لقيني في السوق فقال يا سلمة هب المرأة لله أبوك فقلت هي لك يا رسول الله قال فبعث بها إلى مكة وفي أيديهم أسارى من المسلمين ففداهم بتلك المرأة "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

- قوله " فعرسنا " التعريس النزول آخر الليل للاستراحة قوله " شننا الغارة " شن الغارة هو اتيان العدو من جهات متفرقة قال في القاموس شن الغارة عليهم صبها من كل وجه كاشنها . قوله " عنق " أي جماعة من الناس قال في القاموس العنق بضم وبضمتين وكأمير وصرد الجيد ويؤنث الجمع اعناق والجماعة من الناس والرؤساء قوله " قشع من أدم " أي نطع قال في القاموس القشع بالفتح الفر والخلق ثم قال ويثلث والنطع أو قطعة من نطع : قوله " فلم أكشف لها ثوبا " كناية عن عدم الجماع وقد استدل بهذا الحديث على جواز التفريق وبوب عليه أبو داود بذلك لأن الظاهر إن البنت قد كانت بلغت قال المصنف رحمه الله وهو حجة في جوز التفريق بعد البلوغ وجواز تقديم القبول بصيغة الطلب على الإيجاب في الهبة ونحوها وفيه أن ماملكه المسلمون من الرقيق يجوز رده إلى الكفار في الفداء اه . وقد حكى في الغيث الاجماع على جواز التفريق بعد البلوغ فإن صح فهو المستند لا هذا الحديث لأن كون بلوغها هو الظاهر غير مسلم الا أن يقال أنه حمل الحديث على ذلك للجمع بين الأدلة وقد روى عن المنصور بالله والناصر في أحد قوليه أن حد تحريم التفريق إلى سبع وقد استدل على جواز التفريق بين البالغين بما أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث عبادة بن الصامت بلفظ " لاتفرق بين الأم وولدها قيل إلى متى قال حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية " وهذا نص على المطلوب صريح لولا إن في إسناده عبد الهل بن عمرو الواقفي وهو ضعيف وقد رماه على ابن المديني بالكذب ولم يروه عن سعيد بن عبد العزيز غيره وقد استدل له الدارقطني بحديث سلمة المذكور ولا شك إن مجموع ما ذكر من الإجماع وحديث سلمة وهذا الحديث منتهض للاستدلال به على التفرقة بين الكبير والصغير

باب النهي ان يبيع حاضر لباد

1 - عن ابن عمر قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيع حاضر لباد "
- رواه البخاري والنسائي

2 - وعن جابر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض "
- رواه الجماعة إلا البخاري

3 - وعن أنس قال " نهينا أن يبيع حضر لباد وإن كان أخاه لأبيه وأمه "
- متفق عليه . ولأبي داود والنسائي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد وإن كان اباه وأخاه "

4 - وعن ابن عباس " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لباد فقيل لابن عباس ما قوله لا يبع حاضر لباد قال لا يكون له سمسارا "
- رواه الجماعة إلا الترمذي

- قوله " حاضر لباد " الحاضر ساكن الحضر والبادي ساكن البادية قال في القاموس الحضر والحاضرة والحضارة وتفتح خلاف البادية والحضارة الأقامة في الحضر ثم قال والحاضر خلاف البادي . وقال البدو والبادية والبادات والبداوة خلاف الحضر وتبدي أقام بها وتبادي تشبه بأهلها والنسبة بداوى وبدوي وبدا القوم خرجوا إلى البادية انتهى . قوله " دعوا الناس " الخ في مسند أحمد من طريق عطاء بن السائب عن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه حدثني أبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإذا استنصح الرجل فلينصح له " ورواه البيهقي من حديث جابر مثله . قوله " لاتلقوا الركبان " سيأتي الكلام عليه . قوله " سمسارا " بسينين مهملتين قال في الفتح وهو في الأصل القيم بالأمر والحافظ ثم استعمل في متولى البيع والشراء لغيره ( وأحاديث الباب ) تدل على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادي من غير فرق بين أن يكون البادي قريبا له أو أجنبيا وسواء كان في زمن الغلاء أولا وسواء كان يحتاج إليه أهل البلد أم لا وسواء باعه له على التدريج أم دفعة واحدة . قالت الحنفية انه يختص المنع من ذلك بزمن الغلاء وبما يحتاج إليه أهل لمصر وقالت الشافعية والحنابلة أن الممنوع إنما هو أن يجيء البلد بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال فيأتيه الحاضر فيقول ضعه عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر قال في الفتح فجعلوا الحكم منوطا بالبادي ومن شاركه في معناه قالوا وإنما ذكر البادي في الحديث لكونه الغالب فألحق من شاركه في عدم معرفة السعر من الحاضرين وجعلت المالكية البداوة قيدا . وعن مالك لا يلتحق بالبدوي في ذلك إلى من كان يشبهه فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع والأسواق فليسوا داخلين في ذلك . وحكى ابن المنذر عن الجمهور ان النهي للتحريم إذا كان البائع عالما والمبتاع مما تعم الحاجة إليه ولم يعضه البدوي على الحضري ولا يخفى أن تخصيص العموم بمثل هذه الأمور من التخصيص بمجرد الاستنباط وقد ذكر ابن دقيق العيد فيه تفصيلا حاصله أنه يجوز التخصيص به حيث يظهر المعنى لا حيث يكون خفيا فاتباع اللفظ أولى ولكنه لا يطميئن الخاطر إلى التخصيص به مطلقا فالبقاء على ظواهر النصوص هو الأولى فيكون بيع الحاضر للبادي محرما على العموم وسواء كان بأجرة أم لا . وروى عن البخاري أنه حمل النهي على البيع بأجة لا بغير أجرة فإنه من باب النصيحة . وروى عن عطاء ومجاهد وأبي حنيفة أنه يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقا وتمسكوا بأحاديث النصيحة . وروى مثل ذلك عن الهادي وقالوا إن أحاديث الباب منسوخة واستظهروا على الجواز بالقياس على توكيل البادي للحاضر فإنه جائز ويجاب عن تمسكهم بأحاديث النصيحة بأنها عامة مخصصة بأحاديث الباب ( فإن قيل ) إن أحاديث النصيحة وأحاديث الباب بينها عموم وخصوص من وجه لأن بيع الحاضر للبادي قد يكون على غير وجه النصيحة فيحتاج فيحتاج حينئذ إلى الترجيح من خارج كما هو شأن الترجيح بين العمومين المتعارضين فيقال المراد بيع الحاضر للبادي الذي جعلناه أخص مطلقا هو البيع الشرعي بيع المسلم للمسلم الذي بينه الشارع للأمة وليس بيع الغش والخداع داخلا في مسمى هذا البيع الشرعي كما أنه لا يدخل فيه بيع الربا وغيره مما لا يحل شرعا فلا يكون البيع باعتبار ما ليس بيعا شرعيا أعم من وجه حتى يحتاج إلى طلب مرجح بين العمومين لأن ذلك ليس هو البيع الشرعي ويجاب عن دعوى النسخ بأنها إنما تصح عند العلم بتأخر الناسخ ولم ينقل ذلك . وعن القياس بأنه فاسدا لاعتبار لمصادمته النص على أن أحاديث الباب أخص من الأدلة القاضية بجواز التوكيل مطلقا فيبني العام على الخاص ( واعلم ) أنه كما لا يجوز أن يبيع الحاضر للبادي كذلك لا يجوز أن يشتري له وبه قال ابن سيرين والنخعي . وعن مالك روايتان ويدل لذلك ما أخرجه أبو داود عن أنس بن مالك أنه قال كان يقال لا يبع حاضر لباد وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئا ولا يبتاع له شيئا ولكن في إسناده أبو هلال محمد بن سليم الراسبي وقد تكلم فيه غير واحد . وأخرج أبو عوانة في صحيحه عن ابن سيرين قال لقيت أنس بن مالك فقلت لا يبع حاضر لباد أنهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم قال نعم قال محمد صدق أنها كلمة جامعة ويقوى ذلك العلة التي نبه عليها صلى الله عليه وآله وسلم بقوله دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإن ذلك يحصل بشراء من لا خبرة له بالأثمان كما يحصل ببيعه وعلى فرض عدم ورود نص يقضي بأن الشراء حكمه البيع فقد تقرر إن لفظ البيع يطلق على الشراء وأنه مشترك بينهما كما أن لفظ البيع يطلق على الشراء وأنه مشترك بينهما كما أن لفظ الشراء يطلق على البيع لكونه مشتركا بينهما والخلاف في جواز استعمال المشترك في معنيه أو معانييه معروف في الأصول والحق الجواز إن لم يتناقضا

باب النهي عن النجش

1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد وان يتناجشوا "

2 - وعن ابن عمر قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النجش "
- متفق عليهما

- قوله " النجش بفتح النون وسكون الجيم بعدها معجمة قال في الفتح وهو في اللغة تنفير الصيد واستثارته من مكان ليصاد يقال نجشت الصيد أنجشه بالضم نجشا وفي الشرع الزيادة في السلعة ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الأثم ويقع ذلك بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش وقد يختص به البائع كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشتراها به ليغر غيره بذلك . وقال ابن قتيبة النجش الختل والخديعة ومنه قيل للصائد ناجش لأنه يختل الصيد ويحتال له قال الشافعي النجش أن تحضر السلعة تباع فيعطى بها الشيء وهو لا يريد شراءها ليقتدي به السوام فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه . قال ابن بطال أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع إذا وقع على ذلك وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان بموطأه البائع أو صنعته والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار وهو وجه للشافعية قياسا على المصراة والأصح عندهم صحة البيع مع الأثم وهو قول الحنفية والهادوية وقد اتفق أكثر العلماء على تفسير النجش في الشرع بما تقدم وقيد ابن عبد البر وابن حزم وابن العربي التحريم بأن تكون الزيادة المذكورة فوق ثمن المثل ووافقهم على ذلك بعض المتأخرين من الشافعية وهو تقييد للنص بغير مقتض للتقييد وقد ورد ما يدل على جواز لعن الناجش فأخرج الطبراني عن ابن أبي أوفى مرفوعا " الناجش آكل ربا خائن ملعون " وأخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور موقوفا مقتصرين على قوله " آكل الربا خائن "

باب النهي ن تلقي الركبان

1 - عن ابن مسعود قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تلقي البيوع "
- متفق عليه

2 - وعن أبي هريرة قال نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتلقى الجلب قال تلقاه انسان فابتاعه فصاحب السلعة فيها بالخياء إذا ورد السوق "
- رواه الجماعة إلا البخاري وفيه دليل على صحة البيع

- في الباب عن ابن عمر عند الشيخين وعن ابن عباس عندهما أيضا : قوله " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تلقي البيوع " فيه دليل على أن التلقي محرم وقد اختلف في هذا النهي هل يقتضي الفساد أم لا فقيل يقتضي الفساد وقيل لا وهو الظاهر لأن النهي ههنا لأمر خارج وهو لا يقتضيه كما تقرر في الأصول وقد قال بالفساد المرادف للبطلان بعض المالكية وبعض الحنابلة وقال غيرهم بعدم الفساد لما سلف . ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم " فصاحب السلعة فيها بالخيار " فإنه يدل على انعقاد البيع ولو كان فاسدا لم ينعقد وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الحديث الجمهور فقالوا لا يجوز تلقي الركبان واختلفوا هل هو محرم أو مكروه فقط حكى ابن المنذر عن أبي حنيفة أنه أجاز التلقي وتعقبه الحافظ بأن الذي في كتب الحنفية أنه يكره التلقي في حالتين أن يضر بأهل البلد وأن يلبس السعر على الواردين اه . والتنصيص على الركبان في بعض الروايات خرج مخرج الغالب في أن من يجلب الطعام يكون في الغالب راكبا وحكم الجالب الماشي حكم الراكب ويدل على ذلك حديث أبي هريرة المذكور فإن فيه النهي عن تلقي الجلب من غير فرق . وكذلك حديث ابن مسعود المذكور فإن فيه النهي عن تلقي البيوع قوله " الجلب " بفتح اللام مصدر بمعنى اسم المفعول يقال جلب الشيء جاء به من بلد إلى بلد للتجارة . قوله " بالخيار " اختلفوا هل يثبت له الخيار مطلقا أو بشرط أن يقع له في البيع عين . ذهبت الحنابلة إلى الأول وهو الأصح عند الشافعية وهو الظاهر وظاهره أن النهي لأجل صنعة البائع وازالة الضرر عنه وصيانته ممن يخدعه . قال ابن المنذر وحمله مالك على نفع أهل السوق لا على نفع رب السلعة وإلى ذلك جنح الكوفيون والأوزاعي قال والحديث حجة للشافعي لأنه أثبت الخيار للبائع لا لأهل السوق اه . وقد احتج مالك ومن معه بما وقع في رواية من النهي عن تلقي السلع حتى تهبط الأسواق وهذا لا يكون دليلا لمدعاهم لأنه يمكن أن يكون ذلك رعاية لمنفعة البائع لأنها إذا هبطت الأسواق عرف مقدار السعر فلا يخدع ولا مانع من أن يقال العلة في النهي مرعاة نفع البائع ونفع أهل السوق ( واعلم ) أنه لا يجوز تلقيهم للبيع منهم كما لا يجوز للشراء منهم لأن العلة التي هي مراعاة نفع الجالب أو أهل السوق أو الجميع حاصلة في ذلك ويدل على ذلك ما في رواية للبخاري بلفظ " لا بيع " فإنه يتناول البيع لهم والبيع منهم وظاهر النهي المذكور في الباب عدم الفرق بين أن يبتدئ المتلقي الجالب بطلب الشراء أو البيع أو العكس وشرط بعض الشافعية في النهي أن يكون المتلقي هو الطالب وبعضهم اشترط أن يكون المتلقي قاصدا لذلك فلو خرج للسلام على الجالب أو للفرجة أو لحاجة أخرى فوجدهم فبايعهم لم يتناوله النهي ومن نظر إلى المعنى لم يفرق وهو الأصح عند الشافعي وشرط الجويني في النهي أن يكذب المتلقي في سعر البلد ويشتري منهم باقل من ثمن المثل . وشرط المتولى من أصحاب الشافعي أن يخبرهم بكثرة المؤنة عليهم في الدخول وشرط أبو إسحاق الشيرازي أن يخبرهم بكساد ما معهم والكل من هذه الشروط لا دليل عليه والظاهر من النهي أيضا أنه يتناول المسافة القصيرة والطويلة وهو ظاهر إطلاق الشافعية . وقال بعض المالكية ميل . وقال بعضهم أيضا فرسخان . وقال بعضهم يومان . وقال بعضهم مسافة قصر وبه قال الثوري وأما ابتداء التلقي فقيل الخروج من السوق وإن كان في البلد وقيل الخروج من البلد وهو قول الشافعية وبالأول قال أحمد وإسحاق والليث والمالكية

باب النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه وسومه إلا في المزايدة

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا بيع أحدكم على بيع أخيه ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه لا أن يأذن له "
- رواه أحمد . وللنسائي " لا بيع أحدكم على بيع أخيه حتى يبتاع أو يذر " وفيه بيان أنه أراد بالبيع الشراء

2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يسوم على سومه " . وفي لفظ " لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه "
- متفق عليه

3 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم باع قدحا وحلسا فيمن يزيد "
- رواه أحمد والترمذي

- حديث ابن عمر أخرجه أيضا باللفظ الأول مسلم وأخرجه ايضا البخاري في النكاح بلفظ " نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه وأ يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب " وأخرج نحو الرواية الثانية من حديثه ابن خزيمة وابن الجارود والدارقطني وزادوا " إلا الغنائم والمواريث " وحديث أنس أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وحسنه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان عن أبي بكر الحنفي عنه وأعله ابن قطان بجهل حال أبي بكر الحنفي ونقل عن البخاري أنه قال لم يصح حديثه . ولفظ الحديث عند أبي داود وأحمد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نادى على قدح وجلس لبعض أصحابه فقال رجل هما علي بدرهم ثم قال آخر هما علي بدرهمين " وفيه " أن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة " وقد تقدم ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند الشيخين وعن عقبة بن عامر عند مسلم : قوله " لا يبيع " الأكثر بإثبات الياء على أن لا نافية ويحتمل أن تكون ناهية وأشبعت الكسرة كقراءة من قرأ ( أنه من يتقي ويصبر ) وهكذا ثبتت الياء في بقية ألفاظ الباب : قوله " إلا أن يأذن له " يحتمل أن يكون استثناء من الحكمين ويحتمل أن يختص بالأخير والخلاف في ذلك وبيان الراجح مستوفى في الأصول ويدل على الثاني في خصوص هذا المقام رواية للبخاري التي ذكرناها : قوله " لا يخطب الرجل " الخ سيأتي الكلام على الخطبة في النكاح إن شاء الله قوله " ولا يسوم " صورته أن يأخذ شيئا ليشتريه فيقول المالك رده لأبيعك خيرا منه بثمنه أو يقول للمالك غسترده لأشتريه منك بأكثر وإنما يمنع من ذلك بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الآخر فإن كان ذلك تصريحا فقال في الفتح لا خلاف في التحريم وإن كان ظاهرا ففيه وجهان للشافعية وقال ابن حزم إن لفظ الحديث لا يدل على اشتراط الرون وتعقب أنه لا بد من أمر مبين لموضع التحريم في السوم لأن السوم في السلعة التي تباع فيمن يزيد لا يحرم اتفاقا كما حكاه في الفتح عن ابن عبد البرفتعين أن السوم المحرم ما وقع فيه قدر زائد على ذلك . وأما صورة البيع على البيع والشراء على الشراء فهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ لأبيعك بأنقص أو يقول للبائع افسخ لأشتري منك بأزيد قال في الفتح وهذا مجمع عليه وقد اشترى بعض الشافعية في التحريم أن لا يكون المشتري مغبونا غبنا فاحشا وإلا جاز البيع على البيع والسوم على السوم لحديث الدين النصيحة وأجيب عن ذلك أن النصيحة لا تنحصر في البيع على البيع والسوم على السوم لأنه يمكن أن يعرفه أن قيمتها كذا فيجمع بذلك بين المصلحتين كذا في الفتح وقد عرفت أن أحاديث النصيحة أعم مطلقا من الأحاديث القاضية بتحريم أنواع من البيع فيبني العام على الخاص واختلفوا في صحة البيع المذكور فذهب الجمهور إلى صحته مه الأثم . وذهبت الحنابلة والمالكية إلى فساده في إحدى الروايتين عنهم وبه جزم ابن حزم والخلاف يرجع إلى ما تقرر في الأصول من أن النهي المقتضى للفساد هو النهي عن الشيئ لذاته ولوصف ملازم لا لخارج : قوله " وحلسا " بكسر الحاء المهملة وسكون اللام كساء رقيق يكون تحت برذعه البعير قال الجوهري . والحلس البساط أيضا ومنه حديث " كن حلس بيتك حتى يأتيك يد خاطئة أو ميتة قاضية " كذا في النهاية : قوله " فيمن يزيد " فيه دليل على على جواز بيع المزايدة وهو البيع على الصفة التي فعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما سلف وحكى البخاري عن عطاء أنه قال أدركت الناس لا يرون بأسا في بيع المغانم فيمن يزيد ووصله ابن أبي شيبة ن عطاء ومجاهد وروى هو وسعيد بن منصور عن مجاهد قال لا بأس بيع من يزيد وكذلك كانت تباع الأخماس . وقال الترمذي عقب حديث أنس المذكور والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث . قالابن العربي لا معنى للاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث فإن الباب واحد والمعنى مشترك اه ولعلهم جعلوا تلك الزيادة التي زادها ابن خزيمة وابن الجارود والدارقطني قيدا لحديث أنس المذكور ولكن لم ينقل أن الرجل الذي باع عنه صلى الله عليه وآله وسلم القدح والحلس كانا معه من ميراث أو غنيمة فالظاهر الجواز مطلقا أما لذلك وأما لإلحاق غيرهما بهما ويكون ذكرهما خارجا مخرج الغالب لأنهما الغالب على ما كانوا يعتادون البيع فيه مزايدة وممن قال باختصاص الجواز بهما الأوزاعي وإسحاق وروى عن النخعي أنه كره بيع المزايدة واحتج بحديث جابر الثابت في الصحيح أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال في مدبر " من يشتريه منى فاشتراه نعيم ابن عبد الله بثمانمائة درهم " واعترضه الإسماعيلي فقال ليس في قصة لمدبر بيع المزايدة فإن بيع المزايدة أن يعطي به واحد ثمنا ثم يعطي به غيره زيادة عليه نعم يمكن الاستدلال بما أخرجه البزار من حديث سفيان بن وهب قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن بيع المزايدة " ولكن في إسناده ابن هليعة وهو ضعيف

باب البيع بغير إشهاد

1 - عن عمارة بن خزيمة " أن عمه حدثه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقضيه ثمن فرسه فأسرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم المشي وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس لا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابتاعه فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه وإلا بعته فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سمع نداء الأعرابي أوليس قد ابتعته منك قال الأعرابي لا والله ما بعتك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلى قد بعته فطفق الأعرابي يقول هلم شهيدا قال خزيمة أنا أشهد أنك قد ابتعته فأقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم علىخزيمة فقال بم تشهدد فقال بتصديقك يا رسول الله فجعل شهادة خزيمة شهادة رجلين "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود

- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده عند أبي داود ثقات . وأخرجعه أيضا الحاكم في المستدرك : قوله " ابتاع فرسا " قيل هذا الفرس هو المرتجز المذكور في أفراس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمي بذلك لحسن صهيله كأنه بصهيله ينشد رجز الشعر الذي هو أطيبه وكان أبيض وقيل هو الطرف بكسر الطاء وقيل هو النجيب : قوله من " أعرابي " قيل هو سواء بن الحرث وقال الذهبي هو سواء بن قيس المحاربي : قوله " فاستتبعه " السين للطلب أي أمره أن يتبعه إلى مكانه فاستخدمه إذا أمره أن يخدمه وفيه شراء السلعة وإن لم يكن الثمن حاضرا وجواز تأجيل البائع بالثمن إلى أن يأتي إلى منزله : قوله " فطفق " بكسر الفاء على اللغة المشهورة بفتحها على اللغة القليلة : قوله " بالفرس " الباء زائدة في المفعول لأن المساومة تتعدى بنفسها تقول سمت الشيئ . قوله " لا يشعرون " الخ أي لم يقع من الصحابة السوم النهي عنه بعد استقرار البيع والنهي إنما يتعلق بمن علم لأن العلم شرط التكليف قوله " لا والله ما بعتك " قيل إنما أنكر هذا الصحابي البيع وحلف على ذلك لأن بعض المنافقين كان حاضرا فأمره بذلك وأعلمه أن البيع لم يقع صحيحا وأنه لا إثم عليه في الحلف على أنه ما باعه فاعتقد صحة كلامه لأنه لم يظهر له نفاقه ولو علمه لما أغتر به وهذا وإن كان هو اللائق بجال من كان صحابيا ولكن لا مانع من أن يقع مثل ذلك من الذين لم يدخل حب الا يمان في قلوبهم وغير مستنكر أن يوجد في ذلك الزمان من يؤثر العاجلة فإنه قد كان بهذه المثابة جماعة منهم كما قال تعالى { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } والله يغفر لنا ولهم : قوله " هلم " هلم بضم اللام وبناء الآخر على الفتح لأنه اسم فعل وشهيدا منصوب به وهو فعيل بمعنى فاعل أي هلم شاهدا زاد النسائي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأعرابي وهما يتراجعان وطفق الأعرابي يقول هلم شاهدا أني قد بعتكه : قوله " بم تشهد " أي بأي شيء تشهد عل ىذلك ولم تك حاضرا عند وقوعه . وفي رواية للطبراني بم تشهد ولم تكن حاضرا ( والحديث ) استدل به المصنف على جواز البيع بغير إشهاد قال الشافعي لو كان الإشهاد حتما لم يتبايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني الأعرابي من غير حضور شهادة ومراده أن الأمر في قوله تعالى { واشهدوا إذا تبايعتم } ليس على الوجوب بل هو على الندب لأن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرينة صارفة للأمر من الوجوب إلى الندب . وقيل هذه الآية منسوخة بقوله تعالى { فإن أمن بعضكم بعضا } وقيل محكمة والأمر على الوجوب قال ذلك أبو موسى الأشعري وبن عمرو الضحاك وابن المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وعطاء والشعبي والنخعي وداود بن علي وابنه أبو بكر والطبري قال الضحاك هي عزيمة من الله ولو على باقة بقل قال الطبري لا يحل لمسلم إذا باع أو اشترى أن يترك الإشهاد وإلا كان مخالفا لكتاب الله قال ابن العربي وقول العلماء كافة أنه على الندب وهو الظاهر وقد ترجم أبو داود على هذا الحديث باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به وبه يقول شريح وفي البخاري أن مروان قضى بشهادة ابن عمر وحده وأجاب عنه الجمهور بأن شهادة ابن عمر كانت على جهة الإخبار ويجاب أيضا عن شهادة خزيمة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جعلها بمثابة شهادة رجلين فلا يصح الاستدلال بها على قبول شهادة الواحد . وذكر ابن التين أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لخزيمة لما جعل شهادته بشهادتين لا تعد أي تشهد على ما لم تشاهده . وقد أجيب عن ذلك باستدلال بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما حكم على الأعرابي بعلمه وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد . وقد تمسك بهذا الحديث جماعة من أهل البدع فاستحلوا الشهادة لمن كان معروفا بالصدق على كل شيء ادعاه وهو تمسك باطل لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة لا يجوز أن يحكم لغيره بمقاربتها فضلا عن مساوتها حتى يصح الإلحاق

أبواب بيع الأصول والثمار

باب من باع نخلا مؤبرا

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من باع نخلا بعد أن يؤبر فثمرتها للذي باعها الا أن يشترط المبتاع ومن ابتاع عبدا فماله للذي باعه الا أن يشترط المبتاع "
- رواه ابن ماجه

2 - وعن عبادة بن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن ثمرة النخل لمن أبرها الا أن يشترط المبتاع وقضى أن ثمرة النخل لمن أبرها الا أن يشترط المبتاع وقضى أن مال المملوك لمن باعه إلا أن يشترط المبتاع "
- رواه ابن ماجه وعبد الله بن أحمد في المسند

- حديث عبادة في إسناده انقطاع لانه من رواية إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن عبادة ولم يدركه : قوله " نخلا " اسم جنس ذكر ويؤنث والجمع نخيل : قوله " بعد أن يؤبر " التأبير التشقيق والتلقيح ومعناه شق طلع النخلة الأنثى ليذر فيها شيء من طلع النخلة الذكر . وفيه دليل على أن من باع نخلا وعليها ثمرة مؤبرة لم يدخل الثمرة في البيع بل تستمر على ملك البائع ويدل بمفهومه على أنها إذا كانت غير مؤبرة تدخل في البيع وتكون للمشترى وبذلك قال جمهور العلماء وخالفهم الأوزاعي وأبو حنيفة فقالا تكون للبائع قبل التأبير وبعده . وقال ابن أبي ليلى تكون للمشتري مطلقا وكلا الإطلاقين مخالف لحديثي الباب الصحيحين وهذا إذا لم يقع شرط من المشتري بأنه اشترى الثمرة ولا من البائع بأنه استثنى لنفسه الثمرة فإن وقع ذلك كانت الثمرة للشارط من غير فرق بين أن تكون مؤبرة أو غير مؤبرة . قال في الفتح لا يشترط في التأبير أن يؤبره أحد بل لوتأبر بنفسه لم يختلف الحكم عند جميع القائلين به : قوله " إلا أن يشترط المبتاع " أي المشتري بقرينة الإشارة إلى البائع بقوله " من باع " وظاهره أنه لا يجوز له أن يشترط بعضها أو كلها . وقال ابن القاسم لا يجوز اشتراط بعضها ووقع الخلاف فيما إذا باع نخلا بعضه قد أبر وبعضه لم يؤبر فقال الشافعي الجميع للبائع . وقال أحمد الذي قد أبر للبائع والذي لم يؤبر للمشتري وهو الصواب : قوله " من ابتاع عبدا " الخ فيه دليل على أن العبد إذا ملكه سيده مالا ملكه وبه قال مالك والشافعي في القديم . وقال في الجديد وأبو حنيفة والهادوية أن العبد لا يملك شيئا أصلا . والظاهر الأول لأن نسبة المال إلى المملوك تقتضي أنه يملك وتأويله بأن المراد أن يكون شيئا في يد العبد من مال سيده وأضيف إلى العبد للاختصاص والانتفاع لا للملك كما يقال الجل للفرس خلاف الظاهر . واستدل بالحديثين على أن مال العبد لا يدخل في البيع حتى الحلقة التي في أذنه والخاتم الذي في إصبعه والنعل التي في رجله والثياب التي على بدنه ( وقد اختلف ) في الثياب على ثلاثة أقوال الأول أنه لا يدخل شيء منها وهو الذي نسبه الماوردي إلى جميع الفقهاء وصححه النووي قال الماوردي لكن العادة جارية بالعفو عنها فيما بين التجار . الثاني أنها تدخل في مطلق البيع للعادة وبه قال أبو حنيفة وكذلك قالت الهادوية في ثياب البذلة . الثالث يدخل قدر ما يستر العورة
والمذهب الأول هو الأولى والتخصيص بالعادة مذهب مرجوح : قوله " أن مال المملوك " فيه التسوية بين العبد والأمة ( واعلم ) ان ظاهر حديثي الباب يخالف الأحاديث التي ستأتي في النهي عن بيع الثمرة قبل صلاحها لأنه يقضي بجواز بيع الثمرة قبل التأبير وبعده قال في الفتح والجمع بين حديث التأبير وحديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدو الصلاح سهل وهو أن الثمرة في بيع النخل تابعه للنخل وحديث النهي مستقلة وهذا واضح جدا . اه

باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع "
- رواه الجماعة إلا الترمذيز وفي لفظ " نهى عن بيع النخل حتى تزهو وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة " رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه

2 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تتبايعوا الثمار حتى يبدو صلاحها "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه

3 - وعن انس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد "
- رواه الخمسة إلا النسائي

4 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى قالوا وما تزهي قال تحمر وقال إذا منه الله الثمرة فيم تستحل مال أخيك "
- أخرجاه

- حديث أنس الأول أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححه : قوله " يبدو " بغير همزة أي يظهر والثمار بالمثلثة جمع ثمرة بالتحريك وهي أعم من الرطب وغيره . قوله " صلاحها " أي حمرتها وصفرتها . وفي رواية لمسلم " ما صلاحه قال تذهب عاهنه " ( واختلف السلف ) هل يكفي بدو الصلاح في جنس الثمار حتى لو بدا الصلاح في بستان من البلد مثلا جاز بيع جميع البساتين أو لا بد من بدو الصلاح في كل بستان على حدة أو لا بد من بدو الصلاح في كل جنس عل ىحده أو في كل شجرة على حدة على أقوال . والأول قول الليث وهو قول المالكية بشرط أن يكون متلاحقا . والثاني وقول أحمد والثالث قول الشافعية . والرابع رواية عن أحمد . قوله " نهى البائع والمبتاع " أما البائع فلئلا يأكل مال أخيه بالباطل وأكا المشتري فلئلا يضيع ماله ويساعده البائع على الباطل : قوله " تزهو " يقال زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته وأزهى يزهي إذا احمر أو اصفر هكذا في الفتح وقال الخطابي أنه لا يقال في النخل تزهو إنما يقال تزهي لا غير وهذه الرواية ترد عليه . قوله " عن بيع السنبل حتىيبيض " بضم السين وسكون النون وضم الباء الموحدة سنابل الزرع . قال النووي معناه يشتد حبه وذلك بدو صلاحه . قوله " ويأمن العاهة " هي الآفة تصيبه فيفسد لنه إذا أصيب بها كان أخذ ثمنه من أكل أموال الناس بالباطل . وقد أخرج أبو داود عن أبي هريرة مرفوعا " إذا طلع النجم صباحا رفعت العاهة عن كل البلد " وفي رواية " رفعت العاهة عن الثمار " النجم هو الثريا وطلوعها صباحا يقع في أو فصل الصيف وذلك عند اشتداد الحر في بلاد الحجاز وابتداء نضج الثمار . واخرج أحمد من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة سألت ابن عمر عن بيع الثمار فقال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة قلت ومتى ذلك قال حتى تطلع الثريا " قوله " حتى يسود " زاد مالك في الموطأ " فإنه إذا أسود ينجو من العاهة والآفة " واشتداد الحب قوته وصلابته : قوله " إذا منع الله الثمرة " الخ صرح الدارقطني بأن هذا مدرج من قول أنس وقال رفعه خطأ ولكنه قد ثبت مرفوعا من حديث جابر عن مسلم بلفظ " إن بعت من أخيك ثمرا قأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق " وسيأتي وفيه دليل على وضع الجوائح لأن معناه أن الثمر إذا تلف كان الثمن المدفوع بلا عوض فكيف يأكله البائع بغير عوض وسيأتي الكلام على وضع الجوائح ( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على أنه لا يجوز بيع الثمر قبل بد وصلاحها . وقد اختلف في ذلك على أقوال الأول أنه باطل مطلقا وهو قول ابن أبي ليلى والثوري وهو ظاهر كلام الهادي والقاسم قال في الفتح ووهم من نقل الإجماع فيه . الثاني أنه إذا شرط القطع لم تبطل وإلا بطل وهو قول الشافعي وأحمد ورواية عن مالك ونسبه الحافظ إلى الجمهور وحكاه في البحر عن المؤيد بالله . الثالث أنه يصح أن لم يشترط البقية وهو قول أكثر الحنفية قالوا والنهي محمول على بيع الثمار قبل أن توجد أصلا . وقد حكى صاحب البحر الإجماع على عدم جواز بيع الثمر قبل خروجه . وحكى أيضا الأتفاق على عدم جواز بيعه قبل صلاحه بشرط البقاء وحكى أيضا عن الإمام يحيى أنه صخ جواز البيع بشرط القطع الإجماع وحكى عنه أيضا أنه يصح البيع بشرط القطع إجماعا ولا يخفى مافي دعوى بعض هذه الإجماعات من المجازفة وحكى في البحر عن زيد بن علي والمؤيذ بالله والإمام يحيى وأبي حنيفة والشافعي أنه يصح بيع الثمار قبل الصلاح تمسكا بعموم قوله تعالى { وأحل الله البيع } قال أبو حنيفة ويؤمر بالقطع والمشهور من مذهب الشافعي هوماقدمنا فأما البيع بعد الصلاح فيصح مع شرط القطع إجماعا ويفسد مع شرط البقاء إجماعا ان جهلت المدة كذا في البحر . قال الامام يحيى فإن علمت صح عند القاسمية إذا لاغرر . وقال المؤيد بالله لا يصح النهي عن بيع شرط
( واعلم ) إن ظاهر أحاديث الباب وغيرها المنع من بيع الثمر قبل الصلاح وإن وقوعه في تلك الحالة باطل كما هو مقتضى النهي ومن ادعى إن مجرد شرط القطع يصحح البيع قبل الصلاح فهومحتاج إلى دليل يصلح لتقييد أحاديث النهي ودعوى الإجماع على ذلك لا صحة لها لما عرفت من أن أهل القول الأول يقولون بالبطلان مطلقا وقد عول المجوزون مع شرط القطع في الجواز على علل مستنبطة فجعلوها مقيدة للنهي وذلك مما لا يفيد من لم يسمح بمفارقة النصوص لمجرد خيالات عارضة وشبه واهية تنهار بأيسر تشكيك فالحق ماقاله الأولون من عدم الجواز مطلقا وظاهر النصوص أيضا أن البيع بعد ظهور الصلاح صحيح سواء شرط البقاء أم لم يشرط لان الشارع قد جعل النهي ممتد إلى غاية بدو الصلاح وما بعد الغاية مخالف لما قبلها ومن ادعى ان شرط البقاء مفسد فعليه الدليل ولا ينفعه في المقام ما ورد من النهي عن بيع وشرط لأنه يلزمه في تجويزه للبيع قبل الصلاح مع شرط القطع وهو بيع وشرط وايضا ليس كل شرط في البيع منهيا عنه فإن اشتراط جابر بعد بيعه للجمل أن يكون له ظهره إلى المدينة قد صححه الشارع كما سيأتي وهو شبيه بالشرط الذي نحن بصدده وتقدم ايضا جواز البيع مع الشرط في النخل والعبد لقوله إلا أن يشترط المبتاع وأما دعوى الإجماع على الفساد بشرط البقاء كما سلف فدعوى فاسدة فإنه قد حكى صاحب الفتح عن الجمهور أنه يجوز البيع بعد الصلاح بشرط البقاء ولم يحك الخلاف في ذلك إلا عن أبي حنيفة وأما بيع الزرع أخضر وهو الذي يقال له القصيل فقال ابن رسلان في شرح السنن اتفق العلماء المشهورون على جواز بيع القصيل بشرط القطع وخالف سفيان الثوري وابن أبي ليلى فقالا لا يصح بيعه بشرط القطع وقد اتفق الكل على أنه لا يصح بيع القصيل من غير شرط القطع وخالف ابن حزم الظاهري فأجاز بيعه بغير شرط تمسكا بان النهي إنما ورد عن السنبل قال ولم يأت في منع بيع الزرع مذ نبت إلى أن يسنبل نص أصلا . وروى عن أبي إسحاق الشيباني قال سألت عكرمة عن بيع القصيل فقال لابأس فقلت إنه يسنبل فكرهه اه كلام ابن رسلان ( والحاصل ) إن الذي في الأحاديث النهي عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع السنبل حتى يبيض فما كان من الزرع قد سنبل أو ظهر فيه الحب كان بيعه اشتداد حبه غير جائز وأما قبل أن يظهر فيه الحب والسنابل فإن صدق على بيعه حينئذ إنه مخاضرة كما قال البعض إنها بيع الزرع قبل أن يشتد لم يصح بيعه لورود النهي عن المخاضرة كما تقدم في باب النهي عن بيوع الغرر لأن التفسير المذكور صادق على الزرع الأخضر قبل أن يظهر فيه الحب والسنابل وهو الذي يقال له القصيل ولكن الذي في القاموس إن المخاضرة بيع الثمار قبل بدو صلاحها وكذا من شروح الحديث فلا يتناول الزرع لأن الثمار حمل الشجر كما في القاموس وسيأتي في تفسير المحاقلة عند البعض ما يرشد إلى انها بيع الزرع قبل أن تغلظ سوقه فان صح ذلك فذاك وإلا كان الظاهر ماقاله ابن حزم من جواز بيع الفصيل مطلقا

5 - وعن جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة " وفي لفظ بدل المعاومة " وعن بيع السنين "

6 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه " وفي رواية " حتى يطيب " وفي رواية " حتى يطعم "

7 - وعن زيد بن أبي أنيسة عن عطاء عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة وأن يشتري النخل حتى يشقه وإلا شقاه أن يحمر أو يصفر أو يؤكل منه شيء والمحاقلة أن يباع الحقل بكيل من الطعام معلوم والمزابنة أن يباع النخل با وساق من التمر والمخابرة الثلث والربع وأشباه ذلك قال زيد قلت لعطاء أسمعت جابرا يذكر هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال نعم "
- متفق على جميع ذلك إلا الأخير فإنه ليس لأحمد

- قوله " المحاقلة " قد اختلف في تفسيرها فمنهم من فسرها بما في الحديث فقال هي بيع الحقل بكيل من الطعام معلوم وقال أبو عبيد هي بيع الطعام في سنبله والحقل الحرث وموضع الزرع . وقال الليث الحقل الزرع إذا تشعب من قبل أن تغلظ سوقه وأخرج الشافعي في المختصر عن جابر أن الحاقلة أن يبيع الرجل الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة . قال الشافعي وتفسير المحاقلة والمزابنة في الأحاديث يحتمل أن يكون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن يكون من رواية من رواه . وفي النسائي عن رافع ابن خديج والطبراني عن سهل بن سعد أن الحاقلة مأخوذة من الحقل جمع حقلة . قال الجوهري وهي الساحات جمع ساحة . والزرع قد تشعب ورقه وظهر وكثر أو إذا استجمع خروج نباته أو مادام أخضر وقد أحقل في الكل والمحاقل المزارع والمحاقلة بيع الزرع قبل بدو صلاحه أو بيعه في سنبله بالحنطة أو المزارعة بالثلث أو الربع أو أقل أو أكثر واكتراء الأرض بالحنطة اه وقال مالك المحاقلة أن تكرى الأرض ببعض ما ينبت منها وهي المخابرة ولكنه يبعد هذا عطف المخابرة عليها في الأحاديث قوله " والمزابنة " بالزاي والموحدة والنون . قال في الفتح هي مفاعلة من الزبن بفتح الزاي وسكون الموحدة وهو الدفع الشديد ومنه سميت الحرب الزبون لشدة الدفع فيها : وقيل للبيع المخصوص مزابنة كأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه أو لأن أحدهما إذا وقف على ما فيه من الغبن أراد دفع البيع لفسخه وأراد الآخر دفعه عن هذه الإرادة بإمضاء البيع اه وقد فسرت بما في الحديث أعني بيع النخل باوساق من التمر وفسرت بهذا وبيع العنب بالزبيب كما في الصحيحين وهذا أصل المزابنة وألحق الشافعي بذلك كل بيع مجهول أو معلوم من جنس يجري الربا في نقده وبذلك قال الجمهور . ووقع في البخاري عن ابن عمر أن المزابنة أن يبيع الثمر بكيل أن زاد فلى وأن نقص فعلي . وفي مسلم عن نافع المزابنة أن يبيع الثمر بكيل إن زاد فلي وإن نقص فعلي . وفي مسلم عن نافع المزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع العنب بالزبيب كيلا وبيع الزرع بالحنطة كيلا وكذا في البخاري . وقال مالك أنها بيع كل شيء من الجزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده إذا بيع بشيء مسمى من الكيل وغير سواء كان يجري فيه الربا أم لا قال ابن عبد البر نظر مالك إلى معنى المزابنة لغة وهي المدافعة . قال في الفتح وفسر بعضهم المزابنة بأنها بيع الثمر قبل بدو صلاحه وهو خطأ قال والذي تدل عليه الأحاديث في تفسيرها أولى . وقيل أن المزابنة المزارعة وفي القاموس الزبن بيع كل ثمر على شجرة بتمر كيلا قال والمزابنة بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر . وعن مالك كل جزاف لا يعلم كيله ولا عدده ولا وزنه أو بيع مجهول من جنسه أو هي بيع المغابنة في الحنس الذي لا يجوز فيه الغين اه : قوله " والمعاومة " هي بيع الشجر أعواما كثيرة وهي مشتقة من العام كالمشاهرة من الشهر . وقيل هي غكتراء الأرض سنين وكذلك بيع السنين هو أن يبيع ثمر النخلة لأكثر من سنة في عقد واحد وذلك لنه بيع غرر لكونه بيع مالم يوجد وذكر الرافعي وغيره لذلك تفسيرا آخر وهو أن يقول بعتك هذا سنة على أنه إذا انقضت السنة فلا يبيع بيننا وأرد أنا الثمن وترد أنت المبيع : قوله " والمخابرة " سيأتي تفسيرها والكلام عليها في كتاب المساقاة والمزارعة : قوله " حتى يطيب " هذه الرواية وما بعدها من قوله حتى يطعم ينبغي أن يقيد بهما سائر الروايات المذكورة : قوله " حتى يشقه " بضم أوله ثم شين معجمة ثم قاف . وفي رواية للبخاري يشقح وهي الأصل والهاء بدل من الحاء وإشقاح النخل إحمراره وإصفراره كما في الحديث والاسم الشقحة بضم الشين المعجمة وسكون القاف بعدها مهملة ( وقد استدل ) بأحاديث الباب ونحوها على تحريم المحاقلة والمزابنة وما شاركهما في العلة قياسا وهي إما مظنة الربا لعدم علم التساوي أو الغرر وعلى تحريم بيع السنين وعلى تحريم بيع الثمر قبل صلاحه وقد تقدم الكلام عليه وقد وقع الاتفاق على تحريم بيع الرطب بالتمر في غير العرايا وعلى تحريم بيع الحنطة في سنابلها بالحنطة منسلة وعلى تحريم بيع العنب بالزبيب ولا فرق عند جمهور أهل العلم بين الرطب والعنب على الشجر وبين ما كان مقطوعا منهما وجوز أبو حنيفة بيع الرطب المقطوع بخرصه من اليابس

باب الثمرة المشتراة يلحقها جائحة

1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع الجوائح "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود . وفي لفظ لمسلم " أمر بوضع الجوائح " . وفي لفظ قال " أن بعت من أخيك تمرا فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق " رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه

- وفي الباب عن عائشة عند البيهقي بنحوه وفي إسناده حارثة ابن أبي الرجال وهو ضعيف ولكنه في الصحيحين عنها مختصر وعن أنس وقد تقدم في باب بيع الثمرة قبل بدو صلاحها : قوله " الجوائح " جمع جائحة وهي الآفة التي تصيب الثمار فتهلكها يقال جاحهم الدهر واجتاحهم بتقديم الجيم على الحاء فيهما إذا أصابهم بمكروه عظيم ولا خلاف أن البرد والقحط والعطش شجائحة وكذلك كل ما كان آفة سماوية وأما ما كان من الآدميين كالسرقة ففيه خلاف منهم من لم يره جائحة تشبيها بالآفة السماوية ( وقد اختلف ) أهل العلم في وضع الجوائح إذا بيعت الثمرة بعد بدو صلاحها وسلمها البائع للمشتري بالتخلية ثم تلفت بالجائحة قبل أوان الجذاذ فقال الشافعي وأبو حنيفة وغيره من الكوفيين والليث لا يرجع المشتري على البائع بشيء قالوا وإنما ورد وضع الجوائح فيما إذا بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع فيحمل مطلق الحديث في رواية جابر على ما قيد به في حديث أنس المتقدم . واستدل الطحاوي على ذلك بحديث أبي سعيد " أصيب رجل في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تصدقوا عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك " أخرجه مسلم وأصحاب السنن قال فلما لم يبطل دين الغرماء بذهاب الثمار بالعاهات ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن باعها منه دل على أن وضع الجوائح ليس على عمومه . وقال الشافعي في القديم هي ضمان البائع فيرجع المشتري عليه بنا دفعه من الثمن وبه قال أحمد وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهم قال القرطبي وفي الأحاديث دليل واضح على وجوب اسقاط ما اجتيح من الثمرة عن المشتري ولا يلتفت إلى قول من قال إن ذلك لم يثبت مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قول أنس بل الصحيح رفع ذلك من حديث جابر وأنس وقال مالك ان أذهبت الجائحة دون الثلث لم يجب الوضع وان كان الثلث فأكثر وجب لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الثلث والثلث كثير " قال أبو داود لم يصح في الثلث شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو رأي أهل المدينة . والراجح الوضع مطلقا من غير فرق بين القليل والكثير وبين البيع قبل بدو الصلاح وبعده وما أحتج به الأولون من حديث أنس المتقدم يجاب عنه بأن التنصيص على الوضع مع البيع قبل الصلاح لا ينافي الوضع مع البيع بعده ولا يصلح مثله لتخصيص ما دل على وضع الجوائح ولا لتقييده . وأما ما احتج به الطحاوي فغير صالح للاستدلال به على محل النزاع لأنه تصريح فيه بأن ذهاب ثمرة ذلك الرجل كان بعاهات سماوية وأيضا عدم نقل تضمين الثمرة لا يصلح للاستدلال به لانه قد نقل ما يشعر بالتضمين على العموم فلا ينافيه عدم النقل في قضية خاصة وسيأتي أحاديث أبي سعيد في كتاب التفليس ويأتي في شرحه بقية الكلام على الوضع

أبواب الشروط في البيع

باب اشتراط منفعة المبيع وما في معناها

1 - عن جابر " أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فأراد أن يسيبه قال ولحقني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعا لي وضبه فسار سيرا لم يسر مثله فقال بعنيه فقلت لا ثم قال بعنية فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلي "
- متفق عليه . وفي لفظ لأحمد والبخاري " وشرطت ظهره إلى المدينة "

- قوله " أعيا " الأعياء التعب والعجز عن السير : قوله " بعنيه " زاد في رواية متفق عليها " بوقية " وفي أخرى بخمس أواق . وفي أخرى أيضا بأوقيتين ودرهم أو درهمين وفي بعضها بأربعة دنانير . وفي بعضها بثمانمائة . وفي بعضها بعشرين دينارا . وقد جمع بين هذه الروايات بما لا يخلو عن تكلف . واستدل بهذا على جواز طلب البيع من المالك قبل عرض المبيع للبيع : قوله " حملانه " بضم الحاء المهملة والمراد الحمل عليه وتمام الحديث في الصحيحين " فلما بلغت أتيته بالجمل فنقدني ثمنه ثم رجعت فأرسل في أثري فقال أتراني ما كستك لا آخذ جملك خذ جملك ودراهمك فهو لك " وللحديث ألفاظ فيها اختلاف كثير وفي بعضها طول وهو يدل على جواز البيع مع استثناء الركوب وبه قال الجمهور وجوزه مالك إذا كانت مسافة السفر قريبة وحدها بثلاثة أيام . وقال الشافعي وأبو حنيفة وآخرون لا يجوز ذلك سواء قلت المسافة أو كثرت واحتجوا بحديث النهي عن بيع وشرط وحديث النهي عن الثنيا وأجابوا عن حديث الباب بأنه قصة عين تدخلها الاحتمالات ويجاب بأن حديث النهي عن بيع وشرط مع ما فيه من المقال هو أعم من حديث الباب مطلقا فيبني العام على الخاص . وأما حديث النهي عن الثنيا فقد تقدم تقييده بقوله " الا أن يعلم " وللحديث فوائد مبسوطة في مطولات شروح الحديث

أبواب النهي عن جمع شرطين من ذلك

1 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحل سلف ولا شرطان في بيع ولا ربح مالم يضمن ولا بيع ما ليس عندك "
- رواه الخمسة الا ابن ماجه فإن له منه " ربح مالم يضمن وبيع ما ليس عندك " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح

- الحديث صححه أيضا ابن خزيمة والحاكم وأخرجه ابن حبان والحاكم أيضا بلفظ " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع " وهو عند هؤلاء كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ووجد في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب عن عبد الله بن عمر بدون واو والصواب إثباتها . وأخرجه ابن حزم في المحلى والخطابي في المعالم والطبراني في الأوسط والحاكم في علوم الحديث من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ " نهى عن بيع وشرط " وقد استغربه النووي وابن أبي الفوارس : قوله " لا يحل سلف وبيع " قال البغوي المراد بالسلف هنا القرض . قال أحمد هو أن يقرضه قرضا ثم يبايعه عليه بيعا ويزداد عليه وهو فاسد لانه إنما يقرضه على أن يجابيه في الثمن وقد يكون السلف بمعنى السلم وذلك مثل أن يقول أبيعك عبدي هذا بألف على أن تسلفني مائة في كذا وكذا أو يسلم إليه في شيء ويقول لم يتهيأ المسلم فيه عندك فهو بيع لك وفي كتب جماعة من أهل البيت عليهم السلام أن السلف والبيع صورته أن يريد الشخص أن يشتري السلعة بأكثر من ثمنها لأجل النساء وعنده ان ذلك لا يجوز فيحتال فيستقرضه الثمن من البائع ليعجله إليه حيلة والأولى تفسير الحديث بما تقتضيه الحقيقة الشرعية أو اللغوية أو العرفية أو المجاز عند تعذر الحمل على الحقيقة لا بما هو معروف في بعض المذاهب غير معروف في غيره وقد عرفت الكلام في جواز بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء : قوله " ولاشرطان في بيع " قال البغوي هو أن يقول بعتك هذا العبد بألف نقدا أو بألفين فهذا بيع واحد تضمن شرطين يختلف المقصود فيه باختلافهما ولا فرق بين شرطين وشروط وهذا التفسير مروي عن زيد بن علي وأبي حنيفة وقيل معناه أن يقول بعتك ثوبي بكذا وعلى قصارته وخياطته فهذا فاسد عند أكثر العلماء وقال أحمد أنه صحيح وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فقال إن شرط في البيع شرطا واحدا صح وإن شرط شرطين أو أكثر لم يصح فيصح مثلا أن يقول بعتك ثوبي على أن أخيطه ولا يصح أن يقول على أن أقصره وأخيطه . ومذهب الأكثر عدم الفرق بين الشرط والشرطين واتفقوا على عدم صحة ما فيه شرطان : قوله " ولا ربح مالم يضمن " يعني لا يجوز أن يأخذ ربح سلعة لم يضمنها مثل أن يشتري متاعا ويبيعه إلى آخر قبل قبضه من البائع فهذا البيع باطل وربحه لا يجوز لأن المبيع في ضمان البائع الأول وليس في ضمان المشتري منه لعدم القبض . قوله " ولا بيع ماليس عندك " وقد قدمنا الكلام عليه في باب النهي عن بيع مالا يملكه

باب من اشترى عبدا بشرط أن يعتقه

1 - عن عائشة " أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق فاشترطوا ولاءها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق "
- متفق عليه ولم يذكر البخاري لفظة أعتقيها

- قوله " بريرة " هي بفتح الباء الموحدة وبراءين بينهما تحتية بوزن فعيلة مشتقة من البرير وهو ثم الأراك وقيل أنها فعلية من البر بمعنى مفعولة أي مبرورة أو بمعنى فاعلة كرحيمة أي بارة وكانت لناس من الأنصار كما وقع عند أبي نعيم وقيل لناس من بني هلال قاله ابن عبد البر . وقد ذكر المصنف رحمه الله ههنا هذا الطرف من الحديث للاستدلال به على جواز البيع بشرط العتق وسيأتي الحديث بكماله قريبا قال النووي قال العلماء الشرط في البيع أقسام . أحدها يقتضيه إطلاق العقد كشرط تسليمه . الثاني شرط فيه مصلحة كالرهن وهما جائزان اتفاقا . الثالث اشتراط العتق في العبد وهو جائز عند الجمهور لهذا الحديث . الرابع ما يزيد على مقتضى العقد ولا مصلحة فيه للمشتري كاستثناء منفعته فهو باطل

باب أن من شرط الولاء أو شرطا فاسدا لغا وصح العقد

1 - عن عائشة " قالت دخلت علي بريرة وهي مكاتبة فقالت اشتريني فأعتقيني قلت لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي قلت لا حاجة لي فيك فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بلغه فقال ما شأن بريرة فذكرت عائشة ما قالت فقال اشتريها فأعتقيها ويشترطوا ماشاؤا قالت فاشتريتها فأعتقتها واشترط أهلها ولاءها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الولاء لمن أعتق وان اشترطوا مائة شرط "
- رواه البخاري . ولمسلم معناه . وللبخاري في لفظ آخر " خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق "

2 - وعن ابن عمر " ان عائشة أرادت أن تشتري جارية تعتقها فقال أهلها نبيعكها على ان ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا يمنعك ذلك فإن الولاء لمن أعتق "
- رواه البخاري والنسائي وأبو داود وكذلك مسلم لكن قال فيه عن عائشة جعله من مسندها

3 - وعن أبي هريرة قال " أرادت عائشة أن تشتري جارية تعتقها فأبي أهلها الا ان يكون الولاء لهم فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا يمنعك ذلك فإن الولاء لمن أعتق "
- رواه مسلم

- قوله " اشتريها " في ذلك دليل على جواز بيع المكاتب إذا رضي لولم يعجز نفسه وبه قال أحمد وربيعة والأوزاعي والليث وأبو ثور ومالك والشافعي في احد قوليه واختاره ابن جرير وابن المنذر وغيرهما على تفاصيل لهم في ذلك كذا في الفتح وإلى مثل ذلك ذهب الهادي وأتباعه . وقال أبو حنيفة والشافعي في أصح القولين عنه وبعض المالكية أنه لا يجوز بيعه مطلقا ويروى عن ابن مسعود وأجابوا عن حديث الباب بأن بريرة عجزت نفسها بدليل استعانتها لعائشة كما في كثير من الروايات ويجاب بأنه ليس في استعانتها لعائشة ما يستلزم العجز : قوله " ويشترطوا ماشاؤا " فيه دليل على أن شرط البائع للعبد أن يكون الولاء له لا يصح بل الولاء لمن أعتق باجماع المسلمين : قوله " وان اشترطوا مائة شرط " قال النووي أي لو اشترطوا مائة مرة توكيدا فالشرط باطل وإنما حمل ذلك على التوكيد لأن الدليل قد دل على بطلان جميع الشروط التي ليست في كتاب الله فلا حاجة إلى تقييدها بالمائة فإنها لو زاد عليها كان الحكم كذلك . قوله " واشترطي لهم الولاء " استشكل صدور الأذن منه صلى الله عليه وآله وسلم بشرط فاسد في البيع واختلف العلماء في ذلك فمنهم من أنكر الشرط في الحديث فروى الخطابي في المعالم بسنده إلى يحيى بن أكثم نه أنكر ذلك وعن الشافعي في الأم الاشارة إلى تضعيف هذه الرواية التي فيها الأذن بالاشتراط لكونه انفرد بها هشام بن عروة دون أصحاب أبيه وأشار غيره إلى أنه روي بالمعنى الذي وقع له وليس كما ظن وأثبت الرواية آخرون وقالوا هشام ثقة حافظ والحديث متفق على صحته فلا وحه لرد ثم اختلفوا في توجيه ذلك فقال الطحاوي أن اللام في قولهم " لهم " بمعنى على كقوله تعالى ( وإن أسأتم فلها ) وقد أسند هذا البيهقي في المعرفة عن الشافعي وجزم به الخطابي عنه وهو مشهور عن المزني . وقال النووي أن هذا تأويل ضعيف وكذلك قال ابن دقيق العيد وقال آخرون الأمر في قوله " اشترطي " للإباحة أي اشترطي لهم أولا فإن ذلك لا ينفعهم ويقوي هذا قوله " وبشترطوا ما شاؤا " وقيل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كان أعلم الناس أن اشتراط الولاء باطل واشتهر ذلك بحيث لا يخفى على أهل بريرة فلما أرادوا أن يشترطوا ما تقدم لهم العلم ببطلانه أطلق الأمر مريدا به التهديد كقوله تعالى { اعملوا ما شئتم } فكأنه قال اشترطي لهم الولاء فسيعلمون أن ذلك لا ينفعهم ويؤيد هذا ما قال صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك " ما بال رجال يشترطون شروطا " الخ فوبخهم بهذا القول مشيرا إلى أنه قد تقدم منه بيان إبطال إذ لو لم يتقدم منه ذلك لبدأ ببيان الحكم لا بالتوبيخ بعدم المقتضى له إذ هم يتمسكون بالبراءة الأصلية وقال الشافعي أنه أذن في ذلك لقصدان يعطل عليهم شروطهم ليرتدعوا عن ذلك ويرتدع به غيرهم وكان ذلك من باب الأدب وقيل معنى اشتراطي اتركي مخالفتهم فيما يشترطونه ولا تظهري نزاعهم فيما دعوا إليه مراعاة لتنجيز العتق لتشوف الشرع إليه . وقال النووي أقوى الأجوية أن هذا الحكم خاص بعائشة في هذه القصة وأن سببه المبالغة في الزجر عن هذا الشرط لمخالفته حكم الشرع وهو كفسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بتلك الحجة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج ويستفاد منه ارتكاب أخف المفسدتين إذا استلزم إزالة أشدهما وتعقب بأ ه استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل . وقال ابن الجوزي ليس في الحديث أن اشتراط الولاء والعتق كان مقارنا للعقد فيحمل على أنه كان سابقا للعقد فيكون الأمر بقوله " اشترطي " مجرد وعد لا يجب الوفاء به وتعقب باستبعاد أن يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم شخصا أن يعد مع علمه بأنه لا يفي بذلك الوعد . وقال ابن حزم كان الحكم ثابتا لجواز اشتراط الولاء لغير المعتق فوقع الأمر باشتراطه في الوقت الذي كان ذلك جائزا فيه ثم نسخ بخطبته صلى الله عليه وآله وسلم وهو بعيد : قوله " فإنما الولاء لمن أعتق " فيه إثبات الولاء للمعتق ونفيه عما عداه كما تقتضيه إنما الحصرية واستدل بذلك على أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه رجل أو وقع بينه وبين رجل محالفة . ولا للملتقط وسيأتي الكلام على بقية هذا الحديث في كتاب العتق إن شاء الله تعالى

باب شرط السلامة من الغبن

1 - عن ابن عمر قال ذكر " رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه يخدع في البيوع فقال من بايعت فقل لا خلابة "
- متفق عليه

2 - وعن أنس " أن رجلا عل ىعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يبتاع وكان في عقدته يعني في عقله ضعف فأتى أهله لنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله احجر على فلان فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف فدعاه ونهاه فقال يا نبي الله إني لا أصبر عن البيع فقال إن كنت غير تارك للبيع ها وها ولا خلابة "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . وفيه صحة الحجر على السفيه لأنهم سألوه أياه وطلبوه منه وأقرهم عليه ولو لم يكن معروفا عندهم لما طلبواه ولا أنكر عليهم

3 - وعن ابن عمر " أن منقذا سفع في رأسه في الجاهلية مأمومة فحبلت لسانه فكان إذا بايع يخدع في البيع فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بايع وقل لا خلابة ثم أنت بالخيار ثلاثا قال ابن عمر فسمعته يبايع ويقول لا خذابة لا خذابة "
- رواه الحميدي في مسنده فقال حدثنا سفيان عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر فذكره

4 - وعن محمد بن يحيى ابن حبان قال هو جدي منقذ بن عمر وكان رجلا قد اصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه وكان لا يدع ذلك التجارة فكان لا يزال يغبن فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له فقال إذا أنت بايعت فقل لا خلابة ثم أنت في كل سعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال إن رضيت فأمسك وإن سخطت فارددها على صاحبها "
- رواه البخاري في تاريخه وابن ماجه والدارقطني

- حديث أنس أخرجه أيضا الحاكم . وحديث ابن عمر الثاني أخرجه أيضا البخاري في تاريخه والحاكم في مستدركه وفي إسناده محمد بن إسحاق ( وفي الباب ) عن عمر بن الخطاب عند الشافعي وابن الجارود والحاكم والدارقطني وفيه أن الرجل اسمه حبان بن منقذ أخرجه أيضا عنه الدارقطني والطبراني في الأوسط وقيل أن القصة لمنقذ والد حبان كما في حديث الباب . قال النووي وهو الصحيح وبه جزم عبد الحق وجزم ابن طلاع بأنه حبان بن منقذ وتردد الخطيب في المبهمات وابن الجوزي في التنقيح قال ابن الصلاح وأما رواية افشتراط فمنكرة لا أصل لها : قوله " لا خلابة " بكسر المعجمة وتخفيف اللام أي لا خديعة قال العلماء لقنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا القول ليتلفظ به عند البيع فيطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة ويرى له ما يرى لنفسه والمراد أنه لو ظهر غبن رد الثمن واسترد المبيع واختلف العلماء في هذا الشرط هل كان خاصا بهذا الرجل أم يدخل فيه جميع من شرط هذا الشرط فعند أحمد ومالك في رواية عنه والمنصور بالله ووالإمام يحيى أنه يثبت الرد لكل من شرط هذا الشرط ويثبتون الرد بالغبن لمن لم يعرف قيمة السلع وقيده بعضهم بكون الغبن فاحشا وهو ثلث القيمة عنده قالوا بجامع الخدع الذي لأجله أثبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذلك الرجل الخيار وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما جعل لهذا الرجل الخيار للضعف الذي كان في عقله كما في حديث أنس المذكور فلا يلحق به إلا من كان مثله في ذلك بشرط أن يقول هذه المقالة ولهذا روى أنه كان إذا غبن يشهد رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جعله بالخيار ثلاثا فيرجع في ذلك وبهذا يتبين أنه لا يصح الاستدلال بمثل هذه القصة على ثبوت الخيار لكل مغبون وإن كان صحيح العقل ولا ثبوت الخيار لمن كان ضعيف العقل إذا غبن ولم يقل هذه المقالة وهذا مذهب الجمهور وهو الحق واستدل بهذه القصة على ثبوت الخيار لمن قال لا خلابة سواء وجد غشا أو عيؤبا أم لا ولا يؤيده حديث ابن عمر الآخر والظاهر أنه لا يثبت الخيار إلا إذا وجدت خلابة إلا إذا لم توجد لأن السبب الذي ثبت الخيار لأجله هو موجود ما نفاه منها فإذا لم يوجد فلا خيار واستدل بذلك أيضا على جواز الحجر للسفه كما أشار إليه المصنف وغيره وهو استدلال صحيح لكن بشرط أن يطلب ذلك من الإمام أو الحاكم قرابة من كان في تصرفه سفه كما في حديث أنس : قوله " في عقدته " العقدجة العقل كما يشعر بذلك التفسير المذكور في الحديث وفي التلخيص العقدة الرأي وقيل هي العقدة في اللسان كما يشعر بذلك ما في رواية ابن عمر أنها خبلت لسانه وكذلك قوله فكسرت لسانه وعدم افصاحه بلفظ الخلابة حتى كان يقول لا خذابة بابدال اللام ذالا معجمة . وفي رواية لمسلم أنه كان يقول لاخنابة بابدال اللام نونا ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى { واحلل عقدة من لساني } ولم يذكر في القاموس الا عقدة اللسان : قوله " سفع " بالسين المهملة ثم الفاء ثم العين المهملة أي ضرب والمأمومة التي بلغت أم الرأس وهي الدماغ أو الجلدة الرقيقة التي عليه " قوله " ثم أنت بالخيار ثلاثا " استدل به على أن مدة هذا الخيار ثلاثة أيام من دون زيادة قال في الفتح لانه حكم ورد على خلاف الأصل فيقتصر به على أقصى ما ورد فيه ويؤيده جعل الخيار في المصراة ثلاثة أيام واعتبار الثلاث في غير موضع واغرب بعض المالكية فقال إنما قصره على ثلاث لأن معظم بيعه كان في الرقيق وهذا يحتاج إلى دليل ولا يكفي فيه مجرد الاحتمال انتهى . قوله " وعن محمد بن يحيى بن حبان " بفتح الحاء المهملة وهو غير صاحب الصحيح المعروف بابن حبان بكسر الحاء

باب إتيان خيار المجلس

1 - عن حكيم بن حزام " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو قال حتى يفترقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما "

2 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه أختر وربما قال أو يكون بيع الخيار " وفي لفظ " إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا أويخير أخدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع "
- متفق على ذلك كله . وفي لفظ " كل بيعين لا بيع حتى يتفرقا الا بيع الخيار " متفق عليه أيضا . وفي لفظ المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا الا بيع الخيار " . وفي لفظ " إذا تبايع المتبايعان بالبيع فكل واحد منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا أو يكون بيعهما عن خيار فإذا كان بيعهما عن خيار فقد وجب قال نافع وكان ان عمر رحمه الله إذا بايع رجلا فأراد أن لا يقيله قام فمشى هنية ثم رجع " . أخرجاهما

- قوله " البيعان " بتشديد التحتانية يعني البائع والمشتري والبيع هو البائع أطلق على المشتري على سبيل التغليب أو لأن كل واحد من اللفظين يطلق على الآخر كما سلف : قوله " بالخيار " بكسر الخاء المعجمة اسم من الاختيار أو التخيير وهو طلب خير الأمرين من امضاء البيع أو فسخه والمراد بالخيار هنا خيار المجلس . قوله " مالم يفترقا " قد اختلف هل المعتبر التفرق بالأبدان أو بالأقوال فابن عمر حمله على التفرق بالأبدان كما في الرواية المذكورة عنه في الباب وكذلك حمله أبو برزة الأسلمي حكى ذلك عنه أبو داود : قال صاحب الفتح ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة قال أيضا ونقل ثعلب عن الفضل بن سلمة أنه يقال افترقا بالكلام وتفرقا بالأبدان ورده ابن العربي بقوله " وماتفرق الذي أوتوا الكتاب " فإنه ظاهر في التفريق بالكلام لأنه بالاعتقاد وأجيب بأنه من لازمه في الغالب لان من خالف آخر في عقيدته كان مستدعيا لمفارقته اياه ببدنه ولا يخفى ضعف هذا الجواب والحق حمل كلام الفضل على الاستعمال بالحقيقة وإنما استعمل أحدهما في موضع الآخر اتساعا انتهى . ويؤيد حمل التفرق على تفرق الأبدان ما رواه البيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ " حتى يتفرقا من كانهما " وروايات حديث الباب بعضها بلفظ التفرق وبعضها بلفظ الأفتراق كم عرفت فإذا كان حقيقة كل واحد منهما مخالفة لحقيقة الآخر مكا سلف فينبغي أن يحمل أحدهما على المجاز توسعا وقد دل الدليل على إرادة حقيقة التفرق بالابدان فيحمل ما دل على التفرق بالأقوال على معناه المجازي ومن الأدلة الدالة على إرادة التفرق بالأبدان قوله في حديث ابن عمر المذكور مالم يتفرقا وكانا جميعا . وكذلك قوله وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع فإن فيه البيان الواضح إن التفرق بالبدن . قال الخطابي وعلى هذا وجدنا أمر الناس في عرف اللغة وظاهر الكلام فإذا قيل تفرق الناس كان المفهوم منه التميز بالأبدان قال ولو كان المراد تفرق الأقوال كما يقول أهل الرأي لخلا الحديث عن الفائدة وسقط معناه وذلك ان العلم محيط بأن يشتري ما لم يوجد منه قبول المبيع فهو بالخيار وكذلك البائع خياره في ملكه ثابت قبل أن يعقد البيع وهذا من العلم العام الذي استقر بيانه قال وثبت ان المتبايعين هما المتعاقدان والبيع من الأسماء المشتقة من أفعال الفاعلين ولا يقع حقيقة الا بعد حصول الفعل منهم كقولهم زان وسارق وإذا كان كذلك فقدصح أن المتبايعين هما المتعاقدان وليس بعد العقد تفرق إلا التمييز بالأبدان انتهى
فتقرر ان المراد بالتفرق المذكور في الباب تفرق الأبدان وبهذا تمسك من أثبت خيار المجلس وهم جماعة من الصحابة منهم علي صلوات الله عليه وأبو برزة الأسلمي وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وغيرهم من التابعين شريح والشعبي وطاوس وعطاء وابن أبي مليكة نقل ذلك عنهم البخاري . ونقل ابن المنذر القول به أيضا عن سعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب من أهل المدينة وعن الحسن البصري والأوزاعي وابن جريج وغيرهم وبالغ ابن حزم فقال لا تعرف لهم مخالف من التابعين إلا النخعي وحده ورواية مكذوبة عن شريح والصحيح عنه القول به ومن أهل البيت الباقر والصادق وزين العابدين وأحمد بن عيسى والناصر والإمام يحيى نقل ذلك عنهم صاحب البحر . وحكاه أيضا عن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وذهبت المالكية الا ابن حبيب والحنفية كلهم وإبراهيم النخعي إلى انها إذا وجبت الصفقة فلا خيار وحكاه صاحب البحر عن الثوري والليث . والأمامية وزيد بن علي والقاسمية والعنبري . قال ابن حزم لهم سلفا الا إبراهيم وحده وهذا الخلاف إنما خهو بعد التفرق بالأقوال وأما قبله فالخيار ثابت اجماعا ما في البحر . ولأهل القول الآخر أجوبة عن الأحاديث القاضية بثبوت خيار المجلس فمنهم من رده لكونه معارضا لما هو أقوى منه نحو قوله تعالى { وأشهدوا إذا تبايعتم } قالوا ولو ثبت خيار المجلس لكانت الآية غير مفيدة لأن الاشهاد إن وقع قبل التفرق لم يطابق الأمر وإن وقع بعد التفرق لم يصادف محلا . وقوله تعالى { تجارة عن تراض } فإنا تدل على أنه بمجرد الرضا يتم البيع وقوله تعالى { أوفوا بالعقود } لأن الراجع عن موجب العقد قبل التفرق لم يف به ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم " المسلمون على شروطهم " والخيار بعد العقد يفسد الشرط . ومنه حديث التحالف عند اختلاف المتبايعين لاقتضائه الحاجة إلى اليمين وذلك يستلزم لزوم العقد ولو ثبت خيار المجلس لكان كافيا في رفع العقد لا يخفى إن هذه الأدلة على فرض شمولها لمحل النزاع أعم مطلقا فيبنى العام على الخاص والمصير إلى الترجيح مع امكان الجمع غير جائز كما تقرر في موضعه ومن أهل القول الثاني من أجاب عن أحاديث خيار المجلس بأنها منسوخة بهذه الأدلة
قال في الفتح ولا حجة في شيء من ذلك لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال والجمع بين الدليلين مهما أمكن لا يصار معه إلى الرجيح والجمع هنا ممكن بين الأدلة المذكورة بغير تعسف ولا تكلف انتهى . وأجاب بعضهم بأن إثبات خيار المجلس مخالف للقياس الجلي في الحاق ما قبل التفرق بما بعده وهو قياس فاسد الأعتبار لمصادمته النص . وأجاب بعضهم بأن التفرق بالأبدان محمول على الأستحباب تحسينا للمعاملة مع المسلم ويجاب عنه بأنه خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا الدليل وهذا يجاب عن قول من قال إنه محمول على الاحتياط للخروج من الخلاف وقيل أنه يحمل التفرق المذكور في الباب على التفرق في الأقوال كما في عقد النكاح والاجارة . قال في الفتح وتعقب بأنه قياس مع ظهور الفارق لأن البيع ينقل منه ملك رقبة المبيع ومنفعته بخلاف ماذكر . وقيل المراد بالمتبايعين المتساومان قال في الفتح ورد بأنه مجاز فالحمل على الحقيقة أو ما يقرب منها أولى . وقد احتج الطحاوي على ذلك بآيات وأحاديث استعمل فيها المجاز وتعقب بأنه لا يلزم من استعمال المجاز في موضع استعماله في كل موضع . قال البيضاوي ومن نفى خيار المجلس ارتكب مجازين لحمله التفرق على الأقوال وحمله للمتبايعين على المتساومين وأيضا فكلام الشارع يصان عن الحمل عليه لأنه يصير تقديره إن المتساومين إن شاآ عقده البيع وإن شاآ لم يعقداه وهو تحصيل حاصل لأن كل أحد يعرف ذلك . ولأهل القول الآخر أجوبة غير هذه فمنها ما سيأتي في آخر الباب ومنها غيره وقد بسطها صاحب الفتح وأجاب عن كل واحد منها وقد ذكرنا هنا ما كان تحتاج منها إلى الجواب وتركنا ما كان ساقطا فمن أحب الاستفاء ليرجع إلى المطولات وقد اختلف القائلون بأن المراد بالتفرق تفرق بالأبدان هل له حد ينتهي إليه أم لا والمشهور الراجح من مذاهب العلماء على ماذكره الحافظ أن ذلك موكولا إلى العرف فكل ما عد في العرف تفرقا حكم به وما لا فلا : قوله " فإن صدقا وبينا " أي صدق البائع في إخبار المشتري وبين العيب إن كان في السلعة وصدق المشتري في قدر الثمن وبين العيب إن كان في الثمن ويحتمل أن يكون الصدق والبيان بمعنى واحد وذكر أحدهما تأكيدا للأخر : قوله " محقت بركة يبعهما " يحتمل أن يكون على ظاهره وأن شؤم التدليس والكذب وقع في ذلك العقد فمحق بركته وإن كان مأجورا والكاذب مأزورا ويحتمل أن يكون ذلك مختصا بمن وقع منه التدليس بالعيب دون الأخر ورجحه ابن أبي حمزة : قوله " أو يقول أحدهما لصاحبه أختر " وربما قال أو يكون بيع الخيار قد اختلف العلماء في المراد بقوله ألا بيع الخيار فقال الجمهور هو استثناء من امتداد الخيار إلى التفرق والمراد أنهما إن اختارا مضاء البيع قبل التفرق فقد لزم البيع حنئذ وبطل اعتبار التفرق فالتقدير ألا البيع الذي جرى فيه التخاير وقيل استثناء من انقطاع الخيار بالتفرق والمراد بقوله أو يخير أحدهما الأخر أي فيشترط الخيار مدة معينة فلا ينقضي الخيار بالتفرق بل يبقى حتى تمضي المدة حكاه ابن عبد البر عن أبي ثور ورجح الأول بأنه أقل في الإضمار ولا يخفى أن قوله في هذا الحديث فإن خير احدهما الأخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع معين للاحتمال الأول وكذلك قوله في الرواية الأخرى فإن كان بيعهما عن خيار فقد وجب وفي رواية للنسائي إلا أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خيار وجب البيع وقيل هو استثناء من إثبات خيار المجلس والمعني أو خير أحدهما الأخر فيختار عدم ثبوت خيار المجلس فينتفي الخيار قال الفتح وهذا أضعف هذه الاحتمالات وقيل المراد بذلك أنهما بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يتخايرا ولو قبل التفرق وإلا أن يكون البيع بشرط الخيار ولو بعد التفرق قال في الفتح وهو قول يجمع التأويلين الأولين ويؤيده ما وقع في رواية للبخاري في لفظ " إلا اليبع الخيار او يقول لصاحبه اختر إن حملت أو علي التقسيم لا على الشك " قوله " أو يخير بإسكان الراء عطفا على قوله مالم يتفرقا ويحتمل نصب الراء على أن أو بمعنى الا أن كما قيل انها كذلك في قوله أو يقول أحدهما لصاحبه اختر : قوله " قال نافع وكان ابن عمر " وهو موصول بإسناد الحديث ورواه مسلم من طريق ابن جريج عن نافع وهو ظاهر في إن ابن عمر كان يذهب إلى أن التفرق المذكور بالأبدان كما تقدم

3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال البيع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا إلا أن يكون صفقة خيار ولا يحل له ان يفارقه خشية أن يستقيله "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجة . ورواه الدارقطني وفي لفظ " حتى يتفرقا من مكانهما

4 - وعن ابن عمر قال " بعت من أمير المؤمنين عثمان مالا بالوادي بمال له بخيبر فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته خشية أن يرادني البيع وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا "
- رواه البخاري . وفيه دليل على أن الرؤية حال العقد لا تشترط بل تكفي الصفة أو الرؤية المتقدمة

- حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا البيهقي وحسنه الترمذي وفي الباب عن أبي بزرة عند أبي داود وابن ماجة بإسناد رجاله ثقات " أن رجلا باع فرسا بغلام ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما يعني البائع والمشتري فلما أصبح من الغد حضر الرحيل فقام الرجل إلى فرسه يسرجه فندم فأتى الرجل وأخذه بالبيع فأبى الرجل أن يدفعه إليه فقال بيني وبينك أبو بزرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاتيا أبا بزرة فقال اترضيان ان أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيعان بالخيار ما لم يفترقا " زاد في رواية أنه قالم ما أراكما افترقتما ( وفي الباب ) أيضا عن سمرة عند النسائي وعن ابن عباس عند ابن حبان والحاكم والبيهقي وعن جابر عند البزار والحاكم وصححه : قوله " صفقة خيار " بالرفع على ان كان تامة وصفقة فاعلها والتقدير الا أن توجد أو تحدث صفقة خيار والنصب على إن كان ناقصة واسمها مضمر وصفته خبر والتقدير الا أن تكون الصفقة صفقة خيار والمراد أن المتبايعين إذا قال أحدهما لصاحبه أختر إمضاء البيع أو فسخه فاختار أحدهما تم البيع وإن لم يتفرقا كما تقدم : قوله " خشية أن يستقيله " بالنصب على أنه مفعول له واستدل بهذا أنه القائلون بعدم ثبوت خيار المجلس وقد تقدم ذكرهم قالوا لأن في هذا الحديث دليلا على أن صاحبه لا يملك الفسخ إلا من جهة الاستقالة وأجيب بان الحديث حجة عليهم لا لهم ومعناه لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع فالمراد بالاستقالة فسخ النادم منهما للبيع وعلى هذا حمله الترمذي وغيره من العلماء قالوا ولو كانت الفرقة بالكلام لم يكن له خيار بعد البيع ولو كان المراد حقيقة الاستقالة لم تمنعه من المفارقة لأنها لا تختص بمجلس العقد وقد أثبت في أول الحديث الخيار ومده إلى غاية التفرق ومن المعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الاستقالة فتعين حملها على الفسخ وحملوا نفي الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمرء وحسن معاشرة المسلم لا أن اختيار الفسخ حرام : قوله " رجعت على عقبي " الخ قيل لعله لم يبلغ ابن عمر حديث عمرو بن شعيب المذكور في الباب ويمكن أن يقال أنه بلغه ولكنه عرف أنه لا يدل على التحريم كما تقدم . والمراد بقوله بالوادي وادي القرى قوله " أن يرادني " بتشديد الدال وأصله يراددني أي يطلب منه استرداده قوله " وكانت السنة " الخ يعني أن هذا هو السبب في خروجه من بيت عثمان وأنه فعل ليجب البيع ولا يبقى لعثمان خيار في فسخه

أبواب الربا

- قال الزمخشري في الكشاف كتبت بالواو على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع . وقال في الفتح الربا مقصور وحكى مده وهو شاذ وهو من ربا يربو فيكتب بالألف ولكن وقع في خط المصاحف بالواو اه قال الفراء إنما كتبوه بالواو لأن أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحيرة ولغتهم الربو فعلموهم الخط على صورة لغتهم قال وكذا قرأه أبو سماك العدوي بالواو وقراه حمزة والكسائي بالإمالة بسبب كسرة الراء وقرأه الباقون بالتفخيم لفتحة الباء قال ويجوز كتبه بالألف والواو والياء اه . وتثنيته ربو أن وأجاز الكوفيون كتابة تثنيته بالياء بسبب الكسر في أوله وغلطهم البصريون . قال في الفتح وأصل الزيادة إما في نفس الشيء كقوله تعالى { اهتزت وربت } وأما في مقابلة كدرهم بدرهمين فقيل هو درهمين فقيل هو حقيقة فيهما . وقيل حقيقة في الأول مجازو في الثاني حقيقة شرعية ويطلق الربا على كل مبيع محرم اه ولا خلاف بين المسلمين في تحريم الربا وإن اختلفوا في تفاصيله

باب التشديد فيه

1 - عن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي غير أن لفظ النسائي آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه إذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة "

2 - وعن عبد الله بن حنطلة عسيل الملائكة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية "
- رواه أحمد

- حديث ابن مسعود أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وأخرجه مسلم من حديث جابر بلفظ " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه هم سواء " وفي الباب عن علي عليه السلام عند النسائي وعن أبي جحفة تقدم في أول البيع وحديث عبد الله بن حنظلة وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط والكبير قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح ويشهد له حديث البراء عند ابن جرير بلفظ " الربا إثنان وستون بابا أدناها مثل إتيان الرجل امه " وحديث أبي هريرة عند البيهقي بلفظ " الربا سبعون بابا أدناها الذي يقع على أمه " وأخرج عنه جرير نحوه وكذلك أخرج عنه نحوه ابن أبي الدنيا وحديث عبد الله بن مسعود عند الحاكم وصححه بلفظ " الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح أمه وان اربى الربا عرض الرجل السلم " قوله " آكل الربا " بمد الهمزة ومؤكله بسكون الهمزة بعد الميم ويجوز إبدالها واوا أي ولعن مطعمه غيره وسمي آخذ المال آكلا ودافعه مؤكلا لأن المقصود منه الأكل وهو أعظم منافعه وسببه إتلاف أكثر الأشياء : قوله " وشاهديه " رواية أبي داود بالافراد والبيهقي وشاهديه أو شاهده : قوله وكاتبه فيه دليل على تحريم كتابة الربا إذا علم ذلك وكذلك الشاهد لا يحرم عليه الشهادة إلا مع العلم فأما من كتب أو شهد غير عالم فلا يدخل في الوعيد ( ومن جملة ) ما يدل على تحريم كتابة الربا وشهادته وتحليل الشهادة والكتابة في غيره قوله تعالى { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } وقوله تعالى { واشهدوا إذا تبايعتم } فأمر بالكتابة والإشهاد فيما أحله وفهم منه تحريمهما فيما حرمه : قوله " أشد من ست وثلاثين " الخ يدل على أن معصية الربا من أشد المعاصي لأن المعصية التي تعدل معصية الزنا التي هي في غاية الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور بل أشد منها لا شك أنها تجاوزت الحد في القبح وأقبح منها استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم ولهذا جعلها الشارع أربى الربا وبعد الرجل يتكلم بالكلمة التي لا يجد لها لذة ولا تزيد في ماله ولا جاهه فيكون أثمه عند الله أشد من إثم من زنا ست وثلاثين زنية هذا ما لا يصنعه بنفسه عاقل نسأل الله تعالى السلامة آمين آمين

باب ما يجري فيه الربا

1 - عن أبي سعيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منهما غائبا بناجز "
- متفق عليه . وفي لفظ " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطى فيه سواء " رواه أحمد والبخاري . وفي لفظ " لاتبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء " رواه أحمد ومسلم

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي

3 - وعن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه "
- رواه مسلم

4 - وعن فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن "
- رواه مسلم والنسائي وأبو داود

- قوله " الذهب بالذهب " يدخل في الذهب جميع أنواعه من مضروب ومنقوش وجيد ورديء وصحيح ومكسر وحلى وتبر وخالص ومغشوش . وقد نقل النووي وغيره الاجماع على ذلك . قول " إلا مثل بمثل " هو مصدر في موضع الحال أي الذهب يباع بالذهب موزونا بموزون أو مصدر مؤكد أي يوزن وزنا بوزن . وقد جمع بين المثل والوزن في رواية مسلم المذكورة : قوله " ولا تشفوا " بضم أوله وكسر الشين المعجمة وتشديد الفاء رباعي من أشف والشف بالكسر الزيادة ويطلق على النقص والمراد هنا لا تفضلوا قوله " بناجز " بالنون والجيم والزاي أي لا تبيعوا مؤجلا بحال . ويحتمل أن يراد بالغائب أعم من المؤجل كالغائب عن المجلس مطلقا مؤجلا كان أو حالا والناجز الحاضر : قوله " والفضة بالفضة " يدخل في ذلك جميع أنواع الفضة كما سلف في الذهب : قوله " والبر بالبر " بضم الباء وهو الحنطة والشعير بفتح أوله ويجوز الكسر وهو معروف وفيه رد على من قال أن الحنطة والشعير صنف واحد وهو مالك والليث والأوزاعي وتمسكوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الطعام بالطعام " كما سيأتي ويأتي الكلام على ذلك : قوله " فمن زاد " الخ فيه التصريح بتحريم ربا الفضل وهو مذهب الجمهور للأحاديث الكثيرة في الباب وغيرها فإنها قاضية بتحريم بيع هذه الأجناس بعضها بعض متفاضلا . وروى عن ابن عمر أنه يجوز ربا الفضل ثم رجع عن ذلك . وكذلك روى عن ابن عباس واختلف في رجوعه فروى الحاكم انه رجع عن ذلك لما ذكر له أبو سعيد حديثه الذي في باب واستغفر الله وكان ينهي عنه أشد النهي . وروى مثل قولهما عن أسامة ابن زيد وابن الزبير وزيد بن أرقم وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير واستدلوا على جواز ربا الفضل بحديث أسامة عند الشيخين وغيرهما بلفظ " إنما الربا في النسيئة " زاد مسلم في رواية عن ابن عباس " لا ربا فيما كان يدا بيد " وأخرج الشيخان والنسائي عن أبي المنهال قال سألت زيد بن أرقم والبراء بن عازب عن الصرف فقالا نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا . وأخرج مسلم عن أبي نضرة قال سألت ابن عباس عن الصرف فقال إلا يدا بيد قلت نعم قال فلا بأس فأخبرت ابا سعيد فقال أو قال ذلك انا سنكتب إليه فلا يفتيكموه وله من وجه آخر عن أبي نضرة سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأسا وأني لقاعد عند أبي سعيد فسألته عن الصرف فقال مازاد فهو ربا فأنكرت ذلك لقولهما فذكر الحديث قال فحدثني أبو صهبا أنه سأل ابن عباس عنه فكرهه . قال في الفتح واتفق العلماء على صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد . فقيل أن حديث أسامة منسوخ لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال
وقيل المعنى في قوله " لا ربا " الربا الأغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما تقول العرب لا عالم في البلد إلا زيد مع أن فيها علماء غيره وإنما القصد نفى الأكمل الأصل وأيضا نفى تحريم ربى الفضل من حديث أسامة إنما هو المفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد لأن دلالته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة عام لأنه يدل على نفي ربا الفضل عن كل شيء سواء كان من الأجناس المذكورة في أحاديث الباب أم لا فهو أعم منها مطلقا . فيخصص هذا المفهوم بمنطوقها . وأما ما أخرجه مسلم عن ابن عباس أنه لا ربا فيما كان يدا بيد كما تقدم فليس ذلك مرويا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى تكون دلالته على نفي ربا الفضل منطوقه ولو كان مرفوعا لما رجع ابن عباس واستغفر لما حدثه أبو سعيد بذلك كما تقدم وقد روى الحازمي رجوع ابن عباس واستغفاره عند ان سمع عمر بن الخطاب وابنه عبد الله يحدثان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما يدل على تحريم ربا الفضل وقال حفظتما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم أحفظ وروى عنه الحازمي أيضا أنه قال كان ذلك برأيي وهذا أبو سعيد الخدري يحدثني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتركت رأيي إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى تسليم أن ذلك الذي قاله ابن عباس مرفوع فهو عام مخصص بأحاديث الباب لأنها أخص منها مطلقا . وأيضا الأحاديث القاضية بتحريم ربا الفضل ثابتة عن جماعة من الصثحابة في الصحيحين وغيرهما قال الترمذي بعد أن ذكر حديث أبي سعيد وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان وأبي هريرة وهشام بن عامر والبراء وزيد بن أرقم وفضالة بن عبيد وأبي بكرة وابن عمر وأبي الدرداء وبلال اه . وقد ذكر المصنف بعض ذلك في كتابه هذا وخرج الحافظ في التلخيص بعضها فلو فرض معارضة حديث أسامة لها من جميع الوجوه وعدم إمكان الجمع أو الترجيح بما سلف لكان الثابت عن الجماعة أرجح من الثابت عن الواحد : قوله " ولا الورق بالورق " بفتح الواو وكير الراء وبإسكانها على المشهور ويجوز فتحهما كذا في الفتح وهو الفضة وقيل بكسر الواو المضروبة وبفتحها المال . والمراد هنا جميع أنواع الفضة مضروبة وغير مضروبة : قوله " إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء " الجمع بين هذه الألفاظ لقصد التأكيد أو للمبالغة . قوله " إلا ما اختلفت ألوانه " المراد أنه ما اختلفا في اللون اختلافا يصير به كل واحد منهما جنسا غير جنس مقابله فمعناه معنى ما سيأتي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم " وسنذر إن شاء الله ما يستفاد منه

5 - وعن أبي بكرة قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الفضة بالفضة والذهب بالذهب والأسواء بسواء وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا "
- أخرجاه وفيه دليل على جواز الذهب بالفضة مجازفة

6 - وعن عمر بن الخطاب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذهب بالورق ربا الاهاء وهاء والبر بالبر ربا الاهاء وهاء والشعير بالشعير ربا الاهاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء "
- متفق عليه

7 - وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد "
- رواه أحمد ومسلم . وللنسائي وابن ماجه وأبو داود نحوه في آخره " وأمرنا أن نبيع البر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا " وهو صريح في كون البر والشعير جنسين

8 - وعن معمر بن عبد الله قال " كنت أسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول الطعام بالطعام مثلا بمثلا وكان طعامنا يومئذ الشعير "
- رواه أحمد ومسلم

9 - وعن الحسن عن عبادة وأنس بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا وما كيل فمثل ذلك فإذا اختلف النوعان فلا بأس به "
- رواه الدارقطني

- حديث أنس وعبادة أشار إليه في التلخيص ولم يتكلم عليه وفي إسناده الربيع بن صبيح وثقه أبو زرعة وغيره وضعفه جماعة . وقد أخرج هذا الحديث البزار أيضا ويشهد لصحته حديث عبادة المذكور أولا وغيره من الأحاديث : قوله " كيف شئنا " هذا الإطلاق مقيد بما في حديث عبادة من قوله " إن كان يدا بيد " فلا يد في بيع الربويات ببعض من التقابض ولا سيما في الصرف وهو بيع الدارهم بالذهب وعكسه فإنه متفق على اشتراطه . وظاهر هذا الإطلاق والتفويض إلى المشيئة انه يجوز بيع الذهب بالفضة والعكس وكذلك سائر الأجناس الربوية إذا بيع بعضها ببعض من غير تقييد بصفة من الصفات غير صفة القبض ويدخل في ذلك بيع الجزاف وغيره : قوله " الا هاء وهاء " بالمد فيهما وفتح الهمزة وقيل بالكسر وقيل بالسكون وحكى القصر بغير همز وخطأها الخطابي ورد عليه النووي وقال هي صحيحة لكن قليلة . والمعنى خذ وهات وحكى بزيادة كاف مكسورة ويقال هاء يكسر الهمزة بمعنى هات وبفتحها بمعنى خذ . وقال ابن الأثير هاء وهاء هو أن يقول كل واحد من البيعين هاء فيعطيه ما في يده وقيل معناهما خذ وأعط قال وغير الخطابي يجيز فيه السكون . وقال ابن مالك هاء اسم فعل بمعنى خذ . وقال الخليل هاء كلمة تستعمل عند المناولة والمقصود من قوله هاء وهاء أن يقول كل واحد من المتعاقدين لصاحبه هاء فيتقابضان في المجلس قال فالتقدير لا تبيعوا الذهب بالورق الا مقولا بين المتعاقدين هاء وهاء : قوله " فإذا اختلفت هذه الأصناف " الخ ظاهر هذا انه لا يجوز بيع جنس ربوي بجنس آخر الا مع القبض ولا يجوز مؤجلا ولو اختلفا في الجنس والتقدير كالحنطة والشعير بالذهب والفضة وقيل يجوز مع الأختلاف المذكور وإنما يشترط التقابض في الشيئين المختلفين جنسا المتفقين تقديرا كالفضة بالذهب والبر بالشعير إذ لا يعقل التفاضل والاستواء الا فيما كان كذلك ويجاب بأن مثل هذا لا يصلح لتخصيص النصوص وتقييدها وكون التفاضل والاستواء لا يعقل في المختلفين جنسا وتقديرا ممنوع والسند أن التفاضل معقول لو كان الطعام يوزن أو النقود تكال ولو في بعض الأزمان والبلد ان ثم انه قد يبلغ ثمن الطعام إلى مقدار من الدراهم كثير عند شدة الغلاء بحيث يعقل أن يقال الطعام أكثر من الدراهم وما المانع من ذلك وأما الاستدلال على جواز ذلك بحديث عائشة عند البخاري ومسلم وغيرهما قالت " اشترى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يهودي طعاما بنسيئة وأعطاه درعا له رهنا " فلا يخفى أن غاية ما فيه أن يكون مخصصا للنص المذكور لصورة الرهن فيجوز في هذه الصورة لا في غيرها لعدم صحة الحاق مالا عوض فيه عن الثمن بما فيه عوض عنه وهو الرهن نعم ان صح الإجماع الذي حكاه المغربي في شرح بلوغ المرام فإنه قال واجمع العلماء على جواز بيع الربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلا أو مؤجلا كبيع الذهب بالحنطة وبيع الفضة بالشعير وغيره من المكيل اه كان ذلك هو الدليل على الجواز عند من كان يرى حجية الإجماع وأما إذا كان الربوي يشارك مقابله في العلة فإن كان بيع الذهب بالفضة أو العكس فقد تقدم أنه يشترط التقابض إجماعا إن كان في غير ذلك من الأجناس كبيع البر بالشعير أو بالتمر أو العكس فظاهر الحديث عدم الجواز وإليه ذهب الجمهور
وقال أبو حنيفة وأصحابه وابن علية لا يشترط والحديث يرد عليه . وقد تمسك مالك بقوله " إلا يدا بيد " وبقوله الذهب بالورق وبالا هاء وهاء على أنه يشترط القبض في الصرف عند الإيجاب بالكلام ولا يجوز التراخي ولو كان في المجلس . وقال الشافعي وأبو حنيفة والجمهور ان المعتبر التقابض في المجلس وان التراخي عن الإيجاب والظاهر الأول ولكنه أخرج عبد الرزاق وأحمد وابن ماجه عن ابن عمر " انه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اشتر الذهب بالفضة فإذا أخذت واحدا منهما فلا تفارق صاحبك وبينكما لبس " فيمكن أن يقال أن هذه الرواية تدل على اعتبار المجلس : قوله " ان يبيع البر بالشعير " الخ فيه كما قال المصنف تصريح بان البر والشعير جنسان وهو مذهب الجمهور وحكى عن مالك والليث والأوزاعي كما تقدم أنما جنس واحد وبه قال معظم علماء المدينة وهو محكي عن عمر وسعد وغيرهما من السلف وتمسكوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم الطعام بالطعام كما في حديث معمر بن عبد الله المذكور ويجاب عنه بما في آخر الحديث من قوله " وكان طعامنا يومئذ الشعير " فإنه في حكم التقييد لهذا المطلق وأيضا التصريح بجواز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا كما في حديث عبادة وكذلك عطف أحدهما على الآخر كما في غيره من أحاديث الباب مما لا يبقي معه ارتياب في انهما جنسان ( واعلم ) أنه قد اختلف هل يلحق بهذه الأجناس المذكورة في الأحاديث غيرها فيكون حكمه حكمها في تحريم التفاضل والنساء مع الأتفاق في الجنس وتحريم النساء فقط مع الأختلاف في الجنس والاتفاق في العلة فقالت الظاهرية إنه لا يلحق بها غيرها في ذلك . وذهب من عداهم من العلماء إلى أنه يلحق بها ما يشاركها في العلة ثم اختلفوا في العلة ماهي فقال الشافعي هي الاتفاق في الجنس والطعم فيما عدا النقدين وأماهما فلا يلحق بهما غيرهما من الموزونات واستدل على اعتبار الطعم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الطعام بالطعام " وقال مالك في النقدين كقول الشافعي وفي غيرهما العلة الجنس والتقدير والاقتيات وقال ربيعة بل اتفاق الجنس ووجوب الزكاة
وقالت العترة جميعا بل العلة في جميعها اتفاق الجنس والتقدير بالكيل والوزن واستدلوا على ذلك بذكره صلى الله عليه وآله وسلم للكيل والوزن في أحاديث الباب ويدل على ذلك أيضا حديث أنس المذكور فإنه حكم فيه على كل موزون مع اتحاد نوعه وعلى كل مكيل كذلك بأنه مثل بمثل فاشعر بان الأتفاق في أحدهما مع اتحاد النوع موجب لتحريم التفاضل بعموم النص لا بالقياس وبه يرد على الظاهرية لأنهم إنما منعوا من الألحاق لنفيهم للقياس . ومما يؤيد ذلك ما سيأتي في حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الميزان مثل ماقال في المكيل على ما سيبينه المصنف إن شاء الله تعالى وإلى مثل ما ذهبت إليه العترة ذهب أبو حنيفة وأصحابه كما حكى ذلك عن المهدي في البحر وحكى عنه أنه يقول العلة في الذهب الوزن وفي الأربعة الباقية كونها مطعومة موزونة أو مكيلة ( والحاصل ) أنه قد وقع الاتفاق بين من عدا الظاهرية بأن جزء العلة الأتفاق في الجنس واختلفوا في تعيين الجزء الآخر على تلك الأقوال ولم يعتبر أحد منهم العدد جزأ من العلة مع اعتبار الشارع له كما في رواية من حديث أبي سعيد " ولادرهمين بدرهم " وفي حديث عثمان عند مسلم " لاتبيعوا الدينار بالدينارين "

10 - وعن أبي سعيد وأبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءهم بتمر جنيب فقال أكل تمر خيبر هكذا قال انا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا وقال في الميزان مثل ذلك "
- رواه البخاري

- الحديث أخرجه أيضا مسلم . قوله " رجلا صرح أبو عوانة والدارقطني ان اسمه سواد بن غزية بمعجمة فزاي فياء مشددة كعطية : قوله " جنيب " بفتح الجيم وكسر النون وسكون التحتية وآخره موحدة اختلف في تفسيره فقيل هو الطيب وقيل الصلب . وقيل ما أخرج منه حشفه وريئه وقبل مالا يختلط بغيره . وقال في القاموس ان الجنيب تمر جيد . قوله " بع الجمع " بفتح الجيم وسكون الميم قال في الفتح هو التمر المختلط بغيره . وقال في القاموس هو الدقل أو صنف من التمر ( والحديث ) يدل على أنه لا يجوز بيع ردئ الجنس بجيده متفاضلا وهذا أمر مجمع عليه لاخلاف بين أهل العلم فيه وأما سكوت الرواة عن فسخ البيع المذكور فلا يدل على عدم الوقوع أما ذهولا وإما اكتفاء بان ذلك معلوم . وقد ورد في بعض طرق الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا هو الربا فرده كما بنه على ذلك في الفتح وقد استدل أيضا بهذا الحديث على جواز بيع العينة لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يشتري بثمن الجمع جنيبا ويمكن أن يكون بائع الجنيب منه هو الذي اشترى منه الجمع فيكون قد عادت إليه الدراهم التي هي عين ماله لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمره بأن يشتري الجنيب من غير من باع منه الجمع وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم . قال في الفتح وتعقب بأنه مطلق والمطلق لا يشمل فإذا عمل به في صورة سقط الأحتجاج به في غيرها فلا يصح الاستدلال به على جواز الشراء ممن باع منه تلك السلعة بعينها انتهى . وسيأتي الكلام على بيع العينة . قوله " وقال في الميزان مثل ذلك " أي مثل ما قال في المكيل من أنه لا يجوز بيع بعض الجنس منه ببعضه متفاضلا وان اختلفا في الجودة والرداءة بل يباع رديئه بالدراهم ثم يشتري بهذا الجيد والمراد بالميزان هنا الموزون . قال المصنف رحمه الله وهو حجة في جريان الربا في الموزونات كلها لان قوله في الميزان أي في الموزون وإلا فنفس الميزان ليست من أموال الربا انتهى

باب في ان الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل

1 - عن جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم كيلها باليكل المسمى من التمر "
- رواه مسلم والنسائي وهو يدل بمفهومه على انه لو باعها بجنس غير التمر لجاز

- قوله " الصبرة " قال في القاموس والصبرة بالضم ما جمع من الطعام بلا كيل ووزن انتهى . قوله " لا يعلم كيلها " صفة كاشفة للصبرة لأنه لا يقال لها صبرة إلا إذا كانت مجهولة الكيل ( والحديث ) فيه دليل على أنه لا يجوز أن يباع جنس بجنسه وأحدهما مجهول المقدار لأن العلم بالتساوي مع الأتفاق في الجنس شرط لا يجوزالبيع بدونه ولا شك أن الجهل بكلا البدلين أو بأحدهما فقط مظنة للزيادة والنقصان وما كان مظنة للحرام وجب تجنبه وتجنب هذه المظنة إنما يكون بكيل المكيل ووزن الموزون من كل واحد من البدلين

باب من باع ذهبا وغيره بذهب

1 - عن فضالة بن عبيد قال " اشتريت قلادة يوم خيبر بأثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصلتاه فوجدت فيها أكثر من أثني عشر دينارا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا يباع حتى يفصل "
- رواه مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه . وفي لفط " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا حتى تميز بينه وبينه فقال إنما أردت الحجارة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا حتى تميز بينهما قال فرده حتى ميز بينهما " . رواه أبو داود

- الحديث قال في التلخيص له عند الطبراني في الكبير طرق كثيرة جدا في بعضها قلادة فيها خرز وذهب . وفي بعضها ذهب وجوهر . وفي بعضها خرز وذهب . وفي بعضها حرز معلقة بذهب وفي بعضها بأثني عشر دينارا . وفي بعضها بتسعة دنانير . وفي أخرى بسبعة دنانير . وأجاب البيهقي عن هذا الاختلاف بأنها كانت بيوعا شهدها فضالة . قال الحافظ والجواب المسدد عندي أن هذا الاختلاف لا يوجب ضعفا بل المقصود من الاستدلال محفوظ لا اختلاف فيه وهو النهي عن بيع مالم يفصل وأما جنسها وقدر ثمنها فلا يتعلق به بهذه الحال ما يوجب الحكم بالاضطراب وحينئذ ينبغي الترجيح بين رواتها وإن كان الجميع ثقات فيحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم فيكون رواية الباقين بالنسبة إليه شاذة انتهى . وبعض هذه الروايات التي ذكرها الطبراني في صحيح مسلم وسنن أبي داود : قوله " ففصلتها " بتشديد الصاد ( الحديث ) استدل به على أنه لا يجوز بيع الذهب مع غيره بذهب حتى يفصل من ذلك الغير ويميز عنه ليعرف مقدار الذهب المتصل بغيره ومثله الفضة مع غيرها بفضة وكذلك سائر الأجناس الربوية لاتحادها في العلة وهي تحريم بيع الجنس بجنسه متفاضلا . ومما يرشد إلى استواء الأجناس الربوية في هذا ماتقدم من النهي عن بيع الصبرة من التمر بالكيل المسمى من التمر . وكذلك نهيه عن بيع التمر بالرطب حرصا لعدم التمكن من معرفة التساوي على التحقيق وكذلك في مثل مسألة القلادة يتعذر الوقوف على التساوي من دون فصل ولا يكفي مجرد الفصل بل لابد من معرفة مقدار المفصول والمقابل له من جنسه . وإلى العمل بظاهر الحديث ذهب عمر بن الخطاب وجماعة من السلف والشافعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحكم المالكي وقالت الحنفية والثوري والحسن بن صالح والعترة أنه لا يجوز إذا كان الذهب المنفرد أكثر من الذي في القلادة ونحوها لامثله ولا دونه . وقال مالك يجوز إذا كان الذهب تابعا لغيره بأن يكون الثلث فما دون . وقال حماد بن أبي سليمان أنه يجوز بيع الذهب مع غيره بالذهب مطلقا سواء كان المنفصل مثل المتصل أو أقل أو أكثر وأعتذرت الحنفية ومن قال بقولهم عن الحديث بأن الذهب كان أكثر من المنفصل واستدلوا بقوله ففصلتها فوجدت فيها أكثرمن أثني عشر دينار والثمن إما سبعة أو تسعة وأكثر ما روي أنه أثنا عشر . وأجيب عن ذلك ماتقدم عن البيهقي من أن القصة التي شهدها فضالة كانت متعددة فلا يصح التمسك بما وقع في بعضها واهدار البعض الآخر وأجيب أيضا بأن العلة هي عدم الفصل وظاهر ذلك عدم الفرق بين المساوي والأقل والأكثر والغنيمة وغيرها وبهذا يجاب عن الخطابي حيث قال أن سبب النهي كون تلك القلادة كانت من الغنائم مخافة أن يقع المسلمون في بيعها وقد أجاب الطحاوي عن الحديث بأنه مضطرب . قال السبكي وليس ذلك باضطراب قادح ولا ترد الأحاديث الصحيحة بمثل ذلك انتهى . وقد عرفت مماتقدم أنه لا اضطراب في محل الحجة والاضطراب في غيره لا يقدح فيه وبهذا يجاب أيضا على ما قاله مالك . وأما ما ذهب إليه حماد بن أبي سليمان فمردود في الحديث على جميع التقادير ولعله يتعذر عنه بمثل ما قال الخطابي أو لم يبلغه . قوله " حتى تميز " بضم تاء المخاطب في أوله وتشديد الياء المكسورة بعد الميم . قوله " إنما أردت الحجارة " يعني الخرز الذي في القلادة ولم أرد الذهب

باب مرد الكيل والوزن

1 - عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة "
- رواه أبو داود والنسائي

- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا البزار وصححه ابن حبان والدارقطني وفي رواية لأبي داود عن ابن عباس مكان ابن عمر . قوله " المكيال مكيال أهل المدينة " الخ فيه دليل على أنه يرجع عند الاختلاف في الكيل إلى مكيال المدينة وعند الاختلاف في الوزن إلى ميزان مكة . أما مقدار ميزان مكة فقال ابن حزم بحثت غاية البحث عن كل من وثقت بتمييزه فوجدت كلا يقول أن دينار الذهب بمكة وزنه اثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة بالحب من الشعير والدرهم سبعة أعشار المثقال فوزن الدرهم سبع وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر عشر حبة فالرطل مائة وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور وأما مكيال المدينة فقد قدمنا تحقيقه في الفطرة . ووقع في رواية لأبي داود من طريق الوليد بن مسلم عن حنظلة ابن أبي سفيان الجمحي قال وزن المدينة ومكيال مكة والرواية المذكورة في الباب من طريق سفيان الثوري عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر وهي أصح . وأما الرواية التي ذكرها أبو داود عن ابن عباس فرواها أيضا الدارقطني من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عباس ورواه من طريق أبي نعيم عن الثوري عن حنظلة عن سالم بدل طاوس عن ابن عباس قال الدارقطني أخطأ أبو أحمد فيه

باب النهي عن بيع كل رطب من حب أو تمر بيابسه

1 - عن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المزابنة أن يبيع الرجل تمر حائطه إن كان بتمر كيلا وإن كان كرما أن يبيعه بزبب كيلا وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام نهى عن ذلك كله "
- متفق عليه

2 - ولمسلم في رواية " وعن كل ثمر بخرصه "

3 - وعن سعد بن أبي وقاص قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب فقال لمن حوله أينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم فنهى عن ذلك "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي

- حديث سعد أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححوه أيضا ابن المديني وأخرجه الدارقطني والبيهقي وقد أعله جماعة منهم الطحاوي والطبري وابن حزم وعبد الحق بان في إسناده زيد أبا عياش وهو مجهول . قال في التلخيص والجواب ان الدارقطني قال أنه ثقة ثبت . وقال المنذري وقد روى عنه ثقات واعتمده مالك مع شدة نقده وقال الحاكم لا أعلم أحدا طعن فيه : قوله " عن المزابنة " قد تقدم ضبطها في باب النهي عن بيع التمر قبل بدو صلاحه : قوله " ثمر حائطه " بالمثلثة وفتح الميم قال في الفتح المراد به الرطب خاصة . قوله " بتمر كيلا " بالمثناة من فوق وسكون الميم والمراد بالكرم العنب قال في الفتح وهذا أهل المزابنة وألحق الجمهور بذلك كل بيع مجهول بمجهول أو بمعلوم من جنس يجري فيه الربا . قال فأما من قال اضمن لك صبرتك هذه بعشرين صاعا مثلا فما زاد فلي ومانقص فعلي فهو من القمار وليس من المزابنة وتعقبه الحافظ بأنه قد ثبت في البخاري عن ابن عمر تفسير المزابنة ببيع التمر بكيل إن زاد فلي وإن نقص فعلي قال فثبت أن من صور المزابنة هذه الصورة من القمار ولا يلزم من كونها قمارا أن لا تسمى مزابنة . قال ومن صور المزابنة بيع الزرع بالحنطة بما أخرجه مسلم في تفسير المزابنة عن نافع بلفظ " المزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع العنب بالزبيب وبيع الزرع بالحنطة كيلا . وقد أخرج هذا الحديث البخاري كما ذكره المصنف ههنا ولم ينفرد به مسلم وقد قدمنا مثل هذا في باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه وقدمنا أيضا ما فسر به مالك المزابنة قوله " أينقص " الاستفهام ههنا ليس المراد به حقيقته أعني طلب الفهم لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان عالما بأنه ينقص إذا يبس بل المراد تنبيه السامع بأن هذا الوصف الذي وقع عنه الأستفهام هو علة النهي ومن المشعرات بذلك الفاء في قوله فنهى عن ذلك ويستفاد من هذا عدم جواز بيع الرطب بالرطب لأن نقص كل واحد منهما لا يحصل العلم بأنه نقص الآخر وما كان كذلك فهو مظنة للربا . وقد ذهب إلى ذلك الشافعي وجمهور أصحابه وعبد الملك بن الماجشون وأبو حفص العكبري من الحنابلة وذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه والمزني والروياني من أصحاب الشافعي إلى أنه يجوز . قال ابن المنذر إن العلماء اتفقوا على جواز ذلك ألا الشافعي ويدل على عدم الجواز أن الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري روى حديث ابن عمر بلفظ " نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الثمرة بالثمرة " وذلك يشمل بيع الرطب بالرطب

باب الرخصة في بيع العرايا

1 - عن رافع بن خديج وسهل ابن أبي حثمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المزابنة بيع الثمر بالتمر الا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم "
- رواه أحمد والبخاري والترمذي وزاد فيه وعن بيع العنب بالزبيب وعن كل ثمر بخرصه "

2 - وعن سهل بن أبي حثمة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرايا أن يشتري بخرصها يأكلها أهلها رطبا "
- متفق عليه . وفي لفظ " عن بيع الثمر بالتمر وقال ذلك الربا تلك المزابنة الا أنه رخص في بيع العرية النخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا " متفق عليه

3 - وعن جابر قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول حين أذن لأهل العرايا أن يبيعوها بخرصها يقول الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة "
- رواه أحمد

4 - وعن زيد بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا أن تباع بخرصها كيلا "
- رواه أحمد والبخاري . وفي لفظ " رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا " متفق عليه . وفي لفظ آخر " رخص في بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غير ذلك " أخرجاه . وفي لفظ " بالتمر وبالطب " رواه أبو داود

- حديث جابر أخرجه أيضا الشافعي وصححه ان خزيمة وابن حبان والحاكم ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند الشيخين " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق " قوله : " بيع الثمر بالتمر " الأول بالمثلثة وفتح الميم والثاني بالمثناة الفوقية وسكون الميم والمراد بالأول ثمر النخلة وقد صرح بذلك مسلم في رواية فقال " ثم النخلة " وليس المراد الثمر من غير النخل لأنه يجوز بيعه بالتمر بالمثناة والسكون : قوله " الا أصحاب العرايا " جمع عرية قال في الفتح وهي في الأصل عطية ثمر النخل دون الرقبة كانت العرب في الجدب تتطوع بذلك على من لا ثمر له كما يتطوع صاحب الشاة أو الأبل بالمنيحة وهي عطية اللبن الرقبة ويقال عريت النخلة بفتح العين وكسر الراء تعرى إذا افردت عن حكم اخواتها بأن أعطاها المالك فقيرا قال مالك العرية أن يعري الرجل الرجل الخلة أي يهبها له أو يهب له ثمرها ثم يتأذى بدخوله عليه ويرخص الموهوب له للواهب أن يشتري رطبها منه بتمر يابس هكذا علقه البخاري عن مالك ووصله ابن عبد البر من رواية ابن وهب . وروى الطحاوي عن مالك ان العرية النخلة للرجل في حائط غيره فيكره صاحب النخل الكثير دخول الآخر عليه فيقول أنا أعطيك بخرص نخلة تمرا فيرخص له في ذلك فشرط العرية عند مالك أن يكون لأجل التضرر من المالك بدخول غيره إلى حائطه أو لدفع الضررعن الآخر لقيام صاحب النخل بما يحتاج إليه . وقال الشافعي في الأم وحكاه عنه البيهقي ان العرايا ان يشتري الرجل ثمر النخلة بخرصه من التمر بشرط التقابض في الحال واشترط مالك أن يكون التمر مؤجلا . وقال ابن إسحاق في حديثه عن ابن عمر عند أبي داود والبخاري تعليقا ان يعري الرجل الرجل أي يهب له في ماله النخلة والنخلتين فيشق عليه أن يقوم عليها فيبيعها بمثل خرصها . وأخرج الإمام أحمد عن سفيان بن حسين ان العريا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطعيون أن ينتظروا بها فرخص لهم أن يبيعوها بما شاؤا من التمر . وقال يحيى بن سعيد الأنصاري العرية أن يشتري الرجل ثمر النخلات لطعام أهله رطبا بخرصها تمرا قال القرطبي كأن الشافعي اعتمد في تفسير العرية على قول يحيى بن سعيد . وأخرج أبو داود عن عبد ربه ابن سعيد الأنصاري وهو أخو يحيى المذكور أنه قال العرية الرجل يعري الرجل النخلة أو الرجل يستثني من ماله النخلة يأكلها رطبا فيبيعها تمرا . وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن وكيع قال سمعنا في تفسير العرية إنها النخلة يعريها الرجل للرجل ويشتريها في بستان الرجل . وقال في القاموس وأعراه النخلة وهبه ثمرة علمها والعرية النخلة المعراة والتي أكل ما عليها . وقال الجوهري هي النخلة التي يعريها صاحبها رجلا محتاجا بأن يجعل له ثمرها عاما من عراه إذا قصده قال في الفتح صور العرية كثيرة . منها أن يقول رجل لصاحب النخل يعني ثمر نخلات باعيانها بخرصها من التمر فيخرصها ويبيعها ويقبض منه التمر ويسلم له النخلات بالتخلية فينتفع برطبها
ومنها أن يهب صاحب الحائط لرجل نخلات أو ثمر نخلات معلومة من حائطه ثم يتضرر بدخوله عليه فيخرصها ويشتري رطبها بقدر خرصه بتمر معجل . ومنها أن يهبه اياها فيتضرر الموهوب له بانتظار صيرورة الرطب تمرا ولا يحب أكلها ربا لاحتياجه إلى التمر فيبيع ذلك الرطب بخرصه من الواهب أو من غيره بتمر يأخذه معجلا . ومنها أن يبيع الرجل ثمر حائطه بعد بدو صلاحه ويستثني منه نخلات معلومة يبقيها لنفسه أو لعياله وهي التي عفى له خرصها في الصدقة وسميت عرايا لأنا أعريت عن أن تخرص في الصدقة فرخص لأهل الحاجة الذين لانقدلهم وعنده فضول من تمر قوتهم أن يبتاعوا بذلك التمير من رطب تلك النخلات بخرصها ومما يطلق عليه اسم العرية ان يعري رجلا ثمر نخلات يبيح له أكلها والتصرف فيها وهذ هبة محضة . ومنها أن يعري عامل الصدقة لصاحب الحائط من حائطه نخلات معلومة لا يخرصها في الصدقة وهاتان الصورتان من العرايا لابيع فيهما وجميع هذه الصور صحيحة عند الشافعي والجمهور وقصر مالك العرية في البيع على الصورة الثانية . وقصرها أبو عبيد على الصورة الأخيرة من صور البيع وأراد به رخص لهم أن يأكلوا الرطب ولا يشترونه لتجارة ولا ادخار ومنع أبو حنيفة صور البيع كلها وقصر العرية على الهبة ويه أن يعري الرجل الرجل ثمر نخلة من نخله ولا يسلم ذلك ثم يبدو له أن يرتجع تلك الهبة فرخص له أن يحتبس ذلك ويعطيه بقدر ما وهبه له من الرطب يخرصه تمرا وحمله على ذلك أخذه بعموم النهي عن بيع الثمر بالتمر وتعقب بالتصريح باستثناء العرايا في الأحاديث قال ابن المنذر الذي رخص في العرية هو الذي نهى عن بيع الثمر بالتمر في لفظ واحد من رواية جماعة من الصحابة . قال ونظير ذلك الأذن في السلم مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تبع ماليس عندك " قال ولو كان المراد الهبة لما استثنيت العرية من البيع ولأنه عبر بالرخصة والرخصة لا تكون الا في شيء ممنوع والمنع إنما كان في البيع لا الهبة وبأنها قيدت بخمسة أوسق والهبة التتقيد
وقد احتج أبي حنيفة لمذهبه بأشياء تدل على أن العرية ولا حجة في شيء منه . لأنه لا يلزم من كون أصل العرية العطية أن لا تطلق شرعا على صور أخرى . وقالت الهادوية وهو وجه في مذهب الشافعي أن رخصة العرايا مختصلة بالمحاويج الذين لا يجدون رطبا فيجوز لهم أن يشتروا منه بخرصه تمرا واستدلوا بما أخرجه الشافعي في مختلف الحديث عن زيد بن ثابت أنه سمي رجالا محاجين من الأنصارى شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا نقد في أيديهم يبتاعون به رطبا ويأكلون مع الناس وعندهم فضول قوتهم من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر ويجاب عن دعوى اختصاص العرايا بهذه الصورة أما أولا فبالقدح في هذا الحديث فإنه انكره محمد بن داود الظاهري على الشافعي وقال ابن حزم لم يذكر الشافعي له إسنادا فبطل . وأم ثانيا فعلى تسليم صحته لا منافاة بينه وبين الأحاديث الدالة على أن العرية أعم من الصورة التي اشتمل عليها ( والحاصل ) أن كل صورة من سور العرايا ورد بها حديث صحيح أو ثبتت عن أهل الشرع أو أهل اللغة فهي جائزة لدخولها تحت مطلق الأذن والتنصيص في بعض الأحاديث على بعض الصور لا ينافي ما ثبت في غيره : قوله " بخرصه " بفتح الخاء المعجمة وأشار ابن التين إلى جواز كسرها وجزم ابن العربي بالكسر وانكر الفتح وجوزهما النووي وقال الفتح أشهر قال ومعناه بقدر مافيه إذا صار تمرا فمن فتح قال هو اسم الفعل ومن كسر قال هو اسم للشيء المخروص قال في الفتح والخرص هو التخمين والحدس : قوله " يقول الوسق والوسقين " الخ استدل بهذا من قال أنه لا يجوز في بيع العرايا الا دون خمسة أوسق وهو الشافعية والحنابلة وأهل الظاهر قالوا لأن الأصل التحريم وبيع العرايا رخصة فيؤخذ بما يتحقق فيه الجواز ويلقي ما وقع فيه الشك ولكن مقتضى الاستدلال بهذا الحديث أن لا يجوز مجاوزة الأربعة الأوسق مع أنهم يجوزونها إلى دون الخمسة بمقدار يسير . والذي يدل على ما ذهبوا إليه حديث أبي هريرة الذي ذكرناه لقوله فيه دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق فيلقي الشك وهو الخمسة ويعمل بالمتيقن وهو ما دونها وقد حكى هذا القول صاحب البحر عن أبي حنيفة ومالك والقاسم وأبي العباس وقد عرفت ما سلف من تحقيق مذهب أبي حنيفة في العرايا وحكى في الفتح أن الراحج عند المالكية الجواز في الخمسة عملا برواية الشك واحتج لهم بقول سهل ابن أبي حثمة إن العرية ثلاثة أوسق أو أربعة أو خمسة قال في الفتح ولا حجة فيه لأنه موقوف وحكى الماوردي عن ابن المنذر أنه ذهب إلى تحديد ذلك بالأربعة الأوسق وتعقبه الحافظ بأن ذلك لم يوجد في شيء من كتب ابن المنذر . وقد حكى هذا المذهب ابن عبد البر عن قوم وهو ذهاب إلى ما فيه حديث جابر من الأقتصار على الأربعة وقد ترجم ابن حبان الاحتياط لا يزيد على أربعة أوسق . قال الحافظ وهذا الذي قاله يتعين المصير إليه وأما جعله حدا لا يجوز تجاوزه فليس بالواضح اه وذلك لان دون الخمسة المذكورة في حديث أبي هريرة يقضي بجواز الزيادة على الأربعة الا أن يجعل الدون مجملا مبينا بالأربعة كان واضحا ولكنه لا يخفى أنه لا إجمال في قوله " دون خمسة أوسق " لأنها تتناول ما صدق عليه الدون لغة وتما كان كذلك لا يقال له مجمل ومفهوم العدد في الأربعة لا يعارض المنطوق الدال على جواز الزيادة عليها : قوله " ولم يرخص في غير ذلك " فيه دليل على أنه لا يجوز شراء الرطب على رؤوس النخل بغير التمر والرطب . وفيه أيضا دليل على جواز الرطب المخروص على رؤوس النخل بالرطب المخروص على الأرض وهو رأي بعض الشافعية منهم ابن خيران . وقيل لا يجوز وهو رأي الاصطخري منهم وصححه جماعة وقيل إن كانا نوعا واحدا لم يجز إذ لا حاجة إليه وإن كانا نوعين جاز وهو رأي أبي إسحاق وصححه ابن أبي عصرون . وهذا كله فيما إذا كان أحدهما على النخل والآخر على الأرض وأما في غير ذلك فقد قدمنا الكلام عليه في الباب قبل هذا

باب بيع اللحم بالحيوان

1 - عن سعيد بن المسيب " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان " ز
- رواه مالك في الموطأ

- الحديث أخرجه أيضا الشافعي مرسلا من حديث سعيد وأبو داود في المراسيل ووصله الدارقطني في الغريب عن مالك عن الزهري عن سهل بن سعد وحكم بضعفه وصوب الرواية المرسلة المذكورة وتبعه ابن عبد البر وله شاهد من حديث ابن عمر عند البزار في إسناده ثابت بن زهير وهو ضعيف . وأخرجه أيضا من رواية أبي أمية بن يعلى عن نافع أيضا وأبو أمية ضعيف وله شاهد أقوى منه من رواية الحسن عن سمرة عند الحاكم والبيهقي وابن خزيمة وقد اختلف في صحة سماعه منه وروى الشافعي عن ابن عباس ان جزورا نحرت على عهد أبي بكر فجاء رجل بعناق فقال أعطوني منها فقال أبو بكر لا يصلح هذا وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف ولا يخفى إن الحديث ينتهض للاحتجاج بمجموع طرقه فيدل على عدم جواز بيع اللحم بالحيوان وإلى ذلك ذهبت العترة والشافعي إذا كان الحيوان مأكولا وإن كان غير مأكول جاز عند العترة ومالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه لاختلاف الجنس . وقال الشافعي في أحد قوليه لا يجوز لعموم النهي . وقال أبو حنيفة يجوز مطلقا واستدل على ذلك بعموم قوله تعالى { وأحل الله البيع } وقال محمد بن الحسن الشيباني إن غلب اللحم جاز ليقابل الزائد منه الجلد

باب جواز التفاضل والنسيئة في غير المكيل والموزون

1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى عبدا بعبدين "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي ولمسلم معناه

2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى صفية بسبعة أرؤس من دحية الكلبي "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه

- قوله " ولمسلم معناه " ولفظه عن جابر قال " جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الهجرة ولم يشعر أنه عبد فجاء سيده يريده فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعنيه واشتراه بعدبدين أسودين ثم لم يبايع أحدا بع حتى يسأله أعبد هو " وفي الحديثين دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا إذا كان يدا بيد وهذا مما خلاف فيه وإنما الخلاف في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وسيأتي . وقصة صفية أشار إليها البخاري في البيع وذكرها في غزوة خيبر

3 - وعن عبد الله بن عمرو قال " أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أبعث جيشا على إبل كانت عندي قال فحملت الناس عليها حتى نفدت الأبل وبقيت بقية من الناس قال فقلت يا رسول الله الأبل قد نقدت وقد بقيت بقية من الناس لا ظهر لهم فقال بي ابتع علينا ابلا بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى تنفذ هذا البعث قال وكنت أبتاع البعير بقلوصين وثثلاث قلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذت ذلك البعث فلما جاءت إبل الصدقة أداها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد وأبو داود والدارقطني بمعناه

4 - وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه " أنه باع جملا يدعى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل "
- رواه مالك في الموطأ والشافعي في مسنده

5 - وعن الحسن عن سمرة قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . وروى عبد الله بن أحمد مثله من رواية جابر بن سمرة

- حديث ابن عمرو في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف وقوى الحافظ في الفتح إسناده وقال الخطابي في إسناده مقال ولعله يعني من أجل محمد بن إسحاق ولكن قد رواه البيهقي في سننه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . وأثر علي عليه السلام هو م طريق الحسن بن محمد بن علي عن علي عليه السلام وفيه انقطاع بين الحسن وعلي . وقد روى عنه ما يعارض هذا فأخرج عبد الرزاق من طريق ابن المسيب عنه أنه كره بعيرا ببعيرين نسيئة . وروى ابن أبي شيبة عنه نحوه وحديث سمرة صححه ابن الجارود ورجاله ثقات كما قال في الفتح الا أنه اختلف في سماع الحسن من سمرة . وقال الشافعي هو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث جابر بن سمرة عزاه صاحب الفتح إلى زيادات المسند لعبد الله بن أحمد كما فعل المصنف وسكت عنه ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند البزار والطحاوي وابن حبان والدارقطني بنحو حديث سمرة قال في الفتح ورجاله ثقات الا انه اختلف في وصله وإرساله فرجح البخاري وغير واحد إرساله انتهى . قال البخاري حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة من طريق عكرمة عن ابن عباس رواه الثقات عن ابن عباس موقوفا . وعن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا ( وفي الباب ) أيضا عن ابن عمر عند الطحاوي والطبراني وعنه أيضا عند مالك في الموطأ والشافعي أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة . وذكره البخاري تعليقا وعنه أيضا عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة إنه سئل عن بعير بيعيرين فكرهه . وروى البخاري تعليقا عن ابن عباس ووصله الشافعي أنه قال قد يكون خيرا من البعيرين . وروى البخاري تعليقا أيضا عن رافع بن خديج ووصله عبد الرزاق أنه اشترى بعيرا ببعيرين فأعطه أحدهما وقال آتيك بالآخر غدا . وروى البخاري أيضا عن مالك وابن أبي شيبة عن ابن المسيب أنه أنه قال لا ربا في الحيوان . وروى البخاري أيضا وعبد الرزاق عن ابن سيرين أنه قال لا بأس ببعيرين . قوله " حتى نفدت الأبل " بفتح النون وكسر الفاء وفتح الدال المهملة وآخره تاء التأنيث . قوله " بقلائص " قال ابن رسلان جمع قلوص وهي الناقة الشابة : قوله " حتى نفدت ذلك البعث " بفتح النون وتشديد الفاء بعدها دال معجمة ثم تاء المتكلم أي حتى تجهز ذلك الجيش وذهب إلى مقصده والأحاديث والآثار المذكورة في الباب متعارضة كما ترى فذهب الجمهور إلى جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة متفاضلا مطلقا وشرط مالك أن يختلف الجنس ومنع من ذلك مطلقا مع النسيئة أحمد بن حنبل وأبو حنيفة وغيره من الكوفيين والهادوية وتمسك الأولون بحديث ابن عمرو وما ورد في معناه من الآثار وأجابوا عن حديث سمرة بما فيه من المقال . وقال الشافعي المراد به النسيئة من الطرفين لأن اللفظ يحتمل ذلك كما يحتمل النسيئة من طرف وإذ كانت النسيئة من الطرفين فهي من بيع الكاليء بالكاليء وهو لا يصح عند الجميع واحتج المانعون بحديث سمرة وجابر بن سمرة وابن عباس وما في معناها من الآثار وأجابوا عن حديث ابن عمرو بأنه منسوخ ولا يخفى ان النسخ لا يثبت الا بعد نقرر تأخر الناسخ ولم ينقل ذلك فلم يبق ههنا إلا الطلب لطريق الجمع إن أمكن ذلك أو المصير إلى التعارض قيل وقد أمكن الجمع بما سلف عن الشافعي ولكنه متوقف على صحة إطلاق النسيئة على بيع المعدوم بالمعدوم فإن ثبت ذلك في لغة العرب أو في اصطلاح الشرع فذاك وإلا فلا شك أن أحاديث النهي وإن كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال لكنها ثبتت من طريق ثلاثة من الصحابة سمرة وجابر بن سمرة وابن عباس وبعضها يقوي بعضا فهي أرجح من حديث واحد غير خال عن المقال وهو حديث عبد الله بن عمرو ولا سيما وقد صحح الترمذي وابن الجارود حديث سمرة فإن ذلك مرجح آخر . وأيضا قد تقرر في الأصول إن دليل التحريم أرجح من دليل الإباحة وهذا أيضا مرجح ثالث . وأما الآثار الواردة عن الصحابة فلا حجة فيها وعلى فرض ذلك فهي مختلفة كما عرفت

باب أن من باع سلعة بنسيئة لا يشتريها أقل مما باعهاز

1 - عن ابن إسحاق السبيعي عن امرأته " أنها دخلت على عائشة فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم فقالت يا أم المؤمنين أني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة وأني ابتعته منه بستمائة نقدا فقالت لها عائشة بئس ما اشتريت وبئس ما شريت إن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بطل إلا أن يتوب "
- رواه الدارقطني

- الحديث في إسناده الغالية بنت أيفع وقد روى عن الشافعي أنه لا يصح وقرر كلامه ابن كثير في إسناده وفيه دليل على أنه لا يجوز لمن باع شيئا بثمن نسيئة أن يشتريه من المشتري بدون ذلك الثمن نقدا قبل قبض الثمن الأول إما إذا كان المقصود التحيل لأخذ النقد في الحال ورد أكثر منه بعد أيام فلا شك إن ذلك من الربا المحرم الذي لا ينفع في تحليله الحيل الباطلة وسيأتي الخلاف في بيع العينة في الباب الذي بعد هذا . والصورة المذكورة هي صورة بيع العينة وليس في حديث الباب ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن هذا البيع ولكن تصريح عائشة بأن مثل هذا الفعل موجب لبطلان الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدل على أنها قد علمت تحريم ذلك بنص من الشارع إما على جهة العموم كالأحاديث القاضية بتحريم الربا الشامل لمثل هذه الصورة أو على جهة الخصوص كحديث العينة الآتي ولا ينبغي أن يظن بها أنها قالت هذه المقالة من دون أن تعلم بدليل على التحريم لأن مخالفة الصحابي لرأي صحابي آخر لا تكون من جهة الموجبات للإحباط

باب ما جاء في بيع العينة

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم "
- رواه أحمد وأبو داود . ولفظه " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم "

- الحديث أخرجه أيضا الطبراني وابن القطان وصححه . قال الحافظ في بلوغ المرام ورجاله ثقات . وقال في التلخيص وعندي إن إسناد الحديث الذي صححه ابن القطان معلول لأنه لا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحا لأن الأعمش مدلس ولم يذكر سماعه من عطاء وعطاء يحتمل أن يكون عطاء الخراساني فيكون فيه تدليس التسوية باسقاط نافع بين عطاء وابن عمر انتهى . وإنما قال هكذا لأن الحديث رواه أحمد والطبراني من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن عطاء عن ابن عمر ورواه أحمد وأبو داود من طريق عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر . وقال المنذري في مختصر السنن مالفظه في إسناده إسحاق بن أسيد أبو عبد الرحمن الخراساني نزيل مصر لا يحتج بحديثه وفيه أيضا عطاء الخراساني وفيه مقال انتهى . قال الذهبي فيل الميزان إن هذا الحديث مناكيره وقد ورد النهي عن العينة من طرق عقد لها البيهقي في سننه بابا ساق فيه جميع ما ورد في ذلك وذكر علله . وقال روى حديث العينة من وجهين ضعيفين عن عطاء بن أبي رياح عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال ورورى عن ابن عمر موقوفا أنه كره ذلك . قال ابن كثير وروى من وجه ضعيف أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا وبعضده حديث عائشة يعني المتقدم في الباب الذي قبل هذا وهذه الطرق يشد بعضها بعضا : قوله " بالعينة " بكسر العين المهملة ثم ياء تحتية ساكنة ثم نون . قال الجوهري العينة بالكسر السلف . وقال في القاموس وعين أخذ بالعينة بالكسر أي السلف أو أعطى بها قال والتاجر باع سلعته بثمن لي أجل ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن انتهى . قال الرافعي وبيع العينة هو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نفد أقل من ذلك القدر انتهى . قال ابن رسلان في شرح السنن وسميت هذا المبايعة عينة لحصول النقد لصاحب العينة لأن العين هو المال الحاضر والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره ليصل به إلى مقصورده اه . وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة مالك وأبو حنيفة وأحمد والهادوية وجوز ذلك الشافعي وأصحابه مستدلين على الجواز بما وقع من ألفاظ البيع التي لا يراد بها حصول مضمونه وطرحوا الأحاديث المذكورة في الباب واستدل ابن القيم على عدم جواز العينة بما روى عن الأوزاعي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع قال وهذا الحديث وإن كان مرسلا فإنه صالح للاعتضاد به بالأتفاق وله من المسندات ما يشهد له وهي الأحاديث الدالة على تحريم العينة فإنه من المعلوم إن العينة عند من يستعملها إنما يسميها بيعا وقد اتفقا على حقيقة الربا الصريح قبل العقد ثم غير اسمها إلى المعاملة وصورتها إلى التبايع الذي لا قصد لهما فيه البتة وإنما هو حيلة ومكر وخديعة لله تعال فمن أسهل الحيل على من أراد فعله أن يعطيه مثلا ألفا الا درهما باسم القرض ويبيعه خرقة تساوي درهما بخمسمائة درهم : وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " إنما الأعمال بالنيات " أصل في إبطال الحيل فإن من أراد أن يعامله معاملة يعطيه فيها ألفا بألف وخمسمائة أنما نوى بالأقراض تحصيل الربح الزائد الذي أظهر أنه ثمن الثوب فهو في الحقيقة أعطاه الفا حالة بالف وخمسمائة مؤجلة وجعل صورة القرض وصورة البيع محللا لهذا المحرم ومعلوم إن هذا لا يرفع التحريم ولا يرفع المفسدة التي حرم الربا لاجلها بل يزيدها قوة وتأكيدا من وجوه عديدة منها أنه يقدم على مطالبة الغريم المحتاج من جهة السلطان والحكام اقداما لا يفعله المربى لأنه واثق بصورة العقد الذي تحيل به . هذا معنى كلام ابن القيم
قوله " واتبعوا أذناب البقر " المراد الاشتغال بالحرث . وفي الرواية الأخرى " وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع " وقد حمل هذا على الأشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد . قوله " وتركوا الجهاد " أي المتعين فعله . وقد روى الترمذي بإسند صحيح عن ابن عمر " كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى الجماعة فضالة بن عبيد فحمل من المسلمين على صف الروم حتى دخل بينهم فصاح المسلمون وقالوا سبحان الله يلقى بيده إلى التهلكة فقام أبو أيوب فقال يا أيها الناس إنكم لتأولون هذا التأويل وإنما نزلت هذه الآية لما أعز الله الكلام وكثر ناصروه فقال بعضنا لبعض سرا أن أموالنا قد ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منا فأنزل الله على نبيه ما يرد علينا فقال { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } فكانت التهلكة الأموال واصلاحها وترك الغزو : قوله " ذلا " بضم الذال المعجمة وكسرها أي صغارا ومسكنة . ومن أنواع الذل الخراج الذي يسلمونه كل سنة لملاك الأرض وسبب هذا الذل والله أعلم أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الاسلام وإظهاره على كل دين عاملهم الله بنقيضه وهو انزال الذلة بهم فصاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعز مكان : قوله " حتى ترجعوا إلى دينكم " فيه زجر بليغ لأنه نزل الوقوع في هذه الأمور منزلة الخروج من الدين وبذلك تمسك من قال بتحريم العينة وقيل إن دلالة الحديث على تحريم غير واضحة لأنه قرن العينة بالأخذ بأذناب البقر والأشتغال بالزرع وذلك غير محرم وتوعد عليه بالذل وهو لا يدل على التحريم ولكنه لا يخفى ما في دلالة الاقتران من التضعف ولانسلم إن الوعد بالذل لا يدل على التحريم لان طلب أسباب العزة الدينية وتجنب أسباب الذلة المنافية للدين واجبان على كل مؤمن وقد توعد على ذلك بإنزال البلاء وهو لا يكون إلا لذنب شديد وجعل الفاعل لذلك بمنزلة الخارج من الدين المرتد على عقبه وصرحت عائشة بأنه من المحبطات للجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحديث السالف وذلك إنما هو شأن الكبائر

باب ما جاء في الشبهات

1 - عن النعمان بن بشير " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما يشتبه عليه من الأثم كان لما استبان أترك وم أجترأ على ما يشك فيه من الأثم أو شك أو يواقع ما استبان والمعاصي حمي الله من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه "
- متفق عليه

- قوله " الحلال بين " الخ فيه تقسم للأحكام إلى ثلاثة أشياء وهو تقسيم صحيح لان الشيء إما أن ينص الشارع على طلبه مع الوعيد على تركه أو ينص على تركه مع الوعيد على فعله أو لانيص على واحد منهما . فالأول الحلال البين . والثاني الحرام البين . والثالث المشتبه لخفائه فلا يدري احلال هو أم حرام وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه لانه إن كان في نفس الأمر حراما فقد برئ من التبعة وإن كان حلالا فقد استحق الأجر على الترك لهذا القصد لأن الأصل مختلف فيه حظرا وإباحة . وهذا التقسيم قد وافق قول من قال ممن سيأتي إن المباح والمكروه من المشبهات ولكنه يشكل عليه المندوب فإنه لا يدخل في قسم الحلال البين على ما زعمه صاحب هذا التقسيم والمراد بكون كل واحد من القسمين الأولين بينا أنه مما لا يحتاج إلى بيان أو مما يشترك في معرفته كل أحد وقد يرد أن جميعا أي ما يدل على الحل والحرمة فإن علم المتأخر منهما فذاك وإلا كان ما ورد فيه القسم الثالث : قوله " أمور مشتبهة " أي شبهت بغيرها مما لم يتبين فحكمه على التعيين زاد في رواية للبخاري " لا يعلمها كثير من الناس " أي لا يعلم حكمها وجاء واضحا في رواية للترمذي ولفظه " لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام " ومفهوم قوله كثير أن معرفة حكمها ممكن لكن للقليل من الناس وهم المجتهدون فالشبهات على هذا في حق غيرهم وقد تقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح أحد الدليلين . قوله " والمعاصي حمى الله " في رواية للبخاري وغيره " ألا أن حمى الله تعالى في أرضه محارمه " والمراد بالمحارم والمعاصي فعل المنهى المحرم أوترك المأمور الواجب والحمي المحمي أطلق المصدر على اسم المفعول . وفي اختصاص التمثيل بالحمى نكتة وهي إن ملوك العرب كانوا يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مخصبة يتوعدون من رعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديدة فمثل لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما هو مشهور عندهم فالخائف من العقوبة المراقب لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية أن تقع مواشيه في شيء منه فبعده أسلم له وغير الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه فلا يأمن أن يقع الخصب في الحمى فال يملك نفسه أن يقع فيه فالله سبحانه هو الملك حقا وحماه محارمه ( وقد اختلف ) في حكم الشبهات فقيل التحريم وهو مردود وقيل الكراهة . وقيل الوقف وهو كالخلاف فيما قبل الشرع واختلف العلماء أيضا في تفسير الشبهات . فمنهم من قال إنها ما تعارضت فيه الأدلة . ومنهم من قال إنها ما اختلف فيه العلماء وهو منتزع من التفسير الأول . ومنهم من قال إن المراد بها قسم المكروه لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك ومنهم من قال هي المباح ونقل ابن المنير عن بعض مشايخه أنه كان يقول المكروه عقبة بين العبد والحرام فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام والمباح عقبة بينه وبين المكروه فمن استكثر من تطرق إلى المكروه . ويؤيد هذا ما وقع في رواية لابن حبان من الزيادة بلفظ " اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه " قال في الفتح بعد أن ذكر التفاسير للمشتبهات التي قدمناها ما لفظه والذي يظهر لي رجحان الوجه الأول قال ولا يبعد أن يكون كل من الأوجه مرادا ويختلف ذلك باختلاف الناس فالعالم الفطن عليه تمييز الحكم فلا يقع له ذلك إلا في الاستكثار من المباح أو المكروه وم دونه تقع له الشبهة في جميع ما ذكر بحسب اختلاف الأحوال ولا يخفى أن المستكثر من المكروه تصير فيه جراءة على ارتكاب المنهي في الجملة أو يحمله اعتياده لارتكاب المنهي غير المحرم على ارتكاب المنهي المحرم أو يكون ذلك لسر فيه وهو أن من تعاطي مانهى عنه يصير مظلم القلب لفقدان نور الورع فيقع في الحرام ولو لم يختر الوقوع فيه ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم " فمن ترك ما يشتبه عليه من الإثم " الخ . ( وأعلم أن العلماء ) قد عظموا أمر هذا الحديث فعدوه رابع أربعة تدور عليها الأحكام كما نقل عن أبي داود وغيره وقد جمعها من قال
عمدة الدين عندنا كلمات مسندات من قول خير البرية
اترك الشبهات وازهد ودع ما ليس بعينيك واعملن بنية
والإشارة بقوله ازهد إلى حديث " ازهد فيما في أيدي الناس " أخرجه ابن ماجه وحسن إسناده الحافظ وصححه الحاكم عن سهل بن سعد مرفوعا بلفظ " ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس " وله شاهد عند أبي نعيم من حديث أنس ورجاله ثقات . والمشهور عن أبي داود عد حديث " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه " مكان حديث " ازهد " المذكور . وعد حديث الباب بعضهم ثالث ثلاثة وحذف الثاني وأشار ابن العربي أنه يمكن أن ينزع منه وحده جميع الأحكام قال القرطبي لأنه اشتمل على التفصيل بين الحلال وغيره وعلى تعلق جميع الأعمال بالقلب فمن هناك يمكن أن ترد جميع الأحكام إليه . وقد ادعى أبو عمر الداني أن هذا الحديث لم يروه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير النعمان بن بشير فمن أراد من وجهه صحيح فمسلم وان أراد على الإطلاق فمردود فإنه في الأوسط للطبراني من حديث ابن عمر وعمار وفي الكبير له من حديث ابن عباس وفي الترغيب للأصبهاني من حديث وائلة وفي أسانيدها مقال كما قال الحافظ

2 - وعن عطية السعدي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس "
- رواه الترمذي

3 - وعن أنس قال " ان كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليصيب التمرة فيقول لولا أني أخشى أنها من الصدقة لأكلتها "
- متفق عليه

4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما فليأكل من طعامه ولا يسأله عنه وإن سقاه شربا من شرابه فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه "
- رواه أحمد

5 - وعن أنس بن مالك " قال إذا دخلت على مسلم لا يتهم فكل من طعامه واشرب من شرابه "
- ذكره البخاري في صحيحه

- حديث عطية السعدي حسنه الترمذي وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن أبي الدرداء نحوه ولفظه " تمام التقوى أن يتقي الله حتى يترك ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما " . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي ضعفه الجمهور وقد وثق قال في مجمع الزوائد وبقية رجال أحمد رجال الصحيح . هذه الأحاديث ذكرها المصنف رحمه الله للإشارة إلى ما فيه شبهة كحديث أنس وإلى ما لا شبهة فيه كحديث أبي هريرة وقد ذكر البخاري في تفسير الشبهات حديث عقبة بن الحرث في الرضاع لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " كيف وقد قيل " وحديث عائشة في قصة ابن وليدة زمعة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " واحتجبي منه يا سودة " فإن الظاهر أن الأمر بالمفارقة في الحديث الأول والاحتجاب في الثاني لأجل الاحتياط وتوقي الشبهات وفي ذلك نزاع يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . قال الخطابي ما شككت فيه فالورع اجتنابه وهو على ثلاثة أقسام واجب ومستحب ومكروه فالواجب اجتناب ما يستلزم ارتكاب المحرم والمندوب اجتناب معاملة من أكثر ماله حرام والمكروه اجتناب الرخص المشروعة اه . وقد أرشد الشارع إلى اجتناب ما لا يتيقن المرء حله بقوله ما يريبك غل ىما لا يريبك واخرجه الترمذي والنسائي وأحمد وابن حبان والحاكم من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما ( وفي الباب ) عن أنس عند أحمد . وعن ابن عمر عند الطبراني وعن أبي هريرة ووائلة بن الأسقع . ومن قول ابن عمر وابن مسعود وغيرهما . وروى البخاري وأحمد وأبو نعيم عن حسان بن أبي سنان البصري أحد العباد في زمن التابعين أنه إذا شككت في امر فاتركه . ولأبي نعيم من وجه آخر أنه اجتمع يونس ابن عبيد وحسان بن أبي سنان فقال يونس ما عالجت شيئا أهون علي منه قال كيف قال حسان تركت ما يريبني إلى ما لا يريبني فاسترحت . قال الغزالي الورع أقسام ورع الصديقين وهو ترك ما لم يكن عليه ببنية واضحة . وورع المتقين وهو ترك ما لا شبهة فيه ولكن يخشى أن يجر إلى الحرام . وورع الصالحين وهو ترك ما يتطرق إليه احتمال التحريم بشرط أن يكون لذلك الاحتمال موقع فإن لم يكن فهو روع الموسوسين . قال ووراء ذلك ورع الشهود وهو ترك ما يسقط الشهادة أي أعم من أن يكون ذلك متروك حراما أم لا اه . وقد أشار البخاري إلى أن الوساوس ونحوها ليست من الشبهات . فقال باب من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات . قال في الفتح هذه الترجمة معقودة لبيان ما يكره من التنطيع في الورع

أبواب أحكام العيوب

باب وجوب تبيين العيب

1 - عن عقبة بن عامر قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول المسلم أخو المسلم لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بينه له "
- رواه ابن ماجه

2 - وعن واثلة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل لاحد أن يبيع شيئا الا بين مافيه ولا يحل لأحد يعلم ذلك الا بينه "
- رواه أحمد

3 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر برجل يبيع طعاما فادخل يده فيه فإذا هو مبلول فقال من غشنا فليس منا "
- رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي

4 - وعن العداء بن خالد بن هوذة قال " كتب لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابا هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله اشترى منه عبدا أو أمة لاداء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم المسلم "
- رواه ابن ماجه والترمذي

- حديث عبقة أخرجه أيضا أحمد والدارقطني والحاكم والطبراني من حديث أبي شماسة عنه على يحيى بن أيوب وتابعه ابن لهيعة قال في الفتح وإسناده حسن وحديث واثلة أخرجه أيضا ابن ماجه والحاكم في المستدرك وفي إسناد أحمد أبو جعفر الرازي وأبو سباع والأول مختلف فيه والثاني قيل إنه مجهول . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الحاكم وفيه قصة وادعى أن مسلما لم يخرجها فلم يصب . وقد أخرج نحوه أحمد والدارمي من حديث ابن عمر وابن ماجه من حديث أبي الحمراء والطبراني وابن حبان في صحيحه من حديث ابن مسعود وأحمد من حديث أبي بردة بن نيار والحاكم من حديث عمير بن سعيد عن عمه . وحديث العداء أخرجه أيضا النسائي وابن الجارود وعلقه البخاري . قوله " لا يحل لمسلم " الخ وكذلك قوله " لا يحل لأحد " الخ فيهما دليل على تحريم كتم اليب ووجوب تبيينه للمشتري . قوله " فليس منا " لفظ مسلم " فليس مني " قال النووي كذا في الأصول ومعناه ليس ممن اهتدى بهدبي واقتدى بعلمي وعملي وحسن طريقتي كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله لست مني وهكذا في نظائره مثل قوله " من حمل علينا السلاح فليس منا " وكان سفيان ابن عيينة يكره تفسير مثل هذا ويقول بئس مثل القول بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر اه وهو يدل على تحريم الغش وهو مجمع على ذلك قول " العداء " بفتح العين المهملة وتشديد الدال المهملة أيضا وآخره همزة بوزن الفعال وهوذة هو ابن ربيعة بن عمرو بن عامر أبو صعصعة والعداء صحابي قليل الحديث أسلم بعد حنين . قوله " لاداء " قال المطرزي المراد به الباطن سواء ظهر منه شيء أم لا كوجع الكبد والسعال . وقال ابن المنير لا داء أي يكتمه البائع وإلا فلو كان بالعبد داء وبينه البائع كان من بيع المسلم للمسلم ( ومحصله ) إنه لم يرد بقوله لا داء نفي الداء مطلقا بل نفى داء مخصوص وهو مالم يطلع عليه . قوله " ولا غائلة " قيل المراد بها إلا باق . وقال ابن بطال هو من قولهم اغتالني فلان إذا احتال بحيلة سلب بها مالي . قوله " ولا خبثة " بكسر المعجمة وبضمها وسكون الموحدة وبعدها مثلثة قيل المراد الاخلاق الخبيثة كالاباق . وقال صاحب العين هي الدنية وقيل المراد الحرام كما عبر عن الحلال بالطيب وقيل الداء كان في الخلق بفتح الخاء والخبثة ما كان في الخلق بضمها والغائلة سكوت البائع عن بيان من مكروه في المبيع قاله ابن العربي

باب أن الكسب الحادث لا يمنع الرد بالعيب

1 - عن عائشة " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن الخراج بالضمان "
- رواه الخمسة . وفي رواية " أن رجلا ابتاع غلاما فاستغله ثم وجد به عيبا فرده بالعيب فقال البائع غلة عبدي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الغلة بالضمان " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . وفيه حجة لمن يرى تلف العبد المشتري قبل القبض من المشتري

- الحديث أخرجه أيضا الشافعي وأبو داود الطيالسي وصححه الترمذي وابن حبان وابن الجارود والحاكم وابن القطان ( ومن جملة ) من صححه ابن خزيمة كما حكى ذلك عنه في بلوغ المرام وحكى عنه في التلخيص أنه قال لا يصح وضعفه البخاري . ولهذا الحديث في سنن أبي داود ثلاث طرق اثنتان رجالهما رجال الصحيح والثالثة قال أبو داود إسنادها ليس بذاك ولعل سبب ذلك أن فيه مسلم بن خالد الزنجي شيخ الشافعي وقد وثقه يحيى بن معين وتابعه عمر بن علي المقدمي وهو متفق على الأحتجاج به : قوله " إن الخراج بالضمان " الخراج هو الدخل والمنفعة أي يملك المشتري الخراج الحاصل من المبيع بضمان الأصل الذي عليه أي بسببه فالباء سببية فإذا أشترى الرجل أرض فاستغلها أو ذآبة فركبها أو عبدا فاستخدمه ثم وجد به عيبا قديما فله الرد ويستحق الغلة في مقابلة الضمان للمبيع الذي كان عليه . وظاهر الحديث عدم الفرق بين الفوائد الأصلية والفرعية وإلى ذلك ذهب الشافعي وفصل مالك فقال يستحق المشتري الصوف والشعر دون الولد وفرق أهل الرأي والهادوية بين الفوائد الفرعية والأصلية فقالوا يستحق المشتري الفرعية كالكراء دون الأصلية كالولد والثمر وهذا الخلاف إنما هو مع انفصال الفوائد عن المبيع وأما إذا كانت متصلة وقت الرد ردها الإجماع قيل إن هذا الحكم مختص بمن له ملك في العين التي انتفع بخراجها كالمشتري الذي هو سبب ورود الحديث وإلى ذلك مال الجمهور . وقالت الحنفية إن الغاصب كالمشتري قياسا ولا يخفى ما في هذا القياس لان الملك فارق يمنع الالحاق والأولى أن يقال أن الغاصب داخل تحت عموم اللفظ ولا عبرة بخصوص السبب كما تقرر في الأصول : " قوله فاستغله " بالغين المعجمة وتشديد اللام أي أخذ غلته

باب ما جاء في المصراة

1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تصروا الأبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ان رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر "
- متفق عليه . وللبخاري وأبي داود " من اشترى غنما مصراة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر وهو دليل على أن الصاع من التمر في مقابلة اللبن وأنه أخذ قسطا من الثمن " . وفي رواية " إذا ما اشترى أحدكم لقحة مصراة أو شاة مصراة فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها أما هي وإلا فليردها وصاعا من تمر " رواه مسلم وهو دليل على أنه يمسك بغير أرش . وفي رواية " من اشترى مصراة فهو منها بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ومعها صاعا من تمر لا سمراء " رواه الجماعة إلا البخاري

2 - وعن أبي عثمان النهدي قال " قال عبد الله من اشترى محفلة فردها فليرد معها صاعا "
- رواه البخاري والبرقاني على شرطه وزاد " من تمر "

- قوله " لاتصروا " بضم أوله وفتح الصاد المهملة وضم الراء المشددة من صربت اللبن في الضرع إذا جمعته وظن بعضهم أنه من صروت فقيده بفتح أوله وضم ثانيه . قال في الفتح والأول أصح قال لأنه لو كان من صررت لقيل مصرورة أو مصررة لا مصراة على أنه سمع الأمر إن في كلام العرب ثم استدل على ذلك بشاهدين عربيين ثم قال وضبطه بعضهم بضم أوله وفتح ثانيه بغير واو على البناء للمجهول والمشهور الأول اه . قال الشافعي التصرية هي ربط اخلاف الشاة أو الناقة وترك حلبها حتى يجتمع لبنها فيكثر فيظن المشتري أن ذلك عادتها فيزيد في ثمنها لما يرى من كثرة لبنها . وأصل التصرية حبس الماء يقال منه صريت الماء إذا حبسته قال أبو عبيدة وأكثر أهل اللغة التصرية حبس اللبن في الضرح حتى يجتمع وإنما اقتصر على ذكر الأبل والغنم دون البقر لأن غالب مواشيهم كانت من الأبل والغنم والحكم واحد خلافا لداود : قوله " فمن ابتاعها بعد ذلك " أي اشتراها بعد التصرية : قوله " بعد أن يحلبها " ظاهره إن الخيار لا يثبت الا بعد الحلب والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار على الفور ولو لم يجلب لكن لما كانت التصرية لا يعرف غالبها الا بعد الحلب جعل قيدا في ثبوت الخيار قوله " إن رضيها أمسكها " استدل بهذا على صحة بيع المصراة مع ثبوت الخيار : قوله " وصاعا من تمر " الواو عاطفة على الضمير في ردها ولكنه يعكر عليه إن الصاع مدفوع ابتداء لامر دود ويمكن أن يقال أنه مجاز عن فعل يشمل الأمرين نحو سلمها أو أدفعها كما في قول الشاعر علقتها تبنا وماء باردا . أي ناولتها ويمكن أن يقدر قبل آخر يناسب المعطوف أي ردها وسلم أو أعط صاعا من تمر كما قيل أن التقدير في قول الشاعر المذكور وسقيتها ماء باردا . وقيل يجوز أن تكون الواو بمعنى مع ولكنه يعكر عليه قول جمهور النحاة إن شرط المفعول معه إن يكون فاعلا في المعنى نحو جئت أنا وزيدا . وقمت أنا وزيدا نعم جعله مفعولا معه صحيح عند من قال بجواز مصاحبته للمفعول به وهم القليل : وقد استدل بالتنصيص على الصاع من التمر على أنه لا يجوز رد اللبن ولو كان باقيا على صفته لم يتغير ولا يلزم البائع قبوله لذهاب طراوته واختلاطه بما تجدد عند المشتري : قوله " لقحة " هي الناقة الحلوب أو التي نتجت . قوله " ثلاثة أيام " فيه دليل على امتداد الخيار هذا المقدار فتقيد بهذه الرواية الروايات القاضية بأن الخيار بعد الحلب على الفور كما في قوله " بعد أن يحلبها " وإلى هذا ذهب الشافعي والهادي والناصر وذهب بعض الشافعية إلى أن الخيار على الفور وحملوا ورواية الثلاث على ما إذا لم يعلم إنها مصراة قبل الثلاث قالوا وإنما وقع التنصيص عليها لأن الغالب أنه لا يعلم بالتصرية فيما دونها
واختلفوا في ابتداء الثلاث فقيل من وقت بيان التصرية وإليه ذهبت الحنابلة وقيل من حين العقد وبه قال الشافعي . وقيل من وقت التفرق قال في الفتح ويلزم عليه أن يكون الفور أوسع من الثلاث في بعض الصور وهو ما ذا تأخر ظهور التصريح إلى آخر الثلاث ويلزم عليه أن تحسب المدة قبل التمكن من الفسخ وأن يفوت المقصود من التوسع بالمدة اه : قوله " من تمر لاسمراء " لفظ مسلم وأبي داود " من طعام لاسمراء " وينبغي أن تحمل الطعام على التمر المذكور في هذه الرواية وفي غيرها من الروايات ثم لما كان المتبادر من لفظ الطعام القمح نفاه بقوله لا سمراء ويشكل على هذا الجمع مافي رواية للبزار بلفظ " صاع من بر لا سمراء " وأجيب عن ذلك بأنه يحتمل أن يكون على وجه الرواية بالمعنى لما ظن الراوي أن الطعام مساو للبر عبر عنه بالبر لان المتبادر من الطعام البركما سلف في الفطرة ويشكل على ذلك الجمع أيضا ما في مسند أحمد بإسناد صحيح كما قال الحافظ عن رجل من الصحابة بلفظ " صاعا من طعام أو صاعا من تمر " فإن التخيير يقتضي المغايرة : وأجاب عنه في الفتح باحتمال أن يكون شكا من الراوي والاحتمال قادح في الاستدلال فينبغي الرجوع إلى الروايات التي لم تختلف . ويشكل أيضا ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر بلفظ " ردها ورد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا " وأجاب عن ذلك الحافظ بأن إسناد الحديث ضعيف قال وقال ابن قدامة أنه متروك الظاهر بالأتفاق : قوله " محفلة " بضم الميم وفتح الحاء المهملة والفاء المشددة من التحفيل وهو التجمع قال أبو عبيده سميت بذلك لكون اللبن يكثر في ضرعها وكل شيء كثرته فقد حفلته . تقول ضرع حافل أي عظيم واحتفل القوم إذا كثر جمعهم ومنه سمي المحفل . وقد أخذ بظاهر الحديث الجمهور وقال في الفتح وافتي به ابن مسعود وأبو هريرة ولا مخالف لهما في الصحابة . وقال به من التابعين ومن بعدهم لا يحصى عدده ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلا كان أو كثيرا ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد أم لا وخالف في أصل المسألة أكثر الحنفية وفي فروعها آخرون أما الحنفية فقالوا لا يرد بعيب التصرية ولا يجب رد الصاع من التمر وخالفهم زفر فقال بقول الجمهور إلا أنه قال مخير بين صاع من التمر أو نصف صاع من بر . وكذا قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف في رواية إلا أ هما قالا لا يتعين صاع التمر بل قيمته . وفي رواية عن مالك وبعض الشافعية كذلك ولكن قالوا يتعين قوت البلد قياسا على كل زكاة الفطر . وحكى البغوي أنه لا خلاف في مذهب الشافعية أنهما لو تراضيا بغير التمر من قوت أو غيره كفى وأثبت ابن كج الخلاف في ذلك . وحكى الماوردي وجهين فيما إذا عجز عن التمر هل يلزمه قيمته ببلد أو بأقرب البلاد التي فيها التمر إليه وبالثاني قالت الحنابلة اه كلام الفتح : والهادوية يقولون أن الواجب رد اللبن إن كان باقيا وإن كان تالفا فمثله وإن لم يوجد المثل فالقيمة
وقد اعتذر الحنفية عن حديث المصراة بأعذار بسطها صاحب فتح الباري وسنشير إلى ما ذكره باختصار ونزيد عليه ما لا يخلو عن فائدة العذر الأول الطعن في الحديث بكون راوية أبا هريرة وقالوا لم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة فلا يؤخذ بما يرويه إذا كان مخالفا للقياس الجلي وبطلان هذا العذر أوضح من أن يشتغل ببيان وجهه فإن أبا هريرة رضي الله عنه من أحفظ الصحابة وأكثرهم حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بالحفظ كما ثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة بسطه لردائه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن كان بهذه المنزلة لا ينكر عليه تفرده بشيء من الأحكام الشرعية . وقد اعتذر رضي الله عنه عن تفرده بكثير مما لا يشاركه فيه غيره بما ثبت عنه في الصحيح من قوله أن أصحابي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا . وأيضا لو سلم ما ادعوه من أنه ليس كغيره في الفقه لم يكن ذلك قادحا في الذي يتفرد به لأن كثيرا من الشريعة بل أكثرها وارد من غير طريق المشهورين بالفقه من الصحابة فطرح حديث أبي هريرة يستلزم طرح شطر الدين على أن أبا هريرة لم ينفرد برواية هذا الحكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل رواه معه ابن عمر كما أخرج ذلك من حديثه أبو داود والطبراني وأنس كما أخرجه ذلك من حديثه أو يعلى وعمرو بن عوف المزني كما أخرج ذلك عنه البيهقي ورجل من الصحابة لم يسم كما أخرجه أحمد بإسناد صحيح وابن مسعود كما أخرجه الإسماعيلي وإن كان قد خالفه الأكثر ورووه موقوفا عليه كما فعل البخاري وغيره وتبعهم المصنف ولكن مخالفة ابن مسعود للقياس الجلي مشعرة بثبوت حديث أبي هريرة . قال ابن عبد البر ونعم ما قال ان هذا الحديث مجمع على صحته وثبوته من جهة النقل واعتل من لم يأخذ به بأشياء لا حقيقة لها . العذر الثاني من أعذار الحنفية الاضطراب في متن الحديث قالوا لذكر التمر فيه تارة والقمح أخرى واللبن أخرى واعتبار الصاع تارة والمثل أو المثلين أخرى وأجيب بأن الطرق الصحيحة لا اختلاف فيها والضعيف لا يعل به الصحيح . العذر الثالث أنه معارض لعموم قوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وأجيب بأنه من ضمان المتلفات لا العقوبات ولو سلم دخوله تحت العموم فالصاع مثل لأنه عوض المتلف وجعله مخصوصا بالتمر دفا للشجار ولو سلم عدم صدق المثل عليه فعموم الآية مخصص بهذا الحديث اما على مذهب الجمهور فظاهر وأما على مذهب غيرهم فلأنه مشهور وهو صالح لتخصيص العمومات القرآنية . العذر الرابع أن الحديث منسوخ وأجيب بأن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال ولو كفى ذلك لرد من شاء ما شاء واختلفوا في تعيين الناسخ فقال بعضهم هو حديث ابن عمر عند ابن ماجه في النهي عن بيع الدين بالدين وذلك لأن لبن المصراة قد صار ينافي ذمة المشتري فإذا ألزم بصاع من تمر صار دينا بدين كذا قال الطحاوي وتعقب بأن الحديث ضعيف باتفاق المحدثين ولو سلمت صلاحيته فكون ما نحن فيه من بيع الدين بالدين ممنوع لأنه يرد الصاع من الصراة حاضرا لا نسيئة من غير فرق بين أن يكون اللبن موجودا أو غير موجود ولو سلم أنه من بيع الدين بالدين فحديث الباب مخصص لعموم ذلك النهي لأنه أخص منه مطلقا . وقال بعضهم أن ناسخه حديث الخراج بالضمان وقد تقدم وذلك لأن اللبن فضلة من فضلات الشاة ولو تلفت لكانت من ضمان المشتري فتكون فضلاتها له وأجيب بأن المغروم هو ما كان فيها قبل البيع لا الحادث وأيضا حديث الخراج بالضمان بعد تسليم شمولة المحل النزاع عام مخصوص بحديث الباب فكيف يكون ناسخا
وايضا لم ينقل تأخره والنسخ لا يتم بدون ذلك ثم لو سلمنا مع عدم العلم بالتاريخ جواز المصير إلى التعارض وعدم لزوم بناء العام على الخاص لكان حديث الباب أرجح لكونه في الصحيحين وغيرهما ولتأيده بما ورد في معناه عن غير واحد من الصحابة . وقال بعضهم ناسخة الأحاديث الوادرة في رفع العقوبة بالمال هكذا قال عيسى بن ابان وتعقبه الطحاوي بأن التصرية إنما وجدت من البائع فلو كان من ذلك الباب لكانت العقوبة له والعقوبة في حديث المصراة للمشتري فافترقا وأيضا عموم الأحاديث القاضية بمنع العقوبة بالمال على فرض ثبوتها مخصوصة بحديث المصراة وقد قدمنا البحث في التأديب بالمال مبسوطا في كتاب الزكاة . وقال بعضهم ناسخه حديث " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " وقد تقدم بذلك أجاب محمد بن شجاع . ووجه الدلالة أن الفرقة قاطعة للخيار من غير فرق بين المصراة وغيرها . وأجيب بأن الحنفية لا يثبتون خيار المجلس كما سلف فكيف يحتجون بالحديث المثبت له . وأيضا بعد تسليم صحة احتجاجهم به هو مخصص بحديث الباب . وأيضا قد أثبتوا خيار العيب بعد التفريق وما هو جوابهم فهو جوابنا . العذر الخامس أن الخبر من الآحاد وهي لا تفيد إلا الظن وهو لا يعلم به إذا خالف قياس الأصول وقد تقرر أن المثلى يضمن بمثله والقيمى بقيمته من أحد النقدين فكيف يضمن بالتمر على الخصوص وأجيب بأن التوقف في خبر الواحد إنما هو إذا كان مخالفا للأصول لا لقياس الأصول والأصول الكتاب والسنة والإجماع والقياس والأولان هما الأصل والآخران مردودان إليهما فكيف يرد الأصل بالفرع ولو سلم أن الآحادي يتوقف فيه على الوجه الذي زعموا فلا أقل لهذا الحديث الصحيح من صلاحيته تخصيص ذلك القياس المدعي . وقد أجيب عن هذا العذر بأجوبة غير ما ذكر ولكن أمثلها ما ذكرناه . ومن جملة ما خالف فيه هذا الحديث القياس عندهم أن الأصول تقتضي أن يكون الضمان بقدر التالف وهو مختلف وقد قد ههنا بمقدار معين وهو الصاع وأجيب بمنع التعميم في جميع المضمونات فإن الموضحة أرشها مقدار مع اختلافها بالكبر والصغر وكذلك كثير من الجنايات . والغرة مقدرة في الجنين مع اختلافه
( والحكمة ) في تقدير الضمان ههنا بمقدار واحد لقطع التشاجر لما كان قد اختلط اللبن الحادث بعد العقد باللبن الموجود قبله فلا يعرف مقداره حتى يسلم المشتري نظيره
( والحكمة ) في التقدير بالتمر أنه أقرب الأشياء إلى اللبن لأنه كان قوتهم إذ ذاك كالتمر ( ومن جملة ) ما خالف به الحديث القياس عندهم أنه جعل الخيار فيه ثلاثا مع أن خيار العيب لا يقدر بالثلاث وكذلك خيار الرؤية والمجلس وأجيب بأن حكم المصراة تفرد بأصله عن مماثلة فلا يستغرب أن ينفرد بوصف يخالف غيره وذلك لأن هذه المدة هي التي يتبين بها لبن الغرر بخلاف خيار والمجلس فلاج مدة
( ومن جملة ) ما خالف به القياس عندهم أنه يلزم من الأخذ به الجمع بين العوض والمعوض فيما إذا كان قيمة الشاة صاعا من تمر فإنها ترجع إليه مع الصاع الذي هو مقدار ثمنها وأجيب بأن التمر عوض اللبن لاعوض الشاة فلا يلزم ما ذكر
( ومن جملة ) ما خالف به القياس عندهم أنه إذا استرد مع الشاة صاعا وكان ثمن الشاة صاعا كان قد باع شاة وصاع بصاع فيلزم الربا وأجيب بأن الربا إنما يعتر في العقود لا في الفسوخ بدليل أنهما لو تبايعا ذهبا بفضة لم يجز أن يتفرقا قبل القبض ولو تقابلا في هذا العقد بعينه جاز التفرق قبل القبض . ( ومن جملة ) المخالفة أنه يلزم من الأخذ به ضمان الأعيان مع بقائها فيما إذا كان اللبن موجودا وأجيب بأنه تعذر رده لاختلاطه باللبن الحادت وتعذر تميزه فأشبه الآبق بعد الغصب فإنه يضمن قيمته مع بقاء عينة لتعذر رده ومنهما أنه يلزم من الأخذ به إثبات الرد بغير عيب ولا شرط وأجيب بأن اسباب الرد بالتدليس وقد أثبت به الشارع الرد في الركبان إذا تلقفوا كما سلف ولا يخفى على منصف أن هذه القواعد التي جعلوا هذا الحديث مخالفا لها لو سلم أنها قد قامت عليها الأدلة لم يقصر الحديث عن الصلاحية لتخصيصها فيالله العجب من قوم يبلغون في المحاماة عن مذاهب اسلافهم وإيثارها على السنة المطهرة الصريحة الصحيحة إلى هذا الحد الذي يسر به ابليس وينفق في حصول مثل هذه القضية التي قل طعمه في مثلها لا سيما من علماء الإسلام النفس والنفيس وهكذا ففلتكن ثمرات التمذهبات وتقليد الرجال في مسائل الحرام والحلال . العذر السادس أن الحديث محمول على صورة مخصوصة وهي ماذا اشترى شاة بشرط أنها تحلب مثلا خمسة ارطال وشرط فيها الخيار فالشرط فاسد فإن اتفقا على اسقاطه في مدة الخيار صح العقد وإن لم يتفقا بطل ووجب رد الصاع من التمر لأنه كان قيمة اللبن يومئذ وأجيب بأن الحديث معلق بالتصرية وما ذكروه يقتضي تعليقه بفساد الشرط سواء وجدت تصرية أم لا فهو تأويل متعسف . وأيضا لو سلم أن ما ذكروه من جملة صور الحديث فالقصر على صورة معينة هي فرد من أفراد الدليل لا بد من إقامة دليل عليه
قال في الفتح واختلف القائلون بالحديث في أشياء . منها لو كان عالما بالتصرية هل يثبت له الخيار فيه وجه للشافعية قال . ومنها لو صار لبن المصراة عادة واستمر على كثرته هل له الرد فيه وجه للشافعية قال . ومنها لو صار لبن المصراة عادة واستمر على كثرته هل له الرد فيه وجه لهم أيضا خلافا للحنابلة في المسئلتين . ومنها لو تصرت بنفسها أو صراها المالك لنفسه ثم بدا له فباعها فهل يثبت ذلك الحكم فيه خلاف فمن نظر إلى المعني لأن العيب يثبت الخيار ولا يشترط فيه تدليس ومن نظر إلى أن حكم التصرية خارج عن القياس خصه بمورده وهو حاله العمد فإن النهي إنما يتناولها فقط . ومنها لو كان الضرع مملوءا لحما فظنه المشترى لبنا فاشتراها على ذلك ثم ظهر له أنه لحم هل يثبت له الخيار فيه وجهان حكاهما بعض المالكية . ومنها لو اشترى غير مصراة ثم اطلع على عيب بها بعد حلبها فقد نص الشافعي على جواز الرد مجانا لأنه قليل غير معتني بجمعه . وقيل يرد بدل اللبن كالمصراة . وقال البغوي يرد صاعا من تمر انتهى . والظاهر عدم ثبوت الخيار مع علم المشترى بالتصرية لأنتفاء الغرر الذي هو السبب للخيار . وأما كون سبب الغرر حاصلا من جهة البائع فيمكن أن يكون معتبرا لأن حكمة صلى الله عليه وآله وسلم بثيوت الخيار بعد النهي عن التصرية مشعر بذلك وأيضا المصراة المذكورة في الحديث اسم مفعول وهو يدل على أن التصرية وقعت عليها من جهة الغير لأن اسم المفعول هو لمن وقع عليه فعل الفاعل ويمكن أن لا يكون معتبرا لأن تصري الدابة من غير قصد وكون ضرعها ممتلئا لحما يحصل به من الغرر ما يحصل بالتصرية عن قصد فينظر . قال ابن عبد البر هذا الحديث أصل في النهي عن الغش وأصل في ثبوت الخيار لمن دلس عليه بعيب . وأصل في أنه لا يفسد أصل البيع وأصل في أن مدة الخيار ثلاثة أيام . وأصل في تحريم التصرية وثبوت الخيار بها

باب النهي عن التسعير

1 - عن أنس قال " غلا السعر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله لو سعرت فقال إن الله هو القابض الباسط الرازع المسعر وأني لارجو ان القي الله عز و جل ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي

- الحديث أخرجه أيضا الدارمي والبزار وأبو يعلى قال الحافظ وإسناده على شرط مسلم وصححه أيضا ابن حبان ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند أحمد وأبي داود قال " جاء رجل فقال يا رسول الله سعر فقال بل ادعو الله ثم جاء آخر فقال يا رسول الله سعر فقال بل الله يخفض ويرفع " قال الحافظ وإسناده حسن . وعن أبي سعيد عند ابن ماجه والبزار والطبراني نحو حديث أنس ورجاله رجال الصحيح وحسنه الحافظ . وعن علي عليه السلام عند البزار نحوه . وعن ابن عباس عند الطبراني في الصغير . وعن أبي جحيفة عنده في الكبير : قوله " لوسعرت " التسعير هو أن يأمر السلطان أو نوابه أو كل من ولى من أمور المسلمين أمرا أهل السوق أن لا يبيعوا أمتعتهم الا بسعر كذا فيمنع من الزيادة عليه أو النقصان لمصلحة : قوله " المسعر " فيه دليل على أن المسعر من أسماء الله تعالى وإنها لا تنحصر في التسعة والتسعين المعروفة . وقد استدل بالحديث وما ورد في معناه على تحريم التسعير وأنه مظلمة . ووجهه أن الناس مسلطون على اموالهم والتسعير حجر عليهم والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولي من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الأجتهاد ولانفسهم وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضي به مناف لقوله تعالى { الا أن تكون تجارة عن تراض } وإلى هذا ذهب جمهور العلماء وروى عن مالك أنه يجوز للإمام التسعير وأحاديث الباب ترد عليه . وظاهر الأحاديث أنه لافرق بين حالة الغلاء وحالة الرخص ولا فرق بين المجلوب وغيره وإلى ذلك مال الجمهور . وفي وجه للشافعية جواز التسعير في حالة الغلاء وهو مردود . وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين ما كان قوتا للآدمي ولغيره من الحيوانات وبين ما كان من غير ذلك من الادامات وسائر الأمتعة وجوز جماعة من متأخري أئمة الزيدية جواز التسعير فيما عدا قوت الآدمي والبهيمة كما حكى ذلك منهم صاحب الغيث . وقال شارح الاثمار إن التسعير في غير القوتين لعله اتفاق والتخصيص يحتاج إلى دليل والمناسب الملغى لا ينتهض لتخصيص صرائح الأدلة بل لا يجوز العمل به على فرض عدم وجود دليل كما تقرر في الأصول

باب ما جاء في الأحتكار

1 - عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحتكر الا خاطئ وكان سعيد يحتكر الزيت "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

2 - وعن معقل بن يسار قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة "

3 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من احتكر حكرة يريد أن يغري بها على المسلمين فهو خاطئ "
- رواهما أحمد

4 - وعن عمر " قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس "
- رواه ابن ماجه

- حديث معمر أخرجه أيضا الترمذي وغيره . وحديث معقل أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وفي إسناده زيد بن مرة أبو المعلى . قال في مجمع الزائد ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله رجال الصحيح . وحديث أبي هريرة خرجه أيضا الحاكم وزاد وقد برئت منه ذمة الله وفي إسناد حديث أبي هريرة أبو معشر وهو ضعيف وقد وثق . وحديث عمر في إسناده الهيثم بن رافع قال أبو داود روى حديثا منكرا . قال الذهبي هو الذي خرجه ابن ماجه يعني هذا وفي إسناده أيضا أبو يحيى المكي وهو مجهول ولبقية أحاديث الباب شواهد . منها حديث ابن عمر عند ابن ماجه والحاكم وإسحاق بن راهوية والدارمي وأبي يعلى والعقيلي في الضعفاء بلفظ " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " وضعف الحافظ إسناده . ومنها حديث آخر عند ابن عمر أيضا عند أحمد والحاكم وابن أبي شيبة والبزار وأبي يعلى بلفظ " من أحتكر الطعام أربعين ليلة فقد بريء من الله وبرئ الله منه " زاد الحاكم " وأيما أهل عرصة اصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله " وفي إسناده أصبغ بن زيد وكثير بن مرة والأول مختلف فيه والثاني قال ابن حزم إنه مجهول وقال غيره معروف ووثقه ابن سعد وروى عنه جماعة واحتج به النسائي . قال الحافظ ووهم ابن الجوزي فأخرج هذا الحديث في الموضوعات وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه أنه منكر ولا شك أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها للاستدلال على عدم جواز الاحتكار لو فرض عدم ثبوت شيء منها في الصحيح فكيف وحديث معمر المذكور في صحيح مسلم والتصريح بأن المحتكر خاطئ كاف في إفادة عدم الجواز لأن الخاطئ المذنب العاصي وهو اسم فاعل من خطئ بكسر العين وهمز اللام خطأ بفتح العين وبكسر الفاء وسكون العين إذا أثم في فعله قال أبو عبيدة وقال سمعت الأزهري يقول خطئ إذا تعمد وأخطأ إذا لم يتعمد : قوله " بعظم " بضم العين المهملة وسكون الظاء المعجمة أي بمكان عظيم من النار : قوله " حكرة " بضم الحاء المهملة وسكون الكاف وهي حبس السلع عن البيع . وظاهر أحاديث الباب أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غير والتصريح بلفظ " الطعام " في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق وذلك لأن نفي الحكم عن غير الطعام إنما هو لمفهوم اللقب وهو غير معمول به عند الجمهور وما كان كذلك لا يصلح للتقييد على ما تقرر في الأصول وذهبت الشافعية إلى أن المحرم إنما هو احتكار الأقوات خاصة لا غيرها ولا مقدار الكفاية منها وغلى ذلك ذهبت الهادوية
قال ابن رسلان في شرح السنن ولا خلاف في أن ما يدخره الإنسان من قوت ولا يحتاجون إليه من سمن وعسل وغير ذلك جائز لا بأس به انتهى . ويدل على ذلك ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعطي كل واحدة من زوجاته مائة وسق من خيبر . قال ابن رسلان في شرح السنن وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخر لأهله قوت سنتهم من تمر وغيره . قال أبو داود قيل لسعيد يعنس ابن المسيب فإنك تحتكر قال ومعمر كان يحتكر وكذا في صحيح مسلم . قال ابن عبد البر وآخرون إنما كانا يحتكران الزيت وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه وكذلك حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون . ويدل على اعتبار الحاجة وقصد إغلاء السعر على المسلمين قوله في حديث معقل " من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم " وقوله في حديث أبي هريرة " يريد أن يغلي بها على المسلمين " قال أبو داود سألت أحمد ما الحكرة قال ما فيه عيش الناس أي حياتهم وقوتهم وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يسئل عن أي شيء الاحتكار فقال إذا كان من قوت الناس فهو الذي يكره وهذا قول ابن عمر . وقال الأوزاعي المحتكر من يعترض السوق أي ينصب نفسه للتردد إلى الأسواق ليشتري منها الطعام الذي يحتاجون إليه ليحتكره قال السبكي الذي ينبغي أن يقال في ذلك أنه ان منع غيره من الشراء وحصل به ضيق حرم وإن كانت الأسعار رخيصة وكان القدر الذي يشتريه لا حاجة بالناس إليه فليس لمنعه من شرائه وادخاره إلى وقت حاجة الناس إليه معنى . قال القاضي حسين والروياني وربما يكون هذا حسنه لأنه ينفع به الناس وقطع المحاملي في المقنع باستحبابه قال أصحاب الشافعي الأولى بيع الفاضل عن الكفاية قال السبكي أما إمساكه حالة استغناء أهل البلد عنه رغبة في أن يبيعه إليهم وقت حاجتهم إليه فينبغي أن لا يكره بل يستحب ( والحاصل ) إن العلة إذا كانت هي الإضرار بالمسلمين لم يحرم الاحتكار الا على وجه يضر بهم ويستوي في ذلك القوت وغيره لأنهم يتضررون بالجميع . قال الغزالي في الأحياء ما ليس بقوت وولا معين عليه فلا يتعدى النهي إليه وإن كان مطعوما وما يعين على القوت كاللحم والفواكه وما يسد مسد شيء من القوت في بعض الأحوال وإن كان لا يمكن المداومة عليه فهو في محل النظر فمن العلماء من طرد التحريم في السمن والعسل ووالشيرج والجبن والزيت وما يجري مجراه . وقال السبكي إذا كان في وقت قحط كان في إدخار العسل والسمن والشيرج وأمثالها إضرار فينبغي أن يقضي بتحريمه وإذا لم يكن إضرار فلا يخلوا احتكار الأقوات عن كراهة . وقال القاضي حسين إذا كان الناس يحتاجون الثياب ونحوها لشدة البرد أو لستر العورة فيكره لمن عنده ذلك امساكه . قال السبكي إن أراد كراهة تحريم فظاهر وان أراد كراهة تنزيه فبعيد . وحكى أبو داود عن قتادة أنه قال ليس في التمر حكرة . وحكى أيضا عن سفيان أنه سئل عن كبس القت فقال كانوا يكرهون الحكرة والكبس بفتح الكاف واسكان الموحدة والقت بفتح القاف وتشديد التاء الفوقية وهي اليابس من القضب . قال الطيبي ان التقييد بالأربعين اليوم غير مراد به التحديد انتهى . ولم أجد من ذهب إلى العمل بهذا العدد

باب النهي عن كسر سكة المسلمين إلا من بأس

1 - عن عبد الله بن عمرو المازني قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تنكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

- الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وزاد " نهى ان تكسر الدراهم فتجعل فضة وتكسر الدنانير فتجعل ذهبا " وضعفه ابن حبان ولعل وجه الضعف كونه في إسناده محمد بن فضاء بفتح الفاء والضاد المعجمة الأزدي الحمصي البصري المعبر للرؤيا قال المنذري لا يحتج بحديثه : قوله " سكة " بكسر السين المهملة أي الدراهم المضروبة على السكة الحديد المنقوشة التي تطبع عليها الدراهم والدنانير . قوله " الجائزة " يعني النافقة في معاملتهم : قوله " الا من بأس " كأن تكون زيوفا وفي معنى كسر الدراهم كسر الدنانير والفلوس التي عليها سكة الإمام لا سيما إذا كان التعامل بذلك جاريا بين المسلمين كثيرا ( والحكمة ) في النهي ما في الكسر من ضرر بإضاعة المال لما يحصل من النقصان في الدراهم ونحوها إذا كسرت وأبطلت المعاملة بها . قال ابن رسلان لو ابطل السلطان المعاملة التي ضربها السلطان الذي قبله وأخرج غيرها جار كسر تلك الدراهم التي ابطلت وسبكها لإخراج الفضة التي فيها وقد يحصل في سبكها وكسرها ربح كثير لفاعله انتهى . ولا يخفى أن الشارع لم يأذن في الكسر إلا إذا كان بها بأس ومجرد الإبدال لنفع البعض ربما أفضى إلى الضرر بالكثير من الناس فالجزم بالجواز من غير تقييد بانتفاء الضرر لا ينبغي . لاقال أبو العباس بن سريج أنهم كانوا يقرضون أطراف الدراهم والدنانير بالمقرض ويخرجونهما عن السعر الذي يأخذونهما به ويجمعون من تلك القراضة شيئا كثيرا بالسبك كما هو معهود في المملكة الشامية وغيرها وهذه الفعلة هي التي نهى الله عنها قوم شعيب بقوله { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } فقالوا انتهانا أن نفعل في اموالنا يعني الدراهم والدنانير ما نشاء من القرد ولم ينتهوا عن ذلك فأخذتهم الصيحة
( فائدة ) قال في البحر مسألة الإمام يحيى لو باع بنقد ثم حرم السلطان التعامل به قبل قبضه فوجهان يلزم ذلك النقد إذ عقد عليه . الثاني يلزم قيمته إذا صار لكساده كالعرض انتهى . قال في المنار وكذلك لو صار كذلك يعني النقد لعارض آخر وكثير ما وقع هذا في زمننا لفساد الضربة لإهمال الولاة النظر في المصالح والأظهر أن اللازم القيمة لما ذكره المصنف انتهى

باب ما جاء في اختلاف المتبايعين

1 - عن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فالقول ما يقول صاحب السلعة أو يترادان "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي وزاد فيه ابن ماجه " والبيع قائم بعينه " وكذلك أحمد في رواية " والسلعة كما هي " وللدارقطني عن أبي وائل عن عبد الله قال " إذا اختلف البيعان والبيع مستهلك فالقول قول البائع " ورفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ولأحمد والنسائي عن أبي عبيدة " وأتاه رجلان تبايعا سلعة فقال هذا أخذت بكذا وكذا قال هذا بعت بكذا وكذا فقال أبو عبيدة أتى عبد الله في مثل هذا فقال حضرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مثل هذا فأمر بالبائع بأن يستحلف ثم يخير المبتاع إن شاء أخذ وإن شاء ترك "

- الحديث روي عن عبد الله بن مسعود من طرق بألفاظ ذكر المصنف رحمه الله بعضها . وقد أخرجه أيضا الشافعي من طريق سعيد بن سالم عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عمير عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود قد اختلف فيه على اسمعيل بن أميه ثم على ابن جريج . لقد اختلف في صحة سماع أبي عبيدة من أبيه . ورواه من طريق أبي عبيدة أحمد والنسائي والدارقطني وقد صححه الحاكم وابن السكن . ورواه أيضا الشافعي من طريق سفيان بن عجلان عن عون بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود وفيه ايضا انقطاع لأن عونا لم يدرك ابن مسعود . ورواه الدارقطني من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده : وفيه اسمعيل بن عياش عن موسى بن عقبة . ورواه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس عن أبيه عن جده عن ابن مسعود . وأخرجه أيضا من طريق محمد بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن ابن مسعود ومحمد بن أبي ليلى لا يحتج به وعبد الرحمن لم يسمع من أبيه . ورواه ابن ماجه والترمذي من طريق عون بن عبد الله ايضا عن ابن مسعود وقد سبق أنه منقطع . قال البيهقي وأصح إسناد روي في هذا الباب رواية أبي العميس عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس عن أبيه عن جده ورواه أيضا الدارقطني من طريق القاسم ابن عبد الرحمن : قال الحافظ ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن اختلف في سماعه من أبيه . ورواية التراد زواها أيضا مالك بلاغا والترمذي وابن ماجه بإسناد منقطع ورواه أيضا الطبراني بلفظ " البيعان إذا اختلفا في البيع ترادا " قال الحافظ رواته ثقات لكن اختلف في عبد الرحمن بن صالح يعني الراوي له عن فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال وما أظنه حفظه فقد حزم الشافعي أن طرق هذا الحديث عن ابن مسعود ليس فيها شيء موصول . ورواه أيضا النسائي والبيهقي والحاكم من طريق عبد الرحمن بن قيس بالإسناد الذي رواه عنه أبو داود كما سلف وصححه من هذا الوجه الحاكم وحسنه البيهقي ورواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن جده بلفظ " إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا " ورواه من هذا الوجه الطبراني والدارمي وقد انفرد بقوله " والسلعة قائمة " محمد بن أبي ليلى ولا يحتج به كما عرفت لسوء حفظه . قال الخطابي إن هذه اللفظة يعني والسلعة قائمة لا تصح من طريق النقل مع احتمال أن يكون ذكرها من التغليب لأن أكثر ما يعرض النزاع حال قيام السلعة كقوله تعالى { في حجوركم } ولم يفرق أكثر الفقهاء في البيوع الفاسدة بين القائم والتالف انتهى
وأبو وائل الراوي لقوله والبيع مستهلك كما في حديث الباب هو عبد الله بن بحير شيخ عبد الرزاق الصنعاني القاص وثقه ابن معين وقال ابن حبان يروى العجائب التي كأنها معمولة لا يحتج به وليس هذا المذكور عبد الله بن بحير ابن ريشان فإنه ثقة وعلى هذا فلا يقبل ما تفرد به أبو وائل المذكور . وأما قوله فيه تحالفا فقال الحافظ لم يقع عند أحد منهم وإنما عندهم والقول قول البائع أو يتراد ان البيع انتهى . قال ابن عبد البر أن هذا الحديث منقطع إلا أنه مشهور الأصل عند جماعة تلقوه بالقبول وبنوا عليه كثيرا من فروعه وأعله ابن حزم بالإنقطاع وتابعه عبد الحق وأعله هو وابن القطان بالجهالة في عبد الرحمن وأبيه وجده . وقال الخطابي هذا حديث قد اصطلح الفقهاء على قبوله وذلك يدل على أن له أصلا وإن كان في إسناده مقال كما اصطلحوا على قبول لا وصية لوارث وإسناده فيه ما فيه انتهى . قوله " البيعان " أي البائع والمشتري كما تقدم في الخيار ولم يذكر الأمر الذي فيه الاختلاف وحذف المتعلق مشعر بالتعميم في مثل هذا المقام على ما تقرر في علم المعاني فيعم الأختلاف في المبيع والثمن وفي كل أمر فرجع إليهما وفي سائر الشروط المعتبرة والتصريح بالأختلاف في الثمن في بعض الروايات كما وقع في الباب لا ينافي هذا العموم المستفاد من الحذف . قوله " صاحب السلعة " هو البائع كما وقع التصريح به في سائر الروايات فلا وجه لما روى عن البعض إن رب السلعة في الحال هو المشتري . وقد استدل بالحديث من قال إن القول : قول البائع إذا وقع الأختلاف بينه وبين المشتري في أمر من الأمور المتعلقة بالعقد ولكن مع يمينه كما وقع في الرواية الآخرة وهذا إذا لم يقع التراضي على التراد فإن تراضيا على ذلك جاز بلا خلاف فلا يكون لهما خلاص عن النزاع إلا التفاسخ أو حلف البائع والظاهر عدم الفرق بين بقاء المبيع وتلفه لما عرفت من عدم انتهاض الرواية المصرح فيها باشتراط بقاء المبيع للاحتجاج والتراد مع التلف ممكن بأن يرجع كل واحد منهما بمثل المثلى وقيمة القيمي إذا تقرر لك ما يدل عليه هذا الحديث من كون القول قول البائع من غير فرق فاعلم أنه لم يذهب إلى العمل به في جميع صور الأختلاف أحد فيما أعلم بل اختلفوا في ذلك اختلافا طويلا على حسب ما هو مبسوط في الفروع ووقع الأتفاق في بعض الصور والأختلاف في بعض وسبب الاختلاف في ذلك ما سيأتي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه " لأنه يدل بعمومه على ان اليمين على المدعى عليه والبينة على المدعي من غير فرق بين أن يكون أحدهما بائعا والآخر مشتريا أولا
وحديث الباب يدل على أن القول قول البائع مع يمينه والبينة على المشتري من غير فرق بين أن يكون البائع مدعيا أو مدعى عليه فبين الحديثين عموم وخصوص من وجه فيتعارضان باعتبار مادة الأتفاق وهي حيث يكون البائع مدعيا فينبغي أن يرجع في الترجيح إلى الأمور الخارجية وحديث أن اليمين على المدعى عليه عزاه المصنف في كتاب الأقضية إلى أحمد ومسلم وهو أيضا في صحيح البخاري في الرهن وفي باب اليمين على المدعى عليه وفي تفسير آل عمران . وأخرجه الطبراني بلفظ " البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه " وأخرجه الإسماعيلي بلفظ " ولكن البينة على الطالب واليمين على المطلوب " وأخرجه البيهقي بلفظ " لو يعطى الناس بدعواهم لا دعى رجال أموال قوم ودماءهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر " وهذه الألفاظ كلها في حديث ابن عباس ممن رام الترجيح بين الحديثين لم يصعب عليه ذلك بعد هذا البيان ومن أمكنة الجمع بوجه مقبول فهو المتعين

كتاب السلم

1 - عن ابن عباس " قال قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم "
- رواه الجماعة وهو حجة في السلم في منقطع الجنس حالة العقد

- قوله " كتاب السلم " هو بفتح السين المهملة واللام كالسلف . وزنا ومعنى وحكى في الفتح عن الماوردي أن السلف لغة أهل العراق والسلم لغة أهل الحجاز وقيل السلف تقديم رأس المال والسلم تسليمه في المجلس فالسلف أعم . قال في الفتح والسلم شرعا بيع موصوف في الذمة وزيد في الحد ببدل يعطى عاجلا وفيه نظر لأنه ليس داخلا في حقيقته . قال واتفق العلماء على مشروعيته إلا ما حكى عن ابن المسيب واختلفوا في بعض شروطه واتفقوا على أنه يشترط له ما يشترط للبيع وعلى تسليم رأس المال في المجلس واختلفوا هل هو عقد غرر جوز للحاجة أم لا اه قوله " يسلفون " بضم أوله قوله " السنة والسنتين " في رواية للبخاري عامين أو ثلاثة " والسنة " بالنصب على الظرفية أو على المصدر وكذلك لفظ سنتين وعامين " قوله " في كيل معلوم " احترز بالكيل عن السلم في الأعيان وبقوله معلوم عن المجهول من المكيل والموزون وقد كانوا في المدينة حين قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسلمون في ثمار نخيل بأعيانها فنهاهم عن ذلك لما فيه من الغرر إذا قد تصاب تلك النخيل بعاهة فلا تثمر شيئا قال الحافظ واشتراط تعيين الكيل فيما يسلم فيه من المكيل متفق عليه من أجل اختلاف المكاييل الا أن يكون في البلد سوى كيل واحد فإنه ينصرف إليه عند الإطلاق : قوله " إلى اجل معلوم " فيه دليل على اعتبار الأجل في السلم وإليه ذهب الجمهور وقالوا لا يجوز السلم حالا وقالت الشافعية يجوز قالوا لأنه إذا جاز مؤجلا مع الغرر فجوازه حالا أولى وليس ذكر الأجل في الحديث لأجل الأشتراط بل معناه إن كان لأجل فليكن معلوما وتعقب بالكتابة فإن التأجيل شرط فيها . وأجيب بالفرق لأن الأجل في الكتابة شرع لعدم قدرة العبد غالبا واستدل الجمهور على اعتبار التأجيل بما أخرجه الشافعي والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه قال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أحله الله في كتابه وأذن فيه ثم قرأ { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } ويجاب بأن هذا يدل على جواز السلم إلى أجل ولا يدل على أنه لا يجوز إلا مؤجلا وبما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه قال " لاتسلف إلى العطاء ولا إلى الحصاد واضرب أجلا " ويجاب بأن هذا ليس بحجة لأنه موقوف عليه . وكذلك يجاب عن قول أبي سعيد الذي علقه البخاري ووصله عبد الرزاق بلفظ " السلم بما يقوم به السعر ربا ولكن السلف في كيل معلوم إلى أجل " وقد اختلف الجمهور في مقدار الأجل فقال أبو حنيفة لا فرق بين الأجل القريب والبعيد وقال أصحاب مالك لا بد من أجل تتغير فيه الأسواق واقله عندهم ثلاثة أيام وكذا عند الهادوية وعند ابن القاسم خمسة عشر يوما وأجاز مالك السلم إلى العطاء والحصاد ومقدم الحاج ووافقه أبو ثور واختار ابن خزيمة تأقيته إلى الميسرة واحتج بحديث عائشة إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " بعث إلى يهودي أبعث إلى ثوبين إلى الميسرة " وأخرجه النسائي وطعن ابن المنذر في صحته وليس في ذلك دليل على المطلوب لأن التنصيص على نوع من أنواع الأجل لا ينفي غيره . وقال المنصور بالله أقله أربعون يوما وقال الناصر أقله ساعة والحق ما ذهبت إليه الشافعية من عدم اعتبار الأجل لعدم ورود دليل يدل عليه فلا يلزم التعبد بحكم بدون دليل . وأما ما يقال من أنه يلزم مع عدم الأجل أن يكون بيعا للمعدوم ولم يرخص فيه إلا في السلم ولا فارق بينه وبين البيع إلا الأجل فيجاب عنه بأن الصيغة فارقة وذلك كاف ( واعلم ) أن للسلم شروطا غير ما اشتمل عليه الحديث مبسوطة في كتب الفقه ولا حاجة لنا في التعرض لما لا دليل عليه الا أنه وقع الإجماع على اشتراط معرفة صفة الشيء المسلم فيه على وجه يتميز بتلك المعرفة عن غيره

2 - وعن عبد الرحمن بن أبزي وعبد الله بن أبي أوفى قالا " كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان يأتينا انباط من انباط الشام فنسلفهم في الحنطة والزيت إلى أجل مسمى قيل أكان لهم زرع أو لم يكن قالا ما كنا نسألهم عن ذلك "
- رواه أحمد والبخاري . وفي رواية " كنا نسلف على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزيت والتمر ومانراه عندهم "
- رواه الخمسة إلا الترمذي

3 - وعن أبي سعيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره "
- رواه أبو داود وابن ماجه

4 - وعن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اسلف شيئا وفا يشرط على صاحبه غير قضائه "
- وفي لفظ " من أسلف في شيء فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه أو رأس ماله " رواهما الدارقطني دليل امتناع الرهن والضمين فيه والثاني بمنع الاقالة في البعض

- حديث أبي سعيد في إسناده عطية بن سعد العوفي قال المنذري لا يحتج بحديثه قوله " بن أبزي " بالموحدة الزاي على وزن علي وزن أعلى وهو الخزاعي أحد صغار الصحابة ولأبيه أبزي صحبة . قوله " انباط " جمع نبيط وهم قوم معروفون كانوا ينزلون بالبطائح من العراقين قاله الجوهي وأصلهم قوم من العرب دخلوا في العجم واختلطت أنسابهم وفسدت السنتهم ويقال لهم النبط بفتحتين والنبيط بفتح أوله وكسر ثانيه وزيادة تحتانية وإنما سموا بذلك لمعرفتهم بانباط الماء أي استخراجه لكثرة معالجتهم الفلاحة وقيل هم نصارى الشام وهم عرب دخلوا في الروم ونزلوا بوادي الشام ويدل على هذا قوله من انباط الشام . وقيل هم طائفتان طائفة اختلطت العجم ونزلوا البطائح وطائفة اختلطت بالروم ونزلوا الشام : قوله فنسلفهم بضم النون واسكان السين المهملة وتخفيف اللام من الاسلاف وقد تشدد اللام مع فتح السين من التسليف : قوله " ما كنا نسألهم عن ذلك " فيه دليل على أنه لا يشترط في المسلم فيه أن يكون عند المسلم إليه وذلك مستفاد من تقريره صلى الله عليه وآله وسلم لهم مع ترك الاستفصال . قال ابن رسلان وأما المعدوم عند المسلم إليه وهو موجود عند غيره فلا خلاف في جوازه . قوله " ومانراه عندهم " لفظ أبي داود الي قوم ما هو عندهم أي ليس عندهم أصل من الأصول الحنطة والشعير والتمر والزبيب . وقد اختلف العلماء في جواز السلم فيما ليس بموجود في وقت السلم إذا امكن وجوده في وقت حلول الأجل فذهب إلى جوازه الجمهور قالوا ولا يضر انقطاعه قبل الحلول . وقال أبوحنيفة لا يصح فيما ينقطع قبله بل لا بد أن يكون موجودا من العقد إلى المحل ووافقه الثوري والأوزاعي فلو أسلم في شيء فانقطع في محله لم ينفسخ عند الجمهور وفي وجه للشافعية ينفسخ . واستدل أبو حنيفة ومن معه بما أخرجه أبو داود عن ابن عمر " أن رجلا أسلف رجلا في نخل فلم يخرج تلك السنة شيئا فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال بم نستحل ماله اردد عليه ماله ثم قال لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه " وهذا نص في التمر وغيره قياس عليه ولو صح هذا الحديث لكان المصير إليه أولى لأنه صريح في الدلالة على المطلوب بخلاف حديث عبد الرحمن بن أبزي وعبد الله بن أبي أوفى فليس فيه الا مظنة التقرير منه صلى الله عليه وآله وسلم مع ملاحظة تنزيل ترك الاستفصال منزلة العموم ولكن حديث ابن عمر هذا في إسناده رجل مجهول فإن أبا داود رواه عن محمد بن كثير عن سفيان عن أبي إسحاق عن رجل نجراني عن ابن عمر ومثل هذا لا تقوم به حجة . ( قال القائلون ) بالجواز ولو صح هذا الحديث لحمل على بيع الأعيان أو على السلم الحال عند من يقول به أو على ما قرب أجله قالوا ومما يدل على الجواز ماتقدم من أنهم كانوا يسلفون في الثمار السنتين والثلاث ومن المعلوم إن الثمار لا تبقى هذه المدة ولو اشترط الوجود لم يصح السلم في الرطب إلى هذه المدة وهذا أولى ما يتمسك به في الجواز . قوله " فلا يصرفه إلى غيره " الظاهر أن الضمير راجع إلى المسلم فيه لا إلى ثمنه الذي هو رأس المال والمعنى أنه لا يحل جعل المسلم فيه ثمنا لشيء قبل قبضه ولا يجوز بيعه قبل القبض أي لا يصرفه إلى شيء غير عقد السلم . وقيل الضمير راجع إلى رأس مال السلم . وعلى ذلك حمله ابن رسلان في شرح السنن وغيره أي ليس له صرف رأس المال في عوض آخر كأن يجعله ثمنا لشيء آخر فلا يجوز له ذلك حتى يقبضه وإلى ذلك ذهب مالك وأبو حنيفة والهادي والمؤيد بالله . وقال الشافعي وزفر يجوز ذلك لأنه عوض من مستقر في الذمة فجاز كما لو كان قرضا ولانه مال عاد إليه بفسخ العقد على فرض تعذر المسلم فيه فجاز أخذ العوض عنه كالثمن في المبيع إذا فسخ العقد قوله " فلا يشرط على صاحبه غير قضائه " فيه دليل على أنه لا يجوز شيء من الشروط في عقد السلم غير القضاء واستدل به المصنف على امتناع الرهن وقد روى عن سعيد بن جبير أن الرهن في السلم هو الربا المضمون : وقد روى نحو ذلك عن ابن عمر والأوزاعي والحسن وهو إحدى الروايتين عن أحمد ورخص فيه الباقون واستدلوا بما في الصحيح من حديث عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى طعاما من يهودي نسيئة ورهنه درعا من حديد " وقد ترحم عليه البخاري باب الرهن في السلم وترجم عليه أيضا في كتاب السلم باب الكفيل في السلم واعترض عليه الإسماعيلي بأنه ليس في الحديث ماترجم به ولعله أراد الحاق الكفيل بالرهن لأنه حق ثبت الرهن به فجاز أخذ الكفيل به والخلاف في الكفيل كالخلاف في الرهن : قوله " فلا يأخذ إلا ما سلف فيه " الخ فيه دليل لمن قال أنه لا يجوز صرف رأس المال إلى شيء آخر وقد تقدم الخلاف في ذلك

كتاب القرض

باب فضيلته

1 - عن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين الا كان كصدقتها مرة "
- رواه ابن ماجه

- الحديث في إسناده سليمان بن بشير وهو متروك قال الدارقطني والصواب أنه موقوف على ابن مسعود وفي الباب عن أنس عند ابن ماجه مرفوعا " الصدقة بعشرة أمثالها والقرض بثمانية عشر " وفي إسناده خالد بن يزيد بن عبد الرحمن الشامي قال النسائي ليس بثقة . وعن أبي هريرة عند مسلم مرفوعا " من نفس عن أخيه كربة من كرب الدينا نفس الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان في عون أخيه " وفي فضيلة القرض أحاديث وعمومات الأدلة القرآنية والحديثية القاضية بفضل المعاونة وقضاء حاجة المسلم وتفريج كربته وسد فاقته شاملة له ولاخلاف بين المسلمين في مشروعيته . قال ابن رسلان ولاخلاف في جواز سؤاله عند الحاجة ولانقص على طالبه ولو كان فيه شيء من ذلك لما استسلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في البحر وموقعه أعظم من الصدقة إذ لا يفترض إلا محتاج اه . ويدل على هذا حديث أنس المذكور وفي حديث الباب دليل على أن قرض الشيء مرتين يقوم مقام التصدق به مرة

باب استقراض الحيوان والقضاء من الجنس فيه وفي غيره

1 - عن أبي هريرة قال " ما استقرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنا فأعطى سنا خيرا من سنه وقال خياركم أحاسنكم قضاء "
- رواه أحمد والترمذي وصححه

2 - وعن أبي رافع قال " استلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكرا فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره فقلت إني لم أجد في الأبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال أعطه أياه فأن من خير الناس أحسنهم قضاء "
- رواه الجماعة إلا البخاري

3 - وعن أبي سيعد قال " جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتقاضاه دينا كان عليه فأرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمر فنقضيك "
- مختصر لابن ماجه

- حديث أبي هريرة هو في الصحيحين بلفظ " كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حق فأغلظ له فهم به أصحابه فقال دعوه فإن لصاحب الحق مقالا فقال لهم اشتروا له سنا فأعطوه أياه فقالوا إنا لانجد إلا سنا هو خير سنه قال فاشتروه واعطوه أياه فإن من خيركم أو أخيركم أحسنكم قضاء " وسيأتي ( وفي الباب ) عن العرباض بن سارية عند النسائي والبزار قال " بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكرا وأتيته أتقاضاه فقلت أقضي ثمن بكري فقال لا أقضيك إلا نجيبة فدعاني فأحسن قضائي ثم جاء أعرابي فقال أقض بكرى فقضاه بعيرا " وحديث أبي سعيد في إسناده عند ابن ماجه ابن أبي عبيده عن أبيه وهما ثقتان وبقية إسناده ثقات : قوله " أحاسنكم قضاء " جمع أحسن . ورواية الصحيحين " أحسنكم " كما سلف وهو الفصيح . ووقع في رواية لأبي داود محاسنكم بالميم كمطلع ومطالع : قوله " بكرا " بفتح الباء الموحدة وهو الفتى من الأبل . قال الخطابي هو من الأبل بمنزلة الغلام من الذكور والقلوص بمنزلة الجارية من الإناث : قوله " رباعيا " بفتح الراء وتخفيف الموحدة وهوالذي استكمل ست سنين ودخل في السابعة ( وفي الحديثين ) دليل على جواز الزيادة على مقدار القرض من المستقرض وسيأتي الكلام على ذلك . قال الخطابي وفي حديث أبي رافع من الفقه جواز تقديم الصدقة قبل محلها وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تحل له الصدقة فلا يجوز أن يقضي من إبل الصدقة شيئا كان استسلفه لنفسه فدل على أنه استسلفه لأهل الصدقة من أرباب المال وهذا استدلال الشافعي ( وقد اختلف ) العلماء في جواز تقديم الصدقة عن محل وقتها فأجازه الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وابن حنبل وابن راهويه . وقال الشافعي يجوز أن يعجل الصدقة سنة واحدة وقال الشافعي لا يجوز أن يخرجها قبل حلول الحول وكرهه سفيان النوري وقد تقدم في الزكاة ذكر ما يدل على الجواز ( وفي الحديثين ) أيضا جواز قرض الحيوان وهو مذهب الجمهور ومنع ذلك الكوفيون والهادوية قالوا لأنه نوع من البيع مخصوص وقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الحيوان كما سلف . ويجاب بأن الاحاديث متعارضة في المنع من بيع الحيوان بالحيوان والجواز وعلى تسليم أن المنع هو الراجح فحديث أبي هريرة وأبي رافع والعرباض بن سارية مخصصة لعموم النهي ( وأما الاستدلال ) على المنع بأن الحيوان مما يعظم فيه التفاوت فممنوع وقد استثنى مالك والشافعي وجماعة من العلماء قرض الولائد فقالوا لا يجوز لأنه يؤدي إلى عارية الفرج وأجاز ذلك مطلقا داود والطبري والمزني ومحمد بن داود وبعض الخراسانيين وأجازه بعض المالكية بشرط أن يرد غيره ما استقرضه . وأجازه بعض أصحاب الشافعي وبعض المالكية فيمن يحرم وطؤه على المستقرض وقد حكى إمام الحرمين عن السلف والغزالي عن الصحابة النهي عن قرض الولائد . وقال ابن حزم ما نعلم في هذا أصلا من كتاب ولا رواية صحيحة ولا سقيمة ولا من قول صاحب ولا إجماع ولا قياس اه وحديث أبي سعيد المذكور فيه دليل على أنه يجوز لمن عليه دين أن يقضيه بدين آخر ولا خلاف في جواز ذلك فيما أعلم

باب جواز الزيادة عند الوفاء والنهي عنها قبله

1 - عن أبي هريرة قال " كان لرجل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال اعطوه فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها فقال أعطوه فقال أوفيتني أوفاك الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن خيركم أحسنكم قضاء "

2 - وعن جابر قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لي عليه دين فقضاني وزادني "
- متفق عليه

3 - وعن أنس " وسئل الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي إليه فقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أقرض أحدكم قرضا فاهدي إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله الا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك "
- رواه ابن ماجه

4 - وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا أقرض فلا يأخذ هدية "
- رواه البخاري في تاريخه

5 - وعن بن أبي موسى قال " قدمت المدينة فلقيت عبد الله ابن سلام فقال لي إنك بأرض فيها الربا فاش فإذا كان لك على رجل حق فأهدي إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا "
- رواه البخاري في صحيحه

- حديث أنس في إسناده يحيى بن أبي إسحاق الهنائي وهو مجهول وفي إسناده أيضا عتبة بن حميد الضبي وقد ضعفه أحمد والراوي عنه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف قوله " سن " أي جمل هل سن معين وفي حديث أبي هريرة دليل على جواز المطالبة بالدين إذا حل أجله وفيه أيضا دليل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتواضعه وانصافه . وقد وقع في بعض ألفاظ الصحيح " أن الرجل أغلظ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهم به أصحابه فقال دعوه فإن لصاحب الحق مقالا " كما تقدم وفيه دليل على جواز قرض الحيوان وقد تقدم الخلاف في ذلك . وفيه جواز رد ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد وبه قال الجمهور وعن المالكية إن كانت الزيادة بالعدد لم يجز وإن كانت بالوصف جازت وبرد عليهم حديث جابر المذكور في الباب فإنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زاده والظاهر أن الزيادة كانت في العدد وقد ثبت في رواية للبخاري إن الزيادة كانت قيراطا وأما إذا كانت الزيادة مشروطة في العقد فتحرم اتفاقا ولا يلزم من جواز الزيادة في القضاء على مقدار الدين جواز الهدية ونحوها قبل القضاء لأنها بمنزلة الرشولة فلا تحل كم يدل على ذلك حديثا أنس المذكوران في الباب وأثر عبد الله بن سلام ( والحاصل ) أن الهدية والعارية ونحوهما إذا كانت لأجل التنقيس في أجل الدين أو لأجل رشوة صاحب الدين أو لأجل أن يكون لصاحب الدين منفعة في مقابل دينه فذلك محرم لأنه نوع من الربا أو رشوة وإن كان ذلك لأجل عادة جارية بين المقرض والمستقرض قبل التداين فلا بأس وإن لم يكن ذلك لغرض أصلا فالظاهر المنع لإطلاق النهي عن ذلك وأما الزيادة على مقدار الدين عند القضاء بغير شرط ولا اضمار فالظاهر الجواز من غير فرق بين الزيادة في الصفة والمقدار والقليل والكثير لحديث أبي هريرة وأبي رافع والعرباض وجابر بل مستحب . قال المحاملي وغيره من الشافعية يستحب للمستقرض أن يرد أجود مما أخذ للحديث الصحيح في ذلك يعين قوله " إن خيركم أحسنكم قضاء " ومما يدل على عدم حل القرض الذي يجر إلى المقرض نفعا ما أخرجه البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ " كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا " ورواه في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم . ورواه الحرث بن أبي أسامة من حديث علي عليه السلام بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قرض جر منفعة " وفي رواية " كل قرض حر منفعة فهو ربا " وفي إسناده سوار بن مصعب وهو متروك قال عمر بن زيد في المغنى لم يصح فيه شيء ووهم إمام الحرمين والغزالي فقالا أنه صح ولاخبرة لهما بهذا الفن وأما إذا قضى المقترض المقرض دون حقه وحلله من البقية كان ذلك جائزا وقد استدل البخاري على جواز ذلك بحديث جابر في دين أبيه وفيه " فسألهم أن يقبلوا ثمرة حائطي ويحللوا أبي " وفي رواية للبخاري أيضا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل له غريمه في ذلك " قال ابن بطال لا يجوز أن يقضي دون الحق بغير محاللة ولو حلله من جميع الدين جاز عند العلماء فكذلك إذا حلله من بعضه اه قوله " أوحمل قت " بفتح القاف وتشديد التاء المثناة وهو الجاف من النبات المعروف بالفصفصة بكسر الفاءين وأهمال الصادين فما دام رطبا فهو الفصفصة فإذا جف فهو القت والفصفصة هي القضب المعروف وسمي بذلك لانه يجز ويقطع والقت كلمة فارسية عربت فإذا الفصفصة كبست وضم بعضها على بعض إلى أن تجف وتباع لعلف الدواب كما في بلاد مصر ونواحيها

كتاب الرهن

1 - عن أنس قال " رهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم درعا عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيرا لأهله "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه

2 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل ورهنه درعا من حديد " وفي لفظ " توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير "
- أخرجاهما . ولأحمد والنسائي وابن ماجه مثله من حديث ابن عباس وفيه من الفقه جواز الرهن في الحضر ومعاملة أهل الذمة

- حديث ابن عباس أخرجه ايضا الترمذي وصححه . وقال صاحب الاقتراح هو على شرط البخاري : قوله " رهن " الرهن بفتح أوله وسكون الهاء في اللغة الأحتباس من قولهم رهن الشيء إذا دام وثبت ومنه { كل نفس بما كسبت رهينة } وفي الشرع جعل مال وثيقة على دين ويطلق أيضا على العين المرهونة تسمية للمفعول به باسم المصدر . وأما الرهن بضمتين فالجمع ويجمع أيضا على رهان بكسر الراء ككتب وكتاب وقرئ بهما . قوله " عند يهودي " هو أبو الشحم كما بينه الشافعي والبيهقي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رهن درعا له عند أبي الشحم اليهودي رجل من بني ظفر في شعير " اه وأبو الشحم بفتح المعجمة وسكون المهملة كنيته وظفر بفتح الظاء والفاء بطن من الأوس وكان حليفا لهم وضبطه بعض المتأخرين بهمزة ممدودة وموحدة مكسورة اسم فاعل من الأباء وكأنه التبس عليه بأبي اللحم الصحابي : قوله " بثلاثين صاعا من شعير " في رواية الترمذي والنسائي من هذا الوجه بعشرين ولعله صلى الله عليه وآله وسلم رهنه أول الأمر في عشرين ثم استزاده عشرة فرواه الراوي تارة على ما كان الرهن عليه أولا وتارة على ما كان عليه آخرا . وقال في الفتح لعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة والغى الجبر أخرى : ووقع لابن حبان عن أنس أن قيمة الطعام كانت دينارا وزاد أحمد في رواية فما وجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يفتكها به حتى مات ( والأحاديث ) المذكورة فيها دليل على مشروعية الرهن وهو مجمع على جوازه وفيها أيضا دليل على صحة الرهن في الحضر وهو قول الجمهور والتقييد بالسفر في الآية خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له لدلالة الأحاديث على مشروعيته في الحضر وأيضا السفر مظنة فقد الكاتب فلا يحتاج إلى الرهن غالبا الا فيه . وخالف مجاهد والضحاك فقالا لا يشرع الا في السفر حيث لا يوجد الكاتب وبه قال داود وأهل الظاهر والأحاديث ترد عليهم وقال ابن حزم إن شرط المرتهن الرهن في الحضر لم يكن له ذلك وإن تبرع به الراهن جاز وحمل أحاديث الباب على ذلك وفيها أيضا دليل على جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم العين المتعامل فيها وجواز رهن السلاح عند أهل الذمة لا عند أهل الحرب بالأتفاق وجواز الشراء بالثمن المؤجل وقد تقدم تحقيق ذلك . قال العلماء والحكمة في عدوله صلى الله عليه وآله وسلم عن معاملة سير الصحابة إلى معاملة اليهود إما بيان الجواز أو لانهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجتهم أو خشي أنهم لا يأخذون منه ثمنا أو عوضا فلم يرد التضييق عليهم

3 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة "
- رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي . وفي لفظ " إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته " رواه أحمد

- الحديث له ألفاظ منا ما ذكره المصنف . ومنها بلفظ " الرهن مركوب ومحلوب " رواه الدارقطني والحاكم وصححه من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا . قال الحاكم لم يخرجاه لأن سفيان وغيره وقفوه على الأعمش وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على الأعمش وغيره ورجح الموقوف وبه جزم الترمذي وقال ابن أبي حاتم قال أبي رفعة يعني أبا معاوية مرة ثم ترك الرفع بعد روجح البيهقي أيضا الوقف : قوله " الظهر " أي ظهر الدابة . قوله " يركب " بضم أوله على البناء للمجهول لجميع الرواة كما قال الحافظ وكذلك يشرب وهو خبر في معنى الأمر كقوله تعالى { والولدات يرضعن } وقد قيل إن فاعل الركوب والشرب لم يتعين فيكون الحديث مجملا وأجيب بأنه لا إجمال بل المراد المرتهن بقرينة إن انتفاع الراهن بالعين المرهونة لأجل كونه مالكا والمراد هنا الانتفاع في مقابلة النفقة وذلك يختص بالمرتهن كما وقع التصريح بذلك في الرواية الأخرى . ويؤيده ما وقع عند حماد بن سلمة في جامعه بلفظ " إذا أرتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر علفها فإن استفصل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا " ففيه دليل على أنه يجوز للمرتهن الأنتفاع بالرهن إذا قام بما يحتاج إليه ولو لم يأذن المالك وبه قال أحمد وإسحاق والليث والحسن وغيرهم وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء لا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء بل الفوائد للراهن والمؤن عليه قالوا والحديث رد على خلاف القياس من وجهين أحدهما التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير أذنه . والثاني تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة . قال ابن عبد البر هذا الحديث عند جمهور الفقهاء ترده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها ويدل على نسخه حديث ابن عمر عند البخاري وغيره بلفظ " لاتحلب ماشية امرئ بغير إذنه " ويجاب عن دعوى مخالفة هذا الحديث الصحيح للأصول بأن السنة الصحيحة من جملة الأصول فلا ترد الا بمعارض أرجح منها بعد تعذر الجمع . وعن حديث ابن عمر بأنه عام وحديث الباب خاص فيبنى العام على الخاص والنسخ لا يثبت إلا بدليل يقضي بتأخر الناسخ على وجه يتعذر معه الجمع لا بمجرد الاحتمال مع الإمكان . وقال الأوزاعي والليث وأبو ثور أنه يتعين حمل الحديث على ما إذا امتنع الراهن من الأتفاق على المرهون فيباح حينئذ للمرتهن وأجود ما يحتج به للجمهور حديث أبي هريرة الآتي وستعرف الكلام عليه : قوله " الدر " بفتح الدال المهملة وتشديد الراء مصدر بمعنى الدارة أي لبن الدابة ذات الضرع . وقيل هو ههنا من إضافة الشيء إلى نفسه كقوله تعالى { حب الحصيد }

4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه "
- رواه الشافعي والدارقطني وقال هذا إسناد حسن متصل

- الحديث أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن حبان في صحيحه وأخرجه أيضا ابن ماجه من طريق أخرى وصحح أبو داود والبزار والدارقطني وابن القطان إرساله عن سعيد بن المسيب بدون ذكر أبي هريرة . قال في التلخيص وله طرق في الدارقطني والبيهقي كلها ضعيفة وقال في بلوغ المرام إن رجاله ثقات الا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله اه وساقه ابن حزم من طريق قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا يحيى بن أبي طالب الأنطاكي وغيره من أهل الثقة حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا شبابة عن روقاء عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يغلق الرهن الرهن لمن رهنه له غنمه وعليه غرمه " قال ابن حزم هذا إسناد حسن وتعقبه الحافظ بأن قوله نصر بن عاصم تصحيف وإنما هو عبد الله بن نصر الأصم الأنطاكي وله أحاديث منكرة . وقد رواه الدارقطني عبد الله بن نصر المذكور وصحح هذه الطريق عبد الحق وصحح أيضا وصله ابن عبد البر وقال هذه اللفظة يعني له غنمه وعليه غرمه اختلف الرواة في رفعها ووقفها فرفعها ابن أبي ذئب ومعمر وغيرهما ووقفها غيرهم . وقد روى ابن وهب هذا الحديث فجوده وبين إن هذه اللفظة من قول سعيد بن المسيب . وقال أبو داود في المراسيل قوله " له غنمه وعليه غرمه من كلام سعيد بن المسيب نقله عنه الزهري . قوله " لا يغلق الرهن " يحتمل أن تكون لانافية ويحتمل أن تكون ناهية . قال في القاموس غلق الرهن استحقه المرتهن وذلك إذا لم يفتكه في الوقت المشروط اه وقال الأزهري الغلق في الرهن ضد الفك فإذا فك الراهن الرهن فقد أطلقه من وثاقه عند مرتهنه . وروى عبد الرزاق عن معمر أنه فسر غلاق الرهن بما إذا قال الرجل إن لم آتك بما لك فالرهن لك قال ثم بلغني عنه أنه قال إن هلك لم يذهب حق هذا إنما هلك من رب الرهن له غنمه وعليه غرمه . وقد روى أن المرتهن في الجاهلية كان يتملك الرهن إذ لم يؤد الراهن إليه ما يستحقه في الوقت المضروب فأبطله الشارع : قوله " له غنمه وعليه غرمه " فيه دليل لمذهب الجمهور المتقدم لأن الشارع قد جعل الغنم والغرم للراهن ولكنه قد اختلف في وصله وإرساله ورفعه ووقفه وذلك مما يوجب عدم انتهاضه لمعارضة ما في صحيح البخاري وغيره كما سلف

كتاب الحوالة والضمان

باب وجوب قبول الحوالة إلى الملئ

1 - عن أبي هريرة قال " مطل الغني ظلم وإذا اتبع أحدكم على ملئ فليتبع "
- رواه الجماعة . وفي لفظ لأحمد " ومن أحيل على ملئ فليحتمل "

2 - وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " مطل الغني ظلم وإذا أحلت على ملئ فاتبعه "
- رواه ابن ماجه

- حديث ابن عمر إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا إسماعيل بن توبة حدثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر فذكره . وإسماعيل بن توبة قال ابن أبي حاتم صدوق وبقية رجاله رجال الصحيح وقد أخرجه أيضا الترمذي وأحمد . قوله " الحوالة " هي بفتح الحاء المهملة وقد تكسر قال في الفتح مشتقة من التحويل أو من الحول يقال حال عن العهد إذا انتقل عنه حولا وهي عند الفقهاء نقل دين من ذمة إلى ذمة اختلفوا هل هي بيع دين بدين رخص فيه فاستثنى من النهي عن بيع الدين بالدين أو هي استيفاء وقيل هي عقد إرفاق ويشترط في صحتها رضا المحيل لا خلاف والمحتال عند الأكثر والمحال عليه عند بعض . ويشترط أيضا تماثل النقدين في الصفات وأن يكون في شيء معلوم ومنهم من خصها بالنقدين ومنعها في الطعام لأنها بيع طعام قل أن يستوفي اه . قوله " مطل الغني " من إضافة المصدر إلى الفاعل عند الجمهور والمعنى أنه يحرم على الغني القادر أن يمطل صاحب اليد بخلاف العاجز وقيل هو من إضافة المصدر إلى المفعول أي يجب على المستدين أن يوفي صاحب الدين ولو كان المستحق للدين غنيا فإن مطله ظلم فكيف إذا كان فقيرا فإنه يكون ظلما بالأولى ولا يخفى بعد هذا كما قال الحافظ والمطل في الأصل المد وقال الأزهري المدافعة . قال في الفتح والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر : قوله " وإذا اتبع " باسكان التاء المثناة الفوقية على البناء للمجهول . قال النووي هذا هو المشهور في الرواية واللغة . وقال القرطبي أما أتبع فبضم الهمزة وسكون التاء مبنيا لما لم يسم فاعله عند الجميع وأما فليتبع فالأكثر على التخفيف وقيده بعضهم بالتشديد والأول أجود وتعقب الحافظ ما ادعاه من الاتفاق بقول الخطابي إن أكثر المحدثين يقولونه يعني أتبع بتشديد التاء والصواب التخفيف والمعنى إذا أحيل فليحتل كما وقع في الرواية الأخرى . قوله " على ملئ " قيل هو بالهمز وقيل بغير همز ويدل على ذلك قول الكرماني الملى كالغني لفظا ومعنى . وقال الخطاب إنه في الأصل بالهمز ومن رواه بتركها فقد سهله : قوله " فاتبعه " قال في الفتح هذا بتشديد التاء بلا خلاف ( والحديثان ) يدلان على أنه يجب على من أحيل بحقه على ملئ أن يحتال وإلى ذلك ذهب أهل الظاهر وأكثر الحنابلة وأبو ثور وابن جرير وحمله الجمهور على الاستحباب . قال الحافظ ووهم من نقل فيه الإجماع . ( وقد اختلف ) هل المطل مع الغني كبيرة أم لا وقد ذهب الجمهور إلى أنه موجب للفسق واختلفوا هل يفسق بمرة أو يشترط التكرار وهل يعتبر الطلب من المستحق أم لا . قال في الفتح وهو يتصف بالمطل من ليس القدر الذي عليه حاضرا عنده لكنه قادر على تحصيله بالتكسب مثلا أطلق أكثر الشافعية عدم الوجوب وصرح بعضهم بالوجوب مطلقا وفصل آخرون بين أن يكون أصل الدين وجب بسبب يعصى به فيجب وإلا فلا اه . والظاهر الأول لأن القادر على التكسب ليس بمليء والوجوب إنما هو عليه فقط لان تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية

باب ضمان دين الميت المفلس

1 - عن سلمة بن الأكوع قال " كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتي بجنازة فقالوا يا رسول الله عليها قال هل ترك شيئا قالوا لا فقال هل عليه دين قالوا ثلاثة دنانير قال صلوا على صاحبكم فقال أبو قتادة صل عليه يا رسول الله وعلى دينه فصلى عليه "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي . وروى الخمسة الا أبا داود هذه القصة من حديث أبي قتادة وصححه الترمذي . وقال فيه النسائي وابن ماجه " فقال أبو قتادة أنا أتكفل به " وهذا صريح في إن الانشاء لا يحتمل الأخبار بما مضى

2 - وعن جابر قال " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يصلي على رجل مات عليه دين بميت فسأل عليه دين قالوا نعم ديناران قال صلوا على صاحبكم فقال أبو قتادة هما علي يا رسول الله فصلى عليه فلما فتح الله على رسوله قال أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دين فعلى ومن ترك مالا فلورثته "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي

- حديث أبي قتادة أخرجه أيضا ابن حبان وحديث جابر أخرجه أيضا ابن حبان والدارقطني والحاكم وفي الباب عن أبي سعيد عند الدارقطني والبيهقي بأسانيد قال الحافظ ضعيفة بلفظ " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة فلما وضعت قال صلى الله عليه وآله وسلم هل على صاحبكم من دين قالوا نعم درهمان قال صلوا على صاحبكم فقال علي عليه السلام يا رسول الله هما علي وأنا لهما ضامن فقام يصلي ثم أقبل على علي عليه السلام فقال جزاك الله عن الإسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك ما من مسلم فك رهان أخيه الا فك الله رهانه يوم القيامة فقال بعضهم هذا لعلي رضي الله عنه خاصة أم للمسلمين عامة فقال بل للمسلمين عامة " . وعن أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال في خطبته " من خلف مالا أو حقا فلورثته ومن خلف كلا أو دينا فكله إلي ودينه علي " وعن سلمان عند الطبراني بنحو حديث أبي هريرة وزاد " وعلى الولاة من بعدي من بيت مال المسلمين " وفي إسناده عبد الله بن سعيد الأنصاري متروك ومتهم . وعن أبي أمامة عن ابن حبان في ثقاته : قوله " ثلاثة دنانير " في الرواية الأخرى " ديناران " وفي رواية لابن ماجه وابن حبان من حديث أبي قتادة " سبعة عشر درهما " وفي رواية لابن حبان من حديثه " ثمانية عشر " وهذان دون دينارين وفي رواية لابن حبان أيضا من حديثه ديناران وفي رواية له أيضا من حديث أبي أمامة نحو ذلك . وفي مختصر المازني من حديث أبي سعيد الخدري إن الدينكان درهمين ويجمع بين رواية الدينارين والثلاثة بأن الدين كان دينارين وشطرا فمن قال ثلاثة جبر الكسر ومن قال ديناران الغاه أو كان أصلهما ثلاثة فوقي قبل موته دينارا وبقي عليه ديناران فمن قال ثلاثة فباعتبار الأصل ومن قال ديناران فباعتبار ما بقي من الدين والأول اليق كذا في الفتح ولا يخفى ما في ذلك من التعسف والأولى الجمع بين الروايات كلها بتعدد القصة ( وأحاديث الباب ) تدل على أنها تصح الضمانة عن الميت ويلزم الضمين ما ضمن به وسواء كان الميت غنيا أو فقيرا وإلى ذلك ذهب الجمهور وأجاز مالك للضامن الرجوع على مال الميت إذا كان له مال وقال أبو حنيفة لا تصح الضمانة إلا بشرط أن يترك الميت وفاء دينه وإلا لم يصح ( والحكمة ) في ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة على من عليه دين تحريض الناس على قضاء الديون في حياتهم والتوصل إلى البراء لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم . قال في الفتح وهل كانت صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على من عليه دين محرمة عليه أو جائزة وجهان . قال النووي الصواب الجزم وبجوازها مع وجود الضامن كما في حديث مسلم . وحكى القرطبي أنه ربما كان يمتنع من الصلاة على من أدان دينا غير جائز وأما من استدان لأمر هو جائز فما كان يمتنع وفيه نظر لأن في حديث أبي هريرة ما يدل على التعميم حيث قال في رواية للبخاري من توفي وعليه دين ولو كان الحال مختلفا لبينه صلى الله عليه وآله وسلم نعم جاء في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما امتنع من الصلاة على من عليه دين جاءه جبريل عليه السلام فقال إنما الظالم في الديون التي حملت في البغي والأسراف فأما المتعفف وذوالعيال فأنا ضامن له أؤدي عنه فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك وقال من ترك ضياعا الحديث . قال الحافظ وهو ضعيف وقال الحازمي بعد أن أخرجه لا بأس به في المتابعات وليس فيه أن التفصيل المذكور كان مستمرا وإنما فيه إنه طرأ بعد ذلك وأنه السبب في قوله صلى الله عليه وآله وسلم من ترك دينا فعلى وفي صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على من عليه دين بعد أن فتح الله عليه اشعار بأنه كان يقضيه من مال المصالح . وقيل بل كان يقضيه من خالص ملكه وهل كان القضاء واجبا عليه أم لا فيه وجهان قال ابن بطال وهكذا يلزم المتولي لأمر المسلمين أن يفعله بمن مات وعليه دين فإن لم يفعل فالأثم عليه إن كان حق الميت في بيت المال يفي بقدر ما عليه وإلا فبقسطه . قوله " فعلى " قال ابن بطال هذا ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين وقد حكى الحازمي اجماع الأمة على ذلك

باب في أن المضمون عنه إنما يبرأ بأداء الضامن لا بمجرد ضمانه

1 - عن جابر قال " توفى رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا تصلي عليه فخطى خطوة ثم قال أعليه دين قلنا ديناران فأنصرف فتحملهما أبو قتادة فأتيناه فقال أبو قتادة الديناران على فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أوفى الله حق الغريم وبرئ منه الميت قال نعم فصلى عليه ثم قال بعد ذلك اليوم ما فعل الديناران إنما مات أمس قال فعاد إليه من الغد فقال قد قضيتهما فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الآن بردت علهي جلده "
- رواه أحمد وإنما أراد بقوله والميت منهما برئ دخوله في الضمان متبرعا لا ينوي به رجوعا بحال

- الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي والدارقطني وصححه ابن حبان والحاكم : قوله " أتينا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم " زاد الحاكم " ووضعناه حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل عليه السلام " : قوله " فانصرف " لفظ البخاري في حديث أبي هريرة " فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلوا على صاحبكم " وتقدم نحوه في حديث سلمة . قوله " الآن بردت عليه " فيه دليل على أن خلوص الميت من ورطة الدين وبراءة ذمته على الحقيقة ورفع العذاب عنه إنما يكون بالقضاء عنه لا بمجرد التحمل بلفظ الضمانة ولهذا سارع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى سؤال أبي قتادة في اليوم الثاني عن القضاء وفيه دليل على أنه يستحب للإمام أن يخص من تحمل حمالة عن ميت على الأسراع بالقضاء . وكذلك يستحب لسائر المسلمين لأنه من المعاونة على الخير وفيه أيضا دليل على صحة التبرع بالضمانة عن الميت وقد تقدم الكلام على ذلك

باب في أن ضمان درك المبيع على البائع إذا خرج مستحقا

1 - عن الحسن عن سمرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به ويتبع البيع من باعه "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي . وفي لفظ " إذا سرق من الرجل متاع أو ضاع منه فوجده بيد رجل بعينه فهو أحق به ويرجع المشتري على البائع بالثمن " . رواه أحمد وابن ماجه

- سماع الحسن من سمرة فيه خلاف قد ذكرناه وبقية الاسناد رجاله ثقات لأن أبا داود رواه عن عمرو بن عوف الواسطي الحافظ شيخ البخاري عن هشيم عن موسى بن السائب وثقه أحمد عن قتادة عن الحسن : قوله " من وجد عين ماله " يعني المغصوب أو المسروق عند رجل أو امرأة فهو أحق به من كل أحد إذا ثبت أنه ملكه بالبينة أوصدقة من في يده العين ثم إن كانت العين بحوزه فله مع أخذ العين المطالبة بمنفعتها مدة بقائها في يده سواء انتفع بها من كانت في يده أم لا وإذا كانت العين قد نقصت بغير استعمال كتعثث الثوب ( 1 ) [ العثة بوزن الحقة السوسة التي تلحس الصوف ] وعمي العبد وسقوط يده بآفة فقيل يجب أخذ الأرش مع أجرته سليما لما قبل النقص وناقصا لما بعده وكذلك لو كان النقص بالاستعمال : قوله " البيع " بتشديد التحتية مكسورة وهو المشتري أي يرجع على من باع تلك العين منه ولا يرجع عند الهادوية إلا إذا كان تسليم المبيع إلى مستحقه بأذن البائع أو بحكم الحاكم بالبينة أو بعلمه لا إذا كان الحكم مستندا إلى إقرار المشتري أو نكوله فلا يرجع على البائع ثم إن كان المشتري علم بأن تلك العين مغصوبة فيتوجه عليه من المطالبة كل ما يتوجه إليه على الغاصب من الأجر والأرش وإن جهل لغصب ونحوه كانت يده عليها يد أمانه كالوديعة وقيل يد ضمانة ولكن يرجع بما غرم على البائع . قوله " بالثمن " يعني الذي دفعه إلى البائع

كتاب التفليس

باب ملازمة المليئ وإطلاق المعسر

1 - عن عمرو بن الشريد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته "
- رواه الخمسة إلا الترمذي . قال أحمد قال وكيع عرضه شكايته وعقوبته حبسه

- الحديث أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وابن حبان وصححه وعلقه البخاري قال الطبراني في الأوسط لا يروى عن الشريد إلا بهذا الإسناد تفرد به ابن أبي دليلة قال في الفتح وإسناده حسن : قوله " التفليس " هو مصدر فلسه أي نسبته إلى الإفلاس والمفلس شرعا من يزيد دينه على موجوده سمي مفلسا لأنه صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم ودنانير إشارة إلى أنه صار لا يمكل إلا أدنى الأموال وهي الفلوس أو سمي بذلك لأنه يمنع التصرف إلآ في الشيء التافه كالفلوس لأنهم ما كانوا يتعاملون بها في الأشياء الخطيرة أو أنه صار إلى حالة لا يملك فيها فلسا فعلى هذا فالهمزة في أفلس للسلب : قوله " ليالواجد " اللي بالفتح وتشديد الياء المطل والواجد بالجيم الغني من الوجد بالضم بمعنى القدرة قوله " يحل " بضم أوله أي يجوز وصفه بكونه ظالما . وروى البخاري والبيهقي عن سفيان مثل التفسير الذي رواه المصنف عن أحمد عن وكيع . واستدل بالحديث على جواز حبس من عليه الدين حتى يقضيه إذا كان قادرا على القضاء تأديبا له وتشديدا عليه لا إذا لم يكن قادرا لقوله " الواجد " فإنه يدل أيضا على أن المعسر لا يحل عرضه ولا عقوبته وإلى جواز الحبس للواجد ذهبت الحنفية وزيد بن علي . وقال الجمهور يبيع عليه الحاكم لما سيأتي من حديث معاذ وأما غير الواجد فقال الجمهور لا يحبس لكن قال أبو حنيفة يلازمه من له الدين وقال شريح يحبس والظاهر قول الجمهور ويؤيده قوله تعالى ( فنظرة إلى ميسرة ) وقد اختلف هل يفسق الماطل أم لا واختلف أيضا في تقدير ما يفسق به والكلام في ذلك مبسوط في كتب الفقه

2 - وعن أبي سعيد قال " أصيب رجل على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لغرمائه خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك "
- رواه الجماعة إلا البخاري

- قوله " في ثمار ابتاعها " هذا يدل على أن الثمار إذا أصيبت مضمونة على المشتري وقد تقدم في باب وضع الحوائج ما يدل على أنه يجب على البائع أن يضع عن المشتري بقدر ما أصابته الجائحة وقد جمع بينهما بأن وضع الجوائح محمول على الاستحباب . وقيل أنه خاص بما بيع من الثمار قبل بدو صلاحه . وقيل أنه يؤول حديث أبي سعيد هذا بأن التصدق على الغريم من باب الاستحباب وكذلك قضاؤه دين غرمائه من باب التعرض لمكارم الأخلاق وليس التصدق على جهة العزم ولا القضاء للغرماء على جهة الحتم وهذا هو الظاهر . ويدل عليه قوله في حديث وضع الجوائح " لا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك " فإنه صريح في وجوب الوضع لا في استحبابه وكذلك قوله في هذا الحديث " وليس لكم إلا ذلك " فإنه يدل على أن الدين غير لازم ولو كان لازما لما سقط الدين بمجرد الإعسار بل كان اللازم الإنظار إلى ميسرة وقد قدمنا في باب وضع الجوائح عدم صلاحية حديث أبي سعيد هذا للاستدلال به على عدم وضع الجوائح لوجهين ذكرناهما هنالك . وقد استدل الحديث على أن المفلس إذا كان له من المال دون ما عليه من الدين كان الواجب عليه لغرمائه تسليم المال ولا يجب عليه لهم شيء غير ذلك وظاهره أن الزيادة ساقطة عنه ولو أيسر بعد ذلك لم يطالب بها

باب من وجد سلعة باعها من رجل عنده وقد أفلس

1 - عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من وجد متاعه عند مفلس بعينه فهو أحق به "
- رواه أحمد

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من أدرك ماله بعينه عند رجل أفلس أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره " ز
- رواه الجماعة . وفي لفظ قال في الرجل الذي يعدم " إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه أنه لصاحبه الذي باعه " رواه مسلم والنسائي وفي لفظ " أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده ماله ولم يكن اقتضى من ماله شيئا فهو له " رواه أحمد

3 - وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به وإن مات المشتري فصاحب المتاع اسوة الغرماء "
- رواه مالك في الموطأ وأبو داود وهو مرسل . وقد أسنده أبو داود من وجه ضعيف

- حديث سمرة أخرجه أيضا أبو داود قال في الفتح وإسناده حسن وهو من رواية الحسن البصري عنه وفي سماعه منه خلاف معروف قد قدمنا الكلام فيه ولكنه يشهد لصحته حديث أبي هريرة المذكور بعده ويشهد لصحته أيضا ما أخرجه الشافعي وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه عن أبي هريرة أنه قال في مفلس أتوه به " لاقضين فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أفلس أ
مات فوجد الرجل متاعه بعينه فهو أحق به " وفي إسناده أبو المعتمر . قال أبو داود الطحاوي وابن المنذر وهو مجهول ولم يذكر له ابن أبي حاتم إلا راويا واحدا وذكره ابن حبان في الثقات وهو للدارقطني والبيهقي من طريق أبي داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب . وحديث أبي بكر بن عبد الرحمن هو مرسل كما ذكره المصنف لأن أبا بكر تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ووصله أبو داود من طريق أخرى فقال عن أبي بكر المذكور عن أبي هريرة وهي ضعيفة كما قال المصنف وذلك لأن فيها اسمعيل ابن عياش وهو ضعيف غذ روى عن غير أهل الشام ولكنه ههنا روى عن الحرث الزبيدي وهو شامي قال الحافظ وقد اختلف على اسمعيل فأخرجه ابن الجارود من وجه عنه عن موسى بن عقبة عن الزهري موصولا . وقال الشافعي حديث أبي المعتمر أولى من هذا وهذا منقطع . وقال البيهقي لا يصح وصله ووصله عبد الرزاق في مصنفه . وذكر ابن حزم أن عراك بن مالك رواه أيضا عن أبي هريرة في غرائب مالك . وفي التمهيد أن بعض أصحاب مالك وصله . قال أبو داود والمرسل أصح وقد روى الشيخان بلفظ " من أدرك مال [ ماله ؟ ؟ ] بعينه عند رجل قد أفلس أو إنسان قد أفلس فهو أحق من غيره ووصله ابن حبان والدارقطني وغيرهما من طريق الثوري عن أبي بكر عن أبي هريرة بنحو لفظ الشيخين : قوله " بعينه " فيه دليل على أن شرط الاستحقاق أن يكون المال باقيا بعينه لم يتغير ولم يتبدل فإن تغيرت العين في ذاتها بالنقص مثلا أو في صفة من صفاتها فهي أسوة للغرماء ويؤيد ذلك قوله في الرواية الثانية ولم يفرقه وذهب الشافعي والهادوية إلى أن البائع أولى بالعين بعد التغير والنقص : قوله " فهو أحق به " أي من غيره كائن من كان وارثا أو غريما وبهذا قال الجمهور
وخالفت الحنفية في ذلك فقالوا لا يكون البائع أحق بالعين المبيعة التي في يد المفلس وتأولوا الحديث بأنه خبر واحد مخالف للأصول لأن السلعة صارت بالبيع ملكا للمشتري ومن ضمانه واستحقاق البائع أخذها منه نقض لملكه وحملوا الحديث على صورة وهي ماذا كان المتاع وديعة أو عارية أو لقطة
وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يقيد بالأفلاس ولا جعل أحق بها لما تقتضيه صيغة أفعل من الأشتراك وأيضا يرد ما ذهبوا إليه قوله في حديث أبي بكر " أيما رجل باع متاعا " فإن فيه التصريح بالبيع وهو نص في محل النزاع وقد أخرجه أيضا سفيان في جامعه وابن حسان وابن خزيمة عن أبي بكر عن أبي هريرة بلفظ " إذا ابتاع رجل سلعة ثم أفلس وهي عنده بعينها " وفي لفظ لابن حبان " إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته " وفي لفظ لمسلم والنسائي " أنه لصاحبه الذي باعه " كما ذكر المصنف وعند عبد الرزاق بلفظ " من باع سلعة من رجل " قال الحافظ فظهر بهذا أن الحديث وارد في صورة البيع ويلتحق به القرض وسائر ما ذكر يعني من العانية والوديعة بالأولى والأعتذار بأن الحديث خبر واحد مردود بأنه مشهور من غير وجه من ذلك ما تقدم عن سمرة وأبي هريرة وأبي بكر بن عبد الرحمن ومن ذلك ما أخرجه ابن حبان بإسناد صحيح عن ابن عمر مرفوعا بنحو أحاديث الباب وقد قضى به عثمان كما رواه البخاري والبيهقي عنه حتى قال ابن المنذر لا نعرف لعثمان مخالفا في الصحابة والاعتذار بأنه مخالف للأصول اعتذار فاسد لما عرفناك من أن السنة الصحيحة هي من جملة الأصول فلا يترك العمل بها إلا لما هو أنهض ولم يرد في المقام ما هو كذلك وعلى تسليم أنه ورد ما يدل على أن السلعة تصير بالبيع ملكا للمشتري فما ورد في الباب أخص مطلقا فيبنى العام على الخاص وحمل بعض الحنفية الحديث على ما [ ؟ ؟ ] إذا أفلس المشتري قبل أن يقبض السلعة وتعقب بقوله في حديث سمرة عند مفلس . وبقوله في حديث أبي هريرة عند رجل . وفي لفظ لابن حبان ثم أفلس وهي عنده وللبيهقي " إذا افلس الرجل وعنده متاع " وقال جماعة إن هذا الحكم أعني كةن البائع أولى بالسلعة التي بقيت في يد المفلس مختص بالبيع دون القرض . وذهب الشافعي وآخرون إلى أن المقرض أولى من غيره واحتج الأولون بالروايات المتقدمة المصرحة بالبيع قالوا فتحمل الروايات المطلقة عليها ولكنه لا يخفى أن التصريح بالبيع لا يصلح لتقييد الروايات المطلقة لأنه إنما يدل على أن غير البيع بخلافه بمفهوم اللقب وما كان كذلك لا يصح للتقييد إلا على قول أبي ثور كما تقرر في الأصول وربما يقال أن المصرح به هنا هو الوصف فلا يكون من مفهوم اللقب . قوله " ولم يكن أقتضي من ماله شيئا " فيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من أن المشتري إذا كان قد قضى بعض الثمن لم يكن البائع أولى بما لم يسلم المشتري ثمنه من المبيع بل يكون أسوة الغرماء
وقال الشافعي والهادوية إن البائع أولى به والحديث يرد عليهم : قوله " وإن مات المشتري " الخ فيه دليل على أن المشتري إذا مات والسلعة التي لم يسلم المشتري ثمنها باقية لا يكون البائع أولى بها بل يكون اسوة الغرماء وإلى ذلك ذهب مالك وأحمد . وقال الشافعي البائع أولى بها واحتج بقوله في حديث أبي هريرة الذي ذكرناه من أفلس أو مات الخ ورجحه الشافعي على المرسل المذكور في الباب قال ويحتمل أن يكون آخره من رأي أبي بكر بن عبد الرحمن لأن الذين وصلوه عنه لم يذكروا قضية الموت وكذلك الذين رووه عن أبي هريرة غيره لم يذكروا ذلك بل صرح بعضهم عن أبي هريرة بالتسوية بين الإفلاس والموت كما ذكرنا قال في الفتح فتعين المصير إليه لأنها زيادة مقبولة من ثقة قال وجزم ابن العربي بأن الزيادة التي في مرسل مالك من قول الراوي وجمع الشافعي أيضا بين الحديثين بحمل مرسل أبي بكر على ما إذا مات مليئا وحمل حديث أبي هريرة على ما إذ مات مفلسا وقد استدل بقوله في حديث أبي هريرة " أو مات " على أن صاحب السلعة أولى بها ولو أراد الورثة أن يعطوه ثمنها لم يكن لهم ذلك ولا يلزمه القبول وبه قال الشافعي وأحمد . وقال مالك يلزمه القبول وقالت الهادوية إن الميت إذا خلف الوفاء لم يكن البائع أولى بالسلعة وهو خلاف الظاهر لأن الحديث يدل على أن الموت من موجبات استحقاق البائع للسلعة ويؤيد ذلك عطفه على الإفلاس . واستدل بأحاديث الباب على حلول الدين المؤجل بالإفلاس . قال في الفتح من حيث أن صاحب الدين أدرك متاعه بعينه فيكون أحق به ومن لوازم ذلك أنها تجوز له المطالبة بالمؤجل وهو قول الجمهور لكن الراجح عند الشافعية أن المؤجل لا يحل بذلك لأن الأجل حق مقصود له فلا يفوت وهو قول الهادوية . واستدل أيضا بأحاديث الباب على أن لصاحب المتاع أن يأخذه من غير حكم حاكم قال في الفتح وهو الأصح من قول العلماء وقيل يتوقف على الحكم

باب الحجر على المدين وبيع ماله في قضاء دينه

1 - عن كعب بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه "
- رواه الدارقطني

2 - وعن عبد الرحمن بن كعب قال " كان معاذ بن جبل شابا سخيا وكان لا يمسك شيئا فلم يزل يدان حتى غرق ماله كله في الدين فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكلمه ليكلم غرماءه فلو تركوا لأحد لتركوا لمعاذ لأجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم ماله حتى قام معاذ بغير شيء "
- رواه سعيد في سننه هكذا مرسلا

- حديث كعبأخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححه ومرسل عبد الرحمن بن كعب أخرجه أيضا أبو داود وعبد الرزاق قال عبد الحق المرسل أصح وقال ابن الطلاع في الأحكام هو حديث ثابت وقد أخرج الحديث الطبراني . ويشهد له ما عند مسلم وغيره من حديث أبي سعيد قال " أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وقد تقدم . وقد استدل بحجره صلى الله عليه وآله وسلم على معاذ على أنه يجوز الحجر على كل مديون وعلى أنه يجوز للحاكم بيع مال المديون لقضاء دينه من غير فرق بين من كان ماله مستغرقا بالدين ومن لم يكن ماله كذلك وقد حكى صاحب البحر هذا عن العترة والشافعي ومالك وأبي يوسف ومحمد وقيدوا الجواز بطلب أهل الدين للحجر من الحاكم وروى عن الشافعي أنه يجوز قبل الطلب للمصلحة وحكى في البحر أيضا عن زيد بن علي والناصر وأبي حنيفة أنه لا يجوز الحجر على المديون ولا بيع ما له بل يحبسه الحاكم حتى يقضي واستدل لهم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحل مال امرئ مسلم " الحديث وهو مخصص بحديث معاذ المذكور . وأما ما أدعاه إمام الحرمين حاكبا لذلك عن العلماء وتبعه الغزالي أن حجر معاذ لم يكن من جهة غستعاء غرمائه بل الأشبه أنه جرى باستدعائه فقال الحافظ إنه خلاف ما صح من الروايات المشهورة ففي المراسيل لأبي داود التصريح بأن الغرماء التمسوا ذلك . قال وأما ما رواه الدارقطني أن معاذا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلمه ليكلم غرماءه فلا حجة فيه أن ذلك لالتماس الحجر وإنما فيه طلب معاذ الرفق منهم وبهذا تجتمع الروايات انتهى . وقد روى الحجر على المديون وإعطاء الغرماء ماله من فعل عمر كما في الموطأ والدارقطني وابن أبي شيبة والبيهقي وعبد الرزاق ولم ينقل أنه أنكر ذلك عليه أحد من الصحابة

باب الحجر على المبذر

1 - عن عروة بن الزبير " قال ابتاع عبد الله بن جعفر بيعا فقال علي رضي الله عنه لآتين عثمان فلأحجرن عليك فاعلم ذلك ابن جعفر الزبير فقال أنا شريكك في بيعتك فأتى عثمان رضي الله عنهما قال تعال احجر على هذا فقال الزبير أنا شريكه فقال عثمان احجر على رجل شريكه الزبير "
- رواه الشافعي في مسنده
هذه القصة رواها الشافعي عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف القاضي عن هشام بن هروة عن أبيه وأخرجها أيضا البيهقي . وقال يقال أن أبا يوسف تفرد به وليس كذلك ثم أخرجها من طريق الزهري المدني القاضي عن هشام نحوه . ورواها أبو عبيد في كتاب الأموال عن عفان بن مسلم عن حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن أبي سيرين قال قال عثمان لعلي عليه السلام ألا تأخذ على يد ابن أخيك يعني عبد الله بن جعفر وتحجر عليه اشترى سبخة ( 1 ) [ بفتح السين والمهملة وكسر الموحدة بعدها معجمة أي ذات سباخة وهي الأرض التي لا تنبت ] بستين ألف درهم ما يسرني أنها لي بنعلي وقد ساق القصة البيهقي فقال اشترى عبد الله بن جعفر أرضا سبخة فبلغ ذلك عليا عليه السلام فعزم على أن يسأل عثمان الحجر عليه فجاء عبد الله بن جعفر إلى الزبير فذكر له فقال الزبير أنا شريكك فلما سأل علي عثمان الحجر على عبد الله بن جعفر قال كيف أحجر على من شريكه الزبير وفي رواية للبيهقي أن الثمن ستمائة ألف . وقال الرافعي الثمن ثلاثون ألفا . قال الحافظ لعله من غلط الناسخ والصواب بستين يعني ألفا انتهى . وروى القصة ابن حزم فقال بستين ألفا . وقد استدل بهذه الواقعة من أجاز الحجر على من كان سيء التصرف وبه قال علي عليه السلام وعثمان وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر وشريح وعطاء والشافعي ومالك وأبو يوسف ومحمد هكذا في البحر قال في الفتح والجمهور على جواز الحجر على الكبير . وخالف أبو حنيفة بعض الظاهرية ووافق أبو يوسف ومحمد قال الطحاوي ولم ار عن أحد من الصحابة منع الحجر على الكبير ولا عن التابعين إلا عن إبراهيم وابن سيرين ثم حكى صاحب البحر عن العترة أنه لا يجوز مطلقا وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز أن يسلم إليه ماله بعد خمس وعشرين سنة ولهم أن يجيبوا عن هذه القصة بأنها وقعت عن بعض من الصحابة والحجة إنما هو إجماعهم والأصل جواز التصرف لكل مالك من غير فرق بين نواع التصرفات فلا يمنع منها إلا ما قام الدليل على منعه ولكن الظاهر أن الحجر على من كان في تصرفه سفه مكان أمرا معروفا عند الصحابة مألوفا بينهم ولو كان غير جائز لأنكره بعض من اطلع على هذه القصة ولكان الجواب من عثمان رضي الله عنه عن علي عليه السلام بأن هذا غير جائز وكذلك الزبير وعبد الله بن جعفر لو كان مثل هذا الأمر غير جائز لكان لهما عن تلك الشركة مندوحة والعجب من ذهاب العترة إلى عدم الجواز مطلقا وهذا إمامهم وسيدهم أمير المؤمنين على كرم الله وجهه يقول بالجواز مع كون أكثرهم يجعل حجة متبعة تجب المصير إليها وتصلح لمعارضة المرفوع وأما اعتذار صاحب البحر عن ذلك بأن عليا عليه السلام لم يفعل ذلك ففي غاية من السقوط فإن الحجر لو كان غير جائز لما ذهب إلى عثمان وسأل منه ذلك وأما اعتذاره أيضا بأن ذلك اجتهاد فمخالف لما تمشى عليه في كثير من الأبحاث من الجزم وبأن قول على حجة من غير فرق بين ما كان للاجتهاد فيه مسرح وما ليس كذلك على أن ما لا مجال للاجتهاد فيه لا فرق فيه بين قول علي عليه السلام وغيره من الصحابة أن له حكم الرفع وإنما محل النزاع بين أهل البيت عليهم السلام وغيرهم فيما كان مواطن الاجتهاد وكثيرا ما ترى جماعة من الزيدية في مؤلفاتهم يجزمون بحجية قوله عليه السلام إن وافق ما يذهبون إليه ويعتذرون عنه إن خالف بأنه اجتهاد لا حجة فيه كما يقع منهم ومن غيرهم إذا وافق قول أحد من الصحابة ما يذهبون إليه فإنهم يقولون لا مخالف له من الصحابة فكان إجماعا ويقولون إن خالف ما يذهبون إليه : قول صحابي لا حجة فيه . وهكذا يحتجون بأفعاله صلى الله عليه وآله وسلم إن كانت موافقة للمذهب ويعتذرون عنها إن خالفت بأنها غبر معمولة الوجه الذي لأجله وقعت فلا تصلح للحجة فليكن هذا منك على ذكر فإنه من المزالق التي يتبين عندها الإنصاف والاعتساف . وقد قدمنا التنبيه على مثل هذا وكررناه لما فيه من التحذير عن الاغترار بذلك
ومن الأدلة الدالة على جواز الحجر على من كان بعد البلوغ سيء التصرف قول الله تعالى { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } قال في الكشاق السفهاء المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي ولا يدي لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها والخطاب للأولياء وأضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم كما قال ولا تقتلوا أنفسكم . فمما ملكت إيمانكم من فتياتكم المؤمنات والدليل على أنه خطاب للأولياء في أموال اليتامى قوله { وارزقوهم فيها واكسوهم } ثم قال في تفسير قوله تعالى { وارزقوهم فيها } واجعلوها مكانا لرزقهم بأن تتحروا فيها وتتربحوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فلا يأكلها الإنفاق وقيل هو أمر لكل أحد أن لا يخرج ماله إلى أحد من السفهاء قريب أو أجنبي رجل أو امرأة يعلم أنه يضعه فيما لا ينبغي ويفسده انتهى . وقد عرفت بهذا عدم اختصاص السفهاء المذكورين بالصبيان كما قال في البحر فإنه تخصيص لما تدل عليه الصيغة بلا مخصص . ومما يؤيد ذلك نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الإسراف بالماء ولو على نهر جار . ومن المؤيدات عدم إنكاره صلى الله عليه وآله وسلم على قرابة حبان لما سألوه أن يحجر عليه أن صح ثبوت ذلك وقد تقدم الحديث بجميع طرقه في البيع وقد استدل على جواز الحجر على لاسفيه أيضا برده صلى الله عليه وآله وسلم صدقة الرجل الذي تصدق بأحد ثوبيه كما أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من حديث أبي سعيد وأخرجه الدارقطني من حديث جابر . وبما أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة من حديث جابر أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رد البيضة على من تصدق بها ولا مال له غيرها وبرده صلى الله عليه وآله وسلم عتق من أعتق عبد له عن دبر ولا مال له غيره كما أشار إلى ذلك البخاري وترجم عليه باب من رد أمر السفيه والضعيف العقل وإن لم يكن حجر عليه الإمام ( ومن جملة ) ما استدل به على الجواز قول ابن عباس وقد سئل متى ينقضي يتم اليتيم فقال لعمري أن الرجل لتنبت لحيته وأنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف العطاء فإذا أخذ لنفسه من صالح ما أخذ الناس فقد ذهب عنه اليتيم حكاه في الفتح والحكمة في الحجر على السفيه أن حفظ الأموال حكمة لأنها مخلوقة للانتفاع بها بلا تبذير ولهذا قال تعالى { أن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } قال في البحر ( فصل ) والسفه المقتضي للحجر عند من أثبته هو صرف المال في الفسق أو فيما لا مصلحة فيه ولا غرض ديني ولا دنيوي كشراء ما يساوي درهما بمائة لا صرفه في أكل طيب ولبس نفيس وفاخر المشموم قوله تعالى { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } الآية وكذا لو أنفقه في القرب انتهى

باب علامات البلوغ

1 - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه " حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتم بعد احتلام ولاصمات يوم إلى الليل "
- رواه أبو داود

2 - وعن ابن عمر قال " عرضت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني "
- رواه الجماعة

3 - وعن عطية قال " عرضنا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم قريظة فكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلى سبيله وكنت ممن لم ينبت فخلى سبيلي "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . وفي لفظ " فمن كان محتلما أو أنبت عانته قتل ومن لا ترك " رواه أحمد والنسائي

4 - وعن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم والشرخ الغلمان الذي لم ينبتوا "
- رواه الترمذي وصححه

- حديث علي عليه السلام في إسناده يحيى بن محمد المدني الجاري منسوب إلى الجار بالجيم والراء المهملة بلدة على الساحل بالقرب من مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . قال البخاري يتكلمون فيه . وقال ابن حبان يجب التنكب عما انفرد به من الروايات . وقال العقيلي لا يتابع يحيى المذكور على هذا الحديث . وفي الخلاصة أنه وثقه العجلي وابن عدي . قال المنذري وقد روى هذا الحديث من رواية جابر ابن عبد الله وأنس بن مالك وليس فيها شيء يثبت . وقد أعل هذا الحديث أيضا عبد الحق وابن القطان وغيرهما وحسنه النووي متمسكا بسكوت أبي داود عليه ورواه الطبراني في الصغير بسند آخر عن عليه عليه السلام . ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده وأخرج نحوه الطبراني في الكبير عن حنظلة بن حذيفة عن جده وإسناده لا بأس به . وأخرج نحوه أيضا ابن عدي عن جابر وحديث ابن عمر زاد فيه البيهقي وابن حبان في صحيحه بعد قوله " لم يجزني ولم يرني بلغت " وبعد قوله " فأجازني ورآني بلغت " وقد صحح هذه الزيادة أيضا ابن خزيمة . وحديث عطية القرظي صححه أيضا ابن حبان والحاكم وقال على شرط الصحيحين . قال الحافظ وهو كما قال إلا أنهما لم يخرجا لعطية وماله الا هذا الحديث الواحد وقد أخرج نحو حديث عطية الشيخان من حديث أبي سعيد بلفظ " فكان يكشف عن مؤتزر المراهقين فمن أنبت منهم قبل ومن لم ينبت جعل في الذراري " وأخرج البزار من حديث سعيد بن أبي وقاص " حكم على بني قريظة أن يقتل منهم كل منجرت عليه المواسي " وأخرج الطبراني من حديث أسلم بن بحير الأنصاري قال " جعلني النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أساري قريظة فكنت أنظر في فرج الغلام فإن رأيته قد أنبت ضربت عنقه وإن لم أره قد أنبت جعلته في مغانم المسلمين " قال الطبراني لا يروى عن أسلم الا بهذا الإسناد . قال الحافظ وهو ضعيف . وحديث سمرة أخرجه أيضا أبو داود وهو من رواية الحسن عن سمرة وفي سماعه منه مقال قد تقدم ( وفي الباب ) عن أنس عند البيهقي بلفظ " إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأقيمت عليه الحدود " قال في التلخيص وسنده ضعيف . وعن عائشة عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم بلفظ " رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق "
وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي وأحمد والدارقطني والحاكم وابن حبان وابن خزيمة عن علي عليه السلام من طرق وفيه قصة جرت له مع عمر علقها البخاري فمن الطرق عن أبي ظبيان عنه بالحديث والقصة ومنها عن أبي ظبيان عن ابن عباس وهي من رواية جرير بن حازم عن الأعمش عنه وذكره الحاكم عن شعبة عن الأعمش كذلك لكنه وقفه . وقال البيهقي تفرد برفعه جرير بن حازم . قال الدارقطني في العلل وتفرد به عن جرير عبد اللهبن وهب وخالفه ابن فضيل ووكيع عن الأعمش موقوفا وكذا قال أبو حصين عن أبي ظبيان وخالفهم عمار بن رزيق فرواه عن الأعمش ولم يذكر فيه ابن عباش وكذا قال عطاء بن السائب عن أبي ظبيان عن علي وعمر رضي الله عنهما مرفوعا . قال الحافظ وقول وكيع وابن فضيل أشبه بالصواب . وقال النسائي حديث أبي حصين أشبه بالصواب . ورواه أيضا أبو داود من حديث أبي الضحى عن علي عليه السلام بالحديث دون القصة وأبو الضحي . قال أبو رزعة حديثه عن علي مرسل . ورواه ابن ماجه من حديث القاسم بن يزيد عن علي . قال أبو زرعة وهو مرسل أيضا . وراه الترمذي من حديث الحسن البصري قال أبو زرعة أيضا وهو مرسل لم يسمع الحسن من علي شيئا
وروى الطبراني عن أبي أدريس الخولاني قال أخبرني غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثوبان ومالك بن شداد وغيرهما فذكر نحوه وفي إسناده برد بن سنان وهو مختلف فيه . قال الحافظ وفي إسناده مقال في اتصاله . ورواه الطبراني أيضا من طريق مجاهد عن ابن عباس وإسناده ضعيف كما قال الحافظ : قوله " لا يتم بعد احتلام " استدل به على أن الاحتلام من علامات البلوغ . وتعقب بأنه بيان لغاية مدة اليتم وارتفاع اليتم لا يستلزم البلوغ الذي هو مناط التكليف لأن اليتم يرتفع عند ادراك الصبي لمصالح دنياه والتكليف إنما يكون عند إدراكه لمصالح آخرته والأولى الاستدلال بما وقع في رواية لأحمد وأبي داود والحاكم من حديث علي عليه السلام بلفظ " وعن الصبي حتى يحتلم " ويؤيد ذلك قوله في حديث عطية " فمن كان محتلما " وقد حكى صاحب البحر الإجماع على أن الأحتلام مع الأنزال من علامات البلوغ في الذكر ولم يجعله المنصور بالله في الأنثى . قوله " ولاصمات " الخ الصمات السكوت قال في القاموس وماذقت صماتا كسحاب شيئا ولا صمت يوم إلى الليل أي لاصمت يوم تام انتهى . قوله " فلم يجزني " وقوله " فأجازني " المراد بالإجازة الأذن بالخروج للقتال من أجازه إذا أمضاه وأذن له لا من الجائزة التي هي العطية كما فهمه صاحب ضوء النهار وقد استدل بحديث ابن عمر هذا من قال ان مضى خمس عشرة سنة من الولادة يكون بلوغا في الذكر والأنثى وإليه ذهب الجمهور وتعقب ذلك الطحاوي وابن القصار وغيرهما بأنه لا دلالة في الحديث على البلوغ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يتعرض لسنه وإن فرض خطور ذلك ببال ابن عمر ويرد هذا التعقب ما ذكرنا من الزيادة في الحديث أعني قوله " ولم يرني بلغت " وقوله " ورآني بلغت " والظاهر أن ابن عمر لا يقول هذا بمجرد الظن من دون أن يصدر منه صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على ذلك . وقال أبو حنيفة بل مضى ثمان عشرة سنة للذكر وسبع عشرة للأنثى : قوله " فكان من أنبت " الخ : استدل به من قال إن الإنبات من علامات البلوغ وإليه ذهبت الهادوية وقيدوا ذلك بأن يكون الإنبات بعد التسع وتعقب بأن قتل من أنبت ليس لأجل التكليف بل لرفع ضرره لكونه مظنة للضرر كقتل الحية ونحوها ورد هذا التعقب بأن القتل لمن كان كذلك ليس الا لأجل الكفر لا لدفع الضرر لحديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " وطلب الإيمان وإزالة المانع منه فرع التكليف ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يغزو إلى البلاد البعيدة كتبوك ويأمر بغزو أهل الأقطار النائية مع كون الضرر ممن كان كذلك مأمونا وكون قتال الكفار لكفرهم هو مذهب طائفة من أهل العلم وذهبت طائفة أخرى إلى أن قتالهم لدفع الضرر والقول بهذا المقالة هو منشأ ذلك التعقب ومن القائلين بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية حفيد المصنف وله في ذلك رسالة . قوله " شرخهم " بفتح الشين المعجمة وسكون الراء المهملة بعدها خاء معجمة . قال في القاموس هو أول الشباب انتهى . وقيل هم الغلمان الذي لم يبلغوا وحمله المصنف على من لم يثبت من الغلمان ولابد من ذلك للجمع بين الأحاديث وإن كان أول الشباب يطلق على من كان في أول الانبات والمراد بالإنبات المذكور في الحديث هو ابنات الشعر الأسود المتجعدة في العانة لا إنبات مطلق الشعر فإنه موجود في الأطفال

باب ما يحل لولي اليتيم من ماله بشرط العمل والحاجة

1 - عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } إنها نزلت في ولي اليتيم إذا كان فقيرا أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بالمعروف . وفي لفظ " أنزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلح ماله إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف "
- أخرجاهما

2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أني فقير ليس لي شيء ولي يتيم فقال كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل "
- رواه الخمسة إلا الترمذي . وللأثرم في سننه عن ابن عمر " أنه كان يزكي مال اليتيم ويستقرض منه ويدفعه مضاربة "

- حديث عمرو بن شعيب سكت عنه أبو داود وأشار المنذري إلى أن في إسناده عمرو بن شعيب وفي سماع أبيه من جده مقال قد تقدم التنبيه عليه . وقال في الفتح إسناده قوي والآية المذكورة تدل على جواز نأكل ولي اليتيم من ماله بالمعروف إذا كان فقيرا ووجوب الاستعفاف إذا كان غنيا وهذا إن كان المراد بالغني والفقير في الآية ولي اليتيم على ما هو المشهور . وقيل المعنى في الآية اليتيم أي إن كان غنيا فلا يسرف في الإنفاق عليه وإن كان فقيرا فليطعمه من ماله بالمعروف فلا يكون على هذا في الآية دلالة على الأكل من مال اليتيم أصلا هذا التفسير رواه ابن التين عن ربيعة ولكن المتعين المصير إلى الأول لقول عائشة المذكور . وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة فروى عن عائشة أنه يجوز للولي أن يأخذ من مال اليتيم قدر عمالته وبه قال عكرمة والحسن وغيرهم وقيل لا يأكل منه إلا عند الحاجة ثم اختلفوا فقال عبيدة بن عمرو وسعيد بن جبير ومجاهد إذا أكل ثم أيسر قضى وقيل لا يجب القضاء وقيل إن كان ذهبا أو فضة لم يجز له أن يأخذ منه شيئا الا على سبيل القرض وإن كان غير ذلك جاز بقدر الحاجة وهذا أصح الأقوال عن ابن عباس وبه قال الشعبي وأبو العالية وغيرهما أخرج جميع ذلك ابن جرير في تفسيره وقال هو بوجوب القضاء مطلقا وانتصر له وقال الشافعي يأخذ أقل الأمرين من أجرته ونفقته ولا يجب الرد على الصحيح عنده والظاهر من الآية والحديث جواز الأكل مع الفقر بقدر الحاجة من غير اسراف ولا تبذير ولا تأثل والأذن بالأكل يدل إطلاقه على عدم وجوب الرد عند التمكن ومن ادعى الوجوب فعليه الدليل : قوله " غير مسرف ولا مبادر " هذا مثل قوله تعالى { ولا تأكلوها اسرافا وبدارا } أي مسرفين ومبادرين كبر الأيتام أو لا سرافكم ومبادرتكم كبرهم . يفرطون في انفاقها ويقولون تنفق كما تشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا . ولفظ أبي داود غير مسرف ولا مبذر : قوله " ولامتأثل " قال في القاموس أثل ماله تأثيلا زكاه وأصله وملكه عظمه والأهل كساهمه أفضل كسوة وأحسن إليهم والرجل كثر ماله انتهى . والمراد هنا أنه لا يدخر من مال اليتيم لنفسه ما يزيد على قدر ما يأكله . قال في الفتح المتأثل بمثناة ثم مثلثة مشددة بينهما همزة هو المتخذ والتأثيل اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم واثله اصله . قوله " أنه كان يزكي مال اليتيم " الخ فيه إن ولي اليتيم يزكي ماله ويعامله بالقرض والمضاربة وما شابه ذلك

باب مخالطة الولي اليتيم في الطعام والشراب

1 - عن ابن عباس قال " لما نزلت ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن عزلوا أموال اليتامى حتى جعل الطعام يفسد واللحم ينتن فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت { وإن تخالطوهم فأخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح قال فخالطوهم "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود

- الحديث أخرجه أيضا الحاكم وصححه وفي إسناده عطاء بن السائب وقد تفرد بوصله وفيه مقال . وقد أخرج له البخاري مقرونا . وقال أيوب ثقة وتكلم فيه غير واحد . وقال الإمام أحمد من سمع منه قديما فهو صحيح ومن سمع منه حديثا لم يكن بشيء ووافقه على ذلك يحيى بن معين وهذا الحديث من رواية جرير بن عبد الحميد عنه وهو ممن سمع منه حديثا ورواه النسائي من وجه آخر عن عطاء موصولا وزاد فيه " وأحل لهم خلطهم " ورواه عبد بن حميد عن قتادة مرسلا ورواه الثوري في تفسيره عن سعيد بن جبير مرسلا أيضا . قال في الفتح وهذا هو المحفوظ مع إرساله وروى عبد بن حميد من طريق السدى عمن حدثه عن ابن عباس قال المخالطة أن تشرب من لبنه ويشرب من لبنك وتأكل من قصعته ويأكل من قصعتك والله يعلم المفسد من المصلح من يتعمد أكل مال اليتيم وم يتجنبه . وقال أبو عبيد المراد بالمخالطة أن يكون اليتيم بين عيال الوالي فيشق عليه إفراز طعامه فيأخذ من مال اليتيم قدر ما يرى أنه كافيه بالتحري فيخلطه بنفقة عياله ولما كان ذلك قد تقع في الزيادة والنقصان خشوا منه فوسع الله لهم وقد ورد التنفير عن أكل أموال اليتامى والتشديد فيه قال الله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } وثبت في الصحيح أن أكل مال اليتيم أحد السبع الموبقات فالواجد على من ابتلى بيتيم أن يقف على الحد الذي أباحه له الشارع في الأكل من ماله ومخالطته لأن الزيادة عليه ظلم يصلى به فاعله سعيرا ويكون من الموبقين نسأل الله السلامة

كتاب الصلح ( 1 ) وأحكام الجوار

باب جواز الصلح عن المعلوم والمجهول والتحليل منهما

1 - عن أم سلمة قالت " جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مواريث بينما قد درست ليس بينهما بينة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنكم تختصمون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما أنا بشر ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها اسطاما في عنقه يوم القيامة فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما حقي لاخي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه "
- رواه أحمد وأبو داود " وفي رواية لأبي داود . وإنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل على فيه "
_________
( 1 ) [ قال الحافظ في الفتح والصلح أقسام : صلح المسلم مع الكافر . والصلح بين الزوجين . والصلح بين الفئة الباغية والعادلة . والصلح بين المتغاضبين كالزوجين والصلح في الجراح كالعفو على مال . والصلح لقطع الخصومة إذا وقعت المزاحمة أما في الأملاك أو في المشتركات كالشوارع وهذا الأخير هو الذي يتكلم فيه أصحاب الفروع اه ]

- الحديث أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري . وفي إسناده أسامة بن زيد بن أسلم المدني مولى عمر قال النسائي وغيره ليس بالقوي . واصل هذا الحديث في الصحيحين وسيأتي في باب إن حكم الحاكم ينفذ ظاهر الا باطنا من كتاب الأقضية : قوله " إنكم تختصمون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " يعني في الأحكام . قوله " وإنما أنا بشر " البشر يطلع على الواحد كما في الحديث وعلى الجمع نحو قوله تعالى { نذيرا للبشر } والمراد إنما أنا مشارك لغيري في البشرية وإن كان صلى الله عليه وآله وسلم زائدا عليهم بما أعطاه الله تعالى من المعجزات الظاهرة والاطلاع على بعض الغيوب الحصر ههنا مجازي أي باعتبار علم الباطن . وقد حققه علماء المعاني وأشرنا إلى طرف من تحقيقه في كتاب الصلاة : قوله " ألحن " أي أفطن وأعرف ويجوز أن يكون معناه أفصح تعبيرا عنها أظهر احتجاجا فربما جاء بعبارة تخيل إلى السامع أنه محق وهو في الحقيقة مبطل والأظهر أن يكون معناه أبلغ كما في رواية في الصحيحين أي أحسن ايرادا للكلام وأصل اللحن الميل عن جهة الاستقامة يقال لحن فلان في كلامه إذا مال عن صحيح النطق ويقال لحنت لفلان إذا قلت له قولا يفهمه ويخفى على غيره لأنه بالتورية ميل كلامه عن الواضح المفهوم . قوله " وإنما أقضي " الخ فيه دليل على أن الحاكم إنما يحكم بظاهر ما يسمع من الألفاظ مع جواز كون الباطن خلافه ولم يتعبد بالبحث عن البواطن باستعمال الأشياء التي تفضي في بعض الأحوال إلى ذلك كأنواع السياسة والمداهاة قوله " فلا يأخذه " فيه ان حكم الحاكم لا يحل به الحرام كما زعم بعض أهل العلم قوله " قطعة " بكسر القاف أي طائفة : قوله " اسطاما " بضم الهمزة وسكون السين المهملة . قال في القاموس السطام بالكسر المسعار لحديدة مفطوحة تحرك بها النار ثم قال والاسطام المسعار اه . والمراد هنا الحديدة التي تسعر بها النار أي يأتي يوم القيامة حاملا لها مع أثقاله : قوله " حقي لأخي " فيه دليل على صحة هبة المجهول وهبة المدعي قبل ثبوته وهبة الشريك لشريكه : قوله " أما إذا قلتما " لفظ أبي داود " أما إذا فعلتما ما فعلتماه فاقتسما " قال في شرح السنن أما بتخفيف الميم يحتمل أن يكون بمعنى حقا وإذ للتعليل : قوله " فاقتسما " فيه دليل على أنه الهبة إنما تملك بالقبول لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرها بالاقتسام بعد أن وهب كل واحد نصيبه من الآخر . قوله " ثم توخيا " بفتح الواو والخاء المعجمة . قال في النهاية أي اقصدا الحق فيما تصنعان من القسمة يقال توخيت الشيء أتوخاه توخيا إذا قصدت إليه وتعمدت فعله : قوله " ثم استهما " أي ليأخذ كل واحد منكما ماتخرجه القرعة من القسمة ليتميز سهم كل واحد منكما عن الآخر . وفيه الأمر بالقرعة عند المساواة أو المشاحة وقد وردت القرعة في كتاب الله في موضعين . أحدهما قوله تعالى { إذ يلقون أقلامهم } والثاني قوله تعالى { فساهم فكان من المدحضين } وجاءت في خمسة أحاديث من السنة الأول هذا الحديث . الثاني حديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم " كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه " الثالث أنه صلى الله عليه وآله وسلم " أقرع في ستة مملوكين " الرابع قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه " الخامس حديث الزبير " أن صفية جاءت بثوبين لتكفن فيهما حمزة فوجدنا إلى جنبه قتيلا فقلنا لحمزة ثوب وللانصاري ثوب فوجدنا أحد الثوبين أوسع من الآخر فأقرعنا عليهما ثم كفنا كل واحد في الثوب الذي خرج له " والظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على على هذا وقرره لأنه كان حاضرا هنالك ويبعد أن يخفي عليه مثل ذلك في حق حمزة وقد كانت الصحابة تعتمد القرعة في كثير من الأمور كما روي " أنه تشاح الناس يوم القادسية في الأذان فأقرع يبنهم سعد " : قوله " ثم ليحلل " الخ أي ليسأل كل واحد منكما صاحبه أن يجعله في حل من قبله بابراء ذمته وفيه دليل على أنه يصح الابراء من المجهول لان الذي في ذمة كل واحد ههنا غير معلوم وفيه أيضا صحة الصلح بمعلوم عن مجهول ولكن لا بد مع ذلك من التحليل . وحكى في البحر عن الناصر والشافعي أنه لا يصح بمعلوم عن مجهول : قوله " برأيي " هذا مما استدل به أهل الأصول على جواز العمل بالقياس وإنه حجة وكذا استدلوا بحديث بعث معاذ المعروف

2 - وعن عمرو بن عوف " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا حزم حلالا أو أحل حراما "
- رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وزاد " المسلمون على شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح

- الحديث أخرجه أيضا الحاكم وابن حبان وفي إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه وهو ضعيف جدا . قال فيه الشافعي وأبو داود هو ركن من أركان الكذب وقال النسائي ليس بثقة . وقال ابن حبان له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة وتركه أحمد . وقد نوقش الترمذي في تصحيح حديثه قال الذهبي أما الترمذي فروى من حديثه الصلح جائز بين المسلمين وصححه فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيحه . وقال ابن كثير في إرشاده قد نوقش أبو عيسى يعني الترمذي في تصحيحه هذا الحديث وماشاكله اه . واعتذر له الحافظ ( 1 ) [ قال في بلوغ المرام وكأنه اعتبره بكثرة طرقه وقد صححه ابن جبان من حديث أبي هريرة اه . ] فقال وكأنه اعتبره بكثرة طرقه وذلك لأنه رواه أبو داود والحاكم من طريق كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال الحاكم على شرطهما وصححه ابن حبان وحسنه الترمذي . وأخرجه أيضا الحاكم من حديث أنس . وأخرجه أيضا من حديث عائشة وكذلك الدارقطني . وأخرجه أحمد من حديث سليمان بن بلال عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة وأخرجه ابن أبي شيبة عن عطاء مرسلا . وأخرجه البيهقي موقوفا علي عمر كتبه إلى أبي موسى . وقد صرح الحافظ بأن إسناد حديث أنس وإسناد حديث عائشة واهيان وضعف ابن حزم حديث أبي هريرة وكذلك ضعفه عبد الحق . وقد روى من طريق عبد الله بن الحسين المصيصي وهو ثقة وكثير بن زيد المذكور قال أبو زرعة صدوق ووثقه ابن معين والوليد بن رباح صدوق أيضا ولا يخفى ان الأحاديث المذكورة والطرق يشهد بعضها لبعض فاقل أحوالها أن يكون المتن الذي اجتمعت عليه حسنا : قوله " الصلح جائز " ظاهر هذه العبارة العموم فيشمل كل صلح الاما استثنى ومن ادعى عدم جواز صلح زائد على ما استثناه الشارع في هذا الحديث فعليه الدليل . وإلى العموم ذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والجمهور . وحكى في البحر عن العترة والشافعي وابن أبي ليلى أنه لا يصح الصلح عن أنكار وقد استدل لهم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحل مال أمرئ مسلم الا بطيبة من نفسه " وبقوله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } ويجاب بأن الرضا بالصلح مشعر بطيبة النفس فلا يكون أكل المال به من أكل أموال الناس بالباطل ( 2 ) [ وقد جمع بين الأدلة بجمع حسن صاحب السبل قال ومعنى عدم صحته أنه لا يطيب مال الخصم مع انكار المصالح وذلك حيث يدعى عليه آخر عينا أو دينا فيصالح ببعض العين او الدين مع انكار خصمه فإن الباقي لا يطيب له بل يجب عليه تسليمه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيبة من نفس " وقوله تعالى { عن تراض } وأجيب بأنها قد وقعت طيبة النفس بالرضى وعند الصلح قد صار في حكم عقد المعاوضة فيحل له ما بقي . قلت الأولى أن يقال إن كان المدعي يعلم إن حقا عند خصمه جاز له قبض ما صولح به والمدعى عليه إن كان عنده حق يعلمه جاز له إعطاء جزء من ماله في دفع شجار غريم وأذيته وحرم على المدعي أخذه وبهذا تجتمع الادلة فلا يقال الصلح على الإنكار لا يصلح ولا أنه يصح على الإطلاق بل يفصل فيه اه . ] واحتج لهم في البحر بأن الصلح معاوضة فلا يصح مع الإنكار كالبيع . وأجيب بأنه لا معنى للإنكار في البيع لعدم ثبوت حق لاحدهما على الآخر يتعلق به الإنكار قبل صدور البيع فلا يصح القياس . وقله " بين المسلمين " هذا خرج مخرج الغالب لأن الصلح جائز بين الكفار وبين المسلم والكافر . ووجه التخصيص إن المخاطب بالأحكام في الغالب هم المسلمون لأنهم هم المنقادون لها : قوله " الا صلحا " بالنصل على الأستثناء . وفي رواية لأبي داود والترمذي بالرفع . والصلح الذي يحرم الحلال كمصالحة الزوجة للزوج على ان لا يطلقها أو لا يتزوج عليها أو لا يبيت عند ضرتها والذي يحلل الحرام كأن مصالحه على وطء أمة لا يحل له وطؤها أو أكل مال لا يحل له أكله أو نحو ذلك : قوله " المسلمون على شروطهم " ( 1 ) [ وفي الاتيان بعلى ووصفهم بالاسلام والإيمان دلالة على علو مرتبتهم وأنهم لا يخلون بشروطهم فهلا يتنبه لذلك أهل هذا العصر ويقتدون بسلفهم وبما جاءت به شريعتهم لا سيما أهل العلم منهم ومن كان حائزا للشهادة والوظيفة نسأل الله التوفيق ] أي ثابتون عليها لا يرجعون عنها . قال المنذري وهذا في الشروط الجائزة دون الفاسدة ويدل على هذا قوله " الا شرطا حرم حلالا " الخ ويؤيده ماثبت في حديث بريرة من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " كل شرك ليس في كتاب الله فهو باطل " وحديث " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد والشرط الذي يحل الحرام كأن يشرط نصرة الظالم أو الباغي أو غزو المسلمين والذي يحرم الحلال كأن يشرط عليه أن لا يطأ أمته أو زوجته أو نحو ذلك

3 - وعن جابر " أن أباه قتل يوم أحد شهيدا وعليه دين فاشتد الغرماء في حقوقهم قال فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألهم ان يقبلوا ثمرة حائطي ويحللوا أبي فأبوا فلم يعطهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حائطي وقال سنغدو عليك فغدا علينا حين أصبح فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة فجددتها فقضيتهم وبقي لنا من ثمرها " . وفي لفظ " أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود فاستنظره جابر فابى أن ينظره فكلم جابر رسول الله يشفع له إليه فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلم اليهودي ليأخذ ثمرة نخله بالذي له فأبى فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم النخل فمشى فيها ثم قال لجابر جدله فأوف له الذي له فجده بعد ما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأوفاه ثلاثين وسقا وفضلت سبعة عشر وسقا "
- رواهما البخاري

- قوله " فجددتها " بالجيم ودالين مهملتين والجداد صرام النخل . والحديث فيه دليل على جواز المصالحة بالمجهول عن المعلوم وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل الغريم أن يأخذ ثمر الحائط وهو مجهول القدر في الأوساق التي له وهي معلومة ولكنه ادعى في البحر الإجماع على عدم الجواز فقال ما لفظه مسألة ويصح بمعلوم عن معلوم إجماعا بمجهول إجماعا ولوعن معلوم كأن يصالح بشيء عن شيء أو عن ألف بما يكسبه هذا العام اه . فينبغي أن ينظر في صحة هذا الإجماع فإن الحديث مصرح بالجواز . وقال المهلب لا يجوز عند أحد من العلماء أن يأخذ من له دين تمر تمرا مجازفة بدينه لما فيه من الجهل والغرر وإنما يجوز أن يأخذ مجازفة في حقه أقل من دينه إذا علم الآخذ بذلك رضي اه . وهكذا قال الدمياطي وتعقبهما ابن المنير فقال بيع المعلوم بالمجهول موابنة فإن كان تمرا نحوه فمزابنة وربا لكن اغتفر ذلك في الوفاء وتبعه الحافظ على ذلك فقال أنه يغتفر في القضاء من المعاوضة مالا يغتفر ابتداء لأن بيع الرطب بالتمر لا يجوز في غير العرايا ويجوز في المعاوضة عند الوفاء قال وذلك بين في حديث الباب انتهى . والحاصل أن هذا الحديث مخصص للعمومات المتقدمة في البيع القاضية بوجوب معرفة مقدار كل واحد من البدلين المتساوينن جنسا وتقديرا فيجوز القضاء مع الجهالة إذا وقع الرضا ويؤيد هذا حديث أم سلمة السالف فإنها وقعت فيه المصالحة بمعلوم عن مجهول . والمواريث الدارسة تطلق على الأجناس الربوية وغيرها فهو يقضي بعمومه أنها تجوز المصالحة مع جهالة أحد العوضين وإن كان المصالح به والمصالح عنه ربوين ولكن لابد من وقوع التحليل كما هو مصرح به في الحديثين وقد استدل المقبلي في الأبحاث بهذا الحديث على جواز صرف الفضة بالفضة مع التصريح بتطييب الزائد وأنه لا يلزم من ذلك إبطال المقصد الشرعي في الربا لأن كل حيلة توصل بها إلى السلامة من الإثم فهي جائزة وإنما المحرم الحيلة التي توصل بها إلى إبطال مقصد شرعي قال فعلى هذا يجوز الصرف للقروش بالمحلقة وهما ضربتان كبيرة وصغيرة ونحو ذلك مما دعت الضرورة إليه قال ولنحو ذلك رخص في بيع العرية وإلا فكان يمكن بيع التمر بالدراهم ثم شراء رطب بالدراهم أما لو كان الغرض طلب التجارة والأرباح كالصيارفة فلا يجوز إلى آخر كلامه . وصرح أيضا بأنه لا حاجة في الصرق إلى تكليف شراء سلعة ثم بيعها كما في حديث تمر الجمع والجنيب السالف قال لأن ذلك يلحق بالممتنع للضرورة إليه في أكثر الأحوال وغالبها ففيه غاية المشقة وأنت خبير بأن الحديث ورد على خلاف ما تقتضيه الأصول فلا يجوز أن يجاوز به مورده وهو صورة القضاء فلا يصح القياس وهذا على فرض عدم صحة الإجماع على خلاف ما يقتضيه الحديث فإن صح فالعمل به في تلك الصورة المخصوصة لا يجوز فكيف يصح إلحاق غيرها بها وأيضا خبر القلادة السالف مشعر بعدم جواز بيع الفضة بالفضة وإن وقعت المرضاة والكباراة فهذا القياس الذي عول عليه فاسد الاعتبار فإن قال إن صرف الدراهم بالقروش يحتاج إليه كل أحد وتدعو الضرورة إليه بخلاف بيع الفضة التي ليست بمضروبة بمثلها فنقول هذا تخصيص بمجرد الحاجة والمشقة ومثل ذلك لا ينتهض لتخصيص النصوص ولا سيما مع إمكان التخلص عن تلك الورطة بأن يشتري بأحد البدلين عينا ويبيعها بالنقد الآخر كما أرشد إليه الشارع في قضية تمر الجمع والجنيب فإن بهذه الوسيلة تنتفي الضرورة الحاملة على ارتكاب ما لا يحل ولو كان مجرد حصول المشقة مجوز المخالفة الدليل ومسوغا للمحرم لكان في ذلك معذرة لمن لا رغبة له القيام بالواجبات لأن كثيرا منها مصحوب بالمشقة كالحج والجهاد ونحوهما

4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيآت صاحبه فحمل عليه "
- رواه البخاري وكذلك أحمد والترمذي وصححه وقالا فيه " مظلمة من مال أو عرض "

- قوله " مظلمة " بكسر اللام على المشهور وحكى ابن قتيبة وابن التين والجوهري فتحها وأنكره ابن القوطية وحكى القزاز الضم . قوله " أو شيء " هو من عطف العام على الخاص فيدخل فيه المال بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها : قوله " قبل أن لا يكون دينار ولا درهم " أي يوم القيامة كما ثبت في رواية الإسماعيلي قوله " أخذ من سيآت صاحبه " أي صاحب المظلمة فحمل عليه " أي على الظالم " . وفي رواية مالك " فطرحت عليه " وقد أخرج هذا الحديث مسلم من وجه آخر وهو أوضح سياقا من هذا . ولفظه " المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار . ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى } لأنه إنما يعاقب بغير جناية منه بل بجنايته فقوبلت الحسنات بالسيئات على ما اقتضاه عدل الله تعالى في عباده ( وفي الحديث ) دليل على صحة الأبراء من المجهول لإطلاقه . وزعم ابن بطال إن في هذا الحديث دليل على اشتراك التعيين لأن قوله مظلمة يقتضي أن تكون معلومة القدر مشار إليها . قال الحافظ ولا يخفى ما فيه . قال ابن المنير إنما وقع في الحديث التقدير حيث يقتص المظلوم من الظالم حتى يأخذ منه بقدر حقه وهذا متفق عليه والخلاف إنما هو فيما إذا أسقط المظلوم حقه في الدنيا هل يشترط أن يعرف قدره أم لا وقد أطلق ذلك في الحديث نعم قام الإجماع على صحة التحليل من المعين المعلوم فإن كانت العين موجودة صحت هبتها دون الإبراء منها . وفي الحديث أيضا دليل على أن من حلل خصمه من مظلمة لا رجوع له في ذلك أما المعلوم فلا خلاف فيه . وأما المجهول فعند من يجيزه قال في الفتح وهو فيما مضى باتفاق وأما فيما سيأتي ففيه الخلاف

باب الصلح عن دم العمد بأكثر من الدية وأقل

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤا قتلوا وإن شاؤا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وذلك عقل العمد وما صالحوا عليه فهو لهم وذلك تشديد العقل "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي

- الحديث حسنه الترمذي وفي إسناده أحمد على بن زيد بن جدعان وفيه مقال عن يعقوب السدوسي ويقال فيه عقبة بن أوس عن ابن عمرو وروى البيهقي بإسناده إلى ابن خزيمة قال حضرت مجلس المزني يوما وسأله سائل من العراقيين عن شبه العمد فقال السائل إن الله وصف القتل في كتابه صنفين عمدا وخطأ فلم قلتم أنه ثلاثة أصناف فاحتج المزني بحديث ابن عمرو فقال له ناظره أتحتج بعلي بن زيد بن جدعان فسكت المزني فقلت لناظره قد روى هذا الحديث عن غير علي بن زيد فقال من رواه غيره فقلت أيوب السختياني وجابر الحذاء قال لي فمن عقبة بن أوس قلت رجل من أخل البصرة روى عنه ابن سيرين على جلالته فقال للمزني أنت تناظر أم هذا فقال إذا جاء الحديث فهو يناظر لأنه أعلم به مني اه فدل كلام ابن خزيمة هذا على أن علي بن زيد قد توبع . وايضا الترمذي رواه عن أحمد بن سعيد الدارمي عن حبان بن هلال عن محمد بن راشد عن سليمن بن موسى عن عمرو بن شعيب : قوله " خلفة " أي حاملة . ووقع في رواية أربعون خلفة في بطونها أولادها واستشكل ذلك لأن الخلفة هي التي في بطنها ولدها وأجيب بأن هذا التفسير لا تقييد وقيل تأكيد وأيضاح وقيل غير ذلك والحديث يأتي الكلام على ما اشتمل عليه في أبواب الديات وإنما ساقه المصنف ههنا للاستدلال بقوله فيه " وما صالحوا عليه فهو لهم " فإنه يدل على جواز الصلح في الدماء بأكثر من الدية

باب ما جاء في وضع الخشب في جدار الجار وإن كره

1 - ن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره ثم يقول أبو هريرة مالي أراكم عنها معرضين والل لأرمين بها بين أكتافكم "
- رواه الجماعة إلا النسائي

2 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ضرر ولا ضرار وللرجل أن يضع خشبه في حائط جاره وإذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع "

3 - وعن عكرمة بن سلمة بن ربيعة " أن أخوين من بني المغيرة أعتق أحدهما أن لا يغرز خشبا في جداره فلقيا مجمع بن زيد الأنصاري ورجالا كثيرا فقالوا نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يمنع جار جاره فقال الحالف أي أخي قد علمت أنك مقضي لك على وقد حلفت فاجعل اسطوانا دون جداري ففعل الآخر فغرز في الأسطوان خشبه "
- رواهما أحمد وابن ماجه

- أما حديث ابن عباس فأخرجه أيضا ابن ماجه والبيهقي والطبراني وعبد الرزاق قال ابن كثير أما حديث " لا ضرر ولا ضرار " فرواه ابن ماجه عن عبادة بن الصامت . وروى من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري وهو حديث مشهور اه . وهو أيضا عند أبو ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث أبي سعيد وعند البيهقي أيضا من حديث عبادة . وعند الطبراني في الكبير وأبي نعيم من حديث ثعلبة بن مالك القرظي وما فيه من جعل الطريق سبعة أذرع ثابت في الصحيحين من حديث أبي هريرة كما سيأتي . وأما حديث مجمع فأخرجه ابن ماجه والبيهقي وسكت عنه الحافظ في التلخيص . وعكرمة بن سلمة بن ربيعة المذكور المجهول : قوله " لا يمنع " بالجزم على النهي : قوله " خشبه " قال القاضي عياض رويناه في مسلم وغيره من الأصول بصيغة الجمع والإفراد ثم قال وقال عبد الغني بن سعيد كل الناس تقول بالجمع إلا الطحاوي فإنه قال عن روح بن الفرج سألت أبا زيد والحرث بن بكير ويونس بن عبد الأعلى عنه فقالوا كلهم خشبة بالتنوين ورواية مجمع تشهد لمن رواه بلفظ الجمع ويؤيدها أيضا ما رواه البيهقي من طريق شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ " إذا سأل أحدكم جاره أن يدعم جذوعه على حائطه فلا يمنعه " قال القرطبي وإنما اعتنى هؤلاء الأئمة بتحقيق الرواية في هذا الحرف لأن أمر الخشبة الواحدة يخف على الجار الماسحة به بخلاف الأخشاب الكثيرة . ( والأحاديث ) تدل على أنه لا يحل للجار أن يمنع جاره من غرز الخشب في جداره ويجبره الحاكم إذا امتنع وبه قال أحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكية والشافعي في القديم وأهل الحديث . وقالت الحنفية والهادوية ومالك والشافعي في أحد قوليه والجمهور أنه يشترط إذن المالك ولا يجبر صاحب الجدار إذا امتنع وحملوا النهي على التنزيه جمعا بينه وبين الأدلة القاضية بأنه لا يحل مال إمرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه " وتعقب بأن هذا الحديث أخص من تلك الأدلة مطلقا فيبني العام على الخاص قال البيهقي لم نجد في السنن الصحية ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكرأن يخصها وحمل بعضهم الحديث على ما إذا تقدم استئذان الجار كما وقع في رواية لأبي داود بلفظ " إذا استأذن أحدكم أخاه " وفي رواية لأحمد " من سأله جاره " وكذا في رواية لابن حبان فإذا تقدم الاستئذان لم يكن للجار المنع لا إذا لم يتقدم : قوله " في جداره " الظاهر عود الضمير إلى المالك أي في جدار نفسه وقيل الصمير يعود على الجار الذي يريد الغرز أي لا يمنعه من وضع خشبه على جدار نفسه وإن تضرر به من جهة منع الضوء مثلا . ووقع لأبي عوانة من طريق زياد بن سعد عن الزهري أنه يضع جذعه على جدار نفسه ولو تضرر به جاره والظاهر الأول ويؤيده قوله في حديث ابن عباس " في حائط جاره " وكذا قوله في يالحديث الآخر " فاجعل اسطوانا دون جداري "
قيل وهذا الحكم كشروط عند القائلين بأنه يجب ذلك على الجار بحاجة من يريد الغرز إليه وعدم تضرر المالك فإن تضرر لم يقدم حاجة جاره على حاجته ولكنه لا يخفي أن إطلاق الأحاديث قاض بعدم اعتبار عدم تضرر المالك ولكنه يجب على من يريد الغرز أن يتوقى الضرر بما أمكن فإن لم يمكن إلا بضرر وجب على الغارز إصلاحه وذلك كما يقع عند فتح الجدار لغرز الجذوع وأما اعتبار حاجة الغارز إلى الغرز فأمر لا بد منه : قوله " ما لي أراكم عنها معرضين " أي عن هذه المقالة التي جائت بها السنة أو عن هذه الوصية أو الموعظة : قوله " والل لأرمين بها بين أكتافكم " بالتاء الفوقية أي لأقر عنكم بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته . قال القاضي عياض وابن عبد البر وقد رواه بعض رواة الموطأ أكنافكم بالنون والكنف الجانب ونونه مفتوحة والمعنى لأصرخن بها بين جماعتكم ولا أكتمها أبدا . وقال الخطابي معناه أن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلنها أس الخشبة على رقابكم كارهين أراد بذلك المبالغة . وفي تعليق القاضي حسين أن أبا هريرة قال ذلك حين كان متوليا بمكة أو المدينة وكأنه قال لما رآهم تةقفوا عن قبول هذا الحكم كما وقع في رواية لأبي داود أنهم نكسوا رؤوسهم لما سمعوا ذلك : قوله " لا ضرر ولا ضرار " هذا فيه دليل على تحريم الضرار على أي صفة كان من غير فرق بين الجار وغيره فلا يجوز في صورة من الصور إلا بدليل يخص به هذا العموم فعليك بمطالبة من جوز المضارة في بعض الصور بالدليل فإن جاء به قبلته وإلا ضربت بهذا الحديث وجهه فإنه قاعدة من قواعد الدين تشهد له كليات وجزئيات . وقد ورد الوعيد لمن ضار غيره فأخرج أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه من حديث أبي صرمة بكسر الصاد المهملة مالك بن قيس الأنصاري وهو ممن شهد بدرا وما بعدها من المشاهد قال ابن عبد البر بلا خلاف قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من ضار أضر الله به ومن شاق شاق الله عليه " واختلفوا في الفرق بين الضر والضرار فقيل أن الضر فعل الواحد والضرار فعل الاثنين فصاعدا . وقيل الضرار أن تضره من غير أن تنتفع والضر أن تضره وتنتفع أنت به . وقيل الضرار الجزاء على الضر والضر الابتداء وقيل هما بمعنى قوله " وللرجل أن يضع خشبه في حائط جاره " فيه دليل على جواز وضع الخشبة في جدار الجار وإذا جاز الغرز جاز الوضع بالأولى لأنه أخف منه . قوله " فاجعلوه سبعة أذرع " هذا محمول على الطريق التي هي مجرى عامة للمسلمين بأحمالهم ومواشيهم فإذا تشاجر من له أرض يتصل مع من له فيها حق جعل عرضها سبعة أذرع بالذراع المتعارف في ذلك البلد بخلاف بنيات الطريق فإن الرجل إذا جعل في بعض أرضه طريقا مسبلة للمارين كان تقديرها إلى خيرته والأفضل توسيعها وليس هذه الصورة مراد الحديث لأن المفروض أن هذه لا مدافعة فيها ولا اختلاف وسيأتي تمام الكلام على الطريق في الباب الذي بعد هذا . قوله " أعتق أحدهما " أي حلف بالعتق

باب في الطريق إذا اختلفوا فيه كم تجعل

1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع "
- رواه الجماعة إلا النسائي . وفي لفظ لأحمد " إذا اختلفوا في الطريق رفع من بينهم سبعة أذرع "

2 - وعن عبادة بن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في الرحبة تكون في الطريق ثم يريد أهلها البنيان فيها فقضى أن يترك الطريق سبعة أذرع وكانت تلك الطريق تسمى الميتاء "
- رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه

- حديث عبادة أخرجه أيضا الطبراني بلفظ " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الطريق الميتاء " الحديث والراوي له عن عبادة إسحاق بن يحيى ولم يدركه ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ " إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها سبعة أذرع " وما أخرجه ابن عدي من حديث أنس بلفظ " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الطريق الميتاء التي تؤتى من كل مكان " فذكر الحديث . قال في الفتح وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال اه ولكنه يقوي بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها كما لا يخفى : قوله " إذا اختلفتم " في لفظ للبخاري " إذا تشاجروا " وللإسماعيلي " إذا اختلف الناس في الطريق " وزاد المستملي بعد ذكر الطريق فقال " الميتاء " قال الحافظ ولم يتابع عليه وليست محفوظة في حديث أبي هريرة وإنما ذكرها البخاري في الترجمة مشيرا بها إلى الأحاديث الني ذكرناها كما جرت بذلك قاعدته : قوله " سبعة أذرع " قال في الفتح الذي يظهر أن المراد بالذراع ذراع الآدمي فيعتبر ذلك بالمعتدل . وقيل المراد ذراع البنيان المتعارف ولكن هذا المقدار إنما هو في الطريق التي هي مجرى عامة المسلمين للجمال وسائر المواشي كما أسلفنا لا الطريق المشروعة بين الأملاك والطرق التي يمر بها بنو آدم فقط ويدل على ذلك التقييد بالميتاء كما في الأحاديث المذكورة والميتاء بميم مكسورة وتحتانية ساكنة وبعدها فوقانية ومد بوزن مفعال من الإتيان والميم زائدة . قال أبو عمر والشيباني الميتاء أعظم الطرق وهي التي يكثر مرور الناس فيها . وقال غيره هي الطرق الواسعة وقيل العامرة . وحكى في البحر عن الهادي أنه إذا التبس عرض الطريق الواسعة بين الأملاك أو كان حوليها ارض موات بقي لما تجتازه العماريات أثنا عشر ذراعا ولدونه سبعة وفي المنسدة مثل أعرض باب فيها انتهى . وبهذا التفصيل قالت الهادوية " والحكمة ) في ورود الشرع بتقدير الطريق سبعة أذرع هي أن تسلكها الأحمال والأثقال دخولا وخروجلا وتسع ما لا بد منه كما يطرح عند الأبواب . قوله " الرحبة " بفتح الحاء المهملة وتسكن على ما في القاموس وهي المكان بناحية ومتسعه ومن الوادي مسيل مائة من جانبيه . والمراد هنا المكان بجانب الطريق كما في الحديث

باب إخراج ميازيب المطر إلى الشارع

1 - عن عبد الله بن عباس قال " كان للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس ثيابه يوم الجمعة وقد كان ذبح للعباس فرخان فلما وافى الميزاب صب ماء بدم الفرخين فأمر عمر بقلعه ثم رجع فطرح ثيابه ولبس ثيابه ثم فصلى بالناس فأتاه العباس فقال والله إنه للموضع الذي وضعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عمر للعباس وأنا أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففعل ذلك العباس "

- الحديث لم يذكر المصنف من أخرجه كما في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب وفي نسخة أنه أخرجه أحمد وهو في مسند أحمد بلفظ " كان للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس ثيابه يوم الجمعة فأصابه منه ماء بدم فأتاه العباس فقال والله إنه للموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وذكر ابن أبي حاتم أنه سأل أباه عنه فقال هو خطأ . ورواه البيهقي من وجه آخر ضعيفة أو منقطعة ولفظ أحدهما " والله ما وضعه حيث كان إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده " وأورده الحاكم في المستدرك وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف . قال الحاكم ولم يحتج الشيخان بعبد الرحمن ورواه أبو داود في المراسيل من حديث أبي هرون المذني قال كان في دار العباس ميزاب فذكره ( والحديث ) فيه دليل هلى جواز إخراج الميازيب إلى الطريق لكن بشرط أن لا تكون محدثة تضر بالمسلمين فإن كانت كذلك منعت لأحاديث المنع من الضرار قال في البحر مسألة العترة ويمنع في الطريق الغرس والبناء والحفر ومرور احمال الشوك ووضع الحطب والذبح فيها وطرح القمامة والرماد وقشر الموز واحداث السواحل والميازيب وربط الكلاب الضارية لما فيها من الأذى اه ثم حكى في البحر أيضا عن أبي حنيفة والهادوية أنها لا تضيق قرار السكك النافذة ولا هواؤها بشء وإن اتسعت إذا الهواء تابع للقرار في كونه حقا كتبعية هواء الملك لقراره . وعن الشافعي والمؤيد بالله في أحد قوليه إنما حق المار في القرار لا الهواء فيجوز الروشن والساباط حيث لا ضرر وكذلك الميزاب قال المؤيد بالله ويجوز تضييق النافذة المسبلة بما لا ضرر فيه لمصلحة عامة باذن الإمام . وكذلك يجوز تضييق هوائها بالأولى وإلى مثل ما ذهب إليه المؤيد ذهب الهادوية وقالوا يجوز أيضا التضيق لمصلحة خاصة في الطرق المشروعة بين الأملاك

4 - وعن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم والشرخ الغلمان الذي لم ينبتوا "

كتاب الشركة والمضاربة

1 - عن أبي هريرة رفعه قال " إن الله يقول إنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما "
- رواه أبو داود

- الحديث صححه الحاكم وأعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حيان وقد ذكره ابن حبان في الثقات وأعله أيضا ابن القطان بالإرسال فلم يذكر فيه أبا هريرة وقال أنه الصواب ولم يسنده غير أبي همام محمد بن الزبرقان . وسكت أبو داود والمنذري عن هذا الحديث وأخرج نحوه أبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب عن حكيم بن حزام : قوله " كتاب الشركة " بكسر الشين وسكون الراء وحكى ابن باطيش فتح الشين وكسر الراء وذكر صاحب الفتحفيها أربع لغات فتح الشين وكسر الراء وكسر الشين وسكون الراء وقد تحذف الهاء وقد يفتح أوله من ذلك : فوله " والمضاربة " هي مأخوذة من الضرب في الأرض وهو السفر والمشي والعامل مضارب بكسر الراء . قال الرافعي ولم يشتق للمالك منه اسم فاعل لأن العامل يختص بالضرب في الأرض فعلى هذا تكون المضاربة من المفاعلة التي تكون من واحد مثل عاقبت اللص : قوله " أنا ثالث الشريكين " المراد إن الله جل جلاله يضع البركة للشريكين في مالهما مع عدم الخيانة ويمدهما بالرعاية والمعونة ويتولى الحفظ لما لهما قوله " خرجت من بينهم " أي نزعت البركة من المال زاد رزين " وجاء الشيطان " ورواية الدارقطني " فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما " يعني البركة

2 - وعن السائب بن أبي السائب أنه قال " للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كنت شريكي في الجاهلية فكنت خير شريك لا تداريني ولا تماريني "
- رواه أبو داود وابن ماجه ولفظه " كنت شريكي ونعم الشريك كنت لا تدراي ولا تماري "

- الحديث أخرجه أيضا النسائي والحاكم وصححه . وفي لفظ لأبي داود وابن ماجه " أن السائب المخزومي كان شريك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة فجاء يوم الفتح فقال مرحبا بأخي وشريكي لا تداري ولا تماري " وفي لفظ أن السائب قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعلوا يثنون على ويذكرونني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أعلمكم به فقلت صدقت بأبي أنت وأمي كنت شريكي فنعم الشريك لا تداري ولا تماري " ورواه أبو نعيم في المعرفة والطبراني في الكبير من طريق قيس بن السائب وروى أيضا عن عبد الله بن السائب قال أبو حاتم في العلل وعبد الله ليس بالقوي . وقد اختلف هل كان الشريك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم السائب المذكور أو ابنه عبد الله . واختلف أيضا في اسلام السائب وصحبته . قال ابن عبد البر هو من المؤلفة قلوبهم وممن حسن اسلامه وعاش إلى زمن معاوية وروى ابن هشام عن ابن عباس أنه ممن هاجر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعطاه يوم الجعرانة من غنائم حنين . وقال ابن إسحاق أنه قتل يوم بدر كافرا وقيل إن اسمه السائب بن يزيد وهو وهم ويقال السائب بن نميلة . قاله " لا تدارين ولا تماريني " أي لا تمانعني ولا تحاورني ( وفي الحديث ) بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حسن المعاملة والرفق قبل النبوة وبعدها وفيه جواز السكوت من الممدوح عند سماع من يمدحه بالحق

3 - وعن أبي المنهال " أن زيد بن أرقم والبراء بن عازب كانا شريكين فاشتريا فضة بنقد ونسيئة فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمرهما أن ما كان ينقد فأجيزوه وما كان بيسيئة فردوه "
- رواه أحمد والبخاري بمعناه

- لفظ البخاري " ما كان يدا بيد فخذوه وما كان نسيئة فردوه " والحديث استدل به على جواز تفريق الصفقة فيصح منها ويبطل ما لا يصح وتعقب باحتمال أن يكونا عقدا مختلفين ويؤيده ما في البخاري في باب الهجرة إلى المدينة عن أبي المنهال المذكور فذكر هذا الحديث . وفيه " قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة ونحن نتبايع هذا البيع فقال ما كان يدا بيد فليس به بأس وما كان نسيئة فلا يصلح " فمعنى قوله ما كان يدا بيد فخذوه أي ما وقع لكم فيه التقابض في المجلس فهو صحيح فامضوه ومالم يقع لكم فيه التقابض فليس بصحيح فاتركوه ولا يلزم من ذلك أن يكونا جميعا في عقد واحد واستدل بهذا الحديث أيضا على جواز الشركة في الدراهم والدنانير وهو اجماع كما قال ابن بطال لكن لا بد أن يكون نقد كل واحد منهما مثل نقد صاحبه ثم يخلطا ذلك حتى لا يتميز ثم يتصرفا جميعا الا أن يقيم كل واحد منهما الآخر مقام نفسه . وقد حكى أيضا ابن بطال إن هذا الشرط مجمع عليه واختلفوا إذا كانت الدنانير من أحدهما والدراهم من الآخر فمنعه الشافعي ومالك في المشهور عنه والكوفيون إلا الثوري . واختلفوا أيضا هل تصح الشركة في غير النقدين فذهب الجمهور إلى الصحة في كل ما يتملك وقيل يختص بالنقد المضروب والأصح عند الشافعية اختصاصها بالمثلى . وحديث اشتراك الصحابة في أزوادهم في غزوة الساحل كما في حديث جابر عند البخاري وغيره يرد على من قال باختصاص الشركة بالنقد لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قررهم على ذلك . وكذلك حديث سلمة بن الأكوع عند البخاري وغيره أنهم جمعوا أزوادهم ودعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم فيها بالبركة ويرد على الشافعية حديث أبي عبيدة الآتي . وحديث رويفع والحاصل ( أن الأصل ) الجواز في جميع أنواع الأموال فمن ادعى الأختصاص بنوع واحد أو بأنواع الشرك المفصلة في كتب الفقه فلا نقبل دعوى الأختصاص بالبعض الا بدليل

4 - وعن أبي عبيدة عن عبد الله قال " اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر قال فجاء سعد باسيرين ولم أجيء أنا وعمار بشيء "
- رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه . وهو حجة في شركة الأبدان وتملك المباحات

5 - وعن رويفع بن ثابت قال " إن كان أحدنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليأخذ نضو أخيه على أنه له النصف مما يغنم ولنا النصف وإن كان أحدنا ليطير له النصل والريش وللآخر القدح "
- رواه أحمد وأبو داود

- الحديث الأول منقطع لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود . والحديث الثاني في إسناده أبو داود شيبان بن أمية القتباني وهو مجهول وبقية رجاله ثقات وقد أخرجه النسائي من غير طريق هذا المجهول بإسناد رجاله كلهم ثقات . قوله " النضو " هو المهزول من الأبل . والنصل حديدة السهم . والريش هو الذي يكون على السهم . والقدح بكسر القاف السهم قبل أن يراش وينصل . ( استدل ) بحديث أبي عبيدة على جواز شركة الأبدان كما ذكره المصنف وهي أن يشترك العاملان فيما يعملانه فيوكل كل واحد منهما صاحبه أن يتقبل ويعمل عنه في قدرمعلوم ما استؤجر عليه ويعينان الصنعة وقد ذهب إلى صحتها مالك بشرط اتحاد الصنعة وإلى صحتها ذهبت العترة وأبو حنيفة وأصحابه . وقال الشافعي شركة الأبدان كلا باطلة لأن كل واحد منهما متميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده وهذا كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميزة ليكون الدر والنسل بينهما فلا يصح . وأجابت الشافعية عن هذا الحديث بأن غنائم بدر كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدفعها لمن يشاء وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة وغيره ممن قال إن الوكالة في المباحات لا تصح . والحديث الثاني يدل على جواز دفع أحد الرجلين إلى الآخر راحلته في الجهاد على أن تكون الغنيمة بينهما والأحتجاج بهذين الحديثين إنما هو على فرض أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع وقرر وعلى فرض عدم الأطلاع والتقرير لا حجة في أفعال الصحابة وأقوالهم الا أن يصح إجماعهم على أمر

6 - وعن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " انه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالامقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل فإن فعلت شيئا من ذلك فقد ضمنت مالي "
- رواه الدارقطني

- الأثر أخرجه أيضا البيهقي وقوى الحافظ إسناده وفي تجويز المضاربة آثار عن جماعة من الصحابة منها عن علي عليه السلام عند عبد الرزاق أنه قال في المضاربة الوضيعة على المال والربح على ما اصطلحوا عليه . وعن ابن مسعود عند الشافعي في كتاب اختلاف العراقيين أنه أعطى زيد بن جليدة ما لا مقارضة وأخرجه عنه أيضا البيهقي . وعن ابن عباس عن أبيه العباس أنه كان إذا دفع مالا مضاربة فذكر قصة وفيها أنه وقع الشرط إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأجازه أخرجه البيهقي بإسناد ضعيف والطبراني وقال تفرد به محمد بن عقبة عن يونس بن أرقم عن أبي الجارود . وعن جابر عند البيهقي أنه سئل عن ذلك فقال لا بأس به . وفي إسناده ابن لهيعة . وعن عمر عند الشافعي في كتاب اختلاف العراقيين أنه أعطى مال يتيم مضاربة وأخرجه أيضا البيهقي وابن أبي شيبة وعن عبد الله وعبيد الله ابني عمر " أنهما لقيا أبا موسى الأشعري بالبصرة منصرفهما من غزوة نهاوند فتسلفا منه مالا وابتاعا منه متاعا وقدما به المدينة فباعاه وربحا فيه وأراد عمر أخذ رأس المال والربح كله فقالا لو كان تلف كان ضمانه علينا فكيف لا يكون ربحه لنا فقال يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا فقال قد جعلته قراضا وأخذ منهما الصف الربح " أخرجه مالك في الموطأ والشافعي والدارقطني قال الحافظ إسناده صحيح قال الطحاوي يحتمل أن يكون عمر شاطر هما فيه كما شاطر عماله أموالهم . وقال البيهقي تأول الترمذي هذا القصة بأنه سألهما لبره الواجب عليهما أن يجعلاه كله للمسلمين فلم يجيباه فلما طلب النصف أجاباه عن طيب أنفسهما وعن عثمان عند البيهقي إن عثمان أعطى مالا مضاربة فهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير فكان ذلك اجماعا منهم على الجواز وليس فيها شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ما أخرجه ابن ماجه من حديث صهيب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث فيهن البركة البيع إلى أجل والمقارضة واخلاط البر بالشعير للبيت لا للبيع " لكن في إسناده نصر بن القاسم عن عبد الرحيم بن داود وهما مجهولان وقد بوب أبو داود في سننه للمضاربة وذكر حديث عروة البارقي الذي سيأتي ولا دلالة فيه على جوازها لأن القصة المذكورة فيه ليست من باب المضاربة كما ستعرف ذلك قريبا قال ابن حزم في مراتب الإجماع كل أبواب الفقه فلها أصل من الكتاب والسنة حاشا القراض فما وجدنا له أصلا فيهما البتة ولكنه إجماع صحيح مجرد والذي يقطع به إنه كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلم به وأقره ولولا ذلك لما جاز انتهى . وقال في البحر إنها كانت قبل الأسلام فاقرها انتهى . وأحكام المضاربة مبسوطة في كتب الفقه فلا نشتغل بالتطويل بها لأن موضوع هذا الشرح الكلام على ما يتعلق بالحديث " قوله " أن لا تجعل مالي في كبد رطبة " أي لا تشتري به الحيوانات إنما نهاه عن ذلك لأن ما كان له روح عرضة للهلاك بطرو الموت عليه

( كتاب الوكالة )

باب ما يجوز التوكيل فيه من العقود وإيفاء الحقوق وأخراج الزكوات واقامة الحدود وغير ذلك

1 - قال أبو رافع " استسلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكرا فجاءت إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره "

2 - وقال ابن أبي أوفى " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصدقة مال أبي فقال اللهم صل علي آل أبي أوفي "

3 - وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملا موفرا طيبة به نفسه حتى يدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين "

4 - وقال " واغديا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها "

5 - وقال علي عليه السلام " أمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أقوم على بدنه وأقسم جلودها وجلالها "

6 - وقال أبو هريرة " وكلني النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حفظ زكاة رمضان وأعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عقبة بن عامر غنما يقسمها بين أصحابه "

- هذه الأحاديث لم يذكر المصنف في هذا الموضع من خرجها . وحديث أبي رافع قد تقدم في باب استقراض الحيوان من كتاب القرض وأورده ههنا للاستدلال به على جواز التوكيل في قضاء القرض . وحديث ابن أبي أوفى تقدم في باب تفرقة الزكاة في بلدها من كتاب الزكاة وذكره المصنف ههنا للاستدلال به على جواز توكيل صاحب الصدقة من يوصلها إلى الامام . وحديث الخازن ذكره المصنف في باب العاملين على الصدقة من كتاب الزكاة وسيذكر الأحاديث الواردة في تصرف المرأة في مال زوجها والعبد في مال سيده والخازن في مال من جعله خازنا في آخر كتاب الهبة والعطية . وذكر حديث الخازن ههنا للاستدلال به على جواز التوكيل في الصدقة لقوله فيه " الذي يعطي ما أمر به كاملا " وقوله " اغديا أنيس " سيأتي في كتاب الحد ودوفيه دليل على أنه يجوز للامام توكيل من يقيم الحد على من وجب عليه . وحديث علي عليه السلام تثدم في باب الصدقة بالجلود من أبواب الضحايا والهدايا وفيه دليل على جواز توكيل صاحب الهدى لرجل أن يقسم جلودها وجلالها . وحديث أبي هريرة هو في صحيح البخاري وغيره وقد أورده في كتاب الوكالة وبوب عليه باب إذا وكل رجل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز وان أقرضه إلى أجل مسمى جاز وذكر فيه مجيء السارق إلى أبي هريرة وأنه شكا إليه الحاجة فتركه يأخذ فكأنه أسلفه إلى أجل وهو وقت أخراج زكاة الفطر . وحديث عقبة بن عامر تقدم في باب السن الذي يجزيء في الأضحية وفيه دليل على جواز التوكيل في قسمة الضحايا ( وهذه الأحاديث ) تدل على صحة الوكالة وهي بفتح الواو وقد تكسر التفويض والحفظ تقول وكلت فلانا إذا استحفظته ووكلت الأمر إليه بالتخفيف إذا فوضته إليه وهي في الشرع إقامة الشخص غيره مقام نفسه مطلقا وقد استدل على جواز الوكالة من القرآن بقوله تعالى { فابعثوا أحدكم بورقكم } وقوله تعالى { اجعلني على خزائن الأرض } وقد دل على جوازها أحاديث كثيرة منها ما ذكر المصنف في هذا الكتاب وقد أورد البخاري في كتاب الوكالة ستة وعشرين حديثا ستة معلقة والباقية موصولة . وقد حكى صاحب البحر الإجماع على كونها مشروعة وفي كونها نيابة أو ولاية وجهان فقيل نيابة لتحريم المخالفة وقيل ولاية لجواز المخالفة إلى الأصلح كالبيع بمعجل وقد أمر بمؤجل

7 - وعن سليمان بن يسار " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحرث وهو بالمدينة قبل أن يخرج "
- رواه مالك في الموطأ . وهو دليل على أن تزوجه بها سبق احرامه وأنه خفي على ابن عباس

8 - وعن جابر قال " أردت الخروج إلى خيبر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته "
- رواه أبو داود والدارقطني

9 - وعن يعلى بن أمية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا أتتك رسلي فاعطهم درعا وثلاثين بعيرا فقال له العارية مؤداة يا رسول الله قال نعم "
- رواه أحمد وأبو داود وقال فيه " قلت يا رسول الله عارية مضمومة أو عارية مؤداة قال بل مؤداة "

- الحديث الأول أخرجه أيضا الشافعي وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وقد أعله ابن عبد البر بالإنقطاع بين سليمان بن يسار وأبي رافع لأنه لم يسمع منه وتعقب بأنه قد وقع التصريح بسماعه في تاريخ ابن أبي خيثمة نزول الأبطح ورجح ابن القطان اتصاله ورجح ان مولد سليمان سنة سبع وعشرين ووفاة أبي رافع سنة ست وثلاثين فيكون سنه عند موت أبي رافع ثمان سنين وقد تقدم الكلام على زواجه صلى الله عليه وآله وسلم بميمونة واختلاف الأحاديث في ذلك في كتاب الحج في باب ما جاء في نكاح المحرم وفيه دليل على جواز التوكيل في عقد النكاح من الزوج والحديث الثاني علق البخاري طرفا منه في الخمس وحسن الحافظ في التلخيص إسناده ولكنه من حديث محمد بن إسحاق قوله فإن ابتغى منك آية علامة . قوله ترقوته بفتح المثناة من فوق وضم القاف وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين ( وفي الحديث ) دليل على صحة الوكالة وإن الامام له أن يوكل ويقيم عاملا على الصدقة في قبضها وفي دفعها إلى مستحقها وإلى من يرسله إليه بإمارة . وفيه أيضا دليل على جواز العمل بالأمارة أي العلامة وقبول قول الرسول إذا عرف المرسل إليه صدقه وهل يجب الدفع إليه قيل لا يجب لأن الدفع إليه غير مبرئ لاحتمال أن ينكر الموكل أو المرسل إليه وبه قال الهادي واتباعه وقيل يجب مع التصديق بأمارة أو نحوها لكن له الامتناع من الدفع إليه حتى يشهد عليه بالقبض وبه قال أبو حنيفة ومحمد ( وفي الحديث ) أيضا دليل على استحباب اتخاذ علامة من الوكيل موكله لا يطلع عليها غيرهما ليعتمد الوكيل عليها في الدفع لأنها أسهل من الكتابة فقد لا يكون أحدهما ممن يحسنها ولان الخط يشتبه . والحديث الثالث أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص . وقال ابن حزم أنه أحسن ما ورد في هذا الباب وقد ورد في معناه أحاديث يأتي ذكرها في العارية عند الكلام على حديث صفوان إن شاء الله وفيه دليل على جواز التوكيل من المستعير لقبض العارية : قوله " العارية مؤداة " سيأتي الكلام على هذا في العارية إن شاء الله تعالى

باب من وكل في شراء شيء فاشترى بالثمن أكثر منه وتصرف في الزيادة

1 - عن عروة بن أبي الجعد البارقي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه دينارا ليشتري به له شاة فاشترى له به شاتين فباع أحدهما بدينار وجاءه بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب لربح فيه "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود

2 - وعن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم بن حزام " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثه ليشتري له أضحية بدينار فاشترى أضحية فاربح فيها دينارا فاشترى أخرى مكانها فجاء بالأضحية والدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ضح بالشاة وتصدق بالدينار "
- رواه الترمذي وقال لانعرفه الا من هذا الوجه وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع عندي من حكيم . ولأبي داود نحوه من حديث أبي حصين عن شيخ من أهل المدينة عن حكيم

- الحديث الأول أخرجه أيضا الترمذي وابن ماجه والدارقطني . وفي إسناد من عدا البخاري سعيد بن زيد أخو حماد وهو مختلف فيه عن أبي لبيد لمازة بن زبار . وقد قيل أنه مجهول لكنه قال الحافظ أنه وثقه ابن سعد . وقال حرب سمعت أحمد يثني عليه . وقال في التقريب أنه ناصبي جلد . قال المنذري والنووي إسناده صحيح لمجيئه من وجهين وقد رواه البخاري من طريق ابن عيينة عن شبيب بن غرقد سمعت الحي يحدثون عن عروة ورواه الشافعي عن ابن عيينة وقال إن صح قلت به . ونقل المزني عنه أنه ليس بثابت عنده قال البيهقي إنما ضعفه لأن الحي غير معروفين وقال في موضع آخر هو مرسل لأن شبيب بن غرقد لم يسمعه من عروة وإنما سمعه من الحي وقال الرافعي هو مرسل قال الحافظ الصواب أنه متصل في إسناده منهم . والحديث الثاني منقطع في الطريق الأولى لعد سماع حبيب من حكيم وفي الطريق الثانية في إسناده مجهول قال الخطابي إن الخبرين معا غير متصلين لأن في أحدهما وهو خبر حكيم رجلا مجهولا لا يدرى من هو وفي خبر عروة إن الحي حدثوه وما كان هذا سبيله من الرواية لم تقم به الحجة . وقال البيهقي ضعف حديث حكيم من أجل هذا الشيخ ( وفي الحديثين ) دليل على أنه يجوز للوكيل إذا قال له المالك اشتري بهذا الدينار شاة ووصفها ان يشتري به شاتين بالصفة المذكورة لأن مقصود الموكل قد حصل وزاد الوكيل خيرا ومثل هذا لو أمره أن يبيع شاة بدرهم فباعها بدرهمين أو بان يشتريها بدرهم فاشتراها بنصف درهم وهو الصحيح عند الشافعية كما نقله النووي في زيادات الروضة : قوله " فباع أحدهما بدينار " فيه دليل على صحة بيع الفضولي وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعي في القديم وقواه النووي في الروضة وهو مروي عن جماعة من السلف منهم علي عليه السلام وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وإليه ذهبت الهادوية وقال الشافعي في الجديد وأصحابه والناصر إن البيع الموقوف والشراء الموقوف باطلان للحديث المتقدم في البيع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا تبع ماليس عندك " وأجابوا عن حديثي الباب بما فيهما من المقال وعلى تقدير الصحة فيمكن أنه كان وكيلا بالبيع بقرينة فهمها منه صلى الله عليه وآله وسلم . وقال أبو حنيفة أنه يكون البيع الموقوف صحيحا دون الشراء والوجه أن الأخراج عن ملك المالك مفتقر إلى أذنه بخلاف الأدخال ويجاب بأن الأدخال للمبيع في الملك يستلزم الأخراج من الملك للثمن وروي عن مالك العكس من قول أبي حنيفة فإن صح فهو قوي لأن فيه جمعا بين الأحاديث قوله " فاشترى أخرى مكانها " فيه دليل على أن الأضحية لا تصير أضحية بمجرد الشراء وأنه يجوز البيع لا بدال مثل أو أفضل : قوله " وتصدق بالدينار " جعل جماعة من أهل العلم هذا أصلا فقالوا من وصل إليه مال من شبهة وهو لا يعرف له مستحقا فإن يتصدق به : ووجه الشبهة ههنا أنه لم يأذن لعروة في بيع الأضحية ويحتمل أن يتصدق به لأنه قد خرج عنه للقربة لله تعالى في الأضحية فكره أكل ثمنها

باب من وكل في التصديق بماله فدفعه إلى ولد الموكل

1 - عن معن بن يزيد قال " كان أبي خرج بدنانير يتصدق لها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها . فقال والله ما إياك أردت بها فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لك مانويت ما نويت يا يزيد ولك يا معن ما أخذت "
- رواه أحمد والبخاري

- قوله " عند رجل " قال في الفتح لم أقف على اسمه : قوله " فأتيته بها " أي أتيت أبي بالدنانير المذكورة : قوله " والله ما إياك أردت " يعني لو أردت انك تأخذها لاعطيتك اياها من غير توكيل وكأنه كان يرى أن الصدقة على الولد لا تجزئ أو تجزيء ولكن الصدقة على الأجنبي أفضل : قوله " لك ما نويت " أي أنك نويتت أن تتصدق بها على من يحتاج إليها وابنك محتاج فقد وقعت موقعها وإن كان لم يخطر ببالك أنه يأخذها ولابنك ما أخذ لأنه أخذها محتاجا إليها واستدل بالحديث على جواز دفع الصدقة إلى كل أصل وفرع ولو كان ممن تلزمه نفقته قال في الفتح ولا حجة فيه لأنها واقعة حال فاحتمل أن يكون معن كان مستقلا لا يلزم اباه نفقته والمراد بهذه الصدقة صدقة التطوع لا صدقة الفرض فإنه قد وقع الإجماع على أنها لا تجزئ في الولد كما تقدم في الزكاة . وفي الحديث جواز التوكيل في صرف الصدقة ولهذا الحكم ذكر المصنف هذا الحديث ههنا

كتاب المساقاة والمزارعة

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع "
- رواه الجماعة . وعنه أيضا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما ظهر على خيبر سألته اليهود أن يقرهم بها على أن يكفوه عملها ولهم نصف الثمرة فقال لهم نقركم بها على ذلك ما شئنا " متفق عليه . وهو حجة في أنها عقد جائز . وللبخاري " أعطى يهود خيبر أن يعملوها وبزرعوها وهم شطر ما يخرج منها " ولمسلم وأبي داود والنسائي " دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شطر ثمرها " قلت وظاهر هذا أن البذر منهم وان تسمية نصيب العامل تغني عن تسمية نصيب رب المال ويكون الباقي له

2 - وعن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامل يهود خيبر على أن نخرجهم متى شئنا "
- رواه أحمد والبخاري بمعناه

3 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دفع خيبر ارضها ونخلها مقاسمة على النصف "
- رواهأحمد وابن ماجه

4 - وعن أبي هريرة قال " قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله وسلم اقسم بيننا وبين أخواننا النخل قال لا فقالوا تكفونا العمل ونشرككم في الثمرة فقالوا سمعنا وأطعنا "
- رواه البخاري

5 - وعن طاوس أن معاذ بن جبل أكرى الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان على الثلث والربع فهو يعمل به إلى يومك هذا "
- رواه ابن ماجه . قال البخاري وقال قيس بن مسلم عن أبي جعفر قال ما بالمدينة أهل بيت الهجرة إلا يزرعون على الثلث والربع وزارع علي عيه السلام وسعد ابن مالك وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل علي وآل عمر . قال وعامل عمر الناس على أن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا

- حديث ابن عباس رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن توبة وهو صدوق وبقية رجاله رجال الصحيح . وحديث معاذ رجال إسناده رجال الصحيح ولكن طاوس لم يسمع من معاذ وفيه نكارة لأن معاذ مات في خلافة عمر ولم يدرك أيام عثمان : قوله كتاب المساقاة والمزارعة المساقاة ما كان في النخل والكرم وجميع الشجر الذي يثمر بجزء معلوم من الثمرة للأجير وإليه ذهب الجمهور وخصها الشافعي في قوله الجديد بالنخل والكرم وخصها داود بالنخل وقال مالك لا تجوز في الزرع والشجر ولا تجوز في البقول عند الجمع . وروى عن ابن دينار أنه أجازها فيها ( والحاصل ) أن من قال أنها واردة على خلاف القياس قصرها على مورد النص ومن قال أنها واردة على القياس الحق بالمنصوص غيره . والمزارعة مفاعلة من الزراعة قال المطرزي . وقال صاحب الإقليد من الزرع . والمخابرة مشتقة من الخبير على وزن العليم وهو الإكار بهمزة مفتوحة وكاف مشددة وراء مهملة وهو الزارع والفلاح الحراث وإلى هذا الاشتقاق ذهب أبو عبيد والأكثرون من أهل اللغة والفقهاء . وقال آخرون هي مشتقة من الخبار بفتح الخاء المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وهي الأرض الرخوة وقيل من الخبر بضم الخاء وهو النصيب من سمك أو لحم وقال ابن الأعرابي هي مشتقة من خبير لأن أول هذه المعاملة فيها . وفسر أصحاب الشافعي المخابرة بأنها العمل على الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل . وقيل أن المساقاة والمزارعة والمخابرة بمعنى واحد وإلى ذلك يشير كلام الشافعي فإنه قال في الأم في باب المزرعة وإذا دفع رجل إلى رجل أرضا بيضاء على أن يزرعها المدفوع إليه ما خرج منها من شيء فله منه جزء من الأجزاء فهذه المحاقلة والمخابرة والمزارعة التي ينهى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اه . وإلى نحو ذلك يشير كلام البخاري وهو وجه للشافعية . وقال في القاموس المزارعة المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها ويكون البذر من مالكها . وقال المخابرة أن يزرع على النصف ونحوه اه . قوله " بشطر ما يخرج " فيه جواز المزارعة بالجزء المعلوم من نصف أو ربع أو ثمن أو نحوها والشطر هنا بمعنى النصف وقد يأتي بمعنى النحو والقصد . ومنه قوله تعالى { فول وجهك شطر المسجد الحرام } أي نحوه : قوله " نقركم بها على ذلك ما شئنا " المراد أنا نمكنكم من المقام إلى ان نشاء إخراجكم لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان عازما على إخراجهم من جزيرة العرب كما أمر بذلك عند موته . واستدل به على جواز المساقاة مدة مجهولة وبه قال أهل الظاهر وخالفهم الجمهور وتأولوا الحديث بأن المراد مدة العهد وأن لنا إخراجكم بعد إنقضائها ولا يخفى بعده . وقيل أن ذلك كان في أول الأمر خاصة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا يحتاج إلى دليل : قوله " ما بالمدينة أهل بيت هجرة " الخ هذا الأثر أورده البخاري ووصله عبد الرزاق : قوله " وزارع علي عليه السلام " الخ أما أثر علي عليه السلام فوصله ابن أبي شيبة وأما أثر عمر بن عبد العزيز فوصله ابن أبي شيبة أيضا . وأما أثر القاسم وهو ابن محمد بن أبي بكر فوصله عبد الرزاق . وأما أثر عروة وهو ابن الزبير فوصله ابن أبي شيبة . وأما أثر آل أبي بكر وآل علي وآل عمر فوصله ابن أبي شيبة أيضا وعبد الرزاق . وأما أثر عمر في معاملة الناس فوصله ابن أبي شيبة أيضا والبيهقي وقد ساق البخاري في صحيحه عن السلف غير هذه الآثار ولعله أراد بذكرها الإشارة إلى أن الصحابة لم ينقل عنهم الخلاف في الجواز خصوصا أهل المدينة
وقد تمسك بالأحاديث المذكورة في الباب جماعة من السلف . قال الحازمي روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وابن شهاب الزهري ومن أهل الرأي أبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن فقالوا تجوز المزارعة والمساقاة بجزء من الثمر أو الزرع قالوا ويجوز العقد على المزارعة والمساقاة مجتمعتين فتساقيه على النخل وتزارعه على الأرض كما جرى في خيبر ويجوز العقد على كل واحدة منهما منفردة وأجابوا عن الأحاديث القاضية بالنهي عن المزارعة بأنها محمولة على التنزيه وقيل أنها محمولة على ما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها معينة . وقال طاوس وطائفة قليلة لا يجوز كراء الأرض مطلقا لا بجزء من الثمر والطام ولا بذهب ولا بفضة ولا بغير ذلك وذهب إليه ابن حزم وقواه واحتج له بالأحاديث المطلقة في ذلك وستأتي وقال الشافعي وأبو حنيفة والعترة وكثيرون أنه يجوز كراء الأرض بكل ما يجوز أن يكون ثمنا في المبيعات من الذهب والفضة والعروض بالطعام سواء كان من جنس ما يزرع في الأرض أو غيره لا يجزء من الخارج منها وقد أطلق ابن المنذر أن الصحابة أجمعوا على جواز كراء الأرض بالذهب والفضة ونقل ابن بطال اتفاق فقهاء الأمصار عليه وتمسكوا بما سيأتي من النهي عن المزارعة بجزء من الخارج وأجابوا عن أحاديث الباب بأن خيبر فتحت عنوة فكان أهلها عبيدا له صلى الله عليه وآله وسلم فما أخذه من الخارج منها فهو له وما تركه فهو له وروى الحازمي هذا المذهب عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس ورافع بن خديج وأسيد بن حضير وأبي هريرة ونافع قال وإليه ذهب مالك والشافعي ومن الكوفيين أبو حنيفة اه . وقال مالك أنه يجوز كراء الأرض بغير طعام والثمر لأبهما لئلا يصير من بيع الطعام بالطعام وحمل النهي على ذلك هكذا حكى عنه صاحب الفتح . قال ابن المنذر ينبغي أن يحمل ما قاله مالك على ما إذا كان المكري به من الطعام جزأ مما يخرج منها فأما إذا اكتراها بطعام معلوم في ذمة المكتري أو بطعام حاضر يقضيه المالك فلا مانع من الجواز . وقال أحمد بن حنبل يجوز إجارة الأرض بجزء من الخارج منها إذا كان البذر من رب الأرض حكى ذلك عن الحازمي وأعلم أنه قد وقع لجماعة ولا سيما من المتأخرين في نقل المذاهب في هذه المسألة حتى أفضي ذلك إلى أن بعضهم يروي عن العالم الواحد الأمرين المتناقضين وبعضهم يروي قولا لعالم آخر ويروي عنه نقيصة ولا جرم فالمسألة باعتيار اختلاف المذاهب فيها وتعيين راجحها من مرجوحها من المعضلات وقد جمعت فيها رسالة مستقلة وسيأتي تحقيق ما هو الحق وتفصيل بعض المذاهب والإشارة إلى حجة كل طائفة ودفعها

باب فساد العقد إذا شرط أحدهما لنفسه التبن أو بقعة بعينها ونحوه

1 - عن رافع بن خديج قال " كنا أكثر الأنصار حقلا فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك فأما الورق فلم ينهنا "
- أخرجاه . وفي لفظ " كنا أكثر أهل الأرض مزدرعا كنا نكري الأرض بالناحية منها تسمى لسيد الرض قال فربما يصاب ذلك وتسلم الأرض وربما تصاب الأرض ويسلم ذلك فنهينا فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ " رواه البخاري . وفي لفظ " قال إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن للناس كرى إلا هذا فلذلك زجر عنه فأما لاشيء معلوم مضمون فلا بأس به " رواه مسلم وأبو داود والنسائي . وفي رواية عن رافع " قال حدثني عمامي أنهما كانا يكريان الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما ينبت على الأربعاء وبشيء يستثنيه صاحب الأرض قال فنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك " رواه أحمد والبخاري والنسائي . وفي رواية عن رافع " أن الناس كانوا يكرون المزارع في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالماذيانات وما يسقي الربيع وشيء من التبن فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كرى المزارع بهذا ونهى عنها " رواه أحمد

- قوله " حقلا " أي أهل مزارعة قال في القاموس المحاقل المزارع والمحاقلة بيع الزرع قبل بدو صلاحه أو بيعه في سنبله بالحنطة أو المزارعة بالثلث والربع أو أقل أو أكثر وإكراء الأرض بالحنطة اه قوله " فنهانا عن ذلك " أي عن كري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه " فيصلح التمسك بهذا المذهب من قال أن النهي عنه إنما هو هذا النوع ونحوه من المزارعة . وقد حكى في الفتح عن الجمهور أن النهي محمول على الوجه المفضي إلى الغرر والجهالة لا عن إكرائها مطلقا حتى بالذهب والفضة قال ثم اختلف الجمهور في جواز إكرائها بجزء مما يخرج منها فمن قال بالجواز حمل أحاديث النهي على التنزيه قال ومن لم يجز إجارتها بجزء مما يخرج قال النهي عن كرائها محمول علىما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها أو شرط ما ينبت على النر لصاحب الأرض لما في كل ذلك من الغرر والجهالة اه : قوله " فأما الورقفلم ينهنا " لا منافاة بين هذه الرواية وبين الرواية الثانية أعني قوله فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ لأن عدم النهي عن الورق لا يستلزم وجوده ولا وجود المعاملة به وفي رواية عن نافع عند البخاري أنه قال ليس بها بأس بالدينار والدرهم . قال في الفتح يحتمل أن يكون رافع قال ذلك باجتهاده ويحتمل أن يكون علم ذلك بطريق التنصيص على جوازه أو علم أن النهي عن كري الأرض ليس على إطلاقه بل بما إذا كان بشيء مجهول ونحو ذلك فاستنبط من ذلك جواز الكري بالذهب والفضة ويرجح كونه مرفوعا بما أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عنه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة رجل له ارض ورجل منح أرضا ورجل اكترى أرضا بذهب أو فضة " لكن بين النسائي كم وجه آخر أن المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وأن بقيته مدرج من كلام سعيد بن المسيب . وقد أخرج أبو داود والنسائي ما هو أظهر في الدلالة على الرفع من هذا وهو حديث سعد بن أبي وقاص الآتي : قوله " بما على الماذيانات " بذال معجمة مكسورة ثم مثناة تحتية ثم ألف ثم نون ثم ألف ثم مثناة فوقية هذا هو المشهور . وحكى القاضي عياض عن بعض الرواة فتح الذال في غير صحيح مسلم وهو ما ينبت على حافة النهر ومسايل الماء وليست عربية لكنها سوادية وهي في الأصل مسايل المياه فتسمية لنا بت عليها باسمها كما وقع في بعض الروايات بلفظ يؤاجرون على الماذيانات مجاز مرسل والعلاقة المجاورة أو الحالية والمحلية : قوله " وإقبال الجادول " بفتح الهمزة وسكون القاف وتخفيف الموحدة أي أوائل . والجداول السواقي جمع جدول وهو النهر الصغير : قوله " واشياء من الزرع " يعني مجهول المقدار ويدل على ذلك قوله في آخر الحديث فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به : قوله " فيهلك " بكسر اللام أي فربما يهلك . قوله " زجر عنه " على البناء للمجهول أي نهى عنه وذلك لما فيه من الغرر المؤدي إلى التشاجر وأكل أموال الناس بالباطل : قوله " على الأربعاء " جمع ربع وهو النهر الصغير كنبي وأنبياء ويجمه أيضا ربعان كصبي وصبيان
قوله يستثنيه " من الاستثناء كأنه يشير إلى استثناء الثلث والربع كذا قال في الفتح واستدل على أن هذا هو المراد برواية أخرى ذكرها البخاري ولكنه ينافي هذا التفسير قوله في الرواية الأولى " فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به " وهذا الحديث يدل على تحريم المزارعة على ما يفضي إلى الغرر والجهالة ويوجب المشاجرة وعليه تحمل الأحاديث الواردة في النهي عن المخابرة كما هو شأن حمل المطلق على المقيد ولا يصح حملها على المخابرة التي فعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر لما ثبت من أنه صلى الله عليه وآله وسلم استمر عليها إلى موته واستمر على مثل ذلك جماعة من الصحابة ويؤيد هذا تصريح رافع في هذا الحديث بجواز المزارعة على شيء معلوم مضمون ولا يشكل على جواز المزارعة بجزء معلوم حديث أسيد بن ظهير الآتي فإن النهي فيه ليس بمتوجه إلى المزارعة بالنصف والثلث والربع فقط بل إلى ذلك مع اشتراط ثلاث جداول والقصارة وما يسقى الربيع ولا شك أن مجموع ذلك غير المخابرة التي أجازها صلى الله عليه وآله وسلم وفعلها في خيبر نعم حديث رافع عند أبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ " من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها ولا يكارها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمي " وكذلك حديثه أيضا عند أبي داود بإسناد فيه بكر بن عامر البجلي الكوفي وهو متكلم فيه " قال أنه زرع أرضا فمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يسقيها فسأله لمن الزرع ولمن الأرض فقال زرعي ببذري وعملي ولي الشطر ولبنى فلان الشطر فقال أربيتما فرد الأرض على أهلها وخذ نفقتك " ومثله حديث زيد بن ثابت عند أبي داود قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المخابرة قلت وما المخابرة قال أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع " فيها دليل على المنع من المخابرة بجزء معلوم ومثل هذه الأحاديث حديث أسيد الآتي على فرض أنه نهى عن المزارعة بجزء معلوم وعدم تقييده بما فيه من كلام أسيد كما سيأتي ولكنه لا سبيل إلى جعلها ناسخة لما فعله صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر لموته وهو مستمر على ذلك وتقريره لجماعة من الصحابة عليه ولا سبيل إلى جعل هذه الأحاديث المشتملة على النهي منسوخة بفعله صلى الله عليه وآله وسلم لصدور النهي عنه في أثناء مدة معاملته ورجوع جماعة من الصحابة إلى رواية من روى النهي والجمع ما أمكن هو الواجب وقد أمكن هنا بحمل النهي على معناه المجازي وهو الكراثة ولا يشكل على هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم " أربيتما " في حديث رافع المذكور وذلك بأن يقال قد وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه المعاملة بأنها ربا والربا حرام بالإجماع فلا يمكن الجمع بالكراهة لانا نقول الحديث لا ينتهض للاحتجاج به للمقال الذي فيه ولا سيما مع معارضته للأحاديث الصحيحة الثابتة من طرق متعددة الواردة بجواز المعاملة بجزء معلوم وكيف يصح أن يكون ذلك ربا وقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومات عليه جماعة من أجلاء الصحابة بل يبعد أن يعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعاملة المكروهة وبموت عليها ولكنه ألجأنا إلى القول بذلك الجمع بين الأحاديث وهذا ما نرجحه في هذه المسألة ولا يصح الأعتذار عن الأحاديث القاضية بالجواز بأنها مختصة به صلى الله عليه وآله وسلم لما تقرر من أنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا نهى عن شيء نهيا مختصا بالأمة وفعل ما يخالفه كان ذلك الفعل مختصا به لانا نقول أولا النهي غير مختص بالأمة وثانيا أنه صلى الله عليه وآله وسلم قرر جماعة من الصحابة على مثل معاملته في خيبر إلى عند موته . وثالثا أنه قد استمر على ذلك بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من أجلاء الصحابة ويبعد كل البعد أن يخفى عليهم مثل هذا ومن أوضح ما استدل به على كراهة المزارعة بجزء معلوم حديث ابن عباس الآتي

2 - وعن أسيد بن ظهير قال " كان أحدنا إذا استغنى عن أرضه أو افتقر إليه أعطاها بالنصف والثلث والربع ويشترط ثلاث جداول والقصارة وما يسقى الربيع وكان يعمل فيها عملا شديدا ويصيب منها منفعة فاتانا رافع بن خديج فقال نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر كان نافعا وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير لكم نهاكم عن الحقل "
- رواه أحمد وابن ماجه والقصارة بقية الحب في السنبل بعدما يداس

- الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي بدون كلام أسيد بن ظهير ورجال إسناد الحديث رجال الصحيح . قوله " والقصارة " قال في القاموس والقصارة بالضم والقصرى بالكسر والقصر والقصرة محركتين والقصرى كبشرى ما يبقى في المنخل بعد الأنتخال أو ما يخرج من القت بعد الدوسة الأولى والقشرة العليا من الحبة اه . قوله " عن الحقل " بفتح الحاء المهملة واسكان القاف أصله كما قال الجوهري الحقل الزرع إذا تشعب ورقه قبل أن تغلظ سوقه فالحقل القراح الطيب يعني من الأرض الصالحة للزراعة والمحاقل مواضع الزراعة كما أن المزارع مواضعها . وقد بين البخاري المحاقل التي نهى عنها صلى الله عليه وآله وسلم من رواية رافع قال فيه " ماتصنعون بمحاقلكم قالوا نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير قال لا تفعلوا " ( والحديث ) يدل على عدم جواز مطلق المزارعة ولكنه ينبغي أن يقيد بما في أوله من كلام أسيد من ضم الأشتراط المقتضي للفساد وعلى فرض عدم تقييده بذلك فيحمل على كراهة التنزيه لما أسلفنا " ز

3 - وعن جابر قال " كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنصيب من القصرى ومن كذا ومن كذا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كان له أرض فليزرعها وليحرثها أخاه وإلا فليدعها "
- رواه أحمد ومسلم والقصرى القصارة

- قوله " والقصرى " قد سبق ضبطه وتفسيره . قوله " فليزرعها " بفتح التحتية والراء أي بنفسه : قوله " أو ليحرثها " بضم التحتية وكسر الراء أي يجعلها مزرعة لاخيه بلا عوض وذلك بأن يعيره أياها ويشهد لهذا المعنى الرواية الآتية بلفظ " لان يمنح أحدكم أخاه " أي يجعلها منحة له والمنحة العارية وفيه دليل على المنع من مؤاجرة الأرض مطلقا لقوله " وإلا فليدعها " ولكن ينبغي أن يحمل هذا المطلق على المقيد بما سلف في حديث رافع أو يكون الأمر للندب فقط لما أسلفنا ولما سيأتي وقد كره بعض العلماء تعطيل الأرض عن الزراعة لأن فيه تضييع المال وقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن اضاعة المال وقدم في هذا الحديث زراعة الأرض من المالك بنفسه لما في ذلك من الفضيلة فإن الاشتغال بالعمل فيها والاستغناء عن الناس بما يحصل من القرب العظيمة مع ما في ذلك من الأشتغال عن الناس والتنزه عن مخالطتهم التي هي لا سيما في مثل هذا الزمان سم قاتل وشغل عن الرب جل جلاله شاغل إذا لم يكن في الاقبال على الزراعة تثبط عن شيء من الأمور الواجبة كالجهاد وقد أورد البخاري في صحيحه حديثا في فضل الزرع والغرس وترجم عليه باب فضل الزرع والغرس وروه مسلم من حديث أنس

4 - وعن سعد بن أبي وقاص " أن أصحاب المزارع في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يكرون مزارعهم بما يكون على السواقي وما سعد بالماء مما حول النبت فجاؤا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاختصموا في بعض ذلك فنهاهم أن يكروا بذلك وقال أكروا بالذهب والفضة "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي وما ورد من النهي المطلق عن المخابرة والمزارعة يحمل على مافيه مفسدة كما يبنته هذه الأحاديث أويحمل على اجتنابها ندبا واستحبابا فقد جاء ما يدل على ذلك فروى عمرو بن دينار قال قلت لطاوس لو تركت المخابرة فانهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها فقال أن أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عنها وقال لان يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما " رواه أحمد والبخاري وابن ماجه وأبو داود

5 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحرم المزارعة ولكن أمر أن يرفق بعضهم بعض " رواه الترمذي وصححه

6 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كانت له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه فإن أبى فليمسك أرضه "
- أخرجاه بالإجماع تجوز الأجارة ولا تجب الأعارة فعلم أنه أراد الندب

- حديث سعد سكت عنه أبو داود والمنذري . قال في الفتح ورجاله ثقات الا أن محمد بن عكرمة المخزومي لم يرو عنه الا إبراهيم بن سعد . قوله " وما سعد " بفتح السين وكسر العين المهملتين قيل معناه بما جاء من الماء سيحا لا يحتاج إلى ساقية وقيل معناه ما جاء من الماء من غير طلب . وقال الأزهري والسعيد النهر مأخوذ من هذا وسواعد النهر التي تنصب إليه مأخوذة من هذا وفي رواية ما صعد بالصاد بدل السين أي ما ارتفع من النبت بالماء دون ما سفل منه : قوله " بالذهب والفضة " فيه رد على طاوس حيث كره اجارة الأرض بالذهب والفضة كما روى عنه مسلم والنسائي عن طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال كان طاوس يكره أن يؤاجر أرضه بالذهب والفضة ولا يرى بالثلث والربع بأسا فقال له مجاهدا ذهب إلى ابن رافع بن خديج فاسمع حديثه عن أبيه فقال لو أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنه لم أفعله ولكن حدثني من هو أعلم منه ابن عباس فذكر الحديث الذي ذكره المصنف . وللنسائي أيضا من طريق عبد الكريم عن مجاهد قال أخذت بيد طاوس فأدخلته إلى ابن رافع ابن خديج فحدثه عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض فأبى طاوس وقال سمعت ابن عباس لا يرى بذلك بأسا " وهذه الرواية عن طاوس تدل على أنه كان لا يمنع من كراء الأرض مطلقا وقد حكى صاحب الفتح عنه أنه يمنع مطلقا كما قدمنا . واستدل بهذا الحديث من جوز كراء الأرض بالذهب والفضة وقد تقدم ذكرهم وألحقوا بهما غيرهما من الأشياء المعلومة لأنهم رأوا أن محل النهي فيما لم يكن معلوما ولا مضمونا وفي هذا الحديث أيضا رد على من منع كراء الأرض مطلقا كما تقدم . قوله " وما ورد من النهي " الخ مثل حديث جابر عند أبي داود بلفظ " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله " وحديث زيد بن ثابت عند أبي داود قال " نهى رسول الله عن المخابرة " وقد تقدم . ومثل حديث جابر أيضا عند مسلم وأبي داود وابن ماجه بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة " الحديث . ومثل حديث ثابت من الضحاك عند مسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المزارعة " وحديث رافع عند أبي داود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض " وأصله في الصحيحين ونحو هذه الأحاديث الواردة بالنهي على الأطلاق وقد ذكر المصنف في هذا الباب طرفا منها وأوردنا بعضا من ذلك فيما سلف وكلام المصنف هذا كلام حسن ولا بد من المصير إليه للجمع بين الأحاديث المختلفة وهو الذي رجحناه فيما سلف . قوله " لم ينه عنها " هذا لا ينافي رواية من روى النهي عنه صلى الله عليه وآله وسلم لأن المثبت مقدم على النافي ومن علم حجة على من لم يعلم ولكن قوله " لأن يمنح أحدكم أخاه خير له " الخ يصلح جعله قرينة لصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة كما سلف . وقوله " يمنح " بفتح التحتية وسكون الميم وفتح النون بعدها حاء مهملة ويجوز كسر النون والمراد بجعلها منيحة أي عطية وعارية كما تقدم وهكذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حقيقته ما في الرواية الثانية عن ابن عباس من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحرم المزارعة ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض : قوله " فليزرعها أو ليحرثها " قد تقدم الكلام على هذا : قوله " فليمسك أرضه " قد قدمنا أن بعض العلماء كره تعطيل الأرض عن الزراعة لما ورد من النهي عن إضاعة المال وهذه الرواية والتي سلفت في حديث جابر يدلان على جواز ترك الأرض بغير زراعة وقد جمع بين الرواية القاضية بالنهي عن ذلك وبين ما هنا بحمل النهي عن الإضاعة على إضاعة عين المال أو المنفعة التي لا يخلفها منفعة والأرض إذا تركت بغير زرع لم تتعطل منفعتها فإنها تنبت من الحطب والحشيش وسائر الكلأ ما ينفع في الرعي وغيره وعلى تقدير أن لا يحصل ذلك فقد يكون التأخير للزرع عن الأرض اصلاحا لها فتخلف في السنة التي تليها ما لعله فات في سنة الترك وهذا كله ان حمل النهي على عمومه فاما لوحمل على ما كان مألوفا لهم من الكراء بجزء مما يخرج منها ولا سيما إذا كان غير معلوم فلا يستلزم ذلك تعطيل الانتفاع بها في الزراعة بل يكريها بالذهب أو الفضة كما تقرر ذلك . قوله " وبالاجماع تجوز الأجارة " الخ استدل المصنف رحمه الله بهذا على ما ذكره من الندب لأن العارية إذا لم تكن واجبة بالإجماع من غير فرق بين المزارعة وغيرها لم يجب على الأنسان أن يزرع أرضه بنفسه أو يعيرها أو يعطلها بل يجوز له أمر رابع وهو الأجارة لأنها بالإجماع والعارية لا تجب بالإجماع فلا تجب عليه وإذا انتفى الوجوب بقي الندب

أبواب الإجارة

باب ما يجوز الاستئجار عليه من النفع المباح

1 - عن عائشة في حديث الهجرة قالت " واستأجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر من بني الديل هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية وهو على دين كفار قريش وأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال فاتاهما براحلتيمها صبيحة ليال ثلاث فارتحلا "
- رواه أحمد والبخاري

- قوله " واستأجر " الواو ثابتة في نفس الحديث الطويل لأن هذه القصة معطوفة على قصة قبلها وقد ساقها البخاري مستوفاة في الهجرة . قوله " الديل " بالكسر للدال حي من عبد القيس ذكره صاحب القاموس في مادة دول وذكر في مادة دأل أنه يطلق على قبائل وأنه يأتي بفتح الدال وبضمها وكعنب : قوله " خريتا " بكسر العجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة بفتح الهمزة وكسر الميم المخففة ضد الخيانة : قوله " غار ثور " هو الغار المذكور في التنزيل وثور جبل بمكة وليس هو الجبل الذي في المدينة المذكور في الحديث الصحيح إن المدين حرام ما بين عير إلى ثور وقد سبق الاختلاف فيه في كتاب الحج ( والحديث ) فيه دليل على جواز استئجار المسلم للكافر على هداية الطريق إذا أمن إليه وقد ذكر البخاري هذا الحديث في كتاب الاجارة وترجم عليه باب استئجار المشركين عند الضرورة وإذا لم يوجد أهل الأسلام فكأنه أراد الجمع بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وآله وسلم " أنا لا أستعين بمشرك " أخرجه مسلم وأصحاب السنن قال ابن بطال الفقهاء يجيزون استئجارهم يعني المشركين عند الضرورة وغيرها لما في ذلك من الذلة لهم وإ ما الممتنع أو يؤجر المسلم نفسه من المشرك لما فيه من الإذلال

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم فقال أصحابه وأنت قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة "
- رواه أحمد الإسماعيلي وقد صوب ابن الجوزي وابن ناصر لتفسير الذي ذكره إبراهيم الحربي لكن رجح تفسير سويد بأن أهل مكة لا يعرفون بها يقال له قراريط وقد روى النسائي من حديث نصر بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون قال " افتخر أهل الإبل والغنم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث موسى وهو راعي غنم وبعث داود وهو راعي غنم وبعثت أنا راعي غنم أهلي بجياد " وزعم بعضهم أن في هذه الرواية ردا لتأويل سويد بن سعيد لأنه ما كان يرعى بالأجرة لأهله فيتعين أنه أراد المكان فعبر تارة بقراريط وتعقب بأنه لا مانع من الجمع وأنه كان يرعى لأهله بغير أجرة ولغيرهم بأجرة وهم المراد بقوله " أهل مكة " . ويؤيد تفسير سويد قوله على قراريط فإن المجيء بعلى يدل على ما قاله وينافي ذلك جعلها بمعنى الباء التي للسببية وأما جعلها بمعنى الباء التي للظرفية فبعيد . قال العلماء الحكمة في الهام رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرين برعيها على ما سيكلفونه من اقيام بأمر أمتهم لأن في مخالطتهم ما يحصل الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفريقها في الرعي وتفريقها في الرعي ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها وورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام به من أول وهلة لما يحصل لهم من التدرج وبذلك وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر دونها ( وفي الحديث ) دليل على جواز الإجارة على رعي الغنم ويلحق بها في الجواز غيرها من الحيوانات

3 - وعن سويد بن قيس قال " جلبت أنا ومخرمة العبدي بزامن هجر فأتينا به مكة فجائنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي فساومنا سراويل فبعناه وثم رجل يزن بالأجر فقال له زن وأرجح "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي وفيه دليل على أن من وكل رجلا في إعطاء شيء لآخر ولم يقدر جاز ويحمل على ما يتعارفه الناس في مثله ويشهد لذلك حديث جابر في بيعه جملة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يا بلال إقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا " . رواه البخاري ومسلم

4 - وعن رافع بن رفاعة قال " نهانا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها وقال هكذا بإصابعه نحو الخبز والغزل والنقش "
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث سويد بن قيس سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرج نحوه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي صفوان بن عمير . وقد تقدم في كتاب اللباس وحديث رافع بن رفاعة اسناده ثقات ولكنه قال أبو القاسم الدمشقي الحافظ في افشراق عقب هذا الحديث رافع هذا غير معروف وقال غيره هو مجهول وقد أخرجه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة لكن بدون قوله " إلا ما عملت بيدها " الخ : قوله " ومخرمة " بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح الراء وهو حليف بني عبد شمس : قوله " بزا " بفتح الباء الموحدة بعدها زاي مشددة وهو الثياب وهجر بفتح الهاء والجيم وهي مدينة قرب البحرين بينها وبينها عشر مراحل . قوله " سراويل " معرب جاء على لفظ الجمع وهو واحد أشبه مالا ينصرف : قوله " بالأجر " أي بالأجرة وفيه دليل على جواز الاستئجار على الوزن لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الوزان أن يزن ثمن السراويل . قال أصحاب الشافعي وأجرة وزان الثمن على المشتري كما أن أجرة وازن السلعة إذا احتيج إليه على البائع : قوله " وأرجح " بفتح الهمزة وكسر الجيم أي أعطه راجحا وفيه وفي حديث جابر الذي بعده دليل على استحباب ترجيح المشتري في وزن الثمن ويقاس عليه ترجيح البائع في وزن المبيع أو كيله وفيهما أيضا دليل على جواز هبة المشاع وذلك لأن مقدار الرجحان هبة منه للبائع وهو غير متميز من الثمن وفيهما أيضا جواز التوكيل في الهبة المجهولة ويحمل على ما يتعارفه الناس كما قال المصنف وقد ذكر ههنا طرفا من حديث جابر وقد تقدم طرف منه في البيع : قوله " عن كسب الأمة " الكسب في الأصل مصدر تقول كسبت المال أكسبه كسبا والمراد به ههنا المكسوب وفي الموطأ عن عثمان أنه خطب فقال لا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة فإنكم متى ما كلفتموها ذلك كسبت بفرجها ولا تكلفوا الصغير الكسب فإنه إذا لم يجد سرق . وفي حديث " أنه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كسب الأمة مخافة أن تبغي " وقد كانت الجاهلية تجعل عليهن ضرائب فيوقعهن ذلك في الزنا وربما أكرهوهن عليه فلما جاء الإسلام نهى عن ذلك ونزل قوله تعالى { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } الآية : قوله " وقال هكذا بأصابعه " يعني الثلاث والخبز بفتح الخاء وسكون الباء بعدها زاي يعني عجن العجين وخبزه والغزل غزل الصوف والقطن والكتان والشعر وقد روى الطبراني في الأوسط عن عائشة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن الغزل وسورة النور " وفي إسناده محمد بن إبراهيم الشامي قال الدارقطني كذاب . وأخرج الطبراني أيضا عن هند بنت المهلب بن أبي صفرة وهي امرأة الحجاج بن يوسف ان زياد بن عبد الله القرشي دخل عليها وبيدها مغزل تغزل به فقال لها تغزلين وأنت امرأة أمير فقالت سمعت أمي تحدث عن جدي قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أطولكن طاقة أعظمكن أجرا " والمراد بالطاقة طاقة الغزل من الكتان أو القطن وفي إسناده يزيد بن مروان الخلال قال ابن معين كذاب . قوله " والنفش " بفتح النون وسكون الفاء . بعدها شين معجمة والمراد به نفش الصوف والشعر وندف القطن والصوف ونحو ذلك . وفي رواية النقش بالقاف وهو التطريز

باب ما جاء في كسب الحجام

1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كسب الحجام ومهز البغى وثمن الكلب "
- رواه أحمد

2 - وعن رافع بن خديج " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كسب الحجام خبيث ومهر البغى خبيث وثمن الكلب خبيث "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه النسائي ولفظه " شر المكاسب ثمن الكلب وكسب الحجام ومهر البغي "

3 - وعن محيصة بن مسعود أنه كان له غلام حجام فزجره النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كسبه فقال لا أطعمه أيتامالى قال لا قال أفلا أتصدق به قال لا فرخص له أن يعلفه ناضحه "
- رواه أحمد . وفي لفظ " أنه استأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ي اجارة الحجام فنهاه عنها ولم يزل يسأله فيها حتى قال أعلفه ناضحك أو اطعمه رفيقك " رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن

- حديث أبي هريرة قال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح . وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط وأخرجه ايضا الحازمي في الناسخ والمنسوخ بلفظ " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من السحت مهر البغى وأجرة الحجام " ويشهد له ما أخرجه الحازمي أيضا عن ابن مسعود عقبة بن عمرو قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كسب الحجام " وحديث رافع أخرجه أيضا مسلم وحديث محيصة أخرجه أيضا مالك وابن ماجه قال في الفتح ورجاله ثقات وأخرج نحوه أحمد في مسنده من حديث جابر ولفظه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الحجام فقال أطعمه ناضحك " وقال في مجمع الزوائد أنه أخرج محديث محيصة المذكور أهل السنن الثلاث باختصار والطبراني في الأوسط قال في مجمع الزوائد أيضا ورجال أحمد رجال الصحيح : وقال في حديث جابر الذي ذكرناه أن رجاله رجال الصحيح . قوله " البغى " بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد الياء فعيل بمعنى فاعلة أو مفعولة وهي الزانية ومنه قوله تعالى { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } أي على الزنا وأصل البغى الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في طلب الفساد والزنا والمراد ماتكتسبه الأمة بالفجور لا بالصنائع الجائزة وقد قدمنا في أول كتاب البيع أنه مجمع على تحريم مهر البغى . قوله " وثمن الكلب " قد تقدم الكلام عليه في أول البيع وقد استدل بأحاديث الباب من قال بتحريم كسب الحجام وهو بعض أصحاب الحديث كما في البحر لأن النهي حقيقة في التحريم والخبيث حرام ويؤيد هذا تسمية ذلك سحتا كما في حديث أبي هريرة الذي ذكرناه وذهب الجمهور من العترة وغيرهم إلى انه حلال وأحتجوا بحديث أنس وابن عباس الآتيين وحملوا النهي على التنزيه لأن في كسب الحجام دناءة والله يحب معالي الأمور ولأن الحجامة من الاشياء التي تجب للمسلم على المسلم للاعانة له عند الأحتياج إليها ويؤيد هذا أذنه صلى الله عليه وآله وسلم لما سأله عن الجرة الحجامة أن يطعم منها ناضحه ورقيقه ولو كانت حراما لما جاز الانتفاع بها بحال . ومن أهل هذا القول من زعم أن النهي منسوخ وجنح إلى ذلك الطحاوي وقد عرفت إن صحة النسخ متوقفة على العلم بتأخر الناسخ وعدم امكان الجمع بوجه والأول غير ممكن هنا والثاني ممكن بحمل النهي على كراهة التنزيه بقرينة أذنه صلى الله عليه وآله وسلم بالانتفاع في بعض المنافع وبإعطائه صلى الله عليه وآله وسلم الأجر لمن حجمه ولو كان حراما لما مكنه منه ويمكن أن يحمل النهي عن كسب الحجام على ما يكتسبه من بيع الدم فقد كانوا في الجاهلية يأكلونه ولا يبعد ان يشتروه للأكل فيكون ثمنه حراما ولكن الجمع بهذا الوجه بعيد فتيعين المصير إلى الجمع بالوجه الأول ويبقى الإشكال في صحة إطلاق اسم الخبث والسحت على المكروه وتنزيها . قال في القاموس الخبيث ضد الطيب وقال السحت بالضم وبضمتين الحرام أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه العار انتهى وهذا يدل على جواز إطلاق اسم الخبث والسحت على المكاسب الدنية وإن لم تكن محرمة والحجامة كذلك فيزول الإشكال . وجمع ابن العربي بين الأحاديث بأن محل الجواز إذا كانت الأجرة على عمل معلوم ومحل الزجر على ما إذا كانت على عمل مجهول . وحكى صاحب الفتح عن أحمد وجماعة الفرق بين أخر والعبد فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة وقالوا يحرم عليه الانفاق على نفسه منها ويجوز له الانفاق على الرقيق والدواب منها وأباحوها للعبد مطلقا وعمدتهم حديث محيصة لأنه أذن له صلى الله عليه وآله وسلم أن يعلف منه ناضحه . والناضح اسم للبعير والبقرة التي ينطح عليها من البئر أو النهر ورواية الموطأ وأطعمه نضاحك بضم النون وتشديد الضاد جمع ناضح . قال ابن حبيب النضاح الذين يسقون النخيل واحده ناضح من الغلمان ومن الأبل وإنما يفترقون في الجمع فجمع الأبل نواضح والغلمان نضاح

3 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعين من طعام وكلم مواليه فحففوا عنه "
- متفق عليه . وفي لفظ " دعا غلاما منا حجمه فأعطاه أجره صاعا أو صاعين وكلم مواليه أن يخففوا عنه من ضريبته " رواه أحمد والبخاري

4 - وعن ابن عباس " قال احتجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعطى الحجام أجره ولو كان سحتا لم يعطه "
- رواه أحمد والبخاري ومسلم . ولفظه " حجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد لبني بياضة فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجره وكلم سيده فخفف عنه من ضريبته ولو كان سحتا لم يعطه النبي صلى الله عليه وآله وسلم "

- قوله " أبو طيبة " بفتح الطاء المهملة وسكون التحتية بعدها موحدة واسمه نافع : قوله " وأعطاه صاعين من طعام " في الرواية الأخرى صاعا أو صاعين . وفي رواية أبي داود " فأمر له بصاع من تمر " وفي رواية لمسلم " فأمر له بصاع أو مد أو مدين " على الشك : قوله " وكلم مواليه " في رواية أبي داود " فأمر أهله " والمراد بمواليه ساداته وجمع لكونه كان مملوكا لجماعة كما يدل على ذلك رواية مسلم " حجم النبي عبد لبنى بياضة " . قوله " فخفقوا عنه " في الكلام حذف والتقدير كلم مواليه أن يخففوا عنه فخففوا عنه كما في الرواية الأخرى . ولفظ أبي داود " فأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه " وفيه جواز للشفاعة للعبد إلى مواليه في تخفيف الخراج عنه : قوله " ولو كان سحتا " قد تقدم ضبطه وتفسير معناه في شرح الأحاديث التي قبل هذا . وفي رواية للبخاري " لو علم كراهة لم يعطه " يعني كراهة تحريم . وفي رواية له أيضا " ولو كان حراما لم يعطه " وذلك ظاهر في الجواز : قوله " من ضريبته " الضريبة تطلق على أمور منها غلة العبد كما في القاموس وهي بفتح المعجمة فعليه بمعنى مفعولة وجحعها ضرائب . ويقال لها خراج وغلة وأجر ( والحديثان ) يدلان على أن أجرة الحجامة حلال وقد قدمنا الخلاف في ذلك وما هو الحق

باب ما جاء في الأجرة على القرب

1 - عن عبد الرحمن بن شبل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " اقرؤا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به "
- رواه أحمد

2 - وعن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " اقرؤا القرآن واسألوا الله به فإن من بعدكم قوما يقرؤن القرآن يسالون به الناس "
- رواه أحمد والترمذي

3 - وعن أبي بن كعب قال " علمت رجلا القرآن فأهدى لي قوسا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن أخذتها أخذت قوسا من نار فرددتها "
- رواه ابن ماجه . ولأبي داود وابن ماجه نحو ذلك من حديث عبادة بن الصامت " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعثمان بن أبي العاص لا تتخذ مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا "

- أما حديث عبد الرحمن بن شبل فقال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات . وأخرجه أيضا البزار ويشهد له أحاديث . منها حديث عمران بن حصين وأبي بن كعب المذكور أن الباب . ومنها حديث جابر عند أبي داود قال " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والعجمي فقال اقرؤا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه " ومنها حديث سهل ابن سعد عند أبي داود أيضا وفيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال اقرؤه قبل أن يقرأه قوم يقيمونه كما يقام السهم يتعجل أجره ولا يتأجله " وأما حديث عمران بن حصين فقال الترمذي بعد اخراجه هذا حديث حسن ليس اسناده بذاك . وأما حديث أبي ابن كعب فأخرجه أيضا البيهقي والروياني في مسنده قال البيهقي وابن عبد البر هو منقطع يعني بين عطية الكلاعي وأبي بن كعب . وكذلك قال المزي وتعقبهم الحافظ بأن عطية ولد في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعله ابن القطان بالجهل بحال عبد الرحمن بن سلم الراوي عن عطية وله طرق عن أبي قال ابن القطان لا يثبت منها شيء قال الحافظ وفيما قال نظر وذكر المذى في ألأطراف له طرقا . منها أن الذي أقرأه أبي هو الطفيل بن عمرو ويشهد له ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن الطفيل بن عمرو الدوسى قال " أقرأني أبي بن كعب القرآن فأهديت إليه قوسا فغدا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد تقلدها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقلدها من جهنم قلت يا رسول الله انا ربما حضر طعامهم فأكلنا فقال أما ما عمل لك فإنما تأكله بخلاقك وأما ما عمل لغيرك فحضرته فأكلت منه فلا بأس " وما أخرجه الأثرم في سننه عن أبي قال " كنت أختلف إلى رجل مسن قد أصابته علة قد احتبس في بيته أقرئه القرآن فيؤتى بطعام لا آكل مثله بالمدينة فحاك في نفسي شيء فذكرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن كان ذلك الطعام طعامه وطعام أهله فكل منه وإن كان بحقك فلا تأكل " وأما حديث عبادة الذي أشار إليه المصنف فلفظه " قال علمت ناسا من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إلي رجل منهم قوسا فقلت ليس بمال وارمي عليها في سبيل الله عز و جل لأتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا سألته فأتيته فقلت يا رسول الله إنه رجل أهدى إلي قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمى عليها في سبيل الله فقال إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها " وفي إسناده المغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وتكلم فيه جماعة . وقال الإمام أحمد ضعيف الحديث حدث بأحاديث مناكير وكل حديث رفعه فهو منكر . وقال أبو زرعة الرازي لا يحتج بحديثه ولكنه قد روي عن عبادة من طريق أخرى عند أبي داود بلفظ " فقلت ما ترى فيها يا رسول الله فقال جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها " وفي هذه الطريق بقية من الوليد وقد تكلم فيه جماعة ووثقه الجمهور إذا روى عن الثقات . وقد أورد الحافظ حديث عبادة هكذا في كتاب النفقات من التلخيص وتكلم عليه فليراجع ( وفي الباب ) عن معاذ عند الحاكم والبزار بنحو حديث أبي وعن أبي الدرداء عند الدارمى بإسناد على شرط مسلم بنحوه أيضا . وأما حديث عثمان بن أبي العاص فقد تقدم الكلام عليه في الأذان . وقد استدل بأحاديث الباب من قال أنها لا تحل الأجرة على تعليم القرآن وهو أحمد بن حنبل وأصحابه وأبو حنيفة والهادوية وبه قال عطاء والضحاك بن قيس والزهري وإسحاق وعبد الله بن شقيق وظاهره عدم الفرق بين أخذها على تعليم من كان صغيرا و كبيرا وقالت الهادوية إنما يحرم أخذها على تعليم الكبير لأجل وجوب تعليمه القدر الواجب وهو غير متعين ولا يحرم على تعليم الصغير لعدم الوجوب عليه وذهب الجمهور إلى أنها تحل الأجرة على تعليم القرآن وأجابوا عن أحاديث الباب بأجوبة . منها أن حديث أبي وعبادة قضيتان في عين فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم أنهما فعلا ذلك خالصا لله فكره أخذ العوض عنه . وأما من علم القرآن على أنه لله وأن يأخذ من المتعلم ما دفعه إليه بغير سؤال ولا استشراف نفسه فلا بأس به . وأما حديث عمران بن حصين فليس فيه إلا تحريم السؤال بالقرآن وهو غير إتخاذ الأجر على تعليمه وأما حديث عيد الرحمن بن شبل فهو أخص من محل النزاع لأن المنع من التأكل بالقرآن لا يستلزم المنع من قبول ما دفعه المتعلم بطيبة من نفسه
وأما حديث عثمان بن أبي العاص فالقياس للتعلم عليه فاسد الاعتبار لما سيأت هذا غاية ما يمكن أن يجاب به عن أحاديث الباب ولكنه لا يخفى أن ملاحظة مجموع ما تقضي به يفيد ظن عدم الجواز وينتهض للاستدلال به على المطلوب وإن كان في كل طريق من طرق هذه الأحاديث مقال فبعضها يقوي بعضا ويؤيد ذلك أن الواجبات إنما تفعل لوجوبها والمحرمات إنما تترك لتحريمها فمن أخذ على شيء من ذلك أجرا فهو من الآكلين لأموال الغير بالباطل لأن الإخلاص شرط ومن أخذ الأجرة غير مخلص والتبليغ للأحكام الشرعية واجب على كل فرد من الأفراد قبل قيام غيره به . ومن جملة ما أجاب به المجوزون دعوى النسخ بحديث ابن عباس الآتي وسيأتي الجواب عن ذلك واستدلوا على الجواز أيضا بما أخرجه الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءته امرأة فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل فقل يا رسول الله زوجينها إن لم يكن لك بها حاجة فقال صلى الله عليه وآله وسلم هل عندك من شيء تصدقها إياه فقال ما عندي إلا ازرارى هذه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أعطيتها أزارك جلست لا إزار لك فالتمس شيئا فقال ما أجد شيئا فقال التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل معك من القرآن شيء فقال نعم سورة كذا وسورة كذا يسميها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد زوحتكها بما معك من القرآن " وفي رواية " قدملكتكها بما معك من القرآن " ولمسلم " زوجتهكا تعلمها من القرآن " وفي رواية لأبي داود " علمها عشرين آية وهي امرأتك " ولأحمد " قد انكحتكها على ما معك من القرآن " وقد أجاب المانعون من الجواز عن هذا الحديث بأجوبة منها أنه زوجها به بغير صداق إكراما له لحفظه ذلك المقدار من القرآن ولم يجعل التعليم صداقا وهذا مردود برواية مسلم وأبي داود المذكورة . ومنها أن هذا مختص بتلك المرأة وذلك الرجل ولا يجوز لغيرهما ويدل على ذلك ما أخرجه سعيد بن منصور عن أبي النعمان الأزدي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوج امرأة على سورة من القرآن ثم قال لا يكون لأحد بعدك مهرا " ومنها أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يسم لها مهرا ولم يعطها صداعا وأوصى لا بذلك عند موته ويؤيده ما أخرجه أبو داود من حديث عقبة بن عامر " أنه صلى الله عليه وآله وسلم زوج رجلا امرأة ولم يفرض لها مهرا ولم يعطها شيئا فأوصى لها عند موته بسهمه من خيبر فباعته بمائة الف . ومنها أنها قضية فعل لا ظاهر لها . ومن حملة ما احتجوا به على الجواز حديث عمر بن الخطاب المتقدم في الزكاة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له ما أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا اشراف نفس فخذه " الحديث ويجاب عنه بأنه عموم مخصص بأحاديث الباب

4 - وعن ابن عباس " أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال هل فيكم من راق فإن في الماء رجلا لديغا أو سليما فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فجاء بالشء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا أخذت على كتاب الله أجرا حتى قدموا المدينة فقالوا يا رسول الله أخذ على كتاب الله اجرا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله "
- رواه البخاري

5 - وعن أبي سعيد قال " انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء فقال بعضهم لوأتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم بعض الشيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط أن سيدنا لدغ وسعينا بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء قال بعضهم إني والله لارقي ولكن واللذه لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من غنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم اقتسموا فقال الذي رقي لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنذكر له الذي كان فننظر الذي يأمرنا فقدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا له ذلك فقال وما يدريك أنها رقية ثم قال قد أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم سهما وضحكالنبي صلى الله عليه وآله وسلم " . رواه الجماعة إلا النسائي وهذا لفظ البخاري وهو أتم

- قوله " فيهم لدغ " اللديغ بالدال المهملة والغين المعجمة هو اللسيع وزنا ومعنى واللدغ اللسع وأما اللذع بالذال المعجمة والعين المهملة فهو الإحراق الخفيف واللدغ المذكور في الحديث هو ضرب ذات الحمة من حية أو عقرب أو غيرهما وأكثر ما يستعمل في العقرب وقد صرح الأعمش في روايته بالعقرب . قوله " أو سليم " هو اللديغ أيضا قوله " أن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " استدل به الجمهور على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وأجيب عن ذلك بأن المراد بالأجر هنا الثواب ويرد بأن سياق القصة يأبى ذلك وادعى بعضهم نسخة بالأحاديث السابقة وتعقب بأن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال وبأن الأحاديث القاضية بالمنع وقائع أعيان محتملة للتأويل لتوافق الأحاديث الصحيحة كحديثي الباب وبأنها مما لا تقوم به الحجة فلا تقوى على معارضة ما في الصحيح وقد عرفت مما سلف أنها تنتهض للاحتجاج بها على المطلوب والجمع ممكن أما بحمل الأجر المذكور ههنا على الثواب كما سلف وفيه ما تقدم أو المراد أخذ الأجرة على الرقية فقط كما يشعر به السياق فيكون مخصصا للأحاديث القاضية بالمنع أو بحمل الأجر هنا على عمومه فيشمل الأجر على الرقية والتلاوة والتعليم ويخص أخذها على التعليم بالأحاديث المتقدمة ويجوز ما عداه وهذا أظهر وجوه الجمع فينبغي المصير إليه قوله " فاستضافوهم " أي طلبوا منهم الضيافة . وفي رواية للترمذي أنهم ثلاثون رجلا : قوله " فلم يضيفوهم " بالتشديد للأكثر وبكسر الضاد المعجمة مخففا . قوله " فسعوا له بكل شيء " أي مما جرت العادة أن يتداوى به من اللدغة . قوله " إني والله لارقى " ضبطه صاحب الفتح بكسر القاف والرقية كلام يستشفى به من كل عارض . قال في القاموس والرقية بالضم العوذة الجمع رقي ورقاه رقيا ورقيا ورقيه نفث في عوذته . قوله " جعلا " بضم الجيم وسكون المهملة ما يعطي على عمل . قوله " على قطيع " قال ابن التين هو طائفة من الغنم وتعقب بأن القطيع هو الشيء المنقطع من غنم كان أو من غيرها : قال بعضهم الغالب استعماله فيما بين العشرة والأربعين . وفي رواية للبخاري " انا نعطيكم ثلاثين شاة " وهو مناسب لعدد الرهط المذكور سابقا فكأنهم جعلوا لكل رجل شاة : قوله " يتفل " بضم الفاء وكسرها وهو نفخ معه قليل بزاق وقد سبق تحقيقه في الصلاة قال ابن أبي جمرة محل التفل في الرقية يكون بعد القراءة لتحصل بركة القراءة في الجوارح التي يمر عليها الريق . قوله " ويقرأ الحمد لله رب العالمين " فيرواية " أنه قرأها سبع مرات " وفي أخرى " ثلاث مرات " والزيادة أرجح قوله " نشط " بضم النون وكسر المعجمة من الثلاثي كذا لجميع الرواة : قال الخطابي وهو لغة والمشهور نشط إذا عقد وأنشط إذا حل واصله الأنشوطة بضم الهمزة والمعجمة بينهما نون ساكنة وهي الحبل والعقال بكسر المهملة بعدها قاف هو الحبل الذي يشد به ذراه البهيمة . قوله " وما به قلبة " بفتح القاف واللام أي علة وسميت العلة قلبة لأن الذي تصيبه يقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء قاله ابن الأعرابي . ومنه قول الشاعر . وقد برئت فما بالصدر من قلبه . وحكي عن ابن الأعرابي أن القلبة داء مأخوذ من القلاب يأخذ البعير فيؤلمه قلبه فيموت من يومه قوله " فقال الذي رقى " بفتح القاف : قوله " وما يدريك أنها رقية " قال الداودي معناه وما أدراك وقد روى كذلك ولعله هو المحفوظ لأن ابن عيينة قال إذا قال وما يدريك فلم يعلم وإذا قال وما أدراك فقد علم وتعقبه ابن التين بأن ابن عيينه إنما قال ذلك فيما وقع في القرآن وإلا فلا فرق بينهما في اللغة في نفي الدراية وهي كلمة تقال عند التعجب من لاشيء وتستعمل في تعظيم الشيء أيضا وهو لائق هنا كما قال الحافظ . وفي رواية بعد قوله " وما يدر بك أنها رقية قلت القي في روعي " وللدارقطني " قلت با رسول الله القي في روعي " وذلك ظاهر في أنه لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرقي بالفاتحة : قوله " ثم قال قد أصبتم " يحتمل أن يكون صوب فعلهم في الرقية ويحتمل أن يكون ذلك في توقفهم عن التصرف في الجعل حتى استأذنوه ويحتمل ما هو أعم من ذلك : قوله " واضربوا لي معكم سهما " أي إجعلوا منه نصيبا وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد المبالغة في تأنيسهم كما وقع في قصة الحمار الوحشي وغير ذلك ( وفي الحديث ) دليل على جواز الرقية بكتاب الله تعالى ويلتحق بما كان بالذكر والدعاء المأثور وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور : وأما الرقي بغير ذلك فليس في الأحاديث ما يثبته ولاما ينفيه إلا ما سيأتي في حديث خارجة . وفي حديث أبي سعيد مشروعية الضيافة على أهل البوادي والنزول على مياه العرب وطلب ما عندهم على سبيل القرى أو الشراء وفيه مقابلة من امتنع من المكرمة بنظير صنعه وفيه الأشتراك في العطية وجواز طلب الهدية ممن يعلم رغبته في ذلك واجابته إليه

6 - وعن خارجة بن الصلت عن عمه " أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أقل راجعا من عنده فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقال أهله أنا قد حدثنا ان صاحبكم هذا قد جاء بخير فهل عندك شيء تداويه وقال فرقيته فاتحة الكتاب ثلاثة أيام كل يوم مرتين فبرأ فأعطوني مائتي شاة فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فقال خذها فلعمري من أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق "
- رواه أحمد وأبو داود . وقد صح " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوج امرأة رجلا على أن يعلمها سورا من القرآن " ومن ذهب إلى الرخصة لهذه الأحاديث حمل حديث أبي وعبادة على أن التعليم كان قد يتعين عليهما وحمل فيما سواهما من الأمر والنهي على الندب والكراهة

- حديث خارجة أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح الا خارجة المذكور وقد وثقه ابن حبان . وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه . وحديث تزويج المرأة قد ذكرناه في أول الباب . قوله " عن عمه " هو علاقة بن صحار بضم الصاد وتخفيف الحاء المهملة التميمي الصحاب وقال خليفة هو عبد الله بن عثير بكسر العين المهملة وسكون المثلثة بعدها مثناة تحتية مفتوحة ثم راء مهملة . وقيل اسمه علاثة ويقال سحار بالسين والأول أكثر : قوله " ثلاثة أيام " لفظ أبي داود ثلاثة أيام غدوة وعشية كلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل : قوله " فلعمري " اقسم بحياة نفسه كما اقسم الله بحياته والعمر والعمربفتح العين وضمها واحد الا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لا يثار الأخف وذلك لأن الحلف كثير الدور على ألسنتهم ولذلك حذفوا الخبر وتقديره لعمرك مما أقسم كما حذفوا الفعل في قولك بالله : قوله " برقية باطل " أي برقية كلام باطل فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والرقى الباطلة المذمومة هي التي كلامها كفر أو التي لا يعرف معناها كالطلاسم المجهولة المعنى : قوله " على أن يعلمها سورا من القرآن " قد تقدم الجواب عن الاستدلال بهذا الحديث وتحقيق ماهو الحق والأحاديث المذكورة في هذا الباب تدل على أنه يجوز للانسان ان يسترقي ويحمل الحديث الوارد في الذين يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذي لا يرقون ولا يسترقون على بيان الأفضلية واستحباب التوكل والاذن لبيان الجواز ويمكن أن يجمع بحمل الأحاديث الدالة ترك الرقية على قوم كانوا يعتقدون نفعها وتأثيرها بطبعها كما كانت الجاهلية يزعمون في أشياء كثيرة

باب النهي أن يكون النفع والأجر مجهولا وجواز استئجار الأجير بطعامه وكسوته

1 - عن أبي سعيد قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن استئجار الاجير حتى يبين له أجره وعن النجش واللمس وإلقاء الحجر "
- رواه أحمد

2 - وعن أبي سعيد أيضا قال " نهى عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان "
- رواه الدارقطني وفسر قوم فقيز الطحان بطحن الطعام بجزء منه مطحونا لما فيه من استحقاق طحن قدر الأجرة لكل واحد منهما على الآخر وذلك متناقض . وقيل لا بأس بذلك مع العلم بقدره وإنما المنهي عنه طحن الصبرة لا يعلم كلها بقفيز منها وإن شرط حبا لان ماعداه مجهول فهو كبيعها الا قفيزا منها

3 - وعن عتبة بن الندر " فقال كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقرأ طس حتى بلغ قصة موسى عليه السلام فقال إن موسى أجر نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه وطعام بطنه "
- رواه أحمد وابن ماجه

- حديث أبي سعيد الأول قال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح الا أن إبراهيم النخعي لم يسمع من أبي سعيد فيما احسب اه وأخرجه أيضا البيهقي وعبد الرزاق وإسحاق في مسنده وأبو داود في المراسيل والنسائي في الزراعة غير مرفوع ولفظ " من استأجر أجيرا فليسم له أجرته " وحديثه الثاني أخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده هشام أبو كليب قال ابن القطان لا يعرف . وكذا قال الذهبي وزاد وحديثه منكر . وقال مغلطاي هو ثقة وأورده ابن حبان في الثقات . وحديث عتبة بن الندر بضم النون وتشديد المهملة في إسناده مسلمة بن علي الحسني وهو متروك وقيل اسمه مسلم والأول أصح : قوله " حتى يبين له أجره " فيه دليل لمن قال إنه يجب تعيين قدر الأجرة وهم العترة والشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال مالك وأحمد بن حنبل وابن شبرمة لا يجب للعرف واستحسان المسلمين . قال في البحر قلنا لانسلم بل الإجماع على خلافه اه ويؤيد القول الأول القياس على ثمن المبيع : قوله " وعن النجش " إلى آخر الحديث قد تقدم الكلام على ذلك في البيع وإلقاء الحجر هو بيع الحصاة الذي تقدم تفسيره وإذا أخذ النهي عن النجش على عمومه صح الاستدلال به على عدم جواز الاستئجار عليه ولكنه يبعد ذلك عطف اللمس وإلقاء الحجر عليه . قوله " نهى عن عسب الفحل " قد سبق ضبطه وتفسيره في البيع والمراد به الكراهة كما قال الجوهري يقال عسبت الرجل أي أعطيته الكراء وقيل ماء الفحل نفسه لقول زهير
ولولا عسبه لتركتموه ... وشر منيحة فحل معار
وقد ذهبت الشافعية والحنفية والعترة إلى أنه لا يجوز تأخير الفحل للضراب . وقال مالك وابن أبي هريري يصح كالاعارة وهو قياس فاسد الأعتبار . قوله " وعن قفيز الطحان " حكى الحافظ في التلخيص عن ابن المبارك أحد رواة الحديث بأن صورته أن يقال للطحان اطحن بكذاوكذا وزيادة قفيز من نفس الطحين وقد استدل بهذا الحديث أبو حنيفة والشافعي ومالك والليث والناصر على أنه لا يجوز أن تكون الأجرة بعض المعمول بعد العمل . وقالت الهادوية والامام يحيى والمزني أنه يصح بمقدار منه معلوم وأجابوا عن الحديث بأن مقدار القفيز مجهول أو أنه كان الاستئجار على طحن صبة بقفيز منها بعد طحنها وهو فاسد عندهم : قوله " وطعام بطنه " فيه متمسك لمن قال بجواز الاستئجار بالنفقة ومثلها الكسوة وهو أبو حنيفة والامام يحيى . وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد والهادوية والمنصور بالله لا يصح للجهالة

باب الاستئجار على العمل مياومة أو مشاهرة أو معاومة أو معاددة

1 - عن علي رضي الله عنه قال " جعت مرة جوعا شديدا فخرجت لطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فطننتها تريد بله فقاطعتها كل ذنوب على تمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداي ثم أتيتها فعدت لي ست عشرة تمرة فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فأكل معي منها "
- رواه أحمد

2 - وعن أنس " لما قدم المهاجرون من مكة المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء فكانت الأنصار أهل الارض والعقار فقاسمهم الأنصار على ان أعطوهم نصف ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم العمل والمؤنة "
- أخرجاه قال البخاري وقال ابن عمر أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيبر بالشطر فكان ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الأجارة بعد ما قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- حديث عليه عليه السلام جود الحافظ إسناده وأخرجه ابن ماجه بسند صححه ابن السكن . وأخرج البيهقي وابن ماجه من حديث ابن عباس بلفظ " أن عليا عليه السلام أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة وعندهما إن عدد التمر سبعة عشر " وفي إسناده حنش راوية عن عكرمة وهو ضعيف : قوله " ذنوبا " هو لدلو مطلقا أو التي فيها ماء أو الممتلئة أو التي هي غير ممتلئة أفاد معنى ذلك في القاموس . وقد قدمنا تحقيقه في أول هذا الشرح : قوله " مجلت " بكسر الجيم أي غلطت وتنفطت وبفتح الجيم غلظت فقط . قال في القاموس مجلت يده كنصر وفرح مجلا ومجولا نفطت من العمل فمرنت كامجلت وقد أمجلها العمل أو المجل أن يكون بين الجلد واللحم ماء أو المجلة جلدة رقيقة يجتمع فيها ماء من أثر العمل . وحديث علي عليه السلام فيه بيان ما كانت الصحابة عليه من الحاجة وشدة الفاقة والصبر على الجوع وبذل الأنفس واتعابها في تحصيل القوام من العيش للتعفف عن السؤال وتحمل المتنن وان تأجير النفس لا يعد دناءة وإن كان المستأجر غير شريف أو كافرا والأجير من أشراف الناس وعظمائهم . وأورده المصنف للاستدلال به على جواز الاجارة معاددة يعني ان يفعل الأجير عددا معلوما من العمل بعدد معلوم من الأجرة وإن لم يبين في الأبتداء مقدار جميع العمل والأجرة . وحديث أنس فيه دليل على جواز اجارة الأرض بنصف الثمرة الخارجة منها في كل عام وكذلك حديث ابن عمر وقد تقدم بسط الكلام على اجارة الأرض وما يصح منها ومالا يصح في المزارعة

باب ما يذكر في عقد الأجارة بلفظ البيع

1 - عن سعيد بن ميناء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال من كان له فضل أرض فيزرعها أو لزرعها أخاه ولا تبيعوها قيل لسعيد مالا تبيعوها يعني الكراء قال نعم "
- رواه أحمد ومسلم
- قد تقدم الكلام على ما اشتمل عليه الحديث في المزارعة وأعاده المصنف ههنا للاستدلال له على صحة إطلاق لفظ البيع على الأجارة وهو مجاز من باب إطلاق الحكم على الشيء وهو لما هو من الأشياء التابعة له كإطلاق البيع هنا على الأرض وهو لمنفعتها

باب الأجير على عمل متى يستحق الأجرة وحكم سراية عمله

1 - عن أبي هريرة " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الله عز و جل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا وأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره "
- رواه أحمد والبخاري

2 - وعن أبي هريرة في حديث له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه يغفر لامته في آخر ليلة من رمضان قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر قال لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله "
- رواه أحمد

3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن "
- رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه

- حديث أبي هريرة الثاني أخرجه أيضا البزار وفي إسناده هشام بن زياد أبو المقدام وهو ضعيف . وحديث عمرو بن شعيب قال أبو داود بعد إخراجه هذا لم يروه إلا الوليد بن مسلم لا يدري هو صحيح أم لا . وأخرجه النسائي مسندا ومنقطعا ( وفي الباب ) عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن " أخرجه أبو داود وفي إسناده مجهول لا يعلم هل له صحبة أم لا : قوله " ثلاثة أنا خصمهم " قال ابن التين هو سبحانه وتعالى خصم لجميع الظالمين الا أنه أراد التشديد على هولاء بالتصريح والخصم يطلق على الواحد والاثنين وعلى أكثر من ذلك . وقال الهروي الواحد بكسر أوله قال الفراء الأول قول الفصحاء ويجوز في الاثنين خصمان وفي الثلاثة خصوم . وقوله " ومن كنت خصمه خصمته " هذه الزيادة ليست في صحيح البخاري ولكنه أخرجها أحمد وابن حبان وابن خزيمة والإسماعيلي . قوله " أعطى بي ثم غدر " المفعول محذوف والتقدير أعطى يمينه بن أي عاهد وحلف بالله ثم لم يف : قوله " باع حرا وأكل ثمنه " خص الأكل لأنه أعظم مقصود وفي رواية لأبي داود ورجل اعتبد محررهوهو أعم من الأول في الفعل وأخص منه في المفعول . قال الخطابي اعتباد الحر يقع بأمرين أن يعتقه ثم يكتم ذلك أو يجحده والثاني أن يستخدمه كرها بعد العتق والأول أشدهما قال في الفتح والأول أشد لأن فيه مع كتم الفعل أو جحده العمل بمقتضى ذلك مع البيع وأكل الثمن فمن ثم كان الوعيد عليه أشد . قال المهلب وإنما كان إثمه شديدا لأن المسلمين اكفاء بالحرية فمن بباع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له والزمه الذي أنقذه الله منه . وقال ابن الجوزي الحر عبد الله فيمن جني عليه فخصمه سيده قال ابن المنذر لم يختلفوا في أن من باع حرا أنه لا يقطع عليه يعني إذا لم يسرقه من حرز مثله إلا ما يروى عن علي عليه السلام أنه تقطع يد من باع حرا قال وكان في جواز بيع الحر خلاف قديم ثم ارتفع فروى عن علي رضي الله عنه أنه قال من أقر على نفسه بأنه عبد فهو عبد . وروى ابن أبي شيبة من طريق قتادة أن رجلا باع نفسه فقضى عمر بأنه عبد وجعل ثمنه في سبيل الله . ومن طريق زرارة ابن حزم أن الحر كان يباع في الدين حتى نزلت { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } ونقل عن الشافعي مثل ذلك ولا يثبت أكثر أصحابه . وقد استقر الإجماع على المنع . قوله " ولم يوفه أجره " هو في معنى من باع حرا وأكل ثمنه لأنه استوفى منفعته بغير عوض فكأنه أكلها ولأنه استخدمه بغير أجرة فكأنه استعبده . قوله " إنما يوفى أجره إذا قضي عمله " فيه دليل على أن الأجرة تستحق بالعمل وأما الملك فعند العترة وأبي حنيفة وأصحابه إنما تملك بالعقد فتتبعها أحكام الملك . وعند الشافعي وأصحابه أنها تستحق بالعقد وهذا في الصحيحة وأما الفاسدة فقال في البحر لا تحب بالعقد إجماعا وتجب بالاستيفاء إجماعا : قوله " فهو ضامن " فيه دليل على أن متعاطي الطب يضمن ما حصل من الجناية بسبب علاجه وأما من علم منه أنه طبيب فلا ضمان عليه وهو من يعرف العلة ودوائها وله مشايخ في هذه الصناعة شهدوا له بالحذق فيها وأجازوا له المباشرة

كتاب الوديعة والعارية

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا ضمان على مؤتمن "
- رواه الدارقطني

- الحديث قال الحافظ في إسناده ضعف وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عنه بلفظ " ليس على المستعير غير المغل ضمان ولا على المستودع غير المغل ضمان " وقال إنما نروي هذا عن شريح غير مرفوع . قال الحافظ وفي اسناده ضعيفان . قوله " الوديعة " هي في اللغة مأخوذة من السكون يقال ودع الشيء يدع إذا سكن فكأنها ساكنة عند المودع وقيل مأخوذة من الدعة وهي خفض العيش لأنها غير مبتذلة بالانتفاع . وفي الشرع العين التي يضعها مالكها عند آخر ليحفظها وهي مشروعة إجماعا . والعارية بتشديد الياء قال في النهاية كأنها منسوبة إلى العار لأن طلبها عار ويجمع على عوارى مشددا . وفي الشرع إباحة منافع العين بغير عوض وهي أيضا مشروعة إجماعا . قوله " لا ضمان على مؤتمن " فيه دليل على أنه لا ضمان على من كان أمينا على عين من الأعيان كالوديع والمستعير أما الوديع فلا يضمن قيل إجماعا إلا لجناية منه على العين . وقد حكى في البحر الإجماع على ذلك وتأول ما حكي عن الحسن البصري أن الوديع لا يضمن إلا بشرط الضمان بأن ذلك محمول على ضمان التفريط لا الجناية المتعمدة والوجه في تضمينه الجناية أنه صار بها خائنا والخائن ضامن لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " ولا على المستودع غير المغل ضمان " والمغل هو الخائن وهكذا يضمن الوديع إذا وقع منه تعد في حفظ العين لأنه نوع من الخيانة وأما العارية فذهبت العترة والحنفية والمالكية إلى أنها غير مضمونة على المستعير إذا لم يحصل منه تعد . وقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء والشافعي وأحمد وإسحاق وعزاه صاحب الفتح إلى الجمهور أنها إذا تلفت في يد المستعير ضمنها إلا فيما إذا كان ذلك على الوجه المأذون فيه . وعن حسن البصري والنخعي والأوزاعي وشريح والحنفية أنها غير مضمونة . وأن شرط الضمان وعند العترة وقتادة والعنبري أنه إذا شرط الضمان كانت مضمونة وحكى في البحر عن مالك والبتي أن غير الحيوان مضمون أو الحيوان غير مضمون واستدل من قال أنه لا ضمان على غير المعتدي بما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " ليس على المستعير غير المغل ضمان " وبقوله " لا ضمان على مؤتمن " وبما أخرجه ابن ماجه عن ابن عمرو بلفظ " من أودع وديعة فلا ضمان عليه " وفي إسناده المثنى ابن الصباح وهو متروك وتابعه ابن لهيعة فيما ذكره البيهقي . وبما أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان من حديث أبي أمامة أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في حجة الوداع العارية مؤداة والزعيم غارم وتعقب بأن التصريح بضمان الزعيم لا يدل على عدم ضمان المستعير . واستدل من قال بالضمان بحديث سمرة الآتي وبقوله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } ولا يخفى أن الأمر بتأدية الأمانة لا يستلزم ضمانها إذا تلفت . واستدل من فرق بين الحيوان وغيره بحديث صفوان الآتي ولا يخفى أن دلالته على أن غير الحيوان مضمون لا يستفاد منها أن حكم الحيوان بخلافه

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك "
- رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن

- الحديث أخرجه أيضا الحاكم وصححه وفي إسناده طلق بن غنام عن شريك واستشهد له الحاكم بحديث أبي التياح عن أنس . وفي إسناده أيوب بن سويد مختلف فيه وقد تفرد به كما قال الطبراني وقد استنكر حديث الباب أبو حاتم الرازي . وأخرجه أيضا البيهقي ومالك ( وفي الباب ) عن أبي بن كعب عند ابن الجوزي في العلل المتناهية وفي إسناده من لا يعرف . وأخرجه أيضا الدارقطني . وعند أبي أمامة عند البيهقي والطبراني بسند ضعيف . وعن أنس عند الدارقطني والطبراني والبيهقي وأبي نعيم . وعن رجل من الصحابة عند أحمد وأبي داود والبيهقي وفي إسناده مجهول آخر غير الصحابي لأن يوسف ابن ماهك رواه عن فلان عن آخر وقد صححه ابن السكن . وعن الحسن مرسلا عند البيهقي . قال الشافعي هذا الحديث ليس ثابت . وقال ابن الجوزي لا يصح من جميع طرقه . وقال أحمد هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح ولا يخفى أن وروده بهذه الطرق المتعددة مع تصحيح إمامين من الأئمة المعتبرين لبعضها وتحسين أمام ثالث منهم مما يصير به الحديث منتهضا للاحتجاج . قوله " ولا تخن من خانك " فيه دليل على أنه لا يجوز مكافأة الخائن بمثل فعله فيكون مخصصا لعموم قوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وقوله تعالى { ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } ( والحاصل ) أو الأدلة القاضية بتحريم مال الآدمي ودمه وعرضه عمومها مخصص بهذه الثلاث الآيات . وحديث الباب مخصص لهذه الآيات فيحرم من مال الآدمي وعرضه ودمه ما لم يكن عن طريق المجازاة فإنها حلال إلا الخيانة لأنها لا تحل ولكن الخيانة إنما تكون في الأمانة كما يشعر بذلك كلام القاموس فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث على أنه لا يجوز لمن تعذر عليه استيفاء حقه حبس حق خصمه على العموم كما فعله صاحب البحر وغيره إنما يصح الاستدلال به على أنه لا يجوز للإنسان إذا تعذر عليه استيفاء حقه أن يحبس عنده وديعة لخصمه أو عارية مع أن الخيانة إنما تكون على جهة الخديعة والخفية وليس محل نزاع من ذلك ومما يؤيد الجواز اذنه صلى الله عليه وآله وسلم لامرأة أبي سفيان أن تأخذ لها ولولدها من مال زوجها ما يكفيها كما في الحديث الصحيح . وقد اختلف في مسألة الحبس المذكورة فذهب الهادي إلى أنه لا يجوز مطلقا لا من الجنس ولا من غيره . قال المؤيد بالله أن قول الهادي مسبوق بالإجماع وقال الشافعي والمنصور بالله يجوز من الجنس وغيره . وقال أبو حنيفة والمؤيد بالله يجوز من الجنس فقط . وقال الإمام يحيى يجوز من الجنس ثم من غيره لتعذره دينا . قال في البحر بعد حكاية الخلاف قلت الأقرب اشتراط الحاكم حيث يمكن للخبر يعني حديث الباب فإن تعذر جاز الحبس وغيره لئلا تضيع الحقوق ولظواهر الآى

3 - وعن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال على اليد ما أخذت حتى تؤديه "
- رواه الخمسة إلا النسائي زاد أبو داود والترمذي قال قتادة ثم نسي الحسن فقال هو أمينك لا ضمان عليه يعني العارية

- الحديث صححه الحاكم وسماع الحسن من سمرة فيه خلاف مشهور قد تقدم وفيه دليل على أنه يجب على الإنسان رد ما أخضته يده من مال غيره باعارة أو اجارة أو غيرهما حتى يرده إلى مالكه وبه استدل من قال بأن الوديع والمستعير ضامنان وقد تقدم الخلاف في ذلك وهو صالح للاحتجاج به على التضمين لأن المأخوذ إذا كان على اليد الآخذة حتى ترده فالمراد أنه في ضمانها كما يشعر لفظ على من غير فرق بين مأخوذ ومأخوذ . وقال المقبلي في المنار يحتجون بهذا الحديث في مواضع على التضمين ولا أراه صريحا لأن اليد الأمينة أيضا عليها ما أخذت حتى ترد وإلا فليست بأمينة
ومستخبر عن سر ليلى تركته بعمياء من ليلى بغير يقين
يقولون خبرنا فأنت أمينها وما أنا أن خبرتهم بأمين
إنما كلامنا هل يضمنها لو تلفت بغير جناية وليس الفرق بين المضمون وغير المضمون إلا هذا . وأما الحفظ فمشترك وهو الذي تفيده على فعلي هذا لم ينس الحسن كما زعم قتادة حين قال هو أمينك لا ضمان عليه بعد رواية الحديث اه ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام من قلة الجدوى وعدم الفائدة وبيان ذلك أن قوله لأن اليد الأمينة عليها ما أخذت حتى ترد وإلا فليست بأمينة يقتضي الملازمة بين عدم الرد وعدم الأمانة فيكون تلف الوديعة والعارية بأي وجه من الوجوه قبل الرد مقتضيا لخروج الأمين عن كونه أمينا وهو ممنوع فإن المقتضى لذلك إنما هو التلف بخيانة أو جناية ولا نزاع في أن ذلك موجب للضمان إنما النزاع في تلف لا يصير به الأمين خارجا عن كونه أمينا كالتلف بأمر لا يطاق دفعه أو بسبب سهو أو نسيان أو بآفة سماوية أو سرقة أو ضياع بلا تفريط فإنه يوجد التلف في هذه الأمور مع بقاء الأمانة . وظاهر الحديث يقتضي الضمان وقد عارضه ما أسلفنا . وقال في ضوء النهار إن الحديث إنما يدل على وجوب تأدية غير التالف والضمان عبارة عن غرامة التالف اه ولا يخفى أن قوله في الحديث " على اليد ما أخذت " من المقتضى الذي يتوقف فهم المراد منه على مقدر وهو إما الضمان أو الحفظ أو التأدية فيكون معنى الحديث على اليد ضمان ما أخذت أو حفظ ما أخذت أو تأدية ما أخذت ولا يصح ههنا تقدير التأدية لأنه قد جعل قوله حتى تؤديه غاية لها والشيء لا يكون غاية لنفسه . وأما الضمان والحفظ فكل واحد منهما صالح للتقدير ولا يقدران معالما تقرر من أن المقتضى لا عموم له فمن قدر الضمان أوجبه على الوديع والمستعير ومن قدر الحفظ أوجبه عليهما ولم يوجب الضمان إذا وقع التلف مع الحفظ المعتبر وبهذا تعرف أن قوله إنما يدل الحديث على وجوب التأدية لغير التالف ليس على ما ينبغي وأما مخالفة رأي الحسن لروايته فقد تقرر في الأصول أن العمل بالرواية لا بالرأي

4 - وعن صفوان بن أمية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعار منه يوم حنين أدرعا فقال أغصبا يا محمد قال بل عارية مضمونة قال قضاع بعضها فعرض عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يضمنها له فقال أنا اليوم في الإسلام أرغب "
- رواه أحمد وأبو داود

5 - وعن أنس بن مالك قال " كان فزع بالمدينة فاستعار النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرسا من أبي طلحة يقال له المندوب فركبه فلما رجع قال ما رأينا من شيء وان وجدناه لبحرا "
- متفق عليه

- حديث صفوان أخرجه أيضا النسائي والحاكم وأورد له شاهدا من حديث ابن عباس ولفظه " بل عارية مؤداة " وفي رواية لأبي داود " أن الأدراع كانت ما بين الثلاثين إلى الأربعين " ورواه البيهقي عن أمية بن صفوان مرسلا وبين أن الأدراع كانت ثمانين . ورواه الحاكم من حديث جابر وذكر أنها مائة درع " وأعل ابن حزم وابن القطان طرق هذا الحديث يعلي بن أمية وقد تقدم في كتاب الوكالة : قوله " أغصبا " معمول لفعل مقدر هو مدخول الهمزة أي أتأخذها غصبا لا تردها علي فأجاب صلى الله عليه وآله وسلم بقوله بل عارية مضمونة فمن استدل بهذا الحديث على أن العارية مضمونة جعل لفظ مضمونة صفة كاشفة لحقيقة العارية أي أن شأن العارية الضمان جعل لفظ مضمونة صفة مخصصة أي استعيرها منك عارية متصفة بأنها مضمونة لا عارية مطلقة عن الضمان : قوله " فعرض عليه أن يضمنها " فيه دليل على أن الضياع من أسباب الضمان لا على أن مطلق الضياع تفريط وأنه يوجب الضمان على كل حال لاحتمال أن يكون تلف ذلك البعض وقع فيه تفريط . قوله " فزع " أي خوف من عدو وأبو طلحة المذكور هو زيد بن سهل زوج أم أنس قوله " يقال له المندوب " قيل سمي بذلك من الندب وهو الرهن عند السباق . وقيل لندب كان في جسمه وهو أثر الجرح : قوله " وان وجدناه لبحرا " قال الخطابي ان هي النافية واللام بمعنى الا أي ما وجدناه الا بحرا . قال ابن التين هذا مذهب الكوفيين وعند البصرين ان ان مخففة من الثقيلة واللام زائدة قال الأصمعي . يقال للفرس بحر إذا كان واسع الجري أو لأن جريه لا ينفد كما لا ينفد البحر ويؤيده ما وقع في رواية للبخاري بلفظ " فكان بعد ذلك لا يجارى "

6 - وعن ابن مسعود قال " كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عارية الدلو والقدر "
- رواه أبو داود

- الحديث سكت عنه أبو داود وحسنه المنذري . وروى عن ابن مسعود وابن عباس أنهما فسرا قوله تعالى { وينعون الماعون } أنه متاع البيت الذي يتعاطاه الناس بينهم من الفاس والدلو والحبل والقدر وما أشبه ذلك . وعن عائشة المعاون الماء والنار والملح وقيل المعاون الزكاة قال الشاعر :
قوم على الاسلام لما يمنعوا ... ماعونهم ويضيعوا التهليلا
قال في الكشاف وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار وقبيح في المروءة في غير حال الضرورة . وأخرج أبو داود والنسائي عن بهيسة بضم الموحدة وفتح الهاء وسكون الياء التحتية بعدها سين مهملة الفزارية عن أبيها قالت " أستأذن أبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخل بينه وبين قميصة فجعل يقبله ويلتزم ثم قال يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال أن تفعل الخير خير لك " . وسيأتي حديث بهيسة هذا في باب اقطاع المعادن من كتاب احياء الموات . ورورى ابن أبي حاتم عن قرة بن دعموس النميري " أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله ما تعهد إلينا قال لا تمنعوا الماعون قالوا يا رسول الله وما الماعون قال في الحجر والحديد وفي الماء قالوا فأي الحديد قال قدوركم النحاس وحديد الفأس الذي تمتهون به قالوا وما الحجر قال قدوركم الحجارة " وهذا حديث غريب . وروري عن عكرمة " أن رأس الماعون زكاة المال وأدناه المنخل والدلو والأبرة " وروى ابن أبي حاتم أن الماعون العواري واصل الماعون من المعن وهو الشيء القليل فسمي الزكاة ماعونا لأنها قليل من كثير وكذلك الصدقة وغيرها وهذه التفاسير ترجع كلها إلى شيء واحد وهو المعاونة بمال أو منفعة ولهذا قال محمد بن كعب الماعون المعروف . وفي الحديث " كل معروف صدقة "

7 - وعن عائشة " أنها قالت وعليها درع قطري ثمن خمسة دراهم كان لي منهن درع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما كانت امرأة تقين بالمدينة إلا أرسلت إلي تستعيره "
- رواه أحمد والبخاري

- قوله " درع " الدرع قميص المرأة وهو مذكر . قال الجوهري ودرع الحديد مؤنثه وحكى أبو عبيدة أنه أيضا يذكر ويؤنث . قوله " قطري " بكسر القاف وسكون المهملة بعداها راء وفي رواية المستملي والسرخسي بضم القاف وسكون المهملة وآخره نون والقطري نسبة إلى القطر وهي ثياب من غليظ القطن وغيره . وقيل من القطن خاصة تعرف بالقطرية فيها حمة قال الأزهري الثياب القطرية منسوبة إلى قطر قرية من البحرين فكسروا القاف للنسبة وخففوا . قوله " ثمن خمس دارهم " بنصب ثمن بتقدير فعل وخمسة بالخفض على الأضافة أبو برفع ثمن وخمسة على حذف الضمير والتقدير ثمنه خمسة . وروى بضم أوله وتشديد الميم على لفظ الماضي ونصب خمسة على نزع الخافض أي قوم بخمسة دراهم . قوله " تقين " بالقاف والتحتانية المشددة أي تزين من قال الشيء قيانة أي أصلحه والقنية يقال للماشطة وللمغنية . وحكى ابن التين أنه روى تفنن بالفاء أي تعرض وتجلى على زوجها . قال في الفتح ولم يضبط ما بعد الفاء ورأيته بخط بعض الحفاظ بمثناة فوقانية . قال ابن الجوزي أرادت عائشة أنهم كانوا أولا في حال ضيق فكان الشيء المحتقر عندهم أذ ذاك عظيم القدر وفي الحديث إن عارية الثياب للعرس أمر معمول به مرغب فيه وأنه لا يعد من التشيع

4 - وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال مامن صاحب إبل ولا بقر ولاغنم لا يؤدي حقها الا اقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه الظلف بظلفها وتنطحه ذات القرن ليس فيها يؤمئذ جماء ولا مكسورة القرن قلنا يا رسول الله وما حقها قال اطراق فحلها واعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله "
- رواه أحمد ومسلم

- الحديث قد سبق شرح بعض ألفاظه في أول كتاب الزكاة : قوله " اطراق فحلها " أي عارية الفحل لمن أراد أن يستعيره من مالكه ليطرق به على ما شيته : قوله " واعارة دلوها " أي من حقوق الماشية أن يعير صاحبها الدلو الذي يسقيها به إذا طلبه منه من يحتاج إليه : قوله " ومنحتها " بالنون والمهملة والمنحة في الأصل العطية قال أبو عبيدة المنحة عند العرب على وجهين أحدهما أن يعطي الرجل صاحبه فيكون له والآخر أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمنائم يردها والمراد بها هنا عارية ذوات الألبان ليؤخذ لبنها ثم ترد لصاحبها : قال القزاز قيل لا تكون المنيحة الاناقة أو شاة والأول أعرف : قوله " وحلبها على الماء " بالحاء المهملة في جميع الروايات وأشار الداودي إلى أنه رورى بالجيم وقال أراد أنها تساق إلى موضع سقيها وتعقب بأنه لو كان كذلك يقال وحلبها إلى الماء لا على الماء وإنما المراد حلبها هناك لنفع من يحضر من المساكين . قوله " حمل عليها " الخ أي من حقها أن يبذلها المالك لمن أراد أن يستعيرها لينتفع بها في الغزو

كتاب إحياء الموات

1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أحيا أرضا ميتة فهي له "
- رواه أحمد والترمذي وصححه . وفي لفظ " من أحاط حائطا على أرض فهي له " رواه أحمد وأبو داود . ولأحمد مثله من رواية سمرة

2 - وعن سعيد بن زيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق " رواه أحمد وأبو داود والترمذي

3 - وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عمر ارضا ليست لأحد فهو أحق بها "
- رواه أحمد والبخاري

4 - وعن أسمر بن مضرس قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبايعته من سبق إلى مالم يسبق إليه مسلم فهو له قال فخرج الناس يتعادون يتخاطون "
- رواه أبو داود

- حديث جابر أخرجه بنحوه النسائي وابن حبان . وحديث سمرة أخرجه أيضا أبو داود والطبراني والبيهقي وصححه ابن الجارود وهو من رواية الحسن عنه وفي سماعه منه خلاف ولفظه منأحاط حائطا على الأرض فهي له . وحديث سعيد أخرجه أيضا النسائي وحسنه الترمذي وأعله بالإرسال فقال وروى مرسلا ورجح الدارقطني إرساله أيضا . وقد اختلف مع ترجيح الإرسال من هو الصحابي الذي روى من طريقه فقيل جابر . وقيل عائشة . وقيل عبد الله بن عمر ورجح الحافظ الأول وقد اختلف فيه على هشام بن عروة اختلافا كثيرا . ورواه أبو داود الطيالسي من حديث عائشة وفي إسناده زمعة وهو ضعيف ورواه ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسنديهما من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وعلقه البخاري زحديث أسمر بن مضرس صححه الضياء في المختارة وقال البغوي لا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث . قوله " من أحيا أرضا ميتة " الأرض الميتة هي التي لم تعمر شبهت عمارتها بالحياة وتعطيلها بالموت والإحياء أن يعمد شخص إلى أرض لم يتقدم ملك عليها لأحد فيحيها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء فتصير بذلك ملكه كما يدل عليه أحاديث الباب وبه قال الجمهور وظاهر الأحاديث المذكورة أنه يجوز الإحياء سواء بإذن الإمام أو بغير إذنه . وقال أبو حنيفة لا بد من إذن الإمام وعن مالك يحتاج إلى اذن الإمام فيما لأهل القرية إليه حاجة من مرعى ونحوه وبمثله قالت الهادوية . قوله " من أحاط حائطا " فيه أن التحويط على الأرض من جملة ما يستحق به ملكها والمقدار المعتبر ما يسمى حائطا في اللغة : قوله " وليس لعرق ظالما حق " قال في الفتح رواية الأكثر بتنوين عرق وظالم نعت له وهو راجع إلى صاحب العرق أي ليس لذي عرق ظالم أو إلى العرق أي ليس لعرق ذي ظالم . ويروى بالإضافة ويكون الظالم صاحب العرق ويكون المراد بالعرق الأرض ويا لاول جزم مالك والشافعي والأزهري وابن فارس وغيرهم وبالغ الخطابي فغلط رواية الإضافة . وقال ربيعة العرق الظالم يكون ظاهر أو يكون باطنا فالباطن ما احتفره الرجل من الآبار . واستخرجه من المعادن والظاهر ما بناه أو غرسه . وقا لغيره العرق الظالم من غرس أو زرع أو بنى أو حفر في أرض غيره بغير حق ولا شبهة : قوله " من عمر أرضنا " بفتح العين وبتخفيف الميم ووقع في البخاري من أعمر بزيادة الهمزة في أوله وخطئ راويها . وقال ابن بطال يمكن أن يكون اعتمر فسقطت التاء من النسخة وقال غيره قد سمع فيه الرباعي يقال أعمر الله بك منزلك . ووقع في رواية أبي ذر من أعمر بضم الهمزة أي أعمره بغيره . قال الحافظ وكأن المراد بالغير الإمام . قوله " يتعادون " يتخاطون المعاداة الإسراع بالسير والمراد بقوله يتخاطون يعلمون على الأرض علامات بالخطوط وهي تسمى الخطط واحدتها خطة بكسر الخاء وأصل الفعل يتخاططون فأدغمت الطاء في الطاء والتقييد بالمسلم في حديث أسمرة يشعر بأن المراد بقوله في حديث عائشة " ليست لأحد " أي من المسلمين فلا حكم لتقدم الكافر أما إذا كان حربيا فظاهر وأما الذمي ففيه خلاف معروف

باب النهي عن منع فضل الماء

1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا تنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ "
- متفق عليه . ولمسلم " لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ " . وللبخاري " لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ "

2 - وعن عائشة قالت " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يمنع نقع البئر "
- رواه أحمد وابن ماجه

3 - وعن مرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال منع فضل مائة أو فضل منعه الله عز و جل فضله يوم القيامة "
- رواه أحمد

4 - وعن عبادة بن الصامت " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بين أهل المدينة في النخل أن لا يمنع نقع بئر وقضي بين أهل البادية أن لا يمنع فضل ماء ليمنع به الكلأ "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند

- حديث عمرو بن شعيب في إسناده محمد بن راشد الخزاعي وهو ثقة وقد ضعفه بعضهم لكن حديث أبي هريرة يشهد لصحة الأحاديث المذكورة بعده ومما يشهد لصحتها حديث جابر عند مسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن فضل بيع الماء " وحديث إياس بن عبد عند أهل السنن بنحوه وصححه الترمذي . وقال أبو الفتح القشيري هو على شرطهما ولكن حديث عمرو بن شعيب في إسناده ليث بن أبي سليم وقد رواه الطبراني في الصغير من حديث الأعمش عن عمرو بن شعيب ورواه في الكبير من حديث وائلة بلفظ آخر وإسناده ضعيف وحديث عائشة رواه ابن ماجه من طريق عبد الله بن إسماعيل وهو ابن أبي خالد الكوفي قال أبو حاتم مجهول وكذا قال في التقريب قوله " فضل الماء " المراد به ما زاد على الحاجة ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بلفظ " ولا يمنع فضل ماء بعد أن يستغنى عنه " قال في الفتح وهو محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة . وكذلك في الموات إذا كان لقصد التملك والصحيح عند الشافعية ونص عليه في القديم وحرملة أن الحافر يملك ماءها وأما البءر المحفورة في الموات لقصد الارتفاق لا التملك فإن الحافر لا يملك ماءها بل يكون أحق به إلى أن يرتحل . وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته والمراد حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته هذا هو الصحيح عند الشافعية وخص المالكية هذا الحكم بالموات وقالوا في البئر التي لا تملك لا يجب عليه بذل فضلها وأما الماء المحرز في الإناء فلا يجب بذل فضله لغير المضطر على الصحيح اه . قال في البحر والماء على أضرب . حق إجماعا كالأنهار غير المستخرجة والسيول . وملك إجماعا كماء يحرز في الجرار ونحوها . ومختلف فيه كماء الآبار والعيون والقنا المحتفرة في الملك اه والقنا هي في الفتح القاف الكظامة التي تحت الأرض وسيأتي ذكر الخلاف في ذلك . قالابن بطال لا خلاف بين العلماء إن صاحب الحق أحق بمائه حتى يروى . قال الحافظ وما نفاه من الخلاف هو على القول بإن الماء يملك فكأن الذين يذهبون إلى أنه يملك وهم الجمهور هم الذين لا خلاف عندهم في ذلك وقد استدل بتوجه النهي إلى الفضل على جواز بيع الماء الذي لا فضل فيه وقد تقدم الكلام على ذلك في البيع . قوله " ليمنع به الكلأ " بفتح الكاف والام بعدها همزة مقصورة وهو النبات رطبة ويابسة والمعنى أن يكون حول البءر كلأ ليس عنده ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا مكنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعم من الرعي وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية ويلحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى الشرب لأنه إذا منعهم من الشرب امتنعوا من الرعي هناك ويحتمل أن يقال يمكنهم حمل الماء لأنفسهم لقلة ما يحتاجون إليه منه بخلاف البهائم والصحيح الأول ويلتحق بذلك الزرع عند مالك والصحيح عند الشافعية وبه قالت الحنفية الاختصاص بالماشية وفر الشافعي فيما حكاه المزني عنه بين المواشي والزرع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع وبهذا أجاب النووي وغيره واستدل لمالك بحديث جابر المتقدم لإطلاقه وعدم تقييده وتعقب بأنه يحمل على المقيد وعلى هذا لو لم يكن هناك كلأ يرعى فلا منع من المنع لانتقاء العلة . قال الخطابي والنهي عند الجمهور للتنزيه وهو محتاج إلى دليل صرف النهي عن معناه الحقيقي وهو التحريم . قال في الفتح وظاهر الحديث وجوب بذله مجانا وبه قال الجمهور وقيل لصاحبه طلب القيمة من المحتاج إليه كما في طعام المضطر وتعقب بأنه يلزم منه جواز البيع حالة امتناع المحتاج من بذل القيمة ورد بمنع الملازمة فيجوز أن يقال يجب عليه البذل وتثبت له القيمة في ذمة المبذول له فيكون له أخذ القيمة منه متى أمكن ولكنه لا يخفى أن رواية لا يباع فضل الماء ورواية النهي عن بيع فضل الماء يدلان على تحريم البيع ولو جاز له العوض لجاز له البيع . قوله " نقع البئر " أي الماء الفاضل فيها عن حاجة صاحبها . وفيه دليل على أنه لا يجوز منع فضل الماء الكائن في البئر كما لا يجوز منع فضل ماء النهر وأنه لا فرق بينهما والنقع بفتح النون وسكون القاف بعدها عين مهملة

باب الناس شركاء في الثلاث وشرب الأرض العليا قبل السفلى إذا قل الماء أو اختلفوا فيه

1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يمنع الماء والنار والكلأ "
- رواه ابن ماجه

2 - وعن أبي خراش عن بعض أصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسلمون شركاء في ثلاثة في الماء والكلأ والنار "
- رواه أحمد وأ [ و داود ورواه ابن ماجة من حديث ابن عباس وزاد فيه " وثمنه حرام "

- حديث أبي هريرة قال الحافظ إسناده صحيح وحديث بعض الصحابة رواه أبو نعيم في الصحابة في ترجمة أبي خراش لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الحافظ وهو كما قال فقد سماه أبو داود في روايته حبان بن زيد وهو الشرعبي تابعي معروف . قال الحافظ في بلوغ المرام ورجاله ثقات . وحديث ابن عباس فيه عبد الله بن خراش وهو متروك وقد صححه ابن السكن ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند الخطيب وزاد والملح وفيه عبد الحكيم بن ميسرة ورواه الطبراني بسند حسن \ عن زيد بن جبير عن ابن عمرو له عنده طريق أخرى وعن بهيسة عن أبيها عند أبي داود وقد تقدم لفظه في شرح حديث ابن مسعود من كتاب الوديعة والعارية وسيأتي في باب اقطاع المعادن . وعن عائشة عند ابن ماجة " أنها قالت يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح والماء والنار " الحديث . وإسناده ضعيف كما قال الحافظ . وعن أنس عند الطبراني في الصغير بلفظ " خصلتان لا يحل منعهما الماء والنار " قال أبو حاتم في العلل هذا حديث منكر . وعن عبد الله بن سرجس عند العقيلي في الضعفاء نحو حديث بهيسة : قوله " الماء " فيه دليل على أن الناس شركة في جميع أنواع الماء من غير فرق بين المحرز وغيره وقد تقدم في الباب الأول أن الماء المحرز في الجرار ونحوها ملك إجماعا ومن لازم الملك الاختصاص وعدم الاشتراك بين غيره منحصرين كما يقضي به الحديث فإن صح هذا الإجماع كان مخصصا لأحاديث الباب . وأما ماء الأنهار فقد تقدم أنه حق بالإجماع واختلف في ماء الآبار والعيون والكظائم فعند الشافعية والحنفية وأبي العباس وأبي طالب أنه حق لا ملك واستدلوا بأحاديث الباب . وقال الإمام يحيى والمؤيد بالله في أحد قوليه وبعض أصحاب الشافعي أنه ملك وقاسوه على الماء المحرز في الجرار ونحوها فورد بأنه بالسيول أشبه منه بماء الجرة ونحوها قال في البحر فصل ومن احتفر بئرا أو نهرا فهو أحق بمائة إجماعا وإن بعدت منه أرضه وتوسط غيرها اه واختلف في ماء البرك فقيل حق وقيل ملك : قوله " والنار " قيل المراد بها الشجر الذي يحبطه الناس وقيل المراد بها الاستصباح منها والاستضاءة بضوئها . وقيل المراد بها الحجارة التي توري النار إذا كانت في موات الأرض وإذا كان المراد بها الضوء فلا خلاف أنه لا يختص به صاحبه وكذلك إذا كان المراد بها الحجارة المذكورة وإن كان المراد بها الشجر فالخلاف بيه كالخلاف في الحطب وسيأتي : قوله " والكلأ " قد تقدم تفسيره في الباب الذي قبل هذا وهو أعم من الخلا والحشيش لأن الخلا مختص بالرطب من النبات والحشيش مختص باليابس والكلأ يعمهما قيل المراد بالكلأ هنا هو الذي يكون في المواضع المباحة كالأودية والجبال والأراضي التي لا ملك لها . وأما ما كان قد أحرز بعد قطعه فلا شركة فيه بالإجماع كما قيل . وأما النابت في الأرض المملوكة والمتحجرة ففيه خلاف فقيل مباح مطلقا وإليه ذهبت الهادوية وقيل تابع للأرض فيكون حكمه حكمها وإليه ذهب المؤيد بالله ( واعلم ) أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها فتدل على الاشتراك في الأمور الثلاثة مطلقا ولا يخرج شيء من ذلك إلا بدليل يخص به عمومها إلا بما هو أعم منها مطلقا كالأحاديث القاضية بأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفسه " لأنها مع كونها إنما تصلح للاحتجاج بها بعد ثبوت الملك وثبوته في الأمور الثلاثة محل النزاع

3 - وعن عبادة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في شرب النخل من السبيل أن الأعلى يشرب قبل الأسفل ويترك الماء إلى الكعبين ثم يرسل الماء إلى الأسفل الذي يليه وكذا حتى تنقضي الحوائط أو يفنى الماء "
- رواه ابن ماجة وعبد الله ابن أحمد

4 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في سيل مهزور أن يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل "
- رواه أبو داود ابن ماجه

- حديث عبادة أخرجه أيضا البيهقي والطبراني وفيه انقطاع وحديث عمرو ابن شعيب في إسناده عبد الرحمن بن الحرث المخزومي المدني تكلم فيه الإمام أحمد وقال الحافظ في الفتح إن إسناد هذا الحديث حسن ورواه الحاكم في المستدرك من حديث عائشة أنه قضى صلى الله عليه وآله وسلم في سيل مهزور أن الأعلى يرسل إلى الأسفل ويحبس قدر الكعبين وأعله الدارقطني بالوقف وصححه الحاكم ورواه ابن ماجه وأبو داود من حديث ثعلبة بن أبي مالك ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن أبي حاتم القرظي عن أبيه عن جده أنه سمع كبراءهم يذكرون " أن رجلا من قريش كان له سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مهزور السيل الذين يقسمون ماءه فقضى بينهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الماء إلى الكعبين لا يحبس إلا على الأسفل " قوله " مهزور " بفتح الميم وسكون الهاء بهدعا زاي مضمومة ثم واو ساكنة ثم راء وهو وادي بن قريظة بالحجاز . قال البكري في المعجم هو واد من أودية المدينة . وقيل موضع سوق المدينة وكان قد تصدق به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين فأقطعه عثمان الحرث بن الحكم أخامر وأقطع مروان فدك . وقال ابن الأثير والمنذري أما مهزور بتقديم الراء على الزاي فموضع سوق المدينة ( وأحاديث الباب ) تدل على أن الأعلى تستحق أرضه الشرب بالسيل والغيل وماء البئر قبل الأرض التي تحتها وأن الأعلى يمسك الماء حتى يبلغ إلى الكعبين أي كعبي رجل الإنسان الكائنين عند مفصل الساق والقدم ثم يرسله بعد ذلك . وقال في البحر أن الماء إذا كان قليلا فحده أن يعم أرض الأعلى إلى الكعبين في النخيل وإلى الشراك في الزرع لقضائه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك في خبرة عبادة يعني المذكور في الباب قال وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم للزبير " اسق أرضك حتى يبلغ الجدر " فقيل عقوبة لخصمه وقيل بل هو المستحق وكان أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالتفضيل فإن كانت الأرض بعضها مطمئن فلا يبلغ في بعضها الكعبين إلا وهو في المطمئن إلى الركبتين قدم المطمئن إلى الكعبين ثم حبسه وسقى باقيها . وقال أبو طالب العبرة بالكفاية للأعلى اه وهو المختار عند الهادوية . قال ابن التين الجمهور على أن الحكم أن يمسك إلى الكعبين وخصه ابن كنانة بالنخل والشجر قال وأما الزرع فالى الشراك وقال الطبري الأراضي مختلفة فيمسك لكل ارض ما يكفيها وسيأتي بقية الكلام على هذه المسألة في شرح حديث الزبير أن شاء الله تعالى وقد أورده المصنف رحمه الله في باب النهي عن الحكم في حال الغضب من كتاب الأقضية

باب الحمى لدواب بيت المال

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمى النقيع للخيل خيل المسلمين "
- رواه أحمد . والنقيع بالنون موضع معروف

2 - وعن الصعب بن جثامة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمى النقيع وقال لا حمى إلا لله ولرسوله "
- رواه أحمد وأبو داود وللبخاري منه " لا حمى إلا لله ولرسوله وقال بلغنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمى النقيع وأن عمر حمى شرف والربذة "

3 - وعن أسلم مولى عمر " أن عمر استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمي فقال يا هني أضمم جناحك على المسلمين واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة وإياي ونعم بن عوف ونعم بن عفان فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع ورب الصريمة ورب الغنيمة إنما تهلك ماشيتهما يأتيني ببنية يقول يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبا لك فالماء والكلأ أيسر على من الذهب والورق وأيم الله أنهم ليرون أني قد ظلمتهم أنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليم من بلادهم شيئا "
- رواه البخاري

- حديث ابن عمر أخرجه أيضا ابن حبان وحديث الصعب أخرجه أيضا الحاكم قال البيهقي أن قول حمى النقيع من قول الزهري وروى الحديث النسائي فذكره الموصول فقط أعني قوله " لا حمى إلا لله ولرسوله " ويؤيد ما قاله البيهقي أن أبا داود أخرجه من حديث ابن وهب عن يونس عن الزهري فذكره وقال في آخره قال ابن شهاب وبلغني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمي النقيع وقدورهم الحاكم فزعم أن حديث لا حمى إلا لله متفق عليه وهو من إفراد البخاري وتبع الحاكم في وهمه أبو الفتح القشيري في الإلمام وابن الرفعة في المطلب . وأثر عمر أخرجه أيضا الشافعي عن الدراوردي عن زيد بن أسلم عن أبيه مثله . وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلا . قوله " حمي النقيع " أصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم كان إذا نزل مخصبا استعوى كلبا على مكان عال فالى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب فلا يرعى فيه غيره ويرعى هو مع غيره فيما سواه والحمى هو المكان المحمي . وهو خلاف المباح ومعناه أن يمنع من الإحياء في ذلك الموات ليتوفر فيه الكلأ وترعاه مواش مخصوصة ويمنع غيرها والنقيع هو بالنون كما ذكر المصنف وحكى الخطابي أن بعضهم صحفه فقال بالموحدة وهو على عشرين فرسخا من المدينة وقدره ميل في ثمانية أميال ذكر ذلك ابن وهب في موطئه وأصل النقيع كل موضع يستنقع فيه الماء وهذا النقيع المذكور في هذا الحديث غير نقيع الخضمات الذي جمع فيه اسعدين زرارة بالمدينة على المشهور كما قال الحافظ . وقال ابن الجوزي إن بعضهم قال إنهما واحد قال والأول أصح : قوله " لا حمي الا لله ولرسوله " قال الشافعي يحتمل معنى الحديث شيئين أحدهما ليس لأحد أن يحمي المسلمين إلا ما حماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والآخر معناه الا على ما حماه عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فعلى الأول ليس لأحد من الولاة بعده أن يحمي وعلى الثاني يختص الحمى بمن قام مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الخليفة خاصة . قال في الفتح وأخذ أصحاب الشافعي من هذا إن له في المسألة قولين والراجح عندهم الثاني والأول أقرب إلى ظاهر اللفظ اه ومن أصحاب الشافعي من الحق بالخليفة ولاه الأقاليم . قال الحافظ ومحل الجواز وطلقا أن لا يضر بكافة المسلمين اه وظاهر قوله في الحديث الأول للخيل خيل المسليمن أنه لا يجوز للامام على فرض الحاقة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يحمي لنفسه وإلى ذلك ذهب مالك والشافعية والحنفية والهادوية قالوا بل يحمي لخيل المسلمين وسائر أنعامهم ولا سيما أنعام من ضعف منهم من الانتجاع كما فعله عمر في الأثر المذكور . وقد ظن بعضهم أن بين الأحاديث القاضية بالمنع من الحمى والأحاديث القاضية بجواز الأحياء معارضة ومنشأ هذا الظن عدم الفرق بينهما وهو فاسد فإن الحمى أخص من الأحياء مطلقا . قال ابن الجوزي ليس بين الحديثين معارضة فالحمى المنهى عنه ما يحمى من الموات الكثيرة العشب لنفسه خاصة كفعل الجاهلية والاحياء المباح مالا منفعة للمسلمين فيه شاملة فافترقا قال وإنما تعد أرض الحمى مواتا لكونها لم يتقدم فيها ملك لأحد لكنها تشبه العامرة لما فيها من المنفعة العامة . قوله " وإن عمر حمى شرف " لفظ البخاري الشرف بالتعريف قال في الفتح والشرف بفتح المعجمة والراء بعدها فاء في المشهور . وذكر عياض أنه عند البخاري بفتح المهملة وكسر الراء . وقال في الموطأ ابن وهب بفتح المهملة والراء قال وكذا رواه بعض رواة البخاري أو أصلحه وهو الصواب . وأما سرف فهو موضع بقرب مكة ولا يدخله الالف واللام : قوله " والربذة " بفتح الراء والموحدة بعدها ذال معجمة موضع معروف بين مكة والمدينة . وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن عمر حمى الربذة لنعم الصدقة : قوله " هنيا " بضم الهاء وفتح النون وتشديد التحتية : قوله " الصربمة " تصغير صرمة وهي ما بين العشرين إلى الثلاثين من الأبل أو من العشر إلى الأربعين منها

باب ما جاء في اقطاع المعادن

1 - عن ابن عباس قال أقطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلال بن الحرث المزني معادن القبلية جلسيها وغوريها وحيث يصلح الزرع من قدس ولم يعطه حق مسلم "
- رواه أحمد وأبو داود وروياه أيضا من حديث عمرو بن عوف المزني

2 - وعن أبيض بن حمال " أنه وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم استقطعه الملح فقطع له فلما أن ولي قال رجل أتدري ما أقطعت له إنما أقطعته الماء العد قال فانتزعه منه قال وسأله عما يحمي من الأراك فقال ما لم تنله خفاف الأبل "
- رواه الترمذي وأبو داود . وفي رواية له " أخفاف الأبل " قال محمد بن الحسن المخزومي يعني أن الأبل تأكل منتهى رؤوسها ويحمى ما فوقه

3 - وعن بهيسة قالت استأذن أبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل يدنو منه ويلتزمه ثم قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء قال يانبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح قال يانبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال أن تفعل الخير خير لك "
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث ابن عباس في إسناده أبو أويس عبد الله بن عبد الله أخرج له مسلم في الشواهد وضعفه غير واحد . قال أبو عمر هو غريب من حديث ابن عباس ليس يرويه عن أبي أويس غير ثور . وحديث عمرو بن عوف الذي أشار إليه المصنف في إسناده ابن انبه كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده وقد تقدم أنه لا يحتج بحديثه . وحديث أبيض بن حمال أخرجه أيضا ابن ماجه والنسائي وحسنه الترمذي وصححه ابن حابن وضعفه ابن القطان ولعل وجه التضعيف كونه في إسناده السبائي المازني قال ابن عدي أحاديثه مظلمة منكرة . وحديث بهيسة أعله عبد الحق والقطان بأنها لا تعرف وتعقب بأنه ذكرها ابن حبان وغيره في الصحابة ولحديثه شواهد قد تقدمت في كتاب الوديعة والعارية عند الكلام على حديث ابن مسعود في الماعون : قوله " القبلية " منسوبة إلى قبل بفتح القاف والموحدة وهي ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام . وفي رواية لأبي داود معادن القبلية وهي من ناحية الفرع وقد تقدم مثل هذا التفسير في باب ما جاء في الزرع والمعدن من كتاب الزكاة لأن حديث اقطاع بلال تقدم هنالك بلفظ غير ما هنا . وقال في القاموس والقبل محركة نشر من الأرض يستقبلك أو رأس كل أكمة أو جبل أو مجتمع رمل والمحجة الواضحة اه قوله " جلسيها " بفتح الجيم وسكون اللام وكسر السين المهملة بعدها ياء النسب والجلس كل مرتفع من الأرض ويطلق على أرض نجد كما في القاموس . قوله " وغوريها " بفتح الغين المعجمة وسكون الواو وكسر الراء نسبة إلى غور قال في القاموس إن الغور يطلق على ما بين ذات عرق إلى البحر وكل ما انحدر مغربا عن تهامة وموضع منخفض بين القدس وحوران مسيرة ثلاثة أيام في عرض فرسخين وموضع في ديار بني سليم وماء لبني العدوية اه والمراد ههنا المواضع المرتفعة والمنخفضة من معادن القبلية . قوله " من قدس " بضم القاف وسكون الدال المهملة بعدها سين مهملة وهو جبل عظيم بنجد كما في القاموس . وقيل الموضع المرتفع الذي يصلح للزرع كما في النهاية . قوله " العد " بكسر العين المهملة وتشديد الدال المهملة أيضا قال في القاموس الماء الذي له مادة لا تنقطع كماء العين اه وجمعه أعداد وقيل العد ما يجمع ويعد ورده الأزهري ورجح الأول ( وأحاديث ) الباب تدل على أنه يجوز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولمن بعده من الأئمة اقطاع المعادن والمراد بالاقطاع جعل بعض الأراضي الموات مختصة ببعض الأشخاص سواء كان ذلك معدنا أو أرضا لما سيأتي فيصير ذلك البعض أولى به من غيره ولكن بشرط أن يكون من الموات التي لا يختص بها أحد وهذا أمر متفق عليه . وقال في الفتح حكى عياض ان الاقطاع تسويغ الامام من مال الله شيئا لمن يراه أهلا لذلك وأكثر ما يستعمل في الأرض وهو أن يخرج منها لمن يراه ما يحوزه إما بأنيملكه اياه فيعمره وإما أن يجعل له غلته مدة . قال السبكي والثاني هو الذي يسمى في زماننا هذا اقطاعا ولم أر أحدا من أصحابنا ذكره وتخرجه على طريق فقهي مشكل قال والذي يظهر أنه يحصل للمقطع بذلك اختصاص كاختصاص المتحجر ولكنه لا يملك الرقبة بذلك وبهذا جزم الطبري وادعى الأذرعي نفى الخلاف في جواز تخصيص الامام بعض الجند بغلة أرضه إذا كان مستحقا لذلك هكذا في الفتح . وحكى صاحب الفتح أيضا عن ابن التين أنه إنما يسمى اقطاعا إذا كان من أرض أو عقار وإنما يقطع من الفئ ولا يقطع من حق مسلم ولا معاهد قال وقد يكون الاقطاع تمليكا وتغير تمليك وعلى الثاني يحمل اقطاعه صلى الله عليه وآله وسلم الدور بالمدينة . قال الحافظ كأنه يشير إلى ما أخرجه الشافعي مرسلا ووصله الطبري إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة أقطع يعني أنزل المهاجرين في دور الأنصار برضاهم : قوله " قال محمد ابن الحسن " الخ ذكر الخطابي وجها آخر فقال إنما يحمى من الاراك ما بعد عن حضرة العمارة فلا تبلغه الأبل الرائحة إذا أرسلت في الرعي اه وحديث بهيسة يدل على أنه لا يحل منع الماء والملح وقد تقدم الكلام في الماء وأما الملح فظاهر الحديث عدم الفرق بين ما كان في معدنه أو قد أنفصل عنه ولا فرق بين جميع أنواعه الصالحة للانتفاع بها

باب إقطاع الأراضي

1 - عن أسماء بنت أبي بكر في حديث ذكرته قالت " كنت أنقل النوي من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رأسى وهو مني على ثلثي فرسخ "
- متفق عليه . وهو حجة في سفر المرأة اليسير بغير محرم

2 - وعن ابن عمر قال " اقطع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الزبير حضر فرسه وأجرى الفرس حتى قام ثم رمى بسوطه فقال اقطعوه حيث بلغ السوط "
- رواه أحمد وأبو داود

3 - وعن عمرو بن حريث قال " خط لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دارا بالمدينة بقوس وقال أزيدك "
- رواه أبو داود

4 - وعن وائل بن حجر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطعه أرضا بحضرموت وبعث معاوية ليقطعها اياه "
- رواه الترمذي وصححه

5 - وعن عروة بن الزبير " أن عبد الرحمن بن عوف قال اقطعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا فذهب الزبير إلى آل عمران فاشترى نصيبه منهم فأتى عثمان بن عفان فقال أن عبد الرحمن بن عوف زعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقطعه وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا وإني اشتريت نصيب آل عمر فقال عثمان عبد الرحمن جائز الشهادة له وعليه "
- رواه أحمد

6 - وعن أنس قال " دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأنصار ليقطع لهم البحرين فقالوا يا رسول الله إن فعلت فأكتب لأخواننا في قريش بمثلها فلم يكن ذلك عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إنكم سترون بعدي أثرة فأصبروا حتى تلقوني "
- رواه أحمد والبخاري

- حديث ابن عمر في إسناده عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وفيه مقال وهو أخو عبيد الله بن عمر العمري وحديث عمرو بن حريث سكت عنه أبو داود والمنذري وحسن إسناده الحافظ . ولفظ أبي داود " أزيدك أزيدك " مرتين . وحديث وائل بن حجر أخرجه أيضا أبو داود والبيهقي وابن حبان والطبراني . وحديث عروة بن الزبير لم أجد لغيره أحمد ولم أجده في باب الاقطاع من مجمع الزوائد مع أنه يذكر كل حديث لأحمد خارج عن الأمهات الست . قوله " من أرض الزبير " الخ يمكن أن تكون هذه الأرض هي المذكورة في حديث ابن عمر المذكور بعده في البخاري في أخر كتاب الخمس من حديث أسماء " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير " وفي سنن أبي داود عن أسماء " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقطع الزبير نخلا " قوله " حضر فرسه " بضم الحاء المهملة وإسكان الضاد المعجمة وهو العدو . قوله " وبعث معاوية " أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قوله " ليقطع لهم البحرين " قال الخطابي يحتمل أنه أراد الموات منها ليتملكوه بالأحياء ويحتمل أنه أراد العامر منها لكن في حقه من الخمس لأنه كان ترك أرضها فلم يقسمها وتعقب بأنها فتحت صلحا وضربت على أهلها الجزية فيحتمل أن يكون المراد أنه أراد أن يخصهم بتناول جزيتها وبه جزم إسماعيل القاضي . ووجهه ابن بطال بأن أرض الصلح لا تقصم فلا تملك . قال في الفتح والذي يظهر لي أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يخص الأنصار بما يحصل من البحرين أما الناجز يوم عرض ذلك عليهم لأنهم كانوا صالحوا عليها وأما بعد ذلك إذا وقعت الفتوح فخراج الأرض أيضا وقد وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم ذلك في عدة أراض بعد فتحها وقبل فتحها . منها إقطاعه تميما الدار ببت إبراهيم فلما فتحت في عهد عمر نجز ذلك لتميم واستمر في أيدي ذريته من ابنته رقية وبيدهم كتاب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وقصته مشهورة ذكرها ابن سعد وأبو عبيد في كتاب الأموال وغيرها . قوله " فلم يكن عنده ذلك " يعني بسبب قلة الفتوح وأغرب ابن بطال فقال معناه أنه لم يرد فعل ذلك لأنه أقطع المهاجرين ارض بني النضير . قوله " أثرة " بفتح الهمزة والمثلثة على المشهور وأشار صلى الله عليه وآله وسلم بذلك إلى ما وقع من استئثار الملوك من قريش على الأنصار بالأموال والتفضيل بالعطاء وغير ذلك فهو من أعلام نبوته وفيه ما كانت فيه الأنصار من الإيثار على أنفسهم كما وصفهم بذلك فقال { يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } وأحاديث الباب فيها دليل على أنه يجوز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده من الأئمة إقطاع الأراضي وتخصيص بعض دون بعض بذلك إذا كان فيه مصلحة وقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم في الإقطاع غير أحاديث هذا الباب والباب الذي قبله . منها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقطع صخر بن أبي العيلة البجلي الأحمسي ماء لبني سليم لما هربوا عن الإسلام وتركوا ذلك الماء ثم رده إليهم في قصة طويلة مذكورة في سنن أبي داود . ومنها ما أخرجه أبو داود عن سبرة بن معبد الجهني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل في موضع المسجد تحت دومة فأقام ثلاثا ثم خرج إلى تبوك وأن جهينة لحقوه بالرحبة فقال لهم من أهل ذي المروة فقالوا بنو رفاعة من جهينة فقال قد أقطعتها لبني رفاعة فاقتسموها فمنهم من باع ومنهم من أمسك فعمل . ومنها عند أبي داود عن قيلة بنت مخرمة قالت " قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقدم صاحبي يعني حريث بن حسان وافد بكر بن وائل فبايعه على الإسلام عليه وعلى قومه ثم قال يا رسول الله اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء أن لا يجاوزها إلينا منهم أحد إلا مسافر أو مجاور فقال اكتب له يا غلام بالدهناء فلما رأيته قد أمر له بها شخص بي وهي وطني وداري فقلت يا رسول الله إنه لم يسألك السوية من الأرض اذ سألك إنما هذه الدهناء عندك مقيد الجمل ومرعى الغنم ونساء بني تميم وأبناؤها وراء ذلك فقال أمسك يا غلام صدقت المسكينة المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفتان " يعني الشيطان . وأخرجه أيضا الترمذي مختصرا . ومنها ما أخرجه البيهقي والطبراني " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة أقطع الدور وأقطع ابن مسعود فيمن اقطع " وإسناده قوي

باب الجلوس في الطرقات المتسعة للبيع وغيره

1 - عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إياكم والجلوس في الطرقات فقالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقها قالوا وما حق الطريق يا رسول الله قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
- متفق عليه

2 - وعن الزبير بن العوام " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأن يحمل أحدكم حبلا فيحتطب ثم يجيء فيضعه في السوق فيبيعه ثم يستغني به فينفقه على نفسه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه "
- رواه أحمد

- حديث الزبير أخرجه البخاري أيضا بنحو ما هنا وقد اتفق الشيخان على مثل معناه من حديث أبي هريرة وقد تقدم في باب ما جاء في الفقير والمسكين والمسألة من أبواب الزكاة : قوله " إياكم والجلوس " بالنصب على التحذير : قوله " ما لنا من مجالسنا بد " فيه دليل على أن التحذير للإرشاد لا للوجوب إذ لو كان للوجوب لم يراجعوه كما قال القاضي عياض وفيه متمسك لمن يقول أن سد الذراع بطريق الأولى لا على الحتم لأنه نهى أولا عن الجلوس حسما للمادة فلما قالوا مالنا من مجالسنا بد ذكر لهم المقاصد الأصلية للمنع فعرف أن النهي الأول للإرشاد إلى الأصلح ويؤخذ منه أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة وذلك أن الاحتياط في طلب السلامة آكد من الطمع في الزيادة . قال الحافظ ويحتمل أنهم رجوا وقوع النسخ تخفيفا لما شكوا من شدة الحاجة إلى ذلك يعني فيكون قولهم المذكور دليلا على أن التحذير الذي في قوة الأمر للإرشاد قال ويؤيده أن فيي مرسل يحيى بن يعمر ون القوم أنها عزيمة : قوله " إذا أبيتم إلا المجالس " في رواية للبخاري " فإذا أتيتم إلى المجلس " قوله " غض البصر " الخ زادأبو داود في حديث أبي هريرة " وإرشاد السبيل وتمشيت العاطس إذا حمد " وزاد الطبراني من حديث عمر " وإغاثة الملهوف " وزاد البزار من حديث ابن عباس " وأعينوا على الحمولة " وزاد الطبراني من حديث ابن سهل بن حنيف " وذكر الله كثيرا " وزاد الطبراني أيضا من حديث وحشي بن حرب " واهدوا الأغبياء واعينوا المظلوم " وجاء في حديث أبي طلحة من الزيادة " وحسن الكلام " وقد نظم الحافظ هذه الآداب فقال
جمعت آداب من رام الجلوس على الطريق من قول خير الخلق إنسانا
افش السلام وأحسن في الكلام وشمت عاطسا وسلاما رد إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن واغث ... لهفان واهد سبيلا واهد حيرانا
بالعرف مروانة عن نكر وكف أذى ... وغض طرفا وأكثر ذكر مولانا
والعلة في التحذير من الجلوس على الطريق ما فيه من التعرض للفتنة بالنظر إلى من يحرم النظر إليه وللحقوق لله وللمسلمين التي لا تلزم غير الجالس في ذلك المحل . وقد أشار في حديث الباب بغض النظر إلى السلامة من الاحتقار والغيبة وبرد السلام إلى اكرام المارو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى استعمال جميع ما يشرع وترك جميع مالا يشرع . وعلى هذا النمط بقية الآداب التي أشرنا إليها ولكل منها شاهد صحيح أو حسن . وقد استوفى ذلك الحافظ في الفتح في كتاب الأستئذان . وحديث الزبير قد سبق شرح ما اشتمل عليه في كتاب الزكاة ذكره المصنف ههنا لقوله فيه فيضعه في السوق فيبيعه فإن فيه دليل على جواز الجلوس في السوق للبيع ولا تخلو غالب الأسواق من كثرة الطرق فيه

باب من وجد دابة قد سيبها أهلها رغبة عنها

1 - عن عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن الشعبي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من وجد دابة قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها فسببوها فأخذها فاحياها فهي له . قال عبيد الله فقلت له عمن هذا فقال عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود والدارقطني

2 - وعن الشعبي يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من ترك دابة بمهلكة فاحياها رجل فهي لمن احياها "
- رواه أبو داود

- الحديث الأول في إسناده عبيد الله بن حميد وقد وثق وحكى ابن أبي حاتم عن يحيى بن معين أنه سئل عنه فقال لا أعرفه يعني لا أعرف تحقيق امره وأما جهالة الصحابة الذين أبهمهم الشعبي فغير قادحة في الحديث لان مجهولهم مقبول على ما هو الحق وقد حققنا ذلك في رسالة مستقلة . والشعبي قد لقي جماعة من الصحابة حكى الذهبي أنه سمع من ثمانية وأربعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحكى منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي أنه قال أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون علي وطلحة والزبير في الجنة والحديث الثاني مع إرساله فيه عبيد الله بن حميد المذكور : قوله " فسيبوها " وكذلك قوله " من ترك دابة " يؤخذ من الإطلاق أنه يجوز لمالك الدابة التسييب في الصحراء إذا عجز عن القيام بها وقد ذهبت العترة والشافعي وأصحابه إلى أنه يجب على مالك الدابة أن يعلفها أو يبيعها أو يسيبها في مرتع فان تمرد اجبر . وقال أبو حنيفة وأصحابه بل يؤمر استصلاحا لا حتما كالشجر وأجيب بأن ذات الرح تفارق الشجر . والأولى إذا كانت الدابة مما يؤكل لحمه أن يذبحها مالكها ويطعمها المحتاجين . قال ابن رسلان : وأما الدابة التي عجزت عن الاستعمال لزمن ونحوه فلا يجوز لصاحبها تسييبها بل يجب عليه نفقتها : قوله " فأحياها " يعني بسقيها وعلفها وخدمتها وهو من باب المجاز كقوله تعالى { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } قوله " فهي له " أخذ بظاهره أحمد والليث والحسن وإسحاق فقالوا من ترك دابة بمهلكة فأخذها انسان فأطعمها وسقاها وخدمها إلى أن قويت على المشي والحمل وعلى الركوب ملكها الا أن يكون مالكها تركها لا لرغبة عنها بل ليرجع إليها أو ضلت عنه وإلى مثل ذلك ذهبت الهادوية وقال مالك هي لمالكها الأول ويغرم ما أنفق عليها الآخذ . وقال الشافعي وغيره : إن ملك صاحبها لم يزل عنها بالعجز وسبيلها سبيل اللقطة فإذا جاء ربها وجب على واجدها ردها عليه ولا يضمن ما أنفق عليها لأنه لم يأذن فيه : قوله " بمهلكة " بضم الميم وفتح اللام اسم لمكان الاهلاك وهي قراءة الجمهور في قوله تعالى { ما شهدنا مهلك أهله } وقرأ حفص بفتح الميم وكسر اللام

كتاب الغصب والضمانات

باب النهي عن جده وهزله

1 - عن السائب بن يزيد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا ولا لاعبا وإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردها عليه "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي

2 - وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه "
- رواه الدارقطني . وعمومه حجة الساحة الغصب يبنى عليها والعين تتغير صفتها أنها لا تملك

3 - وعن عبد الرحمن بن ليلى قال حدثنا أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنام منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما "
- رواه أبو داود

- حديث السائب حسنه الترمذي . وقال غريب لا نعرفه الامن حديث ابن أبي ذئب اه وقد سكت عنه أبو داود والمنذري . وأخرجه أيضا البيهقي وقال إسناده حسن وحديث أنس في إسناده الحارث بن محمد الفهري وهو مجهول وله طريق أخرى عند الدارقطني أيضا عن حميد عن أنس وفي إسنادها داود بن الزبرقان وهو متروك . ورواه أحمد والدارقطني من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وفيه ضعف وأخرجه الحاكم من حديث ابن عباس من طريق عكرمة وأخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس أيضا من طريق مقسم وفي إسناده العرزمي وهو ضعيف ورواه البيهقي وابن حبان والحاكم في صحيحيهما من حديث أبي حميد الساعدي بلفظ " لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه " قال البيهقي وحديث أبي حميد أصح ما في الباب وحديث ابن أبي ليلى سكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده ل بأس به : قوله " متاع أخيه " المتاع على ما في القاموس المنفعة والسلعة وما تمتعت به من الحوائج الجمع أمتعة : قوله " ولا لاعبا " فيه دليل على عدم جواز أخذ متاع الإنسان على جهة الهزل والمزح . قوله " لا يحل مال امرئ مسلم " الخ هذا أمر مصرح به في القرآن الكريم قال الله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } ولا شك أن من أكل مال مسلم بغير طيب نفسه آكل له بالباطل ومصرح به في عدة أحاديث . منها حديث " إنما أموالكم ودماؤكم عليكم حرام " وقد تقدم . ومجمع عليه عند كافة المسلمين ومتوافق على معناه العقل والشرع وقد خصص هذا العموم بأشياء منها أخذ الزكاة كرها والشفعة وإطعام المضطر والقريب المعسر والزوجة وقضاء الدين وكثير من الحقوق المالية . قوله " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما " فيه دليل على أنه لا يجوز ترويع المسلم ولو بما صورته صورة المزح

باب إثبات غصب العقار

1 - عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من ظلم شبرا من الأرض طوقه الله من سبع أرضين "
- متفق عليه

2 - وعن سعيد بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين "
- منفق عليه . وفي لفظ لأحمد " من سرق "

3 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من اقتطع شبرا من الأرض بغير حقه طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين "
- رواه أحمد

4 - وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين "
- رواه أحمد والبخاري

- حديث أبي هريرة هو في صحيح مسلم . وفي الباب عن يعلى بن مرة عند أبي حبان في صحيحه وابن أبي شيبة في مسنده وأبي يعلى . وعن المسور بن مخرمة عند العقيلي في تاريخ الضعفاء وعن شداد بن أوس عن الطبراني في الكبير وعن سعد بن أبي وقاص عند الترمذي . وعن أبي مالك الأشعري عند ابن أبي شيبة بإسناد حسن . وعن الحكم بن حرث السلمي عن الطبراني وأبو يعلى . وعن أبي شريح الخزاعي عند الطبراني أيضا . وعن ابن مسعود عنده أيضا وأحمد . وعن ابن عباس عند الطبراني أيضا : قوله " من ظلم شبرا " في رواية للبخاري " قيد شبر " بكسر القاف وسكون التحتانية أي قدر شبر وكأنه ذكر الشبر إذارة إلى استواء القليل والكثير في الوعيد كذا في الفتح : قوله " يطوقه " بضم أوله على البناء للمجهول : قوله " من سبع أرضين " بفتح الراء ويجوز إسكانها . قال الخطابي له وجهان . أحدهما أن معناه أنه يكلف نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر ويكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة . الثاني أن معناه أ يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين أي فتكون كل أرض في تلك الحالة طوقا في عنقه اه ويؤيد الوجه الثاني حديث ابن عمر المذكور وقيل معناه كالأول لكن بعد أن ينقل جميعه يجعل كله في عنقه ويعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك كما ورد في غلظ جلد الكافر ونحو ذلك . ويؤيده حديث يعلى بن مرة المشار إليه سابقا بلفظ " ايما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ آخر مبلغ سبع ارضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضى بين الناس " وحديث الحكم السلمي المشار إليه أيضا قال الحافظ وإسناده حسن ولفظه " من أخذ من طريق الميلمين شبرا جاء يوم القيامو يحمله من سبع أرضين " : قال في الفتح ويحتمل أن يكون المراد يقوله يطوقه يكلف أن يجعله طوقا ولا يستطيع ذلك فيعذب به كما جاء في حق " من كذب في منامه كلف أن يعقد شعيرة " ويحتمل أن يكون التطويق تطويق الإثم والمراد به أن الظلم المذكور لازم له في عنقه لزوم الأثم . ومنه قوله تعالى { ألزمناه طائره في عنقه } ويحتمل أن تتنوع هذه الصفات لصاحب هذه المعصية أو تنقسم بين من تلبس بها فيكون بعضهم معذبا ببعض وبعضهم بالبعض الآخر بحسب قوة المفسدة وضعفها هذا جملة ما ذكر من الوجوه في تفسير الحديث : قوله " من اقتطع " فيه استعارة شبه من أخذ ملك غيره ووصله إلى ملك نفسه بمن اقتطع قطعة من شيئ يجري فيه القطع الحقيقي . وأحاديث الباب تدل على تغليظ عقوبة الظلم والغصب وأن ذلك من الكبائر وتدل على أن تخوم الأرض تملك فيكون للمالك منع من رام أن يحفر تحتها حفيرة . قال في الفتح أن الحديث يدل أن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض وله أن يمنع من حفر تحتها سربا أو بئرا بغير رضاه وأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجارة وأبنية ومعادن وغير ذلك وإن له أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بمن يجاوره . وفيه أن الأرضين السبع متراكمة لم يفتق بعضها من بعض لأنها لو فتقت لاكتفى في حق هذا الغاصب بتطويق التي غصبها لإنفصالها عما تحتها أشار إلى ذلك الداودي وفيه أن الأرضين السبع كالسموات وهو ظاهر قوله تعالى { ومن الأرض مثلهن } خلافا لمن قالأن المراد بقوله " سبع أرضين " سبعة أقاليم لأنه لو كان كذلك لم يطوق الغاصب شبرا من اقليم آخر قال ابن التين وهو الذي قبله مبني على أن العقوبة متعلقة بما كان سببها وإلا فمع قطع النظر عن ذلك لا تلازم بين ما ذكروه اه

5 - وعن الأشعث بن قيس " أن رجلا من كندة ورجلا من حضرموت اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أرض باليمن فقال الحضرمي يا رسول الله أرضي اغتصبها هذا وأبوه فقال الكندي يا رسول الله أرضي ورثتها من أبي فقال الحضرمي يا رسول الله استحلفه أنه ما يعلم أنها أرضي وأرض والدي اغتصبها أبوه فتهيأ الكندي لليمين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه لا يقتطع عبد أو رجل بيمينه مالا إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم فقال الكندي هي أرضه وأرض والده "
- رواه أحمد

- الحديث رواه الطبراني في الأوسط وفي إسناده محمد بن سلام المسبحي له غرائب وبقية رجاله رجال الصحيح . وللأشعث أيضا حديث آخر أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وإسناده ضعيف وقصة الحضرمي والكندي ذكرها في باب استحلاف المنكر من كتاب الأقضية من حديث وائل بن حجر عند مسلم في صحيحه والترمذي وصححه بنحو ما هنا ولعله يأتي الكلام عليه هنالك إن شار الله . قال في التلخيص والحضرمي هو وائل بن حجر والكندي هو امرؤ القيس بن عابس واسمه ربيعة اه وفيه نظر فإنه سيأتي عن وائل بن حجر في كتاب الأقضية بلفظ " جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الخ وهذا يشعر بأن الحضرمي غير وائل وأيضا قال في البدر المنير اسم الحضرمي ربيعة بن عبدان وكذا جاء مبينا في إحدى روايتي صحيح مسلم وعبدان بكسر المهملة وبعدها موحدة ( والحديث ) فيه دليل على أنها إذا طلبت يمين العلم وجبت وعلى أن يستحب للقاضي أن يعظ من رام الحلف . قوله " أنه لا يقتطع عبدا " الخ لفظ الصحيحين من حديث الأشعث " من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان " وسيأتي في كتاب الأقضية

باب تملك زرع الغاصب بنفقته وقلع غرسه

1 - عن رافع بن خديج " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته "
- رواه الخمسة إلا النسائي وقال البخاري هو حديث حسن

2 - وعن عروة بن الزبير " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من أحيا أرضا فهي له وليس لعرق ظالم حق قال ولقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث ان رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها قال فلقد رأيتها وأنها لتضرب أصولها بالفؤس وأنها لنخل عم "
- رواه أبو داود والدارقطني

- حديث رافع ضعفه الخطابي ونقل عن البخاري تضعيفه وهو خلاف ما نقله الترمذي عن البخاري من تحسينه . وضعفه أيضا البيهقي وهو من طريق عطاء بن أبي رباح عن رافع قال أبو زرعة لم يسمع عطاء من رافع وكان موسى بن هرون يضعف هذا الحديث ويقول لم يروه غير شريك ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق ولكن قد تابعه قيس بن الربيع وهو شيء الحفظ . وقد أخرج هذا الحديث أيضا البيهقي والطبراني وابن أبي شيبة والطيالسي وابن ماجه وأبو يعلى . وحكى ابن المنذر عن أحمد بن حنبل أنه قال ان أبا إسحاق زاد في هذا الحديث زرع بغير أذنهم وليس غيره يذكر هذا الحرف . وحديث عروة سكت عنه أبو داود والمنذري وحسن الحافظ في بلوغ المرام إسناده . وفي رواية لأبي داود فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأكثر ظني أنه أبو سعيد الخدري فانا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل . وأول حديث عروة هذا قد تقدم في أول كتاب الأحياء من حديث سعيد بن زيد . وأخرج أبو داود من حديث جعفر بن محمد بن علي عن أبيه الباقر عن سمرة بن جندب أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار قال ومع الرجل أهله قال وكان سمرة يدخل إلى نخلة فيتأذى به الرجل ويشق عليه فطلب إليه أن يناقله فأبى فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له فطلب إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيعه فأبى فطلب إليه أن يناقله فأبى قال فهبه لي ولك كذاوكذا أمرا رغبه فيه فأبى فقال أنت مضار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للانصاري اذهب فاقلع نخله . وفي سماع الباقر من سمرة بن جندب فقد نقل من مولده ووفاة سمرة ما يتعذر معه سماعه . قوله " فليس له من الزرع شيء " فيه دليل على أن من غصب أرضا وزرعها كان الزرع للمالك للأرض وللغاصب ما غرمه في الزرع يسلمه له مالك الأرض قال الترمذي والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق . قال ابن رسلان وقد استدل به كما قال الترمذي أحمد على أن من زرع بذرا في أرض غيره واسترجعها صاحبها فلا يخلو اما ان يسترجعها مالكها ويأخذها بعد حصاد الزرع أو يسترجعها والزرع قائم قبل أن يحصد فإن أخذها مستحقها بعد حصاد الزرع فإن الزرع لغاصب الأرض لا يعلم فيها خلافا وذلك لأنه نماء ماله وعليه أجرة الأرض إلى وقت التسليم وضمان نقص الأرض وتسوية حفرها وان أخذ الأرض صاحبها من الغاصب والزرع قائم فيها لم يملك إجبار الغاصب على قلعه وخير المالك بين أن يدفع نفقته ويكون الزرع له أو يترك الزرع للغاصب وبهذا قال أبو عبيد . وقال الشافعي وأكثر الفقهاء ان صاحب الأرض يملك إجبار الغاصب على قلعه واستدلوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " ليس لعرق ظالم حق " ويكون الزرع لمالك البذر عندهم على كل حال وعليه كراء الأرض ( ومن جملة ) ما استدل به الأولون ما أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني وغيرهم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى زرعا في أرض ظهير فأعجبه فقال ما أحسن زرع ظهير فقالوا أنه ليس لظهير ولكنه لفلان قال فخذوا زرعكم وردوا عليه نفقته " فدل على أن الزرع تابع للأرض ولا يخفى ان حديث رافع بن خديج أخص من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " ليس لعرق ظالم حق " مطلقا فيبنى العام على الخاص وهذا على فرض أن قوله " ليس لعرق ظالم حق " يدل على ان الزرع لرب البذر فيكون الراحج ما ذهب إليه أهل القول الأول من أن زرع لصاحب الأرض إذا استرجع أرضه والزرع فيها وأما إذا استرجعها بعد حصاد الزرع فظاهر الحديث أنه أيضا لرب الأرض ولكنه إذا صح الإجماع على أنه للغاصب كان مخصصا لهذه الصورة وقد روى عن مالك وأكثر علماء المدينة مثل ما قاله الأولون وفي البحر ان ماكا [ سماكا ؟ ؟ ] والقاسم يقولان الزرع لرب الأرض واحتج لما ذهب إليه الجمهور من أن الزرع للغاصب بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الزرع للزارع وإن كان غاصبا " ولم أقف على هذا الحديث فينظر فيه
وقال ابن رسلان أن حديث ليس لعرق ظالم حق ورد في الغرس الذي له عرق مستطيل في الأرض وحديث رافع ورد في الزرع فيجمع بين الحديثين ويعمل بكل واحد منهما في موضعه ولكن ما ذكرناه من الجمع أرجح لان بناء العام على الخاص أولى من المصير إلى قصر العام على السبب من غير ضرورة والمراد بقوله وله نفقته ما أنفقه الغاصب على الزرع من المؤنة في الحرث والسقي وقيمة البذر وغير ذلك . وقيل المراد بالنفقة قيمة الزرع فتقدر قيمته ويسلمها المالك والظاهر الأول . قوله " وليس لعرق ظالم حق " قد تقدم ضبطه وتفسيره في أول كتاب الاحياء . قوله " وأمر صاحب النخل " الخ فيه دليل على أنه يجوز الحكم على من غرس في أرض غيره غروسا بغير أذنه بقطعها . قال ابن رشد في النهاية أجمع العلماء على أن من غرس نخلا أو ثمرا وبالجملة نباتا في غير أرضه أنه يؤمر بالقلع ثم قال إلا ما روى عن مالك في المشهور من زرع فله زرعه وكان على الزارع كراء الأرض . وقد روى عنه ما يشبه قول الجمهور ثم قال وفرق قوم بين الزرع والثمار إلى آخر كلامه : قوله " عم " بضم المهملة وتشديد الميم جمع عميمة وهي الطويلة وفي القاموس ما يدل على أنه يجوز فتح أوله لأنه قال بعد تفسيره بالنخل الطويل ويضم

باب ما جاء فيمن غصب شاة فذبحها وشواها أو طبخها

1 - عن عاصم بن كليب " أن رجلا من الأنصار أخبره قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فاكلوا فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلوك لقمة في فمه ثم قال أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها فقالت المرأة يا رسول الله أني أرسلت إلى البقيع يشتري لي شاة فلم أجد فأرسلت إلى بها فقال رسول الله " أطعميه الأساري "
- رواه أحمد وأبو داود والدارقطني . وفي لفظ له " ثم قال : أني لأجد لحم شاة ذبحت بغير أذن أهلها فقالت : يا رسول الله وأنا من أعز الناس عليه ولو كان خيرا منها لم يغير على وعلى أن أرضيه بأفضل منها فأبى أن يأكل منها وأمر بالطعام للاساري

- الحديث في إسناده عاصم بن كليب قال علي بن المديني لا يحتج به إذا انفرد . وقال الأمام أحمد لا بأس به وقال أبو حاتم الرازي صالح . وقد أخرج له مسلم . وأما جهالة الرجل الصحابي فيغر قادحة لما قررناه غير مرة من أن مجهول الصحابة مقبول لان عموم الأدلة القاضية بأنهم خير الخليفة من جميع الوجوه أقل أحوالها أن تثبت لهم بها هذا المزية أعني قبول مجاهيلهم لاندراجهم تحت عمومها . ومن تولى الله ورسوله تعديله فالواجب حمله على العدالة حتى ينكشف خلافها ولا انكشاف في المجهول . قوله " يلوك " قال في القاموس الوك أهون المضغ أو مضغ صلب : قوله " لقمة " بضم اللام وسكون القاف ويجوز فتح اللام . قال في القاموس اللقمة وتفتح ما يهبأ للفم " قوله " فلم يوجد " بضم أوله وسكون الواو وكسر الجيم أي لم يعطني ما طلبته وفي القاموس أوجده أغناه وفلانا مطلوبه أظفره به " والحديث " فيه دليل على مشروعية إجابة الداعي وان كان امرأة والمدعو رجلا أجنبيا إذا لم يعارض ذلك مفسدة مساوية أو راجحة وفيه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظاهر لعدم اساغته لذلك اللحم وأخباره بما هو الواقع من أخذها بغير أذن أهلها وفي تجنب ما كان من المأكولات حراما أو مشتبها وعدم الانكار على تجويز أذن مالكه بعد أكله . وفيه أيضا أن يجوز صرف ما كان كذلك إلى من يأكله كالأسارى ومن كان على صفتهم . وقد أورد المصنف هذا الحديث للاستدلال به على حكم من غصب شاة فذبحها وشواها أو طبخها كما وقع في الترجمة وقد اختلف العلماء في ذلك فحكى في البحر عن القاسمية وأبي حنيفة أن مالك مخير بين طلب القيمة وبين أخذ العين كما هي وعدم لزوم الأرش لأن الغاصب لم يستهلك ما ينفرد بالتقويم . وحكى عن المؤيد بالله والناصر والشفعي ومالك أنه يأخذ العين مع الأرش كما لو قطع الأذن ونحوها وعن محمد أنه بخير بين القيمة أو العين مع الأرش

باب ما جاء في ضمان المتلف بجنسه

1 - عن أنس قال " أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه طعاما في قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها فالقت ما فيها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم طعام بطعام وإناء بإناء "
- رواه الترمذي وصححه وهو بمعنى لسائر الجماعة إلا مسلما

2 - وعن عائشة أنها قالت " ما رأيت صانعة طعاما مثل صفية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إناء من طعام فما ملكت نفسي أن كسرته فقلت يا رسول الله ما كفارته : قال إناء كإناء وطعام كطعام "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي

- الحديث الأول لفظه في البخاري " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان عند بعض نسائه فأرسلت غحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام فضربت بيدها فكسرت القصعة فضمها وجعل فيها الطعام وقال كلوا ودفع القصعة الصحيحة للرسرل وحبس المكسورة " هذا أ د ألفاظ البخاري وله ألفاظ أخر وليس فيه تسمية الضاربة وهي عائشة كما وقع في رواية الترمذي التي ذكرها المصنف . والحديث الثاني في إسناده افلت بن خليفة أبو حسان . ويقال فليت العامري قال الإمام أحمد ما رأى به بأسا . وقال أبو حاتم الرازي شيخ . وقال الخطابي في إسناد الحديث مقال وقال في الفتح أن إسناده حسن : قوله " بعض أزواج النبي " هي زينب بنت جحش كما رواه ابن حزم في المحلي عن أنس ووقع فريب من ذلك لعائشة مع أم سلمة كما روى النسائي عنها " أنها أتت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطعام في صحفة فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر ففلقت به الصحفة " الحديث . والرواية المذكورة في الباب عن عائشة تشعر بأنه قد وقع لها مثل ذلك مع صفية وقد روى الدارقطني عن أنس من طريق عمران بن خالد نحو ذلك قال عمران أكثر ظني أنها حفصة يعني التي كسرت عائشة صحفتها قال في الفتح ولم يصب عمران في ظنه أنها حفصة بل هي أم سلمة ثم قال نعم وقعت القصة لحفصة أيضا وذلك فيما رواه ابن أبي شيبة وابن ماجه من طريق رجل من بني سوأة غير مسمى عن عائشة قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه فصنعت له طعاما وصنعت له حفصة طعاما فسبقتني فقلت للجارية انطلقي فاكفيء قصعتها فاكفأتها فانكسرت وانتشر الطعام فجمعه على النطع فاكلوه ثم بعث بقصعتي إلى حفصة فقال خذوا ظرفا مكان ظرفكم " وبقية رجاله ثقات . قال الحافظ وتحرر من ذلك إن المراد بمن أبهم في حديث الباب هي زينب لمجئ الحديث من مخرجه وهو حميد عن أنس وما عدا ذلك فقصص أخرى لا تليق بمن تحقق أن يقول في مثل هذا قيل المرسلة فلانة وقيل فلانة من غير تحرير : قوله " أناء باناء " فيه دليل على أن القيمى يضمن بمثله ولا يضمن بالقيمة الا عند عدم المثل ويؤيده ما في رواية البخاري المتقدمة بلفظ " ودفع القصعة الصحيحة للرسول " وبه احتج الشافعي والكوفيون وقال مالك ان القيمي يضمن بقيمته مطلقا وفي رواية عنه كالمذهب الأول . وفي رواية عنه أخرى ما صنعه الآدمي فالمثل وأما الحيوان فالقيمة . وعنه أيضا ما كان مكيلا أو موزونا فالقيمة وإلا فالمثل قال في الفتح وهو المشهور عندهم وقد ذهب إلى ما قاله مالك من ضمان القيمى بقيمته مطلقا من أهل العلم منهم الهادوية ولا خلاف في أن المثلى يضمن بمثله وأجاب القائلون بالقول الثاني عن حديث الباب وما في معناه بما حكاه البيهقي من أن القصعتين كانتا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيتي زوجتيه . فعاقب الكاسرة بجعل القصعة المكسورة في بيتها وجعل الصحيحة في بيت صاحبتها ولم يكن هناك تضمين وتعقب بما وقع في رواية لابن أبي حاتم بلفظ " من كسر شيئا فهو له وعليه مثله " وبهذا يرد على من زعم أنها واقعة عين لا عموم فيها ومن جملة ما أجابوا به عن حديث الباب وما في معناه بأنه يحتمل أن يكون في ذلك الزمان كانت العقوبة فيه بالمال فعاقب الكاسرة بإعطاء قصعتها للاخرى وتعقب بأن التصريح بقوله اناء باناء يبعد ذلك : قوله " طعام بطعام " قيل أن الحكم بذلك من باب المعونة والإصلاح دون بت الحكم بوجوب المثل فيه لانه ليس له مثل معلوم . قال الحافظ وفي طرق الحديث ما يدل على أن الطعامين كانا مختلفين : قوله " فما ملكت نفسي أن كسرته " لفظ أبي داود " فأخذني أفكل " بفتح الهمزة واسكان الفاء وفتح الكاف ثم لام وزنه أفعل والمعنى أخذتني رعدو الا فكل وهي الرعدة من برد أو خوف والمراد هنا أنها لما رأت حسن الطعام غارت وأخذتها مثل الرعدة

باب جناية البهيمة

1 - قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " العجماء جرحها جبار " . 2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الرجل جبار " /
- رواه أبو داود

3 - وعن حرام بن محيصة ان ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا فافسدت فيه فقضى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

4 - وعن النعمان بن بشير قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وقف دابة في سبيل من سبل المسلمين أو في سوق من أسواقهم فاوطأت بيد أو رجل فهو ضامن "
- رواه الدارقطني وهذا عند بعضهم فيما إذا وقفها في طريق ضيق أو حيث تضر المار

- حديث العجماء جرحها أخرجه الجماعة من حديث أبي هريرة وقد تقدم في باب ما جاء في الركاز والمعدن من كتاب الزكاة . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا النسائي . وقال الدارقطني لم يروه غير سفيان بن حسن وخالفه الحفاظ عن الزهري منهم مالك وابن عيينة ويونس ومعمر وابن جريج وعقيل وليث بن سعد وغيرهم كلهم رووه عن الزهري فقالوا العجماء والبئر جبار والمعدن جبار ولم يذكروا الرجل وهو الصواب . وقال الخطابي قد تكلم الناس في هذا الحديث وقيل أنه غير محفوظ وسفيان بن حسين معروف بسوء الحفظ وقد روى آدم بن أبي اياس عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الرجل جبار " قال الدارقطني تفرد به آدم بن أبي اياس عن شعبة وسفيان بن حسين المذكور قد استشهد به البخاري وأخرج له مسلم في المقدمة ولم يحتج به واحد منهما وتكلم فيه غير واحد . وحديث حرام بن محيصة أخرجه أيضا مالك في الموطأ والشافعي والنسائي والدارقطني وابن حبان وصححه الحاكم والبيهقي . قال الشافعي أخذنا به لثبوته واتصاله ومعرف رجاله . قال الحافظ ومداره علي الزهري واختلف عليه فقيل عن الزهري عن ابن محيصة . ورواه معن بن عيسى عن مالك فزاد فيه عن جده محيصة ورواه معمر عن الزهري عن حرام عن أبيه ولم يتابع عليه . ورواه الأوزاعي وإسماعيل بن أمية وعبد الله بن عيسى كلهم عن الزهري عن حرام عن البراء قال عبد الحق وحرام لم يسمع من البراء وسبقه إلى ذلك ابن حزم ورواه النسائي من طريق محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن البراء ورواه ابن عيينة عن الزهري عن حرام وسعيد بن المسيب ان البراء . ورواه ابن جريج عن الزهري أخبرني أو أسامة بن سهل أن ناقة البراء . ورواه ابن أبي ذئب عن الزهري قال بلغني أن ناقة البراء . وحديث النعمان قال في الجامع الكبير رواه البيهقي وضعفه : قوله " جبار " بضم الجيم أي هدر قال في القاموس هو الهدر والباطل وظاهره أن جناية البهائم غير مضمونة ولكن المراد إذا فعلت ذلك بنفسها ولم تكن عقورا ولا فرط مالكها في حفظها حيث يجب عليه الحفظ وذلك في الليل كما يدل عليه حديث حرام بن محيصة وكذلك في أسواق المسلمين وطرقهم ومجامعهم كما يدل عليه حديث النعمان بن بشير : قوله " الرجل " بكسر الراء وسكون الجيم يعني أنه لاضمان فيما جنته الدابة برجلها ولكن بشرط أن لا يكون ذلك بسبب من مالكها كتوقيفها في الأسواق والطرق والمجامع وطردها في تلك الأمكنة كما يدل على ذلك حديث النعمان وبشرط أن لا يكون ذلك في الأوقات التي يجب على المالك حفظها فيها كالليل وهذا الحديث وان كان فيه المقال المتقدم ولكنه يشهد له ما في الحديث المتفق عليه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " جرحها جبار " فإن عمومه يقتضي عدم الفرق بين جنايتها برجلها أو بغيرها والكلام في ذلك مبسوط في الكتب الفقهية : قوله " ضامن على أهلها " أي مضمون على أهلها . وفي حديث البراء " وإن حفظ الماشية بالليل على أهلها وان على أهل الماشية ما أصابت ما شيتهم بالليل " وقد استدل بذلك من قال أنه لا يضمن مالك البهيمة ما جنته بالنهار ويضمن ماجنته بالليل وهو مالك والشافعي والهادوية . وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا ضمان على أهل الماشية مطلقا واحتجوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " جرحها جبار " ولا شك أنه عموم مخصوص بحديث حرام بن محيصة والنعمان بن بشير . قال الطحاوي الا ان تحقيق مذهب أبي حنيفة أنه لا ضمان إذا أرسلها مع حافظ وأما إذا أرسلها من دون حافظ ضمن انتهى . ولا دليل على هذا التفصيل . وذهب الليث وبعض المالكية إلى أنه يضمن مالكها ما جنته ليلا أو نهارا وهو اهدار للدليل العام والخاص وروى عن عمر أنه لا تفصيل لا دليل عليه ولا يشكل على المذهب الأول قوله تعالى { إذ نفشت فيه غنم القوم } في قصة داود وسليمان علي القول بأن شرع من قبلنا يلزمنا لان النفش إنما يكون بالليل كما جزم بذلك الشعبي وشريح ومسروق روى ذلك البيهقي عنهم

باب دفع الصائل وان أدي إلى قتله وإن المصول عليه يقتل شهيدا

1 - عن أبي هريرة قال " جاء رجل فقال يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال فلا تعطه مالك قال أرأيت ان قاتلني قال قاتله قال أرأيت إن قتلني قال فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو في النار "
- رواه مسلم وأحمد وفي لفظه " يا رسول الله أرأيت إن عدى على مالي قال انشد الله قال فإن أبوا علي قال أنشد الله قال فإن أبوا علي قال قاتل فإن قتلت ففي الجنة وإن قتلت ففي النار " فيه من الفقه أنه يدفع بالأسهل فالأسهل

2 - وعن عبد الله بن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قتل دون ماله فهو شهيد "
- متفق عليه . وفي لفظ " من أريد ماله بغير حق فقاتل فهو شهيد " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه

3 - وعن سعيد بن زيد قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد "
- رواه أبو داود والترمذي وصححه

- حديث سعيد بن زيد أخرجه أيضا بقية أهل السنن وابن حبان والحاكم وقد أخرج أحمد والنسائي وأبو داود والبيهقي وابن حبان من حديث أبي هريرة من رواية قتادة عن النضر ابن أنس عن بشير بن نهيك عنه بلفظ " ولا قصاص ولا دية " وفي رواية للبيقهي من حديث ابن عمر " ما كان عليه فيه شيء " وقد تعقب الحافظ في صلاة الخوف من التلخيص من زعم أن حديث ابن عمرو بن العاص متفق عليه وقال أنه من إفراد البخاري وفي هذا التعقب نظر فإن الحديث في صحيح مسلم وفيه قصة وقد اعترف الحافظ في الفتح في كتاب المظالم والغصب بأن مسلما أخرج هذا الحديث من طريق ابن عمرو وذكر القصة ( وأحاديث ) الباب فيها دليل على أنها تجوز مقاتلة من أراد أخذ مال انسان من غير فرق بين القليل والكثير إذا كان الأخذ بغير حق وهو مذهب الجمهور كما حكاه النووي والحافظ في الفتح . وقال بعض العلماء ان المقاتلة واجبة . وقال بعض المالكية لا تجوز إذا طلب الشيء الخفيف ولعل متمسك من قال بالوجوب ما في حديث أبي هريرة من الأمر بالمقاتلة والنهي عن تسليم المال إلى من رام غصبه وأما القاتل بعدم الجواز في الشيء الخفيف فعموم أحاديث الباب يرد عليه ولكنه ينبغي تقديم الأخف فالأخف فلا يعدل المدافع إلى القتل مع امكان الدفع بدونه ويدل على ذلك امره صلى الله عليه وآله وسلم بانشاد الله قبل المقاتلة وكما تدل الأحاديث المذكورة على جواز المقاتلة لمن أراد أخذ المال تدل على جواز المقاتلة لمن أراد إراقة الدم والفتنة في الدين والأهل . وحكى ابن المنذر عن الشافعي أنه قال من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله المقاتلة وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة . قال ابن المنذر والذي عليه أهل العلم ان اللرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلما تفصيل الا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للآثار الورادة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه انتهى . ويدل على لزوم القود والدية في قتل من كان على الصفة الذكورة ما ذكرنا من حديث أبي هريرة . وحمل الأوزاعي أحاديث الباب على الحالة التي للناس فيها امام وأما حالة الفرقة والأختلاف فليستسلم المبغي على نفسه او ماله ولا يقاتل أحدا قال في الفتح ويرد عليه حديث أبي هريرة عند مسلم يعني حديث الباب وأحاديث الباب مصرحة بان المقتول دون ماله ونفسه وأهله ودينه شهيد ومقاتله إذا قتل في النار لأن الأول محق والثاني مبطل : قوله " دون ماله " قال القرطبي دون في أصلها ظرف مكان بمعنى تحت وتستعمل للخلفية على المجاز ووجهه إن الذي قاتل عن ماله غالبا إنما يجعله خلفه أو تحته ثم يقال عليه اه ولكنه يشكل على هذا قوله في حديث سعيد بن زيد دون دينه دون دمه

باب في أن الدفع لا يلزم المصول عليه ولا يلزم الغير مع القدرة

1 - عن عبد الله بن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يمنع أحدكم إذا جاء من يريد قتله أن يكون مثل ابني آدم القاتل في النار والمقتول في الجنة "
- رواه أحمد

2 - وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال أفي الفتنة كسروا فيها قسيكم وقطعوا أوتاركم وأضربوا بسيوفكم الحجارة فإن دخل على أحدكم بينه فليكن كخير ابني آدم "
- رواه الخمسة إلى النسائي

3 - وعن سعد بن بي وقاص " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي قال أرأيت إن دخل على بيتي فبسط يده إلي ليقتلني قال كن كابن آدم "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي

4 - وعن سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله عز و جل على رؤوس الخلائق يوم القيامة "
- رواه أحمد

- حديث ابن عمر أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وأخرج نحوه أبو داود من حديثه بلفظ " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا أي فليمد رقبته فالقاتل في النار والمقتول في الجنة " وحديث أبي موسى أخرجه ايضا ابن حبان وصححه القسيري في الأقتراح على شرط الشيخين وقال الترمذي حسن غريب اه وفي إسناد عبد الرحمن بن ثروان تكلم فيه بعضهم ووثقه يحيى بن معين واحتج به البخاري . وحديث سعبد بن أبي وقاص حسنه الترمذي وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجال إسناده ثقات لا حسين بن عبد الرحمن الأشجعي وقد وثقه ابن حبان . وحديث سهل بن حنيف أخرجه أيضا الطبراني وفي إسناده ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات يشهد لصحته حديث البراء بن عازب عن البخاري وغيره وفيه الأمر بسبع والنهي عن سبع ومن السبع المأمور بها نصر المظلوم وحديث أبي موسى عند البخاري وغيره بلفظ " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعه بعضا " وحديث " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " أخرجه البخاري وغيره ( وفي الباب ) عن أبي بكرة بنحو حديث سعد عند أبي داود . وعن أبي هريرة بنحوه أيضا عند البخاري ومسلم . وعند ابن مسعود بنحوه عند أبي داود . وعن خريم بن فاتك بنحوه أيضا عند أبي داود . وعن أبي ذر عند أبي داود والترمذي بلفظ " قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا ذر قلت لبيك وسعديك قال كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم قلت ما خار الله لي ورسوله قال عليك بمن أنت منه قلت يا رسلول الله أفلا آخذ سيفي فاشعه على عاتقي قال شاركت القوم إذن فقلت فما تأمرني قال تلزم بيتك قلت فإن دخل على بيتي قال فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فالق ثوبك على وجهك يبوء باثمك وأثمة : وعن المقداد بن الأسود عند أبي داود قال " أيم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ثلاثا إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلى فصبر فواها التلهيف . وعن أبي بكرة غير الحديث الأول عند الشيخين وأبي داود والنسائي قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا تواجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار قال يا رسول الله هذا القائل فما بال المقتول قال إنه أراد قتل صاحبه " وعن خالد بن عرقطة عند أحمد والحاكم والطبراني وابن نافع بلفظ " ستكون بعدي فتنة واختلاف فإن استطعت أن تكون عبد الله بن المقتول لا القاتل فافعل " وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وقد أخرجه الطبراني من حديث حذيفة ومن حديث خباب . وعن أبي واقد وخرشة أشار إلى ذلك الترمذي : قوله " كسر وافيها قسيكم " قيل المراد الكسر حقيقة ليسد عن نفسه باب هذا القتال وقيل هو مجاز والمراد ترك القتال : ويؤيده الأول واضربوا بسيوفكم الحجارة قال النووي والأول أصح . قوله " القاعد فيها خير من القائم " الخ معناه بيان عظم خطر الفتنة والحث على تجنبها والهرب منها ومن التسبب في شيء من أسبابها فإن شرها وفتنها يكون على حسب التعلق بها . قوله " كن كابن آدم " يعني الذي قال لأخيه لما أراد قتله { لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا باسط يدي إليك لأقتلك } كما حكى الله ذلك في كتابه ( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل غللا مشروعية ترك المقاتلة وعدم وجوب المدافعة عن النفس والمال وقد اختلف العلماء في ذلك فقالت طائفة لا يقاتل في فتن المسلمين وإن دخلوا عليه بيته وطلبوا قتله ولا تجوز له المدافعة عن نفسه لان الطالب متأول وهذا مذهب أبي بكرة الصحابي وغيره وقال ابن عمر وعمران بن الحصين وغيرهما لا يدخل فيها لكن إن قصد دفع عن نفسه
قال النووي فهذان المذهبان متفقان على ترك الدخول في جميع فتن المسلمين . قال القرطبي اختلف السلف في ذلك فذهب سعد ابن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وغيرهم إلى أنه يجب الكف عن المقاتلة فمنم من قال يجب عليه أن يلزم بيته وقالت طائفة يجب عليه التحول عن بلد الفتنة أصلا . ومنهم من قال يترك المقاتلة حتى لو أراد لم يدفعه عن نفسه . ومنهم من قال يدافع عن نفسه وعن ماله وعن أهله وهو معذور أن قتل أو قتل وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين وكذا قال النووي وزاد أنه مذهب عامة علماء الأسلام واستدلوا بقوله تعالى { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } قال النووي وهذا هو الصحيح وتتأول الأحاديث على من لم يظهر له المحق او على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منهما قال ولو كان كما قال الأولون لظهر الفساد واستطال أهل البغي والمبطلون اه . وقال بعضهم بالتفصيل وهو أنه إذا كان القتال بين طائفتين لا إمام لهم فالقتال ممنوع يومئذ وتنزل الأحاديث من يقدر عليه فمن أعان المحق أصاب ومن أعان المخطئ أخطأ وان أشكل الأمر فهي الحالة التي ورد النهي عن القتال فيها وذهب البعض إلى أن الأحاديث وردت في حق ناس مخصوصين وإن النهي مخصوص بمن خوطب بذلك وقيل إن النهي إنما هو في آخر الزمان حيث يحصل التحقق إن المقاتلة إنما هي في طلب الملك وقد أتى هذا في حديث ابن مسعود فأخرج أيام الهرج وهو حيث لا يأمن الرجل جليسه ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور قول الله تعالى { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ونحو ذلك من الآيات والأحاديث وتؤيده أيضا الآيات والأحاديث الواردة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيأتي للمقام زيادة تحقيق في باب ما جاء في توبة القاتل من كتاب القصاص . وحديث سهل بن حنيف وما ورد في معناه يدل على أنه يجب نصر المظلوم ودفع من أراد اذلاله بوجه من الوجوه وهذا ممالا أعلم فيه خلافا وهو مندرج تحت أدلة النهي عن المنكر

باب ما جاء في كسر أواني الخمر

1 - عن أنس عن أبي طلحة " أنه قال يا رسول الله أني اشتريت خمرا لا يتام في حجري فقال أهرق الخمر واكسر الدنان "
- رواه الترمذي والدارقطني

2 - وعن ابن عمر قال " أمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن آتيه بمدية وهي الشفرة فاتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها وقال اغد علي بها ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جابت من الشام فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق تحضرته ثم أعطانيها وأمر الذين كانوا معه أن يمضوا معي ويعاونوني وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ففعلت فلم أترك في أسواقها زقا إلا شققته "
- رواه أحمد

3 - وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال " كان عبد الله يحلف بالله ان التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين حرمت الخمر أن تكسر دنانه وإن تكفأ لمن التمر الذبيب "
- رواه الدارقطني

- حديث أنس عن أبي طلحة رجال إسناده ثقات وأصله في صحيح مسلم وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أنس قال الترمذي وهو أصح . وحديث ابن عمر أشار إليه الترمذي وذكره الحافظ في الفتح وعزاه إلى أحمد كما فعل المصنف ولم يتكلم عليه وقال في مجمع الزوائد أنه رواه أحمد بإسنادين في احدهما أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط وفي الآخر أبو طعمة وقد وثقه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وبقية رجاله ثقاتز وحديث عبد الله رواه الدارقطني من طريق شيخه العباس بن العباس بن المغيرة الجوهري بإسناد رجاله ثقات وقد أشار إليه الترمذي أيضا ( وفي الباب ) عن جابر وأبي سعيد ( وأحاديث الباب ) تدل على جواز اهراق الخمر وكسر دنانها وشق ازقاقها وإن كان مالكها غير مكلف وقد ترجم البخاري في صحيحه لهذا فقال باب هل تكسر الدنان التي فيها خمر وتخرق الزقاق قال في الفتح لم يثبت الحكم لأن المعتمد فيه التفصيل فإن كان الاوعية بحيث يراق ما فيها فإذا غسلت طهرت واتتفع بها لم يجز اتلافها وإلا جاز ثم ذكر أنه أشار البخاري بالترجمة إلأى حديث أبي طلحة وابن عمر وقال إن الحديثين ان ثبتا فإنما أمر بكسر الدنان وشق الزقاق عقوبة لاصحابها وإلا فالانتفاع بها بعد تطهيرها ممكن كما دل عليه حديث سلمة المذكور في البخاري وغيره في غسل القدور التي طبخت فيها الخمر واذنه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك بعد أمره بكسرها قال ابن الجوزي أراد التغليظ عليهم في طبخهم مانهى عن أكله فلما رأى أذعانهم اقتصر على غسل الأواني وفيه رد على من زعم أن دنان الخمر لا سبيل إلى تطهيرها لما يداخلها من الخمر فإن الذي دخل القدور من الماء الذي طبخت به الخمر نظيره وقد أذن صلى الله عليه وآله وسلم في غسلها فدل على إمكان تطهيرها

كتاب الشفعة

1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفقة "
- رواه أحممد والبخاري . وفي لفظ " إنما جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشفعة " الحديث . رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه : وفي لفظ " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " رواه الترمذي وصححه

2 - وعن أبي هريرة " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قسمت الدار وحدت فلا شفعة فيها " رواه أبو داود وابن ماجه بمعناه

3 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به "
- رواه مسلم والنسائي وأبو داود

- حديث أبي هريرة رجال إسناده ثقات . قوله " قضي بالشفعة " قال في الفتح الشفعة بضم المعجمة وسكون الفاء وغلط من حركها وهي مأخوذة لغة من الشفع وهو الزوج وقيل من الزيادة وقيل من الإعانة . وفي الشرع انتقال حصة شريك إلى شريك كانت انتقلت إلى أجنبي بمثل العوض المسمى ولم يختلف العلماء في مشروعيتها إلا ما نقل عن أبي بكر الأصم من إنكارها اه . قوله " في كل ما لم يقسم " طاهر هذا العموم ثبوت الشفعة في جميع الأشياء وأنه لا فرق بين الحيوان والجماد والمنقول وغيره . وقد ذهب إلى ذلك العترة ومالك وأبو حنيفة وأصحابه
وسياتي تفصيل الخلاف في ذلك : قوله " فإذا وقعت الحدود " أي حصلت قسمة الحدود في المبيع واتضحت بالقسمة مواضعها : قوله " وصرفت " بضم الصاد وتخفيف الراء المكسورة وقيل بتشديدها أي بينت مصارفها وكأنه من التصريف والتصرف . قال ابن مالك معناه خلصت وبانت وهو مشتق من الصرف عنه الخلط فعلى هذا صرف مخفف الراء وعلى الأول أي التصريف والتصرف مشدد . قوله " فلا شفعة " استدل به من قال أن الشفعة لا تثبت إلا بالخلطة لا بالجوار وقد حكى في البحر هذا القول عن علي وعمر وعثمان وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعمنر بن عبد العزيز وربيعة ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وعبيد الله بن الحسن والإمامية وحكى في البحر أيضا عن العترة وأبي حنيفة وأصحابة والثوري وابن أبي ليلى وابن سيرين ثبوت الشفعة بالجوار وأجابوا عن حديث جابر بمن قاله أبو حاتم أن قوله " إذا وقعت الحدود " الخ مدرج من قوله ورد ذلك بأن الأصل أن كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل ورود ذلك في حديث غيره مشعر بعدم الإدراج بعدم إخراج مسلم لتلك الزيادة ويجاب عنه بأنه قد يقتصر بعض الأئمة على ذكر بعض الحديث والحكم للزيادة لا سيما وقد أخرجها مثل البخاري على أن معنى هذه الزيادة التي أدعى أهل القول الثاني ادراجها هو معنى قوله في كل ما لم يقسم ولا تفاوت إلا بكون دلالة أحدهما على هذا المعنى بالمنطوق والآخر بالمفهوم ( احتج ) أهل القول الثاني بالأحاديث الواردة في إثبات الشفعة بالجوار كحديث سمرة والشريد ابن سويدج وأبي رافع وجابر وستأتي . وأما الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة لمطلق الشريك كما في حديث جابر المذكور من قوله في كل شركة وكما في حديث عبادة بن الصامت الآتي فلا تصلح للاحتجاج بها على ثبوت الشفعة للجار إذ لا شركة بعد القسمة وقد أجاب أهل القول الأول عن الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة للجار بأن المراد بها الجار الأخص وهو الشريك المخالط لأن كل شيء قارب شيئا يقال له جار كما قيل لامرأة الرجل جارة لما بينهما من المخالطة وبهذا يندفع ما قيل أنه ليس في اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جارا . قال ابن المنير ظاهر حديث أبي رافع الآتي أنه كان يملك بيتين من جملة دار سعد لا شقصا شائعا من منزل سعد ويدل على ذلك ما ذكره عمر بن شبة أن سعدا كان اتخذ دارين بالبلاط متابلتين بينهما عشرة أذرع وكانت التي على اليمين المسجد منهما لأبي رافع فاشتراها سعد منه ثم ساق الحديث الآتي فاقتضى كلامه أن سعدا كان جارا لابي رافع قبل أن يشتري منه داره لا شريكا كذا قال الحافظ . وقال أيضا ذكر بعض الحنفية أنه يلزم الشافعية القائلين بحمل اللفظ على حقيقته ومجازه أن يقولوا بشفعة الجار لأن الجار حقيقة لأن الجار حقيقة في المجاور مجاز في الشريك . وأجيب بأن محل ذلك عند التجريد وقد قامت القرينة هنا على المجاز فاعتبر الجمع بين حديثي جابر وأبي رافع فحديث جابر صريح في اختصاص الشفعة بالشريك وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقا لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من الشريك والذين قالوا بشفعة الجوار قدموا الشريك مطلقا ثم المشارك في الشرب ثم المشارك في الطريق ثم الجار على من ليس بمجاور وأجيب بأن المفضل عليه مقدر أي الجار أحق من المشتري الذي لا جوار له . قال في القاموس الجار المجاور والذي أجرته من أن يظلم والمجير ووالمستجير والشريك في التجارة وزوج المرأة وما قرب من المنازل والمقاسم والحليف والناصر اه
( والحاصل ) أن الجار المذكور في الأحاديث الآتية إن كان يطلق على الشريك في الشيء والمجاور له بغير شركة كانت مقتضية بعمومها لثبوت الشفعة لهما جميعا وحديث جابر وأبي هريرة المذكوران يدلان على عدم ثبوت الشفعة للجار الذي لا شركة له فيخصصان عموم أحاديث الجار ولكنه يشكل على هذا الحديث الشريد بن سويد فإن قوله ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار مشعر بثبوت الشفعة لمجرد الجوار وكذلك حديث سمرة لقوله فيه " جار الدار أحق بالدار " فإن ظاهره أن الجوار المذكور جوار لا شركة فيه ويجاب بأن هذين الحديثين لا يصلحان لمعارضة ما في الصحيح على أنه يمكن الجمع بما في حديث جابر الآتي بلفظ " إذا كان طريقهما واحد " فإنه يدل على أن الجوار لا يكون مقتضيا للشفعة إلا مع اتحاد الطريق لا بمجرده ولا عذر لمن قال بحمل المطلق على المقيد من هذا أن قال بصحة هذا الحديث وقد قال بهذا أعني ثبوت الشفعة للجار مع اتحاد الطريق بعض الشافعية ويؤيده أن شرعية الشفعة إنما هي لدفع الضرر وهو إنما يحصل في الأغلب مع المخالط في الشيء المملوك أو في طريقه ولا ضرر على جار لم يشارك في أصل ولا طريق إلا نادرا واعتبار هذا النادر يستلزم ثبوت الشفعة للجار مع عدم الملاصقة لأن حصول الضرر قد يقع في نادر الحالات كحجب الشمس والإطلاع على العورات ونحوهما من الروائح الكريهة التي يتأذى بها ورفع الأصوات وسماع بعض المنكرات ولا قائل بثبوت الشفعة لمن كان كذلك والضرر النادر غير معتبر لأن الشارع علق الأحكام بالأمور الغالبة فعلى فرض أن الجار لغة لا يطلق إلا على من كان ملاصقا غير مشارك ينبغي تقييد الجوار باتحاد الطريق ومقتضاه أن تثبت الشفعة بمجرد الجوار وهو الحق وقد زعم صاحب المنار أن الأحاديث تقتضي ثبوت الشفعة للجار والشريك ولا منافاة بينها . ووجه حديث جابر بتوجيه بارد والصواب ما حررناه . قوله " في كل شركة " في مسلم وسنن أبي داود في كل شرك وهو بكسر الشين المعجمة وإسكان الراء من أشركته في البيع إذا جعلته لك شريكا ثم خفف المصدر بكسر الأول وسكون الثاني فيقال شرك وشركة كما يقال كلم وكلمة . قوله " ربعة " بفتح الراء وسكون الموحدة تأنيث ربع وهو المنزل الذي يرتبعون فيه في الربيع ثم سمى به الدار والمسكن : قوله " لا يحل له أن يبيع " الخ ظاهره أنه يجب على الشريك إذا أراد البيع أن يؤذن شريكه وقد حكى مثل ذلك القرطبي عن بعض مشايخه وقال شرح الإرشاد الحديث يقتضي أنه يحرم البيع قبل العرض على الشريك . قال ابن الرفعة ولم أظفر به عن أحد من أصحابنا ولا محيد عنه وقد قال الشافعي إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط . وقال الزركشي أنه صرح به الفارقي . قال الأذرعي أنه الذي يقتضيه نص الشافعي وحمله الجمهور من الشافعية وغيرهم على الندب وكراهة ترك الأهلام قالوا لأنه يصدق على المكروه أنه ليس بحلال وهذا إنما يتم إذا كان اسم الحلال مختصا بما كان مباحا أو مندوبا أو واجبا وهو ممنوع فإن المكروه من أقسام الحلال كما تقرر في الأصول : قوله " فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به " فيه دليل على ثبوت الشفعة للشريك الذي لم يؤذنه شريكه بالبيعع وأما إذا أعلمه الشريك بالبيع فأذن فيه فباع ثم أراد الشريك أن يأخذه بالشفعة فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة والهادوية وابن أبي ليلى والبتي وجمهور أهل العلم أن له أن يأخذه بالشفعة ولا يكون مجرد الأذن مبطلا لها . وقال الثوري والحكم وأبو عبيد وطائفة من أهل الحديث ليس له أن يأخذه بالشفعة بعد وقوع الإذن منه بالبيع وعن أحمد روايتان كالمذهبين ودليل الآخرين مفهوم الشرط فإنه يقتضي عدم ثبوت الشفعة مع الإيذان مع البائع . ودليل الأولين الأحاديث الواردة في سفعة الشريك والجار من غير تقييد وهي منطوقات لا يقاومها ذلك المفهوم ويجاب بأن المفهوم المذكور صالح لتقييد تلك المطلقات عند من عمل بمفهوم الشرط من أهل العلم والترجيح إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وقد أمكن ههنا بحمل المطلق عل المقيد

4 - وعن عبادة بن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والدور "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند ويحتج بعمومه من أثبتها للشريك فيما تضره القسمة

5 - وعن سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " جار الدار أحق بالدار من غيره "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه

6 - وعن الشريد بن سويد قال " قلت يا رسول الله أرض ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار فقال الجار أحق بسقبه ما كان "
- رواهأحمد والنسائي وابن ماجه ولابن ماجه مختصر " الشريك أحق بسقبه ما كان "

- حديث عبادة أخرجه أيضا الطبراني في الكبير وهو من رواية إسحاق عن عبادة ولم يدركه وتشهد لصحته الأحاديث الواردة في ثبوت الشفعة فما هو أعم من الأرض والدار كحديث جابر المتقدم وكحديث ابن عباس عند البيهقي مرفوعا بلفظ " الشفعة في كل شيء " ورجاله ثقات الا أنه أعل بالإرسال . وأخرج الطحاوي له شاهدا من حديث جابر بإسناد لا بأس بروايه كما قال الحافظ ويشهد لحديث عبادة أيضا الأحاديث الواردة بثبوت الشفعة في خصوص الأرض كحديث شريد بن سويد المذكور في خصوص الدار كحديث سمرة المذكور أيضا وهكذا تشهد له الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة للجار على العموم وحديث سمرة أخرجه أيضا البيهقي والطبراني والضياء وفي سماع الحسن عن سمرة مقال معروف قد تقدم التنبيه عليه ولكنه أخرج هذا الحديث أبو بكر ابن أبي خيثمة في تاريخه والطحاوي وأبو يعلى والطبراني في الأوسط والضياء عن أنس وأخرجه ابن سعد عن الشريد بن سويد بلفظ حديث سمرة المذكور وحديث الشريد بن سويد أخرجه أيضا عبد الرزاق والطيالسي والدارقطني والبيهقي قال في المعالم إن حديث الجار أحق بسقيه لم يروه أحد غير عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وتكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث قال وقد تكلم الناس في إسناد هذا الحديث واضطراب الرواة فيه فقال بعضهم عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع وقال بعضهم عن أبيه عن أبي رافع وأرسله بعضهم والأحاديث التي جاءت في نقيضه أسانيدها جياد ليس في شيء منا اضطراب : قوله " جار الدار أحق " قال في شرح السنة هذه اللفظة تستعمل فيمن لا يكون غيره أحق منه والشريك بهذه الصفة أحق من غيره وليس غيره أحق منه وقد استدل بهذا القائلون بثبوت الشفعة للجار وأجاب المانعون بأنه محمول على تعهده بالأحسان والبر بسبب قرب داره كذا قال الشافعي ولا يخفى بعده ولكنه ينبغي أن يقيد بما سيأتي من اتحاد الطريق ومقتضاه عدم ثبوت الشفعة بمجرد الجوار : قوله " أحق بسقبه " بفتح السين المهملة ويجوز فتح القاف واسكانها وهو القرب والمجاورة . وقد استدل بهذا الحديث القائلون بثبوت شفعه الجار وأجاب المانعون بما سلف قال البغوي ليس في هذا الحديث ذكر الشفعة فيحتمل أن يكون المراد به الشفعة ويحتمل أن يكون أحق بالبر والمعونة اه ولا يخفى بعد هذا الحمل لاسيما بعد قوله " ليس لأحد فيها شرك " والأولى الجواب بحمل هذا المطلق على المقيد الآتي من حديث جابر ( لا يقال ) ان نفي الشرك فيها يدل على عدم اتحاد الطريق فلا يصح تقييده بحديث جابر الآتي لانا نقول إنما الشرك عن الأرض لا عن طريقها ولو سلم عدم صحة التقييد باتحاد الطريق فأحاديث إثبات الشفعة بالجوار مخصصة بما سلف ولو فرض عدم صحة التخصيص للتصريح بنفي الشركة فهي مع مافيها من المقال لا تنتهض لمعارضة الأحاديث القاضية بنفي شفعة الجار الذي ليس بمشارك كما تقدم

7 - وعن عمرو بن الشريد قال " وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور ابن مخرمة ثم جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ياسعد ابتع مني بيتي في دارك فقال سعد والله ما أبتاعها فقال المسور والله لتبتاعنها فقال سعد والله ما أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة قال أبو رافع لقد أعطيت بها خمسمائة دينار ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الجار أحق بسقبه ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطي بها خمسمائة دينار فأعطاها أياه "
- رواه البخاري

- قوله " ابتع بيتي " بلفظ التثنية أي البيتين الكائنين في دارك . قوله " فقال المسور " في رواية ان أبا رافع سأل المسوران يساعده على ذلك . قوله " منجمة أو مقطعة " شك من الراوي والمراد مؤجله على أقساط معلومة . قوله " أربعة آلاف " في رواية للبخاري في كتاب ترك الحيل من صحيحه أربع مائة مثقال وهو يدل على أن المثقال إذ ذاك كان بعشرة دراهم والحديث فيه مشروعية العرض على الشريك وقد تقدم الكلام على ذلك وفيه أيضا ثبوت الشفعة بالجوار وقد سلف بيانه . قال المصنف رحمه الله ومعنى الخبر والله أعلم أنما هو الحث على عرض المبيع قبل البيع على الجار وتقديمه على غيره من الزبون كما فهمه الراوي فإنه أعرف بما سمع اه الربن الدفع ويطلق على بيع المزابنة وقد تقدم وعلى بيع المجهول بالمجهول من جنسه وعلى بيع المغابنة في الجنس الذي لا يجوز فيه الغبن أفاد معنى ذلك في القاموس

8 - وعن عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء عن جابر " قال قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وان كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا "
- رواه الخمسة إلا النسائي

- الحديث حسنه الترمذي قال ولانعلم أحدا روى هذا الحديث غير عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وقد تكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث وعبد الملك هو ثقة مأمون عند أهل الحديث اه وقال الشافعي نخاف أن لا يكون محفوظا وقال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال لا أعلم أحدا رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به ويروى عن جابر خلاف هذا اه قال المصنف رحمه الله تعالى وعبد الملك هذا ثقة مأمون ولكن قد أنكر عليه هذا الحديث قال شعبة سها فيه عبد الملك فإن روى حديثا مثله طرحت حديثه ثم ترك شعبة التحديث عنه وقال أحمد هذا الحديث منكر وقال ابن معين لم يروه غير عبد الملك وقد أنكروه عليه قلت ويقوى ضعفه رواية جابر الصحيحة المشهورة المذكورة في أول الباب اه ولا يخفى أنه لم يكن في شيء من كلام هؤلاء الحفاظ ما يقدح بمثله وقد احتج مسلم في صحيحه بحديث عبد الملك بن أبي سليمان وأخرج له أحاديث واستشهد به البخاري ولم يخرجا له هذا الحديث . قوله " ينتظر بها " مبني للمفعول قال ابن رسلان يحتمل انتظار الصبي بالسفعة حتى يبلغ وقد أخرج الطبراني في الصغير والأوسط عن جابر أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على شفعته حتى يدرك فإذا أدرك فإن شاء أخذ وإن شاء ترك وفي إسناده عبد الله بن بزيع : قوله " وان كان غائبا " فيه دليل على أن شفعة الغائب لا تبطل وان تراخى وظاهره انه لا يجب عليه السير متى بلغه للطلب أو البعث برسول كما قال مالك وعند الهادوية انه يجب عليه ذلك إذا كان مسافة غيبته ثلاثة أيام فما دونها وإن كانت المسافة فوق ذلك لم يجب . قوله " إذا كان طريقهما واحدا " فيه دليل على أن الجوار بمجرده لا تثبت به الشفعة بل لا بد معه من اتحاد الطريق ويؤيد هذا الأعتبار قوله في حديث جابر وأبي هريرة المتقدمين فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة . وقد أسلفنا الكلام على الشفعة بمجرد الجوار
( فائدة ) من الأحاديث الواردة في الشفعة حديث ابن عمر عند ابن ماجه والبزار بلفظ " لاشفعة لغائب ولا لصغير والشفعة كحل عقال " وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن البيلماني وله مناكير كثيرة . وقال الحافظ في إسناده ضعيف جدا وضعفه ابن عدي وقال ابن حبان لا أصل له . وقال أبو زرعة منكر . وقال البيهقي ليس بثابت وروى هذا الحديث ابن حزم عن ابن عمر أيضا بلفظ " الشفعة كحل العقال فإن قيدها مكانه ثبت حقه وإلا فاللوم عليه " وذكره عبد الحق في الأحكام عنه تعقبه ابن القطان بأنه لم يروه في المحلى ولعله في غير المحلى . وأخرج عبد الرزاق من قول شريح إنما الشفعة لمن واثبها وذكره قاسم بن ثابت في دلائله ورواه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والماوردي بلا إسناد بلفظ " الشفعة لمن واثبها " أي بادر إليها ويروى " الشفعة كنشط عقال "

كتاب اللقطة

1 - عن جابر قال " رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به "
- رواه أحمد وأبو داود

2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بتمرة في الطريق فقال لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها "
- أخرجاه . وفيه إباحة المحقرات في الحال

- حديث جابر في إسناده المغيرة بن زياد قال المنذري تكلم فيه غير واحد وفي التقريب صدوق له أوهام وفي الخلاصة وثقه وكيع وابن معين وابن عدي وغيرهم وقال أبو حاتم شيخ لا يحتج به . قوله " اللقطة " بضم اللام وفتح القاف على المشهور لا يعرف المحدثون غيره كما قال الأزهري وقال عياض لا يجوز غيره . وقال الخليل هي بسكون القاف وأما بالفتح فهو كثير الألتقاط قال الأزهري هذا الذي قاله هو القياس ولكن الذي سمع من العرب وأجمع عليه أهل اللغة والحديث الفتح وقال الزمخشري في الفائق بفتح القاف والعامة تسكنها قال في الفتح وفيها لغتان أيضا لقاطة بضم اللام ولقطة بفتحهما : قوله " واشباهه " يعني كل شيء يسير : قوله " ينتفع به " فيه دليل على جواز الأنتفاع بما يوجد في الطرقات من المحقرات لا يحتاج إلى تعريف وقيل أنه يجب التعريف بها ثلاثة ايام لما أخرجه أحمد والطبراني والبيهقي والجوزجاني واللفظ لأحمد من حديث يعلى بن مرة مرفوعا من ألتقط لقطة يسيرة حبلا أو درهما أو شبه ذلك فليعرفها ثلاثة أيام فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام زاد الطبراني فإن جاء صاحبها وإلا فليتصدق بها وفي إسناده عمر بن عبد الله بن يعلى وقد صرح جماعة بضعفه ولكنه قد أخرج له ابن خزيمة متابعة وروى عنه جماعات وزعم ابن جزم أنه مجهول وزعم هو وابن القطان أن يعلى وحكيمة التي روت هذا الحديث عن يعلى مجهولان . قال الحافظ وهو عجب منهما لأن يعلى صحابي معروف الصحبة قال ابن رسلان ينبغي أن يكون هذا الحديث معمول به لأن رجال إسناده ثقات وليس فيه معارضة للأحاديث الصحيحة بتعريف سنة لأن التعريف سنة هو الأصل المحكوم به عزيمة وتعريف الثلاث رخصة تيسيرا للملتقط لأن الملتقط اليسير والرخصة لا تعارض العزيمة بل لا تكون إلا مع بقاء حكم الأصل كما هو مقرر في الأصول ويؤيد تعريف الثلاث ما رواه عبد الرزاق عن أبي سعيد أن عليا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدينار جده في السوق فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرفه ثلاثا ففعل فلم يجد أحد يعرفه فقال كله اه وينبغي يضا أن تقيد مطلق الانتفاع المذكور في حديث الباب بالتعريف بالثلاث المذكور فلا يجوز للملتقط أن ينتفع بالحقير إلا بعد التعريف به ثلاثا حملا للمطلق على المقيد وهذا إذا لم يكن ذلك الشيء الحقير مأكولا جاز أكله ولم يجب التعريف به أصلا كالتمرة ونحوها لحديث أنس المذكور لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بين أنه لم يمنعه من كل التمرة إلا خشية أن تكون من الصدقة ولولا ذلك لأكلها وقد روى ابن أبي شيبة عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أ ها وجدت تمرة فأكلتها وقالت لا يحب الله الفساد . قال في الفتح يعني أنها لو تركتها فلم تؤخذ فتؤكل لفسدت قال وجواز الأكل هو المجزوم به عند الأكثر اه ويمكن أن يقال أنه يقيد حديث تمرة بحديث التعريف ثلاثا كما قيد به حديث الانتفاع ولكنها لم تجر للمسلمين عادة بمثل ذلك وأيضا الظاهر من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأكلتها بعد التعريف بها ثلاثا وقد اختلف أهل العلم في مقدار التعريف بالحقير فحكى في البحر عن زيد بن على والناصر والقاسمية والشافعي أن يعرف به سنة كالكثيرين وحكي عن المؤيد بالله والإمام يحيى وأصحاب أبي حنيفة أنه يعرف به ثلاثة أيام ( واجتج ) الأولون بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " عرفها سنة " قالوا ولم يفصل واحتج الآخرون بحديث يعلى بن مرة وحديث على جعلوهما مخصصين لعموم حديث التعريف سنة وهو الصواب لما سلف قال الإمام المهدي قلت الأقوى تخصيصه بمامر للحرج اه يعني تخصيص حديث السنة بحديث التعريف ثلاثا

3 - وعن عياض بن حمار قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل أو ليحفظ عفاصها ووكاءها فإن صاحبها فلا يكتم فهو أحق بها وأن لم يجيء صاحبها فهو مال الله يؤتيه من يشاء "
- رواه أحمد ومسلم

5 - وعن زيد بن خالد " قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن اللقطة الذهب والورق فقال أعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه وساله عن ضالة الإبل فقال مالك ولها دعها فإ معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها وسأله عن الشاة فقال له خذها فإنما هي لك ولأخيك أو للذئب "
- متفق عليه . ولم يقل فيه أحمد الذهب أو الورق وهو صريح في التقاط الغنم : وفي رواية " فإن جاء صاحبها فعرف عصافها وعددها ووكاءها فأعطها اياه وإلا فهي لك " رواه مسلم . وهو دليل على دخوله في ملكه وإن لم يقصد

6 - وعن أبي بن كعب في حديث اللقطة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عرفها فإن جاء أحد يخبرك بدتها ووعائها ووكائها فأعطها اياه وإلآ فاستمتع بها "
- مختصر من حديث أحمد ومسلم والترمذي . وهو دليل وجوب الدفع بالصفة

- حديث عياض بن حمار أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن حبان ولفظه " ثم لا يكتم ولا يغيب فإن جاء صاحبها فهو أحق بها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء " وفي لفظ للبيهقي " ثم لا يكتم وليعرف " ورواه الطبراني وله طرق ( وفي الباب ) عن مالك بن عمير عن أبيه أخرجه أبو موسى المديني في الذيل : قوله " فليشهد " ظاهر الأمر يدل على وجوب الأشهاد وهو أحد قولي الشافعي وبه قال أبو حنيفة وفي كيفية الاشهاد قولان أحدهما يشهد أنه وجد لقطة ولا يعلم بالعفاص ولا غيره لئلا يتوصل بذلك الكاذب إلى أخذها . والثاني يشهد على صفاتها كلها حتى إذا مات لم يتصرف فيها الوارث واشار بعض الشافعية إلى التوسط بين الوجهين فقال لا يستوعب الصفات ولكن يذكر بعضها قال النووي وهو الأصح والثاني من قولي الشافعي أنه لا يجب الأشهاد وبه قال مالك وأحمد وغيرهما قالوا وإنم يستحب احتياطا لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر به في حديث زيد بن خالد ولو كان واجبا لبينه . قوله " عفاصها " بكسر العين المهملة وتخفيف الفاء وبعد الألف صاد مهملة وهو الوعاء الذي تكون فيه النفقة جلدا كان أو غيره وقيل له العفاص أخذا من العفص وهو الثني لأن الوعاء على ما فيه . وقد وقع زوائد المسند لعبد الله بن أحمد في حديث أبي " وخرقتها " بدل عفاصها والعفاص أيضا الجلد الذي يكون على رأس القارورة وأما الذي يدخل فم القارورة من جلدا وغيره فهو الصمام بكسر الصاد المهملة فحيث يذكر العفاص مع الوعاء فالمراد الثاني وحيث يذكر العفاص مع الوكاء فالمراد به الأول كذا في الفتح . والوكاء بكسر الواو والمد الخيط الذي يشد به الوعاء التي تكون في النفقة يقال أوكيته ايكاء فهو موكأ ومن قال الوكا بالقصر فهو وهم : قوله " فلا يكتم " أي لا يجوز كتم اللقطة إذا جاء لها صاحبها وذكر من أوصافها ما يغلب الظن بصدقه . قوله " يؤتيه من يشاء " استدل به من قال أن الملتقط يملك اللقطة بعد أن يعرف بها حولا وهو أبو حنيفة لكن بشرط أن يكون فقيرا وبه قالت الهادوية واستدلوا على اشتراط الفقر بقوله في هذا الحديث فهو مال الله قالوا وما يضاف إلى الله إنما يتملكه من يستحق الصدقة وذهب الجمهور إلى أنه يجوز له أن يصرفها في نفسه بعد التعريف سواء كان غنيا أو فقيرا لإطلاق الأدلة الشاملة للغني والفقير كقوله " فاستمتع بها " وفي لفظ فهي كيل مالك . وفي لفظ فاستنفقها وفي لفظ " فهي لك " وأجابوا عن دعوى أن الأضافة تدل على الصرف إلى الفقير بأن ذلك لا دليل عليه فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله قال الله تعالى { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } قوله " لا يأوي الضالة " الخ في نسخة يؤوي وهو مضارع آوى بالمد والمراد بالضال من ليس بمهتد لأن حق الضالة أن يعرف بها فإذا أخذها من دون تعريف كان ضالا وسيأتي بقية الكلام على هذا في آخر الباب . قوله " أعرف عفاصها ووكاءها " الغرض من هذه المعرفة معرفة الآلات التي تحفظ فيها اللقطة ويلتحق بما ذكر حفظ الجنس والصفة والقدر هو الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن والزرع فيما يزرع وقد اختلفت الروايات ففي بعضها معرفة العفاص والوكاء قبل التعريف كما في الرواية المذكورة في الباب
وفي بعضها التعريف مقدم على معرفة ذلك كما في رواية للبخاري بلفظ " عرفها ثم عرف عفاصها ووكاءها " قال النووي يجمع بين الروايتين بأن يكون مأمورا بالمعرفة في حالتين فيعرف العلامات وقت الالتقاط حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها ثم يعرفها مرة أخرى بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها ليعلم قدرها وصفتها إذا جاء صاحبها بعد ذلك فردها إليه . قال الحافظ ويحتمل أن تكون ثم في الروايتين بمعنى الواو فلا تقتضي تربيبا فلا تقضي تخالفا يحتاج إلى الجمع ويقويه كون المخرج واحدا والقصة واحدة وإنما يحسن الجمع بما تقدم لوكان المخرج مختلفا أو تعددت القصة وليس الغرض الا أن يقع التعرف والتعريف مع قطع النظرعن أيهما يسبق . قال واختلف العلماء في هذه المعرفة على قولين أظهرهما الوجوب لظاهر الأمر وقيل يستحب . وقال بعضهم يجب عند الالتقاط ويستحب بعده . قوله " ثم عرفها " بتشديد الراء وكسرها أي اذكرها للناس : قال في الفتح قال العلماء محل ذلك المحافل كأبواب المساجد والأسواق ونحو ذلك يقول من ضاعت له نفقة ونحو ذلك من العبارات ولا يذكر شيئا من الصفات . قوله " سنة " الظاهر أن تكون متوالية ولكن على وجه لا يكون على جهة الاستيعاب فلا يلزمه التعريف بالليل ولا استيعاب الأيام بل على المعتاد فيعرف في الأبتداء كل يوم مرتين في طرفي النهار ثم في كل يوم مرة ثم في كل أسبوع مرة ثم في كل شهر ولا يشترط أن يعرفها بنفسه بل يجوز له توكيل غيره ويعرفها في مكان وجودها وفي غيره كذا قال العلماء وظاهره أيضا وجوب التعريف لأن الأمر يقتضي الوجوب ولا سيما وقد سمي صلى الله عليه وآله وسلم من لم يعرفها ضالا كما تقدم وفي وجوب المبادرة إلى التعريف خلاف مبناء هل الأمر يقتضي الفور أم لا وظاهره أيضا أنه لا يجب التعريف بعد السنة وبه قال الجمهور وادعى في البحر الإجماع على ذلك . ووقع في رواية من حديث أبي عند البخاري وغيره بلفظ " وجدت صرة فيها مائة دينار فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عرفها حولا فعرفتها فلم أجد من يعرفها ثم أتيته ثانيا فقال عرفها حولا فلم أجد ثم أتيته ثالثا فقال أحفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها فأستمتعت فلقيته بعد بمكة فقال لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا " هكذا في البخاري وذكر البخاري الحديث في موضع أخر من صحيحه فزاد " ثم أتيته الرابعة فقال أعرف وعاءها " الخ قال في الفتح القائل فلقيته بعد بمكة هو شعبة والذي قال لا أدري هو شيخه سلمة بن كهيل وهو الرواي لهذا الحديث عن سويد عن أبي بن كعب قال شعبة فسمعته بعد عشر سنين يقول عرفها عاما واحدا وقد بين أبو داود الطيالسي في مسنده القائل فلقيته والقائل لا أدري فقال في أخر الحديث قال شعبة فلقيت سلمة بعد ذلك فقال لا أدري ثلاثة أحوال أوحولا واحدا . وبهذا يتبين بطلان ما قاله ابن بطال ان الذي شك هو أبي بن كعب والقائل هو سويد بن غفلة وقد رواه عن شعبة عن سلمة بن كهيل بغير شك جماعة وفيه ثلاثة أحوال الا حماد بن سلمة فإن في حديثه عامين أو ثلاثة وجمع بعضهم بين حديث أبي هذا وحديث زيد بن خالد المذكور فيه سنة فقط بأن حديث أبي محمول على مزيد الورع عن التصرف في اللقطة والمبالغة في التعفف عنها . وحديث زيد على مالا بد منه وجزم ابن جزم وابن الجوزي بأن الزيادة في حديث أبي غلط
قال ابن الجوزي والذي يظهر لي أن سلمة أخطأ فيها ثم ثبت واستمر على عام واحد ولا يؤخذ إلا بما لم يشك فيه لا بما يشك فيه رواية . وقال أيضا يحتمل أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم عرف أن تعريفها لم يقع على الوجه الذي ينبغي فأمر ثانيا بإعادة التعريف كما قال للمسئ صلاته " ارجع فصل فإنك لم تصل " قال الحافظ ولا يخفى بعد هذا على مثل أبي مع كونه من فقهاء الصحابة وفضلائهم قال المنذري لم يقل أحد من أئمة الفتوى أن اللقطة تعرف ثلاثة أعوام إلا شريح عن عمر وقد حكاه الماوردي عن شواذ من الفقهاء وحكى ابن المنذر عن عمر أربعة أقوال يعرف بها ثلاثة أحوال . عاما واحدا : ثلاثة أشهر . ثلاثة أيام وزاد ابن حزم عن عمر قولا خامسا وهو أربعة أشهر قال في الفتح ويحمل ذلك على عظم اللقطة وحقارتها : قوله " فإن لم تعرف فاستنفقها " الخ قال يحيى بن سعيد الأنصاري لا أدري هذا في الحديث أم هو شيء من عند يزيد مولى المنبعث يعني الراوي عن زيد بن خالد كما حكى ذلك البخاري عن يحيى قال في الفتح شك يحيى بن سعيد هل قوله " ولتكن وديعة عنده مرفوع أم لا " وهو القدر المشار إليه بهذا دون ما قبله لثبوت ما قبله في أكثر الروايات وخلوها عن ذكر الوديعة وقد جزم يحيى بن سعيد برفعه مرة أخرى كما في صحيح مسلم بلفظ " فاستنفقها ولتكن وديعة عندك " وكذلك حزم برفعها خالد بن مخلد عن سليمان عن ربيعة عند مسلم وقد أشار البخاري إلى رجحان رفعها فترجم باب إذا جاء صاحب اللقطة ردها عليه لأنها وديعة عنده والمراد بكونها وديعة أنه يجب ردها فتجور بذكر الوديعة عن وجوب رد بدلها بعد الاستنفاق لا أنها وديعة حقيقة يجب أن تبقى عينها لأن المأذون في استنفاق لا تبقى عينه كذا قال ابن دقيق العيد قال ويحتمل أن تكون الواو في قوله ولتكن وديعة بمعنى أواى أما أن تستنفقها وتغرم بدلها وأما أن تتركها عندك على سبيل الوديعة حتى يجيء صاحبها فتعطيها اياه ويستفاد من تسميتها وديعة أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها قال في الفتح وهو اختيار البخاري تبعا لجماعة من السلف : قوله " فإن معها حذاءها وسقاءها " الحذاء كسر المهملة بعدها ذال معجمة مع المد أي خفها والمراد بالسقاء جوفها وقيل عنقها وأشار بذلك إلى استغنائها عن الحفظ لها بما ركب في طباعها من الجلادة على العطش وتناول المأكول بغير تعب لطول عنقها فلا تحتاج إلى ملتقط : قوله " لك أو لأخيك أو للذئب " فيه إشارة إلى جواز أخذها كأنه قال هي ضعيفة لعدم الاستقلال معرضة للهلاك مترددة بين أن تأخذها أنت أو أخوك قال الحافظ والمراد به ماهو أعم من صاحبها أو من ملتقط آخر
والمراد بالذئب جنس ما يأكل الشاة من السباع وفيها حث على أخذها لأنه إذا علم أنها إذا لم تؤخذ بقيت . للذئب كان ذلك أدعى له إلى أخذها وفيه رد على ما روى عن احمد في رواية إن الشاة لا تلتقط وتمسك به مالك في أنه يملكها بالأخذ ولا تلزمه غرامة ولو جاء صاحبها واحتج على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوى بين الذئب والملتقط والذئب لا غرامة عليه فكذلك الملتقط وأجيب بأن اللام ليست للتمليك لأن الذئب لا يملك وقد أجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط كان له أخذها فدل على أنها باقية على ملك صاحبها ولا فرق بين قوله في اللقطة شأنك بها أو خذها وبين قوله هي لك أو لأخيك أو للذئب بل الأول أشبه بالتمليك لأنه لم يشرك معه ذئبا ولا غيره : قوله " فإن جاء أحد يخبرك " الخ فيه دليل على أنه يجوز للملتقط أن يرد اللقطة إلى من وصفها بالعلامات المذكورة من دون إقامة البينة وبه قال المؤيد بالله والامام يحيى وبعض أصحاب الشافعي وأبو بكر الرازي الحنفي قالوا لأنه يجوز العمل بالظن لاعتماده في أكثر الشريعة إذا لا تفيد البينة إلا الظن وبه قال مالك وأحمد وحكى في البحر عن القاسمية والحنفية والشافعية أن اللقطة لا ترد للواصف وإن ظن الملتقط صدقه إذ هو مدع فلا تقبل . وحكى في الفتح عن أبي حنيفة والشافعي أنه يجوز له الرد إلى الواصف إن وقع في نفسه صدقه ولا يجبر على ذلك الا ببينة قال الخطابي إن صحت هذه الفظة يعني قوله فإن جاء صاحبها يخبرك الخ لم يجز مخالفتها وهي فائدة قوله أعرف عفاصها إلى آخره وإلا فالأحتياط مع من لم يرى الرد إلا بالبينة قال ويتأولون قوله أعرف عفاصها على أنه أمره بذلك لئلا تختلط بماله أو لتكون الدعوة فيها معلومة وذكر غيره من فوائد ذلك أيضا أن يعرف صدق المدعي من كذبه وإن فيها تنبيها على حفظ المال وغيره وهو الوعاء لأن العادة جرت بإلقائه إذا أخذت النفقة وأنه إذا نبه على حفظ الوعاء كان فيه تنبيه على حفظ النفقة من باب الأولى قال الحافظ قد صحت هذه الزيادة فتعين المصير إليها اه وهذا هو الحق فترد اللقطة لمن وصفها بالصفات التي أعتبرها الشارع وأما إذا ذكر صاحب اللقطة بعض الأوصاف دون بعض كأن يذكر العفاص دون الوكاء أو العفاص دون العدد فقد أختلف في ذلك فقيل لا شيء له إلا بمعرفة جميع الأوصاف المذكورة وقيل تدفع إليه إذا جاء ببعضها وظاهر الحديث الأول وظاهره أيضا أن مجرد الوصف يكفي ولا يحتاج إلى اليمين وهذا إذا كانت اللقطة لها عفاص ووكاء وعدد فإن كان لها البعض من ذلك فالظاهر أنه يكفي ذكره وإن لم يكن لها شيء من ذلك فلا بد من ذكر أوصاف مختصة بها تقوم مقام وصفها بالأمور التي أعتبرها الشارع
قوله " وإلا فاستمتع بها " الأمر فيه للإباحة وكذا في قوله " فاستنفقها " وقد اختلف العلماء فيما إذا تصرف الملتقط في اللقطة بعد تعريفها سنة ثم جاء صاحبها هل يضمنها له أم لا فذهب الجمهور إلى وجوب الرد إن كانت العين موجودة أو البدل إن كانت استهلكت وخالف في ذلك الكرابيسي صاحب الشافعي ووافقه صاحباه البخاري وداود بن علي امام الظاهرية لكن وافق داود الجمهور إذا كانت العين قائمة ومن أدلة قول الجمهور ماتقدم بلفظ " ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها " الخ وكذلك قوله " فإن صاحبها فلا تكتم فهو أحق بها " الخ وفي رواية للبخاري من حديث زيد بن خالد " فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها فإن جاء صاحبها فأدها " إليه أي بدلها لأن العين لا تبقى بعد أكلها وفي رواية لأبي داود " فإن جاء باغيها فأدها إليه وإلا فأعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها فإن جاء باغيها فأدها إليه " فأمر بأدائها إليه قبل الأذن في أكلها وبعده . وفي رواية لأبي داود أيضا " فإن جاء صاحبها دفعتها إليه وإلا عرفت وكاءها وعفاصها ثم أقبضها في مالك فإن جاء صاحبها فأدفعها إليه " والمراد بقوله أقبضها في مالك أجعلها من جملة مالك وهو بالقاف وكسر الباء من الإقباض . قال ابن رشد اتفق فقهاء الأمصار مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي أن له أن يتصرف فيها ثم قال مالك والشافعي له أن يتملكها وقال أبو حنيفة ليس له إلا أن يتصدق بها . وروي مثل قوله عن علي وابن عباس وجماعة من التابعين وقال الأوزاعي إن كان مالا كثيرا جعله في بيت المال وروي مثل قول مالك والشافعي عن عمر وابن مسعود وابن عمر وكلهم متفق على أنه إن أكلها ضمنها لصاحبها إلا أهل الظاهر اه . قال في البحر مسألة ولا يضمن الملتقط إجماعا إلا لتفريق أو جناية إذا هو أمين حيث لم يأخذ لغرض نفسه فإن جني أو فرط فالأكثر يضمن وداود والكرابيي لا يضمن لقوله صلى الله عليه وآله وسلم فإن جاء صاحبها الخبر ولم يذكر وجوب البدل قلنا أمر علي عليه السلام بغرامة الدينار في الخبر المشهور وخبركم محمول على من آيس من معرفة صاحبها اه
وحديث علي الذي أشار إليه أخرجه أبو داود عن بلال عن يحيى العبسي عنه أنه " التقط دينارا فاشترى به دقيقا فعرفه صاحب الدقيق فرد عليه الدينار فأخذه علي فقطع منه قيراطين فاشترى به لحما قال المنذري في سماع بلال بن يحيى من على نظر . وقال الحافظ إسناده حسن ورواه أيضا أبو داود عن أبي سعيد الخدري أن علي بن أبي طالب وجد دينارا فأتى به فاطمة فسألت عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال هو رزق الله فأكل منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأكل علي وفاطمة فلما كان بعد ذلك أتته امرأة تنشد الدينار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا علي أد الدينار " وفي إسناده رجل مجهول وأخرجه أبو داود أيضا من وجه آخر عن أبي سعيد وذكره مطولا وفي إسناده موسى بن يعقوب الزمعي وثقه ابن معين . وقال ابن عدي لا بأس به وقال النسائي ليس بالقوي وروى هذا الحديث الشافعي عن الدارا وردي عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد وزاد أنه أمره أن يعرفه ورواه عبد الرزاق من هذا الوجه فجعل أجل الدينار وشبهه ثلاثة أيام وفي إسناد هذه الزيادة أبو بكر بن أبي سبرة وهو ضعيف جدا وقد أعل البيهقي هذه الروايات لاضطرابها ولمعارضتها لأحاديث اشتراط السنة في التعريف قال ويحتمل أن يكون آثما أباح له الأكل قبل التعريف للاضطرار . وعن عبد الرحمن بن عثمان قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن لقطة الحاج . رواه أحمد ومسلم وقد سبق قوله في بلد مكة ولا يحل لقطتها إلا لمعرف واحتج بهما من قال لا تملك لقطة الحرم بحال بل تعرف أبدا . الحديث الثاني قد سبق في باب صيد الحرم وشجره من كتابا الحج : قوله " نهى عن لقطة الحاج " هذا النهي تأوله الجمهور بأن المراد به النهي عن التقاط ذلك للملك وأما للإنشاد بها فلا بأس ويدل على ذلك قوله في الحديث الآخر " ولا تحل لقطتها إلا لمعرف " وفي لفظ آخر " ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد " قوله " إلا لمعرف " قد استشكل تخصيص لقطة الحاج بمثل هذا مع أن التعريف لا بد منه في كل لقطة من غير فرق بين لقطة الحاج وغيره وأجيب عن هذا الإشكال بأن المعنى أن لقطة الحاج لا تحل إلا لمن يريد التعريف فقط من دون تملك فأما من أراد أن يعرفها ثم أن يتملكها فلا . وقد ذهب الجمهور إلى أن لقطة مكة لا تلتقط للتملك بل للتعريف خاصة . قال في الفتح وإنما اختصت بذلك عندهم لا مكان إيصالها إلى أربابها لافها إن كانت للمكي فظاهر وإن كانت للآفاق فلا يخلوا أفق غالبها من وارد إليها فإذا عرفها واجدها في كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها قال ابن بطال وقال أكثر المالكية وبعض الشافعية هي كغيرها من البلاد وإنما تختص مكة بالمبالغة في التعريف بأن الحاج يرجع إلى بلده وقد لا يعود فاحتاج الملتقط لها إلى المبالغة في التعريف واحتج ابن منير لمذهبه بظاهر الاستثناء لأنه نفى الحل واستثنى المنشد فدل على أن الحل ثابت للمنشد لأن الاستثناء من النفي إثبات قال ويلزم على هذا أن مكة وغيرها سواء والسياق يقتضي تخصيصها قال الحافظ والجواب أن التخصيص إذا وافق الغالب لم يكن له مفهوم والغالب إن لقطة مكة بيأس ملتقطها من صاحبها وصاحبها من وجدانها لتفرق الخلق في الآفاق البعيدة فربما داخل الملتقط الطمع في تملكها من أول وهلة ولا يعرفها فنهى الشارع عن ذلك وأمر أن لا يأخذها الا من عرفها . وقال إسحاق بن راهوية معنى قوله في الحدث " الا لمنشد " أي من سمع ناشدا يقول من رأى كذا فحينئذ يجوز لواجد اللقطة أن يرفعها ليردها على صاحبها وهو أضيق من قول الجمهور لانه قيده بحالة للمعروف دون حالة ويرد عليه قوله الا لمعرف والحديث يفسر بعضه بعضا . وقد حكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه وأحد قولي الشافعي أنه لافرق بين لقطة الحرم وغيره واحتج لهم بأن الأدلة لم تفصل

7 - وعن منذر بن جرير " قال كنت مع أبي جرير بالبوازيج في السواد فراحت البقر فرأى بقرة أنكرها فقال ما هذه البقرة قالوا بقرة لحقت بالبقر فأمر بها فطردت حتى توارت ثم قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يأوي الضالة الا ضال "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . ولمالك في الموطأ عن ابن شهاب قال " كانت ضوال الأبل في زمن عمر بن الخطاب ابلا مؤبلة تتناتج لا يمسكها أحد حتى إذا كان عثمان أمر بمعرفتها ثم تباع فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها "

- حديث منذر أخرجه أيضا النسائي وأبو يعلى والطبراني في الكبير والضياء في المختارة ويشهد له ما في صحيح مسلم من حديث زيد بن خالد بلفظ " لا يأوي الضالة الا ضال " وقد تقدم : قوله " عن منذر بن جرير " يعني ابن عبد الله البجلي . وقد أخرج لمنذر مسلم في الزكاة والعلم من صحيحه . قوله " بالبوازيج " بفتح الباء الموحدة وبعد الألف زاي معجمة بعدها تحتية ثم جيم كذا ضبطه البكري في معجم البلدان ثم قال كذا اتفقت الروايات فيه عند أبي داود قال ولا أعلم هذا الاسم ورد الا في هذا الحديث وصوابه عندي الموازج بالميم وهو المحفوظ قال والموائج من ديار هذيل وهي متصلة بنواحي المدينة . وقال ابن السمعاني بوازيج بالباء الموحدة وبعد الالف زاي بلدة قديمة فوق بغداد خرج منها جماعة من العلماء قديما وحديثاه . وقال المنذري بوازيج الأنبار فتحها جرير بن عبد الله وبها قوم من مواليه وليست بوازيج الملك التي بين تكريت واربل . قوله " لا يأوي الضالة " الخ قد تقدم ضبطه وتفسيره والمراد بالضالة هنا ما يحمي نفسه من الأبل والبقر ويقدر على الأبعاد في طلب المرعى والماء بخلاف الغنم فالحيوان الممتنع من صغار السباع لا يجوز التقاطه سواء كان لكبر جثته كالأبل والخيل والبقر أو يمنع نفسه بطيرانه كالطيور المملوكة أن بنابه كالفهود ولا يجوز لغير الامام ونائبه أخذها ويمكن أن يقيد مطلق هذا الحديث بما تقدم في حديث زيد بن خالد لقوله فيه مالم يعرفها ويكون وصف الذي يأوي الضالة بالضلال مقيدا بعدم التعريف وأما التقاط الأبل ونحوها فقد استفيد المنع منه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " مالك ولها دعها " . قوله " مؤبلة " كمعظمة أي كثيرة متخذة للقنية . وفي هذا الأثر جواز التقاط الأبل للامام وجواز بيعها وإذا جاء مالكها ذفع إليه الامام ثمنها

كتاب الهبة والهدية

باب افتقارها إلى القبول والقبض وأنه على ما يتعارفه الناس

1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال لو دعيت إلى كراع أو ذراع لاجبت ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت "
- رواه البخاري

2 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لوأهدى إلي كراع لقبلت ولو دعيت عليه لاجبت "
- رواه أحمد والترمذي وصححه

- في الباب عن أم حكيم الخزاعية عند الطبراني قالت " قلت يا رسول الله تكره رد اللطف قال ما أقبحه لو أهدى إلى كراع لقبلت " قال في القاموس اللطف بالتحريك اليسير من الطعام : قوله " كتاب الهبة " بكسر الهاء وتخفيف الموحدة قال في الفتح تطلق بالمعنى الأعم على الأنواع الأبراء وهو هبة الدين ممن هو عليه والصدقة وهي هبة ما يتمحض به طلب ثواب الآخرة والهدية وهي ما يلزم به المرهون له عوعوضه ومن خصها بالحياة اخرج الوصية وهي تكون إيضا بالأنواع الثلاثة وتطلق الهبة بالمعنى الأخص على ما لا يقصد له بدل وعليه ينطبق قول من عرف الهبة بأنها تمليك للا عوض اه : قوله " والهدية " بفتح الهاء وكسر الدال المهملة بعدها ياء مشددة ثم تاء تأنيث قال في القاموس الهدية كغنيمة ما أتحف به : قوله " إلى كراع " هو ما دون الكعب من الدابة . وقيل هو اسم مكان قال الحافظ ولا يثبت ويرده حديث أنس وحديث أم حكيم المذكوران وخص الكراع والذراع بالذكر ليجمع بين الحقير والخطير لأن الذراع كانت أحب إليه من غيرها والكراع لا قيمة له وفي المثل اعط العبد كراعا يطلب ذراعا هكذا في الفتح والظاهر أن مراده صلى الله عليه وآله وسلم الحض على إجابة الدعوة ولو كانت إلى شيء حقير كالكراع والذراع وعلى قبول الهدية ولو كانت شيئا حقيرا من كراع أو ذراع وليس المراد الجمع بين الحقير وخطير فإن الذراع لا يعد على الإنفراد خطيرا ولم تجر عادة بالدعوة إليه ولا بإهدائه فالكلام من باب الجمع بين حقيرين وكون أحدهما أحقر من الآخر لا يقدح في ذلك ومحبته صلى الله عليه وآله وسلم للذراع لا يستلزم أن تكون في نفسها خطيرة ولا سيما في خصوص هذا المقام ولو كان ذلك مرادا له صلى الله عليه وآله وسلم لقابل الكراع الذي هو أحقر ما يهدي ويدعي إليه بأخطر ما يهدي ويدعى إليه الشاة وما فوقها ولا شك أن مراده صلى الله عليه وآله وسلم الترغيب في إجابة الدعوة وقبول الهدية وإن كانت إلى أمر حقير وفي شيء يسير . وقد ترجم البخاري لهذا الحديث فقال باب القليل من الهدية وفي الحديثين المذكورين دليل على اعتبار القبول لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لقبلت وسيأتي الخلاف في ذلك

3 - وعن خالد بن عدي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف ولا مسألة فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه "
- رواه أحمد

4 - وعن عبد الله بن بسر قال " كانت أختي ربما تبعثني بالشيء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تطرفه إياه فيقبله مني " . وفي لفظ " كانت تبعثني إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالهدية فيقبلها "
- رواهما أحمد وهو دليل على قبول الهدية برسالة الصبي لأن عبد الله بن بسر كان كذلك مدة حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

5 - وعن أم كلثوم بنت أبي سلمة قالت " لما تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم سلمة قال لها إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وألقي من مسك ولا ارى النجاشي إلا قد مات ولا أرى هديتي إلا مردودة فإن ردت علي فهيلك قالت وكان كمل قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وردت عليه هديته فأعطى كل إمرأة من نسائه أوقية مسك وأعطى أن سلمة بقية المسك والحلة "
- رواه أحمد
حديث خالد بني عدي قد تقدم في باب ما جاء في الفقير والمسكين من كتاب الزكاة وأعاده المصنف ههنا للاستدلال به على أن الهدية تفتقر إلى القبول لقوله فيه فليقبله . وحديث عبد الله بن بسر أخرجه أيضا الطبراني في الكبير قال في مجمع الزوائد ورجالهما يعني أحمد والطبراني رجال الصحيح وله حديث آخر أخرجه الطبراني في الكبير وفي إسناده الحكم بن الوليد ذكره ابن عدي في الكامل وذكر له هذا الحديث وقال لا أعرف هذا عن عبد الله بن بسر إلا الحكم هكذا هذا معنى كلامه قال في مجمع الزوائد وبقية رجاله ثقات . وحديث أم كلثوم أخرجه أيضا الطبراني وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي وثقه ابن معين وغيره وضعفه جماعة . وفي إسناده أيضا أم موسى بنت عقبة قال في مجمع الزوائد لا أعرفها وبقية رجاله رجال الصحيح . قوله في حديث خالد فليقبله فيه الأمر بقبول الهدية والهبة ونحوهما من الأخ في الدين لأخيه والنهي عن الرد لما في ذلك من جلب الوحشة وتنافر الخواطر فإن التهادي من الأسباب المؤثرة للمحبة لما أخرجه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي وابن طاهر في مسند الشهاب من حديث محمد بن بكير عن ضمام بن إسماعيل عن موسى بن وردان عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم " تهادوا تحابوا " قال الحافظ وإسناده حسن وقد اختلف فيه على ضمام فقيل عنه عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمر أورده ابن طاهر ورواه في مسند الشهاب من حديث عائشة بلفظ " تهادوا تزادوا حبا " وفي إسناده محمد بن سليمان قال ابن طاهر لا أعرفه وأورده أيضا من وجه آخر عن أم حكيم بنت وداع الخزاعية وقال اسناده غريب وليس بحجة وروى مالك في الموطأ عن عطاء الخراساني رفعه " تصافحوا يذهب الغل وتهادوا وتحابوا وتذهب الشحناء " وفي الأوسط للطبراني من حديث عائشة " تهادوا تحابوا وهاجروا تورثوا أولادكم مجدا واقيلوا الكرام عثراتكم " قال الحافظ وفي إسناده نظر وأخرج في الشهاب عن عائشة " تهادوا فإن الهدية تذهب الضغائن " ومداره على محمد بن عبد النور عن أبي يوسف الأعشى عن هشام عن أبيه عنها والراوي له عن محمد هو أحمد بن الحسن المقري قال الدارقطني ليس بثقة وقال ابن طاهر لا أصل له عن هشام ورواه ابن حبان في الضعفاء من طريق بكر بن بكار عن عائذ بن شريح عن أنس بلفظ " تهادوا فإن الهدية قلت أو كثرت تذهب السخيمة " وضعفه بعائذ قال ابن طاهر تفرد به عائذ وقد رواه عنه جماعة قال ورواه كوثر بن حكيم عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وكوثر متروك وروى الترمذي من حديث أبي هريرة " تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر " وفي إسناده أبو معشر المدني تفرد به وهو ضعيف ورواه ابن طاهر في أحاديث الشهاب من طريق عصمة بن مالك بلفظ " الهدية تذهب بالسمع والبصر " ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمر بلفظ " تهادوا فإن الهدية تذهب الغل " رواه محمد ابن غيزغة وقال لا يجوز الأحتجاج به قال في البخاري منكر الحديث وروى أبو موسى المديني في الذيل في ترجمة زعبل بالزاي والعين المهملة والباء الموحدة يرفعه " تزاوروا وتهادوا فإن الزيارة تثبت الوداد والهدية تذهب السخيمة " قال الحافظ وهو مرسل وليس لزعبل صحبة : قوله " فإنما هو رزق ساقه الله إليه " فيه دليل على أن الأشياء الواصلة إلى العباد على أيدي بعضهم هي من الأرزاق الألهية لمن وصلت إليه وإنما جعلها الله جارية على أيدي العباد لاثابة من جعلها على يده فالمحمود على جميع ما كان من هذا القبيل هو الله تعالى : قوله " تطرفه اياه " بالطاء المهملة والراء بعدها فاء . قال في القاموس الطرفة بالضم : الاسم من الطريف والطارف والمطرف للمال المستحدث . قال والغريب من الثمر وغيره
قوله " فيقبلها " فيه دليل على اعتبار القبول ولأجل ذلك ذكره المصنف وكذلك حديث أم كلثوم فيه دليل على أيضا على اعتبار القبول لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قبض الهدية التي بعث بها إلى النجاشي بعد رجوعها دل ذلك على أن الهدية لا تملك بمجرد الأهداء بل لابد من القبول ولوكانت ثملك بمجرد ذلك لما قبضها صلى الله عليه وآله وسلم لأنها قد صارت ملكا للنجاشي عند بعثه صلى الله عليه وآله وسلم بها فإذا مات بعد ذلك وقبل وصولها إليه صارت لورثته وإلى اعتبار القبول في الهبة ذهب الشافعي ومالك والناصر والهادوية والمؤيد بالله في أحد قوليه وذهب بعض الحنفية والمؤيد بالله في أحد قوليه إلى أن الأيجاب كاف وقد تمسك بحديث أم كلثوم أحمد وإسحاق فقالا في الهدية التي مات من أهديت إليه قبل وصولها إن كان حاملها رسول المهدي رجعت إليه وإن كان حاملها رسول المهدي إليه فهي لورثته وذهب الجمهور إلى أن الهدية لا تنتقل إلى المهدى إليه الا بأن يقبضها هو أو وكيله . وقال الحسن أيهما مات فهي لورثة المهدى له إذا قبضها الرسول . قال ابن بطال وقول مالك كقول الحسن . وروى البخاري عن أبي عبيدة تفصيلا بين أن تكون الهدية قد انفصلت أم لا مصيرا منه إلى أن قبض الرسول يقوم مقام قبض المهدى إليه . وحديث أم كلثوم هذا أخرجه أيضا الطبراني والحاكم وحسن صاحب الفتح إسناده : قوله " ولا أرى النجاشي الا قد مات " قد سبق في صلاة الجنازة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعلم أصحابه بموت النجاشي على جهة الجزم وصلى هو وهم عليه وتقدم أنه رفع له نعشه حتى شاهده وكل ذلك يخالف ما وقع من تظننه صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الرواية

6 - وعن أنس قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمال من البحرين فقال انثروه في المسجد وكان أكثر مال أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاءه العباس فقال يا رسول الله اعطني فأني فاديت نفسي وعقيلا قال خذ فحثى في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه إلى قال لا قال ارفعه أنت على قال لا فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يرفعه قال مر بعضهم يرفعه على قال لا قال ارفعه أنت على قال لا فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق فما زال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتبعه وبصره حتى خفي علينا عجبا من حرصه فما قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وثم منها درهم "
- رواه البخاري وهو دليل على جواز التفضيل في ذوي القربى وغيرهم وترك تخميس الفيء وأنه متى كان في الفنيمة ذو رحم لبعض الغانمين لم يعتق عليه

7 - وعن عائشة " أن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغاية فلما حضرته الوفاة قال يا بنية أني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا ولو كنت جددته واخترثته كان لك وإنما هو اليوم مال وارث فاقتسموه على كتاب الله "
- رواه مالك في الموطأ

- حديث عائشة رواه مالك من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة . وروى البيهقي من طريق ابن وهب عن مالك وغيره عن ابن شهاب . وعن حنظلة بن أبي سفيان عن القاسم بن محمد نحوه : قوله " بمال من البحرين " روى ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال مرسلا أنه كان مائة ألف وأنه أرسل به العلاءبن الحضرمي من خراج البحرين قال وهو أول خراج حمل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروى البخاري في المغازي من حديث عمرو بن عوف إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وبعث أبا عبيدة بن الجراح إليهم فقدم أبو عبيدة بمال فسمعت الأنصار بقدومه الحديث فيستفاد منه تعيين الآتي بالمال لكن في كتاب الردة للواقدي أن رسول العلاء بن الحضرمي بالمال هو العلاء بن حارثة الثقفي فلعله كان رفيق أبي عبيدة . وأحاديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له قد جاء مال البحرين أعطيتك " وفيه " فلم يقدم مال البحرين حتى مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الحديث فهو صحيح والمراد به أنه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان مال خراج أو جزية فكان يقدم في كل سنة : قوله " انثروه " أي صبوه : قوله " وفاديت عقيلا " أي ابن أبي طالب وكان أسر مع عمه العباس في غزوة البدر ويقال إنه أسر معهما الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب وأن العباس افتداه أيضا وقد ذكر بن إسحاق كيفية ذلك . قوله " فحثى " بمهملة ثم مثلثة مفتوحة والضمير في ثوبه يعود على العباس . قوله " يقله " بضم أوله من الاقلال وهو الرفع والحمل . قوله " مر بعضهم " بضم الميم وسكون الراء وفي رواية أؤمر بالهمز : قوله " يرفع " بالجزم لأنه جواب الأمر ويجوز الرفع أي فهو يرفعه والكاهل بين الكتفين : قوله " يتبعه " بضم أوله من الأتباع . قوله " وثم منها درهم " بفتح المثلثة أي هناك وفي هذا الحديث بين كرم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعدم التفاته إلى المال قل أو كثر وإن الإمام ينبفي له ان يفرق مال المصالح في مستحقيها وأنه يجوز للامام أن يضع في المسجد ما يشترك فيه المسلمون من صدقة ونحوها . واستدل به ابن بطال على جواز إعطاء بعض الاصناف من الزكاة . قال الحافظ ولا دلالة فيه لأن المال لم يكن من الزكاة وعلى تقدير كونه فالعباس ليس من أهل الزكاة ( فإن قيل ) إنما أعطاه من سهم الغارمين كما أشار إليه الكرماني فقد تعقب ولكن الحق إن المال المذكور كان من الخراج أو الجزية وهما من مال المصالح انتهى . قوله " لم يعتق عليه " يريد أن العباس وعقيلا قد كان غنمهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون وهما رحمان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولعلي رضي الله عنه ولم يعتقا وسيأتي ما يدل على أن هذا مراد المصنف رحمه الله في كتاب العتق في باب ما جاء فيمن ملك ذارحم محرم ولا يظهر لذكر هذا الحديث في هذا الموضع وجه مناسبة فإن المصنف ترجم لافتقار الهبة إلى القبول والقبض وأنه على ما يتعارفه الناس فإن أراد أن قبض العباس قام مقام القبول فغير طاهر لأن تقدم سؤاله يقوم مقامه على أن المال المذكور في الحديث لم يكن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يكون الدفع منه إلى العباس وإلى غيره من باب الهبة بد هو من مال الخراج أو الجزية كم عرفت والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما تولى قسمته بين مصارفه . قوله " جاد عشرين وسقا " بجيم وبعد الألف دال مهملة مشددة أي أعطاها مالا يجد عشرين وسقا والمراد أنه يحصل من ثمرته ذلك والجد صرام النخل وهذا الأثر يدل على أن الهبة إنما تملك بالقبض لقوله " لو كنت جددته واحترثته كان لك " وذلك لأن قبض الثمرة يكون بالجداد وقبض الأرض بالحرث . وقد نقل ابن بطال اتفاق العلماء أن القبض في الهبة هو غاية القبول قال الحافظ وغفل عن مذهب فإن الشافعية يشترطون القبول في الهبة دون الهدية

باب ما جاء من قبول هدايا الكفار والأهداء لهم

1 - عن علي رضي الله عنه قال " أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقبل منه وأهدى له قيصر فقبل واهدت به الملوك فقبل منها "
- رواه أحمد والترمذي

2 - وفي حديث عن بلال المؤذن قال " انطلقت حتى أتيته يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا أربع وكائب مناخات عليهن أحمالهن فأستأذنت فقال لي أبشر فقد جاءك الله بقضائك قال ألم تر الركائب المناخات الأربع فقلت بلى فقال إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة طعام اهداهن إلى عظيم فدك فأقبضهن واقض دينك ففعلت "
- مختصر لأبي داود

- حديث علي أخرجه أيضا البزار وأورده في التلخيص ولم يتكلم عليه ولم يذكره صاحب مجمع الزوائد في باب هدايا الكفار وقد حسنه الترمذي وفي إسناده نوير بن أبي فاختة وهو ضعيف . وحديث بلال سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وهوحديث طويل أورده أبو داود في باب الامام يقبل هدايا المشركين من كتاب الخراج وفيه " ان بلالا كان يتولى نفقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان إذا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم انسان مسلما عاريا يأمر بلالا أن يستقرض له البرد حتى لزمته ديون فقضاها عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأربع الركائب وما عليها ( وفي الباب ) عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي عند النسائي قال لما قدم وفد ثقيف قدموا معهم بهدية فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهدية أم صدقة فإن كانت هدية فإنما ينبغي بها وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقضاء الحاجة وإن كانت صدقة فإنما ينبغي بها وجه الله قالوا الأبل هدية فقبلها منهم . وعن أنس عند الشيخين " إن أكيدر دومة أهدى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبة سندس " . ولأبي داود أن ملك الروم " أهدى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستقة سندس فلبسها " الحديث . والمستقة بضم الفوقانية وفتحها الفروة الطويلة الكمين وجمعها مساتق . وعن أنس أيضا عند أبي داود أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيرا فقبلها . وعن علي أيضا عند الشيخين إن أكيدر دومة الجندل أهدى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثوب حرير فأعطاه عليا فقال شققه خمرا بين الفواطم . وعن أبي حميد الساعدي عند البخاري قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبوك وأهدى ابن العلماء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بردا وكتب له ببحرهم وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاحب ايلة كتاب وأهدى إليه بغلة بيضاء . الحديث وفي مسلم أهدى فروة الجذامى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغلة بيضاء ركبها يوم حنين . وعن بريدة عند إبراهيم الحربي وابن خزيمة وابن أبي عاصم ان أمير القبط أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاريتين وبغلى فكان يركب البغلة بالمدينة وأخذ إحدى الجاريتين لنفسه فولدت له إبراهيم ووهب الأخرى لحسان وفي كتاب الهدايا لأبراهيم الحربي أهدى يوحنا ابن رؤبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغلته البيضاء . وعن أنس أيضا عند البخاري وغيره أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشاة مسمومة فأكل منها الحديث . والأحاديث المذكورة في الباب تدل على جواز قبول الهدية من الكافر ويعارضها حديث عياض بن حمال الآتي وسيأتي الجمع بينها وبين ==

10.   مجلد 10. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار  محمد بن علي بن محمد الشوكاني

3 - وعن أسماء بنت أبي بكر " قالت أتتني أمي راغبة في عهد قريش وهي مشركة فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصلها قال نعم "
- متفق عليه زاد البخاري . قال ابن عيينة " فأنزل الله فيها لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين " ومعني راغبة أي طامعة تسألني شيئا

4 - وعن عامر بن عبد الله بن الزبير " قال قدمت قتيلة ابنة عبد العزي بن سعد على ابنتها أسماء بهدايا ضباب واقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين إلى آخر الآية فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها "
- رواه أحمد

- حديث عامر بن عبد الله بن الزبير ذكره المصنف هكذا مرسلا ولم يقبل عن أبيه وقد أخرجه ابن سعد وأبو داود الطيالسي والحاكم من حديث عبد الله بن الزبير وأخرجه أيضا الطبراني كأحمد وفي إسنادهما مصعب بن ثابت ضعفه أحمد وغيره ووثقه ابن حبان : قوله " أتتني أمي " في رواية للبخاري في الأدب مع ابنها وذكر الزبير إن اسم ابنها المذكور الحرث بن مدرك بن عبيد بن عمر بن محروم : قوله " راغبة " اختلف في تفسيره فقيل ما ذكره المصنف من أنها راغبة في شيء تأخذه من بنتها وهي على شركها وقيل راغبة في الاسلام وتعقب بأن الرغبة لوكانت في الإسلام لم يحتج إلى الأستئذان . وقيل معناه راغبة عن ديني وقيل راغبة في القرب مني ومجاورتي ووقع في رواية لأبي داود راغمة بالميم أي كارهة للاسلام ولم تقدم مهاجرة . قوله " قال نعم " فيه دليل على جواز الهدية للقريب الكافر والآية المذكورة تدل على جواز الهدية للكافر مطلقا من القريب وغيره ولامنافاة ما بين ذلك وما بين قوله تعالى { لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل والآية المذكورة خاصة بمن لم يقاتل وأيضا البر والصلة والإحسان لا تستلزم التحاب والتواد المنهى عنه ومن الأدلة القاضية بالجواز قوله تعالى { وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلاتطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا } ومنها أيضا حديث ابن عمر عند البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كسا عمر حلة فأرسل بها إلى أخ له م أهل مكة قبل أن يسلم : قوله " قال ابن عيينة " الخ لا ينافي هذا ما رواه ابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في ناس من المشركين كانوا الين جانبا للمسلمين وأحسن أخلاقا من سائر الكفار لأن السبب خاص واللفظ عام فيتناول كل من كان في معنى والدة أسماء كذا قال الحافظ ولا يخفى ما فيه لأن محل الخلاف تعيين سبب النزول وعموم اللفظ لا يرفعه وقيل إن هذه الآية منسوخة بالأمر بقتل المشركين حيث وجدوا : قوله " قتيلة " بضم القاف وفتح الفوقية وسكون التحتية مصغرا ووقع عند الزبيري بن بكار أن اسمها قيلة بفتح القاف وسكون التحتية وضبطه ابن ماكولا بسكون الفوقية : قوله " ضباب واقط " في رواية غير احمد زبيب وسمن وقرظ . ووفع في نسخة من هذا الكتاب قرظ مكان اقط . قوله " فأمرها أن تقبل هديتها " الخ فيه دليل على جواز قبول هدية المشرك كما دلت على ذلك الأحاديث السالفة وعلى جواز إنزاله منازل المسلمين

5 - وعن عياض بن حمار " أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هدية أو ناقة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسلمت قال لا قال أني نهيت عن زيد المشركين "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه

- الحديث صححه أيضا ابن خزيمة . وفي الباب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عند موسى بن عقبة في المغازي أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مشرك فأهدي له فقال اني لا أقبل هدية مشرك . الحديث قال في الفتح رجاله ثقات الا أنه مرسل وقد وصله بعضهم ولا يصح قوله " زبد المشركين " بفتح الزاي وسكون الموحدة بعدها دال . قال في الفتح هو الرقد انتهى يقال زبده بالكسر وأما بزبده بالضم فهو اطعام الزبد قال الخطابي يشبه ان يكون هذا الحديث منسوخا لانه صلى الله عليه وآله وسلم قد قبل هدية غير واحد من المشركين وقيل إنما ردها ليغيظه فيحمله ذلك على الاسلام وقيل ردها لان للهدية موضعا من القلب ولا يجوز أن يميل إليه بقلبه فردها قطعا لسبب الميل وليس مناقضا لقبول هدية النجاشي وأدكيدر دومة والمقوقس لأنهم أهل كتاب كذا في النهاية وجمع الطبراني بين الأحاديث فقال الامتناع فيما أهدى له خاصة والقبول فيما أهدى للمسلمين وفيه نظر لأن من جملة أدلة الجواز السابقة ما وقعت الهدية فيه له صلى الله عليه وآله وسلم خاصة وجمع غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة والقبول في حق من يرجى ذلك تأنيسه وتأليفه على الأسلام قال الحافظ وهذا أقوى من الذي قبله وقيل يمتنع ذلك لغيره من الأمراء ويجوز له خاصة . وقال بعضهم أن أحاديث الجواز منسوخة بحديث الباب عكس ماتقدم عن الخطابي ولا يخفى أن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال وكذا الأختصاص وقد أورد البخاري في صحيحه حديثا استنبط منه جواز قبول هدية الوثني ذكره في باب قبول الهدية من المشركين من كتاب الهبة والهدية . قال الحافظ في الفتح وفيه فساد قول من حمل الهدية على الوثنى دون الكتابي وذلك . لأن الواهب المذكور في ذلك الحديث وثني

باب الثواب على الهدية والهبة

1 - عن عائشة قالت " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي

2 - وعن ابن عباس " أن أعرابيا وهب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هبة فأثابه عليها قال رضيت قال لا فزاده قال أرضيت قال فلا فزاده قال أرضيت قال لا فزاده قال أرضيت قال نعم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقد هممت ألا أتهب هبة الا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي "
- رواه أحمد

- حديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه . وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح وأخرجه أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة بنحوه وطوله الترمذي ورواه من وجه آخر وبين أن الثواب كان ست بكرات وكذا رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم : قوله " ويثيب عليها " أي يعطي المهدي بدلها والمراد بالثواب المجازات وافله ما يساوي قيمة الهدية ولفظا ابن أبي شيبة ويثيب ما هو خير منها وقد أمل حديث عائشة المذكور بالأرسال قال البخاري لم يذكر وكيع ومحاضر عن هشام عن أبيه عن عائشة وفيه اشارة إلى أن عيسى بن يونس تفرد بوصله عن هشام وقال الترمذي والبزار لانعرفه الا من حديث عيسى بن يونس وقال أبو داود تفرد بوصله عيسى بن يونس وهو عند الناس مرسل انتهى . وقد استدل بعض المالكية بهذا الحديث على وجوب المكافأة على الهدية . إذا اطلق المهدي وكان ممن مثله يطلب الثواب كالفقير للغني بخلاف ما يهبه الأعلى للأدنى . ووجه الدلالة منه مواضبته صلى الله عليه وآله وسلم ومن حيث المعنى إن الذي أهدى قصد أن يعطي أكثر مما أهدي فلا أقل أن يعوض بنظير هديته وبه قال الشافعي في القديم والهادوية ويجاب بأن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب ولو وقعت المواهبة كما تقرر في الأصول وذهبت الحنفية والشافعي في الجديد إن الهبة للثواب باطلة لا تنعقد لأنها بيع مجهول ولأن موضع الهبة التبرع : قوله " الا من قرشي " الخ لفظ أبي داود " وايم الله لا أقيل هدية بعد يومي هذا من أحد الا أن يكون مهاجريا أو قرشيا أو أنصاريا أو روسيا أو ثقفيا " وسبب همه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة قال " أهدى رجل من فزارة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ناقة من أبله فعوضه منها بعض العوض فتسخطه فسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر أن رجالا من العرب يهدى أحدهم الهدية فأعوضه عنها بقدر ماعندي فيظل يسخط علي " الحديث وقد كان بعض أهل العلم والفضل يمتنع هو وأصحابه من قبول الهدية من أحد أصلا لا من صديق ولا من قريب ولاغيرهما وذلك لفساد النيات في هذا الزمان حكى ذلك ابن رسلان

باب التعديل بين الأولاد في العطية والنهي أن يرجع أحد في عطيته إلا الوالد

1 - عن النعمان بن بشير قال " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي

2 - وعن جابر قال " قالت امرأة بشير انحل ابني غلاما وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن ابنة فلان سألتني أن انحل ابنها غلامي فقال له أخوة قال نعم قال فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته قال لا قال فليس يصلح هذا وأني لا أشهد إلا على حق "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود ورواه أحمد من حديث النعمان بن بشير وقال فيه " لا تشهدني على جور أن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم "

3 - وعن النعمان بن بشير " أن أباه أتى به رسول الله فقال اني نحلته ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا فقال فارجعه "
- متفق عليه ولفظ مسلم قال " تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانطلق أبي إليه يشهده علي صدقتي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفعلت هذا بولدك كلهم قال لا فقال اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي في تلك الصدقة " وللبخاري مثله لكن ذكره بلفظ العطية لا بلفظ الصدقة

- حديث النعمان بن بشير الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات إلا المفضل بن المهلب بن أبي صفرة وهو صدوق ( وفي الباب ) عن ابن عباس عن الطبراني والبيهقي وسعيد بن منصور بلفظ " سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء " وفي إسناده سعيد بن يوسف وهو ضعيف وذكر ابن عدي في الكامل أنه لم يرله أنكر من هذا وقد حسن الحافظ في الفتح إسناده : قوله " اعدلوا بين أولادكم " تمسك به من أوجب التسوية بين الأولاد في العطية وبه صرح البخاري وهو قول طاوس والثوري وأحمد وإسحاق وبعض المالكية قال في الفتح والمشهور عن هؤلاء أنها باطلة وعن أحمد تصح ويجب أن يرجع وعنه يجوز التفاضل إن كان له سبب كأن يحتاج الولد لزمانته أو دينه أو نحو ذلك دون الباقين
وقال أبو يوسف تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الأضرار
وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فإن فضل بعضا صح وكره وحملوا الأمر على الندب وكذلك حملوا النهي الثابت في رواية لمسلم بلفظ " أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء قال بلى قال فلا أذن " على التنزيه
وأجابوا عن حديث النعمان بأجوبة عشرة ذكرها في فتح الباري وسنوردها ههنا مختصرة مع زيادات مفيدة فقال
أحدها إن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده حكاه ابن عبد البر وتعقبه بأن كثيرا من طرق الحديث مصرحة بالبعضية كما في حديث الباب إن الموهوب كان غلاما وكما في لفظ مسلم المذكور قال " تصدق على أبي ببعض ماله "
الجواب الثاني إن العطية المذكورة لم تنجز وإنما جاء بشير يستشير النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك فأشار عليه بأن لا يفعل فترك حكاه الطبري ويجاب عنه بأن أمره صلى الله عليه وآله وسلم له بالارتجاع يشعر بالتنجيز وكذلك قول عمرة لا أرضى حتى تشهد اله
الجواب الثالث إن النعمان كان كبيرا ولم يكن قبض الوهوب جاز لأبيه الرجوع ذكره الطحاوي . قال الحافظ وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث خصوصا قوله ارجعه فإنه يدل على تقدم وقوع القبض والذي تظافرت عليه الروايات أنه كان صغيرا وكان أبوه قابضا له لصغره فأمره برد العطية المذكورة بعدما كانت في حم المقبوض
الرابع إن قوله ارجعه دليل الصحة ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع وإنما أمره الرجوع لأن للوالد أن يرجع فيما وهب لولده وإن كان الأفضل خلاف ذلك لكن استحباب التسوية رجح على ذلك فلذلك أمره به قال في الفتح وفي الأحتجاج بذلك نظر والذي يظهر أن معنى قوله أرجعه أي لا تمض الهبة المذكورة ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة
الخامس أن قوله أشهد على هذا غيري أذن بالأشهاد على ذلك وإنما امتنع من ذلك لكونه الامام وكأنه قال لا أشهد لان الأمام ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم حكاه الطحاوي وارتضاه ابن القصار وتعقب بأنه لا يلزم من كون الامام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تعينت عليه والأذن المذكور مراد به التوبيخ لما تدل عليه بقية ألفاظ الحديث . قال الحافظ وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع وقال ابن حبان قوله أشهد صيغة أمر والمراد به نفي الجواز وهي كقوله لعائشة " اشترطي لهم الولاء " اه ويؤيد هذا تسميته صلى الله عليه وآله وسلم لذلك جورا كما في الرواية المذكورة في الباب
السادس التمسك بقوله ألا سويت بينهم على أن المراد بالأمر الاستحباب وبالنهي التنزيه قال الحافظ وهذا جيد لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة ولاسيما رواية سو بينهم
السابع قالوا المحفوظ في حديث النعمان " قاربوا بين أولادكم " لا سووا وتعقب بأنكم لا توجبون المقاربة كما لا توجبون التسوية
الثامن في التشبيه الواقع بينهم في التسوية بينهم بالتسوية منهم في البر قرينة تدل على أن الأمر للندب ورد بأن إطلاق الجور على عدم التسوية والنهي عن التفضيل يدلان على الوجوب فلا تصلح تلك القرينة لصرفهما وإن صلحت لصرف الأمر
التاسع ما تقدم عن أبي بكر من نحلته لعائشة . وقوله لها فلو كنت احترثته كما تقدم في أول كتاب الهبة وكذلك ما رواه الطحاوي عن عمر أنه نحل ابنه عاصما دون سائر ولده ولو كان التفضيل غير جائز لما وقع من الخليفتين . قال في الفتح وقد أجاب عروة عن قصة لعائشة بأن اخوتها كانوا راضين ويجاب بمثل ذلك عن قصة عاصم اه على أنه لا حجة في فعلهما لا سيما إذا عارض المرفوع
العاشر ان الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله لتمليك الغير جاز له أن يخرج بعض أولاده بالتمليك لبعضهم ذكره ابن عبد البر . قال الحافظ ولا يخفى ضعفه لأنه قياس مع وجود النص اه
فالحق أن التسوية واجبة وان التفضيل محرم
واختلف الموجبون في كيفية التسوية فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية العدل أن يعطي الذكر حظين كالميراث واحتجوا بأن ذلك حظه من المال لو مات عنه الواهب وقال غيرهم لا فرق بين الذكر والأنثى وظاهر الأمر بالتسوية معهم ويؤيده حديث ابن عباس المتقدم . قوله " وعن النعمان بن بشير أن أباه " الخ قد روى هذا الحديث عن النعمان عدد كثير من التابعين منهم عروة بن الزبير عند مسلم والنسائي وأبي داود وأبو الضحى عند النسائي وابن حبان وأحمد والطحاوي والمفضل بن المهلب عند أحمد وأبي داود والنسائي وعبد الله بن عتبة بن مسعود عند أحمد وعون بن عبد الله عند أبي عوانة والشعبي عند الشيخين وأبي داود وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حابن وغيرهم وقد رواه النسائي من مسند بشيء والد النعمان فشذ بذلك : قوله " نحلت ابني هذا " بفتح النون والحاء المهملة أي أعطيت والنحلة بكسر النون وسكون المهملة العطية بغير عوض . قوله " غلاما " في رواية لابن حبان والطبراني عن الشعبي أن النعمان خطب بالكوفة فقال ان والدي بشير بن سعد أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ان عمرة بنت رواحة نفست بغلام وأني سميته النعمان وأنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديثة من أفضل مال هو لي وأنها قالت أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيه قوله لا أشهد على جور وجمع ابن حبان بين الروايتين بالحمل على واقعتين احداهما عند ولادة النعمان وكانت العطية حديقة والأخرى بعد أن كبر النعمان وكانت العطية عبدا قال في الفتح وهو جمع لا بأس به الا أنه يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة حتى يعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيستشهده على العطية الثانية بعد أن قال له في الأولى لا أشهد على جور وجوز ابن حبان أن يكون بشير ظن نسخ الحكم وقال غيره يحتمل أن يكون حمل الأمر الأول على كراهة التنزيه أو ظن أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد لأن ثمن الحديقة في الأغلب أكثر من ثمن العبد . قال الحافظ ثم ظهر وجه آخر من الجمع يسلم من هذا الخدش ولا يحتاج إلى جوابه وهو أن عمرة لما امتنعت من تربيته الا أن يهب له شيئا يخصه به وهبه الحديثة المذكورة تطيبا لخاطرها ثم بدا له فارتجعها لأنه لم يقبضها منه غيره فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو سنتين ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلاما ورضيت عمرة بذلك الا أنها خشيت ان يرتجعه أيضا فقالت له أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تريد بذلك تثبيت العطية وان تأمن رجوعه فيها ويكون مجيئه للاشهاد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرة واحدة وهي الأخيرة وغاية ما فيه ان بعض الرواة حفظ مالم يحفظ غيره أو كان النعمان يقص بعض القصة تارة وبعضها أخرى فسمع كل ما رواه فاقتصر عليه اه ولا يخفى ما في هذا الجمع من التكلف وقد وقع في رواية عند ابن حبان عن النعمان قال سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله زاد مسلم والنسائي من هذا الوجه فالتوى بها سنة أي مطلها وفي رواية لابن حبان أيضا بعد حولين ويجمع بينهما بأن المدة كانت سنة وشيئا فجبر الكسر تارة وألغاه أخرى
وفي رواية له قال فأخذ بيدي وأنا غلام ولمسلم انطلق بن أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويجمع بينهما بأنه أخذ بيده فمشي معه بعض الطريق وحمله في بعضها لصغر سنه : قوله " فقال ارجعه " لفظ مسلم أردده وله أيضا النسائي فرجع فرد عطيته . ولمسلم أيضا فرد تلك الصدقة زاد في رواية لابن حبان لا تشهدني على جور ومثله لمسلم وقد تقدم لابن حبان أيضا والطبراني مثل ذلك وذكر هذا اللفظ البخاري تعليقا في الشهادات . وفي رواية لابن حبان من طريق أخرى لا تشهدني أذن فأني لا أشهد على جور . وله في طريق أخرى أيضا فأني لا أشهد على جور أشهد على هذا غيري وله وللنسائي من طريق أخرى فأشهد على هذا غيري ولعبد الرزاق عن طاوس مرسلا لا أشهد لا على الحق لا أشهد بهذه . وللنسائي فكره أن يشهد له . وفي رواية لمسلم اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر . ولأحمد أيسرك أن يكونوا اليك في البر سواء قال بلى قال فلا أذن . ولأبي داود ان لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم كما لك عليهم أن يبروك . وللنسائي ألا سويت بينهم . وله ولابن حبان سو بينهم . قال الحافظ واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى معنى واحد . قوله " أفعلت هذا بولدك كلهم : قال مسلم أما معمل ويونس فقالا أكل بينك وأما الليث وان عيينة فقالا أكل ولدك قال الحافظ ولا منافاة بينهما لأن لفظ الولد يشمل الذكور والإناث وأما لفظ البنين فإن كانوا ذكورا فظاهر وإن كانوا إناثا وذكورا فعلى سبيل التغليب

4 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال العائد في هبته كالعائد يعود في قيئه "
- متفق عليه وزاد أحمد والبخاري " ليس لنا مثل السوء " ولأحمد في رواية قال قتادة ولا أعلم القئ الاحراما

5 - وعن طاوس ان ابن عمر وابن عباس رفعاه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده مثل الرجل يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم رجع في قيئه "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي

- حديث طاوس أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه : قوله " العائد في هبته " الخ استدل بالحديث على تحريم الرجوع في الهبة لان القئ حرام فالمشبه به مثله ووقع في رواية أخرى للبخاري وغيره كالكلب يرجع في قيئه وهي تدل على عدم التحريم لان الكلب غير متعبد فالقئ ليس حراما عليه وهكذا قوله في حديث طاوس المذكور كمثل الكلب الخ وتعقب بأن ذلك للمبالغة في الزجر كقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيمن لعب بالنرد " فكأنما غمس يده في لحم خنزير " وأيضا الرواية الدالة على تحريم غير منافية للرواية الدالة على الكراهة على تسليم دلالتها على الكراهة فقط لأن الدال على التحريم قد دل على الكراهة وزيادة وقد قدمنا في باب نهي المتصدق أن يشتري ما تصدق به من كتاب الزكاة عن القرطبي أن التحريم هو الظاهر من سياق الحديث وقدمنا أيضا أن الأكثر حملوه على التنفير خاصة لكونه القئ مما يستقذر ويؤيد القول بالتحريم قوله ليس لنا مثل السوء وكذلك قوله لا يحل للرجل . قال في الفتح وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض ذهب جمهول العلماء إلا هبة الوالد لولده وستأتي : وذهبت الحنفية والهادوية إلى حل الرجوع في الهبة دون الصدقة الا إذا حصل مانع من الرجوع كالهبة لذي رحم ونحو ذلك مما هو مذكور في كتب الفقه من الموانع . قال الطحاوي ان قوله لا يحل لا يستلزم التحريم قال وهو كقوله لا تحل الصدقة لغني وإنما معناه لا يحل له من حيث يحل لغيره من ذوي الحاجة وأراد بذلك التغليظ في الكراهة قال الطبري يخص من عموم هذا الحديث من وهب بشرط الثواب ومن كان والدا والموهوب له ولده والهبة لم تقبض والتي ردها الميراث إلى الواهب لثبوت الأخبار باستثناء كل ذلك وأما ما عدا ذلك كالغني يثيب الفقير ونحو م يصل رحمه فلا رجوع قال ومما لا رجوع فيه مطلقا الصدقة براد ثوب الآخرة قال في الفتح اتفقوا على أنه لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض اه وقد أخرج مالك عن عمر أنه قال من وهب هبة يرجو ثوابها فهي رد على صاحبها ما لم يثب منه . ورواه البيهقي عن ابن عمر مرفوعا وصححه الحاكم قال الحافظ صححه الحاكم من رواية ابن عمر عن عمر ورواه عبد الله بن موسى مرفوعا قيل وهو وهم . قال الحافظ صححه الحاكم وابن حزم ورواه ابن حزم أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها . وأخرجه أيضا ابن ماجه والدارقطني ورواه الحاكم من حديث الحسن عن سمرة مرفوعا بلفظ " إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع . ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس قال الحافظ وسنده ضعيف . قال ابن الجوزي أحاديث ابن عمر وأبي هريرة وسمرة ضعيفة وليس منها ما يصح . وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس مرفوعا وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب عليها فإن رجع في هبته فهو كالذي يقئ ويأكل منه فإن صحت هذه الأحاديث كانت مخصصة لعموم حديث الباب فيجوز الرجوع في الهبة قبل الأثابة عليها ومفهوم حديث سمرة يدل على جواز الرجوع في الهبة لغير ذي الرحم قوله " إلا الوالد فيما يعطي ولده " استدل به على أن للأب أن يرجع فيما وهب لابنه وإليه ذهب الجمهور وقال أحمد لا يحل للواهب أن يرجع في هبته مطلقا وحكاه في البحر عن أبي حنيفة والناصر والمؤيد بالله تجريجا له . وحكى في الفتح عن الكوفيين أنه لا يجوز للأب الرجوع إذا كان الابن الموهوب له صغيرا أو كبيرا وقبضها وهذا التفضيل لا دليل عليه واحتج المانعون مطلقا بحديث ابن عباس المذكور في الباب ويرد عليهم الحديث المذكور بعده المقترن بمخصصه . ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور والأحاديث الآتية في الباب الذي بعد هذا المصرحة بأن الولد وما ملك لأبيه فليس رجوعه في الحقيقة رجوعا وعلى تقدير كونه رجوعا فربما اقتضته مصلحة التأديب ونحو ذلك . واختلف في الأم هل حكمها حكم الأب في الرجوع أم لا فذهب أكثر الفقهاء إلى الأول كما قال في صاحب الفتح واحتجوا بأن لفظ الوالد يشملها وحكى في البحر عن الأحكام والمؤيد بالله وأبي طالب والأمام يحيى أنه لا يجوز لها الرجوع إذ رجوع الأب مخالف للقياس فلا يقاس عليه والمالكية فرقوا بين الأب والأم فقالوا للأم أن ترجع إذا كان الأب حيا دون ما إذا مات وقيدوا رجوع الأب بما إذا كان الابن الموهوب له لم يستحدث دينا أو ينكح وبذلك قال إسحاق والحق أنه يجوز للأب بما الرجوع في هبته لولده مطلقا وكذلك الأم إن صح إن لفظ الوالد يشملها لغة أو شرعا لأنه خاص وحديث المنع من الرجوع عام فيبنى العام على الخاص . قال في المصباح الوالد الأب وجمعه بالواو والنون والوالدة الأم جمعها بالأف والتاء والوالدان الأب والأم للتغليب اه وحديث سمرة المتقدم بلفظ " إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع " مخصص بحديث الباب لأن الرحم على فرض شموله للابن أعم من هذا الحديث مطلقا وقد قيل ان الرحم غلب إلى غير الولد فهو حقيقة عرفية لغوية فيما عداه فإن صح ذلك فلا تعارض

باب ما جاء في أخذ الوالد من مال ولده

1 - عن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم "
- رواه أخمسة وفي لفظ " ولد الرجل من أطيب كسبه فكلوا من أموالهم هنيئا " رواه أحمد

2 - وعن جابر " أن رجلا قال يا رسول الله إن لي مالا وولدا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال أنت ومالك لأبيك "
- رواه ابن ماجه

3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال أنت ومالك لوالط إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم فكلوه هنيئا "
- رواه أحمد وأبو داود وقال فيه " إن رجلا أتى النبي ؟ ؟ ؟ فقال إن لي مالا وولدا وإن والدي " الحديث

- حديث عائشة أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه والحاكم ولفظ أحمد أخرجه أيضا الحاكم وصححه أبو حاتم وأبو زرعة واعله ابن القطان بأنه من عمارة عن عمته وتارة عن أمه وكلتاهما لا يعرفان . وزعم الحاكم في موضع من مستدركه بعد أن أخرجه من طريق حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة بلفظ " أموالهم لكم إذا احتجتم إليها " أن الشيخين أخرجاه باللفظ الأول الذي فيه الأمر بالأكل من أموال الأولاد ووهم في ذلك فإنهما لم يخرجاه . وقال أبو داود زيادة " إذا احتجتم إليها منكرة " ونقل عن ابن المبارك عن سفيان قال حدثني به حماد ووهم فيه . وحديث جابر قال ابن القطان إسناده صحيح . وقال المنذري رجال ثقات . وقال الدارقطني تفرد به عيسى بن يونس بن أبي إسحاق وطريق أخرى عند الطبراني في الصغير والبيهقي في الدلائل فيها قصة مطولة . وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن الجارود ( وفي الباب ) عن سمرة عند البزار وعن عمر عند البزار أيضا . وعن ابن مسعود عند الطبراني . وعن ابن عمر عند أبي يعلى وبمجموع هذه الطرق ينتهض للاحتجاج فيدل على أن الرجل مشارك لولده في ماله فيجوز له الأكل منه سواء أذن الولد أو لم يأذن يجوز له أيضا أن يتصرف به كما يتصرف بماله ما لم يكن ذلك على وجه السرف والسفه وقد حكى في البحر الإجماع على أنه يجب على الولد الموسر مؤنة الأبوين المعسرين : قوله " يريد أن يجتاح " بالجيم بعدها فوقية وبعد الألف حاء مهملة وهو الأستئصال كالاجاحة ومن الحائجة للشدة المجتاحة للمال كذا في القاموس : قوله " أنت ومالك لأبيك " قال ابن رسلان اللام للإباحة لا للتمليك فإن مال الولد له وزكاته عليه وهو موروث عنه

باب العمري والرقي

1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " العمري ميراث لأهلها أو قال جائزة "
- متفق عليه

2 - وعن يزيد بن ثابت قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أعمر عمري فهي لمعمره محياه ومماته لا ترقبوا من أرقب شيئا فهي سبيل الميراث "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي . وفي لفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الرقبى جائزة " . رواه النسائي . وفي لفظ " جعل الرقبى للذي أرقبها " رواه أحمد والنسائي . وفي لفظ " جعل الرقبى للوارث " رواه أحمد

3 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العمري جائزة لمن أعمرها والرقبى جائز لمن أرقبها "
- رواه أحمد والنسائي

4 - وعن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له حياته ومماته "
- رواه أحمد والنسائي

5 - وعن جابر قال " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعمري لمن وهبت له " متفق عليه . وفي لفظ " قال أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فمن أعمر عمري فهي للذي أعمر حيا وميتا ولعقبه " رواه أحمد ومسلم . وفي رواية قال " العمري جائزة لاهلها والرقبى جائزة لاهلها " رواه الخمسة . وفي رواية " من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن أعمر وعقبه " رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه . وفي رواية " قال إيما رجل أعمر عمري له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه . وفي لفظ عن جابر " إنما العمري التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تقول هي لك ولعقبك فأما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها " رواه أحمد ومسلم وأبو داود . وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالعمري أن يهب الرجل للرجل ولعقبه الهبة ويستثنى أن حدث بكل حدث ولعقبك فهي إلى وإلى عقبى أنها لمن أعطيها ولعقبه " رواه النسائي

5 - وعن جابر أيضا " أن رجلا من الأنصار أعطى أمه حديقة من نخيل حياتها فماتت فجاء أخوته فقالوا نحن فيه شرع سواء قال فأبى فاحتصموا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقسمها بينهم ميراثا "
- رواه أحمد

- حديث زيد بن ثابت أخرجه أيضا ابن ماجه وابن حبان وحديث ابن عباس قال الحافظ في الفتح إسناده صحيح وحديث ابن عمر هو من طريق ابن جريج عن عطاء عن حبيب بن أبي ثابت عنه وقد اختلف في سماع حبيب من ابن عمر فصرح به النسائي ورجال إسناده ثقات . وحديث جابر الآخر أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري . وقال ابن رسلان في شرح السنن ما لفظه هذا الحديث رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح اه ويشهد لصحته أحاديث الباب المصرحة بأن المعمر والمرقب يكون أولى بالعين في حياته وورثته من بعده ( وفي الباب ) عن سمرة عند أحمد وأبي داود والترمذي وهو من سماع الحسن عنه وفيه مقال كما تقدم : قوله " العمري " بضم العين المهملة وسكون الميم مع القصر . قال في الفتح وحكى ضم الميم مع ضم أوله وحكى فتح أوله مع السكون وهي مأخوذة من العمر وهو الحياة سميت بذلك لأنهم كانوا في الجاهلية يعطي الرجل الرجل الدار ويقول له أعمرتك أياها أي أبحتا لك مدة عمرك وحياتك فقيل لها عمري لذلك . والرقبي بوزن العمرى مأخوذة من المراقبة لأن كلا منهما يراقب الآخر متى يموت لترجع إليه وكذا ورثته يقومون مقامه هذا أصلها لغة . قال في الفتح ذهب الجمهور إلى أن العمري إذا وقعت كانت ملكا للآخر ولا ترجع إلى الأول الا إذا صرح باشتراط ذلك وإلى أنها صحيحة جائزة وحكى الطبري عن بعض الناس والماوردي عن داود وطائفة وصاحب البحر عن قوم من الفقهاء أنها غير مشروعة ثم اختلف القائلون بصحتها إلى ما يتوجه التمليك فالجمهور أنه يتوجه إلى الرقبة كسائر الهبات حتى لوكان المعمر عبدا فأعتقه الموهوب له نفذ بخلاف الواهب وقيل يتوجه إلى المنفعة دون الرقبة وهو قول مالك والشافعي في القديم وهل يسلك بها مسلك العارية أو الوقف روايتان عند المالكية وعند الحنفية التمليك في العمري يتوجه إلى الرقبة وفي الرقبى إلى المنفعة وعنهم أنها باطلة وقد حصل من مجموع الروايات ثلاثة أحوال . الأول أن يقول أعمرتكها ويطلق فهذا تصريح بأنها للموهوب له وحكمها حكم المؤبدة لا ترجح إلى الواهب وبذلك قالت الهادوية والحنفية والناصر ومالك لأن المطلقة عندهم حكمها حكم المؤبدة وهو أحد قولي الشافعي والجمهور وله قول آخر أنها تكون عارية ترجع بعد الموت إلى المالك وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن المطلقة للمعمر ولورثته من بعده كما في أحاديث الباب . الحال الثاني أن يقول هي لك ما عشت فإذا مت رجعت إلى فهذه عارية مؤقتة ترجع إلى المعيير عند موت المعمر وبه قال أكثر العلماء ورجحه جماعة من الشافعية والأصح عند أكثرهم لا ترجع إلى الواهب واحتجوا بأنه شرط فاصد فيلغى واحتجوا بحديث جابر الأخير فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم على الأنصاري الذي أعطى أمه الحديقة حياتها أن لا ترجع إليه بل تكون لورثتها . ويؤيد هذا الحدي الرواية التي قبله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في العمري مع الأستثناء بأنها لمن أعطيها ويعارض ذلك ما في حديث جابر أيضا المذكور في الباب بلفظ " فأما إذا قلت هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها " ولكنه قال معمر كان الزهري يفتي به ولم يذكر التعليل وبين من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري أن التعليل من قول أبي سلمة . قال الحافظ وقد أوضحته في كتاب المدرج ( والحاصل ) إن الروايات المطلقة في أحاديث الباب تدل على أن العمري والرقبى تكون للمعمر والمرقب ولعقبه سواء كانت مقيدة بمدة العمر أو مطلقة أو مؤيدة ويؤيد ذلك الروايتان المتقدمتان في دليل من قال إن المقيدة بمدة الحياة لها حكم المؤبدة وهذا الرواية القاضية بالفرق بين التقييد بمدة الحياة وبين الإطلاق والتأييد معلوة بالأدراج فلا تنتهض تقييد المطلقات ولا لمعارضة ما يخالفها . الحال الثالث أن يقول هي لك ولعقبك من بعدك أو يأتي بلفظ يشعر بالتأبيد فهذه حكمها حكم الهبة عند الجمهور وروى عن مالك أنه يكون حكمها حكم الوقف إذا انقرض المعمر وعقبه رجعت إلى الواهب وأحاديث الباب القاضية بأنها ملك للموهوب له ولعقبه ترد عليه . قوله " فهي لمعمره " بضم الميم الأولى وفتح الثانية اسم مفعول من أعمر . قوله " محياه ومماته " بفتح الميمين أي مدة حياته وبعد موته . قوله " لاتعمروا " الخ . قال القرطبي لا يصح حمل هذا النهي على التحريم لصحة الأحاديث المصرحة بالجواز . وقيل أن النهي يتوجه إلى اللفظ الجاهلي لأن الجاهلية كانت تستعملها كما تقدم . وقيل النهي يتوجه إلى الحكم ولا ينافي الصحة وفيه نظر لأن معنى النهي حقيقة التحريم المسلتزم للفساد المرادف للبطلان الا أن يحمل على الكراهة بقرينه قوله صلى الله عليه وآله وسلم العمري جائزة : قوله " فمن أعمر " بضم الهمزة وكذا قوله أو أرقبه " قوله " ولعقبه " بكسر القاف وسكونها للتخفيف والمراد ورثته الذين يأتون بعده : قوله " حديقة " هي البستان يكون عليه الحائط فعليه بمعنى مفعولة لأن الحائط أحدق بها أي أحاط ثم توسعوا حتى أطلقوا الحديقة على البستان وإن كان بغير حائط : قوله " شرع " بفتح الشين المعجمة والراء أي سواء . ذكر معنى ذلك في القاموس

باب ما جاء في تصرف المرأة في مالها ومال زوجها

1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا انفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا "
- رواه الجماعة

2 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فله نصف أجره "
- متفق عليه . ورواه أبو داود وروي أيضا عن أبي هريرة موقوفا " في المرأة تصدق من بيت زوجها قال لا الا من قوتها والأجر بينهما ولا يحل أن تصدق من مال زوجها إلا بأذنه "

3 - وعن أسماء بنت أبي بكر أنها " قالت يا رسول الله ليس لي شيء إلا ما ادخل علي الزبير فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل على فقال أرضخي ما أستطعت ولا توعي فيوعى الله عليك "
- متفق عليه . وفي لفظ عنها " أنها سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان الزبير رجل شديد ويأتيني المسكين فأتصدق عليه من بيته بغير أذنه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ارضخي ولا توعي فيوعى الله عليك " رواه أحمد

- أثر أبي هريرة الموقوف عليه سكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده لا بأس به . ومحمد بن سوار وثقه ابن حبان وقال يغرب ( وفي الباب ) عن أبي أمامة عند الترمذي وحسنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تنفق المرأة من بيت زوجها الا بأذنه قيل يا رسول الله ولا الطعام قال ذلك أفضل أموالنا " قوله " إذا انفقت المرأة " الخ قال ابن العربي اختلف السلف فيما إذ تصدقت المرأة من بيت زوجها فمنهم من أجازه لكن في الشيء اليسير الذي لا يؤبه له ولا يظهر به النقصان ومنهم من حمله على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الاجمال وهو اختيار البخاري واما التقييد بغير الأفساد فمتفق عليه . ومنهم من قال المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال في مصالحه وليس ذلك بأن ينفقوا علي الغرباء بغير أذن . ومنهم من فرق بين المرأة فقال المرأة لها حق مال الزوج والنظر فجاز لها أن تتصدق بخلاف الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه فيشترط الأذن فيه . قال الحافظ وهو متعقب بأن المرأة ان استوفت حقها فتصدقت منه فقد تخصصت به وإن تصدقت من غير حقها رجعت المسألة كما كانت قوله " وللخازن " في رواية للبخاري من حديث أبي موسى التقييد بكون الخازن مسلما فأخرج الكافر لكونه لانية له وبكونه أمينا فأخرج الخائن لأنه مأزور وتكون نفسه بذلك طيبة لئلا تعدم النية فيفقد الأجر وهي قيود لا بد منها : قوله " مثل ذلك " ظاهره يقتضي تساويهم في الأجر ويحتمل أن يكون المراد بالمثل حصول الأجر في الجملة وإن كان أجر الكاسب أوفر لكن قوله في حديث أبي هريرة فله نصف أجره يشعر بالتساوي : قوله " لا ينقص بعضهم " الخ المراد عدم المساهمة والمزاحمة في الأجر ويحتمل أن يراد مساواة بعضهم بعضا . قوله " عن غير أمره " ظاهر هذه الرواية أنه يجوز للمرأة أن تنفق من بيت زوجها بغير إذنه ويكون لها أوله نصف أجره على اختلاف النسختين كما سيأتي وكذلك ظاهر رواية أحمد المذكورة في حديث أسماء ولكن ليس فيها تعرض لمقدار الأجر ويمكن أن يقال يحمل المطلق على المقيد ولا يعارض ذلك قول أبي هريرة المذكور في الباب لأن أقوال الصحابة ليست بحجة ولا سيما إذا عارضت المرفوع وإنما يعارضه حديث أبي أمامة الذي ذكرناه فإن ظاهره نهى المرأة عن الانفاق من مال الزوج إلا بأذن والنهي عن حقيقة في التحريم والمحرم لا يستحق فاعله عليه ثوابا ويمكن أن يقال أن النهي للكراهة فقط والقرينة الصارفة إلى ذلك حديث أبي هريرة وحديث أسماء وكراهة التنزيه لا تنافي الجواز ولا تستلزم عدم استحقاق الثواب : قال في الفتح والأولى أن يحمل يعني حديث أبي هريرة على ما إذا أنفقت من الذي يخصها إذا تصدقت به بغير استئذانه فإنه يصدق كونه من كسبه فيؤجر عليه وكونه بغير أمره ويحتمل أن يكون اذن لها بطريق الأجمال لكن انتفى ما كاه بطريق التفصيل قال ولا بد من الحمل على أحد هذين المعنيين وإلا فحيث كان من ماله بغير إذنه لا اجمالا ولا تفصيلا فهي مأزورة بذلك لا مأجورة وقد ورد فيه حديث ابن عمر عند الطيالسي وغيره اه . قوله " فله نصف أجره " هكذا في رواية للبخاري . وفي رواية أخرى " فلها نصف أجره " وعلى النسخة الأولى يكون للرجل الذي تصدقت امرأته من كسبه بغير إذنه نصف أجره على تقدير وقوع الأذن منه لها وعلى النسخة الثانية يكون للمرأة المتصدقة بغير أذن زوجها نصف أجرها على تقدير أذنه له . قال في الفتح أو المعنى بالنصف أن أجره وأجرها إذا جمعا كان لها النصف من ذلك فلكل منهما أجر كامل وهما أثنان فكأنهما نصفان : قوله " إن أرضخ " بالصاد والخاء المعجمتين قال في القاموس رضخ له أعطاه عطاء غير كثير . قوله " ولا توعى فيوعي الله عليك " بالنصب لكونه جواب النهي والمعنى لا تجمعي في الوعاء وتبخلى بالنفقة فتجازى بمثل ذلك

4 - وعن سعد قال " لما بايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم النساء قالت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر يا نبي الله أنأكل على آبائنا وأبنائنا " قال أبو داود وأرى فيه " وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم قال الرطب تأكلنه وتهدينه "
- رواه أبو داود . وقال الرطب الخبز والبقل والرطب

5 - وعن جابر قال شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا أقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحثه على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت لم يا رسول الله قال لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشيرة قالت فجعلن يتصدقن من حلبهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن "
- متفق عليه

- حديث سعد سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح إلا محمد بن سوار وقد وثقه ابن حبان وقال يغرب : قوله " قال الرطب " بفتح الراء وسكون الطاء المهملة والرطب المذكور آخرا بضم الراء وفتح الطاء . قال في القاموس الرطب ضد اليابس ثم قال وبضمة وبضمتين الرعي الأخضر م البقل والشجر قل وثمر رطيب مرطب وارطب النخل حاو أوان رطبه ( وفي الحديث ) دليل على أنه يجوز للمرأة أن تأكل من مال ابنها وأبيها وزوجها بغير أذنهم وتهادي ولكن ذلك مختص بالأمور المأكولة التي لا تدخر فلا يجوز لها أن تهادي بالثياب والدارهم والدنانير والحبوب وغير ذلك وقوله " إناكل " بكسر الهمزة وتشديد النون وكل بفتح الكاف وتشديد اللام خير أن أي نحن عيال عليهم ليس لنا من الأموال ما ننتفع به : قوله " فقامت امرأة " قال الحافظ لم أقف على تسمية هذه المرأة الا أنه يختلج في خاطري أنا أسماء بنت يزيد بن السكن التي تعرف بخطيبة النساء فإنها روت أصل هذه القصة في حديث أخرجه البيهقي والطبراني وغيرهما بلفظ " خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النساء وأنا معهن فقال يامعشر النساء إنكن أكثر حطب جهنم فناديت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنت عليه جريئة ولم يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير " فيبعد أن تكون هي التي أجابته فإن القصة واحدة : قوله " من سطة النساء " أن من خيارهن والسفعاء التي في خذها غبرة وسواد . والعشير المراد به ههنا الزوج ( والحديث ) فيه فوائد منها ما ذكره المصنف ههنا لأجله وهو جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على أذن زوجها أو على مقدار معين من مالها كالثلث . ووجه الدلالة من القصة ترك الاستفصال عن ذلك كله . قال القرطبي ولا يقال في هذا أن أزواجهن كانوا حضورا لأن ذلك لم ينقل ولو نقل فليس ليه تسليم أزواجهن لهن ذلك فإن من ثبت له حق فالأصل بقاؤه حتى يصرح باسقاطه ولم ينقل أن القوم صرحوا بذلك وسيأتي الخلاف في ذلك قريبا . ومنها أن الصدقة من دوافع العذاب لانه أمرهن بالصدقة ثم علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك . ومنها بذل النصيحة والإغلاظ بها بمن احتيج إلى ذلك في حقه . ومنها جواز طلب الصدقة من الأغنياء للمحتاجين ولو كان الطالب غير محتاج . ومنها مشروعية وعظ النساء وتعليمهن أحكام الأسلام وتذيرهن بما يجب عليهن وحثهن على الصدقة وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد ومحل ذلك كله إذا أمنت الفتنة والمفسدة

6 - وعن عبد الله بن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يجوز للمرأة عية الا بأذن زوجها "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود . وفي لفظ " لا يجوز للمرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها " رواه الخمسة إلا الترمذي

- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وقد أخرجه البيهقي والحاكم في المستدرك وفي إسناده عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديثه من قسم الحسن وقد صحح له الترمذي أحاديث ومن دون عمرو بن شعيب هم رجال الصحيح عند أبي داود ( وفي الباب ) عن خيرة امرأة كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه . قوله " أمر " أي عطية من العطايا ولعله عدل عن العطية إلى الأمر لما بين لفظ المرأة والأمر من الجناس الذي هو نوع من أنواع البلاغة . وقد استدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز للمرأة أن تعطي من مالها بغير أذن زوجها ولو كانت رشيدة وقد اختلف في ذلك فقال الليث لا يجوز لها ذلك مطلقا الا في الثلث ولا فيما دونه الا في الشيء التافه . وقال طاوس ومالك أنه يجوز لها أن تعطي مالها . بغير أذنه في الثلث لا فيما فوقه فلا يجوز الا بأذنه وذهب الجمهور إلى أنه يجوز لها مطلقا من غير أذن من الزوج إذا لم تكن سفيهة فإن كانت سفيهة لم يجز . قال في الفتح وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة انتهى . وقد استدل البخاري في صحيحه على جواز ذلك بأحاديث ذكرها في باب هبة المرأة لغير زوجها من كتاب الهبة ومن جملة أدلة الجمهور حديث جابر المذكور قبل هذا وحملوا حديث الباب على ما إذا كانت سفيهة غير رشيدة وحمل مالك أدلة الجمهور على الشيء اليسير وجعل حده الثلث فما دونه ومن جملة أدلة الجمهور الأحاديث المتقدمة في أول الباب القاضية بأنه يجوز لها التصديق من مال زوجها بغير أذنه وإذا جاز لها ذلك في ماله بغير أذنه فبالأولى الجواز في مالها والأولى أن يقال يتعين الأخذ بعموم حديث عبد الله بن عمرو وما ورد من الواقعات المخالفة له تكون مقصورة على مواردها أو مخصصة لمثل من وقعت له من هذا العموم وأما مجرد الاحتمالات فليست مما تقوم به الحجة

باب ما جاء في تبرع العبد

1 - عن عمير مولى آبي اللحم قال " كنت مملوكا فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتصدق من مالي مولاي بشيء قال نعم والأجر بينكما "
- رواه مسلم

2 - وعنه قال " أمرني مولاي أن أقدر لحما فجاءني مسكين فأطعمته منه فضربني فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت له ذلك فدعاه فقال لم ضربته فقال يعطى طعامي من غير أن آمره فقال الأجر بينكما "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي

3 - وعن سلمان الفارسي قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطعام وأنا مملوك فقلت هذه صدقة فأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل ثم أتيته بطعام فقلت هذه هدية أهديتها لك أكرمك بها فأني رأيتك لا تأكل الصدقة فأمر أصحابه فأكلوا وأكل معهم "
- رواه أحمد

4 - وعن سلمان قال " كنت استأذنت مولاي في ذلك فطيب لي فأحتطبت حطبا فبعته فأشتريت ذلك الطعام "
- رواه أحمد

- حديث سلمان الأول في إسناده ابن إسحاق وبقية رجاله رجال الصحيح وحديث سلمان الثاني في إسناده أبو مرة سلمة بن معاوية : قال في مجمع الزوائد ولم أجد من ترجمه انتهى . ويشهد لصحة معناه ما في صحيح البخاري من حديث عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتي بطعام يسأل أهدية أم صدقة فإن قيل صدقة قال لاصحابه كلوا وإن قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم " والأحاديث في هذا الباب كثيرة : قوله " قال نعم والأجر بينكما " فيه دليل على أنه يجوز للعبد أن يتصدق من مال مولاه وأنه يكون شريكا للمولى في الأجر وقد بوب البخاري في صحيحه لذلك فقال باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه . وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أحد المتصدقين ثم أورد حديث عائشة قالت " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض " قال ابن رشد نبه يعني البخاري بالترجمة على أن هذا الحديث مفسر لها لأن كلا من الخازن والخادم والمرأة أمين ليس له أن يتصرف الا بأذن المالك نصا أو عرفا اجمالا أو تفصيلا انتهى . ولكن الرواية الأخرى من الحديث مشعرة بأن يكتب للعبد أجر الصدقة وإن كان بغير أذن سيده لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم بأن الأجر بينهما بعد أن قال له سيد العبد أنهي يعطى طعامه من غير أمره : قوله إن أقدر لحما " بفتح الهمزة وسكون القاف وكسر الدال المهملة أي اجعله في القدر والقدير والقادر ما يطبخ في القدر ويطلق على القسمة قال في القاموس قدر الرزق قسمه وقال أيضا قدرته أقدره قدارة هيأت ووقت وآبي اللحم المذكور هو بالمد مزنة فاعل من الاباء وقد قدمنا في هذا الشرح التنبيه على ذلك وإنما أعدناه ههنا لكثرة التباسه

كتاب الوقف ( 1 )

1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلاثة أشياء صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " . ( 2 ) [ ايراد المصنف لهذا الحديث في الوقف لأن العلماء فسروا الصدقة الجارية بالوقف . وقوله " أو علم ينتفع به " المراد به العلم الأخروي فيخرج مالا ينتفع به كعلم النجوم من حيث أحكام السعادة وضدها ويدخل في العلم النافع تأليف ونشر علم السنة الصحيحة وفقنا الله وإياك بما فيها ]
- رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه
_________
( 1 ) [ هو في اللغة الحبس . يقال كذا بدون الف على اللغة الفصحى أي حبسته . وفي الشريعة حبس الملك في سبيل الله تعالى للفقراء وأبناء السبيل يصرف عليه منافعه ويبقى أصله على ملك الواقف . وألفاظه وقفت وحبست وسبلت وأبدت هذه صرائح ألفاظه وأما كنايته تصدقت واختلفت في حرمت فقيل صريح وقيل غير صريح ]

2 - وعن ابن عمر " أن عمر أصاب أرضا من أرض خيبر فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمرني فقال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها فتصدق بها عمر أن لا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول " . ( 3 ) [ وفي الحديث فوائد . منها ثبوت صحة أصل الوقف قال النووي وهذا مذهبنا ومذهب الجماهير ويدل عليه أيضا اجماع المسلمين على صحة وقف المساجد والسقايات اه ومنها فضيلة الإنفاق مما يجب : ومنها ذكر فضيلة ظارهة لعمر رضي الله عنه ومنها مشاورة أهل الفضل والصلاح في الأمور وطرق الخير : ومنها فضيلة صلة الأرحام والوق عليهم : والله أعلم . ] وفي لفظ " غير متأثل مالا "
- رواه الجماعة . وفي حديث عمرو بن دينار قال في صدقة عمر " ليس علي الولي جناح أن يأكل ويؤكل صديقا له غير متأثل " قال " وكان ابن عمر هو بلى صدقة عمر ويهدي لناس من أهل مكة كان ينزل عليهم " أخرجه البخاري . وفيه من الفقه أن من وقف شيئا على صنف من الناس وولده منهم دخل فيه

3 - وعن عثمان " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالي "
- رواه النسائي والترمذي . وقال حديث حسن وفيه جواز انتفاع الواقف بوقفه العام

- حديث عثمان أخرجه البخاري أيضا تعليقا : قوله " الا من ثلاثة أشياء " فيه دليل على أن ثواب هذه الثلاثة لا ينقطع بالموت قال العلماء معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كاسبها فإن الولد من كسبه وكذا ما يخلفه من العلم كالتصنيف والتعليم وكذا الصدقة الجارية وهي الوقف وفيه الإرشاد إلى فضيلة الصدقة الجارية والعلم الذي يبقى بعد موت صاحبه والتزوج الذي هو سبب حدوث الأولاد وهذا الحديث قد قدمنا الكلام عليه وعلى ما ورد مورده في باب وصول ثواب القراءة المهداة إلى الموتى من كتاب الجنائز . قوله " أرضا بخيبر " هي المسماة بثمغ كما في رواية للبخاري وأحمد وثمغ بفتح المثلثة والميم وقيل بسكون الميم وبعدها غين معجمة . قوله " أنفس منه " النفيس الجيد قال الداودي سمي نفيسا لأنه يأخذ بالنفس قوله " وتصدقت بها " أي بمنفعتها وفي رواية للبخاري " حبس أصلها وسبل ثمرتها " وفي أخرى له " تصدق بثمره وحبس أصله " : قوله " ولا يورث " زاد الدارقطني " حبيس ما دامت السموات والأرض " في رواية للبيهقي تصدق بثمره وحبس أصله لا يباع ولا يورث . قال الحافظ وهذا ظاهر أن الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخلاف بقية الروايات فإن الشرط فيها ظاهر أنه من كلام عمر . وفي البخاري بلفظ " فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره " وفي البخاري أيضا في المزارعة قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمر " تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولكن ينفق ثمره فتتصدق به " فهذا صريح أن الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا منافاة لانه يمكن الجمع بأن عمر شرط ذلك الشرط بعد أن أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم به فمن الرواة من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من وقفه على عمر لوقوعه منه امتثالا للأمر الواقع منه صلى الله عليه وآله وسلم به . قوله " وذوي القربى " قال في الفتح يحتمل أن يكون المراد بهم من ذكر في الخمس ويحتمل أن يكون المراد المراد بهم قربى الواقف وبهذا جزم القرطبي . قوله " والضيف " هو من نزل بقوم بريد القري : قوله " أن يأكل منها بالمعروف " قيل المعروف هنا هو ما ذكر في ولي اليتيم وقد تقدم الكلام على ذلك في باب ما يحل لولي اليتيم من كتاب التفليس . قال القرطبي جرت العادة بأن العامل يأكل من ثمرة الوقف حتى لو اشترط الواقف أن العامل لا يأكل لاستقبح ذلك منه والمراد بالمعروف القدر الذي جرت به العادة وقيل القدر الذي يدفع الشهوة وقيل المراد أن يأخذ منه بقدر عمله والأول أولى كذا في الفتح : قوله " غير متمول " أي غير متخذ منها مالا أي ملكا . قال الحافظ والمراد أنه لا يتملك شيئا من رقابها : قوله " غير متأثل بمثناة " ثم مثلثة بينهما همزة وهو اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم وأثلة كل شيء أصله . قوله " قال في صدقة عمر " أي في روايته لها عن ابن عمر كما حزم بذلك المزي في الأطراف ورواه الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عمر . قوله " وكان ابن عمر " هو موصول الإسناد كما في رواية الإسماعيلي . قوله " لناس " بين الإسماعيلي أنهم آل عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العاص وإنما كان ابن عمر يهدي منه أخذا بالشرط المذكور وهو يؤكل صديقا له ويحتمل أن يكون إنما أطعمهم من نصيبه الذي جعل له أن يأكل منه المعروف فكان يؤخره ليهدي لأصحابه منه . قال في الفتح وحديث عمر هذا أصل في مشروعية الوقف وقد روى أحمد عن ابن عمر قال أول صدقة أي موقوفة كانت في الإسلام صدقة عمر
وروى عمر بن شبة عن عمرو بن سعد بن معاذ قال " سألنا عن أول حبس في الإسلام فقال المهاجرون صدقة عمر وقال الأنصار صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وفي إسناده الواقدي . وفي مغازي الواقدي إن أول صدقة موقوفة كانت في الإسلام أراضي مخيريق بالمعجمة مصغرا التي أوصى بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوقفها وقد ذهب إلى جواز الوقف ولزومه جمهور العلماء . قال الترمذي لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافا في جواز وقف الأرضين وجاء عن شريح أنه أنكر الحبس وقال أبو حنيفة لا يلزم وخالفه جميع أصحابه إلا زفر . وقد حكى الطحاوي عن أبي يوسف أنه قال لو بلغ أبا حنيفة لقال به . وأحتج الطحاوي لأبي حنيفة بأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم حبس أصلها لا يستلزم التأييد بل يحتمل أن يكون أراد مدة اختياره قال في الفتح ولا يخفى ضعف هذا التأويل ولا يفهم من قوله وقفت وحبست إلا التأييد حتى يصرح بالشرط عند من يذهب إليه وكأنه لم يقف على الرواية التي فيها حبيس ما دامت السموات والأرض . قال القرطبي راد الوقف مخالف للإجماع فلا يلتفت إليه انتهى . ومما يؤيد هنا ما ذهب إليه الجمهور حديث " أما خالد فقد حبس أدراعه وأعتده في سبيل الله " وهومتفق عليه وقد تقدم في الزكاة ومن ذلك حديث أبي هريرة المذكور في أول الباب إن قوله " صدقة جارية " يشعر بأن الوقف يلزم ولا يجوز نقضه ولو جاز النقض لكان الوقف صدقة منقطعة وقد وصفه في الحديث بعدم الإنقطاع . ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يباع ولا يوهب ولا يورث " كما تقدم فإن هذا منه صلى الله عليه وآله وسلم بيان لماهية النحبيس التي أمر بها عمر وذلك يستلزم لزوم الوقف وعدم جواز نقضه وإلا لما كان تحبيسا والمفروض أنه تحبيص ومن ذلك حديث أبي قتادة عند النسائي وابن ماجه وابن حبان مرفوعا " خير ما يخلفه الرجل بعده ثلاث ولد صالح يدعو له وصدقة تجري يبلغه أجرها وعلم يعمل به من بعده " والجري يستلزم عدم جواز النقض من الغير ومن ذلك وقف أبي طلحة الآتي . وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له " أرى ان تجعلها في الأقربين " وماروى من حديث أنس عند الجماعة أن حسان باع نصيبه منه فمع كونه فعله ليس بحجة قد روى أنه أنكر عليه ومن ذلك وقف جماعة من الصحابة منهم علي وأبو بكر والزبير . وسعيد وعمرو بن العاص . وحكيم بن حزام وأنس وزيد بن ثابت روى ذلك كله البيهقي ومنه أيضا وقف عثمان لبئر رومة ما في حديث الباب ( واحتج ) لأبي حنيفة ومن معه بما أخرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لما نزلت آية الفرائض لا حبس بعد سورة النساء " ويجاب عنه بأن في إسناده ابن لهيعة ولا يحتج بمثله ويجاب أيضا بأن المراد بالحبس المذكور توقيف المال عن وارثه وعدم إطلاقه إلى يده وقد أشار إلى مثل ذلك في النهاية . وقال في البحر أراد حبس الجاهلية للسائبة والوصيلة والحام سلمنا فليس في أية ميراث منع الوقف لافتراقهما انتهى . وأيضا لو فرض أن المراد بحديث ابن عباس الحبس الشامل للوقف لكونه نكرة في سياق النفي لكان مخصصا بالأحاديث المذكورة في الباب
واحتج لهم أيضا على عدم لزوم حكم الوقف بما رواه الطحاوي وابن عبد البر عن الزهري " أن عمر قال لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرددتها وهو يشعر بأن الوقف لا يمتنع الرجوع عنه وأن الذي منع عمر من الرجوع كونه ذكره للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فكره أن يفارقه على أمر ثم يخالفه إلى غيره ويجاب عنه بأنه لاحجة في أقوال الصحابة وأفعالهم الا إذا وقع الإجماع منهم ولم يقع ههنا وأيضا هذا الأثر منقطع لان الزهري لم يدرك عمر فالحق أن الوقف من القربات التي لا يجوز نقضها بعد فعلها لا للواقف ولا لغيره وقد حكى في البحر عن محمد وابن أبي ليلى أن الوقف لا ينفذ الا بعد القبض وإلا فللواقف الرجوع لأنه صدقة ومن شرطها القبض ويجاب بانه بعد التحبيس قد تعذر الرجوع والحاقه بالصدقة الحلق مع الفارق : قوله " من يشتري بئر رومة " بضم الراء وسكون الواو . وفي رواية للبغوي في الصحابة من طريق بشر بن الأسلمي عن أبيه أنها كانت للرجل من بني غفار عين يقال لها رومة وكان يبيع منها القرية بمد فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبيعنيها بعين في الجنة فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمس وثلاثين ألف درهم ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أتجعل لي ما جعلت له قال نعم قال قد جعلتها للمسلمين . وللنسائي من طريق الأحنف عن عثمان قال اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك وزاد أيضا في رواية من هذه الطريق أن عثمان قال ذلك وهو محصور وصدقه جماعة منهم علي ابن أبي طالب عليه السلام وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص : قوله " فيجعل فيها دلو مع دلاء المسلمين " فيه دليل على أنه يجوز للواقف أن يجعل لنفسه نصيبا من الوقف ويؤيده جعل عمر لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف وظاهره عدم الفرق بين أن يكون هو الناظر أو غيره . قال في الفتح ويستنبط منه صحة الوقف على النفس وهو قول ابن أبي ليلى وأبي يوسف وأحمد في الأرجح عنه وقال به ابن شعبان من المالكية وجمهورهم على المنع الا إذا استثنى لنفسه شيئا يسيرا بحيث لا يتهم أنه قصد حرمان ورثته . ومن الشافعية ابن سريج وطائفة وصنف فيه محمد بن عبد الله الأنصاري شيخ البخاري جزءا ضخما واستدل له بقصة عمر هذه وبقصة راكب البدنة وبحديث أنس في أنه صلى الله عليه وآله وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها . ووجه الاستدلال به أنه أخرجها عن ملكه بالعتق وردها إليه بالشرط اه وقد حكى في البحر جواز الوقف على النفس عن العترة وابن شبرمة والزبيري وابن الصباغ وعن الشافعي ومحمد والناصر أنه لا يصح الوقف على النفس قالوا لانه تمليك فلا يصح أن يتملكه لنفسه من نفسه كالبيع والهبة ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم " سبل الثمرة " وتسبيل الثمرة تمليكها للغير . وقال في الفتح وتعقب بأن امتناع ذلك غير مستحيل ومنعه تمليكه لنفسه إنما هو لعدم الفائدة والفائدة في الوقف حاصلة لأن استحقاقه اياه ملكا غير استحقاقه أياه وقفا اه . ويؤيد صحة الوقف على النفس حديث الرجل الذي " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندي دينار فقال تصدق به على نفسك " أخرجه أبو داود والنسائي وأيضا المقصود من الوقف تحصيل القربة وهي حاصلة بالصرف إلى النفس

باب وقف المشاع والمنقول

1 - وعن ابن عمر قال " قال عمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن المائة السهم التي لي بخيبر لم أصب مالا قط أعجب الي منها قد اردت أن اتصدق بها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم احبس أصلها وسبل ثمرتها "
- رواه النسائي وابن ماجه

2 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا واحتسابا فإن شبعه وروثه وبوله في ميزان يوم القيامة حسنات "
- رواه أحمد والبخاري

3 - وعن ابن عباس " قال أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحج فقالت امرأة لزوجها احجني مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما عندي ما أحجك عليه قالت احجني على جملك فلان قال ذلك حبيس في سبيل الله فأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله فقال أما انك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله "
- رواه أبو داود . وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في حق خالد " قد احتبس أدراعه واعتاده في سبيل الله "

- حديث ابن عمر أخرجه أيضا الشافعي ورجال إسناده ثقات وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة كما تقدم وله طرق عند الشيخين . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن خزيمة في صحيحه وأخرجه أيضا البخاري والنسائي مختصرا وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وقد تقدم نحوه من حديث أم معقل الأسدية في باب الصرف في سبيل الله وابن السبيل من كتاب الزكاة . وحديث تحبيس خالد لا دراعه واعتاده قد تقدم أيضا في الباب ما جاء في تعجيل الزكاة من كتاب الزكاة : قوله " إن المائة السهم " الخ استدل المصنف بهذا الحديث على صحة وقف المشاع وقد حكى ذلك في البحر عن الهادي والقاسم والناصر والشافعي وأبي يوسف ومالك واحتج لهم بأن عمر وقف مائة سهم بخيبر ولم تكن مقسومة . وحكى في البحر أيضا عن الأمام يحيى ومحمد أنه لا يصح وقف المشاع لأن من شرطه التعيين وحكى أيضا عن المؤيد بالله أنه يصح فيما قسمته مهايأة لا في غيره لتأديته إلى منع القسمة أو بيع الوقف . وعن أبي طالب يصح فيما قسمته افراز كالأرض المستوية وإلا فلا . وأوضح ما أحتج به من منع من وقف المشاع إن كل جزء من المشترك محكوم عليه بالمملوكية للشريكين فيلزم مع وقف أحد الشريكين أن يحكم عليه بحكمين مختلفين متضادين مثل صحة البيع بالنسبة إلى كونه مملوكا وعدم الصحة بالنسبة إلى كونه موقوفا فيتصف كل جزء بالصحة وعدمها ويتصف بذلك الجملة وأجاب صاحب المنار عن هذا بأنه نظير العتق المشاع وقد صح ذلك هناك كحديث الستة الا عبد كما صح هنا وإذا صح من جهة الشارع بطل هذا الاستدلال . وقد استدل البخاري على صحة وقف المشاع بحديث أنس في قصة بناء المسجد وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ثامنوني حائطكم فقالوا لانطلب ثمنه إلا الي الله عز و جل " وهذا ظاهر في جواز وقف المشاع ولو كان غير جائز لانكر عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قولهم هذا وبين لهم الحكم . وحكى ابن المنير عن مالك أنه لا يجوز وقف المشاع إذا كان الواقف واحدا لأنه يدخل الضرر على شريكه : قوله " من احتبس فرسا " الخ فيه دليل على أنه يجوز وقف الحيوان وإليه ذهب العترة والشافعي والجمهور . وقال أبو حنيفة لا يصح لعدم دوامه . وقال محمد لا يصح في الخيل فقط إذ هي معروضة للتلف . وحديث الباب يرد عليهما . ويؤيد الصحة حديث عمر بن الخطاب المتقدم في باب النهي المتصدق أن يشتري ما تصدق به من كتاب الزكاة فإن فيه أن عمر حمل على فرس في سبيل الله واطلع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وقرره ونهاه عن شرائه برخص وقد ترجم عليه البخاري في كتاب الوقف باب وقف الدواب والكراع والعروض والصامت ومن أدلة الصحة حديث ابن عباس المذكور وحديث تحبيس خالد يدل على جواز وقف المنقولات وقد تقدم الكلام عليه

باب من وقف أو تصدق على أقربائه أو وصى لهم من دخل فيه

1 - عن أنس " أن أبا طلحة قال يا رسول الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلى بيرحاء وأنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله أرك الله فقال بخ بخ ذلك مال رابح مرتين وقد سمت أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه "
- متفق عليه . وفي رواية " لما نزلت هذه الآية لو تنالوا البر قال أبو طلحة يا رسول الله أرى لبنا يسألنا من أموالنا فاشهدك أني جعلت أرضي بير حاء لله فقال أجعلها في قرابتك قال فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب " رواه أحمد ومسلم : وللبخاري معناه وقال فيه " اجعلها لفقراء قرابتك " قال محمد بن عبد الله الأنصاري أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام يجتمعان إلى حرام وهو الأب الثالث وأبي بن كعب بن قيس بن عتيك بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك ابن النجار فعمر ويجمع حسانا وأبا طلحة وأبيا وبين أبي وأبي طلحة ستة أباء

2 - وعن أبي هريرة قال " لما نزلت هذه الآية وأنذر عشيرتك الأقربين دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بين عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسكي من النار فأني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سابلها بيلالها "
- متفق عليه ولفظه لمسلم

- قوله " بيرحاء " بفتح الموحدة وسكون التحتية وفتح الراء وبالمهملة والمد وجاء في ضبطه أوجه كثيرة جمعها ابن الأثير في النهاية فقال ويروي بفتح الباء وكسرها وبفتح الراء وضمها وبالمد والقصر فهذه ثمان لغات . وفي رواية حماد بن سلمة بريحا بفتح أوله وكسر الراء وتقديمها على التحتانية وهي عند مسلم ورجح هذه صاحب الفائق وقال هي وزن فعيلة من البراح وهي الأرض الظاهرة المنكشفة وعند أبي داود باريحا وهو بإشباع الموحدة والباقي مثله ووهم من ضبطه بكسر الموحدة وفتح الهمزة فإن أريحا من الأرض المقدسة . قال الباجي أفصحها بفتح الباء الموحدة وسكون الياء وفتح الراء مقصورا وكذا جزم به الصغاني . وقال الباجي أيضا أدركت أهل العلم ومنهم أبو ذر يفتحون الراء في كل حال قال الصوري وكذا الباء الموحدة " قوله " بخ بخ " كلاهما بفتح الموجدة وسكون المعجمة وقد ينون مع التثقيل أو التخفيف بالكسر وبالرفع لغات . قال في الفتح وإذا كررت فالأختيار أن تنون وتسكن الثانية وقد يسكنان جميعا كما قال الشاعر بخ بخ لوالده وللمولد . ومعناهما تفخيم الأمر والأعجاب به : قوله " رابح " شك القعنبي هل هو بالتحتانية أو بالموحدة ورواه البخاري عنه بالشك : قوله " في الأقربين " اختلف العلماء في الأقارب فقال أبو حنيفة القرابة كل ذي رحم محرم من قبل الأب أو الأم ولكن يبدأ بقرابة الأب قبل الام . وقال أبو يوسف ومحمد من جمعهم أب منذ الهجرة من قبل أب أو أم من غير تفصيل زاد زفر ويقدم من قرب وهو رواية عن أبي حنيفة وأقل من يدفع له ثلاثة وعند محمد أثنان وعند أبي يوسف واحد ولا يصرف للأغنياء عندهم الا أن شرط ذلك . وقالت الشافعية القريب من اجتمع في النسب سواء قرب أم بعد مسلما كان أو كافرا غنيا أو فقيرا ذكرا أو أنثى وارثا أو غير وارث محرما أو غير محرم واختلفوا في الأصول والفروع على وجهين وقالوا إن وجد جمع محصورون أكثر من ثلاثة استوعبوا . وقيل يقتصل على ثلاثة وان كانوا غير محصورين فنقل الطحاوي الأتفاق على البطلان . قال الحافظ وفيه نظر لأن عند الشاعفية وجها بالجواز ويصرف منهم لثلاثة ولا يجب التسوية وقال أحمد في القرابة كالشافعي الا أنه أخرج الكافر وفي رواية عنه القرابة كل من جمعه والموصي الأب الرابع إلى ما هو أسفل منه . وقال مالك يختص بالعصبة سواء كان يرثه أولا ويبدأ بفقرائهم حتى يغنوا ثم يعطي الأغنياء هكذا في لافتح . وحكى في البحر عن مالك أن ذلك يختص بالوارث وعند الهادوية إن القرابة والأقارب إن ولده جدا أبو الواقف واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل سهم ذوي القربى لبني هاشم وهاشم جد أبيه عبد الله وهذا ظاهر في جد الأب وأما جد الأم فلا بل هو يدل على خلاف المدعي من هذه الحيثية إذ لم يصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ينسب إلى جد أمه وأجاب صاحب شرح الاثمار ان خروج من ينتسب إلى جد الأم هنا مخصص من عموم الآية والعموم يصح تخصيصه فلا يلزم إذا خص ههنا أن يخرجوا حيث لم يخص . وقد استدل ايضا على خروج من ينتسب إلى جد الأم بأنهم ليسوا بقرابة لأن القرابة العشيرة والعصبة وليس من كان من قبل الأم بعصبة ولا عشيرة وإن كانوا أرحاما وأصهارا ولهذا قال في البحر وقرابتي أو ذو وأرحامي لمن ولده جد أبيه ما تناسلوا لصرفه صلى الله عليه وآله وسلم سهم ذوي القربى في الهاشميين والمطلبيين وعلل إعطاء المطلبييين بعدم الفرقة لا القرب وهو الظاهر كما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم التصريح بذلك لما سأله بعض بني عبد شمس عن تخصيص المطلبيين بالعطاء دونهم فقال إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام
ولو كان الصرف إليهم لقرابتي فقط لكان حكمهم وحكم بني عبد شمس واحدا لأنهم متحدون في القرب إليه صلى الله عليه وآله وسلم : قوله " أفعل " بضم اللام على أنه قول أبي طلحة : قوله " فقسمها أبو طلحة " فيه تعيين أحد الاحتمالين في لفظ أفعل فإنه احتمل أن يكون فاعله أبو طلحة كما تقدم واحتمل أن يكون صيغة أمر وانتفى هذا الاحتمال الثاني بهذه الرواية وذكر ابن عبد البر ان إسماعيل القاضي رواه عن القعنبي عن مالك فقال في روايتة فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أقاربه وبني عمه أي في أقارب أبي طلحة وبني عمه . قال ابن البر اضافة القسم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان شائعا في لسان العرب على معنى أنه الآمر به لكن أكثر الرواة لم يقولوا ذلك والصواب رواية من قال ابن عبد البر اضافة القسم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان شائعا في لسان العرب على معنى أنه الآمر به لكن أكثر الرواة لم يقولوا ذلك والصواب رواية من قال فقسمها أبو طلحة . قوله " في أقاربه وبني عمه " في الرواية الثانية فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب وقد تمسك به من قال أقل من يعطى من الأقارب إذا لم يكونوا منحصرين اثنان وفي نظر لأنه وقع في رواية للبخراي فجعلها أبو طحلة في ذوى رحمه وكان منهم حسان وأبي بن كعب فدل ذلك على أنه أعطى غيرهما معهما وفي مرسل أبي بكر بن حزم فرده على أقاربه أبي بن كعب وحسان بن ثابت وأخيه أو ابن أخيه شداد بن اوس ونبيط بن جابر فتقاوموه فباع حسان حصته من معاوية بمائة ألف درهم . قوله " ابن حرام " بالمهملتين : قوله " ابن زيد مناة " هو بالإضافة : قوله " وبين أبي وأبي طلحة ستة آباء " قال في الفتح هو ملبس مشكل وشرع الدمياطي في بيانه ويغني عن ذلك ما وقع في رواية المستملي حيث قال عقب ذلك وأبي بن كعب هو ابن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار فعمرو بن مالك يجمع حسانا وأبا طلحة وأبيا اه وفي قصة أبي طلحة هذه فوائد منها إن الوقف لا يحتاج في انعقاده إلى قبول الموقوف عليه ( واستدل ) به الجمهور على أن من أوصى أن يفرق ثلث ماله حيث أرى الله الوصي أنها تصح ويفرقه الوصي في سبيل الخير ولا يأكل منه شيئا ولا يعطى منه وارثا للميت وخالف في ذلك أبو ثور . وفيه جواز التصدق من الحي في غير مرض الموت بأكثر من ثلث ماله لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يستفصل أبا طلحة عن قدر ما تصدق به . وقال لسعد بن أبي وقاص في مرضه الثلث كثير . وفيه تقديم الأقرب من الأقارب على غيرهم . وفيه جواز اضافة حب المال إلى الرجل الفاضل العالم ولانقص عليه في ذلك . وقد أخبر الله تعالى عنه الأنسان أنه لحب الخير الشديد والخير هنا المال اتفاقا كما قال صاحب الفتح . وفيه التمسك بالعموم لأن أبا طلحة فهم من قوله تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } تناول ذلك لجميع أفراده فلم يقف حتى يرد عليه اللبيان عن شيء بعينه بل بادر إلى اتفاق ما يحبه فأقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك
وفيه جواز تولى المتصدق لقسم صدقته . وفيه جواز أخذ الغني من صدقة التطوع إذا حصلت له بغير مسألة واستدل على مشروعية الحبس والوقف . قال الحافظ ولا حجة فيه لاحتمال أن تكون صدقة أبي طلحة صدقة تمليك قال وهو ظاهر سياق الماجشون عن إسحاق يعني في رواية البخاري وفيه أنه لا يجب الاستيعاب لأن بني حرام الذي اجتمع فيه أبو طلحة وحسان كانوا بالمدينة كثيرا : قوله " فعم وخص " أي جاء بالعام أولا فنادى بني كعب ثم خص بعض البطون فنادى بني مرة بن كعب وهم بطن من بني كعب ثم كذلك . وفيه دليل على أن جميع من ناداهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطلق عليه لفظ الأقربين لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك ممتثلا لقوله تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين } واستدل به أيضا على دخول النساء في الأقارب لعموم اللفظ ولذكره صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة . وفي رواية للبخاري من حديث أبي هريرة هذا أيضا أنه صلى الله عليه وآله وسلم ذكر عمته صفية . واستدل به أيضا على دخول الفروع وعلى عدم التخصيص بمن يرث ولا بمن كان مسلما . قال في الفتح ويحتمل أن يكون لفظ الأقربين صفة لازمة للعشيرة والمراد قومه وهم قريش . وقد روى ابن مردويه من حديث عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر قريشا فقال وأنذر عشيرتك الأقربين يعني قومه وعلى هذا فيكون قد أمر بإنذار قومه فلا يختص بالأقرب منهم دون الأبعد فلا حجة فيه في مسألة الوقف لأن صورتها ما إذا وقف على قرابته أو على أقرب الناس إليه مثلا والآية تتعلق بإنذار العشيرة : وقال ابن المنير لعله كان هنالك قرينة فهم بها صلى الله عليه وآله وسلم تعميمي الإنذار ولذلك عمهم اه ويحتمل أن يكون أولا خص اتباعا لظاهر القرابة لما عنده من الدليل على التعميم لكونه أرسل إلى الناس كافة : قوله " سأبلها ببلاها " بكسر الباء قال في القاموس بل رحمه بلا وبلابا بالكسر وصلها وكقطام اسم لصلة الرحم اه

باب أن الوقف على الولد يدخل فيه ولد الولد بالقرينة لا بالطلاق

1 - عن أنس قال " بلغ صفية أن حفصة قالت بنت يهودي فبكت فدخل عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي تبكي وقالت قالت لي حفصة أنت ابنة يهودي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم انك لابنة نبي وإن عمك لنبي وانك لتحت نبي فبم تفتخر عليك ثم قال اتقي الله يا حفصة "
- رواه أحمد والترمذي وصححه

2 - وعن أبي بكرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعد المنبر فقال ان ابني هذا سيد يصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين يعني الحسن بن علي "
- رواه أحمد والبخاري والترمذي

3 - وفي حديث عن أسامة بن زيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي وأما أنت يا علي فختني وأبو ولدي "
- رواه أحمد

4 - وعن أسامة بن زيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال وحسن وحسين على وريه هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم أني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما "
- رواه الترمذي . وقال حديث حسن غريب

5 - وعن البراء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنا النبي لا كذب . أنا ابن عبد المطلب "
- وهو في حديث متفق عليه

6 - وعن زيد بن أرقم قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول اللهم أغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار "
- رواه أحمد والبخاري . وفي لفظ " أغفر للأنصار ولذرارى الأنصار ولذرارى ذراريهم " . رواه الترمذي وصححه

- حديث أنس أخرجه أيضا النسائي . وحديث أسامة بن زيد الأول قد ورد في معنى المقصود منه أحاديث . منها عن عمر بن الخطاب رفعه عند الطبراني بلفظ " كل ولد أم فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فأني أنا أبوهم وعصبتهم " وعن ابن عباس عند الخطيب بنحوه . وعن جابر عند الطبراني في الكبير بنحوه أيضا قال السخاوي في رسالته الموسومة بالإسعاف بالجواب على مسألة الإشراف بعد أن ساق حديث جابر بلفظ " إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وإن الله جعل ذريتي في صلب علي ابن أبي طالب " ما لفظه وقد كنت سئلت عن هذا الحديث وبسطت الكلام عليه وبينت أنه صالح للحجة وبالله التوفيق اه وفي الميزان في حرف العين منه في ترجمة عبد الرحمن بن محمد الحاسب ما لفظه لا يدري من ذا وخبره مكذب وروي الخطيب من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد عن أبيه عن خزيمة بن حازم حدثني المنصور يعني الدوانيقي حدثني أبي عند أبيه على عن جده قال " كنت أنا وأبي العباس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ دخل على فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لله أشد حبا لهذا مني إن الله جعل ذرية كل نبي من صلبه وجعل ذريتي في صلب علي " اه وذكر في الميزان أيضا في ترجمة عثمان بن أبي شيبة أحاديث عنه من جملتها حديث " لكل بني أب عصبة ينتمون إليه الا ولد فاطمة أنا عصبتهم " ثم حكى عن العقيلي بعد أن ساق هذا الحديث وغيره أنه قال عبد الله بن أحمد بن حنبل أنكر أبي هذه الأحاديث أنكرها جدا وقال هذه موضوعة مع أحاديث من هذا النحو . قال الذهبي بعد ذلك قلت عثمان بن أبي شيبة لا يحتاج إلى متابع ولا ينكر له أني نفرد بأحاديث لسعة ما روي وقد يغلط . وقد اعتمده الشيخان في صحيحهما اه وحديث أسامة الآخر أخرج نحوه الترمذي أيضا من حديث البراء بدون قوله هذان ابناء ولفظه " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبصر حسنا وحسينا فقال اللهم أني أحبها فأحبهما " وأخرجه أيضا الشيخان من حديثه بلفظ " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسن على عاتقه يقول اللهم أني أحبه فأحبه " : قوله " انك لابنة نبي " إنما قال لها ذلك لأنها من ذرية هرون وعمها موسى وبنو قريظة من ذرية هرون فسمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هرون أبا لها وبينها وبينه آباء متعددون وكذلك جعل الحسن ابنا له وهو ابن ابنته وكذلك الحسين كما في سائر الأحاديث ووصف نفسه بأنه ابن عبد المطلب وهو جده وجعل الأنصار حكم الأنصار كله يدل على أن حكم أولاد الأولاد حكم الأولاد فمن وقف على خلاف ومما يؤيد القول بدخول أولاد البنات ما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي عن أبي موسى الأشعري قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابن أخت القوم منهم " وللأحاديث المذكورة في الباب فوائد خارجة عن مقصود المصنف من ذكرها في هذا الباب والتعرض لذلك يستدعي بسطا طولا لفتقتصر على بيان المطلوب منها ههنا

باب ما يصنع بفاضل مال الكعبة

1 - عن أبي وائل قال " جلست إلى شيبة في هذا المسجد فقال جلس إلى عمر في مجلسك هذا فقال لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء الا قسمتها بين المسلمين ما أنت بفاعل قال لم قلت لم يفعله صاحباك فقال هما المرآن يقتدي بهما "
- رواه أحمد والبخاريز

2 - وعن عائشة قالت " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية أو قال بكفر لانفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالأرض ولأدخلت فيها من الحجر "
- رواه مسلم

- قول " جلست إلى شيبة " هو ابن عثمان بن طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الله بن عبد الدار بن قصي العبدري الحجبي بفتح المهملة والجيم ثم موحدة نسبة إلى حجابة الكعبة . قوله " فيها " أي في الكعبة والمراد بالصفراء الذهب والبيضاء الفضة قال القرطبي غلط من ظن أن المراد بذلك حلية الكعبة وإنما أراد الكنز الذي بها وهو ما كان يهدي إليها فيدخر ما يزيد عن الحاجة وأما الحلى فمحبسة عليها كالقناديل فلا يجوز صرفها في غيرها . قال ابن الجوزي كانوا في الجاهلية يهدون إلى الكعبة المال تعظيما لها فيجتمع فيها . قوله " هما المرآن " تثنية مرء بفتح الميم ويجوز ضمها والراء ساكنة على كل حال بعدها همزة أي الرجلان قوله يقتدي بهما في رواية للبخاري أقتدي بها قال ابن بطال أراد عمر بذلك لكثرة انفاقه في منافع المسلمين ثم لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتعرض له أمسك وإنما ترك ذلك لأن ما جعل في الكعبة وسبل لها يجري مجرى الأوقاف فلا يجوز تغييره عن وجهه وفي ذلك تعظيم للإسلام وترهيب للعدو . قال في الفتح أما التعليل الأول فليس بظاهر من الحديث بل يحتمل أن يكون تركه صلى الله عليه وآله وسلم رعاية لقلوب قريش كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ثم أيد هذا الاحتمال بحديث عائشة المذكور في الباب ثم قال فهذا هو التعليل المعتمد اه والمصير إلى هذا الاحتمال لا بد منه لنصه صلى الله عليه وآله وسلم عليه فلا يلتفت إلى الاحتمالات المخالفة له وعلى هذا فإنفاقه جائز كما جاز لابن الربير بناء البيت على قواعد إبراهيم لزوال السبب الذي لأجله ترك بناءه صلى الله عليه وآله وسلم . واستدل التقي السبكي بحديث أبي وائل هذا على جواز تحلية الكعبة بالذهب والفضة وتعليق قناديلهما فيها وفي مسجد المدينة فقال هذا الحديث عمدة في مال الكعبة وهو ما يهدي إليها أو ينذر لها قال وأما قول الشافعي لا يجوز تحلية الكعبة بالذهب والفضة ولا تعليق قناديلهما فيها ثم حكى وجهين في ذلك أحدهما الجواز تعظيما كما في المصحف والآخر المنع إذ لم يقل أحد من السلف به فهذا مشكل لأن للكعبة من التعظيم ما لليس لبقية المساجد بدليل تجويز سترها بالحرير والديباج وفي جواز ستر المساجد بذلك خلاف ثم تمسك للجواز بما وقع في أيام الوليد بن عبد الملك من تذهيبه سقوف المسجد النبوي قال ولم ينكر ذلك عمر ابن عبد العزيز ولا أزاله في خلافته ثم استدل للجواز بأن تحريم استعمال الذهب والفضة إنما هو فيما يتعلق بالأواني المعدة للأكل والشرب ونحوهما قال وليس في تحلية المساجد بالقناديل الذهب شيء من ذلك ويجاب عنه بأن حديث أبي وائل لا يصلح للاستدلال به على جواز تحلية الكعبة وتعليق القناديل من الذهب والفضة كما زعم لأنه إن أراد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على ذلك وقرره فقد عرفت الحامل له صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وإن أراد الإجماع من الصحابة أو ممن بعدهم عليه فممنوع وإن أراد غير ذلك فما هو . وأما القياس على ستر الكعبة بالحرير والديباج فقد تعقب بأن تجويز ذلك قام الإجماع عليه وأما التحلية بالذهب والفضة فلم ينقل عن فعل من يقتدي به كما قال في الفتح وفعل الوليد وترك عمر بن عبد العزيز لا حجة فيهما نعم القول بالتحريم يحتاج إلى دليل ولا سيما مع ما قدمنا من اختصاص تحريم استعمال آنية الذهب والفضة بالأكل والشرب ولكن لا أقل من الكراهة فإن وضع الأموال التي ينتفع بها أهل الحاجات في المواضع التي لا ينفع الوضع فيها آجلا ولا عاجلا مما لا شك في كراهته

كتاب الوصايا

باب الحث على الوصية والنهي عن الحيف فيها وفضيلة التنجيز حال الحياة

1 - عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه الا ووصيته مكتوبة عند رأسه "
- رواه الجماعة واحتج به من يعمل بالخط إذا عرف

- قوله " كتاب الوصايا " قال في الفتح الوصايا جمع وصية كالهدايا وتطلق على فعل الموصى وعلى ما يوصى به من مال أو غيره من عهد ونحوه فتكون بمعنى المصدر وهو الأيصاء وتكون بمعنى المفعول وهو الأسم . وهي في الشرع عهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت قال الأزهري الوصية من وصيت الشيء بالتخفيف أصيه إذا وصلته وسميت وصية لأن الميت يصل بها ما كان في حياته بعد مماته ويقال وصية بالتشديد ووصاة بالتخفيف بغير همز وتطلق شرعا أيضا على ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات : قوله " ما حقط ما نافية بمعنى ليس والخبر ما بعد إلا . وروى الشافعي عن سفيان بلفظ " ما حق امرئ يؤمن بالوصية " الحديث أي يؤمن بأنها حق كما حكاه ابن عبد البر عن ابن عيينة وروراه ابن عبد البر والطحاوي بلفظ " لا يحل لامرئ مسلم له مال " وقال الشافعي معنى الحديث ما الحزم والاحتياط للمسلم الا أن تكون وصيته مكتوبة عند وكذا قال الخطابي : قوله " مسلم " قال في الفتح هذا الوصف خرج مخرج العالب فلا مفهوم له او ذكر للتهييج لتقع المبادرة إلى الأمتثال لما يشعر به من نفي الإسلام عن ترك ذلك ووصية الكافر جائزة في الجملة وحكى ابن المنذر فيه الإجماع : قوله يبيت صفة لمسلم كما جزم به الطيبي . قوله " ليلتين " في رواية للبيهقي وأبي عوانة ليلة أو ليلتين . لمسلم والنسائي ثلاث ليال . قال الحافظ وكأن ذكر الليلتين والثلاث لرفع الحرج لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إلى ذكرها ففسح له هذا القدر ليتذكر ما يحتاج إليه واختلاف الروايات فيه دال على أنه للتقريب لا للتحديد والمعنى لا يمضي عليه زمان وإن كان قليلا الا ووصيته مكتوبه وفيه اشارة إلى اغتفار الزمن اليسير وكأن الثلاث غاية التأخير ولذلك قال ابن عمر لم أبت ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك الا ووصيتي عندي . قال الطيبي في تخصيص الليلتين والثلاث بالذكر تسامح في إرادة المبالغة أي لا ينبغي أن يبيت زمنا ما وقد سامحناه في الليلتين والثلاث فلا ينبغي له أن يتجاوز ذلك . قال العلماء لا يندب أن يكتب جميع الأشياء المحقرة ولاما جرت العادة بالخروج منه والوفاء به عن قرب . ( وقد استدل ) بهذا الحديث مع قوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } الآية على وجوب الوصية وبه قال جماعة من السلف منهم عطاء والزهري وأبو مجلز وطلحة بن مصرف في آخرين وحكاه البيهقي عن الشافعي في القديم وبه قال إسحاق وداود وأبو عوانة الأسفرايني وابن جرير . قال في الفتح وآخرون وذهب الجمهور إلى أنها مندوبة وليست بواجبة ونسب ابن عبد البر القول بعدم الوجوب إلى الإجماع وهي مجازفة لما عرفت . وأجاب الجمهور عن الآية بأنها منسوخة كما في البخاري عن ابن عباس قال " كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل لكل واحد من الأبوين السدس . وأجاب القائلون بالوجوب بأن الذي نسخ الوصية للوالدين والأقارب الذي يرثون وأما من لا يرث فليس في الآية ولا في تفسير ابن عباس ما يقتضي النسخ في حقه وأجاب من قال بعدم الوجوب عن الحديث بأن قوله " ما حق " الخ للحزم والأحتياط لأنه قد يفجؤه الموت وهو على غير وصية . وقيل الحق لغة الشيء الثابت ويطلق شرعا على ما يثبت به الحكم وهو أعم من أن يكون واجبا أو مندوبا وقد يطلق على المباح قليلا قاله القرطبي
وأيضا تفويض الأمر إلى أرادة الموصي يدل على عدم الوجوب ولكنه يبقى الأشكال في الرواية المتقدمة بلفظ " لا يحل لامرئ مسلم " وقد قيل أنه يحتمل ان روايها ذكرها بالمعنى وأراد ينفي الحل ثبوت الجواز بالمعنى الأعم الذي يدخل تحته الواجب والمندوب والمباح وقد اختلف القائلون بالوجوب فقال أكثرهم تجب الوصية في الجملة وقال طاوس وقتادة وجابر بن زيد في آخرين تجب للقرابة الذي لا يرثون خاصة . وقال أبو ثور وجوب الوصية في الآية والحديث يختص بمن عليه حق شرعي يخشى أن يضيع على صاحبه ان لم يوص به كالوديعة والدين ونحوهما قال ويدل على ذلك تقييده بقوله " له شيء يريد أن يوصي فيه " قال في الفتح وحاصله يرجع إلى قول الجمهور ان الوصية غير واجبة بعينها وإنما الواجب بعينه الخروج من الحقوق الواجبة للغير سواء كان بتنجيز أو وصية ومحل وجوب الوصية إنما هو إذا كان عاجزا عن تنجيزه ولم يعلم بذلك غيره ممن يثبت الحق بشهادة فأما إذا كان قادرا أو علم بها غيره فلا وجوب قال وعرف من مجموع ما ذكرنا ان الوصية قد تكون واجبة وقد تكون مندوبة فيمن رجامتها كثرة الأجر ومكروهة في عكسه ومباحة فيمن استوى الأمران فيه ومحرمة فيما إذا كان فيها اضرار كما ثبت عن ابن عباس " الأضرار في الوصية من الكبائر " رواه سعيد بن منصور موقوفا بإسناد صحيح ورواه النسائي مرفوعا ورجاله ثقات . قد استدل من قال بعدم وجوب الوصية بما ثبت في البخاري وغيره عن عائشة أنها انكرت أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى وقالت متى أوصى وقد مات بين سحري ونحري وكذلك ما ثبت أيضا في البخاري عن ابن أبي أوفى أنه قال " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يوص " وأخرج أحمد وابن ماجه قال الحافظ بسند قوي عن ابن عباس في أثناء حديث فيه أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس قال في آخره مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يوص قالوا ولو كانت الوصية واجبة لما تركها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأجيب بأن المراد بنفي الوصية منه صلى الله عليه وآله وسلم نفي الوصية بالخلافة لا مطلقا بدليل أنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم بعدة أمور كأمره صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه لعائشة بانفاق الذهيبة كما ثبت من حديثها عند أحمد وابن سعد وابن خزيمة . وفي المغازي لابن إسحاق عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال لم يوص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند موته الا بثلاث لكل من الداريين والرهاويين والأشعريين بجاد مائة وسق من خيبر وان لا يترك في جزيرة العرب دينان وأن ينفذ بعث أسامة . وفي صحيحي مسلم عن ابن عباس وأوصى بثلاث أن يجيزوا الوفد بنحوما كنت أجيزهم الحديث . وأخرج أحمد والنسائي وابن سعد عن أنس " كانت غاية وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم " وله شاهد من حديث علي عند أبي داود وابن ماجه . ومن حديث أم سلمة عند النسائي بسند جيد
والأحاديث في هذا الباب كثيرة أورد منها صاحب الفتح في كتاب الوصايا شطرا صالحا وقد جمعت في ذلك رسالة مستقلة . واستدلوا أيضا على توجيه نفي من نفي الوصية مطلقا إلى الخلافة بما في البخاري عن عمر " قال مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يستخلف " وبما أخرجه أحمد والبيهقي عن علي " أنه لما ظهر يوم الجمل قال يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا " الحديث . قال القرطبي كانت الشيعة قد وضعوا أحاديث في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بالخلافة لعلي فرد ذلك جماعة من الصحابة وكذا من بعدهم فمن ذلك ما استدلت به عائشة يعني الحديث المتقدم . ومن ذلك إن عليا لم يدع ذلك لنفسه ولا بعد أن ولى الخلافة ولا ذكره لأحد من الصحابة يوم السقيفة وهؤلاء ينتقصون عليا من حيث قصدوا تعظيمه لأنهم نسبوه مع شجاعته العظمى وصلابته إلى المداهنة والتقييد والأعراض عن طلب حقه مع قدرته على ذلك اه ولا يخفى أن نفي عائشة للوصية حال الموت لا يستلزم نفيها في جميع الأوقات فإذا أقام البرهان الصحيح من يدعي الوصاية في شيء معين قبل . قوله " مكتوبة عند رأسه " استدل بهذا على جواز الأعتماد على الكتابة والخط ولو لم يقترن بالشهادة وخص محمد بن نصر من الشافعية ذلك بالوصية لثبوت الخبر فيها دون غيرها من الأحكام . قال الحافظ وأجاب الجمهور بأن الكتابة ذكرت لما فيها من ضبط المشهود به قالوا ومعنى قوله " وصيته مكتوبه عنده " أي بشرطها . وقال المحب الطبري اضمار الأشهاد فيه بعد وأجيب بأنهم استدلوا على اشتراط الاشهاد بأمر خارج كقوله تعالى { شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية } فإنه يدل على اعتبار الاشهاد في الوصية وقال القرطبي ذكر الكتابة مبالغة في زيادة التوثق وإلا فالوصية المشهود بها متفق عليها ولو لم تكن مكتوبة اه وقد استوفينا الأدلة على جواز العمل بالخط في الاعتراضات التي كتبناها على رسالة الجلال في الهلال فليراجع ذلك فإنه مفيد

2 - وعن أبي هريرة " قال جاء رجل فقال يا رسول الله أي الصدقة أفضل أو أعظم أجرا قال أما وأبيك لتفتأن أن تصدق وأنت شحيح صحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان "
- رواه الجماعة إلا الترمذي

- قوله " أي صدقة أفضل أو أعظم " في رواية للبخاري أفضل وفي أخرى له أعظم . قوله " لتفتأن " بفتح اللام وضم الفوقية وسكون الفاء وبعدها فوقية أيضا ثم همزة مفتوحة ثم نون مشددة وهو من الفتيا وفي نسخة " لتنبأن " بضم التاء وفتح النون بعدها ياء موحدة ثم همزة مفتوحة ثم نون مشددة من النبأ . قوله " أن تصدق " بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين وأصله أن تتصدق والتشديد على الأدغام : قوله " شحيح " قال صاحب المنتهى الشح بخل مع حرص . وقال صاحب المحكم الشح مثلث الشين والضم أولى . وقال صاحب الجامع كأن الفتح في المصدر والضم في الاسم قال الخطابي فيه ان المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه وإن سخاوته بالمال في مرضه لا تمحو عنه سمة البخل فلذلك شرط صحة البدن في الشح بالمال لانه في الحالتين يجد للمال وقعا في قلبه لما يأمله من البقاء فيحذر معه الفقر . قال ابن بطال وغيره لما كان الشح غالبا في الصحة فالسماح فيه بالصدقة أصدق في النية وأعظم للأجر بخلاف من يئس من الحياة ورأى مصير المال لغيره : قوله " وتأمل " بضم الميم أي تطمع . قوله " ولا تمهل " بالإسكان على أنه نهي وبالرفع على أنه نفي ويجوز النصب . قوله " حتى إذا بلغت الحلقوم " أي قاربت بلوغه إذ لو بلغته حقيقة لم يصح شيء من تصرفاته والحلقوم مجرى النفس . قاله أبو عبيدة . قوله " قلت لفلان كذا " الخ قال في الفتح الظاهر إن هذا المذكور على سبيل المثال . وقال الخطابي فلان الأول والثاني الموصي له فلان الأخير الوارث لأنه إن شاء ابطله وإن شاء أجازه . وقال غيره يحتمل أن يكون المراد بالجمع من يوصي له وإنما أدخل كان في الثالث اشارة إلى تقدير القدر له بذلك . وقال الكرماني يحتمل أن يكون الأول للوارث والثاني الموروث والثالث الموصى له . قال الحافظ ويحتمل أن يكون بعضها وصية وبعضها إقرارا ( والحديث يدل ) على أن تنجيز وفاء الدين والتصدق في حال الصحة أفضل منه حال المرض لأنه في حال الصحة يصعب عليه اخراج المال غالبا لما يخوفه به الشيطان ويزين له من امكان طول العمر والحاجة إلى المال كما قال تعالى { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء } وفي معنى الحديث قول تعالى { وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت } الآية . وفي معناه أيضا ما أخرج الترمذي بإسناد حسن وصححه ابن حبان عن أبي الدرداء مرفوعا . قال " مثل الذي يعتق ويتصدق عند موته مثل الذي يهدي إذا شبع " وأخرج أبو داود وصححه ابن حبان من حديث أبي سعيد مرفوعا " لأن يتصدق الرجل في حايته وصحته بدرهم خير له من أن يتصدق عند موته بمائة "

3 - وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " ان الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فيجب لهما النار ثم قرأ أبو هريرة من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله إلى قوله وذلك الفوز العظيم "
- رواه أبو داود والترمذي . ولأحمد وابن ماجه معناه وقالا فيه " سبعين سنة "

- الحديث حسنه الترمذي وفي إسناده شهر بن حوشب وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة . ووثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ولفظ أحمد وابن ماجه الذي أشار إليه المصنف أن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار وان الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيدخل الجنة " وفيه وعيد شديد وزجر بليغ وتهديد لأن مجرد المضارة في الوصية إذا كانت من موجبات النار بعد العبادة الطويلة في السنين المتعددة فلا شك أنها من الذنوب التي لا يقع في مضيقها الا من سبقت له الشقاوة وقراءة أبي هريرة للآية لتأييد معنى الحديث وتقويته لان الله سبحانه قد قيد ما شرعه من الوصية بعدم الضرار فتكون الوصية المشتملة على الضرار مخالفة لما شرعه الله تعالى وما كان كذلك فهو معصية . وقد تقدم قريبا عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا بإسناد صحيح ان وصية الضرار من الكبائر وذلك مما يؤيد معنى الحديث فما أحق وصية الضرار بالابطال من غير فرق بين الثلث وما دونه وما فوقه وقد جمعت في ذلك رسالة مشتملة على فوائد لا يستغني عنها

باب ما جاء في كراهة مجاوزة الثلث والأيصاء للوارث

1 - عن ابن عباس قال " لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الثلث كثير "
- متفق عليه

2 - وعن سعد بن أبي وقاص " انه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعودني من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله اني قد بلغ بي الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني الا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قلت فالشطر يا رسول الله قال لا قلت فالثلث قال الثلث والثلث كثير أو كبير أنك ان تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس "
- رواه الجماعة . وفي رواية أكثرهم " جاءني يعودني في حجة الوداع " وفي لفظ " عادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضي فقال أوصيت قلت نعم قال بكم قلت بمالي كله في سبيل الله قال فما تركت لولدك قال هم أغنياء قال أوص بالعشر فما زال يقول وأقول حتى قال أوص بالثلث والثلث كثير أو كبير " رواه النسائي وأحمد بمعناه الا أنه قال " قلت نعم جعلت مالي كله في الفقراء والمساكين وابن السبيل " وهو دليل على نسخ وجوب الوصية للأقربين

3 - وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ان الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم "
- رواه الدارقطني

- حديث أبي الدرداء أخرجه أيضا أحمد وأخرجه أيضا البيهقي وابن ماجه والبزار من حديث أبي هريرة بلفظ " ان الله تصدق عليكم عند موتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم " قال الحافظ وإسناده ضعيف وأخرجه أيضا الدارقطني والبيهقي من حديث أبي أمامة بلفظ " ان الله تصدق لكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعل لكم زكاة في أموالكم " وفي إسناده إسماعيل بن عياش وشيخه عتبة بن حميد وهما ضعيفان . ورواه العقيلي في الضعفاء عن أبي بكر الصديق وفي إسناده خفص بن عمرو بن ميمون وهو متروك وعن خالد بن عبد الله السلمي عند ابن عاصم وابن السكن وابن قانع وأبي نعيم والطبراني وهو مختلف في صحبته رواه عنه ابنه الحرث وهو مجهول وقد ذكر الحافظ في التلخيص حديث أبي الدرداء ولم يتكلم عليه : قوله " غضوا " بمعجمتين أي نقصوا ولو للتمني فلا تحتاج إلى جواب أو شرطية والجواب محذوف ووقع التصريح بالجواب في رواية ابن أبي عمر في مسنده عن سفيان بلفظ " كان أحب إلي " وأخرجه الإسماعيلي من طريق ومن طريق أحمد بن عبدة عن سفيان . وأخرجه من طريق العباس بن الوليد عن سفيان بلفظ " كان أحب إلى رسول الله " قوله " إلى الربع " زاده أحمد في الوصية وكذا ذكر هذه الزيادة الحميدي . قوله " فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " هو كالتعليل لما اختاره من النقصان عن الثلث وكأنه أخذ ذلك من وصفه صلى الله عليه وآله وسلم للثلث بالكثرة . قوله " والثلث كثير " في رواية مسلم " كثير أو كبير " بالشك هل هو بالموحدة أو المثلثة والمراد أنه كثير بالنسبة إلى ما دونه وفيه دليل على جواز الوصية بالثلث وعلى أن الأولى أن ينقص عنه ولا يزيد عليه قال الحافظ وهو ما يبتدره الفهم ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدق بالثلث هو الأكمل أي كبير أجره ويحتمل أن يكون معناه كثير غير قليل قال الشافعي وهذا أولى معانيه يعني أن الكثرة أمر نسبي وعلى الأول عول ابن عباس كما تقدم والمعروف من مذهب الشافعي استحباب النقص عن الثلث وفي شرح مسلم للنووي ان كان الورثة فقراء استحب ان ينقص منه وان كانوا أغنياء فلا وقد استدل بذلك على انها لا تجوز الوصية بأزيد من الثلث . قال في الفتح واستقر الإجماع على منع بأزيد من الثلث لكن اختلف فيمن ليس له وارث خاص فذهب الجمهور إلى منعه من الزيادة على الثلث وجوز له الزيادة الحنفية وإسحاق وشريك وأحمد في رواية وهو قول علي وابن مسعود واحتجوا بأن الوصية مطلقة في الآية فقيدتها السنة لمن له وارث فبقي من لا وارث له على الأطلاق . وحكاه في البحر عن العترة . قوله " قال الثلث والثلث كثير أو كبير " يعني بالمثلثة أو الموحدة وهو شك من الراوي . قال الحافظ والمحفوظ في أكثر الروايات بالمثلثة قال الثلث بالنصب على الأغراء أو بفعل مضمر نحو عين الثلث وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف . قوله " انك ان تذر " بفتح ان على التعليل وبكسرها على الشرطية قال النووي هما صحيحان وقال القرطبي لا معنى للشرط ههنا لأنه يصير لا جواب له ويبقى خير لا رافع له . وقال ابن الجوزي سمعناه من رواة الحديث بالكسر وأنكره ابن الخشاب وقال لا يجوز الكسر لأنه لا جواب له لخلو لفظ خير عن الفاء وغيرها مما اشترط في الجواب وتعقب بأنه لا مانع من تقديرها كما قال ابن مالك . قوله " ورثتك " قال ابن المنير إنما عبر له صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ الورثة ولم يقل بنتك مع أنه لم يكن له يومئذ الا ابنة واحدة لكون الوارث حينئذ لم يتحقق لان سعدا إنما قال ذلك بناء على موته في ذلك المرض وبقائها بعده حتى ترثه وكان من الجائز ان تمون هي قبله فأجابه صلى الله عليه وآله وسلم بكلام كلي مطابق لكل حالة وهو قول ورثتك ولم يخص بنتا من غيرها . وقال الفاكهي شارح العمدة إنما عبر صلى الله عليه وآله وسلم بالورثة لانه اطلع على أن سعدا سيعيش ويحصل له أولاد غير البنت المذكورة فإنه ولد له بعد ذلك أربعة بنين اه وهم عامر ومصعب ومحمد وعمر وزاد بعضهم إبراهيم ويحيى وإسحاق وزاد ابن سعد عبد الله وعبد الرحمن وعمر أو عمران وصالحا وعثمان وإسحاق الأصغر وعمرا الأصغر وعميرا مصغرا وذكر له من البنات ثنتي عشرة بنتا
قال الحافظ ما معناه أنه قد كان لسعد وقت الوصية ورثة غير ابنته وهم أولاد أخيه عتبة بن أبي وقاص منهم هاشم بن عتبة وقد كان موجودا اذ ذاك . قوله " عالة " أي فقراء وهو جمع عائل وهو الفقير والفعل منه عال يعيل إذا افتقر : قوله " يتكففون الناس " أي يسألونهم باكفهم يقال تكفف الناس واستكف إذا بسط كفه للسؤال أو سأل ما يكف عنه الجوع أو سأل كفافا من طعام قال ابن عبد البر وفي هذا الحديث تقييد مطلق القرآن بالسنة لأنه سبحانه قال { من بعد وصية يوصى بها أو دين } فأطلق وقيدت السنة الوصية بالثلث قال في الفتح وفيه أن خطاب الشارع للواحد يعم من كان يصفته من المكلفين لاطباق العلماء على الأحتجاج بحديث سعد هذا وإن كان الخطاب إنما وقع له بصيغة الأفراد ولقد أبعد من قال إن ذلك يختص بسعد ومن كان في مثل حاله ممن يخلف وارثا ضعيفا أو كان ما يخلفه قليلا . وفي حديث أبي الدرداء وما ورد في معناه دليل على أن الأذن لنا بالتصرف في ثلث أموالنا في أواخر أعمارنا من الألطاف الألهية بنا والتكثير لأعمالنا الصالحة وهو من الأدلة الدالة على اشتراط القربة في الوصية

4 - وعن عمرو بن خارجة " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب على ناقته وأنا تحت جرانها وهي تقصع بجرتها وان لغامها يسيل بين كتفي فسمعته يقول إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث "
- رواه الخمسة الا أبا داود وصححه الترمذي

5 - وعن أبي امامة قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ان الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث "
- رواه الخمسة إلا النسائي

6 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تجوز وصية لوارث الا ان يشاء الورثة "

7 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا وصية لوارث الا أن يجيز الورثة "
- رواهما الدارقطني

- حديث عمرو بن خارجه أخرجه أيضا الدارقطني والبيهقي . وحديث أبي أمامة حسنه الترمذي والحافظ وفي إسناده اسمعيل بن عياش وقد قوى حديثه إذا روى عن الشاميين جماعة من الأئمة منهم أحمد والبخاري وهذا من روايته عن الشاميين لأنه رواه عن شرحبيل بن مسلم وهو شامي ثقة وصرح في روايته بالتحديث . وحديث ابن عباس حسنه في التلخيص وقال في الفتح رجاله ثقات لكنه معلول فقد قيلا إن عطاء الذي رواه عن ابن عباس هو الخراساني وهو لم يسمع من ابن عباس . وأخرج نحوه البخاري من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس موقوفا . قال الحافظ الا انه في تفسير وأخبار بما كان من الحكم قبل نزول القرآن فيكون في حكم المرفوع . وأخرجه أيضا أبو داود في المراسيل عن مرسل عطاء الخراساني ووصله يونس بن راشد عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال الحافظ والمعروف المرسل . وحديث عمرو بن شعيب قال في التلخيص إسناده واه ( وفي الباب ) عن أنس عند ابن ماجه . وعن جابر عند الدارقطني وصوب إرساله وعن علي عنده أيضا وإسناده ضعيف وهو عند ابن أبي شيبة وعن مجاهد مرسلا عند الشافعي قال في الفتح ولا يخلو إسناد كل منهامن مقال لكن مجموعها يقتضي أن للحديث أصلا بل جنح الشافعي في الأم إلى أن هذا المتن متواتر فقال وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عام الفتح لا وصية لوارث ويأثرونه عمن حفظوه فيه ممن لقوه من أهل العلم فكان نقل كافة عن كافة فهو أقوى من نقل واحد وقد نازع الفخر الرازي في كون هذا الحديث متواترا قال وعلى تقدير تسليم ذلك فالمشهور من مذهب الشافعي ان القرآن لا ينسخ بالسنة قال الحافظ لكن الحجة في هذا اجماع العلماء على مقتضاه كما صرح به الشافعي وغيره قال والمراد بعدم صحة وصية الوارث عدم اللزوم لأن الأكثر على أنها موقوفة على إجازة الورثة . وقيل أنها لا تصح الوصية لوارث أصلا وهو الظاهر لأن النفي أما أن يتوجه إلى الذات والمراد لا وصية شرعية وأما إلى ما هو أقرب إلى الذات وهو الصحة ولا يصح أن يتوجه ههنا إلى الكمال الذي هو أبعد المجازين . وحديث ابن عباس المذكور وان دل على صحة الوصية لبعض الورثة مع رضا البعض الآخر فهو لا يدل على أن النفي غير متوجه إلى الصحة بل هو متوجه إليها وإذا رضى الوارث كانت صحيحة كما هو شأن بناء العام على الخاص وهكذا حديث عمرو بن شعيب . وحكي صاحب البحر عن الهادي والناصر وأبي طالب وأبي العباس أنها تجوز الوصية للوارث واستدلوا بقوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } قالوا في نسخ الوجوب لا يستلزم نسخ الجواز وأجاب الجمهور عن ذلك بأن الجواز أيضا منسوخ كما صرح بذلك حديث ابن عباس المذكور في الباب وقد اختلف في تعيين ناسخ آية الوصية للوالدين والأقربين فقيل آية الفرائض وقيل الأحاديث المذكورة في الباب وقيل دل الإجماع على ذلك وأن لم يتعين دليله هكذا في الفتح . وقد قيل ان الآية مخصوصة لأن الأقربين أعم من أن يكونوا وارثين أم لا فكانت الوصية واجبة لجميهم وخص منها الوارث بآية الفرائض وبأحاديث الباب وبقي حق من لا يرث من الأقربين من الوصية على حاله قاله طاوس وغيره : قوله وأنا تحت " جرانها " بكسر الجيم قال في القاموس جران البعير بالكسر مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره : قوله " وهي تقصع بجرتها " الجرة بكسر الجيم وتشديد الراء . قال في القاموس الجرة بالكسر هيئة الجر وما يفيض عنه البعير فيأكله ثانية وقد اجتر واجر واللقمة بها البعير إلى وقت علفه والقصع البلع . قال في القاموس قصع كمنع ابتلع جرع الماء والناقة بجرتها ردتها إلى جوفها أو مضغتها أو هو بعد الدسع وقبل المضغ أو هو أن تملأ بها فاها أو شدة المضغ اه : قوله " وإن لغامها " بضم اللام بعدها غين معجمة وبعد الألف ميم هو اللعاب . قال في القاموس لغم الجمل كمنع رمى بلعابه لزبده . قال والملاغم ما حول الفم : قوله " الا أن يشاء الورثة " في ذلك رد على المزني وداود والسبكي حيث قالوا أنها لا تصح الوصية بما زاد على الثلث ولو أجاز الورثة واحتجوا بالأحاديث الآتية في الباب الذي بعد هذا ولكن في هذا الحديث وحديث عمرو بن شعيب المذكور بعده زيادة يتعين القول بها
قال الحافظ ان صحت هذه الزيادة فهي حجة واضحة واحتجوا من جهة المعنى بأن المنع إنما كان في الأصل لحق الورثة فإذا أجازوه لم يمتنع واختلفوا بعد ذلك في وقت الإجازة فالجمهور على أنهم إن أجازوا في حياة الموصى كان لهم الرجوع متى شاؤا وإن أجازوا بعد نفذ . وفصل المالكية في الحياة بين مرض الموت وغيره فألحقوا مرض الموت بما بعده واستثنى بعضهم ما إذا كان المجيز في عائلة الموصى وخشى من امتناعه انقطاع معروفه عنه لوعاض فإن لمثل هذا الرجوع . وقال الزهري وربيعة ليس لهم الرجوع مطلقا واتفقوا على اعتبار كون الموصي له وارثا يوم الموت حتى لو أوصى لأخيه الوراث حيث لا يكون للموصي ابن ثم ولد له ابن قبل موته صحت الوصية للأخ المذكور ولو أوصى لأخيه وله ابن فمات الابن قبل موت الموصي فهي وصية لوارث

باب في أن تبرعات المريض من الثلث

1 - عن أبي زيد الأنصاري " أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته ليس له مال غيرهم فأقرع بينهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعتق اثنين وأرق أربعة "
- رواه أحمد وأبو داود بمعناه وقال فيه " لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين "

2 - وعن عمران بن حصين " أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولا شديدا "
- رواه الجماعة إلا البخاري . وفي لفظ " ان رجلا أعتق عند موته رجة له فجاء ورثته من الأعراب فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما صنع قال أو فعل ذلك لو علمنا إن شاء الله ما صلينا عليه فأقرع بينهم فأعتق منهم اثنين وأرق أربعة " رواه أحمد واحتج بعمومه من سوى بين متقدم العطايا ومتأخرها لأنه لم يستفصل هل أعتقهم بكلمة أو بكلمات

- حديث أبي زيد أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح : قوله " أعتق ستة أعبد عند موته " قال القرطبي ظاهره أنه نجز عتقهم في مرضه قوله " فأقرع بينهم " هذا نص في اعتبار القرعة شرعا وهو حجة لمالك والشافعي وأحمد والجمهور على أبي حنيفة حيث يقول القرعة من القمار وحكم الجاهلية ويعتق من كل واحد من العبيد ثلثه ويستسعي في باقيه ولا يقرع بينهم وبمثل ذلك قالت الهادوية : قوله " فأعتق اثنين وأرق أربعة " في هذا أيضا حجة على أبي حنيفة ومن معه حيث يقولون يعتقون جميعا . قال ابن عبد البر في هذا القول ضروب من الخطأ والاضطراب . قال ابن رسلان وفيه ضرر كثير لأن الورثة لا يحصل لهم شيء في الحال أصلا وقد لا يحصل في الشهر خمسة دراهم أو أقل وفيه ضرر على العبيد لإلزامهم السعاية من غير اختيارهم قوله " لو شهدته قبل أن يدفن " الخ هذا تفسير للقول الشديد الذي أبهم في الرواية الأخرى وفيه تغليظ شديد وذم متبالغ وذلك لأن الله سبحانه لم يأذن للمريض بالتصرف إلا في الثلث فإذا تصرف في أكثر منه كان مخالفا لحكم الله تعالى ومشابها لمن وهب غير ماله : قوله " فجزأهم " بتشديد الزاي وتخفيفها لغتان مشهورتان أي قسمهم وظاهره أنه اعتبر عدد أشخاصهم دون قيمتهم وإنما فعل ذلك لتساويهم في القيمة والعدد . قال ابن رسلان فلو اختلفت قيمتهم لم يكن بد من تعديلهم بالقيمة مخافة أن يكون ثلثهم في العدد أكثر من ثلث الميت في القيمة : قوله " رجلة " بفتح الراء وسكون الجيم جمع رجل : قوله " ما صلينا عليه " هذا أيضا من تفسير القول الشديد المبهم في الرواية المتقدمة ( والحديثان ) يدلان على تصرفات المريض إنما تنفذ من الثلث ولو كانت منجزة في الحال ولم تضف إلى بعد الموت وقد قدمنا حكاية الإجماع على المنع من الوصية بأزيد من الثلث لمن كان له وارث والتنجيز حال مرض المخوف حكمه حكم الوصية . واختلفوا هل يعتبر ثلث التركة حال الوصية أو حال الموت وهما وجهان للشافعية أصحهما الثاني وبه قال أبو حنيفة وأحمد والهادوية وهو قول علي رضي الله عنه وجماعة من التابعين وقال بالأول مالك وأكثر العراقيين والنخعي وعمر بن عبد العزيز وتمسكوا بأن الوصية عقد والعقود تعتبر بأولها وبأنه لو نذر أن يتصدق بثلث ماله اعتبر ذلك حال النذر اتفاقا وأجيب بأن الوصية ليست عقدا من كل وجه ولذلك لا يعتبر فيها الفورية ولا القبول وبالفرق بين النذر والوصية بأنها يصح الرجوع فيها والنذر يلزم وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما لو حدث له مال بعد الوصية واختلفوا أيضا هل يحسب الثلث من جميع المال أو يتقيد بما علمه الموصى دون ما خفي عيله أو تجدد له ولم يعلم به وبالأول قال الجمهور وبالثاني قال مالك . وحجة الجمهور أنه لا يشترط أن يستحضر مقدار المال حال الوصية اتفاقا ولو كان عالما بجنسه فلو كان العلم به شرطا لما جاز ذلك

باب وصية الحربي إذا أسلم ورثته هل يجب تنفيذها

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية فقال يا رسول الله إن أبي أوصى بعتق مائة رقبة وإن هشاما أعتق عنه خمسين رقبة وبقيت خمسون رقبة أفأعتق عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو كان مسلما فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك "
- رواه أبو داود

- الحديث سكت عنه أبو داود وأشار المنذري إلى الأختلاف في حديث عمرو بن شعيب وقد قدمنا غير مرة أن حديثه عن أبيه عن جده من قسم الحسن . وقد صحح له الترمذي بهذا الإسناد عدة أحاديث والحديث يدل على أن الكافر إذا أوصى بقربة من القرب لم يلحقه ذلك لأن الكفر مانع وهكذا لا يلحقه ما فعله قرابته المسلمون من القرب كالصدقة والحج والعتق من غير وصية منه ولا فرق بين أن يكون الفاعل لذلك ولدا أو غيره وليس في هذا الحديث ما يدل على عدم صحة وصية الكافر إذ لا ملازمة بين عدم قبول ما أوصى به من القرب وعدم صحة الوصية مطلقا نعم فيه دليل أنه لا يجب على قريب الكافر من المسلمين تنفيذ وصيته بالقرب . قال في البحر مسألة ولا تصح يعني الوصية من كافر في معصية كالسلاح لأهل الحرب . وبناء البيع في خطط المسلمين . وتصح بالمباح إذا لا مانع اه

باب الإيصاء بما يدخله النيابة من خلافة وعتاقة ومحاكمة في نسب وغيره

1 - عن ابن عمر قال " حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه وقالوا جزاك الله خيرا فقال راغب وراهب قالوا استخلف فقال اتحمل أمركم حيا وميتا لوددت أن حظي منها الكفاف لا على ولالى فإن استخلفمن هو خير مني يعني أبو بكر وأن اترككم فقد ترككم من هو خير مني يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عبد الله فعرفت أنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير مستحلف "
- متفق عليه

2 - وعن عائشة " أن عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ابن أمة زمعة فقال سعد يا رسول الله أوصاني أخي إذا قدمت أن أنظر ابن أمة زمعة فاقبضه فإنه ابني وقال ابن زمعة أخي وابن أمة أبي ولد على فراش أبي فرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم شبها بينا بعتبة فقال هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة "
- رواه البخاري

2 - وعن الشريد بن سويد الثقفي " أن أمة أوصت أن يعتق عنها رقبة مؤمنة فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال عندي جارية سوداء فقال أئت بها فدعا بها فجاءت فقال لها من ربك قالت الله قال من أبا قالت أنت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة "
- رواه أحمد والنسائي

- حديث الشريد رواه النسائي من طريق موسى بن سعيد وهو صدوق لابأس به وبقية رجاله ثقات . وقد أخرجه أبو داود وابن حبان قوله " فقد استخلف من هو خيرا مني " استدل بهذا المصنف على جواز الوصية بالخلافة وقد ذهب الأشعرية والمعتزلة إلى أن طريقها العقد والأختيار في جميع الأزمان وذهب العترة إلى أن طريقها الدعوة وللكلام في هذا محل آخر . قوله " إنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير مستخلف " يعني أنه سيقتدي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ترك الاستخلاف ويدع الاقتداء بأبي بكر وإن كان الكل عنده جائزا ولكن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الترك أولى من الاقتداء بأبي بكر في الفعل قوله " وعن عائشة أن عبد بن زمعة " سيأتي الكلام على هذا الحديث في باب أن الولد للفراش ان شاء الله لأن المصنف رحمه الله سيذكره هنالك وهو الموضع الذي يليق به وإنما ذكره ههنا للاستدلال به على جواز الإيصاء بالنيابة في دعوى النسب والمحاكمة . ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر على سعد بن أبي وقاص دعواه بوصاية أخيه في ذلك ولو كانت النيابة بالوصية في مثله غير جائزة لا نكر عليه . قوله " وعن الشريد بن سويد " الخ استدل به المصنف على جواز النيابة في العتق بالوصية وجهه أنه أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتلك الوصية ولم يبين أن مثل ذلك لا يجوز ولو كان غير جائز لبينه لما نقرر من عدم جواز تأخر البيان عن وقت حاجة . قوله " فقال لها من ربك " الخ قد اكتفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعرفة الله والرسول في كون تلك الرقبة مؤمنة وقد ثبت مثل ذلك في عدة أحاديث . منها حديث معاوية بن الحكم السلمي عند مسلم وغيره . ومنها عن رجل من الأنصار عند أحمد ومنها عن أبي هريرة عند أبي داود وعن حاطب عند أبي أحمد الغسان في كتاب السنة وعن ابن عباس عند الطبراني وغير ذلك

باب وصية من لا يعيش مثله

1 - عن عمرو بن ميمون قال " رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يصاب بأيام بالمدينة وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال كيف فعلتما أتخافا أن تكونا قد حملتما الأرض مالا تطيق قالا حملناها أمرا هي له مطيقة وما فيها كثير فضل قال أنظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق قال قالا لا فقال عمر لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلي رجل بعدي أبدا قال فما أتت عليه رابعة حتى أصيب قال أني لقائم ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب وكان إذا مر بين الصفين قال أستووا حتى إذا لم ير فيهن خلل تقدم وكبر وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم تسعة فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه يرنسا فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فمن يلي عمر فقد فقد رأى الذي أرى وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهو يقول سبحان الله سبحان الله فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة فلما أنصرفوا قال يا ابن عباس انظر من قتلني فجال ساعة ثم جاء فقال غلام المغيرة فقال الصنع قال نعم قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد الله الذي لم يجعل منيتي بين ورجل يدعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك أن تكثر العلوج بالمدينة وكان العباس أكثرهم رقيقا فقال إن شئت فعلت أي إن شئت قتليا قال كذبت بعدما تكلموا بلسانكم وصلوا قبلتكم وحجوا حجكم فاحتمل إلى بيته فأنطلقا معه وكأن الناس لم تصبهم مصيبه قبل يومئذ فقائل يقول أخاف عليه فأتى بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ثم أتى بلبن فشربه فخرج من جرحه فعلموا أنه ميت فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه وجاء رجل شاب فقال أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقدم في الإسلام ما قد علمت ثم وليت فعدلت ثم شهادة فقال وددت ذلك كفافا لا على ولا لي فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض فقال ردوا على الغلام قال يا أخي ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك واتقي لربك يا عبد الله بن عمر أنظر ما على من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانون ألفا ونحوه وقال إن وفي له مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم فأدعني هذا المال إنطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل يقرأ عليكم عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أمير وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه
فسلم وأستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ عمر بن الخطاب عليكم السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أريده لنفسي ولاؤثرنه به اليوم على نفسي فلما أقبل قيل هذا عبد الله بن عمر قد جاء قال أرفعوني فاسنده رجل إليه فقال ما لديك الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت قال الحمد الله ما كان شيء أهم إلي من ذلك فإذا قبضت فأحملوني ثم سلم فقل يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني وإن رددتني فردوني إلى مقابر الرسول وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير تتبعها فلما رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعة وأستأذن الرجال فولجت داخلا لهم فسمعنا بكاءها من الداخل فقالوا أوص يا أمير المؤمنين استخلف فقال ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهم وهو عنهم راض فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن وقال يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له فإن أصابت إلا مرة سعدا فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعز له من عجز ولا خيانة وقال أوصى الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار خيرا الذي تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم وأن يعفى عن مسئهم وأوصيه بأهل الأمصار خيرا فهم ردء الإسلام وجباة المال وغيظ العدو وإن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم وأوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام أن يؤخذ من حواشي أموالهم ويرد في فقرائهم وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلف إلا طاقتهم فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي فسلم عبد الله بن عمر فقال يستأذن عمر بن الخطاب قالت أدخلوه فأدخل فوضع هنالك مع صاحبيه فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم فقال الزبير قد جعلت أمري إلى علي فقال طلحة قد جعلت أمري إلى عثمان وقال سعد قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف فقال عبد الرحمن بن عوف أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام ينظرن أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان فقال عبد الرحمن أفتجعلونه إلي والله على أن لا آلو عن أفضلكم قالا نعم فأخذ بيد أحدهم فقال لك من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك فلما أخذ الميثاق قال أرفع يدك يا عثمان وبايعه على وولج أهل الدار فبايعوه "
- رواه البخاري وقد تمسك به من رأى للوصي والوكيل أن يوكلا

- قوله " عن عمرو بن ميمون " هو الأودي وهذا الحديث بطوله رواه عن عمر بن ميمون جماعة : قوله " قبل أن يصاب بأيام " أي أربعة كما بينا فيما بعد : قوله " بالمدينة " أي بعد أن صدر من الحج قوله " أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق " الأرض المشار إليها هي أرض السواد وكان عمرم بعثهما يضربان عليها الخراج وعلى أهلها الجزية كما بين ذلك أبو عبيد في كتاب الأموال من رواية عمرو بن ميمون المذكور والمراد بقوله انظرا أي في التحميل أو هو كناية عن الحذر لأنه يستلزم النظر : قوله " قال حملناها أمر هي له مطيقة " في رواية ابن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن حصين بهذا الإسناد فقال حذيفة لو شئت لأضعفت أرضي أي جعلت خراجها ضعفين وقال عثمان بن حنيف لقد حملت أرضي أمرا هي له مطيقة وفي رواية له أن عمر قال لعثمان ابن حنيف لئن زدت على كل رأس درهمين وعلى كل جريب درهما وقفيزا من طعام لأطاقوا ذلك قال نعم قوله " إني لقائم " أي في الصف ننتظر صلاة الصبح " قوله قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه " في رواية أخرى " فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فناجى عمر غير يعيد ثم طعنه ثلاثة طعنات فرأيت عمر قائلا بيده هكذا يقول دونكم الكلب فقد قتلني واسم أبي لؤلؤة فيروز وروى ابن سعد بإسناد صحيح إلى الزهري قال " كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيره بن شعبة وعلى الكوفة يذكر له غلاما عنده صنعا ويستأذنه أن يدخله المدينة ويقول ان عنده أعمالا تنفع الناس أنه حداد نقاش نجار فأذن له فضرب عليه المغيرة كل شهر مائة فشكا إلى عمر شدة الخراج فقال له عمر ما خراجك بكثير في جنب ما تعمل فانصرف ساخطا فلبث عمر ليالي فمر به العبد فقال له ألم أحدثك انك تقول لو أشاء لصنعت رحا تطحن بالريح فالتفت إليه عابسا فقال له لاصنعن لك رحا يتحدث الناس بها فأقبل عمر على من معه فقال توعدني العبد فلبث ليالي ثم اشتمل على خنجر ذي رأسين نصابه وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس حتى خرج عمر يوقظ الناس الصلاة وكان عمر يفعل ذلك فلما دنا منه عمر وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق وهي التي قتلته . قوله " حتى طعن ثلاثة عشر رجلا " في رواية ابن إسحاق أثني عشر رجلا معه وهو ثالث عشر وزاد ابن إسحاق من رواية إبراهيم التيمي عن عمر وبن ميمون وعلى عمر ازار أصفر قد رفعه على صدره فلما طعن قال وكان أمر الله قدرا مقدورا . قوله " مات منهم تسعة " أي وعاش الباقون . قال الحافظ وقفت من أسمائهم على كليب بن البكير الليثي : قوله " فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا " وقع في ذيل الاستيعاب لابن فتحون من طريق سعيد بن يحيى الأموي قال حدثنا أبي حدثني من سمع حصين بن عبد الرحمن في هذه القصة قال فلما رأى ذلك رجل من المهاجرين يقال له خطاب التميمي اليربوعي فذكر الحديث . وروى ابن سعد بإسناد ضعيف منقطع قال فأخذ أبا لؤلؤة رهط من قريش منهم عبد الله بن عوف وهاشم بن عتبة الزهريان ورجل من بني تميم وطرح عليه عبد الله بن عوف خمصة كانت عليه . قال الحافظ فإن ثبت هذا حمل على أن الكل اشتركوا في ذلك . قوله " فقدمه " أي للصلاة بالناس . قوله " فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة " في رواية ابن إسحاق بأقصر سورتين في القرآن إنا أعطيناك الكوثر وإذا نصر الله والفتح
زاد في رواية ابن شهاب ثم غلب على عمر النزف فغشى عيله فاحتملته في رهط حتى أدخلته بيته فلم يزل في غشيته حتى اسفر فنظر في وجوهنا فقال أصلي الناس فقلت نعم قال لا اسلام لمن ترك الصلاة ثم توضأ وصلى . وفي رواية ابن سعد من طريق ابن عمر قال فتوضأ وصلى الصبح فقرأ في الأولى والعصر وفي الثانية قل يا أيها الكافرون قال وتساند إلى وجرحه يثعب دما اني لا أضع أصبعي الوسطى فما تسد الفتق . قوله " فلما انصرفوا قال يا بن عباس انظر من قتلني " في رواية ابن إسحاق فقال عمر يا عبد الله بن عباس اخرج فناد في الناس عن ملأ منكم كان هذا فقالوا معاذ الله ماعلمنا ولا اطلعنا . وزاد مبارك بن فضالة فظن عمر أن له ذنبا إلى الناس لا يعلمه فدعا ابن عباس وكان يحبه ويدنيه فقال أحب أن تعلم عن ملأ من الناس كان هذا فخرج لا يمر بملأ من الناس الا وهم يبكون فكأنما فقدوا أبكار أولادهم . قال ابن عباس فرأيت البشر في وجهه . قوله " الصنع " بفتح المهملة والنون وفي رواية ابن فضيل عن حصين عند ابن أبي شيبة وابن سعد الصناع بتخفيف النون قال أهل اللغة رجل صنع اليد واللسان وامرأة صناع . وحكى أبو زيد الصناع والصنع بقعان معا على الرجل والمرأة : قوله " لم يجعل ميتتي " بكسر الميم وسكون التحتانية بعدها مثناة فوقية أي قتلني . وفي رواية الكشميهني منيتي بفتح الميم وكسر النون وتشديد التحتانية . قوله " رجل يدعى الاسلام " في رواية ابن شهاب فقال الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي لم يحاجني عند الله لسجدة سجدها له قط وفي رواية مبارك بن فضالة يحاجني يقول الا إله إلا الله . وفي حديث جابر فقال عمر لا تعجلوا على الذي قتلني فقيل إنه قد قتل نفسه فاسترجع عمر فقيل له أنه أبو لؤلؤرة فقال الله أكبر . قوله " قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة " في رواية ابن سعد فقال عمر هذا من عمل أصحابك كنت أريد أن لا يدخلها علج من السبي فغلبتموني . وروى عمر بن شبة من طريق ابن سيرين قال بلغني إن العباس قال لعمر لما قال لا تدخلوا علينا من السبي إلا الوصف ان عمر أهل المدينة شديد لا يستقيم الا بالعلوج . قوله " إن شئت فعلت " الخ قال ابن التين إنما قاله ذلك لعلمه بإن عمر لا يأمره بقتلهم . قوله " كذبت " الخ هو على ما ألف من شدة عمر في الدين لأنه قهم من ابن عباس ان مراده إن شئت قتلناهم فأجابه بذلك وأهل الحجاز يقولون كذبت في موضع أخطأت ولعل ابن عباس إنما أراد قتل من لم يسلم منهم . قوله " فأتى بنبيذ فشربه " زاد في حديث أبي رافع لنظر ما قدر جرحه . قوله " فخرج من جرحه " هذه رواية الكشميهني وهي الصواب ورواية غيره فخرج من جوفه وفي رواية أبي رافع فخرج النبيذ فلم يدر أنبيذ هو أم دم . وفي رواية أيضا فقال لا بأس عليك يا أمير المؤمنين فقال إن يكن القتل بأسا فقد قتلت والمراد بالنبيذ المذكور تمرات نبذن في ماء أن نقعت فيه كانوا يصنعون ذلك لاستعذاب الماء وسيأتي الكلام عليه : قوله " وجاء رجل شاب " في رواية للبخاري في الجنائز وولج عليه شاب من الأنصار وفي إنكار عمر على الشاب المذكور استرسال ازاره مع ما هو فيه من مكابدة الموت أعظم دليل على صلابته في الدين ومراعاته لمصالح المسلمين
قوله " وقدم " بفتح القاف وكسرها فالأول بمعنى الفضل والثاني بمعنى السبق . قوله " ثم شهادة " بالرفع عطفا على ما قد علمت لأنه مبتدأ وخبره لك المتقدم ويجوز عطفه على صحبة فيكون مجرورا ويجوز النصب على أنه مفعول مطلق لمحذوف وفي رواية جرير ثم الشهاة بعد هذا كله : قوله " لا على ولالي " أي سواء بسواء : قوله " انقي لثوبك " بالنون ثم القاف للأكثر وبالموحدة بدل النون للكشميهني قوله " فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين الفا " ونحوه نفي حديث جابر ثم قال يا عبد الله أقسمت عليك بحق الله وحق العمر إذا مت فدفنتني أن لا تغسل رأسك حتى بيع من رباع آل عمر بثلاثين الفا فتضعها في بيت مال المسلمين فسأله عبد الرحمن ابن عوف فقال انفقتها في حجج حججتها وفي نوائب كانت تنوبني وعرف بهذا جهة دين عمر . ووقع في أخبار المدينة لمحمد بن الحسن بن زبالة ان دين عمر كان ستة وعشرين الفا وبه جزم عياض قال الحافظ والأول هو المعتمد : قوله " فإن وفى له مال آل عمر " كأنه يريد نفسه ومثله يقع في كلامهم كثيرا ويحتمل أن يريد رهطه : قوله " والأفسل في بني عدي بن كعب " هو البطن الذي هو منهم وقريش قبيلته قوله " لاتعدهم " بسكون العين أي لا تتجاوزهم وقد أنكر نافع مولى بن عمر أن يكون على عمر دين فورى عمر بن شبة في كتاب المدينة بإسناد صحيح إن نافعا قال من أين يكون على عمر دين وقد باع رجل من ورثته ميراثه بمائة ألف اه قال في الفتح وهذا لا ينفي أن يكون عند موته عليه دين فقد يكون الشخص كثير المال ولا يستلزم نفي الدين عنه فلعل نافعا أنكر أن يكون دينه لم يقض : قوله " فأنى لست اليوم للمؤمنين أمير " قال ابن التين إنما قال ذلك عندما أيقن بالموت أشار بذلك إلى عائشة حتى لا تحابيه لكونه أمير المؤمنين وأشار ابن التين أيضا إلى أنه أراد أن تعلم أن سؤاله لها بطريق الطلب لا بطريق الأمر : قوله " ولاؤثر به " استدل بذلك على أنها كانت تملك البيت وفيه نظر بل الواقع أنها كانت تملك منفعته بالسكنى فيه والإسكان ولا بورث عنها وحكم أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالمعتدات لأنهن لا يتزوجن بعده صلى الله عليه وآله وسلم . قوله " ارفعوني " أي من الأرض كأنه كان مضطجعا فأمرهم أن يقعدوه : قوله " فأسنده رجل إليه " قال الحافظ في الفتح لم أقف على اسمه ويحتمل انه ابن عباس . قوله " فأن أذنت لي فأدخلوني " ذكر ابن سعد عن معن بن عيسى عن مالك أن عمر كان يخشى أن تكون أذنت في حياته حياء منه وأن ترجع عن ذلك بعد موته فأراد أن لا يكرهها على ذلك . قوله " فولجت عليه " أي دخلت على عمر في رواية الكشميهني فبكت . وفي رواية غيره فمكثت وذكر ابن سعد بإسناد صحيح عن المقدام بن معد يكرب إنها قالت يا صاحب رسول الله يا صهير رسول الله يا أمير المؤمنين فقال عمر لا صبر لي على ما أسمع أحرج عليك بما لي من الحق عليك أن تندبيني بعد مجلسك هذا فأما عيناك فلن أملكهما . قوله " فولجت داخلا لهم " أي مدخلا كان في الدار . قوله " أوص يا أمير المؤمنين استخلف " في البخاري في كتاب الأحكام منه إن الذي قال ذلك هو عبد الله بن عمر . قوله " من هؤلاء النفر أو الرهط " شك من الراوي
قوله " فسمى عليلا " الخ قد استشكل اقتصاره على هؤلاء الستة من العشرة المبشرين بالجنة وأجيب بأنه أحدهم وكذلك أبو بكر ومنهم أبو عبيدة وقد مات قبله وأما سعيد بن زيد فلما كان ابن ابن عم عمر لم يسمه فيهم مبالغة في التبرى من الأمر وصرح المدائني باسانيده إن عمر عد سعيد ابن زيد فيمن توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راض الا أنه استثناه من أهل الشورى لقرابته منه وقال لا أرب في أموركم فأرغب فيها لاحد من أهلي . قوله " يشهدكم عبد الله بن عمر " الخ في رواية للطبري فقال له رجل استخلف عبد الله بن عمر قال والله ما أردت بهذه وأخرج نحوه ابن سعد بإسناد صحيح من مرسل النخعي ولفظه " فقال عمر قاتلك الله والله ما أردت الله بهذا أستخلف من لم يحسن أن يطلق امرأته " قوله " كهيئة التعزية له " أي لابن عمر لأنه أخرجه من أهل الشورى في الخلافةى أراد جبر خاطره بأن جعله من أهل المشاورة وزعم الكرماني أن هذا من كلام الرواي لامن كلام عمر : قوله " الأمرة " بكسر الهمزة وللكشميهني الإمارة زاد المدارئني وما أظن أن يلي هذا الأمر الا علي وعثمان فإن ولى عثمان فرجل فيه لين وان ولى علي فستختلف عليه الناس . قوله " بالمهاجرين الأولين " هم من صلى للقبلتين . وقيل من شهد بيعة الرضوان قوله " الذين تبوؤا " أي سكنوا المدينة قبل الهجرة وادعى بعضهم أن الإيمان المذكور هنا من أسماء المدينة وهو بعيد . قال الحافظ والراجح أنه ضمن تبوؤا هنا معنى لزموا أو عامل نصبه محذوف تقديره واعتقدوا أو أن الإيمان لشدة ثبوته في قلوبهم كأنه أحاط بهم فكأنهم نزلوه : قوله " فهم ردء الإسلام " أي عون الإسلام الذي يدفع عنه وغيظ العدو أي يغيظون العدو بكثرتهم وقوتهم : قوله " الا فضلهم " أي إلا ما ما فضل عنهم . قوله " من حواشي أموالهم " أي ما ليس يختار والمراد بذمة الله أهل الذمة والمراد بالقتال من ورائهم أي إذا قصدهم عدو : قوله " فانطلقنا " في رواية الكشميهني فانقلبنا أي رجعنا : قوله " فوضع هنالك مع صاحبيه " قد اختلف في صفة الثلاثة المكرمة فالأكثر على أن قبر أبي بكر وراء قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبر عمر وراء قبر أبي بكر وقيل أن قبره صلى الله عليه وآله وسلم تقدم إلى القبلة وقبر أبي بكر حذاء منكبيه وقبر عمر حذاء منكبي أبي بكر . وقيل قبر أبي بكر عند رجلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبر عمر عند رجلي أبي بكر . وقيل غير ذلك . قوله " اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم " أي في الأختيار ليقل الاختلاف كذا قال ابن التين وصرح ابن المدائني في روايته بخلاف ذلك . قوله " والله عليه والإسلام " بالرفع فيهما والخبر محذوف أي عليه رقيب أو نحو ذلك . قوله " أفضلهم في نفسه " أي في معتقده زاد المدائني في روايته فقال عثمان أنا أول من رضى وقال علي أعطني موثقا لتؤثرن الحق ولا تخصن ذا رحم فقال نعم . قوله " فأسكت " بضم الهمزة وكسر الكاف كأن مسكتا أسكتهما ويجوز فتح الهمزة والكاف أو هو بمعنى سكت والمراد بالشيخين علي وعثمان
قوله " فأخذ بيد أحدهما " هو على والمراد بالآخر في قوله ثم خلا بالآخر هو عثمان كما يدل على ذلك سياق الكلام . قوله " والقدم " بكسر القاف وفتحها كما تقدم زاد المدائني أن عبد الرحمن قال لعلي أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر من كنت ترى أحق بها من هؤلاء الرهط قال عثمان ثم قال لعثمان كذلك فقال على وزاد أيا أن سعدا أشار على عبد الرحمن بعثمان وأنه دار تلك الليالي كلها على الصحابة ومن وافي المدينة من أشراف الناس لا يخلو برجل منهم الا أمره بعثمان وفي هذا الأثر دليل على أنه يجوز جعل أمر الخلافة شورى بين جماعة من أهل الفضل والعلم والصلاح كما يجوز الاستخلاف وعقد أهل الحل والعقد . قال النووي وغيره أجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لانسان حيث لا يكون هناك استخلاف غيره وعلي جواز جعل الخلافة شورى بين عدد محصور أو غيره وأجمعوا على أنه يجب نصب خليفة وعلى أن وجوبه بالشرع لا بالعقل وخالف بعضهم كالأصم وبعض الخوراج فقالوا لا يجب نصب الخليفة وخالف بعض المعتزلة فقالوا يجب بالعقل لا بالشرع وهما باطلان وللكلام موضع غير هذا

باب أن ولي الميت يقضي دينه إذا علم صحته

1 - عن سعد الأطول أن أخاه مات وترك ثلثمائة درهم وترك عيالا قال فأردت أن أنفقها على عياله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان أخاك محتبس بدينه فاقض عنه فقال يا رسول الله قد أديت عنه الا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة قال فأعطها فإنها محقة "
- رواه أحمد وابن ماجه

- الحديث إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرني عبد الملك أبو جعفر عن أبي نضرة عن سعد الأطول فذكره وعبد الملك هو أبو جعفر ولا يعرف اسم أبيه . وقيل أنه ابن أبي نضره وقد وثقه ابن حبان ومن عداه من رجال الإسناد فهم رجال الصحيح وأخرجه أيضا ابن سعد وعبد بن حميد وابن قانع والبارودي والطبراني في الكبير والضياء في المختارة وهو في مسند أحمد بهذا الإسناد فإنه قال حدثنا عفان فذكره وفيه دليل على تقديم اخراج الدين على ما يحتاج إليه من نفقة أولاد الميت ونحوها ولا أعلم في ذلك خلافا وهكذا يقدم الدين على الوصية . قال في الفتح ولم يختلف العلماء في أن الدين يقدم على الوصية الا في صورة واحده هي ما لو أوصى لشخص بالف مثلا وصدقه الوارث وحكم به ثم ادعى آخر أن له في دمة الميت دينا يستغرف موجوده وصدقه الوارث ففي وجه للشافعية انها تقدم الوصية على الدين في هذه الصورة الخاصة وأما تقديم الوصية على الدين في قوله تعالى { من بعد وصية يوصى بها أو دين } فقد قيل في ذلك ان الآية ليس فيها صيغة ترتيب بل المراد أن المواريث إنما تقع بعد قضاء الدين وانفاذ الوصية وأتى للإباحة وهي كقولك جالس زيدا أو عمرا أي لك مجالسة كل واحد منهما اجتمعا أو افترقا . وإنما قدمت لمعنى اقتضى الأهتمام بتقديمها واختلف في تعيين ذلك المعنى وحاصل ما ذكره أهل العلم من مقتضيات التقديم ستة أمور . أحدهما الخفة والثقل كربيعة ومضر فمضر أشرف من ربيعة لكن لفظ ربيعة لما كان أخف قدم في الذكر وهذا يرجع إلى اللفظ . ثانيهما بحسب الزمان كعاد وثمود . ثالثهما بحسب الطبع كثلاث ورباع رابعها بحسب الرتبة كالصلاة والزكاة لأن الصلاة حق البدن والزكاة حق المال فالبدن مقدم على البدن خامسها تقديم السبب على المسبب كقوله تعالى { عزيز حكيم } . وقال بعض السلف عز فلما عز حكم . سادسها بالشرف والفضل كقوله تعالى { من النبيين والصديقيين } وإذا تقرر ذلك فقد ذكر السهيلي ان تقديم الوصية في الذكر على الدين لأن الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة بخلاف الدين فإنه يقع غالبا بعد الميت بنوع تفريط فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل . وقال غيره قدمت الوصية لأنها شيء يؤخذ بغير عوض والدين يؤخذ بعوض فكان اخراج الوصية أشق على الوارث من اخراج الدين وكان اداؤها مظنة للتفريط بخلاف الدين فإن الوارث مطمئن بإخراجه فقدمت الوصية لذلك وأيضا فهي حظ فقير ومسكين غالبا والدين غريم يطلبه بقوة وله مقال كما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " ان لصاحب الدين مقالا " وأيضا فالوصية ينشئها الموصي من قبل نفسه فقدمت تحرضا على العمل بها بخلاف الدين . قال الزين بن المنير تقديم الوصية في الذكر على الدين لا يقتضي تقديمها في المعنى لانهما معا قد ذكرا في سياق البعدية لكن الميراث يلي الوصية ولا يلي الدين في اللفظ بل هو بعد بعده فيلزم أن الدين يقدم في الأداء باعتبار القبلية فيقدم على الوصية وباعتبار البعدية فتقدم الوصية على الدين اه وقد اخرج أحمد والترمذي وغيرهما من طريق الحرث الأعور عن علي سلام الله ورضوانه قال قضى محمد أن الدين قبل الوصية وأنتم تقرءون الوصية قبل الدين والحديث وان كان إسناده ضعيفا لكنه معتضد بالأتفاق الذي سلف قال الترمذي إن العمل عليه عند أهل العلم : قوله " قد أديت عنه " فيه دليل على أنه يجوز للوصي أن يستقل بنفسه في قضاء ديون الميت لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر عليه ذلك . قال في البحر مسألة وللوصي استيفاء ديون الميت وايفاؤها اجماعا لنيابته عنه اه : قوله " فإنها محقة " لعله صلى الله عليه وآله وسلم حكم بعلمه أو بوحي

كتاب الفرائض

1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعلموا الفرائض وعلموها فإنها نصف العلم وهو ينسي وهو أول شيء ينزع من أمتي "
- رواه ابن ماجه والدارقطني

2 - وعن عبد الله بن عمرو " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال العلم ثلاثة وما سوى ذلك فضل أية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة "
- رواه أبو داود وابن ماجه

3 - وعن الأحوص عن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعلموا القرآن وعلموه الناس وتعلموا الفرائض وعلموها فإني امرؤ مقبوض والعلم مرفوع ويوشك أن يختلف اثنان في الفريضة والمسألة فلا يجدان أحدا يخبرهما "
- ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله

4 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرحمن أمتي بأمتي أبو بكر وأشدها في دين الله عمر وأصدقها حياء عثمان وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل واقرؤها لكتاب الله عز و جل أبي وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيد بن الجراح "
- رواه أحمد وابن ماجه والنسائي

- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا الحاكم ومداره على حفص بن عمر بن أبي العطاف وهو متروك وحديث عبد الله بن عمرو في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وقد تكلم فيه غير واحد وفيه أيضا عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي افريقية وقد غمزه البخاري وابن أبي حاتم . وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا النسائي والحاكم والدارمي والدارقطني من رواية عن سليمان بن جابر عنه وفيه انقطاع بين عوف وسليمان ورواه النضر بن شميل وشريك وغيرهما متصلا . وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط وفي إسناده محمد بن عقبة السدوسي وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم وفيه أيضا سعيد بن أبي بن كعب وقد ذكره ابن حبان في الثقات وأخرجه أيضا أبو يعلى والبزار وفي إسنادهما من لا يعرف . وأخرج نحوه الطبراني في الأوسط عن أبي بكر والترمذي عن أبي هريرة . وحديث أنس صححه الترمذي والحاكم وابن حبان وقد أعل بالإرسال وسماع أبي قلاة من أنس صحيح الا أنه قيل لم يسمع منه هذا . وقد ذكر الدارقطني الاختلاف على أبي قلابة في العلل ورجح هو والبيهقي والخطيب في المدرج ان الموصول منه ذكر أبي عبيدة والباقي مرسل . ورجح ابن المواق وغيره رواية الموصول وله طريق أخرى عن أنس أخرجها الترمذي ( وفي الباب ) عن جابر عند الطبراني في الصغير بإسناد ضعيف . وعن أبي سعيد عند العقيلي في الضعفاء . وعن ابن عمر عند ابن عدي وفي إسناده كوثر وهو متروك . قوله " الفرائض " جمع فريضة كحدائق جمع حديقة وهي مأخوذة من الفرض وهو القطع يقال فرضت لفلان كذا أي قطعت له شيئا من المال وقيل هي من الفرض وهو القطع يقال فرضت لفلان كذا أي قطعت له شيئا من المال وقيل هي من فرض القوس وهو الحز الذي في طرفه حيث يوضع الوتر ليثبت فيه ويلزمه ولا يزول كذا قال الخطابي . وقيل الثاني خاص بفرائض الله تعالى وهي ما الزم به عباده لمناسبة اللزوم لما كان الوتر يلزم محله : قوله " فإننه نصف العلم " قال ابن الصلاح لفظ النصف ههنا عبارة عن القسم الواحد وان لم يتساويا . وقال ابن عيينة إنما قيل له نصف العلم لأ ه يبتلي به الناس وفيه الترغيب في تعلم الفرائض وتعليمها والتحريض على حفظها لانها كانت تنسى وكانت أول ما ينزع من العلم كان الأعتناء بحفظها أهم من معرفتها لذلك أقوم . قوله " وما سوى ذلك فضل " فيه دليل على أن العلم الذي ينبغي تعلمه وتعليمه هو الثلاثة المذكورة وما عداها ففضل لا تمس إليه حاجة . قوله " فلا يجدان احدا يخبرهما " فيه الترغيب في طلب العلم خصوصا علم الفرائض لما سلف من أنه ينسي وأول ما ينزع : قوله " وعن أنس " الخ فيه دليل على فضيلة كل واحد من الصحابة المذكورين وان زيد بن ثابت أعلمهم بالفرائض فيكون الرجوع إليه عند الاختلاف فيها أولى من الرجوع إلى غيره ويكون قوله فيها مقدما على أقوال سائر الصحابة ولهذا اعتمده الشافعي في الفرائض

باب البداءة بذوي الفروض وإعطاء العصبة ما بقي

1 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولي رجل ذكر "
- متفق عليه

- قوله " ألحقوا الفرائض بأهلها " الفرائض الأنصباء المقدرة وأهلها المستحقون لها بالنص . قوله " فما بقي " أي ما فضل بعد إعطاء ذوي الفروض المقدرة فروضهم وقوله " لأولي " أفعل تفضيل من الولى بمعنى القرب أي لأقرب رجل من الميت . قال الخطابي المعنى أقرب رجل من العصبة . وقال ابن بطال المراد إن الرجال من العصبة بعد أهل الفروض إذا كان فيهم من هو أقرب من الميت استحق دون من هو أبعد فإن استووا اشتركوا . وقال ابن التين المراد به العم مع العمة وابن الأخ مع بنت الأخ وابن العم مع بنت العم فإن الذكور يرثون دون الإناث وخرج من ذلك الأخ مع الأخت لأبوين أو لأب فإنهم يشتركون بنص قوله تعالى { وان كانوا أخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } وكذلك الأخوة لأم فإنهم يشتركون هم والأخوات لام لقوله تعالى { فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } قوله " رجل ذكر " هكذا في جميع الروايات ووقع عند صاحب النهاية والغزالي وغيرهما من أهل الفقه فلأولي عصبة ذكر واعترض ذلك ابن الجوزي والمنذري بأن لفظة العصبة محفوظة . وقال ابن الصلاح فيها بعد عن الصحة من حيث اللغة فضلا عن الرواية لأن العصبة اللغة اسم للجمع لا للواحد وتعقب ذلك الحافظ فقال إن العصبة اسم جنس يقع على الواحد فأكثر ووصف الرجل بأنه ذكر زيادة في البيان . وقال ابن التين أنه للتوكيد وتعقبه القرطبي بأن العرب تعتبر حصول فائدة في التأكيد ولا فائدة هنا ويؤيد ذلك ما سرح به أئمة المعاني من أن التأكيد لا بد له من فائدة وهي إما دفع توهم التجوز أو السهو أو عدم الشمول وقيل إن الرجل قد يطلق على مجرد النجدة والقوة في الأمر فيحتاج إلى ذكر ذكر وقيل قد يراد برجل معنى الشخص فيعم الذكر الأنثى وقال ابن العربي فائدته هي أن الإحاطة بالميراث جميعه إنما تكون للذكر لا للأنثى وأما البنت المفردة فأخذها للمال جميعه بسببين الفرض والرد . وقيل احترز به عن الخنثى . وقيل إنه قد يطلق الرجل على الأنثى تغليبا كما في حديث من وجد متاعه عند رجل وحديث " أيما رجل ترك مالا " وقال السهيلي إن ذكر صفة لقوله أولى لا لقوله رجل وأطال الكلام في تقوية ذلك وتضعيف ما عداه وتبعه الكرماني وقيل غير ذلك ( والحديث ) يدل على أن الباقي بعد استيفاء أهل الفروض المقدرة لفروضهم يكون لاقرب العصبات من الرجال لا يشاركه من هو أبعد منه وقد حكى النووي الإجماع على ذلك وقد استدل به ابن عباس ومن وافقه على أن الميت إذا ترك بنتا وأختا وأخا يكون للبنت النصف والباقي للأخت ولا شيء للأخت

2 - وعن جابر قال " جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بابنتها من سعد فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وأن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان الا بمال فقال يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عمهما فقال أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك "
- وراه الخمسة إلا النسائي

- الحديث حسنه الترمذي وأخرجه أيضا الحاكم وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي ولا يعرف الا من حديثه كما قال الترمذي وقد اختلف الأئمة فيه . قال الترمذي هو صدوق سمعت محمدا يقول كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديثه وروى هذا الحديث أبو داود بلفظ " فقالت يا رسول الله هاتان بنتا ثابت بن قيس قتل معك يوم أحد " قال أبو داود أخطأ فيه بشروهما بنتا سعد بن الربيع وثابت بن قيس قتل يوم اليمامة : قوله " ولا ينكحان الا بمال " يعني أن الأزواج لا يرغبون في نكاحهن الا إذا كان معهن مال وكان ذلك معروفا في العرب : قوله " فنزلت آية الميراث " أي قوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق أثنتين } الآية ( الحديث ) فيه دليل على أن للبنتين الثلثين وإليه ذهب الأكثر . وقال ابن عباس بل للثلاث فصاعدا لقوله تعالى { فوق أثنتين } وحديث الباب نص في محل النزاع ويؤيده أن الله سبحانه جعل للأختين الثلثين والبنتان أقرب إلى الميت منما

3 - وعن زيد بن ثابت " أنه سئل عن زوج وأخت لأبوين فأعطى الزوج النصف والأخت النصف وقال حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضى بذلك "
- رواه أحمد

4 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ما من مؤمن الا أنا أولى به في الدنيا والآخرة وأقرأ وإن شئتم النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه "
- متفق عليه

- الحديث الأول في إسناده أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط وبقية رجاله رجال الصحيح وفيه دليل على أن الزوج يستحق النصف والأخت النصف من مال الميت الذي لم يترك غيرهما وذلك مصرح به في القرآن الكريم أما الزوج فقال الله تعالى { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } الأية . وأما الأخت فقال الله تعالى { ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } : قوله " فليرثه عصبته } في لفظ للبخاري " فلورثته " وفي رواية لمسلم " فهو لورثته " وفي لفظ له " فالى العصبة " : قوله " ومن ترك دينا أو ضياعا " الضياع بفتح المعجمة بعدها تحتانية قال الخطابي هو وصف لمن خلفه الميت بلفظ المصدر أي ترك ذوي ضياع أي لا شيء لهم : قوله " فليأتني " في لفظ آخر " فعلى والى " وقد اختلف هل كان رسول الله يقضي دين المديونين من مال المصالح أو من خالص مال نفسه وقد تقدم في كتاب الحوالة حديث جابر بلفظ " فلما فتح على رسوله " وفي لفظ " فلما فتح الله عليه " وفي ذلك اشعار بأنه كان يقضي من مال المصالح واختلفوا هل كان القضاء واجبا عليه صلى الله عليه وآله وسلم أم لا وقد تقدم بقية الكلام على الحديث في كتاب الحوالة

باب سقوط ولا الأب بالأخوة من الأبوين

1 - وعن علي رضي الله عنه قال " إنكم تقرؤن هذه الآية من بعد وصية يوصى به أو دين وان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالدين قبل الوصية وان أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات الرجل يرث أخاه لأبيه وامه دون أخيه لأبيه "
- رواه أحمد وابن ماجه . وللبخاري منه تعليقا " قضى بالدين قبل الوصية "

- الحديث أخرجه الحاكم وفي إسناده الحرث الأعور وهو ضعيف وقد قال الترمذي إنه لا يعرفه الا من حديثه لكن العمل عليه وكان عالما بالفرائض وقد قال النسائي لا بأس به : قوله " فضى بالدين قبل الوصية " قد تقدم الكلام على هذا في آخر كتاب الوصايا : قوله " وان أعيان بني الأم " الأعيان من الأخوة هم الأخوة من أب وأم . قال في القاموس في مادة عين وواحد الأعيان للأخوة من أب وأم وهذه الأخوة تسمى المعاينة انتهى : قوله " دون بني العلات " هو أولاد الأمهات المتفرقة من أب واحد . قال في القاموس والعلة الضرة وبنو العلات بن أمهات شتى من رجل انتهى . ويقال للأخوة لأم فقط أخياف بالخاء المعجمة والياء التحتية وبعد الألف فاء ( والحديث ) يدل على أنه تقدم الأخوة لأب وأم على الأخوة لأب ولا أعلم في ذلك خلافا

باب الأخوات مع البنات عصبة

1 - عن هزيل بن شرحبيل قال " سئل أبو موسى عن ابنه وابنة ابن وأخت فقال للابنة النصف وأثت ابن مسعود فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين أقضى فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم للبنت ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت " روه الجاعة إلا مسلما والنسائيئز وزاد أحمد والبخاري " فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم "

2 - وعن الأسود : أن معاذ بن ورث أختا وابنة جعل لكل منهما النصف وهو باليمين ونبي الله يؤمئذ حي "
- رواه أبو داود قوله " هزيل " قال النووي هو بالزاي اجماعا انتهى
ووقع في كلام كثير من الفقهاء هذيل بالذال المعجمة قال الحافظ وهو تحريف : قوله " سئل أبو موسى " هذا لفظ البخاري ولفظ غيره جاء رجل إلى أبو موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة فسألهما عن ابنه وابنة ابن وأخت لأب وأم فقالا للابنة النصف وللأخت لأب ولأم النصف ولم يورثا ابنة الابن شيئا . وبقية الحديث كلفظ البخاري وفيه دليل على أنه الأخت مع البنت عصبة تأخذ الباقي بعد فرضها إن لم يكن معها ابنة ابن كما في حديث معاذ وتأخذ الباقي بعد فرضها وفرض بنت الابن كما في حديث هزيل وهذا مجمع عليه . وقد رجع أبو موسى إلى ما رواه ابن مسعود وكانت هذه الواقعة في أيام عثمان لأن أبا موسى كان وقت السؤال أميرا على الكوفة وسلمان بن ربيعة قاضيا بها وإمارة أبي موسى على الكوفة كانت في ولاية عثمان . قال ابن بطال يؤخذ من هذه القصة أن للعالم أن يجتهد إذا ظن أن لا نص في المسألة ولا يترك الجواب إلى أن يبحث عن ذلك وأن الحجة عند التنازع هي السنة فيجب الرجوع إليها قال ولا خلاف بين الفقهاء فيما رواه ابن مسعود . قال ابن عبد البر لم يخالف في ذلك إلا أبو موسى وسلمان بن ربيعة الباهلي . وقد رجع أبو موسى عن ذلك ولعل سلمان أيضا رجع عن ذلك كأبي موسى انتهى . وقد اختلف في صحبة سلمان المذكور . قوله " لقد ضللت إذا " أي إذا وقعت مني المتابعة لهما وترك ما وردت به السنة : قوله " هذا الحبر " بفتح المهملة وبكسرها أيضا وسكون الموحدة ورجح الجوهري الكسر للمهملة وإنما سمي حبرا لتحبيره الكلام وتحسينه قال أبو عبيد الهروي . وقيل سمي باسم الحبر الذي يكتب به . قال في الفتح وهو بالفتح في رواية جميع المحدثين وأنكر أبو الهيثم الكسر وقال الراغب يسمي العالم حبرا لما يبقي من أثر علومه : قوله " ونبي الله يومئذ حي " فيه أشارة إلى أن معاذ لا يقضي بمثل هذا القضاء في حياته صلى الله عليه وآله وسلم ألا لدليل يعرفه ولو لم يكن لديه دليل لم يعجل بالقضية

باب ما جاء في ميراث الجدة والجد

1 - عن قبيصة بن دؤيب قال " جاءت الجدة إلى أبي بكر فسألته ميراثها فقال مالك في كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا فأرجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطاها السدس فقال هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة فانفذه لها أبو بكر قال ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر فسألته ميراثها فقال مالك في كتاب شيء ولكن هو ذاك السدس فإن اجتمعما فهو بينكما وأيكما خلت به فهو لها "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي

2 - وعن عبادة ابن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند

3 - وعن بريدة " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم "
- رواه أبو داود

4 - وعن عبد الرحمن بن يزيد " قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة جدات السدس ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم "
- رواه الدارقطني هكذا مرسلا

5 - وعن القاسم بن محمد قال " جاءت الجدتان إلى أبي بكر الصديق فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم فقال له رجل من الأنصار أما أنك تترك التي لو ماتت وهو حي كان إياها يرث فجعل السدس بينهما "
- رواه مالك في الموطأ

- حديث قبيصة أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم قال الحافظ وإسناده صحيح لثقة رجاله الا أن صورته مرسل فإن قبيصة لا يصح سماعه من الصديق ولا يمكن شهوده القصة قال ابن عبد البر . وقد اختلف في مولده والصحيح أنه ولد عام الفتح فيبعد شهوده القصة وقد أعله عبد الحق تبعا لابن حزم بالإنقطا . وقال الدارقطني في العلل بعد أن ذكر الأختلاف فيه على الزهري يشبه أن يكون الصواب قوله مالك ومن تابعه . وحديث عبادة بن الصامت أخرجه أيضا أبو القاسم بن منده في مستخرجه والطبراني في الكبير بإسناد منقطع لأن إسحاق ابن يحيى لم يسمع من عبادة . وحديث بريدة أخرجه أيضا النسائي وفي إسناده عبيد الله العتكي وهو مختلف فيه وصححه ابن السكن وابن خزيمة وابن الجارود وقواه ابن عدي . وحديث عبد الرحمن بن يزيد هو مرسل كما ذكر المصنف ورواه أبو داود في المراسيل بسند آخر عن إبراهيم النخعي . ورواه الدارقطني والبيهقي من مرسل الحسن أيضا . وأخرج نحوه الدارقطني من طريق أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه كان يورث ثلاث جدات إذا استوين ثنتان من قبل الأب وواحدة من قبل الأم . ورواه البيهقي من طرق عن زيد بن ثابت . وروى الدارقطني من حديث قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بلفظ حديث عبد الرحمن المذكور وحديث القاسم بن محمد روه مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم وهو منقطع لأن القاسم لم يدرك جده أبا بكر . ورواه الدارقطني من طريق ابن عيينة وفي الباب عن معقل بن يسار عند أبي القاسم بن منده وقد ذكر القاضي حسين أن الجدة التي جاءت إلى الصديق أم الأم وان التي جاءت إلى عمر أم الأب . وفي رواية ابن ماجه ما يدل له والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أن فرض الجدة الواحدة السدس وكذلك فرض الجدتين والثلاث وقد نقل محمد بن نصر من أصحاب الشافعي اتفاق الصحابة والتابعين على ذلك حكى ذلك عنه البيهقي . قال في البحر مسألة فرضهن يعني الجدات السدس وإن كثرن إذا استوين وتستوي أم الأم وأم الأب لافضل بينهما فإن اختلفن سقط الابعد بالأقرب ولا يسقطهن إلا الأمهات والأب ويسقط الجدات من جهته والأم من الطرفين وكل جدة ادرجت أبا بين امين وأما بين الأبوين فهي ساقطة . مثال الأول أم أبي الأم فبينها وبين الميت أب . ومثال الثاني أم أبي أم الأب انتهى . ولأهل الفرائض في الجدات كلام طويل ومسائل متعدده فمن أحب الوقوف على تحقيق ذلك فليرجع إلى كتب الفن

6 - وعن عمران بن حصين " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ان ابن ابني مات فمالي من ميراثه قال لك السدس فلما أدبر دعاه قال لك سدس آخر فلما أدبر دعاه فقال إن السدس الآخر طعمة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه

7 - وعن الحسن " أن عمر سأل عن فريضة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجد فقام معقل بن يسار المزني فقال قضي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ماذا قال السدس مع من قال لا أدري قال لادريت فما تغني اذن "
- رواه أحمد

- حديث عمران بن حصين هو من رواية الحسن البصري عنه وقد قال علي بن المديني وأبو حاتم الرازي وغيرهما أنه لم يسمع منه . وحديث معقف بن يسار أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجه ولكنه منقطع لأن الحسن البصري لم يدرك السماع من عمر فإنه ولد إحدى وعشرين وقتل عمر في سنة ثلاث وعشرين . وقيل سنة أربع وعشرين وذكر أبو حاتم الرازي أنه لم يصح للحسن سماع من معقل بن يسار وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيما حديث الحسن عن معقل . وحديث عمران يدل على أن الجد يستحق ما فرض له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال قتادة لاندري مع أي شيء ورثه قال وأقل ما يرثه الجد السدس . قيل هذه المسألة انه ترك الميت بنتين وهذا السائل فللبنتين الثلثان والباقي ثلث دفع صلى الله عليه وآله وسلم منه إلى الجد سدسا بالفرض لكونه جدا ولم يدفع إليه السدس الآخر الذي يستحقه بالتعصيب لئلا يظن أن فرضه الثلث وتركه حتى ولى أي ذهب فدعاه وقال لك السدس آخر ثم أخبره إن هذا السدس طعمة أي زائد على السهم المفروض وما زاد على المفروض فليس بلازم كالفرض ( وقد اختلف ) الصحابة في الجد اختلافا طويلا ففي البخاري تعليقا يروى عن علي وعمر وزيد بن ثابت وابن مسعود في الجد قضايا مختلفة . وقد ذكر البيهقي في ذلك آثارا كثيرة وروى الخطابي في الغريب بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال سألت عبيدة عن الجد فقال ما يصنع بالجد لقد حفظت فيه عن عمر مائة قضية يخالف بعضها بعضا ثم أنكر الخطابي هذا انكارا شديدا وسبقه إلى ذلك ابن قتيبة . قال الحافظ هو محمول على المبالغة كما حكى ذلك البزار وجعله ابن عباس كالأب كما رواه البيهقي عنه وعن غيره وروى أيضا من طريق الشعبي قال كان من رأي أبي بكر وعمر أن الجد أولى من الأخ وكان عمر يكره الكلام فيه ورورى البيهقي أيضا على أنه شبه الجد بالبحر والنهر الكبير والأب بالخليج المأخوذ منه والميت وأخوته كالساقيتين الممتدتين من الخليخ والساقية إلى الساقية أقرب منها إلى البحر الا ترى إذا سدت إحداهما أخذت الأخرى ماءها ولم يرجع إلى البحر وشبهه زيد بن ثابت الأنصاري بساق الشجرة وأصلها والأب كغصن منها والأخوة كغصنين تفرعا من ذلك الغصن وأحد الغصنين إلى الآخر أقرب منه إلى أصل الشجرة الاترى أنه إذا قطع أحدهما امتص الآخر ما كان يمتص المقطوع ولا يرجع إلى الساق هكذا رواه البيهقي . ورواه الحاكم بغير هذا السياق وأخرجه ابن حزم في الأحكام من طريق اسمعيل القاضي عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه فذكر قصة زيد بن ثابت قال في البحر مسألة على وابن مسعود وزيد بن ثابت والأكثر ولا يسقط الأخوة الجد بل يقاسمهم بخلاف الأب وإن اختلفوا في كيفية المقاسمة أبو بكر وعائشة وابن الزبير ومعاذ والحسن البصري وبشر بن غياث بل يسقط الأخوة كالأب إذ سماه الله أبا فقال { ملة أبيكم إبراهيم } لنا قوله تعالى في الأب { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وهذا عام لا يخرج منه إلا ما خصه دليل ولولا الإجماع لما سقط مع الأب لهذه الآية وان الأخوة كالبنين بدليل تعصيبهم اخواتهم فوجب أن لا يسقط مع الجد وأما تسمية الجدايا فمجاز فلا يلزمنا قال فرع اختلف في كيفية المقاسمة فقال علي وابن أبي ليلى والحسن ين زياد والأمامية يقاسمهم ما لم تنقصه المقاسمة عن السدس فإن نقصته رد إلى السدس وعن علي أنه يقاسم إلى التسع روته الإمامية قلنا روايتنا أشهر إذ راويها زيد بن علي عن أبيه عن جده وقال ابن مسعود وزيد بن علي والشافعي وأبو يوسف ومحمد والناصر ومالك بل يقاسمهم إلى الثلث فإن نقضته المقاسمة عنه رد إليه ثم استدل لهم بحديث عمران بن حصين المذكور وقال الناصر إن الجد يقاسم الأخوة أبدا وقد روى ابن حزم عن قوم من السلف إن الأخوة يسقطون الجد وقد قيل أن المثل الذي ذكره علي والمثل الذي ذكره ابن مسعود يستلزمان أن يكون الأخوة أولى من الأب ولا قائل به وللأب مزايا منها النص على ميراثه في القرآن وتعصيبه لأخته وأجيب عن الأولى بأن الجد مثله فيها لأنه أب وهو منصوص على ميراثه في القرآن ورد بأن ذلك مجاز لا حقيقة وأجيب بأن الأصل في الإطلاق الحقيقة وأيضا للجد مزايا . منها أنه يرث مع الأولاد . ومنها أنه يسقط الأخوة لأم اتفاقا

باب ما جاء في ذوي الأرحام والمولى من أسفل ومن أسلم على يد رجل وغير ذلك

1 - عن المقدام بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من ترك مالا فلورثته وأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرث والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

2 - وعن أبي أمامة بن سهل " أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله وليس له وارث الا خال فكتب في ذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر فكتب عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له "
- رواه أحمد وابن ماجه وللترمذي منه المرفوع وقال حديث حسن

- حديث المقدام أخرجه ايضا النسائي والحاكم وابن حبان وصححاه وحسنه أبو زرعة الرازي وأعله البيهقي بالاضطراب ونقل عن يحيى بن معين أنه كان يقول ليس فيه حديث قوي . وحديث عمر ذكره في التلخيص ولم يتكلم عليه وقد حسنه الترمذي كما ذكره المصنف ورواه عن بندار عن أبي أحمد الزبيري عن سفيان عن عبد الرحمن بن الحرث عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال كتب عمر بن الخطاب فذكره في الباب عن عائشة عند الترمذي والنسائي والدارقطني من رواية طاوس عنها قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخال وارث لا وارث له " قال الترمذي حسن غريب وأعله النسائي بالاضطراب ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه قال الترمذي وقد أرسله بعضهم ولم يذكر فيه عائشة . وقال البزار أحسن إسناد فيه حديث أبي أمامة بن سهل وأخرجه عبد الرزاق عن رجل من أهل المدينة والعقيلي وابن عساكر عن أبي الدرداء وابن النجار عن أبي هريرة كلها مرفوعة . وقد استدل بحديثي الباب وما في معناهما على أن الخال من جملة الورثة . قال الترمذي واختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فورث بعضهم الخال والخالة والعمة وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم وجعل الميراث في بيت المال اه وقد حكى صاحب البحر القول بتوريث ذوي الأرحام عن علي وابن مسعود وأبي الدرداء والشعبي ومسروق ومحمد بن الحنفية والنخعي والثوري والحسن بن صالح وأبي نعيم ويحيى بن آدم والقاسم بن سلام والعترة وأبي حنيفة وإسحاق والحسن ابن زياد قالوا إذا لم يكن معهم أحد من العصبة وذوي السهام وإلى ذلك ذهب فقهاء العراق والكوفة والبصرة وغيرهم وحكى في البحر أيضا عن زيد بن ثابت والزهري ومكحول والقاسم بن إبراهيم والأمام يحيى ومالك والشافعي أنه لا ميراث لهم وبه قال فقهاء الحجاز احتج الأولون بالأحاديث المتقدمة وبحديث عائشة الآتي وبعموم قوله تعالى { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } وقوله تعالى { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } ولفظ الرجال والنساء والأقربين يشملهم والدليل على مدعي التخصيص . وأجاب الآخرون عن ذلك فقالوا عمومات الكتاب محتملة وبعضها منسوخ والأحاديث فيها ما تقدم من المقال ويجاب عن ذلك بأن دعوى الاحتمال إن كانت لأجل العموم فليس ذلك مما يقدح في الدليل والاستلزام ابطال بكل دليل عام وهو باطل وإن كانت لأمر آخر فما هو . وأما الاعتذار عن أحاديث الباب بما فيها من المقال فقد عرفت من صححها من الأئمة ومن حسنها ولا شك في انتهاض مجموعها للاستدلال إن لم ينتهض الأفراد ( ومن جملة ) ما استدلوا به على ابطال ميراث ذوي الأرحام حديث ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال سألت الله عز و جل عن ميراث العمة والخالة فسارني أن لا ميراث لهما " أخرجه أبو داود في المراسيل والدارقطني من طريق الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلا وأخرجه النسائي من مرسل زيد بن أسلم ويجاب بأن المرسل لا تقوم به الحجة قالوا وصله الحاكم في المستدرك من حديث أبي سعيد والطبراني ويجاب بأن إسناد الحاكم ضعيف وإسناد الطبراني فيه محمد بن الحرث المخزومي . قالوا وصله أيضا الطبراني من حديث أبي هريرة . ويجاب بأنه ضعفه بمسعدة ابن اليسع الباهلي قالوا وصله الحاكم أيضا من حديث ابن عمر وصححه . ويجاب بإن في إسناده عبد الله بن جعفر المديني وهو ضعيف قالوا روى له الحاكم شاهدا من حديث شريك بن عبد الله ابن أبي نمر عن الحرث بن عبد مرفوعا . ويجاب بإن في إسناده سليمان بن داود الشاذكوني وهو متروك قالوا أخرجه الدارقطني من وجه آخر عن شريك . ويجاب بأنه مرسل ولك هذه الطرق لا تقوم بها حجة وعلى فرض صلاحيتها للاحتجاج فهي واردة في الخالة والعمة فغايتها أنه لاميراث لهما وذلك لا يستلزم ابطال ذوي الأرحام على أنه قد قيل ان المراد بقوله لا ميراث لهما أي مقدور ومما يؤيد ثبوت ميراث ذوي الأرحام ما سيأتي في باب ميراث ابن الملاعنة من جعله صلى الله عليه وآله وسلم ميراثه لورثتها من بعدها وهم أرحام له لا غير ومن المؤيدات لميراث ذوي الأرحام ما أخرجه أبو داود من حديث أبي موسى أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال " ابن أخت القوم منهم " وأخرجه النسائي من حديث أنس بلفظ " من أنفسهم " قال المنذري في مختصر السنن وقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي والترمذي قوله صلى الله عليه وآله وسلم " ابن أخت القوم منهم " مختصرا ومطولا . ومن الأجوبة المتعسفة قول ابن العربي أن المراد بالخال السلطان وأما ما يقال من أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم " الخال وارث من لاوارث له " يدل على انه غير وراث فيجاب عنه بأن المراد من لا وارث له سواه ونظير هذا التركيب كثير في كلام العرب على أن محل النزاع هو إثبات الميراث له وقد أثبته له صلى الله عليه وآله وسلم وهو المطلوب

3 - وعن ابن عباس " أن رجلا مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يترك وارثا الا عبدا هو أعتقه فأعطاه ميراثه "

4 - وعن قبيصة عن تميم الداري قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما السنة في الرجل من أهل الشرك يسلم على يد رجل من المسلمين فقال هو أولى الناس بميحاه ومماته " وهو مرسل قبيصة لم يلق تميما الداري

5 - وعن عائشة " أن مولى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خر من عذق نخلة فمات فأتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال هل له من نسيب أو رحم قالوا الا قال اعطوا ميراثه بعض أهل قريته "
- رواهن الخمسة إلا النسائي

6 - وعن بريدة قال " توفي رجل من الأزد فلم يدع وارثا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ادفعوه إلى أكبر خزاعة "
- رواه أحمد وأبو داود

7 - وعن ابن عباس " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين أصحابه وكانوا يتوارثون بذلك حتى نزلت وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله فتوارثوا بالنسب "
- رواه الدارقطني

- حديث ابن عباس الأول حسنه الترمذي وهو من رواية عوسجة عن ابن عباس . قال البخاري عوسجة مولى ابن عباس الهاشمي روى عنه ابن دينار ولم يصح . وقال أبو حاتم ليس بالمشهور . وقال النسائي عوسجة ليس بالمشهور ولا نعلم أحد يروى عنه غير عمرو . وقال أبو زرعة الرازي ثقة . وحديث تميم قال الترمذي لا نعرفه الا من حديث عبد الله بن موهب ويقال ابنوهب عن تميم الداري وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن موهب وتميم الداري قبيصة بن ذؤيب وهو عندي ليس بمتصل اه وقال الشافعي في هذا الحديث ليس بثابت إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن وهب عن تميم الداري وابن وهب ليس بالمعروف عندنا ولا نعلمه لقى تميما . ومثل هذا لا يثبت عندنا ولاعندك من قبل أنه مجهول ولا أعلمه متصلا . وقال الخطابي ضعف أحمد بن حنبل تميم الداري هذا وقال عبد العزيز رواية ليس من أهل الحفظ والاتقان وقال البخاري في الصحيح وختلفوا في صحة هذا الخبر . وقال أبو مسهر عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ضعيف الحديث وقد احتج بعبد العزيز المذكور البخاري في صحيحه وأخرج له هوومسلم وقال يحيى بن معين عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ثقة . وقال ابن عمار ثقة ليس بين الناس فيه اختلاف . وحديث عائشة حسنه الترمذي وقد عزا المنذري في مختصر السنن حديث عائشة هذا والحديثين اللذين قبله إلى النسائي فينظر في قول المصنف رواهن الخمسة إلا النسائي . وحديث بريدة أخرجه أيضا النسائي مسندا ومرسلا وقال جبريل بن أحمر ليس بالقوي والحديث منكر اه . وقال الموصلي فيه نظر . وقال أبو زرعة الرازي شيخ . وقال يحيى بن معين كوفي ثقة . ولفظ أبي داود عن بريدة قال أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل فقال إن عندي ميراث رجل من الأزد ولست أجد أزديا أدفعه إليه قال فأذهب فالتمس أزديا فالتمس أزديا حولا قال فأتاه بعد الحول فقال يا رسول الله لم أجد أزديا أدفعه إليه قال فانطلق فانظر أول خزاعي تلقاه فادفعه إليه فلما ولى قال على بالرجل فلما جاء قال انظر أكبر خزاعة فادفعه إليه . وفي لفظ له آخر قال مات رجل من خزاعة فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بميراثه فقال " التمسوا وارثا أو ذا رحم فلمن يجدوا له وارثا فقال انظروا أكبر رجل من خزاعة " وحديث ابن عباس الثاني أخرجه أيضا أبو داود بلفظ " كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما من الآخر فنسخ ذلك الأنفال فقال وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض " وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال . وأخرج نحوه ابن سعد عن عروة بن الزبير وفيه فصارت المواريقث بعد للأرحام والقرابة وانقطعت تلك المواريث بالمؤخاة ذكره الأسيوطي في أسباب النزول ومعناه في الدر المنثور : قوله " فأعطاه ميراثه " قيل إن ذلك من باب الصرف لا من باب التوريث : قوله " هو أولى الناس بمحياه ومماته " فيه دليل على أن من أسلم على يد رجل من المسلمين ومات ولا وارث له غيره كان له ميراثه . وقال الناصر والشافعي ومالك والأوزاعي لا وارث له بل بصرف الميراث إلى بيت المال دونه وقالت الحنفية والقاسمية وزيد بن علي وإسحاق أنه يرث الا أن الحنفية والمؤيد بالله يشترطون في إرثه المحالفة : قوله " هل له من نسيب أو رحم " فيه دليل على توريث ذوي الأرحام وقد تقدم الكلام على ذلك . قوله " أعطوا ميراثه بعض أهل قريته " فيه دليل على جواز صرف ميراث من لا وارث له معلوم إلى واحد من أهل بلده وظاهر قوله ادفعوه إلى أكبر خزاعة ان ذلك من باب التوريث لان الرجل إذا كان يجتمع هو وقبيلته في جد معلوم ولم يعلم له وارث منهم على التعيين فأكبرهم سنا أقربهم إليه نسبا لان كبر السن مظنة لعلو الدرجة . قوله " كانوا يتوارثون بذلك " قال في البحر أراد بالآية أن العصبات وذوي السهام أولى بالميراث من الحلفاء والمدعين قال أبو عبيد نسخت ميراثهما وقوله تعالى { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } أي إلى حلفائكم . وقال جابر بن زيد ومقاتل ابن محمد وعطاء بل إلى قرابتهم المشركين فاجازوا الوصية لهم للآية قال المهدي وهو ظاهر البطلان لقوله تعالى { لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء } فيكف سماهم أولياء المؤمنين اه

باب ميراث ابن الملاعنة والزانية منهما وميراثهم منهم وانقطاعهم من الأب

1 - في حديث المتلاعنين الذي يرويه سهل بن سعد " قال وكانت حاملا وكان ابنها ينسب إلى أمه فجرت السنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله "
- أخرجاه

2 - وعن ابن عباس " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا مساعاة في الإسلام من ساعي في الجاهلية فقد ألحقته بعصبته ومن ادعى ولدا من غير رشدة فلا يرث ولا يورث "
- رواه أحمد وأبو داود

3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ايما رجل عاهر بحرة أو أمة فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث "
- رواه الترمذي

4 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه جعل ميراث ابن الملاعنة لامه ولورثتها من بعدها "
- رواه أبو داود

- حديث ابن عباس في إسناده مجهول في سنن أبي داود وأخرج أبو داود أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى إن كل ولد زنا لأهل أمه من كانوا حرة أو أمة " وذلك فيما استلحق في أول الإسلام وفي إسناده محمد بن راشد المكحول الشامي وفيه مقال وثقه أحمد وابن معين والنسائي وقال دحيم يذكر بالقدر وحديث عمرو بن شعيب الأول في إسناده أبو محمد عيسى بن موسى القرشي الدمشقي قال البيهقي ليس بمشهور وحديث عمرو بن شعيب الثاني في إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف قال الترمذي وروى يونس هذا الحديث عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه . وروى مالك عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا ( وفي الباب ) عن وائلة بن الأسقع عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المرأة تحوز ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عنه " قال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن حرب اه وفي إسناده عمر بن رويبة التغلبي قال البخاري فيه نظر وسئل عنه أبو حاتم الرازي فقال صالح الحديث قيل تقوم به الحجة فقال لا ولكن صالح وقال الخطابي هذا الحديث غير ثابت عند أهل النقل . وقال البيهقي لم يثبت البخاري ولا مسلم هذا الحديث لجهالة بعض رواته اه . وقد صححه الحاكم وأحاديث الباب تدل على أنه لا يرث ابن الملاعنة من الملاعن له ولا من قرابته شيئا وكذلك لا يرثون منه . وكذلك ولد الزنا وهو مجمع على ذلك ويكون ميراثه لأمه ولقرابتها كما يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب المذكور وتكون عصبته عصبة أمه . وقد روي نحو ذلك عن علي وابن عباس فيكون للأم سهمها ثم لعصبتها على الترتيب وهذا حيث لم يكن غير الأم وقرابتها من ابن الميت أو زوجة فلو كان له ابن أو زوجة أعطي كل واحد ما يستحقه كما في سائر المواريث : قوله " لا مساعاة في الإسلام " المساعاة الزنا وكان الأصمعي يجعلها في الإماء دون الحرائر لأنهن كن يسعين لمواليهن فيكتسبن لضرائب كانت عليهن يقال ساعت الأمة إذا فجرت وساعاها فلان إذا فجر بها كذا في النهاية

باب ميراث الحمل

1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا استهل المولود ورث "
- رواه أبو داود

2 - وعن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله والمسور ابن مخرمة قالا قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يرث الصبي حتى يستهل "
- ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله

- حديث أبي هريرة في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف وقد روى عن ابن حبان تصحيح الحديث . وحديث جابر اخرجه أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي بلفظ " إذا استهل صلى عليه وورث " وفي إسناده اسمعيل ابن مسلم وهو ضعيف قال الترمذي وروى مرفوعا والموقوف أصح وبه جزم النسائي وقال الدارقطني في العلل لا يصح رفعه . قوله " إذا استهل " قال ابن الأثير استهل المولود إذا بكى عند ولادته وهو كناية عن ولادته حيا وإن لم يستهل بل وجدت منه إمارة تدل علة حياته وقد تقدم الكلام على الاستهلال في كتاب الجنائز ( والحديثان ) يدلان على أن المولود إذا وقع منه الاستهلال أو ما يقوم مقامه ثم مات ورثه قرابته وورث هو منهم وذلك ما لا خلاف فيه . وقد اختلف في الأمر الذي تعلم به حياة المولود فأهل الفرائض قالوا بالصوت أو الحركة وهو ول الكرخي وروى عن علي وزفر والشافعي . وروى عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وشريح والنخعي ومالك وأهل المدينة أنه لا يرث مالم يستهل صارخا . وفي شرح الإبانة الاستهلال عند الهادي والفريقين الحركة أو الصوت وعند الناصر ومالك ورواية عن أبي حنيفة وأبي طالب الصوت فقط ويكفي عند الهادوية خبر عدلة بالاستهلال وعند مالك والهادي لابد من عدلتين وعند الشافعي أربع

باب الميراث بالولاء

1 - صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " الولاء لمن أعتق " وللبخاري في رواية " الولاء لمن أعطى الورق وولى النعمة "

2 - وعن قتادة عن سلمى بنت حمزة " أن مولاها مات وترك ابنته فورث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته النصف وورث يعلى النصف وكان ابن سلمى "
- رواه أحمد

3 - وعن جابر ابن زيد عن ابن عباس " أن مولى لحمزة توفي وتك ابنته حمزة فاعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته النصف وابنة حمزة النصف "
- رواه الدارقطني . واحتج أحمد بهذا الخبر في رواية أبي طالب وذهب إليه وكذلك روى عن إبراهيم النخعي ويحيى بن آدم وإسحاق بن راهوية إن المولى كان لحمزة . وقد روى أنه كان لبنت حمزة فروى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الله بن شداد عن بنت حمزة وهي أخت ابن شداد لامه " قالت مات مولاي وترك ابنته فقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماله بيني وبين ابنته فجعل لي النصف ولها النصف " . رواه ابن ماجه . وابن أبي ليلى فيه ضعف فإن صح هذا لم يقدح في الرواية الأولى فإن من المحتمل تعدد الواقعة ومن المحتمل أنه أضاف مولى الوالد إلى الولد بناء على القول بانتقاله إليه أو توريثه به

- الحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تقدم في باب من اشترى عبدا بشرط أن يعتقه من كتاب البيع وتقدم أيضا في باب من شرط الولاء أو شرطا فاسدا من كتاب البيع أيضا وسيأتي أيضا في باب المكاتب وحديث قتادة ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات الا أن قتادة لم يسمع من سلمي بنت حمزة قال وأخرجه يأسانيد رجال بعضها رجال الصحيح . وحديث جابر بن زيد ذكره أيضا في التلخيص وسكت عنه . وحديث محمد بن عبد الرحمن رواه النسائي من حديث ابنة حمزة أيضا وفي إسناده ابن أبي ليلى المذكور وهو القاضي وهو ضعيف كما قال المصنف وأعل الحديث النسائي بالإرسال وصحح هو والدارقطني الطريق المرسلة وأخرجه أيضا الحاكم وصرح بأن أسمها أمامة وهو يخالف ما في حديث أحمد المذكور في الباب من التصريح بأن اسمها سلمى . وفي مصنف ابن أبي شيبة أنها فاطمة قال البيهقي اتفق الرواة على ان ابنة حمزة هي المعتقة وقال إن قول إبراهيم النخعي إنه مولى حمزة غلط والأولى الجمع بين الروايتين بمثل ما ذكره المصنف رحمه الله . وحديث ابنة حمزة فيه على فرض أنها هي المعتقة دليل على أن المولى الأسفل إذا مات وترك أحدا من ذوي سهامه ومعتقه كان لذوي السهام من قرابته مقدار ميراثهم المفروض والباقي للمعتق ولا فرق بين أن يكون ذكرا أو أنثى ويؤيد ذلك عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم " الولاء لمن أعتق والولاء لمن أعطى الورق وولى النعمة " وقد وقع الخلاف فيمن ترك ذوي أرحامه ومعتقه فروى عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس وزيد بن علي والناصر أن مولى العتاق لا يرث الا بعد ذوي أرحام الميت وذهب غيرهم إلى أنه يقدم على ذوي أرحام الميت ويأخذ الباقي بعد ذوي السهام ويسقط مع العصبات والرواية المذكورة عن قتادة تدل على أن العتيق إذا مات وترك ذوي سهامه وعصبة مولاه كان لذوي السهام فرضهم والباقي لعصبة المولى . ورواية ابن عباس المذكورة تدل على أن العتيق إذا مات وترك ذوي سهامه وذوي سهام مولاه كان لذوي سهامه نصيبهم والباقي لذوي سهام مولاه والذي جزم به جماعة من أهل الفرائض أن ذوي سهام الميت يسقطون ذوي سهام المعتق ويدل على ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ميراث الولاء للأكبر من الذكور ولا ترث النساء من الولاء الا ولاء من أعتقن أو أعتقه من أعتقن " وأخرج البيهقي عن علي وعمر وزيد بن ثابت أنهم كانوا لا يورثون النساء من الولاء الا ولاء من أعتقن

باب النهي عن بيع الولاء وهبته وما جاء في السائبة

1 - عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه نهى عن بيع الولاء وهبته "
- رواه الجماعة

2 - وعن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من والى قوما بغير أذن مواليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا "
- متفق عليه وليس لمسلم فيه بغير أذن مواليه لكن له مثله بهذه الزيادة من حديث أبي هريرة

3 - وعن هزيل بن شرحبيل قال " جاء رجل إلى عبد الله فقال أني أعتقت عبدا لي وجعلته سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثا فقال عبد الله ان أهل الإسلام لا يسببون وإنما كان أهل الجاهلية يسيبون وأنت ولى نعمته ولك ميراثه وإن تأثمت وتحرجت في شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال "
- رواه البرقاني على شرط الصحيح . وللبخاري منه " إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون "

- في الباب عن عبد الله بن عمر عند الحاكم وابن حبان وصححه والبيهقي وأعله قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب " : قوله " نهى عن بيع الولاء وعن هبته " فيه دليل على أنه لا يصح بيع الولاء ولا هبته لأنه أمر معنوي كالنسب فلا يتأتى انتقاله قال ابن بطال أجمع العلماء على أنه لا يجوز تحويل النسب وحكم الولاء حكمه لحديث " الولاء لحمة كلحمة النسب " وحكي في البحر عن مالك أنه يجوز بيع الولاء . وقال ابن بطال وغيره جاء عن عثمان جواز بيع الولاء وكذا عن عروة وجاء عن ميمونة جواز هبته قال الحافظ قد أنكر ذلك ابن مسعود في زمن عثمان فأخرج عبد الرزاق عنه أنه كان يقول أيبيع أحدكم نسبه . ومن طريق علي الولاء شعبة من النسب . ومن طريق جابر أنه أنكر بيع الولاء وهبته . ومن طريق ابن عمر وابن عباس أنها كانا ينكران ذلك وسنده صحيح ويغني عن ذلك حديث ابن عمر المذكور في الكتاب وحديثه الثاني الذي ذكرناه فإنه حديث صحيح ويغني عن ذلك كله حديث صحيح وقد جمع أبو نعيم طرقه فرواه عن نحوه من خمسين رجلا من أصحاب عبد الله بن دينار عنه . ورواه أبو جعفر الطبري في تهذيبه والطبراني في الكبير وأبو نعيم أيضا من حديث عبد الله بن أبي أوفى فلا وجه لما قاله البيهقي من أنه يروى بأسانيد كلها ضعيفة : قوله " صرفا ولا عدلا " الصرف التوبة . وقيل النافلة والعدل الفدية وقيل الفريضة ( والحديث ) يدل على أنه يحرم على المولى أن يوالي غيره مواليه لأن اللعن لمن فعل ذلك من الأدلة القاضية بأنه من الذنوب الشديدة . قوله " وجعلته سائبة " قال في القاموس السائبة المهملة والعبد يعتق على أن لا ولاء له انتهى . وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ثم هدمه الإسلام

باب الولاء هل يورث أو يورث به

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " تزوج رباب بن حذيفة بن سعيد بن سهم أم وائل بنت معمر الجمحبة فلدت له ثلاثة فتوفيت أمهم فورثها بنوها رباعها وولاء مواليها فخرج بهم عمرو بن العاص معه إلى الشام فماتوا في طاعون عمواس فورثهم عمرو وكان عصبتهم فلما رجع عمرو وجاء بنو معمر بن حبيب يخاصمونه في ولاء أختهم إلى عمر بن الخطاب فقال اقضي بينكم بما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان فقضى لنا به وكتب لنا كتابا فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت "
- رواه ابن ماجه وأبو داود بمعناه . ولأحمد زسطه من قوله " فلما رجع عمرو وجاء بنو معمر إلى قوله فقضى لنا به " قال أحمد في رواية ابنه صالح حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان هكذا يرويه عمرو بن شعيب . وقد روى عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود أنهم قالوا الولاء للكبر فهذا الذي نذهب إليه وهو قول أكثر الناس فيما بلغنا

- الحديث أخرجه أيضا النسائي مسندا ومرسلا وصححه ابن المديني وابن عبد البر وزاد أبو داود بعد قوله وزيد بن ثابت ورجل آخر فلما استخلف عبد الملك اختصموا إلى هشام بن اسمعيل أو إلى اسمعيل بن هشام فرفعهم إلى عبد الملك فقال هذا من القضاء الذي ما كنت أراه قال فقضى لنا بكتاب عمر بن الخطاب فنحن فيه إلى الساعة . وأثر عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود أخرجه أيضا عبد الرزاق والبيهقي وسعيد بن منصور : قوله " رياب " بكسر الراء المهملة وبعدها ياء مثناة تحتية وبعد الألف باء موحدة وذكره صاحب القاموس في مادة المهموز قوله " عمواس " هي قرية بين الرملة وبيت المقدس . قوله " أنهم قالوا الولاء للكبر " الخ أراد أحمد بن حنبل أن مذهب الجمهور ذكر معنى ذلك في نهاية المجتهد . وحديث عمر وفعله يقتضي تقديم البنين ثم رده إلى الأخوة بعدهم وهو مذهب شريح وجماعة وححتهم ظاهر خبر عمر لأن البنين عصبتها ولما كان عمرو بن العاص ليس بعصبة لها رد الولاء إلى أخواتها لأنهم عصبتها وفي ذلك دلالة على أن الولاء لا يورث وإلا لكان عمرو أحق به منهم . قال في البحر مسألة الأكثر ولا يورث يعني الولاء بل تختص العصبات للخبر العترة والفريقان ولا يعصب فيه ذكر أنثى فيختص به ذكور أولاد المعتق وأخوته إذ قد ثبت أن الأعمام لا يعصبون لضعفهم والولاء ضعيف فلم يقع فيه تعصيب بحال شريح وطاوس بل يورث ويعصبون لقوله صلى الله عليه وآله وسلم كلحمة النسب قلت مخصص بالقياس . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يورث " انتهى ومراده بالقياس القياس على عدم تعصيب الأعمام لأخواتهم . ومعنى كون الولاء للكبر أنها لا تجري فيه قواعد الميراث وإنما يختص بارثه الكبر من أولاد المعتق أو غيرهم فإذا خلف رجل ولدين وقد كان أعتق عبدا فمات أحد الولدين وخلف ولدا ثم مات العتيق اختص بولائه ابن المعتق دون ابن ابنه وكذلك لو أعتق رجل عبدا ثم مات وترك أخوين ثم مات أحدهما وترك ابنا ثم مات المعتق فميراثه لأخي المعتق دون ابن أخيه . ووجه الاستدلال بما روي عن هؤلاء الصحابة أنهم لا يخالفون التوريث إلا توقيفا

باب ميراث المعتق بعضه

1 - عنابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المكاتب يعتق بقدر ما أدري ويقام عليه الحد بقدر ما عتق منه ويورث بقدر ما عتق منه "
- رواه النسائي وكذلك أبو داود والترمذي . وقال حديث حسن ولفظهما " إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه " والدارقطني مثلهما وزاد " وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه " وقال أحمد في رواية محمد بن الحكم إذا كان العبد نصفه حرا ونصفه عبدا ورث بقدر الحرية كذلك روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- الحديث رجال إسناده ثقات كما قال الحافظ في الفتح لكنه اختلف في إرساله ووصله وقد اختلف في حكم المكاتب إذا ادى بعض مال الكتابة فذهب أبو دطالب والمؤيد بالله إلى أنه إذا سلم شيئا من مال الكتابة صار لقدره حكم الحرية فيما يتبعض من الأحكام حيا وميتا كالوصية والميراث والحد والأرش وفيما لا يتبعض كالوقود والرجم والوطء بالملك له حكم العبد . وقال أبو حنيفة والشافعي أنه لا يثبت ه شيء من أحكام الأحرار بل حكمه حكم العبد حتى يستكمل الحرية وحكاه الحافظ في الفتح عن الجمهور . وحكى في البحر عن عمرو وابن عباس وزيد بن ثابت وعائشة وأم سلمة والحسن البصري وسعيد بن المسيب والزهري والثوري والعترة وأبي حنيفة والشافعي ومالك أن المكاتب لا يعتق حتى يوفي ولو سلم الأكثر واحتجوا بما أخرجه أبو داود عن جده مرفوعا " المكاتب قن ما بقي عليه درهم " ورواه النسائي وابن حبان من وجه آخر من حديثه بلفظ " ومن كان مكاتبا على مائة درهم فقضاها إلا أوقية فهو عبد " وروى عن على المكاتب إذا ادى الشطر عتق ويطالب بالباقي وروى عنه أيضا أنه يعتق منه بقدر ما أدى وعن ابن مسعود لو كتابته عتق . وعن شريح إذا ادى ثلثا عتق وما بقي اداه في الحرية . وحديث الباب يدل على ما قاله المؤيد بالله وأبو طالب ويؤيده ما أخرجه النسائي عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دية عبد " قال البيهقي قال أبو عيسى فيما بلغني عنه سألت البخاري عن هذا الحديث قال روى بعضهم هذا الحديث عن أيوب عن عكرمة عن علي قال البيهقي ما اختلف عن عكرمة فيه وروى عنه مرسلا . ورواه حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وجعله إسماعيل من قول عكرمة وروى موقوفا عن علي أخرجه البيهقي من طرق مرفوعا . وفي مسألة مذهب آخر وهو أن المكاتب يعتق بنفس الكتابة ورجح هذا المذهب بأن الحكم الكتابة حكم البيع لأن المكاتب اشترى نفسه من السيد ورجح مذهب الجمهور لبأنه أحوط لأن ملك السيد لا يزول إلا بعد تسليم ما قد رضي به من المال وإذا لم يمكن الجمع بين الحديثين المذكورين فالحديث الذي تمسك به الجمهور ارجح من حديث الباب وسيأتي حديث عمرو بن شعيب في باب المكاتب من كتاب العتق

باب امتناع الأرث باختلاف الدين وحكم من أسلم على ميراث قبل أن يقسم

1 - عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم "
- رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي . وفي رواية " قال يا رسول الله أتنزل غدا في دارك بمكة قال وهل ترك لناعقيل من رباع أو دور وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرث جعفر ولا علي شيئا لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين " أخرجاه

2 - وعن عبد الله بن عمرو " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يتوارث أهل ملتين شتى "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . وللترمذي مثله من حديث جابر

3 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يرث المسلم النصراني الا أن يكون عبده أو أمته "
- رواه الدارقطني ورواه من طريق آخر موقوفا على جابر وقال موقوف وهو محفوظ . وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على ما قسم الإسلام " رواه أبو داود وابن ماجه

- حديث أسامة بن زيد هو باللفظ الأول في مسلم لا كما زعم المصنف قال الحافظ وأغرب ابن تيمية في المنتقي فادعى إن مسلما لم يخرجه وكذا ابن الأثير في الجامع ادعى ان النسائي لم يخرجه اه وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه ايضا الدارقطني وابن السكن وسند أبي داود فيه إلى عمرو بن شعيب صحيح . وحديث جابر الأول استغربه الترمذي وفي إسناده ابن أبي ليلى ولفظه " لا يتوارث أهل ملتين " وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا أبو يعلى والضياء في المختارة ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند ابن حبان بنحو حديث عمرو بن شعيب . وعن أبي هريرة عند البزار بلفظ " لاترث ملة من ملة وفيه عمر بن راشد تفرد به وهو لين الحديث وأحاديث الباب تدل على أنه لا يرث المسلم من الكافر ولا الكافر من المسلم قال في البحر إجماعا واختلف في ميراث المرتد فقيل يكون للمسلمين قال في البحر قيل إجماعا إذ هي كموته الأكثر ولا يرث المسلم من الذمي معاذ ومعاوية والناصر والأمامية بل يرث لنا " لاتوارث بين أهل ملتين " قالوا قال صلى الله عليه وآله وسلم " الاسلام يعلو ولا يعلى " قلنا نقول بموجبه والأرث ممنوع بما رويناه قالوا قال صلى الله عليه وآله وسلم نرثهم ولا يرثونا قلنا لعله أراد المرتدين جمعا بين الأخبار ثم قال مسألة الهادي وأبو يوسف ومحمد ويرث المرتد ورثته المسلمون الشافعي لا بل لبيت المال أبو حنيفة ما كسبه قبل الردة فلورثته المسلمين وبعدها لبيت المال لنا قتل على عليه السلام المستورد العجلي حين ارتد وجعل ميراثه لورثته المسلمين ولم يفصل . قالوا لا يرث المسلم الكافر قلنا مخصوص بعمل علي قالا غنم أموال أهل الردة قلنا كان لهم منعة فصاروا حربيين اه كلام البحر . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الاسلام يعلو " هو حديث أخرجه أبو داود والحاكم وصححه . وأما قوله نرث أهل الكتاب ولا يرثونا فليس من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما زعم في البحر بل هو من قول معاوية كما روى ذلك ابن أبي شيبة وقد قال بقول معاوية ومن معه عبد الله بن مغفل ومسروق وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي ولكنه اجتهاد مصادم لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يرث المسلم الكافر " وما في معناه . ومصادم أيضا لنص حديث جابر المذكور في الباب ولتقريره صلى الله عليه وآله وسلم لما فعله عقيل ( والحاصل ) أن أحاديث الباب قاضية بأنه لا يرث المسلم من الكافر من غير فرق بين أن يكون حربيا أو ذميا أو مرتدا فلا يقبل التخصيص الا بدليل . وظاهر قوله " لا يتوارث أهل ملتين " أنه أهل ملة كفرية من أهل ملة كفرية أخرى وبه قال الأوزاعي ومالك وأحمد والهادوية وحمله الجمهور على أن المراد بإحدى الملتين الاسلام وبالأخرى الكفر ولا يخفى بعد ذلك . وفي ميراث المرتد أقوال أخر غير ما سلف والظاهر ما قدمنا

باب أن القاتل لا يرث وأن دية المقتول لجميع ورثته من زوجة وغيرها

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يرث القاتل شيئا "
- رواه أبو داود

2 - وعن عمر قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ليس لقاتل ميراث "
- رواه مالك في الموطأ وأحمد وابن ماجه

3 - وعن سعيد بن المسيب " ان عمر قال الدية للعاقلة لا ترث المرأة من دية زوجها حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ورواه مالك من رواية ابن شهاب عن عمر وزاد قال ابن شهاب وكان قتلهم أشيم خطأ

4 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى ان العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم "
- رواه الخمسة إلا الترمذي

5 - وعن قرة بن دعموص قال أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنا وعمي فقلت يا رسول الله عند هذا دية أبي قمره يعطنيها وكان قتل في الجاهلية فقال أعطه دية أبيه فقلت هل لامي فيها حق قال نعم وكانت ديته مائة من الأبل "
- رواه البخاري في تاريخه

- حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا النسائي وأعله والدارقطني وقواه ابن عبد البر . وحديث عمر أخرجه أيضا الشافعي وعبد الرزاق والبيهقي وهو منقطع قال البيهقي ورواه محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال الحافظ وكذا أخرجه النسائي من وجه آخر عن عمرو قال أنه خطأ وأخرجه ابن ماجه والدارقطني من وجه آخر عن عمر أيضا ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند الدارقطني بلفظ " لا يرث القاتل شيئا " وفي إسناده كثير بن مسلم وهو ضعيف . وعن ابن عباس أيضا حديث آخر عند البيهقي بلفظ " من قتل قتيلا فإنه لا يرث وإن لم يكن له وارث غيره " وفي لفظ " وإن كان والده أو ولده " وفي إسناد عمرو بن برق وهو ضعيف وعن أبي هريرة عند الترمذي وابن ماجه بلفظ " القاتل لا يرث " وفي إسناده إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة تركه أحمد وغيره وأخرجه النسائي في السنن الكبرى وقال إسحاق متروك وعن عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي عند الطبراني في قصة وانه قتل امرأته خطأ فقال صلى الله عليه وآله وسلم " اعقلها ولا ترثها " وعن عدي الجذامي نحوه أخرجه الخطابي وحديث سعيد بن المسيب أخرجه أيضا النسائي وقال الترمذي حسن صحيح زاد أبو داود بعد قوله من دية زوجها فرجع عمرو في رواية " وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعمله على الأعراب " وحديث عمرو بن شعيب هو حديث طويل ساقه أبو داود بطوله في باب ديات الأعضاء وفي إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد اختلف فيه فتكلم فيه غير واحد ووثقه غير واحد . وحديث قرة ابن دعموص يشهد له حديث الضحاك المذكور . وحديث عمرو بن شعيب : قوله " لا يرث القاتل شيئا " استدل به من قال بأن القاتل لا يرث سواء كان القتل عمدا أو خطأ وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأكثر أهل العلم قالوا ولا يرث من المال ولا من الدية . وقال مالك والنخعي والهادوية إن قاتل الخطأ يرث من المال دون الدية ولا يخفى ان التخصيص لا يقبل الا بدليل . وحديث عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي نص في محل النزاع فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له ولا ترثها . وكذلك حديث عدي الجذامي الذي اشرنا إليه ولفظه في سنن البيهقي " إن عديا كانت له امرأتان اقتتلنا فرمى احداهما فماتت فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاه فذكر له ذلك فقال له اعقلها ولا ترثها " وأخرج البيهقي أيضا " ان رجلا رمى بحجر فأصاب أمه فماتت من ذلك فأراد نصيبه من ميراثها فقال له أخوته لا حق لك فأرتفعوا إلى علي رضي الله عنه فقال له حقك من ميراثها الحجر أو غرمه الدية ولم يعطه من ميراثها شيئا . وأخرج أيضا عن جابر بن زيد أنه قال " أيما رجل قتل رجلا أو امرأة عمدا أو خطأ فلا ميراث له منهما وأيما امرأة قتلت رجلا أو امرأة عمدا أو خطأ فلا ميراث لها منهما " وقال قضي بذلك عمر بن الخطاب وعلي وشريح وغيرهم من قضاة المسلمين . وقد ساق البيهقي في الباب آثارا عن عمر وابن عباس وغيرهما تفيد كلها أنه لا ميراث للقاتل مطلقا : قوله " اشيم " بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الياء المثناة من تحت : قوله " من دية زوجها " فيه دليل على أو الزوجة ترث من دية زوجها كما ترث من ماله وكذلك يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب المذكور لعموم قوله فيه " بين ورثة القتيل " والزوجة من جملتهم . وكذلك قوله في حديث قرة المذكور " هل لامي فيها حق قال نعم "

باب في أن الأنبياء لا يورثون

1 - عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا نورث ما تركناه صدقة "

2 - وعن عمر أنه قال لعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد وعلي والعباس " أنشدكم الله الذي بأذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا نورث ماتركنا صدقة قالوا نعم "

3 - وعن عائشة " أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين توفى أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن فقالت عائشة اليس قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نورث ماتركناه صدقة "

4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة "
- متفق عليهن . وفي لفظ لأحمد " لا يقتسم ورثتي دينارا أو لا درهما "

5 - وعن أبي هريرة " أن فاطمة رضي الله عنها قالت لأبي بكر من يرثك إذا مت قال ولدي وأهلي قالت فما لنا لانرث النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن النبي لا يورث ولكن أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعول وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد والترمذي وصححه

- قوله " لا نورث " بالنون وهو الذي توارد عليه أهل الحديث في القديم والحديث كما قال الحافظ في الفتح وما تركنا في موضع الرفع بالابتداء وصدقة خبره وقد زعم الرافضة أن لا نورث بالياء التحتانية وصدقة بالنصب على الحال وماتركناه في محل رفع على النيابة والتقدير لا يورث الذي تركناه حال كونه صدقة وهذا خلاف ما جاءت به الرواية ونقله الحافظ وما ذلك بأول تحريف من أهل تلك النحلة ويوضح بطلانه ما في حديث أبي هريرة المذكور في الباب بلفظ " فهو صدقة " وقوله " لا تقتسم ورثتي دينارا " وقوله " أن النبي لا يورث " ومما ينادى على بطلانه أيضا أن أبا بكر أحتج بهذا الكلام على فاطمة رضي الله عنهما فيما ألتمسته منه من الذي خلفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأراضي وهما من أفصح الفصحاء وأعلمهم بمدلولات الألفاظ فلوكان اللفظ كما تقرؤه الروافض لم يكن فيما أحتج به أبو بكر حجة ولا كان جوابه مطابقا لسؤالها : قوله " أنشدكم الله " أي اسألك رافعا نشدتي أي صوتي وقد قدمنا الكلام على هذا التركيب ومعناه : قوله " ومؤنة عاملي " اختلف في المراد به فقيل هو الخليفة بعده . قال الحافظ وهذا هو المعتمد . وقيل يريد بذلك العامل على النخل وبه جزم الطبري وابن بطال وأبعده من قال المراد بعامله حافر قبره وقال ابن دحية في الخصائص المراد بعامله خادمه وقيل العامل على الصدقة . وقيل العامل فيها كالأخير ونبه بقوله دينارا بالأدنى على الأعلى وظاهر الأحاديث المذكورة في الباب أن الأنبياء لا يورثون وإن جميع ما تركوه من الأموال صدقة ولا يعارض ذلك قوله تعالى { وورث سليمان داود } فإن المراد بالوراثة المذكورة وراثة العلم لا المال كما صرح بذلك جماعة من أئمة التفسير وقد استشكل ما وقع في الباب عن عمر أنه قال لعثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد وعلي والعباس " أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا نورث ماتركناه صدقة فقالوا نعم " ووجه الاستشكال ان أصل القصة صريح في أن العباس وعليا قد علما بأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال " لانورث " فإن كانا سمعاه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يطلبانه من أبي بكر وإن كانا إنما سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر وأجيب يحمل ذلك على أنهما اعتقدا أن عموم لانورث مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض ولذلك نسب عمر إلى علي والعباس أنهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما كما وقع في صحيح البخاري وغيره . وأما مخاصمتها بعد ذلك عند عمر فقال إسماعيل القاضي فيما رواه الدارقطني من طريقه لم يكن في الميراث إنما تنازعا في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف كذا قال لكن في رواية النسائي وعمر بن شبة من طريق أبي البختري ما يدل على انهما أرادا أن يقسم بينهما على سبيل الميراث ولفظه في آخره " ثم جئتماني الآن تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من ابن أخي ويقول هذا أريد نصيبي من امرأتي والله لا أقضي بينكما إلا بذلك " أي إلا بما تقدم من تسليمها لها على سبيل الولاية . وكذا وقع عند النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس نحوه وفي السنن لأبي داود وغيره أراد أن عمر يقسمها بينهما لينفرد كل منهما بنظر ما يتولاه فامتنع عمر من ذلك وأراد أن لا يقع عليهما اسم القسمة ولذلك أقسم على ذلك وعلى هذا اقتصر أكثر شراح الحديث واستحسنوه وفيه من النظر ما تقدم . وأعجب من ذلك جزم ابن الجوزي والنووي أنهما شرحا اللفظ الوارد في مسلم دون اللفظ الوارد في البخاري . وأما ما ثبت في الصحيح في قول عمر جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك فإنما عبر بذلك لبيان قسمة الميراث كيف يقسم بينهم لو كان هناك ميراث لا أنه أراد الغض منهما في هذا الكلام وزاد الإمامي عن ابن شهاب عند عمر بن شبة ما لفظه " فأصلحا أمركما وإلا لم يرجع والله إليكما " : قوله " ولكن أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعول " الخ فيه دليل على أنه يتوجب على الخليفة القائم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعول من كان الرسول صلوات الله عليه وآله وسلم يعوله وينفق على من كان الرسول ينفق عليه

كتاب العتق

باب الحث عليه

1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من أعتق رقبة مسلم أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار حتى فرجه بفرجه "
- متفق عليه

2 - وعن سالم ابن أبي الجعد عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أيما أمرئ مسلم أعتق أمرأ مسلم كان فكاكه من النار يجزي كل عضو منه عضوا منه وأيما أمرئ مسلم أعتق امراتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزى كل عضو منهما عضوا منه "
- رواه الترمذي وصححه . ولأحمد وأبي داود معناه من رواية كعب بن مرة أو مرة بن كعب السلمي وزاد فيه " وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار يجزى بكل عضو من أعضائها عضوا من أعضائها "

- حديث كعب بن مرة أخرجه أيضا النسائي وابن ماجة وإسناده صحيح وفي الباب عن عمر بن عبسة عن أبي داود والترمذي . وعن أبي موسى عند أحمد والنسائي . وعن عقبة بن عامر عن الحاكم وعن وائلة عند الحاكم أيضا . وعن مالك بن الحرث عنده أيضا : قوله " كتاب العتق " بكسر العين المهملة وسكون الفوقية وهو زوال الملك وثبوت الحرية . قال في الفتح يقال عتق يعتق عتقا بكسر أوله ويفتح وعتاقا وعتاقه . قال الأزهري هو مشتق من قوله عتق الفرس إذا سبق وعتق الفرخ إذا طار لأن الرقيق يخلص بالعتق ويذهب حيث شاء . قوله " مسلمه " هذا مقيد لباقي الروايات المطلقة فلا يستحق الثواب المذكور إلا من أعتق رقبة مسلمة . ووقع في حديث عمر بن عبسة " من أعتق رقبة مؤمنة " وهو أخص من قيد الإسلام ولا خلاف أن معتق الرقبة الكافر مثاب على العتق ولكنه ليس كثواب الرقبة المؤمنه : قوله " حتى فرجه بفرجه " استشكله بن العربي فقال الفرج لا يتعلق به ذنب يوجب النار إلا الزنا فإن حمل على ما يتعاطاه من الصغائر كالمفاخذة لم يشكل عتقه من النار بالعتق وإلا فالزنا كبيرة لا تكفر إلا بالتوبة قال فيحتمل أن يكون المراد أن العتق يرجح عن الموازاة بحيث يكون مرجحا لحسنات المعتق ترجيحا يوازي سيئة الزنا اه قال الحافظ ولا اختصاص لذلك بالفرج بل يأتي في غيره من الأعضاء كاليد في الغصب مثلا : قوله " أيما امرئ مسلم " فيه دليل على أن هذا الأجر مختص بمن كان من المعتقين مسلما فلا أجر للكافر في عتقه إلا إذا انتهى أمره إلى الإسلام فسيأتي قوله " فكاكه " بفتح الفاء وكسرها لغة أي كانتا خلاصة قوله " يجزى " بضم الياء وفتح الزاي غير مهموز ( وأحاديث الباب ) فيها دليل على أن العتق من القرب لموجبة للسلامة من النار وإن عتق الذكر أفضل من عتق الأنثى وقد ذهب البعض إلى تفضيل عتق الأنثى على الذكر واستدل على ذلك بأن عتقها يستلزم حرية ولدها سواء تزوجها حر أو عبد ومجرد هذه المناسبة لا يصلح لمعارضة ما وقع التصريح به في الأحاديث من فكاك المعتق إما رجل أو امرأتين وأيضا عتق الأنثى ربما أفضى في الغالب إلى ضياعها لعدم قدرتها على التكسب بخلاف الذكر قال في الفتح وفي قوله أعتق الله بكل عضو عضوا منه إشارة إلى أنه ينبغي أن لا يكون في الرقبة نقصان لتحصيل الاستيعاب وأشار الخطابي إلى أنه يغتفر البعض المجبور بمنفعته كالخصي مثلا واستنكره النووي وغيره وقال لا يشك أن في عتق الخصي وكل ناقص فضيلة ولكن الكامل أولي

3 - وعن أبي ذكر قال " قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله قال قلت أي الرقاب افضل قال أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا "

4 - وعن ميمونة بنت الحرث " أنها أعتقت وليدة لها ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت أشعرت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أني أعتقت وليدتي قال فعلت قالت نعم قال أما أنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك "
- متفق عليهما . وفي الثاني دليل على جواز تبرع المرأة بدون إذن زوجها وأن صلة الرحم أفضل من العتق

5 - وعن حكيم بن حزام قال " قلت يا رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة وعتاق وصلة رحم هل لي فيها من أجر قال أسلمت على ما سلف لك من خير "
- متفق عليه . وقد احتج به على أن الحربي ينفذ عتقه ومتى نفذ فله ولائه بالخبر

- قوله " الإيمان بالله والجهاد " قال النووي ذكر في هذا الحديث الجهاد بعد الإيمان ولم يذكر الحج وذكر العتق وفي حديث آخر ذكر السلامة من اليد واللسان . قال العلماء اختلاف الأجوبة في ذلك باختلاف الأحوال واحتياج المخاطبين وذكر ما لا يعلمه السائل والسامعون وترك ما علموه . قال في الفتح ويمكن أن يقال أن لفظة من مرادة كما يقال فلان أعقل الناس والمراد من أعقلهم ومنه الحديث " خيركم خيركم لأهله " ومن المعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس اه . قوله " أنفسها عند أهلها " أي اغتباطهم بها أشد فإن عتق مثل ذلك ما يقع غالبا إلا خالصا وهو كقوله تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } . قوله وأكثرها ثمنا " وأكثرها ثمنا " في رواية للبخاري أعلاها ثمنا بالعين المهملة وهي رواية للنسائي أيضا وللكشميهني بالغين المعجمة وكذا النسفي قال ابن قرقول معناهما متقارب ورواية مسلم كما هنا قال النووي محله والله أعلم فيمن أراد أن يعتق رقبة واحدة أما لو كان مع شخص ألف درهم مثلا فأراد أن يشتري بها رقبة يعتقها فوجد فوجد رقبة نفيسة ورقبتين مفضولتين فالرقبتان أفضل وهذا بخلاف الأضحية قال الواحدة السمينة فيها أفضل لأن المطلوب هنا فك الرقبة وهناك طيب اللحم . قال الحافظ والذي يظهر أن باختلاف الأشخاص فرب شخص واحد إذا عتق انتفع بالعتق أضعاف ما يحصل من النفع لعتق أكثر عددا منه ورب محتاج إلى كثرة اللحم لتفرقته على المحاويج الذين ينتفعون به أكثر مما ينتفع به بطيب اللحم فالضابط أن مهما كان أكثر نفعا كان أفضل سواء قل أو كثر . واحتج به لمالك في أن عتق الرقبة الكافرة إذا كانت أعلى ثمنا من المسلمي وقد تقدم تقييده بذلك . قوله " أشعرت " بفتح الشين المعجمة والعين المهملة وهو من الشعور . قوله وفي الثاني دليل على جواز تبرع المرأة الخ قد قدمنا الكلام على ذلك في باب ما جاء في تصرف المرأة في مالها ومال زوجها من كتاب الهبة . قوله " أسلمت على ما سلف لك من خير " فيه دليل على أن ما فعله الكافر حال كفره من القرب يكتب له إذا أسلم فيكون هذا الحديث مخصصا لحديث الإسلام يجب ما قبله وقد تقدم في أوائل كتاب الصلاة وجب ذنب الكافر بالإسلام أيضا مشروط بأن يحسن في الإسلام لما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود قال " قلنا يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية قال من أحسن ي الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أوخذ بالأول والآخر " وحديث حكيم المذكور يدل على أنه يصح العتق من الكافر في حال كفره ويثاب عليه إذا أسلم بعد ذلك وكذلك الصدقة وصلة الرحم

باب من أعتق عبدا وشرط عليه الخدمة

1 - عن سفينة أبي عبد الرحمن قال " أعتقتني أم سلمة وشرطت علي أن أخدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما عاش "
- رواه أحمد وابن ماجه . وفي لفظ " كنت مملوكا لأم سلمة فقالت أعتقك واشترط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت لو لم تشترطي علي ما فارقت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما عشت فأعتقتني وأشترطت علي " رواه أبو داود

- الحديث أخرجه أيضا النسائي وقال لا بأس بإسناده . وأخرجه أيضا الحاكم وفي إسناده سعيد بن جمهان أبو حفص الأسلمي وثقه يحيى بن معين وأبو داود السجستاني . وقال أبو حاتم الرازي شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به . وقد استدل بهذا الحديث بصحة العتق المعلق على شرط . قال ابن رشد ولم يختلفوا أن العبد إذا أعتقه سيده على أن يخدمه سنين أنه لا يتم عتقه إلا بخدمته . قال ابن رسلان وقد اختلفوا في هذا فكان ابن سيرين يثبت الشرط في مثل هذا وسئل عنه أحمد فقال يشتري هذه الخدمة من صاحبه الذي اشترط له قيل له يشتري بالدراهم قال نعم اه . وقال الخطابي هذا وعد عبر عنه باسم الشرط ولا يلزم الوفاء به وأكثر الفقهاء لا يصححون إيقاع الشرط بعد العتق لأنه شرط لا يلاقي ملكا أو منافع الحر لا يملكها غيره إلا في إجارة أو في ما معناها . قال في البحر مسألة ومن قال أخدم أولادي في ضيعتهم عشر سنين فإذا مضت فأنت حر عتق باستكمال ذلك إجماعا لحصول الشرط والوقت قبل قلت ولو خدمهم في غير تلك الضيعة إذ القصد الخدمة لا مكانها وكذلك فرق السنين عليهم لم يضر . قال الإمام يحيى وللسيد فيه قبل الوفاء كل تصرف إجماعا . قال في البحر في دعوى الإجماع نظر قال الإمام يحيى وتلزمه الخدمة إجماعا إذ قد وهبها السيد لهم قال الهادي ويعتق بمضي المدة وإن لم يخدم إذ علق يمضيها حيث قال فإذا مضت قال وإذا مات الأولاد قبل الخدمة ومضى السنين بطل العتق لبطلان شرطه وقيل إن كان لهم أولاد عتق بخدمتهم إذ يعم اللفظ لا غيرهم من الورثة

باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم

1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يجزى ولد عن والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه "
- رواه الجماعة إلا البخاري

2 - وعن الحسن عن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من ملك ذا رحم محرم فهو حر "
- رواه الخمسة إلا النسائي . وفي لفظ لأحمد " فهو عتيق " ولأبي داود عن عمر بن الخطاب موقوفا مثل حديث سمرة . وروى أنس " أن رجالا من الأنصار استأذنوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه فقال لا تدعوا منه درهما " رواه البخاري وهو دليل على أنه إذا كان في الغنيمة ذو رحم لبعض الغانمين ولم يتعين له لم يعتق عليه لأن العباس ذو رحم محرم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن علي رضي الله عليه

- حديث سمرة قال أبو داود والترمذي لم يروه إلا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن . ورواه شعبة عن قتادة عن الحسن مرسلا وشعبة أحفظ من حماد ولكن الرفع من الثقة زيادة لولا ما في سماع الحسن بن سمرة من مقال . وقال علي بن المديني هو حديث منكر . وقال البخاري لا يصح . وأثر عمر أخرجه أيضا النسائي وهو من رواية قتادة عنه ولم يسمع منه فإن مولده بعد موت عمر بنيف وثلاثين سنة ( وفي الباب ) عن ابن عمر مرفوعا عند النسائي والترمذي وابن ماجه والحاكم قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ملك ذا رحم محرم فهو حر " . وهو من رواية ضمرة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عنه . قال النسائي حديث منكر ولا نعلم أحد رواه عن سفيان غير ضمرة . وقال الترمذي لم يتابع ضمرة ابن ربيعة على هذا الحديث وهو خطأ عند أهل الحديث . وقال البيهقي أنه وهم فاحش وقال الطبراني وهم فيه ضمرة والمحفوظ بهذا الإسناد حديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته . وقد رد الحاكم هذا وقال أنه روى من طريق ضمرة الحديثين بالإسناد الواحد وضمرة هذا وثقه يحيى بن معين وغيره ولم يخرج له الشيخان وقد صحح حديثه هذا ابن حزم وعبد الحق وابن قطان : قوله " لا يجزي " بفتح أوله أي لا يكافئه بماله من الحقوق عليه إلا بأن يشتريه فيعتقه وظاهره أنه لا يعتق بمجرد الشراء بل لا بد من العتق وبه قالت الظاهرية وخالفهم غيرهم فقالوا أنه يعتق بنفس الشراء . قوله " ذا رحم " بفتح الراء وكسر الحاء وأصله موضع تكوين الولد ثم استعمل للقرابة فيقع على كل من بينك وبينه نسب يوجب تحريم النكاح : قوله " محرم " بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الراء المخففة ويقال محرم بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء المفتوحة . والمحرم من لا يحل نكاحه نكاحه من الأقارب كالأب والأخ والعم ومن في معناهم . قال ابن الأثير الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد أن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه ذكرا كان أو أنثى . وذهب الشافعي وغيره من الأئمة والصحابة والتابعين إلى أنه يعتق عليه الأولاد والآباء والأمهات ولا يعتق عليه غيرهم من قرابته . وذهب مالك إلى أنه يعتق عليه الولد والوالد والأخوة ولا يعتق غيرهم . قال البيهقي وافقنا أبو حنيفة في بني الأعمام أنهم لا يعتقون بحق الملك واستدل الشافعي ومن وافقه بأن غير الوالدين والأولاد قرابة لا يتعلق رد الشهادة ولا تجب بها النفقة مع اختلاف الدين فأسبه فرابة ابن العم وبأنه لا يعصبه فلا يعتق عليه بالقرابة كابن العم وبأنه لو استحق العتق عليه بالقرابة لمنع من بيعه إذا اشتراه وهو مكاتب كالوالد والولد ولا يخفى أن نصب مثل هذه الأقيسة في مقابلة حديث سمرة . وحديث ابن عمر مما لا يلتفت إليه منصف والاعتذار عنهما بما فيهما من المقال المتقدم ساقط لأنهما يتعاضدان فيصلحان للاحتجاج . وحكى في الفتح عن داود الظاهري أنه لا يعتق أحدا على أحد . قوله " لابن أختنا " بالمثناة من فوق والمراد أنهم أخوال أبيه عبد المطلب فإن أم العباس هي نتيلة بالنون والفوقية مصغرا بنت جنان والنون وليست من الأنصار وإنما أرادوا بذلك أن أم عبد المطلب منهم لأنها سلمى بنت عمرو بن أحيجة بمهملتين مصغرا وهي من بني النجار . ومثله ما وقع في حديث الهرة أنه صلى الله عليه وآله وسلم نزل على أخواله بني النجار وأخواله حقيقة غنما هم بنو زهرة وبنو النجار هم أخوال جده عبد المطلب . وقد استدل بحديث أنس هذا من قال أنه لا يعتق ذو الرحم على رحمه وقد ترجم عليه البخاري فقال باب إذا أسر أخو الرجل أو عمه هل يفادي قال في الفتح قيل أنه أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف ما ورد فيمن ملك ذا رحم محرم

باب أن مثل بعبده عتق عليه

1 - عن ابن جريح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو " أن زنباعا أبا روح وجد غلاما له مع جارية له فجدع أنفه وجبه فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال من فعل ذلك بك قال زنباع فدعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما حملك على هذا فقال كان من أمره كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذهب فأنت حر فقال يا رسول الله فمولى من أنا فقال مولى الله ورسوله فأوصى به المسلمين فلما قبض جاء إلى أبا بكر فقال وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال نعم نجري عليك النفقة وعلى عيالك فأجراها عليه حتى قبض فلما استخلف عمر جاءه فقال وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال نعم أين تريد قال مصر قال فكتب عمر إلى صاحب مصر أن يعطيه ارضا يأكلها "
- رواه أحمد . وفي رواية أبي حمزة الصيرفي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صارخا فقال له مالك سيدي رآني أقبل جارية له فجب مذاكيري فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بالرجل فطلب فلم يقر عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بالرجل فطلب فلم يقدر عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذهب فأنت حر " رواه أبو داود وابن ماجه وزاد " قال على من نصرتي يا رسول الله قال تقول أرأيت أن استرقني مولاي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل مؤمن أو مسلم وروى أن رجلا أقعد أمه له في مقلى حار فأحرق عجزها فأعتقها عمر وأوجعه ضربا " حكاه أحمد في رواية ابن منصور قال وكذلك أقول

- حديث عمر بن شعيب سكت عنه أبو داود وقال الترمذي في إسناده عمرو ابن شعيب وقد تقدم اختلاف الأئمة في حديثه وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهو ثقة لكنه مدلس وبقية رجال أحمد ثقات وأخرجه أيضا الطبراني . وأثر عمر أخرجه مالك في الموطأ بلفظ " أن وليدة أتت عمر وقد ضربها سيدها بنار فأصابها بها فأعتقها عليه " وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك وفي الباب عن ابن عمر عند مسلم وأبي داود قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه " وعن سويد بن مقرن عند مسلم وأبي داود قال " كنا بني مقرن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس لنا إلا خادمة واحدة فلطمها أحدنا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أعتقوها " وفي رواية " أنه قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا خادمة لبني مقرن غيرها قال فليستخدموها فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها " وعن سمرة ابن جندب وأبي هريرة ذكرهما ابن الأثير في الجامع وبيض لهما وكلاهما بلفظ " من مثل بعبده عتق عليه " وعن أبي مسعود البدري عند مسلم وغيره وفيه " كنت أضرب غلاما بالصوت فسمعت صوتا من خلفي إلى أن قال فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام " وفيه قلت يا رسول الله هو حر لوجه الله فقال لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار " ( والأحاديث ) تدل على أن المثلة من أسباب العتق وقد اختلف هل يقع العتق بمجردها أم لا فحكى في البحر عن علي الهادي والمؤيد بالله والفريقين أنه لا يعتق بمجردها بل يؤمر السيد بالعتق فإن تمرد فالحاكم . وقال مالك والليث وأبو داود والأوزاعي بل يعتق بمجردها . وحكي في البحر عن الأكثر أن من مثلة بعبده لم يعتق وعن الأوزاعي أنه يعتق ويصمن القيمة للمالك قال النووي في شرح مسلم عند الكلام علي حديث سويد بن مقرن المتقدم أنه أجمع العلماء أن ذلك العتق ليس واجبا وأنما هو مندوب رجاء الكفارة وإزالة أثم اللطم وذكر من أدلتهم على عدم الوجوب إذنه صلى الله عليه وآله وسلم لهم بأن يستخدموها ورد بأن إذنه صلى الله عليه وآله وسلم لهم باستخدامها لا يدل على عدم الوجوب بل الأمر قد أفاد الوجوب والإذن بالاستخدام دل على كونه وجوبا متراخيا إلى وقت الاستغناء عنها ولذا أمره عند الاستغناء بالتخلية لها . ونقل النووي أيضا عن القاضي عياض أنه أجمع العلماء على أنه لا يجب إعتاق بشيء مما يفعله المولى من مثل هذا الأمر الخفيف يعني اللطم المذكور في حديث سويد بن مقرن واختلفوا فيما كثر من ذلك وشنع من ضرب مبرح لغير موجب أو تحرق بنار أو قطع عضو أو إفساده أو نحو ذلك فذهب مالك والأوزاعي والليث إلى عتق العبد بذلك ويكون ولاؤه له ويعاقبه السلطان على فعله وقال سائر العلماء لا يعتق عليه اه وبهذا يتبين أن الاجتماع الذي أطلقه النووي المقيد بمثل ما ذكره القاضي عياض ( واعلم ) أن ظاهر حديث ابن عمر الذي ذكرناه يقتضي أن اللطم والضرب يقتضيان العتق من غير فرق بين القليل والكثير والمشروع وغيره ولم يقل بذلك أحد من العلماء وقد دلت الأدلة على أنه يجوز للسيد أن يضرب عبده للتأديب ولكن يجاوز به عشرة أسواط ومن ذلك حديث إذا ضرب أحدكم خادمه فليجتنب الوجه " فأفاد بأنه يباح ضربه في غيره ومن ذلك الإذن لسيد الأمة يحدها فلا بد من تقييد مطلق الضرب الوارد في حديث ابن عمر هذا بما ورد من الضرب المأذون به فيكون موجب العتق للعتق هو ما عداه

باب من أعتق شركا له في عبد

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق "
- رواه الجماعة والدارقطني . وزاد " ورق ما بقي " وفي رواية متفق عليها " من أعتق عبدا بينه وبين آخر عليه في ماله قيمة عبد لاوكس ولا شطط ثم عتق عليه في ماله إن كان موسرا " وفي رواية " من أعتق عبا بين اثنين فإن كان موسرا . قوم عليه ثم يعتق " رواه أحمد والبخاري . وفي رواية " من أعتق شركا له في مملوك ووجب عليه أن يعتق كله إن كان له مال قدر ثمنه يقام قيمة عدل ويعطى شركاءه قيمة المعتق " رواه البخاري . وفي رواية " من أعتق نصيبا له في مملوك أو شركا له في عبد وكان له من مال ما يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق " رواه أحمد والبخاري . وفي رواية " من أعتق شركا له في عبد عتق ما بقي في ماله إذا كان له ما يبلغ ثمن العبد " رواه مسلم وأبو داود

2 - وعن ابن عمر أنه كان يفتى في البعد أو الأمة يكون بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه منه يقول قد وجب عليه عتقه إذا كان للذي أعتق من المال ما يبلغ يقوم من ماله قيمة العدل ويدفع إلى الشركاء انصباءهم ويخلى سبيل المعتق يخبر بذلك ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه البخاري

3 - وعن أبي المليح عن أبيه " أن رجلا من قومنا أعتق شقصا له من مملوكه فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل خلاصه عليه في ماله وقال ليس لله عز و جل شريك " ز
- رواه أحمد . وفي لفظ " هو حر كله ليس لله شريك " رواه أحمد ولأبي داود معناه

4 - وعن إسماعيل بن أمية عن أبيه عن جده " قال كان لهم غلام يقال له طهمان أو ذكوان فأعتق جده نصفه فجاء العبد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعتق في عتقك وترق في رقك قال فكان يخدم سيده حتى مات "
- رواه أحمد

5 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال من أعتق شقيصا له من مملوكه فعليه خلاصة في ماله فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل ثم استسعى في نصيب الذي لم يعتق غير مشقوق عليه "
- رواه الجماعة إلا النسائي

- حديث أبي مليح أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وقال النسائي أرسله سعيد بن أبي عروبة وساقه عنه مرسلا وقال هشام وسعيد أثبت من همام في قتادة وحديثهما أولى بالصواب وأبو مليح اسمه عامر ويقال عمر ويقال زيد وهو ثقة محتج بحديثه في الصحيحين وأبو أسامة بن عمير هذلي بصري له صحبة ولا يعلم أن أحدا روى عنه غير ابنه أبي المليح وقوى الحافظ في الفتح اسناد حديث أبي مليح قال وأخرجه أحمد بإسناد حسن من حديث سمرة " أن رجلا أعتق شقصا في مملوك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو حر كله وليس لله شريك " وحديث إسماعيل بن أمية قال في مجمع الزوائد هو مرسل ورجاله ثقات . وأخرجه الطبراني ويشهد له ما في حديث ابن عمر المذكور بلفظ " وإلا فقد عنق عليه ما عتق " وما أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن ابن التلب بالتاء الفوقانية عن أبيه " أن رجلا أعتق نصيبا له من مملوك فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث أبي هريرة قال أبو داود ورواه روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة لم يذكر السعاية اه ورواه يحيى بن سعيد وابن عدي عن سعيد بن أبي عروبة لم يذكرا فيه السعاية . ورواه يزيد بن زريع عن سعيد فذكر فيه السعاية وقال البخاري رواه سعيد عن قتادة فلم يذكر فيه السعاية وقال الخطابي اضطرب سعيد بن أبي عروبة في السعاية مرة يذكرها ومرة لا يذكرها فدل على أنها ليست من متن الحديث عنده وإنما هي من كلام قتادة وتفسيره على ما ذكره همام وبينه قال ويدل ويدل على ذلك حديث ابن عمر يعني الذي فيه وإلا فقد عتق عليه ما عتق . وقال الترمذي روى شعبة هذا الحديث عن قتادة ولم يذكر فيه السعاية . وقال النسائي أثبت أصحاب قتادة شعبة وهمام على خلاف سعيد بن أبي عروبة وصوب روايتهما قال وقد بلغني أن هماما روى هذا الحديث عن قتادة فجعل قوله وإن لم يكن مال الخ من قول قتادة وقال عبد الرحمن بن مهدي أحاديث همام عن قتادة اصح من حديث غيره لأنه كتبه املاء . قال أبو بكر النيسابوري ما أحسن ما رواه همام وضبطه فصل قول قتادة وقال ابن عبد البر الذين لم يذكروا السعاية أثبت ممن ذكرها . وقال البيهقي قد اجتمع ههنا شعبة مع فضل حفظه وعلمه بما سمع من قتادة وما لم يسمع وهشام مع فضل حفظه وهمام مع صحة كتابه وزيادة معرفته بما ليس من الحديث على خلاف سعيد بن أبي عروبة ومن تابعه في إدراج السعاية في الحديث . وذكر أبو بكر الخطيب أبا عبد الرحمن بن يزيد المقري قال رواه همام وزاد فيه ذكر الاستسعاء وجعله من قول قتادة وميزه من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم . قال ابن العربي اتفقوا على أن ذكر الاستسعاء ليس من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما هو من قول قتادة وقد ضعف أحمد رواية سعيد بن أبي عروبة ولكنه قد تابع سعيد على ذكر افستسعاء جماعة على كما ذكر ذلك البخاري . ومنهم جرير بن حازم ومنهم حجاج بن حجاج عن قتادة . ومنهم أحمد بن حفص أحد شيوخ البخاري عن أبيه عن إبراهيم ابن طهمان عن حجاج وفيها ذكر السعاية ورواه عن قتادة أيضا حجاج بن أرطأ كما روى الطحاوي . ورواه أيضا عن قتادة أبان كما في سنن أبي داود ورواه أيضا موسى بن خلف عن قتادة كما ذكر ذلك الخطيب ورواه ايضا شعبة عن قتادة كما في صحيح مسلم والنسائي . وقد رحج رواية سعيد للسعاية ورفعها جماعة منهم ابن دقيق العيد قالوا لأن سعيد بن أبي عروبة اعرف بحديث قتادة لكثرة ملازمته له وكثرة أخذه عنه وإن كان همام وهشام أحفظ منه لكنه لا يناف ما روياه وإنما اقتصرا من الحديث على بعضه وليس المجلس متحدا حتى يتوقف في زيادة سعيد ولهذا صحح صاحبا الصحيحين كون الجميع مرفوعا قال في الفتح وأما ما أعل به حديث سعيد من كونه اختلط أو تفرد به فمردود لأنه في الصحيحين وغيرهما من رواية من سمع منه قبل الاختلاط كيزيد بن زريع ووافقه عليه أربعة آخرون معهم لا نطيل بذكرهم وهمام هو الذي انفرد بالتفضيل وهو الذي خالف الجميع في القدر المتفق على رفعه فإنه جعله واقعة عين وهم جعلوه حكما عاما فدل على أنه لم يضبطه بشكل كما ينبغي
والعجب ممن طعن في رفع الاستسعاء بكون همام جعله من قول قتادة ولم يطعن فيما يدل على ترك الاستسعاء وهو قوله في حديث ابن عمر " وإلا فقد عتق منه ما عتق بكون أيوب جعله من قول نافع وميزه كما صنع همام سواء فلم يجعلوه مدرجا كما جعلوا حديث همام مدرجا مع كون يحيى بن سعيد وافق أيوب في ذلك وهمام ولم يوافقه أحد وقد جزم بكون حديث نافع مدرجا محمد بن وضاح وآخرون والذي يظهر أن الحديثين صحيحان مرفوعان وفاقا لصاحبي الصحيح . قال ابن المواق والانصاف أن لا يوهم الجماعة بقول واحد مع احتمال آن يكون سمع قتادة يفتي به فليس بين تحديثه به مرة وفتياه أخرى منافاة . ويؤيده أن البيهقي أخرج عن قتادة أنه أفتى به ومما يؤيد الرفع في حديث ابن عمر أعني قوله " وإلا فقد عتق عليه ما عتق " أن الذي رفعه مالك وهو أحفظ لحديث نافع من أيوب وقد تابعه عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب كما قال البيهقي ولا شك أن الرفع زيادة معتبرة لا يليق إهمالها كما تقرر في الأصول وعلم الاصطلاح وما ذهب إليه بعض أهل الحديث من الإعلال لطريق الرفع بالوقف في طريق أخرى لا ينبغي التعويل عليه وليس له مستند ولا سيما بعد الإجماع على قبول الزيادة التي لم تقع منافية مع تعدد مجالس السماع فالواجب قبول الزيادتين المذكورتين في حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة وظاهرهما التعارض والجمع ممكن لا كما قال الإسماعيلي وقد جمع البيهقي بين حديثين بأن معناهما أن المعسر إذا أعتق حصته لم يسر العتق على حصة شريكه بل تبقى حصة شريكه على حالها وهي الرق ثم يستسعي العبد في عتق بقيته فيحصل ثمن الجزء الذي لشريك سيده ويدفعه إليه ويعتق وجعلوه في ذلك كالمكاتب وهو الذي جزم به البخاري قال الحافظ والذي يظهر أنه في ذلك باختياره لقوله " غير مشقوق عليه " فلو كان ذلك على سبيل اللزوم بأن يكلف العبد الاكتساب والطلب حتى يحصل ذلك لحصل له غاية المشقة وهي لا تلزم في الكتابة بذلك عند الجمهور لأنها غير واجبة فهذه مثلها
قال البيهقي لا يبقى بين الحديثين بعد هذا الجمع معارضة أصلا قال الحافظ وهو كما قال إلا أنه يلزم منه أن يبقى الرق في حصة الشريك إذا لم يختر العبد الاستسعاء فيعارضه حديث أبي مليح الذي ذكره المصنف قال ويمكن حمله على ما إذا كان المعتق غنيا أو على ما إذا كان جميعه له فأعتق بعضه واستدل على ذلك بحديث ابن التلب الذي تقدم ثم قال وهو محمول على المعسر وإلا لتعارضا . وجمع بعضهم بطريق أخرى فقال أبو عبد الملك المراد بالاستسعاء أن العبد يستمر في حصة الذي لم يعتق رقيقا فيسعى في خدمته بقدر ماله فيه من الرق قال ومعنى قوله " غير مشقوق عليه " أي من جهة سيده المذكور فلا يكلفه من الخدمة فوق حصة الرق ويؤيد هذا حديث إسماعيل بن أمية الذي ذكره المصنف ولكنه يرد عليه ما وقع في رواية للنسائي وأبي داود في لفظ " واستسعى في قيمته لصاحبه " واحتج من أبطل السعاية بحديث الرجل الذي أعتق ستة مماليك عند موته فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أجزاء ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقد تقدم في باب تبرعات المريض من كتاب الوصايا . ووجه الدلالة منه أن الاستسعاء لو كان مشروعا لنجز من كل واحد منهم عتق ثلثه واستسعى في بقية قيمته لورثة الميت وأجاب من أثبت السعاية بأنها واقعة عين فيحتمل أن تكون قبل مشروعية السعاية ويحتمل أن تكون السعاية مشروعة في غير هذه الصورة . وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد رجال ثقات " آن رجلا من بني عذرة أعتق مملوكا له عند موته وليس له مال غيره فأعتق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلثه وأمر أن يسعى في الثلثين " واحتجوا أيضا بما أخرجه النسائي عن ابن عمر من حديث وفيه " وليس على العبد شيء " وأجيب بأن ذلك مختص بصورة اليسار لقوله في هذا الحديث " وله وفاء " والسعاية إنما هي في صورة الإعسار . وقد ذهب إلى الأخذ بالسعاية إذا كان المعتق معسرا أبو حنيفة وصاحباه والأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد في رواية وإليه ذهبت الهادوية وآخرون ثم اختلفوا فقال الأكثر يعتق جميعه في الحال ويستسعي العبد في تحصيل قيمة نصيب الشريك وزاد ابن أبي ليلى فقال ثم يرجع العبد على المعتق الأول بما دفعه إلى الشريك . وقال أبو حنيفة وحده يتخير بين السعاية وبين عتق نصيبه وهذا يدل على أنه لا يعتق عنده ابتداء إلا النصيب الأول فقط وعن عطاء يتخير الشريك بين ذلك وبين إبقاء حصته في الرق وخالف الجميع زفر فقال يعتق كله وتقوم حصة الشريك فتؤخذ وإليه ذهبت الهادوية وآخرون ثم اختلفوا فقال الأكثر يعتق جميعه في الحال ويستسعي العبد في تحصيل قيمة نصيب الشريك وزاد ابن أبي ليلى فقال ثم يرجع العبد على المعتق الأول بما دفعه إلى الشريك . وقال أبو حنيفة وحده يتخير بين السعاية وبين عتق نصيبه وهذا يدل على أنه لا يعتق عنده ابتداء إلا النصيب الأول فقط وعن عطاء يتخير الشريك بين ذلك وبين إبقاء حصته في الرق وخالف الجميع زفر فقال يعتق كله وتقوم حصة الشريك فتؤخذ إن كان المعتق موسرا وتبقى في ذمته إن كان معسرا وقد حكى في البحر عن الفريقين من الحنفية والشافعية مثل قول زفر فينظر في صحة ذلك
وحكي أيضا عن الشافعي أنه يبقي نصيب شريك المعسر رقيقا وعن الناصر أنه يسعى العبد مطلقا . وعن أبي حنيفة يسعى عن المعسر ولا يرجع عليه والموسر يخير شريكه بين تضمينه أو السعاية أو إعتاق نصيبه كما مر . وعن عثمان البتي أنه لا شيء على العتق إلا أن تكون جارية تراد للوطء فيضمن ما أدخل على شريكه فيها من الضرر . وعن ابن شبرمة أن القيمة في بيت المال وعن محمد بن إسحاق أن هذا الحكم للعبيد دون الإماء . قوله " قيمة عدل " بفتح العين أي لا زيادة فيه ولا نقص : قوله " لاوكس " بفتح الواو وسكون الكاف بعدها سين مهملة أي لا نقص ولا الشطط بشين معجمة ثم طاء مهملة مكررة وهو الجور بالزيادة على القيمة من قولهم شطني فلان إذا شق عليك وظلمك حقك . قوله " أو شركا له في مملوك " الشرك بكسر الشين المعجمة وسكون الراء الحصة والنصيب . قالابن دقيق العيد هو في الأصل مصدر : قوله " شقصا " بكسر الشين المعجمة وسكون القاف . وفي الرواية الثانية شقيصا بفتح الشين وكسر القاف والشقص والشقيص مثل النصف مثل النصف والنصيف وهو القليل من كل شيء وقيل هو النصيب قليلا كان أو كثيرا

باب التدبير

1 - عن جابر " أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر فاحتاج فأخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال من يشتريه مني فاشتراه نعيم بن عبد الله بكذا وكذا فدفعه إليه "
- متفق عليه . وفي لفظ " قال أعتق رجل من الأنصار غلاما له عن دبر وكان محتاجا وكان عليه دين فباعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثمانمائة درهم فأعطاه فقال اقض دينك وأنفق على عيالك " رواه النسائي

2 - وعن محمد بن قيس بن الأحنف عن أبيه عن جده " أنه أعتق غلاما له عن دبر وكاتبه فأدى بعضا وبقي بعض ومات مولاه فأتوا ابن مسعود فقال ما أخذ فهو له وما بقي فلا شيء لكم "
- رواه البخاري في تاريخه

- حديث جابر أخرجه أيضا الأربعة وابن حبان والبيهقي من طرق كثيرة بألفاظ متنوعة . وفي الباب عن ابن عمر مرفوعا وموقوفا عند البيهقي لفظ " المدبر من الثلث " ورواه الشافعي والحافظ يقفونه على ابن عمر . ورواه الدارقطني مرفوعا بلفظ " المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من الثلث " وفي إسناده عبيدة بن حسان وهو منكر الحديث . وقال الدارقطني في العلل الأصح وقفه وقال العقيلي لا يعرف غلا بعلي بن بن ظبيان وهو منكر الحديث . وقال أبو زرعة الموقوف أصح . وقال ابن القطان المرفوع ضعيف . وقال البيهقي الصحيح موقوف . وقد روى نحوه عن علي موقوفا عليه . وعن أبي قلابة مرسلا " أن رجلا أعتق عبدا له عن دبر فجعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الثلث " وروى الشافعي والحاكم عن عائشة أنها باعت مدبرة سحرتها : قوله " أن رجلا " في مسلم أنه أبو مذكور الأنصاري والغلام اسمه يعقوب . ولفظ أبي داود " أن رجلا يقال له أبو مذكور أعتق غلاما يقال له يعقوب اه وهو يعقوب القبطي كما في رواية مسلم وابن أبي شيبة : قوله " عن دبر " بضم الدال والموحدة وهو العتق في دبر الحياة كأن يقول السيد لعبده أنت حر بعد موتي أو إذا مت فأنت حر وسمي السيد مدبرا بصيغة اسم الفاعل لأنه دبر أمر دنياه باستخدامه ذلك المدبر واسترقاقه ودبر أمر آخرته بإعتاقه وتحصيل أجر العتق : قوله " فاشتراه نعيم بن عبد الله " في رواية للبخاري نعيم بن النحام بالنون والحاء المهملة المشددة وهو لقب والد نعيم وقيل أنه لقب لنعيم وظاهر الرواية خلاف ذلك ( والحديث يدل على جواز بيع المدبر مطلقا من غير تقييد بالفسق والضرورة وإليه ذهب الشافعي وأهل الحديث ونقله البيهقي في المعرفة عن أكثر الفقهاء
وحكي النووي عن الجمهور أنه لا يجوز بيع المدبر مطلقا والحديث يريد عليهم . وروى عن الحنفية والمالكية أنه لا يجوز بيع الدبر تدبيرا مطلقا لا المدبر تدبيرا مقيدا نحو أن يقول إن مت من مرضي هذا ففلان حر فإنه يجوز بيعه لأنه كالوصية فيجوز الرجوع فيه كما يجوز الرجوع فيها . وقال أحمد يمتنع بيع المدبر دون المدير . وقال الليث يجوز بيعه أن شرط على المشتري عن \ تقه وقال ابن سيرين لا يجوز بيعه إلا من نفسه . وقال مالك وأصحابه لا يجوز بيعه إلا إذا كان على السيد دين فيباع له . قال النووي وهذا الحديث صريح أو ظاهر في الرد عليهم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما باعه لينفقه سيده على نفسه ولعله لم يقف على رواية النسائي التي ذكرها المصنف نعم لا وجه لقصر جواز البيع على حاجة قضاء الدين بل يجوز البيع لها ولغيرها من الحاجات والرواية المذكورة قد تضمنت أن الرجل المذكور كان محتاجا للبيع لما كان عليه من الدين ومن نفقة أولاده . وقد ذهب إلى جواز البيع لمطلق الحاجة عطاء والهادي والقاسم والمؤيد بالله وأبو طالب كما حكى ذلك عنهم في البحر وإليه مال ابن دقيق العيد فقال من منع البيع مطلقا كان الحديث حجة عليه لأن المنع الكلي يناقضه الجواز الجزئي ومن أجازه في بعض الصور فله أن يقول قلت بالحديث في الصورة التي ورد فيها فلا يلزمه القول به غير ذلك من الصور وأجاب من أجازه مطلقا بأن قوله في الحديث وكان محتاجا لا مدخل له في الحكم وإنما ذكر لبيان السبب في المبادرة لبيعه ليبين للسيد جواز البيع ولا يخفى أن في الحديث إيماء إلى المقتضى لجواز البيع بقوله فاحتاج وبقوله اقض دينك وأنفق على عيالك ( لا يقال ) الأصل جواز البيع والمنع منه يحتاج إلى دليل ولا يصلح لذلك حديث الباب لأن غايته أن البيع فيه وقع للحاجة ولا دليل على اعتبارها في غيره بل مجرد ذلك الأصل كاف في الجوار لأنا نقول قد عارض ذلك الأصل إيقاع العتق المعلق فصار الدليل بعده على مدعي الجواز ولم يرد الدليل غلا في صورة الحاجة فيبقى ما عداها على أصل المنع . واما ما ذهب إليه الهادوية من جواز بيع المدبر للفسق كما يجوز للضرورة فليس على ذلك دليل إلا ما تقدم عن عائشة من بيعها للمدبرة التي سحرتها وهو مع كونه أخص من الدعوى لا يصلح للاحتجاج به لما قررناه غير مرة من أن قول الصحابي وفعله ليس بحجة ( واعلم ) أنها قد اتفقت طرق هذا الحديث على أن البيع وقع في حياة السيد إلا ما أخرجه الترمذي بلفظ " أن رجلا من الأنصار دبر غلاما له فمات " وكذلك رواه الأئمة احم وإسحاق وابن المديني والحميدي وابن أبي شيبة عن ابن عيينة ووجه البيهقي الرواية المذكورة بأن أصلها أن رجلا من الأنصار أعتق مملوكه إن حديث به حدث فمات فدعا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فباعه من نعيم كذلك رواه مطر الوراق عن عمر . وقال البيهقي فقوله فمات من بقية الشرط أي فمات من ذلك الحدث وليس أخبارا عن أن المدبر مات فحذف من رواية ابن عيينة قوله إن حدث به حدث فوقع الغلط بسبب ذلك اه
( وقد استدل ) بحديث الباب وما في معناه على مشروعية التدبير وذلك مما لا خلاف فيه وإنما الخلاف هل ينفذ من رأس المال أو من الثلث فذهب الفريقان من الشافعية والحنفية ومالك والعترة وهو مروي عن علي وعمر أنه ينفذ من الثلث واستدلوا بما قدمنا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو حر من الثلث وذهب ابن مسعود والحسن البصري وابن المسيب والنخعي وداود ومسروق إلى أنه ينفذ من راس المال قياسا على الهبة وسائر الأشياء التي يخرجها الإنسان من ماله في حال حياته واعتذروا عن الحديث الذي احتج به الأولون بما فيه من المقال المتقدم ولكنه معتضد بالقياس على الوصية ولا شك أنه بالوصية أشبه منه بالهبة لما بينه وبين الوصية من المشابهة التامة . قوله " ما أخذ فهو له وما بقي فلا شيء لكم " استدل به القاضي زيد والهادوية على أن الكتابة لا يبطل بها التدبير ويعتق العبد عندهم بالأسبق منهما وقال المنصور بالله لا تصح الكتابة بعد التدبير لأنها بيع فلا تصلح إلا حيث يصح البيع ورد بإن ذلك تعجيل للعتق مشروط

باب المكاتب

1 - عن عائشة " أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا فقالت لها عائشة ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضى عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت فذكرت بريرة ذلك لأهلها فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون لنا ولاؤك فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابتاعي فأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق ثم قام فقال ما أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن شرطه مائة مرة شرط الله أحق وأوثق "
- متفق عليه . وفي رواية قالت " جاءت بريرة إني كاتبت أهلي على تسع أوراق في كل عام أوقية " الحديث متفق عليه

- قوله " باب المكاتب " بفتح الفوقانية من تقع له الكتابة وبكسرها من تقع منه والكتابة بكسر الكاف وفتحها قال الراغب اشتقاقها من كتب بمني أوجب ومنه قوله تعالى كتب عليكم الصيام أو بمعنى جمع وضم ومنه كتب الخط . قال الحفظ وعلى الأول تكون مأخوذة من معنى الالتزام وعلى الثاني تكون مأخوذة من الخط لوجوده عند عقدها غالبا . قال الروائي الكتابة إسلامية ولم تكن تعرف في الجاهلية وقال ابن التين كانت الكتابة متعارفة قبل الإسلام فأقرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالابن خزيمة وقد كانوا يكاتبون في الجاهلية بالمدينة قوله " أن بريرة " قد تقدم ضبط هذا الاسم وبيان اشتقاقه في باب من اشترى عبدا بشرط أن يعتقه من كتاب البيع وتقدم أيضا رف من شرح هذا الحديث في باب أن من شرط الولاء أو شرط شرطا فاسدا من كتاب البيع أيضا قوله " فإن أحبوا " الخ ظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال الكتابة ولم يقع ذلك إذ لو وقع لكان اللوم على عائشة بطلبها ولاء من أعتقه غيرها . وقد رواه أبو أساممة بلفظ يزيل الإشكال فقال " ان أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت " وكذلك رواه وهيب عن هشام فعرف بذلك أنها أرادت أن تشتريها شراء صحيحا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " ابتاعي فأعتقي " والمراد بالأهل هنا في قول عائشة ارجعي إلى أهلك السادة والأهل في الأصل الآل وفي الشرع من تلزم نفقته : قوله " إن شاءت أن تحتسب " هو من الحسبة بكسر الحاء المهملة أي تحتسب الأجر عند الله ولا يكون لها ولاء . قوله " فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " في رواية للبخاري فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسالني وفي أخرى له فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بلغه . قوله " ابتاعي فأعتقي " هو كقوله في الحديث ابن عمر لا يمنعك ذلك . قوله " على تسع أواق " في رواية معلقة للبخاري " خمي أواق نجمت عليها في خمس سنين " ولكن المشهور رواية التسع قد جزم الإسماعيلي بأن رواية الخمس غلط ويمكن الجمع بأن التسع أصل والخمس كانت بقيت عليها وبهذا جزم القرطبي والمحب الطبري ويعكر عليه ما في تلك الرواية بلفظ " ولم تكن قضت من كتابتها شيئا " وأجيب بأنها كانت حصلت الربع الأواق قبل أن تستعين ثم جاءتها وقد بقيت عليها خمس . وقال القرطبي يجاب بأن الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجمها من جملة التسع الأواق المذكورة ويؤيده ما وقع في رواية للبخاري ذكرها في أبواب المساجد بلفظ " فقال أهلها إن شئت أعطيت ما يبقى " وقد قدمنا بقية الكلام على هذا الحديث في ذلك الباب من كتاب البيع فليرجع إليه وله فوائد أخر خارجة عن المقصود . قال ابن بطال أكثر الناس من تخريج الوجوه في حديث بربرة حتى بلغوها نحو مائة وجه . وقال النووي صنف فيه ابن خزيمة وابن جرير تصنيفين كبيرين أكثر فيهما من استنباط الفوائد

2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما عبد كوتب بمائة أوقية فادها إلا عشرة أوقيات فهو رقيق "
- رواه أبو داود

3 - وعن أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي ويحمل الأمر بالاحتجاب على الندب

4 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية الحر وما بقي دية العبد "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه

5 - وعن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤدي المكاتب بقدر ما أدي "
- رواه أحمد

- حديث عمرو بن شعيب باللفظ الأول أخرجه أيضا الحاكم وصححه وقال الترمذي غريب . قال الشافعي لم أجد أحدا روى هذا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا عمرا ولم أر من رضيت من أهل العلم يثبته وعلى هذا فتا المفتين . وأخرجه باللفظ الثاني أيضا النسائي والحاكم وابن حبان وحسن الحافظ إسناده في بلوغ المرام وهو من رواية إسماعيل بن عياش وفيه مقال . وقال النسائي هو حديث منكر وهو عندي خطأ اه وفي إسناده عطاء الخراساني عن عمرو بن شعيب ولم يسمع عنه كما قال ابن حزم . وحديث أم سلمة قال الشافعي لم أر أحدا ممن رضيت من أهل العلم يثبت واحدا من هذين الحديثين قال البيهقي أراد هذا وحديث عمرو بن شعيب يعني الذي قبله اه من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها . وقد صرح معمر بسماع الزهري من نبهان . وقد أخرجه ابن عزيمة عن نبهان من طريق أخرى . وعن ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وهو عن النسائي مسند ومرسل ورجال إسناده عند أبي داود ثقات . وحديث علي علي عليه السلام أخرجه أيضا أبو داود لأنه قال في السنن بعد إخراجه لحديث ابن عباس ما لفظه ورواه يعني حديث ابن عباس وهيب عن أيوب عن عكرمة عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعله إسماعيل بن علية من قول عكرمة وأخرجه البيهقي من طرق : قوله " فهو رقيق " أي تجرى عليه أحكام الرق وفيه دليل على جواز بيع المكاتب لأنه رق مملوك وكل مملوك يجوز بيعه وهبته والوصية به وهو القديم من مذهب الشافعي وبه قال أحمد وابن المنذي قال بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي مكاتبة ولم ينكر ذلك ففيه أبين بيان أن بيعه جائز قال ولا أعلم خبر يعارضه قال ولا أعلم دليل علي عجزها وقال الشافعي في الجديد ومالك وأصحاب الرأي أنه لا يجوز بيعه وبه قالت العترة قالوا لأنه قد أخرج عن ملكه بدليل تحريم الوطء والاستخدام وتأول الشافعي حديث بريرة على أنها كانت قد عجزت وكان بيعها فسخا لكتابتها وهذا التأويل يحتاج إلى دليل : قوله " فلتحتجب منه " ظاهر الأمر الوجوب إذا كان مع المكاتب من المال ما يكفي بما عليه من مال الكتابة لأنه قد صار حرا وإن لم يكن قد سلمه إلى مولاته وقيل أنه محمول على الندب قال الشافعي يجوز أن يكون أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم سلمة بالاحتجاب من مكاتبها إذا كان عنده ما يؤدي لتعظيم أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيكون ذلك مختصا بهن ثم قال مع هذا فاحتجاب المرأة ممن يجوز له أن يراها واسع وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم سودة أن تحتجب من رجل قضى أنه أخوها وذلك يشبه أن يكون للاحتياط وإن الاحتجاب ممن له أن يراها مباح اه والقرينة الخاطئة بحمل هذا الأمر على الندب حديث عمرو بن شعيب المذكور فإنه يقتضي حكم المكاتب قبل تسليم جميع مال الكتابة حكم العبد والعبد يجوز له النظر إلى سيدته كما هو مذهب أكثر السلف لقوله تعالى { وما ملكت أيمانهن } وذهب جماعة من أهل العلم منهم الهادوية إلى أنه لا يجوز للعبد النظر إلى سيدته . ومن متمسكاتهم ما روي عن سعيد بن المسبب أنه قال لا تغرنكم آية النور فالمراد بها الإماء قال في البحر وخصهن بالذكر لتوهم مخالفتهن للحرائر في قوله تعالى { أو نسائهن } اه وقد تمسك بحديث عمرو بن شعيب جمهور أهل العلم من الصحابة وغيرهم فقال حكم المكاتب قبل تسليم جميع مال الكتابة حكم العبد في جميع الأحكام من الأرث والأرش والدية والحد مغير ذلك وتمسك من قال بأنه يعتق من المكاتب بقدر ما أدي من مال الكتابة وتتبعض الأحكام التي يمكن تبعضها في حقه ابن عباس وحديث علي المذكورين وقد قدمنا في باب ميراث المعتق بعضهم من كتاب الفرائض أقوال في المكاتب الذي قد أدى بعض مال كتابته : قوله " يؤدي المكاتب " بضم أوله وفتح الدال المهملة مبنيا للمجهول أي يؤدي الجاني عليه من ديته أو أرشه لما كان منه حر بحساب دية الحر وأرشه ولما كان منه عبدا بحساب دية العبد وأرشه

6 - وعن موسى بن أنس " أن سيرين سأل أنس بن مالك المكاتبة وكان كثير المال فأبى فانطلق إلى عمر فقال كاتبه فأبى فضربه عمر بالدرة وتلى عمر فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا "
- أخرجه البخاري

7 - وعن أبي سعيد المقبر قال " اشترتني امرأة من بني ليث بسوق ذي المجاز بسبعمائة درهم ثم قدمت فكاتبتني على أربعين ألف درهم فأذهبت إليها عامة المال ثم حملت ما بقي إليها فقلت هذا مالك فاقبضيه حتى آخذه منك شهرا بشهر وسنة بسنة فخرجت به إلى عمر بن الخطاب فذكرت ذلك له فقال عمر ادفعه إلى بيت المال ثم بعث إليها هذا المالك في بيت المال وقد عتق أبو سعيد فإن شئت خذي شهرا بشهر وسنة بسنة قال فأرسلت فأخذته "
- رواه الدارقطني

- حديث أبي سعيد المقبري هو من رواية ابنه سعيد بن أبي سعيد وأخرجه ايضا البيهقي وأورده صاحب التلخيص وسكت عنه : قوله " أن سيرين " هو والد محمد ابن سيرين الفقيه المشهور وكنيته أبو عمرة وكان من سبى عين التمر اشتراه أنس في خلافته أبي بكر وروى عن عمر وغيره وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وموسى بن أنس الراوي عنه لم يدرك وقت سوال سيرين الكتابة من أنس . وقد رواه عبد الرزاق والطبراني من وجه آخر متصل من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال أرادني سيرين على المكاتبة فأبيت فأتى عمر بن الخطاب فذكره نحوه . وقد استدل بالآية المذكورة من قال بوجوب الكتابة وقد نقله ابن حزم عن مسروق والضحاك وزاد القرطبي معهما عكرمة وهو قول للشافعي وبه قالت الظاهرية واختاره ابن جرير الطبري وحكاه في البحر عن عطاء وعمرو ابن دينار . وقالإسحاق بن راهويه أنها واجبة إذا طلبها العبد وذهبت العترة والشافعية والحنفية وجمهور العلماء إلى عدم الوجوب وأجابوا عن الآية بأجوبة منها ما قاله أبو سعيد الأصطخرى أن القرينة الصارفة للأمر المذكور آخر الآية أعني قوله تعالى { إن علمتم فيهم خيرا } فإنه وكل الاجتهاد في ذلك إلى المولى ومقتضاه أنه إذا رأى عدمه لم يجبر عليه فدل على أنه غير واجب . وقال غيره الكتابة عقد غرر فكان الأصل أن لا تجوز فلما وقع الإذن فيها كان أمرا بعد منع والأمر بعد المنع للإباحة ولا يرد على هذا كونها مستحية لأن استحبابها ثبت بأدلة أخرى قال القرطبي لما ثبت أن رقبة العبد وكسبه ملك لسيده دل على أن الأمر بالكتابة غير واجب لن قوله خذ كسبي وأعتقني يصير بمنزلة أعتقني بلا شيء وذلك غير واج اتفاقا . وأجاب عن الآية في البحر بأن القياس على المعاوضات صرفها عن الظاهر كالتخصيص ورد بأن القياس المذكور فاسد الاعتبار لأنه في مقابلة النص ويجاب بأن المراد بالقياس المذكور هو الأصل المعلوم من الأصول المقررة وهو صالح للصرف لا القياس الذي هو إلحاق أصل بفرع حتى يرد بما ذكر واستدل بفعل عمر المذكور في قصة أبي سعيد المقبري من لم يسترط التنجيم في الكتابة وهم أبو حنيفة ومالك والناصر والمؤيد بالله . وذهب الشافعي والهادي وأبو العباس وأبو طالب إلى اشتراط التأجيل والتنجيم واستدلوا على ذلك بأن الكتابة مشتقة من الضم وهو ضم بعض النجوم إلى بعض وأقل ما يحصل به الضم نجمان واحتجوا أيضا بما رواه ابن أبي شيبة عن علي بلفظ " إذا تتابع على المكاتب نجمان فلم يؤد نجومه رد إلى الرق " ولا يخفى أن مثل هذا لا ينتهض للاحتجاج به على الاشتراط أما أولا فلأنه قول الصحابي وأما ثانيا فليس فيه ما يشعر بأن ذلك على جهة الحتم والتأجيل في الأصل إنما جعل لأجل الرفق بالعبد لا بالسيد فإذا قدر العبد على التعجيل وتسليم المال دفعة فكيف يمنع من ذلك . والحاصل أن التنجيم جائز بالاتفاق كما حكي ذلك في الفتح وأما كونه شرطا أو واجبا فلا مستند له :

باب ما جاء في أم الولد

1 - عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من وطئ أمته فولدت له فهي معتقة عن دبر منه "
- رواه أحمد وابن ماجه . وفي لفظ " أيما امرأو ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه أو قال من بعده " رواه أحمد

2 - وعن ابن عباس قال " ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أعتقها ولدها "
- رواه ابن ماجه والدارقطني

- الحديث الأول أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وله طرق وفي إسناده الحسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف جدا وقد رجح جماعة وقفه على عمرو وفي رواية للدارقطني والبيهقي من حديث ابن عباس أيضا أم الولد حرة وإن كان سقطا وإسناده ضعيف . قال الحافظ والصحيح أنه من قول ابن عمر . والحديث الثاني في إسناده أيضا حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف جدا كما تقدم . قال البيهقي وروي عن ابن عباس من قوله قال وله علة ورواه مسروق عن عكرمة عن عمرو عن خصيف عن عكرمة عن ابن عمر قال فعاد الحديث إلى عمر وله طرق أخرى رواه البيهقي من حديث ابن لهيعة عن عبيد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأم إبراهيم أعتقك ولدك وهو معضل وقال ابن حزم صح هذا بسند رواته ثقات عن ابن عباس ثم ذكره من طريق قاسم بن أصبغ عن محمد بن مصعب عن عبيد الله بن عمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس وتعقبه ابن قطان بأن قوله عن محمد بن مصعب خطأ وإنما هو عن محمد وهو ابن وضاح عن مصعب وهو ابن سعيد المصيصي وفيه ضعف ( والحديثان ) يدلان على أن الأمة تصير حرة إذا ولدت من سيدها وسيأتي الكلام على ذلك قريبا والخلاف فيه . وأم الولد هي الأمة التي علقت من سيدها بحمل ووضعته متخلقا وادعاه

3 - وعن أبي سعيد قال " جاء رجل من النصار فقال يا رسول الله أنا نصيب سبيا فنحب الأثمان فكيف ترى في العزل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنكم لتفعلون ذلكم لا عليكم أن تفعلوا ذلكم فإنها ليست نسمة كتب الله عز و جل أن تخرج إلا وهي خارجة "
- رواه أحمد والبخاري

- الحديث فيه دليل على جواز العزل عن الإماء وسيذكر المصنف حديث أبي سعيد هذا في باب ما جاء في العزل من كتاب الوليمة والبناء ويأتي شرحه إن شاء الله تعالى هنالك فإن الموضع الأليق به وفي مطلق العزل خلاف طويل وكذلك في خصوص العزل عن الحرة أو الأمة أو أم الولد وسيأتي هنالك مبسوطا بمعونة الله ولعل مراد المصنف رحمه الله بإيراد الحديث الاستدلال بقوله فنحب الأثمان على منع بيع الأمهات الأولاد وهو محتمل

4 - وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد وقال لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن يستمتع بها السيد ما دام حيا وإذا مات فهي حرة "
- رواه الدارقطني ورواه مالك في الموطا والدارقطني من طريق آخر عن ابن عمر عن عمر من قوله وهو أصح

5 - وعن أبي الزبير عن جابر " أنه سمعه يقول كنا نبيع سرارينا أمهات أولادنا والنبي صلى الله عليه وآله وسلم فينا حي لا نرى بذلك بأسا "
- رواه أحمد وابن ماجه

6 - وعن عطاء عن جابر " قال بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا "
- رواه أبو داود . قال بعض العلماء إنما وجه هذا أن يكون ذلك مباحا ثم نهي عنه ولم يظهر النهي لمن باعها ولا علم أبو بكر بمن باع في زمانه لقصر مدته واشتغاله بأهم أمور الدين ثم ظهر ذلك زمن عمر فأظهر النهي والمنع وهذا مثل حديث جابر أيضا في المتعة قال " كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر حتى نهانا عنه عمر في شأن عمرو بن حريث " رواه مسلم وإنما وجه ما سبق لامتناع النسخ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

7 - وعن الخطاب بن صالح عن أمه قالت " حدثتني سلامة بنت معقل قالت كنت للحباب بن عمر ولي منه غلام فقالت لي امرأته الآن تباعين في دينه فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال من صاحب تركة الحباب بن عمر قالوا أخوه أبو اليسر كعب بن عمر فدعاه فقال لا تبيعوا وأعتقوها فإذا سمعتم برقيق قد جاءني فأتوني أعوضكم ففعلوا فاختلفوا فيما بينهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآل وسلم فقال قوم أم الولد مملوكة لولا ذلك لم يعوضكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال بعضهم هي حرة قد أعتقها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففي كان الاختلاف "
- رواه أحمد في مسنده قال الخطابي وليس إسناده لذلك

- حديث ابن عمر أخرجه أيضا البيهقي مرفوعا وموقوفا وقال الصحيح وقفه على عمر وكذا قال عبد الحق . وقال صاحب الإلمام المعروف فيه الوقوف والذي رفعه ثقة قيل ولا يصح مسندا . وحديث جابر الأول أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي وحديثه الثاني أخرجه أيضا ابن حبان والحافظ . وحديث سلامة بنت معقل أخرجه أيضا أبو داود وفي إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وفيه مقال . وذكر البيهقي أنه أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا بعد أن ذكر أحاديث في أسانيدها مقال ( وفي الباب ) عن أبي سعيد عند الحاكم بنحو حديث جابر الآخر وإسناده ضعيف . قال البيهقي وليس في شيء من الطرق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطلع علي ذلك يعني بيع أمهات الأولاد وأقرهم عليه . وقال الحافظ أنه روى ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق أبي سلمة عن جابر ما يدل على ذلك يعني الإطلاع والتقرير : قوله " قال بعض العلماء " قد روى نحو هذا الكلام عن الخطاب فقال يحتمل أن يكون بيع أمهات الأولاد كان مباحا ثم نهى عنه صلى الله عليه وآله وسلم في آخر حياته ولم يشهر ذلك فلما بلغ ذلك عمر نهاهم : قوله ومثل هذا حديث جابر سيأتي الكلام عليه في النكاح إن شاء الله تعالى : قوله " عن الخطاب بن صالح " هو المدني مولى النصار معدود في الثقات توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة وسلامة بتخفيف اللام وهي امرأة من قيس عيلان والحباب بضم الحاب المهملة وتخفيف الباء الموحدة وأبو اليسر بفتح التحتية والسين المهملة اسمه كعب يعد في أهل المدينة وهو صحابي أنصاري بدري عقبي . وقد استدل بحديثي ابن عباس المذكورين في الباب وحديث ابن عمر القائلون بأنه لا يجوز بيع أمهات الأولاد وهم الجمهور وقد حكي ابن قدامة إجماع الصحابة على ذلك ولا يقدح في صحة هذه الحكاية ما روي عن علي وابن عباس وابن الزبير من الجواز لأنه قد روي عنهم الرجوع عن المخالفة كما حكي ذلك ابن رسلان في شرح السنن . وأخرج عبد الرزاق عن علي بإسناد صحيح أنه رجه عن رأيه الآخر إلى قول جمهور الصحابة وأخرج أيضا عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني قال " سمعت عليا يقول اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن ثم رأيت بعد أن يبعن قال عبيدة فقلت له فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة " وهذا الإسناد معدود في أصح الأسانيد ورواه البيهقي عن طريق أيوب . وأخرج نحوه ابن أبي شيبة وروى ابن قدامة في الكافي أن عليا لم يرجع رجوعا صريحا إنما قال لعبيدة وشريح اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الخلاف وهذا واضح في أنه لم يرجع عن اجتهاده وإ ما أذن لهم أن يقضوا باجتهادهم الموافق لرأي من تقدم . قال ابن قدامة أيضا وقد روى صالح عن أحمد أنه قال أكره بيعهن وقد باع علي بن أبي طالب قال أبو الخطاب فظاهر هذا أنه يصح مع الكراهة وروى البيهقي من طرق منها عن الثوري عن عبد الله بن دينار قال جاء رجلان إلى ابن عمر فقال من أين أقبلتما قال من قبل ابن الزبير فأحل لنا أشياء كانت تحرم علينا قال ما أحل لكم قالا أحل لنا بيع أمهات الأولاد قال أتعرفان أبا حفص عمر فإنه نهى أن تباع أو تورث يستمتع بها ما كان حيا فإذا مات فهي حرة ومن القائلين بجواز البيع الناصر والباقر والصادق والإمامية وبشر المريسي ومحمد بن المطهر وولده المزني وداود الظاهري قتادة ولكنه إنما يجوزعند الباقر و الصادق و الامامية بشرط أن بيعها في حياة سيدها فإن مات ولها منه ولد باق عتقت عندهم و قد قيل إن هذا مجمع عليه و قد روي في جامع آل محمد عن القاسم بن إبراهيم أن من أدرك من أهله لم يكونوا يثبتون رواية بيع أمهات الأولاد و قد ادعى بعض المتأخرين الإجماع على تحريم بيع أم الولد مطلقا وهو مجازفة ظاهرة
وادعى بعض أهل العلم أن تحريم بيعهن قطعي وهو فاسد لأن القطع بالتحريم إت كان لأجل الأدلة القاضية بالتحريم ففيها ما عرفت من المقال السالف وإن كان لأجل الإجماع المدعي ففيه ما عرفت وكيف يصح الاحتجاج بمثل ذلك والخلاف ما زال منذ أيام الصحابة إلى الآن وقد تمسك القائلون بالجواز بحديثي جابر المذكورين وحديث سلامة وقد عرفت أن حديثي جابر ليس فيهما ما يدل على إطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على البيع وتقريره كما تقدم عن البيهقي وأيضا قوله فلا نرى بذلك باسا الرواية فيه بالنون التي للجماعة ولو كانت بالياء التحتية لكان فيه دلالة على التقرير . وأما حديث سلامة فدلالته على عدم الجواز أظهر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهاهم عن البيع وامرهم بالإعتاق وتعويضهم عنها ليس فيه دليل على أنه كان يجوز بيعها لاحتمال أنه عوضهم لما رأى من احتياجهم وهذه المسألة طويلة الذيل . وقد افردها ابن كثير بمصنف مستقل . وحكي عن الشافعي فيها أربعة أقوال وذكر أن جملة ما فيها من الأقوال للعلماء ثمانية ولا شك أن الحكم بعتق أم الولد مستلزم لعدم جواز بيعها فلو صلحت الأحاديث القاضية بأنها تصير حرة بالولادة لكانت دليلا على عدم جواز البيع ولكن فيها ما سلف والأحوط اجتناب البيع لأن أقل أحواله أن يكون من الأمور المشتبهة والمؤمنون واقفون عندها كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم والله أعلم

كتاب النكاح

باب الحث عليه وكراهة تركه للقادر عليه

1 - عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا معشر السباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "
- رواه الجماعه

2 - وعن سعد بن أبي وقاص قال " رد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا "

3 - وعن أنس " أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال بعضهم لا أتزوج وقال بعضهم أصلي ولا أنام وقال بعضهم أصوم ولا أفطر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني "
- متفق عليهما

4 - وعن سعيد بن جبير قال " قال لي ابن عباس هل تزوجت قلت لا قال تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء "
- رواه أحمد والبخاري

5 - وعن قتادة عن الحسن عن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن التبتل وقرأ قتادة وقد رسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية "
- رواه الترمذي وابن ماجه

- حديث سمرة قال الترمذي أنه حسن غريب قال وروى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقال كلا الحديثين صحيح انتهى . وفي سماع الحسن عن سمرة خلاف مشهور قد ذكرناه فيما تقدم . وحديث عائشة الذي أشار إليه الترمذي أخرجه أيضا النسائي ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند الديلمي في مسند الفردوس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حوا تستغنوا وسافروا تصحوا وتناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم " وفي إسناده محمد بن الحرث عن محمد بن عبد الرحمن البيلماني وهما ضعيفان . ورواه البيهقي أيضا عن الشافعي أنه ذكره بلاغا وزاد في آخره حتى بالسقط . وعن أبي أمامة عند البيهقي بلفظ " تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ولا تكونوا كرهبانية النصارى " وفي إسناده محمد بن ثابت وهو ضعيف . وعن حرملة بن النعمان عند الدارقطني في المؤتلف وابن قانع في الصحابة بلفظ " امرأة ولود أحب إلى الله من امرأة حسناء لا تلد إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " قال الحافظ وإسناده ضعيف . وعن عائشة أيضا عند ابن ماجه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينحك ومن لم يجد فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء " وفي إسناده عيسى بن ميمون وهو ضعيف . وعن عمرو بن العاص عند مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة " وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في باب الاكتحال والأدهان والتطيب من كتاب الطهارة . وعن عائشة أيضا عند الحاكم وأبي داود في المراسيل بلفظ " تزوجوا النساء فإنهن يأتينكم بالمال " وقد اختلف في وصله وغرساله ورجح الدارقطني المرسل على الموصول . وعن أبي هريرة عند الترمذي والحاكم والدارقطني وصححه بلفظ " ثلاثة حق على الله إعانتهم المجاهد في سبيل الله والناكح يريد أن يستعفف والمكاتب يريد الأداء " وعن أنس أيضا عند الحاكم بلفظ " من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني " قال الحافظ وسنده ضعيف . وعنه أيضا " من تزوج امرأة صالحة فقد أعطى نصف العبادة " وفي إسناده زيد العمي وهو ضعيف . وعن ابن عباس عند أبي داود والحاكم بلفظ " ألا أخبركم بخير مما يكنز المرء المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته وإذا أمرها أطاعته " وعن ثوبان عند الترمذي نحوه ورجاله ثقات إلا أن انقطاعا
وعن أبي نجيح عند البيهقي والبغوي في معجم الصحابة بلفظ " من كان موسرا فم ينكح فليس منا " قال البيهقي هو مرسل وكذا جزم به أبو داود والدولابي وغيرهما . وعن ابن عباس عند ابن ماجه والحاكم " لم ير للمتحابين مثل التزويج " وعنه أيضا عند أحمد وأبي داود والحاكم وصححه والطبراني " ولا صرورة في الإسلام " وهو من رواية عطاء عن عكرمة عنه . قال ابن طاهر هو ابن وراز وهو ضعيف . وفي رواية الطبراني ابن أبي الجوار وهو موثوق هكذا في التلخيص أنه من رواية عطاء عن عكرمة ولا رواية له ولعله من رواية عمرو بن عطاء بن وراز وهو مجهول من السادسة أو عمرو بن عطاء بن أبي الجوار وهو مقبول من الخامسة وكأنه سقط من التلخيص اسم عمرو . والصرورة بفتح الصاد المهملة الذي لم يتزوج والذي لم يحج . وعن عياض بن غنم عند الحاكم بلفظ " لا تزوجوا عاقرا ولا عجوزا فإني مكاثر بكم الأمم " وإسناده ضعيف . وفيه أيضا عن الصنابح بن الأعسر وسهل بن حنيف وحرملة بن النعمان ومعاوية بن حيدة أشار إلى ذلك الحافظ في الفتح . وفي الباب عن أنس أيضا وعبد الله بن عمرو . ومعقل بن يسار . وأبي هريرة أيضا وجابر وسيأتي ذلك في الباب الذي بعد هذا . قوله " كتاب النكاح " هو في اللغة الضم والتداخل . وفي الشرع عقد بين الزوجين يحل به الوطء وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء وهو الصحيح لقوله تعالى { فانكحوهن بإذن أهلهن } والوطء لا يجوز بالأذن وقال أبو حنيفة هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " تناكحوا تكثروا " وقوله " لعن الله ناكح يده " وقال الإمام يحيى وبعض أصحاب أبي حنيفة أنه مشترك بينهما وبه قال أبو القاسم الزجاجي . وقال الفارسي إنه إذا قيل نكح فلانة أو بنت فلان فالمراد به العقد وإذا قيل نكح زوجته فالمراد به الوطء ويدل على القول الأول ما قيل أنه لم يرد في القرآن إلا للعقد كما صرح بذلك الزمخشري في كشافه في أوائل سورة النور ولكنه منتقض لقوله تعالى { حتى تنكح زوجا غيره } وقال أبو الحسين بن فارس إن النكاح لم يرد في القرآن إلا للتزويج إلا قوله تعالى { وابتلوا اليتاما حتى إذا بلغوا النكاح } فإن المراد به الحلم قوله " يا معشر الشباب " المعشر جماعة يشملهم وصف ما والشباب جمع شاب قال الأزهري لم يجمع فاعل علي فعال غيره وأصله الحركة والنشاط . وهو اسم لمن بلغ إلى أن يكمل ثلاثين هكذا أطلق الشافعية حكى ذلك عنهم صاحب الفتح . وقال القرطبي في المفهم يقال له حدث إلى ست عشرة سنة ثم شاب إلى اثنين وثلاثين ثم كهل . قال الزمخشري إن الشباب من لدن البلوغ إلى اثنين وثلاثين . وقال ابن شاس المالكي في الجواهر إلى أربعين . وقال النووي الأصح المختار إن الشباب من لدن البلوغ إلى اثنين وثلاثي . وقال ابن شاس المالكي في الجواهر إلى أربعين . وقال النووي الأصح المختار أن الشباب من بلغ ولم يجاوز الثلاثين ثم هو كهل إلى أن يجاوز الأربعين ثم هو شيخ . وقال الروياني وطائفة من جاوز الثلاثين سمي شيخا زاد ابن قتيبة إلى أن يبلغ الخمسين وقال أبو إسحاق الأسفرايني عن الأصحاب المرجع في ذلك اللغة وأما بياض الشعر فيختلف باختلاف الأمزجة هكذا في الفتح : قوله " الباءة " بالهمز وتاء التأنيث ممدودا وفيها لغة أخرى بغير همز ولا مد وقد تهمز وتمد بلا هاء . قال الخطابي المراد بالباء النكاح وأصله الموضع يتبوؤه ويأوي إليه . وقال النووي اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنة وهي مؤنة النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنة فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منية مكا يقطعه الوجاء . والقول الثاني إن المراد بالباءة مؤنة النكاح سميت باسم ما يلازمها وتقديره من استطاع منكم مؤنة النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم قالوا والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن . وقال القاضي عياض لا يبعد أن تختلف الاستطاعتان فيكون المراد بقوله من استطاع الباءة أي بلغ الجماع وقدر عليه فليتزوج ويكون قوله " ومن لم يستطع " أي لم يقدر على التزويج وقيل الباءة بالمد القدرة على مؤن النكاح وبالقصر الوطء
قال الحافظ ولا مانع من الحمل على المعنى الأعم بأن يراد بالباءة القدرة على الوطء ومؤن التزويج وقد وقع في رواية عند الإسماعيلي من طريق أبي عوانة بلفظ " من استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج " وفي رواية للنسائي " من كان ذا طول فلينكح " ومثله لابن ماجه من حديث عائشة والبزار من حديث أنس . قوله " أغض للبصر " الخ أي أشد غضا وأشد إحصانا له ومنعا من الوقوع في الفاحشة : قوله " فعليه " قيل هذا من اغراء الغائب ولا تكاد العرب تغري إلا الشاهد تقول عليك زيدا ولا تقول عليه زيدا . قال الطيبي وجوابه أنه لما كان الضمير للغائب راجعا إلى لفظة من وهي عبارة عن المخاطبين في قوله " يا معشر الشباب " وبيان لقوله " منكم " جاز قوله عليه لانه بمنزلة الخطاب . وأجاب القاضي عياض بأن الحديث ليس فيه إغراء الغائب بل الخطاب للحاضرين الذي خاطبهم أولا بقوله " من استطاع منكم " وقد استحسنه القرطبي والحافظ والارشاد إلى الصوم لما فيه من الجوع والامتناع عن مثيرات الشهوة ومستدعيات طغيانها : قوله " وجاء " بكسر الواو والمد وأصله الغمز ومنه وجأ في عنقه إذا غمزه وجأه بالسيف إذا طعنه به وجأه الثييه غمزهما حتى رضهما . وتسمية الصيام وجاء استعارة والعلامة المشابهة لأن الصوم لما كان مؤثرا في ضعف شهوة النكاح شبه بالوجاء . وقد استدل بهذا الحديث على أن من لم يستطع الجماع فالمطلوب منه ترك التزويج لإرشاده صلى الله عليه وآله وسلم من كان كذلك إلى مافيه ويضعف داعيه . وذهب بعض أهل العلم إلى أنه مكروه في حقه : قوله " رد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عثمان ابن مظعون التبتل " هو في الأصل الإنقطاع والمراد به هذا الإنقطاع من النكاح وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة والمراد بقوله تعالى { وتبتل إليه تبتيلا } انقطع إليه انقطاعا وفسره مجاهد بالإخلاص وهو لازم للإنقطاع . قوله " ولو أذن له لاختصينا " الخصى هو شق الأنثيين وانتزاع البيضتين . قال الطيبي كان الظاهر أن يقول ولو أذن له لتبتلنا لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله لاختصينا لإرادة المبالغة أي لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الأمر إلى الاختصاء ولم يرد به حقيقة الاختصاء لانه حرام وقيل بل هو على ظاهره وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء . وأصل حديث عثمان ابن مظعون أنه قال " يا رسول الله أني رجل يشق على العزوبة فأذن لي في الاختصاء قال لا ولكن عليك بالصيام " الحديث في لفظ آخر " أنه قال يا رسول الله أتأذن لي في الاختصاء قال إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة " وأخرج ذلك من طريق عثمان بن مظعون الطبري : قوله " إن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الخ أصل الحديث " جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه ما تأخر فقال بعضهم " الحديث : قوله " لكني أصوم وأفطر " الخ فيه دليل على أن المشروع هو الاقتصاد في الطاعات لأن أتعاب النفس فيها والتشديد عليها يفضي إلى ترك الجميع والدين يسر ولن يشاد أحد الدين الا غلبه والشريعة المطهرة مبنية على التيسير وعدم التنفير : قوله " فمن رغب عن سنتي فليس مني " المراد بالسنة الطريقة . والرغبة الاعراض . وأراد صلى الله عليه وآله وسلم أن التارك لهديه القويم المائل إلى الرهبانية خارج عن الاتباع إلى الابتداع وقد أسلفنا الكلام على مثل هذه العبارة في مواطن من هذا الشرح : قوله " فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء " قيل مراد ابن عباس بخير هذه الأمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يدل على ذلك ما وقع عند الطبراني بلفظ " فان خيرنا كان أكثرنا نساء " وعلى هذا فيكون التقييد بهذه الأمة لاخراج مثل سليمان فإنه كان أكثر نساء . وقيل أراد ابن عباس ان خير أمة محمد من كان أكثرها نساء من غيره ممن يساويه فيما عدا ذلك من الفضائل
قال الحافظ والذي يظهر ان مراد ابن عباس بالخير النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالأمة أخصاء أصحابه وكأنه أشار إلى ان ترك التزويج مرجوح إذ لو كان راجحا ما آثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم غيره " قوله " نهى عن التبتل " قد استدل بهذا النهي . وبقوله في الحديث الأول " فليتزوج " وبقوله " فمن رغب عن سنتي " وبسائر ما في أحاديث الباب من الأوامر ونحوها من قال بوجوب النكاح . قال في الفتح وقد قسم العلماء الرجل في التزويج إلى أقسام . التائق إليه القادر على مؤنة الخائف على نفسه فهذا يندب له النكاح عند الجميع وزاد الحنابلة في رواية أنه يجب وبذلك قال أبو عوانة الأسفرايني من الشافعية وصرح به في صحيحه أنه يجب بذلك قال أبو عوانة الاسفرايني من الشافعية وصرح به في صحيحه ونقله المصعبي في شرح مختصر الجويني وجها وهو قول داود وأتباعه انتهى . وبه قالت الهادوية مع الخشية على النفس من المعصية . قال ابن حزم وفرض على كل قادر على الوطء إن وجد ما يتزوج به أو يتسري ان يفعل أحدهما فإن عجز عن ذلك فليكثر من الصوم وهو قول جماعة من السلف انتهى . والمشهور عن أحمد أنه لا يجب على القادر التائق الا إذا خشي العنت وعلى هذه الرواية اقتصر ابن هبيرة . وقال الماوردي الذي نطق به مذهب مالك أنه مندوب وقد يجب عندنا في حق من لا ينكف عن الزنا الا به . وقال القرطبي المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه من العزوبة لا يرتفع عنه ذلك الا بالتزويج لا يختلف في وجوب التزويج عليه . وحكى ابن دقيق العيد الوجوب على من خاف العنت عن المازري وكذلك حكى عنه التحريم على من يخل بالزوجة في الوطء والانفاق مع عدم قدرته عليه . والكراهة حيث لا يضر بالزوجة مع عدم التوقان إليه وتزداد الكراهة إذا كان ذلك يفضي إلى الإخلال بشيء من الطاعات التي يعتادها والاستحباب فيما إذا حصل به معنى مقصود من كسر شهوة واعفاف نفس وتحصين فرج ونحو ذلك والأباحة فيما إذا اتفقت الدواعي والموانع . وقد ذهبت الهادوية إلى مثل هذا التفضيل . ومن العلماء من جزم بالأستحباب فمن هذه صفته لما تقدم من الأدلة المقتضية للترغيب في مطلق النكاح . قال القاضي عياض هو مندوب في حق كل من يرجى منه النسل ولو لم يكن له في الوطء شهوة وكذا في حق من له رغبة في نوع من الاستمتاع بالنساء غير الوطء فاما من لانسل له ولا أرب له في النساء ولا في الاستمتاع فهذا مباح في حقه إذا علمت المرأة بذلك ورضيت . وقد يقال انه مندوب أيضا لعموم " لا رهبانية في الإسلام " قال الحافظ لم أره بهذا اللفظ لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند الطبراني إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة

باب صفة المرأة التي يستحب خطبتها

1 - عن أنس " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بالباءة وينهي عن التبتل نهيا شديدا ويقول تزوجوا الودود الولود فإني مكائر بكم الأنبياء يوم القيامة "

2 - وعن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " انكحوا أمهات الأولاد فأني اباهي بكم يوم القيامة "
- رواهما أحمد

3 - وعن معقل بن يسار قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وأنها لا تلد فاتزوجها قال لا ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال تزوجوا الودود الولود فأن مكاثر بكم "
- رواه أبو داود والنسائي

- حديث أنس أخرجه أيضا ابن حبان وصححه وذكره في مجمع الزوائد في موضعين فقال في أحدهما رواه أحمد والطبراني في الأوسط من طريق حفص بن عمر عن أنس وقد ذكره ابن أبي حاتم وروى عنه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح وقال في موضع آخر وإسناده حسن . وحديث عبد الله بن عمرو أشار إليه الترمذي وقال في مجمع الزوائد وفيه جريربن عبد الله العامري وقد وثق وهو ضعيف . وحديث معقل أخرجه أيضا ابن حبان وصححه الحاكم ( وفي الباب ) أحاديث قد قدمت الإشارة وقد تقدم تفسير التبتل . والولود كثيرة الولد والودود المودودة لما هي عليه من حسن الخلق والتودد إلى الزوج وهو فعول بمعنى مفعول . والمكائرة يوم القيامة إنما تكون بكثرة أمته صلى الله عليه وآله وسلم وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على مشروعية النكاح ومشروعية أن تكون المنكوحة ولودا . قال الحافظ في الفتح بعد أن ذكر بعض أحاديث الباب ما لفظه وهذه الأحاديث وإن كان في الكثير منها ضعف فمجموعها يدل على أن لما يحصل به المقصود من الترغيب في الزويج أصلا لكن في حق من يتأتى منه النسل انتهى . وقد تقدم الكلام على أقسام النكاح

4 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له يا جابر تزوجت بكرا أم ثيبا قال ثيبا قال هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك "
- رواه الجماعة

5 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فأظفر بذات الدين تربت يداك "
- رواه الجماعة إلا الترمذي

6 - وعن جابر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك "
- رواه مسلم والترمذي وصححه

- قوله " بكرا " هي التي لم توطأ والثيب هي التي قد وطئت : قوله " تلاعبها وتلاعبك " زاد البخاري في رواية له في النفقات " وتضاحكها وتضاحكك " وفي رواية لأبي عبيد " تداعبها تداعبك " بالدال المهملة مكان اللام وفيه دليل على استحباب نكاح الأبكار الا لمقتض لنكاح الثيب كما وقع لجابر فإنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قال له ذلك " هلك أبي وترك سبع بنات أوتسع بنات فتزوجت ثيبا كرهت أن أجيئهن بمثلهن فقال بارك الله لك " هكذا في البخاري في النفقات وفي رواية له ذكرها في المغازي من صحيحه " كن لي تسع أخوات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن ولكن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن قال أصبت " قوله " تنكح المرأة لأربع " أي لأجل أربع . قوله " لحسبها " بفتح الحاء والسين المهملتين بعدها باء موحدة أي شرفها والحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره . وقيل المراد بالحسب ههنا الأفعال الحسنة وقيل المال وهو مردود بذكره قبله ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة الا أن تعارض نسيبة غير دينة وغير نسيبة دينة فتقدم ذات الدين وهكذا في كل الصفات . وأما ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه " ان أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال فقال الحافظ يحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له ومنه حديث سمرة رفعه " الحسب المال والكرم التقوى " أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم : قوله " وجمالها " يؤخذ منه استحباب نكاح الجميلة ويلحق بالجمال في الذات الجمال في الصفات : قوله " فاظفر بذات الدين " فيه دليل على أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته كالزوجة وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجه والبزار والبيهقي رفعه " لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوجهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولامة سوداء ذات دين أفضل " ولهذا قيل إن معنى حديث الباب الاخبار منه صلى الله عليه وآله وسلم بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين فاظفر أيها المسترشد بذات الدين : قوله " تربت يداك " أي لصقت بالتراب وهي كناية عن الفقر قال الحافظ وهو خبر بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته وبهذا جزم صاحب العمدة وزاد غيره ان صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه . وحكى ابن العربي ان المعنى استغنت ورد بأن المعروف أترب إذا استغنى وترب إذا افتقر . وقيل معناه ضعف عقلك وقيل افتقرت من العلم وقيل فيه شرط مقدر أي وقع لك ذلك لم تفعل ورجحه ابن العربي . وقيل معنى تربت خابت قال القرطبي معنى الحديث ان هذه الخصال الأربع هي التي يرغب في نكاح المرأة لاجلها فهو خير عما في الوجود من ذلك لا انه وقع الأمر به بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك قال ولا يظن من هذا الحديث إن هذه الأربع يؤخذ منها الكفاءة أي تنحصر فيها فإن ذلك لم يقل به أحد فيما علمت وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي وسيأتي الكلام على الكفاءة

باب خطبة المجبرة إلى وليها والرشيدة إلى نفسها

1 - عن عراك عن عروة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب عائشة إلى أبي بكر فقال له أبو بكر إنما أنا أخوك فقال أنت أخي في دين الله وكتابه وهي لي حلال "
- رواه البخاري هكذا مرسلا

2 - وعن أم سلمة قالت " لما مات أبو سلمة أرسل إلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له فقلت له إن لي بنتا وأنا غيور فقال أما ابنتها فتدعو الله أن يغنيها عنها وأدعو الله أن يذهب بالغيرة "
- مختصر من مسلم

- الحديث الأول فيه دليل على أن خطبة المرأة الصغيرة البكر تكون إلى وليها قال ابن بطال وفيه أن النهي عن انكاح البكر حتى تستأمر مخصوص بالمبالغة التي يتصور منها الأذن . وأما الصغيرة فلا أذن لها وسيأتي الكلام على ذلك في باب ما جاء في الإجبار والاستئمار : قوله " وأنا غيور " هذه الصيغة يستوي فيها المذكر والمؤنث فيقول كل واحد منهما أنا غيور والمراد بالغيرة التي وصفت بها نفسها أنها تغار إذا تزود زوجها امرأة أخرى والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كان له زوجات قبلها . قال في القاموس واغار أهله تزوج عليها فغارت انتهى . وفيه دليل على أن المرأة البالغة الثيبة تخطب إلى نفسها وسيأتي الكلام على هذا

باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه

1 - عن عقبة بن عامر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر "
- رواه أحمد ومسلم

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك "
- رواه البخاري والنسائي

3 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي

- قوله " أن يبتاع على بيع أخيه " قد تقدم الكلام على هذا من كتاب البيع قوله " ولا يخطب " الخ استدل بهذا الحديث على تحريم الخطبة على الخطبة لقوله في أول الحديث " لا يحل " وكذلك استدل بالنهي المذكور في حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر وفي لفظ للبخاري " نهى أن يبيع بعضكم على بيع بعض أو يخطب " وفي لفظ لأحمد من حديث الحسن عن سمرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه " وقد ذهب إلى هذا الجمهور وجزموا بأن النهي التحريم كما حكى ذلك الحافظ في فتح الباري . وقال الخطابي ان النهي ههنا للتأديب وليس بنهي تحريم يبطل العقد عند أكثر الفقهاء . قال الحافظ ولاملازمة بين كونه للتحريم وبين البطلان عند الجمهور بل هو عندهم للتحريم ولا يبطل العقد وحكى النووي ان النهي فيه للتحريم بالإجماع ولكنهم اختلفوا في شروطه فقالت الشافعية والحنابلة محل التحريم إذا صرحت المخطوبة بالإجابة أو وليها الذي أذنت له وبذلك قال الهادوية فلو وقع التصريح بالرد فلا تحريم وليس في الأحاديث ما يدل على اعتبار الإجابة . وأما ما احتج به من قول فاطمة بنت قيس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن معاوية وأبا جهم خطباها فلم ينكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك عليهما بل خطبها لأسامة فليس فيه حجة كما قال النووي لاحتمال أن يكونا خطباها معا أو لم يعلم الثاني بخطبة الأول والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أشار بأسامة ولم يخطب كما سيأتي . وعلى تقدير أن يكون ذلك خطبة فلعله كان بعد ظهور رغبتها عنهما . وظاهر حديث فاطمة الآتي قريبا أن أسامة خطبها مع معاوية وأبي جهم قبل مجيئها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن بعض المالكية لا تمتنع الخطبة إلا بعد التراضي على الصداق ولا دليل على ذلك . وقال داود الظاهري إذا تزوجها الثاني فسخ النكاح قبل الدخول وبعده وللمالكية في ذلك قولان فقال بعضهم يفسخ قبله لا بعده قال في الفتح وحجة الجمهور أن المنهي عنه الخطبة وهي ليست شرطا في صحة النكاح فلا يفسخ النكاح بوقوعها غير صحيحة . قوله " لا يخطب الرجل على خطبة الرجل " ظاهره أنه لا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة الفاسق ولا على خطبة الكافر نحو أن يخطب ذمية فلا يجوز لمن يجوز نكاحها أن يخطبها ولكنه يقيد هذا الإطلاق بقوله في حديث أبي هريرة " لا يخطب الرجل على خطبة أخيه " فإنه لا أخوة بين المسلم والكافر وبقوله في حديث عقبة " المؤمن أخو المؤمن " الخ فإنه يخرج بذلك الفاسق وإلى المنع من الخطبة على خطبة الكافر والفاسق ذهب الجمهور قالوا والتعبير بالاخ خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له وذهب الأوزاعي وجماعة من الشافعية إلى أنها تجوز الخطبة على خطبة الكافر وهو الظاهر : قوله " حتى يترك " وفي حديث عقبة حتى يذر في ذلك دليل على أنه يجوز للآخر أن يخطب بعد أن علم رغبة الأول عن النكاح وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي هريرة مرفوعا " حتى ينكح أو يدع " قال الحافظ وإسناده صحيح

باب التعريض بالخطبة في العدة

1 - عن فاطمة بنت قيس " أن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها رسول الله سكنى ولا نفقة قالت وقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا حللت فآذنيني فآذنته فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد فقال رسول الله أما معاوية فرجل ترب لامال له وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء ولكن أسامة فقالت بيدها هكذا أسامة أسامة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاعة الله وطاعة رسوله قالت فتزوجته فاغتبطت "
- رواه الجماعة إلا البخاري

2 - وعن ابن عباس " فيما عرضتم به من خطبة النساء يقول أني أريد التزويج ولوددت أنه يسر لي امرأة صالحة "
- رواه البخاري

3 - وعن سكينة بنت حنظلة قالت " استأذن علي محمد بن علي ولم ينقض عدتي من مهلكه زوجي فقال قد عرفت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقرابتي من علي وموضعي من العرب قلت غفر الله لك يا أبا جعفر إنك رجل يؤخذ عنك وتخطبني في عدتي فقال إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن علي وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة فقال لقد علمت انى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخيرته من خلقه وموضعي من قومي كانت تلك خطبته "
- رواه الدارقطني

- حديث سكينة رواه الدارقطني من طريق عبد الحمن بن سليمان بن الغسيل عنها وهي عمته وهو منقطع لان محمد بن علي هو الباقر ولم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قوله " لا سكنى ولانفقة " سيأتي الكلام على ذلك : قوله " معاوية " اختلف فيه فقيل هو ابن أبي سفيان وقيل غيره . وفي صحيح مسلم بأنه هو : قوله " فرجل ضراب " في رواية " لا يضع عصاه عن عاتقه " وهو كناية عن كثرة ضربه للنساء كما وقع التصريح بذلك في حديث الباب : قوله " فاغتبطت " الغبطة بكسر الغين المعجمة حسن الحال والمسرة كما في القاموس قوله " يقول أني أريد التزويج " هو تفسير التعريض المذكور في الآية . قال الزمخشري التعريض أن يذكر المتكلم شيئا يدل به على شيء لم يذكره وتعقب بأن هذا التعريف لا يخرج المجاز وأجاب سعد الدين بأنه لم يقصد التعريف ثم حقق التعريض بأنه ذكر شيء مقصود بلفظ حقيقي أو مجازي أو كنائي ليدل به على شيء آخر لم يذكر في الكلام مثل أن يذكر المجيء للتسليم ومراده التقاضي فالسلام مقصود والتقاضي عرض أي ميل إليه الكلام عن عرض أي جانب وامتاز عن الكناية فلم يشتمل على جميع أقسامها . والحاصل أنهما يجتمعان ويفترقان فمثل جئت لا سلم عليك كناية وتعريض . ومثل طويل النجاد كناية لا تعريض ومثل آذيتني فستعرف خطايا لغير المؤذى تعريض بتهديد المؤذى لا كناية وقد قيل في تفسير التعريض المذكور في الآية أن يقول لها أني فيك لراغب ولا يستلزم التصريح بالرغبة التصريح بالخطبة . ومن التعريض ما وقع في حديث فاطمة بنت قيس عند أبي داود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها لا تفوتينا بنفسك " . ومنه قول الباقر المذكور في الباب . ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لام سلمة كما في الحديث المذكور . قال في الفتح واتفق العلماء على أن المراد بهذا الحكم من مات زوجها واختلفوا في المعتدة من الطلاق البائن وكذا من وقف نكاحها . وأما الرجعية فقال الشافعي لا يجوز لأحد أن يعرض لها بالخطبة فيها والحاصل أن التصريح بالخطبة حرام لجميع المعتدات والتعرض مباح للأولى وحرام في الأخيرة مختلف فيه في البائن . واختلف فيمن صرح بالخطبة في العدة لكن لم يعقد الا بعد انقضائها فقال مالك يفارقها دخل أو لم يدخل . وقال الشافعي يصح العقد وان ارتكب النهي بالتصريح المذكور لاختلاف الجهة . وقال المهلب علة المنع من التصريح في العدة أن ذلك ذريعة إلى المواقعة في المدة التي هي محبوسة فيها على ماء الميت أو المطلق وتعقب بأن هذه العلة تصلح أن تكون لمنع العقد لا لمجرد التصريح الا أن يقال التصريح ذريعة إلى العقد والعقد ذريعة إلى الوقاع وقد وقع الاتفاق على أنه إذا وقع العقد في العدة لزم التفريق بينهما . واختلفوا هل تحل له بعدذلك فقال مالك والليث والأوزاعي لا يحل نكاحها بعد وقال الباقون بل يحل له إذا انقضت العدة أن يتزوجها إذا شاء

باب النظر في الخطوبة

1 - في حديث الواهبة المتفق عليه فصعد فيها النظر وصوبه . وعن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم انظر إليها فإنه أحرم أن يؤدم بينكما "
- رواه الخمسة إلا أبا داود

2 - وعن أبي هريرة قال " خطب رجل امرأة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا "
- رواه أحمد والنسائي

3 - وعن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل "
- رواه أحمد وأبو داود

4 - وعن موسى بن عبد الله عن أبي حميد أو حميدة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطب أحدكم أحدكم إمرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لا تعلم "
- رواه أحمد

5 - وعن محمد بن مسلمة قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا ألقي الله عز و جل في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها "
- رواه أحمد وابن ماجة

- حديث الواهبة نفسها سيأتي في باب جعل تعليم القرآن صداقا ويأتي الكلام عنه هنالك إن شاء الله . وحديث المغيرة أخرجه أيضا الدارمي وابن حبان وصححه . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا مسلم في صحيحه من حديث أبي حازم عنه ولفظه " كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انظرت إليها قال لا قال فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا " وحديث جابر أخرجه أيضا الشافعي وعبد الرزاق والبزار والحاكم وصحه . قال الحافظ ورجاله ثقات وفي إسناده محمد بن إسحاق وأعله ابن القطان بواقد بن عبد الرحمن وقال المعروف واقد بن عمرو . ورواية الحاكم فيها واقد بن عمرو وكذلك رواية الشافعي وعبد الرزاق وحديث أبي حميدة أخرجه أيضا الطبراني والبزار وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح . وحديث محمد بن سلمة أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وسكت عنه الحافظ في التلخيص ( وفي الباب ) عن أنس عند ابن حبان والدارقطني والحاكم وابن عوانة وصححوه وهو مثل حديث المغيرة . وعنه أيضا عند أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث أم سلمة إلى امرأة فقال انظري إلى عرقوبيها وشمي معاطفها " واستنكره احمد والمشهور فيه من طريق عمارة عن ثابت عنه . ورواه أبو داود في المراسيل عن موسى بن اسمعيل عن حماد مرسلا . قال ورواه محمد بن كثير الصنعاني عن حماد موصولا . وعن محمد بن الحنفية عن عبد الرزاق وسعيد ابن منصور " أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم فذكر له صغرها فقال أبعث بها أليك فإن رضيت فهي امرأتك فارسل بها إليه فكشف عن ساقها فقالت لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينيك " : قوله " أن يؤدم بينكما " أي تحصل الموافقة والملائمة بينكما : قوله " فإن في أعين الأنصار شيسا " قيل عمش وقيل صغر قال في الفتح الثاني وقع في رواية أبي عوانة في مستخرجه فهو المعتمد وأحاديث الباب فيها دليل على أن لا بأس بنظر الرجل إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها والأمر المذكور في حديث أبي هريرة وحديث المغيرة وحديث جابر للإباحة بقرينة قوله في حديث أبي حميد فلا جناح عليه وفي حديث محمد بن مسلمة فلا بأس وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء . وحكى القاضي عياض كراهته وهو خطأ مخالف للأدلة المذكورة ولأقوال أهل العلم . وقد وقع الخلاف في المواضع الذي يجوز النظر إليه من المخطوبة فذهب الأكثر إلى أنه يجوز إلى الوجه والكفين فقط وقال داود يجوز النظر إلى جميع البدن وقال الأوزاعي ينظر إلى مواضع اللحم وظاهر الأحاديث أن يجوز له النظر إليها سواء كان ذلك بإذنها أم لا وروى عن مالك اعتبار الإذن

باب النهي عن الخلوة بالأجنبية والأمر بغض النظر والعفو عن نظر الفجاة

1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامراة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان "

2 - وعن عامر بن ربيعة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له فإن ثالثهما الشيطان إلا محرم "
- رواهما أحمد . وقد سبق معناه لابن عباس في حديث متفق عليه

3 - وعن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد

4 - وعن جرير بن عبد الله قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نظر الفجأ فقال أصرف بصرك "
- رواهما أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي

5 - وعن بريدة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإ ما لك الأولى وليست لك الآخرة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي

6 - وعن عقبة بن عامر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو فقال الحمو الموت "
- رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه . قال ومعنى الحمو يقال أخو الزوج كأنه كره أن يخلو بها

- حديث جابر وعامر يشهد لهما حديث ابن عباس الذي أشار إليه المصنف وقد تقدم في باب النهي عن سفر المرأة للحج من كتاب الحج وقد أشار الترمذي إلى حديث عامر . وحديث بريدة قال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك وأخرجه بهذا اللفظ من حديث علي البزار والطبراني في الأوسط قال في مجمع الزوائد ورجال الطبراني ثقات والخلوة بالأ ] نبية مجمع على تحريمها كما حكى ذلك الحافظ في الفتح . وعلى التحريم ما في الحديث من كون الشيطان ثالثهما وحضوره يوقعهما في المعصية وأما مع وجود المحرم فالخلوة بالأجنبية جائزة لامتناع وقوع المعصية مع حضوره واختلفوا هل يقوم غيره مقامه في ذلك كالنسوة الثقات فقيل يجوز لضعف التهمة . وقيل لا يجوز وهو ظاهر الحديث . حديث أبي سعيد أخرج نحوه أحمد والحاكم من حديث جابر وأخرجه أيضا أحمد وابن حبان والحاكم من حديث ابن عباس وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط من حديث أبي موسى وأخرجه أيضا البزار من حديث سمرة : قوله " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل " الخ فيه دليل على أنه يحرم على الرجل نظر عورة الرجل وعلى المرأة نظر عورة المرأة وقد تقدم في كتاب الصلاة بيان العورة من الرجل والعورة من المرأة . والمراد هنا العورة المغلظة . فقال في البحر فصل يجب ستر العورة المغلظة من غير له الوطء إجماعا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " احفظ عورتك " الخبر ونحوه انتهى : قوله " ولا يفضي الرجل " الخ فيه دليل على أنه يحرم أن يضطجع الرجل مع الرجل أو المرأة مع المرأ' في ثوب واحد من الإفضاء ببعض البدن لأن ذلك مظنة لوقوع المحرم من المباشرة أو مس العورة أو غير ذلك . وحديث بريدة فيه دليل على أن النظر الواقع فجأة من دون قصد وتعمل لا يوجد اثم الناظر لأن التكليف به خارج عن الاستطاعة وإنما الممنوع منه النظر الواقع على طريقة التعميد أو ترك صرف البصر بعد الفجأة وقد استدل بذلك من قال بتحريم النظر إلى الأ ] نبية ولم يحكه في البحر إلا عن المؤيد بالله وأبي طالب . وحكى في البحر أيضا عن الفقهاء والإمام يحيى أنه يجوز ولو لشهوة وتعقبه صاحب المنار أن كتب الفقهاء ناطقة بالتحريم قال ففي منهاج النووي وهو عمدتهم ويحرم نظر فحل لالغ إلى عورة حرة أجنبية وكذا وجهها وكفيها عند خوف فتنة وكذا عند الأمن على الصحيح ثم قال في نظر الأجنبية إلى الأجنبي كهو اليها . وفي المنتهى من كتب الحنابلة ولشاهد ومعامل نظر وجه مشهود عليها ومن تعامله وكفيها لحاجة والحنفية لا يجيزون النظر إلى الوجه ووالكفين مع الشهوة ولفظ الكنز ولا ينظر من اشتهى . قال الشارح العيني في الشاهد لا يجوز له وقت التحمل أن يننظر إليها لشهوة هذا ما تعقب به صاحب المنار قال بهجة المحافل للعامري الشافعي في حوادث السنة الخامسة ما لفظه . وفيها نزول الحجاب وفيه مصالح جليلة وعوائد في الإسلام جميلة ولم يكن لأحد بعده النظر إلى أجنبية لشهوة أو لغير شهوة وعفى عن نظر الفجأة انتهى . وفي شرح السيلفية للإمام يحيى في شرح الحديث الرابع والعشرين في شرح قوله " إياكم وفضول النظر فإنه يبذر الهوى ويولد الغفلة " التصريح بتحريم النظر إلى النساء الأجانب الشهوة أو الغير شهوة . وقال ابن مظفر في البيان إنه يحرم النظر إلى الأجنبية مع الشهوة اتفاقا . وقال الإمام عز الدين في جواب له والصحيح المعمول عليه رواية شرح الأزهار وهي رواية البحر أن الإمام يحيى ومن يجوزون النظر ولو مع شهوة انتهى . ومن جملة ما استدل به المانعون من النظر مطلقا قوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } وقوله تعالى { فاسألوهن من وراء الحجاب } وأجيب بأن ذلك خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه إنما شرع قطعا لذريعة وقوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته ولا يخفى أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ( ومن جملة ) ما استدلوا به حديث ابن عباس عند البخاري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أردف الفضل بن العباس يوم النحر خلفه وفيه قصة المرأة الوضيئة الخثعمية فطفق الفضل ينظر إليها فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذقن الفضل فحول وجهه عن النظر إليها " . وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما فعل ذلك لمخافة الفتنة لما أخرجه الترمذي وصححه من حديث علي وفيه فقال العباس لويت عنق ابن عمك فقال رأيت شابا وشابة فلم آمن عليهما الفتنة
وقد استنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة حيث لم يأمرها بتغطية وجهها فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل ولو لم يكن ما فهمه جائزا ما أقره عليه . وهذا الحديث أيضا يصلح للاستدلال به على اختصاص آية الحجاب السابقة بزوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن قصة الفضل في حجة الوداع وآية الحجاب في نكاح زينب في السنة الخامسة من الهجرة كما تقدم . وأما قوله تعالى { ولا يبدين زينتهنإلا ما ظهر منها } فروى البيهقي عن ابن عباس أن المراد بما ظهر الوجه والكفان وروى البيهقي أيضا عن عائشة نحوه وكذلك روى الطبراني عنها . وروى الطبراني أيضا عن ابن عباس قال هي الكحل . وروى نحو ذلك عنه البيهقي . وقال في الكشاف الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بابدائه للأجانب وما خفي منها كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والأكليل والوشاح والقرط فلا تبديه الا لهؤلاه المذكورين وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر لان هذه الزين واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن فنهى عن ابداء الزين نفسها ليعلم أن النظر إليها إذا لم يحل لملابستها تلك المواقع بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكنا في الحظر ثابت القدم في الحرمة شاهدا على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين الله في الكشف عنها انتهى ( والحاصل ) أن المرأة تبدي من مواضع الزينة ما تدعو الحاجة إليه عند مزاولة الأشياء والبيع والشراء والشهادة فيكون ذلك مستثنى من عموم النهي عن إبداء مواضع الزينة وهذا على فرض عدم ورود تفسير مرفوع وسيأتي في الباب الذي الذي بعد هذا ما يدل على أن الوجه والكفين مما يستثني . قوله " الحمو الموت " أي الخوف منه أكثر من غيره كما أن الخوف من الموت أكثر من الخوف من غيره قال الترمذي يقال هو أخو الزوج وروى مسلم عن الليث أنه . قال الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه . وقال النووي اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم وأن الأختان أقارب زوجة الرجل وأن الأصهار تقع على النوعين انتهى

باب أن المرأة عورة إلا الوجه والكفين وأن عبدها كمحرمها في نظر ما يبدو منها غالبا

1 - عن خالد بن دريك عن عائشة " أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه "
- رواه أبو داود وقال هذا مرسل خالد بن دريك لم يسمع من عائشة

2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها قال وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما تلقى قال إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك "
- رواه أبو داود ويعضد ذلك قوله " إذا كان أحدا كن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه "

- حديث عائشة في إسناده سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن النصري نزيل دمشق مولى بني نصر وقد تكلم فيه غير واحد . وذكر الحافظ أبو أحمد الجرجاني هذا الحديث ولا أعلم رواه عن قتادة غير سعيد بن بشير وقال مرة فيه عن خالد بن دريك عن أم سلمة بدل عائشة . وحديث أنس أخرجه أيضا البيهقي وابن مردويه وفي إسناده أبو جميع سالم بن دينار الهجيمي البصري . قال ابن معين ثقة . وقال أبو زرعة الرازي بصري لين الحديث والحديث الذي أشار إليه المصنف وجعله عاضدا لحديث أنس قد تقدم في باب المكاتب من كتاب العتق قوله " دريك " بضم الدال مصغرا وهو ثقة . وقيل بفتح الدال والضم أكثر . قوله " لم يصلح " بفتح الياء وضم اللام : قوله " الا هذا وهذا " فيه دليل لمن قال أنه يجوز نظر الأجنبية . قال ابن رسلان وهذا عند أمن الفتنة مما تدعو الشهوة إليه من جماع أو ما دونه أماعند خوف الفتنة فظاهر إطلاق الآية والحديث عدم اشتراط الحاجة ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق . وحكى القاضي عياض عن العلماء أنه لا يلزمها ستر وجهها في طريقها وعلى الرجال غض البصر للآية وقد تقدم الخلاف في أصل المسألة : قوله " إذا قنعت " بفتح النون المشددة سترت وغطت . قوله " إنما هو أبوك وغلامك " فيه دليل على أنه يجوز للعبد النظر إلى سيدته وأنه من محارمها يخلو بها ويسافر معها وينتظر منها ما ينظر إليه محرمها وإلى ذلك ذهبت عائشة وسعيد بن المسيب والشافعي في أحد قوليه وأصحابه وهو قول أكثر السلف وذهب الجمهور إلى أن المملوك كالأجنبي بدليل صحة تزوجها اياه بعد العتق وحمل الشيخ أبو حامد هذا الحديث على أن العبد كان صغيرا لإطلاق لفظ الغلام ولأنها واقعة حال واحتج أهل القول الأول أيضا بحديث الاحتجاب من المكاتب الذي أشار إليه المصنف وبقوله تعالى { أو ماملكت أيمانكم } وقد تقدم ما أجاب به سعيد بن المسيب من أن الآية خاصة بالأماء كما رواه عنه ابن أبي شيبة

باب في غير أولى الأربة

1 - عن أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عندها وفي البيت مخنث فقال لعبد الله بن أبي أمية أخي أم سلمة يا عبد الله إن فتح الله عليكم الطائف فإني أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يدخلن هؤلاء عليكم "
- متفق عليه

2 - وعن عائشة " قالت كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخنث قالت وكانوا يعدونه من غير أولي الأربة فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة قال إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرى هذا يعرف ما هنا لا يدخلن عليكم هذا فاحجبوه "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود وزاد في رواية له " وأخرجه وكان بالبيداء كل جمعة يستطعم "

3 - وعن الاوزاعي في هذه القصة فقيل يا رسول الله إنه إذ يموت من الجوع فأذن له أن يدخل في كل جمعة مرتين فيسأل ثم يرجع "
- رواه أبو داود

- قوله " مخنث " بفتح والنون وكسرها والفتح المشهور وهو الذي يلين في قوله ويتكسر في مشيته ويتثنى فيها كالنساء وقد يكون خلقة وقد يكون تصنعا من الفسقة ومن كان ذلك فيه خلقة فالغالب من حاله أنه لا أرب له في النساء ولذلك كان أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعددن هذا المخنث من غير أولى الاربة وكن لا يحجبنه إلا أن ظهر منه ما ظهرمن هذا الكلام واختلف في اسمه فقال القاضي الأشهر أن اسمه هيت بكسر الهاء ثم تحتية ثم فوقية وقيل صوابه هنب بالنون والباء الموحدة قاله ابن درستويه وقال أن ماسواه تصحيف وأنه الأحمق المعروف وقيل اسمه ماتع بالمثناة فوق مولى فاختة المخزومية بنت عمرو بن بن عائد . قوله " تقبل بأربع وتدبر بثمان " المراد بالأربع هو العكن جمع عكنة وهي الطية التي تكون في البطن يقال تعكن البطن إذا صار ذلك فيه ولكل عكنة طرفان فإذا رأهن الرائي من جهة البطن وجدهن أربعا وإذا رآهن من جهة الظهر وجدهن ثمانيا . وقال ابن حبيب عن مالك معناه أن أعكانها ينعطف بعضها على بعض وهي في بطنها أربع طرائق وتبلغ أطرافها أي خاصرتها وفي كل جانب أربع . قال الحافظ وتفسير مالك المذكور تبعه فيه الجمهور وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون إلا للسمينة من النساء وجرت عادة الرجال غالبا في الرغبة فمن تكون بتلك الصفة وقيل الأربع هي الشعب التي هي اليدان والرجلان والثمان الكتفان والمتنتان والليتان والساقان ولا يخفي ضعف ذلك لأن كل امرأة فيها ما ذكر فلا وجه لجعله من صفات المدح المقصودة في المقام . قوله " هؤلاء " اشارة إلى جميع المخنثين وروى البيهقي أنه كان المخنثون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة ماتع وهدم وهيت . قوله " من غير أولي الأربة " الأربة والأرب الحاجة والشهوة إلى النساء لكبر أو تخنيث أو عنة : قوله " أرى هذا " الخ بفتح الهمزة الراء قال القرطبي هذا يدل على أنهم كانوا يظنون أنه لا يعرف شيئا من أحوال النساء ولا يخطر له ببال ويشبه بأن التخنيث فيه خلقة وطبيعة ولم يعرف إلا ذلك ولهذا كانوا يعدونه من غير الأربة : قوله " وأخرجه " لفظ البخاري " أخرجوهم من بيوتكم قال فأخرج فلانا وفلانا " ورواه البيهقي وزاد وأخرج عمر مخنثا وفي رواية وأخرج أبو بكر أخر . قال العلماء إخراج المخنث ونفيه كان لثلاثة معان أحدها أنه كان يظن أنه من غير أولي الأربة ثم لما وقع منه ذلك الكلام زال الظن . والثاني وصفه النساء ومحاسنهم وعوراتهن بحضرة الرجال وقد نهى أن يصف المرأة زوجها فكيف إذا وصفها غيره من الرجال لسائرهم . الثالث أنه ظهر له منه أنه كان يطلع من النساء وأجسامهن وعوراتهن على مالا يطلع عليه كثير من النساء . قوله " فيسأل ثم يرجع " أي يسأل الناس شيئا ثم يرجع إلى البادية والبيداء بالمد القفر وكل صحراء فهي بيداء كأنها تبيد سالكها أي تكاد تهلكه وفي ذلك دليل على جواز العقوبة بالإخراج من الوطن لما يخاف من الفساد والفسق وجواز الأذن بالدخول في بعض الأوقات للحاجة

باب في نظر المرأة للرجل

1 - عن أم سلمة قالت " كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وميمونة فأقبل ابن أم مكتوم حتى دخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتجبا منه فقلنا يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا فقال أفعميا وأن أنتما ألستما تبصرانه "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه

2 - وعن عائشة قالت " رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأمه فاقدروا وأقدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو "
- متفق عليه . ولأحمد " أن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم عيد قالت فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لينكبيه فجعلت أنظر اليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت "

- حديث أم سلمة أخرجه أيضا النسائي وابن حبان وفي إسناده نبهان مولى أم سلمة شيخ الزهري وقد وثق . وفي الباب عن عائشة عند مالك في الموطأ أنها احتجبت من أعمى فقيل لها أنه لا ينظر اليك قالت لكني أنظر إليه . وقد استدل بحديث أم سلمة هذا من قال انه يحرم على المرأة نظر الرجل كما يحرم على الرجل نظر المرأة وهو أحد قولي الشافعي وأحمد والهادوية . قال النووي وهو الأصح ولقوله تعالى { وقل للمؤمنات بغضضن من أبصارهن } ولأن النساء أحد نوعي الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسا على الرجال ويحققه أن المعنى المحرم للنظر هو خوف الفتنة وهذا في المرأة أبلغ فإنها اشد شهوة وأقل عقلا فتسارع إليها الفتنة أكثر من الرجل واحتج من قال بالجواز فيما عدا ما بين سرته وركبته بحديث عائشة المذكور في الباب ويجاب عنه بأنها كانت يومئذ غير مكلفة على ما تقضي به العبارة المذكورة في الباب ويؤيد هذا احتجابها من الأعمى كما تقدم وقد جزم النووي بأ ن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ أو كان ذلك قبل الحجاب وتعقبه الحافظ بأن في بعض طرق الحديث ان ذلك كان بعد قدوم وفد الحبشة وان قدومهم كان سنة سبع . ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة . واحتجوا ايضا بحديث فاطمة بنت قيس المتفق عليه انه صلى الله عليه وآله وسلم امرها ان تعتد في بيت أم مكتوم وقال انه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ويجاب بأنه يمكن ذلك مع غض البصر منها ولا ملازمة بين الأجتماع في البيت والنظر واحتجوا أيضا بالحديث الصحيح في مضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النساء في يوم العيد عند الخطبة فدكرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة وقد تقدم ويجاب أيضا بأن ذلك لا يستلزم النظر منهن لامكان سماع الموعظة ودفع الصدقة مع غض البصر وقد جمع أبو داود بين الأحاديث فجعل حديث أم سلمة مختصا بازواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث فاطمة وما في معناه لجميع النساء . قال الحافظ في التلخيص قلت وهذا جمع حسن وبه جمع المنذري في حواشيه واستحسنه شيخنا انتهى . وجمع في الفتح بأن الأمر بالأحتجاب من ابن أم مكتوم لعله لكون الأعمى مظنة أن ينكشف منه شيء ولا يشعر به فلا يستلزم عدم جواز النظر مطلقا . قال ويؤيد الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال ولم يؤمر الرجال قد بالأنتقاب لئلا يراهم النساء فدل على مغايرة الحكم بين الطائفتين وبهذا احتج الغزالي . قوله " يلعبون في المسجد " فيه دليل على جواز ذلك في المسجد وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ في القرآن والسنة أما القرآن فقوله تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع } وأما السنة فحديث " جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم " وتعقب بأن الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما أدعاه ولا عرف التاريخ فيثبت النسخ . وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرح به في طرق هذا الحديث كذا قال في الفتح . وفي الحديث أيضا جواز النظر إلى اللهو المباح وفيه حسن خلقه مع أهله وكرم معاشرته : قوله " حتى شبعت " فيه استعارة الشبع لقضاء الوطر من النظر

باب لا نكاح الا بولي

1 - عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا نكاح إلا بولي "

2 - وعن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما امرأة نكحت بغير أذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له "
- رواهما الخمسة إلا النسائي . وروى الثاني أبو داود الطيالسي ولفظه " لانكاح إلا بولي وأيما امرأة نكحت بغير أذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له "

3 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها "
- رواه ابن ماجه والدارقطني . وعن عكرمة بن خالد " جمعت الطريق ركبا فجعلت امرأة منهن ثيب أمرها بيد رجل غير ولي فأنكحها فبلغ ذلك عمر فجلد الناكح والمنكح ورد نكاحها " رواه الشافعي والدارقطني . وعن الشعبي " ما كان أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد في النكاح بغير ولي من علي كان يضرب فيه " رواه الدارقطني

- حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وذكر له الحاكم طرقا . قال وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش ثم سرد تمام ثلاثين صحابيا وقد طرقه الدمياطي من المتأخرين وقد أختلف في وصله وإرساله فرواه شعبة والثوري عن أبي إسحاق مرسلا ورواه اسرائيل عنه فأسنده وأبو إسحاق مشهور بالتدليس وأسند الحاكم من طريق علي بن المديني ومن طريق البخاري والذهلي وغيرهم أنهم صححوا حديث اسرائيل . وحديث عائشة أخرجه أيضا أبو عوانة وابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي وقد أعل بالإرسال وتكلم فيه بعضهم من جهة أن ابن جريج قال ثم لقيت الزهري فسألته عنه فأنكره وقد عد أبو القاسم بن منده عدة من رواه عن ابن جريج فبلغوا عشرين رجلا وذكر أن معمرا وعبيد الله بن زحر تابعا ابن جريج على روايته اياه عن سليمان بن موسى وأن قرة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وأيوب بن موسى وهشام بن سعد وجماعة تابعوا سليمان بن موسى عن الزهري . قال ورواه أبو مالك الجنبي ونوح بن دراج ومندل وجعفر بن برقان وجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة . وقد أعل ابن حبان وابن عدي وابن عبد البر والحاكم وغيره الحكاية عن ابن جريج بإنكار الزهري وعلى تقدير الصحة لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا البيهقي قال ابن كثير الصحيح وقفه على أبي هريرة وقال الحافظ رجاله ثقات وفي لفظ للدارقطني كنا نقول التي تزوج نفسها هي الزانية . قال الحافظ فتبين أن هذه الزيادة من قول أبي هريرة وكذلك رواها البيهقي وقوفة في طريق ورواها مرفوعة في أخرى ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند أحمد وابن ماجه والطبراني بلفظ " لانكاح إلا بولي " وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف ومداره عليه قال الحافظ وغلط بعض الرواة فرواه عن ابن المبارك عن خالد الحذاء عن عكرمة والصواب حجاج بدل خالد . وعن أبي بردة عند أبي داود الطيالسي بلفظ حديث ابن عباس . وعن غيرهما كما تقدم في كلام الحاكم . قوله " لا نكاح إلا بولي " هذا النفي يتوجه إما إلى الذات الشرعية لأن الذات الموجودة أعني صورة العقد بدون ولي ليست بشرعية أو يتوجه إلى الصحة التي هي أقرب المجازين إلى الذات فيكون النكاح بغير ولي باطل كما هو مصرح بذلك في حديث عائشة المذكور وكما يدل عليه حديث أبي هريرة المذكور لأن النهي يدل على الفساد المرادف للبطلان . وقد ذهب إلى هذا علي وعمر وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبو هريرة وعائشة والحسن البصري وابن المسيب وابن شبرمة وابن أبي ليلى والعترة وأحمد وإسحاق والشافعي وجمهور أهل العلم فقالوا لا يصح العقد بدون ولي . قال ابن المنذر إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك . وحكى في البحر عن أبي حنيفة أنه لا يعتبر الولي مطلق لحديث الثيب أحق بنفسها من وليها وسيأتي وأجيب بأن المراد اعتبار الرضى منها جمعا بين الإخبار كذا في البحر . وعن أبي يوسف ومحمد للولي الخيار في غير الكفء وتلزمه الإجازة في الكفء وعن مالك يعتبر الولي في الرفيعة دون الوضيعة وأجيب عن ذلك بأن الأدلة لم تفصل وعن الظاهرية أنه يعتبر في البكر فقط وأجيب عنه بمثل ما أجيب به عن الذي قبله . وقال أبو ثور يجوز لها أن تزوج نفسها بإذن وليها آخذا بمفهوم قوله " أيما امرأة نكحت بغير أذن وليها " ويجاب عن ذلك بحديث أبي هريرة المذكور والمراد بالولي هو الأقرب من العصبة من النسب ثم من السبب ثم من عصبته وليس لذوي السهام ولا لذوي الأرحام ولاية وهذا مذهب الجمهور وروي عن أبي حنيفة أن ذوي الأرحام من الأولياء فإذا لم يكن ثم ولى أو كان موجودا وعضل انتقل الأمر إلى السلطان لأنه ولي من لا ولي له كما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس وفي إسناده الحجاج بن أرطاة

باب ما جاء في الإجبار والاستئمار

1 - عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين وأدخلت عليه وهي بنت تسع سنين ومكثت عنده تسعا "
- متفق عليه . وفي رواية " تزوجها وهي بنت سبع سنين وزفت إليه وهي بنت تسع سنين " رواه أحمد ومسلم

- الحديث أورده المصنف للاستدلال به على أنه يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بغير استئذانها ولعله أخذ ذلك من عدم ذكر الاستئذان وكذلك صنع البخاري قال الحافظ وليس بواضح الدلالة بل يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود الأمر باستئذان البكر وهو الظاهر فإن القصة وقعت بمكة قبل الهجرة . وفي الحديث أيضا دليل على أنه يجوز للأب أن يزوج ابنته قبل البلوغ . قال المهلب أجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها الا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقا إن الأب لا يزوج ابنته الصغيرة حتى تبلغ وتأذن وزعم أن تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصة ويقابله تجويز الحسن والنخعي للأب أن يجبر ابنته كبيرة كانت أو صغيرة بكرا كانت أو ثيبا . وفي الحديث أيضا دليل على أنه يجوز تزويج الصغيرة بالكبير وقد بوب لذلك البخاري وذكر حديث عائشة وحكى في الفتح الإجماع على جواز ذلك . قال ولو كانت في المهد لكن لا يمكن منها حتى تصلح للوطء

2 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وأذنها صمائها "
- رواه الجماعة إلا البخاري وفي رواية لأحمد ومسلم وأبي داود والنسائي " والبكر يستأمرها أبوها " وفي رواية لأحمد والنسائي " واليتيمة تستأذن في نفسها " وفي رواية لأبي داود والنسائي " ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها "

3 - وعن خنساء بنت خدام الأنصارية " إن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرد نكاحها "
- أخرجه الجماعة إلا مسلما

4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله وكيف أذنها قال أن تسكت "
- رواه الجماعة

5 - وعن عائشة " قالت قلت يا رسول الله تستأمر النساء في ابضاعهن قال نعم قلت ان البكر تستأمر فتستحي فتسكت فقال سكاتها أذنها " ز وفي رواية قالت " قال رسول الله البكر تستأذن قلت أن البكر تستأذن وتستحي قال أذنها صماتها "
- متفق عليه

6 - وعن أبي موسى " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فقد أذنت وإن أبت لم تكره "
- رواه أحمد

7 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تستأمر اليتيمة في نفسها فان سكتت فهو أذنها وان أبت فلا جواز عليها "
- رواه الخمسة الا ابن ماجه

8 - وعن ابن عباس " ان جارية بكرا أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ان أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني . ورواه الدارقطني أيضا عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وذكر أنه أصح

9 - وعن ابن عمر قال " توفي عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون قال عبد الله وهما خالاي فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون فزوجنيها ودخل المغيرة بن شعبة يعين إلى أمها فارغبها في المال فحطت إليه وحطت الجارية إلى هوى أمها فأبتا حتى ارتفع أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال قدامة بن مظعون يا رسول الله ابنة أخي أوصى بها إلى فزوجتها ابن عمتها فلم اقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة ولكنها امرأة وإنما حطت إلى هوى امها قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي يتيمة ولا تنكح إلا بأذنها قال فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها فزوجوها المغيرة ابن شبعة "
- رواه أحمد والدارقطني وهو دليل على أن اليتيمة لا يجبرها وصي ولا غيره

10 - وعن ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال آمروا النساء في بناتهن "
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وأبو يعلى والدارقطني والطبراني قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن أبي شيبة . قال الحافظ ورجاله ثقات واعل بالإرسال ويتفرد جرير بن حازم عن أيوب ويتفرد حسين عن جرير وأجيب بأن أيوب بن سويد رواه عن الثوري عن أيوب موصولا وكذلك رواه معمر بن سليمان الرقي عن زيد بن حباب عن أيوب موصولا وإذا اختلف في وصل الحديث وإرساله حكم لمن وصله على طريقة الفقهاء وعن الثاني بأن جريرا توبع عن أيوب كما ترى . وعن الثالث بأن سليمان بن حرب تابع حسين بن محمد عن جرير وانفصل البيهقي عن ذلك بأنه محمول على أنه زوجها من غير كفء . وحديث ابن عمر الأول أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه . قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد ثقات . وحديثه الثاني فيه رجل مجهول ( وفي الباب ) عن جابر عند النسائي وعن عائشة غير ما ذكره المصنف عند النسائي أيضا قوله يستأمرها أبوها الاستئمار طلب الأمر والمعنى لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها : قوله " خنساء بنت خدام " هي بخاء معجمة ثم نون مهملة على وزن حمراء وأبوها بكسر الخاء المعجمة وتخفيف المهملة كذا في الفتح . قوله " لاتنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن " عبر للثيب بالاستئمار والبكر بالاستئذان ويؤخذ منه فرق بينهما من جهة إن الاستئمار يدل على تأكيد المشاورة وجعل الأمر إلى المستأمرة ولهذا يحتاج الولي إلى صريح أذنها فإذا صرحت بمنعه امتنع اتفاقا والبكر بخلاف ذلك والأذن دائر بين القول والسكوت بخلاف الأمر فإنه صريح في القول هكذا في الفتح ويعكر عليه ما في رواية حديث ابن عباس من ان البكر يستأمرها أبوها وان اليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها . وفي حديث عائشة ان البكر تستأمر الخ وكذلك في حديث أبي موسى وأبي هريرة : قوله " فحطت إليه " أي مالت إليه وأسرعت بفتح الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة أيضا وقد استدل بأحاديث الباب على اعتبار الرضا من المرأة التي يراد تزويجها وأنه لا بد من صريح الأذن من الثيب ويكفي السكوت من البكر والمراد بالبكر التي أمر الشارع باستئذانها هي البالغة إذ لا معنى لاستئذان الصغيرة لأنها لا تدري ما الأذن . قال ابن المنذر يستحب اعلام البكر أن سكوتها أذن لكن لو قالت بعد العقد ما علمت ان صمتي أذن لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور وأبطله بعض المالكية . وقال ابن شعبان منهم يقال لها ثلاثا إن رضيتي فاسكتي وإن كرهتي فانطقي . ونقل ابن عبد البر عن مالك ان سكوت البكر اليتيمة قبل أذنها وتفويضها لا يكون رضا منها بخلاف ما إذا كان بعد تفويضها إلى وليها وخص بعض الشافعية الاكتفاء بسكوت البكر البالغ بالنسبة إلى الأب والجد دون غيرهما لأ ها تستحي منهما أكثر من غيرهما والصحيح الذي عليه الجمهور استعمال الحديث في جميع الابكار وظهر أحاديث الباب ان البكر البالغة إذا زوجت بغير إذنها لم يصح العقد وإليه ذهب الأوزاعي والثوري والعترة والحنفية وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم وذهب مالك والشافعي والليث وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق إلى أنه يجوز للأب أن يزوجها بغير استئذان ويرد عليهم ما في أحاديث الباب من قوله " وللبكر يستأمرها أبوها " ويرد عليهم أيضا حديث عبد الله بن بريدة الذي سيأتي في باب ما جاء في الكفاءة وأما ما احتجوا به من مفهوم قوله صلى الله عليه وآله وسلم " الثيب أحق بنفسها من وليها " فدل على أن ولي البكر أحق بها منها فيجاب عنه بأن المفهوم لا ينتهض للتمسك به في مقابلة المنطوق وقد أجابوا عن دليل أهل القول الأول بما قاله الشافعي من أن المؤامرة قد تكون على استطابة النفس ويؤيده حديث ابن عمر المذكور بلفظ " وآمروا النساء في بناتهن " قال ولا خلاف انه ليس للأم أمر لكنه على معنى استطابة النفس وقال البيهقي زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظة قال الشافعي زادها ابن عيينة في حديثه وكان ابن عمر والقاسم وسالم يزوجون الأبكار لا يستأمرونهن
قال الحافظ وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ انتهى . وأجاب بعضهم بأن المراد بالبكر المذكورة في حديث ابن عباس اليتيمة لما وقع في الرواية الأخرى من حديثه واليتيمة تستأمر فيحمل المطلق على المقيد واجيب بأن اليتيمة هي البكر وأيضا الروايات الواردة بلفظ تستأمرها وتستأذن بضم أوله هي تفيد مفاد قوله يستأمرها أبوها وزيادة بأنه يدخل فيه الأب وغيره فلا تعارض بين الروايات ومما يؤيد ما ذهب إليه الأولون حديث ابن عباس المذكور إن جارية بكرا الخ وأما الثيب فلا بد من رضاها من غير فرق بين أن يكون الذي زوجها هو الأب أو غيره وقد حكى في البحر الاجماع على اعتبار رضاها وحكى أيضا الإجماع على أنه لا بد من تصريحها بالرضا بنطق أو ما في حكمه والظاهر ان استئذان الثيب والبكر شرط في صحة العقد لرده صلى الله عليه وآله وسلم لنكاح خنساء بنت خدام كما في الحديث المذكور وكذلك تخييره صلى الله عليه وآله وسلم للجارية كما في حديث ابن عباس المذكور وكذلك حديث ابن عمر المذكور أيضا ويدل على ذلك أيضا حديث أبي هريرة المذكور لما فيه من النهي . وظاهر قوله الثيب أحق بنفسها أنه لا فرق بين الصغيرة والكبيرة وبين من زالت بكارتها توطء حلال أو حرام وخالف في ذلك أبو حنيفة فقال هي كالبكر واحتج بأن علة الأكتفاء بسكوت البكر هي الحياء وهو باق فيمن زالت بكارتها بزنا لأن المسألة مفروضة فيمن لم يتخذ الزنا ديدنا وعادة وأجيب بأن الحديث نص على أن الحياء يتعلق بالبكر وقابلها بالثيب فدل على أن حكمهما مختلف وهذه ثيب لغة وشرعا وأما بقاء حيائها كالبكر فممنوع

باب الابن يزوج أمه

1 - عن أم سلمة " أنها لما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطبها قالت ليس أحد من أوليائي شاهد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك فقالت لابنها يا عمر قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فزوجه "
- رواه أحمد والنسائي

- الحديث قد أعل بأن عمر المذكور كان عند تزوجه صلى الله عليه وآله وسلم بأمه صغيرا له من العمر سنتان لأنه ولد في الحبشة في السنة الثانية من الهجرة وتزوجه صلى الله عليه وآله وسلم بأمه كان في السنة الرابعة . قيل رواية قم يا غلام فزوج أمك فلا أصل لها وقد استدل بهذا الحديث من قال بأن الولد من جملة الأولياء في النكاح وهم الجمهور . وقال الشافعي ومحمد بن الحسن وروى عن الناصر ان ابن المرأة إذا لم يجمعها وأياه جد فلا ولاية له ورد بأن الابن يسمي عصبة اتفاقا وبأنه داخل في عموم قوله تعالى { وأنكحوا الأيامى منكم } لأنه خطاب للأقارب وأقربهم الأبناء وأجاب عن هذا الرد في ضوء النهار بأن ظاهر انكحوا صحة عقد غير الأقارب وإنما خصصهم الإجماع استنادا إلى العادة والمعتادة إنما هو غير الابن كيف والابن متأخر عن التزويج في الغالب والمطلق يقيد بالعادة كما عرف في الأصول والعموم لا يشمل النادر ولان نكاح العاقلة خاصة مفوض إلى نظرها وإنما الولي وكيل في الحقيقة ولهذا لو لم يمتثل الولي أمرها بالعقد لكفء لصح توكيلها غيره والوكالة لا تلزم لمعين ودفع بأن هذا يستلزم أن لا يبقى للولي حق وأنه خلاف الإجماع والتحقيق أنه ليس إلى نظر المكلفة إلا الرضا ويجاب عن دعوى خروج الابن بالعادة بالمنع أن أراد عدم الوقوع وان أراد الغلبة فلا يضرنا ولا ينفعه ومن جملة ما أجاب به القائلون بأنه لا ولاية للابن أن هذا الحديث لا يصح الاحتجاج به لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يفتقر في نكاحه إلى ولي ومن جملة ما يستدل به على عدم ولاية الابن في النكاح قول أم سلمة ليس أحد من أوليائي شاهد مع كون ابنها حاضرا ولم ينكر عليها صلى الله عليه وآله وسلم ذلك

باب العضل

1 - عن مقعل بن يسار قال " كانت لي أخت تخطب إلى فأتاني ابن عم لي فانحكهتها أياه ثم طلقها طلاقا له رجعة ثم تركها حتى انقضت عدتها فلما خطبت إلى أتاني يخطبها فقلت لا والله لا أنكحكها أبدا . قال ففي نزلت هذه الآية وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن ان ينكحن أزواجهن الآية . قال فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه "
- رواه البخاري وأبو داود والترمذي وصححه ولم يذكر التكفير . وفيه رواية للبخاري " وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه " وهو حجة في اعتبار الولي

- قوله " كانت لي أخت اسمها جميل " بالضم مصغرا بنت يسار ذكره الطبري وجزم به ابن ماكولا وقيل اسمها ليلى حكاه السهيلي في مبهمات القرآن وتبعه المنذري . وقيل فاطمة ذكره ابن إسحاق ويحمل على التعدد بأن يكون لهما اسمان ولقب أو لقبان واسم : قوله " ففي نزلت هذه الآية " هذا تصريح بنزول هذه الآية في هذه القصة ولا يمنع ذلك كون ظاهر الخطاب في السياق للأزواج حيث وقع فيها وإذا طلقتم النساء لكن قوله فيها نفسها أن ينكحن أزواجهن ظاهر في أن ذلك يتعلق بالأولياء . قوله " فكفرت عن يميني وأنكحتها " في لفظ للبخاري فقلت " الآن أفعل يا رسول الله " قوله " وكان رجلا لا بأس به " . قال ابن التين أي كان جيدا وقد غيرته العامة فكنوا به عمن لا خير فيه ( والحديث ) يدل على أنه يشترط الولي في النكاح ولو لم يكن شرطا لكان رغوب الرجل في زوجته ورغوبها فيه كافيا وبه يرد القياس الذي احتج به أبو حنيفة على عدم الأشتراط فإنه احتج بالقياس على البيع لأن المرأة تستقل به بغير أذن وليها فكذلك النكاح وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي المتقدمة على الصغيرة وخص بهذا القياس عمومها ولكنه قياس فاسد الأعتبار لحديث معقل هذا وانفصل بعضهم عن هذا الأيراد بالتزامهم اشتراط الولي ولكن لا يمنع ذلك تزويجها نفسها ويتوقف النفوذ على اجازة الولي كما في البيع وهو مذهب الأوزاعي وكذلك قال أبو ثور ولكنه يشترط أذن الولي لها في تزويج نفسها وتعقب بأن أذن الولي لا يصح الا لمن ينوب عنه والمرأة لا تنوب عنه في ذلك لأن الحق لها ولو أذن لها في انكاح نفسها صارت كمن أذن لها في البيع من نفسها ولا يصح وفي حديث معقل هذا دليل على أن السلطان لا يزوج المرأة إلا بعد أن يأمر وليها بالرجوع عن العضل فأن أحاب فذاك وإن أصر زوجها

باب الشهادة في النكاح

1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة "
- رواه الترمذي وذكر أنه لم يرفعه غير عبد الأعلى وأنه قد وقفه مرة وأن الوقف أصح وهذا لا يقدح لأن عبد الأعلى ثقة فيقبل رفعه وزيادته وقد يرفع الراوي الحديث وقد يقفه

2 - وعن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لانكاح الا بولي وشاهدي عدل "
- ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله

3 - وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لانكاح الا بولي وشاهدي عدل فإن تشاجروا ( 1 ) [ قوله " فإن تشاجروا " الضمير عائد إلى الأولياء الدال عليه ذكر الولي والسياق والمراد بالأشتجار منع الأولياء عن العقد عليها وهذا هو العضل وبه تنتقل الولاية إلى السلطان ان عضل الأقرب وقيل بل تنتقل إلى الأكبر وانتقالها إلى السلطان مبني على منع الأقرب والأبعد وهو محتمل والله أعلم ] فالسلطان ولي من لا ولي له "
- رواه الدارقطني . ولمالك في الموطأ عن أبي الزبير المكي " أن عمر بن الخطاب أتى بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت "

- حديث ابن عباس قال الترمذي هذا حديث غير محفوظ لا نعلم أحدا رفعه إلا ما روى عن عبد الأعلى عن سعبد عن قتادة مرفوعا . وروى عن عبد الأعلى عن سعبد هذا الحديث موقوفا والصحيح ما روى عن ابن عباس " لانكاح الا ببينة " وهكذا روى غير واحد عن سعيد بن أبي عروبة نحو هذا موقوفا . وحديث عمران ابن حصين أشار إليه الترمذي وأخرجه الدارقطني والبيهقي في العلل من حديث الحسن عنه وفي إسناده عبد الله بن محرز وهو متروك . ورواه الشافعي من وجه آخرعن الحسن مرسلا . وقال هذا وان كان مقطعا فإن أكثر أهل العلم يقولون به . وحديث عائشة أخرجه أيضا البيهقي من طريق محمد بن أحمد بن الحجاج الرقي عن عيسى بن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة كذلك وقد توبع الرقي عن عيسى . ورواه سعيد بن خالد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ويزيد بن سنان ونوح بن دراج وعبد الله بن حكيم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة كذلك وقد ضعف ابن معين كله واقره البيهقي وقد تقدم في باب لانكاح الا بولي طرف منه ( وفي الباب ) عن ابن عباس غير حديثه المذكور عند الشافعي والبيهقي من طريق ابن خيثم عن سعيد بن جبير عنه موقوفا فابلفظ " لانكاح الا بولي مرشد وشاهدي عدل " وقال البيهقي بعد أن رواه من طريق أخرى عن أبي خيثم بسنده مرفوعا بلفظ " لانكاح الا بأذن ولي مرشد أو سلطان " قال والمحفوظ الموقوف ثم رواه من طريق الثوري عن أبي خيثم به ومن طريق عدي بن الفضل عن أبي خيثم بسنده مرفوعا بلفظ " لانكاح الا بولي وشاهدي عدل فإن نكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل " وعدي بن الفضل ضعيف . وعن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا عند البيهقي بلفظ " لانكاح الا بأربعة خاطب وولي وشاهدين " وفي إسناده المغيرة بن موسى البصري قال البخاري منكر الحديث . وعن عائشة غير حديث الباب عند الدارقطني بلفظ " لابد النكاح من أربعة الولي والزوج والشاهدين " وفي إسناده أبو الخصيب نافع بن ميسرة مجهول وروي نحوه البيهقي في الخلافيات عن ابن عباس موقوفا وصححه وابن أبي شيبة بنحوه عنه أيضا . وعن أنس أشار إليه الترمذي وقد استدل بأحاديث الباب من جعل الأشهاد شرطا وقد حكى ذلك في البحر عن علي وعمر وابن عباس والعترة والشعبي وابن المسيب والأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة أحمد بن حنبل . قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم قالوا " لانكاح الابشهود " لم يختلفوا في ذلك من مضى منهم الا قوم من المتأخرين من أهل العلم وإنما اختلف أهل العلم في هذا إذا شهد واحد بعد واحد فقال أكثر أهل العلم من الكوفة وغيرهم لا يجوز النكاح حتى يشهد الشاهدان معا عند عقدة النكاح وقد روى بعض أهل المدينة إذا شهد واحد بعد واحد فإنه جائز إذا أعلنوا ذلك وهو قول مالك بن أنس وغيره . وقال بعض أهل العلم يجوز شهادة رجل وامرأتين في النكاح وهو قول أحمد وإسحاق انتهى كلام الترمذي . وحكى في البحر عن ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن ابن مهدي وداود انه لا يعتبر الاشهاد . وحكى أيضا عن مالك أنه يكفي الاعلان بالنكاح والحق ما ذهب إليه الأولون لأن أحاديث الباب يقوي بعضها بعضا والنفي في قوله لانكاح يتوجه إلى الصحة وذلك يستلزم أن يكون الأشهاد شرطا لأنه قد استلزم عدمه عدم الصحة وما كان كذلك فهو شرط . واختلفوا في اعتبار العدالة في شهود النكاح فذهبت القاسمية والشافعي إلى أنها تعتبر . وذهب زيد بن علي وأحمد بن عيسى وأبو عبد الله الداعي وأبوحنيفة أنها لا تعتبر والحق القول الأول لتقييد الشهادة المعتبرة في حديث عمران بن حصين وعائشة اللذين ذكرهما المصنف وكذلك حديث ابن عباس الذي ذكرناه بالعدالة

باب ما جاء في الكفاءة في النكاح

1 - عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال " جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت ان أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن اعلم النساء ان ليس إلى الآباء من الأمر شيء "
- رواه ابن ماجه ورواه أحمد والنسائي من حديث ابن بريدة

2 - وعن عائشة وعن عمر قال " لأمنعن تزوج ذوات الأحساب الا من الأكفاء "
- رواه الدارقطني

3 - وعن أبي حاتم المزني قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاكم من ترضون دينه زخلقه فانكحوه الا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير قالوا يا رسول الله وإن كان فيه قال إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه ثلاث مرات "
- رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب

4 - وعن عائشة " ان أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة ابن ربيعة وهو مولى امرأة من الأنصار "
- رواه البخاري والنسائي وأبو داود

5 - وعن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت " رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال "
- رواه الدارقطني

- حديث عبد الله بن بريدة أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح فإنه قل في سننه حدثنا هنا دين السري حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة عن أبيه وأخرجه النسائي من طريق زياد بن أيوب وهو ثقة عن علي بن غراب وهو صدوق عن كهمس بهذا الإسناد ويشهد له ابن عباس في الجارية البكر التي زوجها أبوها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك تشهد له الأحاديث الواردة في استئمار النساء على العموم وكذلك حديث خنساء بنت خدام وقد تقدم جميع ذلك في باب ما جاء في الأجبار والاستئمار وإنما ذكر المصنف حديث بريدة ههنا لقولها فيه ليرفع بي خسيسته فإن ذلك مشعر بأنه غير كفؤ لها . وحديث أبي حاتم المزني ذكر المصنف ان الترمذي حسنه ووافقه المناوي على نقل التحسين عن الترمذي ثم نقل البخاري أنه لم يعده محفوظا وعده أبو داود في المراسيل وأعله ابن القطان بالأرسال وضعف رواية وأبو حاتم المزني له صحبة ولا يعرف له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير هذا الحديث وقد أخرج الترمذي أيضا هذا الحديث من حديث أبي هريرة ولفظه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطب اليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه الاتفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " وقال قد خولف عبد الحميد بن سليمان في هذا الحديث ورواه الليث بن سعد عن أبي عجلان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال البخاري وحديث الليث أشبه ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظا ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند أبي داود " ان أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليافوخ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه " وأخرجه ايضا الحاكم وحسنه الحافظ في التلخيص . وعن علي عند الترمذي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له ثلاث لا تؤخر . الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفؤا " وعن ابن عمر عند الحاكم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال " العرب اكفاء بعضهم لبعض قبيلة لقبيلة وحي لحي ورجل لرجل الاحائك أو حجام " وفي إسناده رجل مجهول وهو الراوي له عن ابن جريج وقد سأل ابن أبي حاتم اباه عن هذا الحديث فقال هذا كذب لا أصل له وقال في موضع أخر باطل . ورواه ابن عبد البر في التمهيد من طريق أخرى عنه قال الدار قطني في العلل لا يصح انتهى . وفي اسناد ابن عبد البر عمران بن أبي الفضل قال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات وقال ابن أبي حاتم سألت عنه أبي فقال منكر وقد حدث به هشام بن عبيد الله الرازى فزاد فيه بعد أوحجام او دباغ قال فاجتمع به الدباغون وهموا به . وقال ابن عبد البر هذا منكرموضوع وذكره في العلل المتناهية من طريقين إلى ابن عمر في أحدهما علي بن عروة وقد رماه ابن حبان بالوضع وفي الأخرى محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك والأولى في ابن عدي والثانية في الدارقطني وله طريق أخرى عن غير ابن عمر رواها البزار في مسنده من حديث معاذ بن جبل رفعه " العرب بعضها لبعض اكفاء " وفيه سليمان بن أبي الجون . قال ابن القطان لا يعرف ثم هو من رواية خالد بن معدان عن معاذ ولم يسمع منه وفي المتفق عليه من حديث أبي هريرة " خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " قوله " الامن الأكفاء " جمع كفء بضم أوله وسكون الفاء بعدها همزة وهو المثل والنظير قوله " من ترضون دينه وخلقه " فيه دليل على اعتبار الكفاءة في الدين والخلق وقد جزم بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين مالك . ونقل عن عمر وابن مسعود ومن التابعين عن محمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز ويدل علهي قوله تعالى { إن أكرمكم عند الله اتقاكم } واعتبر الكفاءة في النسب الجمهور
وقال أبو حنيفة قريش أكفاء بعضهم بعضا والعرب كذلك وليس أحد من العرب كفؤا لقريش كما ليس أحد من غير العرب كفؤا للعرب وهو وجه للشافعية . قال في الفتح والصحيح تقديم بني هاشم والمطلب على غيرهم ومن عدا هؤلاء أكفاء بعضهم لبعض . وقال الثوري إذا نكح المولى العربية يفسخ النكاح وبه قال أحمد في رواية وتوسط الشافعي فقال ليس نكاح غير الأكفاء حراما فأردبه النكاح وإنما هو تقصير بالمرأة والأولياء فإذا رضوا صح ويكون حقا لهم تركوه فلو رضوا الاواحدا فله فسخه قال ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب من حديث وأما ما أخرجه البزار من حديث معاذ رفعه " العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض " فإسناده ضعيف واحتج البيهقي بحديث " ان الله اصطفى بني كنانة من بني اسمعيل " الحديث وهو صحيح أخرجه مسلم لكن في الأحتجاج به لذلك نظر وقد ضم إليه بعضهم حديث قدموا قريشا ولا تقدموها ونقل ابن المنذر عن البويطي ان الشافعي قال الكفاءة في الدين وهو كذلك في مختصر البويطي قال الرافعي وهو خلاف المشهور قال في الفتح واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه فلاتحل المسلمة لكافر قال الخطابي إن الكفاءة معتبرة في قول أكثر العلماء بأربعة أشياء الدين والحرية والنسب والصناعة ومنهم من أعتبر السلامة من العيوب وأعتبر بعضهم اليسار ويدل على ذلك ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه أن احساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه المال وما أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم من حديث سمرة رفعه " الحسب المال والكرم التقوي " قال في الفتح أن يكون المراد أنه حسب من لاحسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لانسب له أو أن شأن أهل الدنيا رفعة من كان كثير المال ولو كان وضيعا وضعة من كان مقلا ولو كان رفيع النسب كما هو موجود مشاهد فعلى الاحتمال الأول يمكن أن يؤخذ من الحديث اعتبار الكفاءة بالمال لا على الثاني وقد قدمنا الأشارة إلى شيء من هذا في باب صفة المرأة التي تستحب خطبتها . قوله " تبنى سالما " بفتح المثناة الفوقية والموحدة وتشديد النون أي اتخذه ابنا وسالم هو ابن معقل مولى أبي حذيفة ولم يكن مولاه وإنما كان يلازمه بل هو مولى امرأة من الأنصار كما وقع في حديث الباب وهذا الحديث فيه دليل على أن الكفاءة تغتفر برضا الأعلى لا مع الرضا فقد خير النبي صلى الله عليه وآله وسلم بريرة لما لم يكن زوجها كفؤا لها بعد الحرية وقد قدمنا الخلاف هل كان عبدا أو حرا والراجح أنه كان عبدا كما سيأتي في باب الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد . قال الشافعي اصل الكفاءة في النكاح حديث بريرة يعني هذا ومن جملة الأمور الموجبة لرفعة المتصف بها الصنائع العالية وأعلاها على الإطلاق العلم لحديث " العلماء ورثة الأنبياء " أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من حديث أبي الدرداء وضعفه الدارقطني في العلل . قال المنذري وهومضطرب الإسناد وقد ذكرنا فمن ذلك قوله تعالى { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } وقوله تعالى { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } وقوله تعالى { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم } وغير ذلك من الآيات والاحاديث المتاكثرة منها حديث " خياركم في الجاهلية " وقد تقدم

باب استحباب الخطبة وما يدعى به المتزوج

1 - عن ابن مسعود قال " علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة وذكر تشهد الصلاة قال والتشهد في الحاجة إن الحمد لله نستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال ويقرأ ثلاث آيات ففسرها سفيان الثوري واتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا " الآية
- رواه الترمذي وصححه

2 - وعن اسمعيل بن اراهيم عن رجل من بني سليم قال " خطبت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمامة بنت عبد المطلب فانكحني من غير أن يتشهد "
- رواه أبو داود

3 - وعن أبي هريرة " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رفا انسانا إذا تزوج قال بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي

4 - وعن عقيل ابن أبي طالب " أنه تزوج امرأة من بني جشم فقالوا بالرفاء والبنين فقال لا تقولوا هكذا ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بارك لهم وبارك عليهم "
- رواه النسائي وابن ماجه وأحمد بمعناه . وفي رواية له " لاتقولوا ذلك فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهانا عن ذلك قولوا بارك الله فيك وبارك لك فيها "

- حديث ابن مسعود أخرجه أيضا أبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي وهو من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ولم يسمع منه . وقد رواه الحاكم من طريق أخرى عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن ابن مسعود وليس فيه الآيات . ورواه أيضا من طريق اسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة أن عبد الله قال فذكر نحوه ورواه البيهقي من حديث واصل الأحدب عن شقيق عن ابن مسعود بتمامه . وفي رواية للبيهقي " إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من النكاح أو غيره فليقل الحمد لله نحمده ونستعينه " الخ وروى المصنف عن الترمذي أنه صحح حديث ابن مسعود والذي رأيناه في نسخة صحيحة منه التحسين فقط وكذلك روى الحافظ عنه في بلوغ المرام والمنذري في مختصر السنن التحسين فقط ولكنه قال الترمذي بعد أن ذرك أن الحديث حسن مالفظه رواه الأعمش عن أبي إسحاق عن أي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلا الحديثين صحيح لأن اسرائيل جمعهما فقال عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث إسماعيل بن اراهيم أخرجه ايضا البخاري في تاريخه الكبير وقال إسناده مجهول ووقع عند في رواية أمامة بنت ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب فكأنها نسبت في رواية أبي داود إلى جدها انتهى . وأما جهالة الصحابي المذكور فغير قادحة كما قررنا في هذا الشرح غير مرة . وحديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود والمنذري وقال الترمذي حسن صحيح وصححه أيضا ابن حبان والحاكم . وحديث عقيل أخرجه أيضا أبو يعلى والطبراني وهو من رواية الحسن عن عقيل قال في الفتح ورجاله ثقات الا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال ( وفي الباب ) عن هبار عند الطبراني " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم شهد نكاح رجل فقال على الخير والبركة والألفة والطائر الميمون والسعة والرزق بارك الله لكم " قوله " إن الحمد لله " جاء في رواية بحذف ان وفي رواية للبيهقي بحذف إن وإثباتها بالشك فقال الحمد لله أو أن الحمد لله وفي آخره قال شعبة قلت لابي إسحاق هذه القصة في خطبة النكاح وفي غيرها قال في كل حاجة . ولفظ ابن ماجه في أول هذا الحديث " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوتى جوامع الخير وخواتيمه فعلمنا خطبة الصلاة وخطبة الحاجة فذكر خطبة الصلاة ثم خطبة الحاجة قوله " وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " زاد أبو داود في رواية " ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما " وفي رواية أخرى بعد قوله " ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا " وقد استدل بحديث ابن مسعود هذا على مشروعية الخطبة عند عقد النكاح وعند كل حاجة قال الترمذي في سننه وقد قال أهل العلم إن النكاح جائز بغير خطبة وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل العلم انتهى . ويدل على الجواز حديث اسمعيل بن إبراهيم المذكور فيكون على هذا الخطبة في النكاح مندوبة : قوله " رفأ " قال في الفتح بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز معناه دعا له . وفي القاموس رفأه ترفئة وترفيا قال له بالرفاء والبنين أي بالالتئام وجمع الشمل انتهى . وذلك لأن الترفئة في الأصل الالتئام يقال رفأ الثوب لأم خرقه وضم بعضه إلى بعضه وكانت هذه ترفئة الجاهلية ثم نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك وأرشد إلى ما في أحاديث الباب : قوله " تزوج امرأة من بني جشم " في جامع الأصول عن الحسن أن عليا هو المتزوج من بني جشم وعزاه إلى النسائي واختلف في علة النهي عن الترفئة التي كانت تفعلها الجاهلية فقيل لأنه لأحمد فيها ولا ثناء ولا ذكر لله . وقيل لما فيه من الإشارة إلى بعض البنات لتخصيص البنين بالذكر وإلا فهو دعاء للزوج بالالتئام والائتلاف فلا كراهة فيه . وقال ابن المنير الذي يظهر أنه صلى الله عليه وآله وسلم كره اللفظ لما فيه من موافقة الجاهلية لأنهم كانوا يقولونه تفاؤلا لادعاء فيظهر أنه لو قيل بصورة الدعاء لم يكره كأن يقول اللهم ألف بينما وارزقهما بنين صالحين

باب ما جاء في الزوجين يوكلان واحدا في العقد

1 - عن عقبة بن عامر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل أترضى أن أزوجك فلانة نعم وقال للمرأة أترضين أن أزوجك فلانا قالت نعم فزوج أحدهما صاحبه فدخل بها ولم يفرض لها صداقا ولم يعطها شيئا وكان ممن شهد الحديبية وكان من شهد الحديبية له سهم بخيبر فلما حضرته الوفاة قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوجني فلانة ولم أفرض لا صداقا ولم أعطها شيئا وأني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف "
- رواه أبو داود وقال عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم بنت قارظ " أتجعلين أمرك إلى قالت نعم قال فقد تزوجتك " ذكره البخاري في صحيحه وهو يدل على أن مذهب عبد الرحمن ان من وكل في تزويج أو بيع شيء فله أن يبيع ويزوج من نفسه وأن يتولى ذلك بلفظ واحد

- حديث عقبة بن عامر سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده عبد العزيز بن يحيى صدوق يهم . وأثر عبد الرحمن ذكره البخاري معلقا ووصله ابن سعد من طريق ابن أبي ذئب عن سعد بن خالج ان أم حكيم ينت قارظ قالت لعبد الرحمن ابن عوف أنه قد خطبني غير واحد فزوجني أيهم رأيت قال وتجعلين ذلك إلي فقالت نعم قال قد تزوجتك قال ابن أبي ذئب فجاز نكاحه . وقد ذكر ابن سعد أم حكيم المذكورة في النساء اللواتي لم يدركن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروين عن أزواجه وهي بنت قارظ بن خالد بن عبيد حليف بني زهرة . وقد استدل بحديث عقبة من قال أنه يجوز أن يتولى طرفي العقد واحد وهو مروى عن الأوزاعي وربيعة والثوري ومالك وأبي حنيفة وأكثر أصحابه والليث والهادوية وأبي ثور وحكى في البحر عن الناصر والشافعي وزفر أنه لا يجوز لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " كل نكاح لا يحضره أربعة " وقد تقدم . وأجيب بأنه أراد أومن يقوم مقامهم قال في الفتح وعن مالك لو قالت الثيب لوليها زوجني بمن رأيت فزوجها من نفسه أوممن أختار لزمها ذلك ولو لن تعلم عين الزوج . وقال الشافعي يزوجه السلطان أو ولي آخر مثله أو أبعد منه ووافقه زفر وداود وحجتهم إن الولاية شرط في العقد فلا يكون الناكح منكحا كما لا يبيع من نفسه وروى البخاري عن المغيرة تعليقا أنه خطب امرأة هو أولى الناس بها فأمر رجلا فزوجه ووصل هذا الأثر وكيع في مصنفه . وللبيهقي من طريقه عن الثوري عن عبد الملك بن عميران المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة هو وليها فجعل أمرها إلى رجل المغيرة أولى منه فزوجه . وأخرجه عبد الرزاق عن الثوري وقال فيه فأمر أبعد منه فزوجه . وأخرجه سعيد بن منصور من طريق الشعبي ولفظه أن المغيرة خطب بنت عمه عروة بن مسعود فأرسل إلى عبد الله بن أبي عقيل فقال زوجنيها فقال ما كنت لأفعل أنت أمير البلد وابن عمها فأرسل المغيرة إلى عثمان بن أبي العاص فزوجها منه . والمغيرة هو ابن شعبة بن مسعود من ولد عوف بن ثقيف فهي بنت عمه وعبد الله بن أبي عقيل هو ابن عمها أيضا لأن جده هو مسعود المذكور . وأما عثمان بن أبي العاص فهو وإن كان ثقفيا لكنه لا يجتمع معهم إلا في جدهم الأعلى ثقيف لأنه من ولد جشم ابن ثقيف . وقد استدل محمد بن الحسن على الجواز بأن الله لما عاتب الأولياء في تزويج من كانت من أهل المال والجمال بدون صداقها وعاتبهم على ترك تزويج من كانت قليلة المال والجمال دل على أن الولي يصح منه تزويجها من نفسه إذ لا يعاتب أحدا على ترك ما هو حرام عليه

باب ما جاء في نكاح المتعة وبيان نسخه

1 - عن ابن مسعود قال " كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس معنا نساء فقلنا ألا نختصى فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن تنكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " الآية
- متفق عليه

2 - وعن أبي جمرة قال " سألت ابن عباس عن متعة النساء فرخص فقال له مولىله إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة أو نحوه فقال ابن عباس نعم "
- رواه البخاري

3 - وعن محمد بن كعب عن ابن عباس قال " إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية إلا على أزواجهم أوما ملكت أيمانهم قال ابن عباس فكل فرج سواهما حرام "
- رواه الترمذي

4 - وعن علي رضي الله عنه " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهل زمن خيبر " وفي رواية " نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية "
- متفق عليهما

5 - وعن سلمة بن الأكوع قال " رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها "

6 - وعن سبرة الجهني " أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة قال فأقمنا بها خمسة عشر فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في متعة النساء " وذكر الحديث إلى أن قال " فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وفي رواية " أنه كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا أيها الناس أني كنت أذنت لكم في الأستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا "
- رواهن أحمد ومسلم . وفي لفظ عن سبرة قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها "
- رواه مسلم . وفي رواية عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة "
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث ابن عباس الذي رواه المصنف من طريق أبي جمرة ونسبه إلى البخاري قيل ليس هو في البخاري . قال الحافظ في التلخيص وأغرب المجد بن تيمية يعني المصنف فذكره عن أبي جمرة الضبعي أنه سأل ابن عباس عن متعة النساء فرخص فيه فقال له مولى إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة فقال نعم ورواه البخاري وليس هذا في صحيح البخاري بل استغربه ابن الأثير في جامع الأصول فعزاه إلى رزين وحده ثم قال الحافظ قلت قد ذكره المزي في الأطراف في ترجمة أبي جمرة عن ابن عباس وعزاه إلى البخاري بللفظ الذي ذكره ابن تيمية سواء ثم راجعته من الأصل فوجدته في باب النهي عن نكاح المتعة أخيرا ساقه بهذا الإسناد والمتن فأعلم ذلك . وحديث ابن عباس الثاني الذي رواه المصنف من طريق محمد بن كعب في إسناده موسى بن عبيد الربذي وهو ضعيف . وقد ورى الرجوع عن ابن عباس جماعة منهم محمد بن خلف القاضي المعروف بوكيع في كتابه الغرر من الأخبار بسنده المتصل بسعيد بن جبير قال قلت لابن عباس ما تقول في المتعة فقد أكثر الناس فيها حتى قال فيها الشاعر قال وما قال قال قال
قد قلت للشيخ لما طال محبسه ... يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس وهل ترى رخصة الأطراف أنسة ... تكون مثواك حتى مصدر الناس
قال وقد قال في الشاعر قلت نعم قال فكرهها أو نهى عنها . ورواه الخطابي أيضا بإسناده إلى سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس قد سارت بفتياك الركبان وقالت فيها الشعراء قال وما قالوا فذكر البيتين فقال سبحان الله والله ما بهذا أفتيت وما هي الا كالميتة لا تحل الا للمضطر . وروى الرجوع أيضا البيهقي وأبو عوانة في صحيحه قال في الفتح بعد أن ساق عن ابن عباس روايات الرجوع وساق حديث سهل بن سعد عند الترمذي بلفظ إنما رخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة ثم نهى عنها بعد ذلك ما لفظه فهذه أخبار يقوى بعضها بعضها . وحاصلها أن المتعة إنما رخص فيها بسبب العزبة في حال السفر ثم قال وأخرج البيهقي من حديث أبي ذر بإسناد حسن إنما كانت المتعة لحربنا وخوفنا وروى عبد الرزاق في مصنفه أن ابن عباس يراها حلالا ويقرأ فما استمتعتم به منهن . قال وقال ابن عباس في حرف أبي بن كعب إلى أجل مسمى قال وكان يقول يرحم الله عمر ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها عباده ولولا نهي عمر لما احتيج إلى الزنا أبدا وذكر ابن عبد البر عن عمارة مولى الشريد سألت ابن عباس عن المتعة اسفاح هي أم نكاح فقال لا نكاح ولاسفاح قلت فما هي قال المتعة كما قال الله تعالى قلت وهل عليها حيضة قال نعم قلت ويتوارثان قال لا وقد روى ابن حزم في المحلى عن جماعة من الصحابة غير ابن عباس فقال وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من السلف منهم من الصحابة أسماء بنت أبي بكر وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عباس ومعاوية وعمرو بن حريث وأبو سعيد وسلمة ابنا أمية بن خلف . ورواه جابر عن الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومدة أبي بكر ومدة عمر إلى قرب آخر خلافته وروى عنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عد لأن فقط وقال بها من التابعين طاوس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكة انتهى كلامه . ثم ذكر الحافظ في التلخيص بعد أن نقل هذا الكلام عن ابن حزم من روى من المحدثين حل المتعت عن المذكورين ثم قال ومن المشهورين بإباحتها ابن جريج فقيه مكة ولهذا قال الأوزاعي فيما رواه الحاكم في علوم الحديث يترك من قول أهل الحجاز خمس فذكر منها متعة النساء من قول أهل مكة واتيان النساء في أدبارهن من قول أهل المدينة ومع ذلك فقد روى أبو عوانة في صحيحه عن ابن جريج أنه قال لهم بالبصرة اشهدوا أني قد رجعت عنها بعد أن حدثهم فيها ثمانية عشر حديثا أنه لا بأس بها . وممن حكى القول بجواز المتعة عن ابن جريج الإمام المهدي في البحر وحكاه عن الباقر والصادق والأمامية انتهى . وقال ابن المنذر جاء عن الأوائل الرخصة فيها ولا أعلم اليوم أحدا يحيزها الابعض الرافضة ولامعنى لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله . وقال عياض ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها إلا الروافض وأما ابن عباس فروى عنه أنه أباحها وروى عنه أنه رجع عن ذلك . قال ابن بطال روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة وروى عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة وإجازة المتعة عنه أصح وهو مذهب الشيعة قال وأجمعوا على أنه متى وقع الآن أبطل سواء كان قبل الدخول أم بعده إلا قول زفر أنه جعلها كالشروط الفاسدة ويرده قوله صلى الله عليه وآله وسلم " فمن كان عنده شيء فليخل سبيله " وقال الخطابي تحريم المتعة كالإجماع الا عن بعض الشيعة ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المخالفات إلى على صح عن علي أنها نسخت ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال هي الزنا بعينه . وقال ابن دقيق العيد ما حكاه بعض الحنفية عن مالك من الجواز خطأ فقد بالغ المالكية في منع النكاح المؤقت حتى أبطلوا توقيت الحل بسببه فقالوا لوعلق على وقت لا بد من مجيئه وقع الطلاق الآن لأنه توقيت للحل فيكون في معنى نكاح المتعة قال عياض وأجمعوا على أن شرط البطلان التصريح بالشرط فلو نوى عند العقد أن يفارق بعد مدة صح نكاحه إلا الأوزاعي فأبطله واختلفوا هل يحد ناكح المتعة أو يعذر على قولين . وقال القرطبي الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل وأنه حرم ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها الا من لا يلتفت إليه من الروافض وجزم جماعة من الأئمة بتفرد ابن عباس بإباحتها ولكن قال ابن عبد البر أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن على إباحتها ثم اتفق فقهاء الأمصار على تحريمها وقد ذكر الحافظ في فتح الباري بعد ما حكى عن ابن حزم كلامه السالف المتضمن لرواية جواز المتعة عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم مناقشات فقال وفي جميع ما أطلقه نظر أما ابن مسعود إلى آخر كلامه فليراجع
وقال الحازمي في الناسخ والمنسوخ بعد أن ذكر حديث ابن مسعود المذكور في الباب مالفظه وهذا الحكم كان مباحا مشروعا في صدر الإسلام وإنما أباحه النبي صلى الله عليه وآله وسلم للسبب الذي ذكره ابن مسعود وإنما ذلك يكون في أسفارهم ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إباحة لهم وهم في بيوتهم ولهذا نهاهم عنه غير مرة ثم إباحه لهم في أوقات مختلفة حتى حرمه عليهم في آخر أيامه صلى الله عليه وآله وسلم وذلك في حجة الوداع وكان تحريم تأييد لا توقيت فلم يبق اليوم في ذلك خلاف بين فقهاء الأمصار وأئمة الأمة الا شيئا ذهب إليه بعض الشيعة ويروى أيضا عن ابن جرير جوازه انتهى . إذا تقرر لك معرفة من قال بإباحة المتعة فدليلهم على الإباحة ما ثبت من إباحته صلى الله عليه وآله وسلم في مواطن متعددة . منها في عمرة القضاء كما أخرجه عبد الرزاق عن الحسن البصري وابن حبان في صحيحه من حديث سبرة . ومنها في خيبر كما في حديث علي المذكور في الباب . ومنها عام الفتح كما في حديث سبرة بن معبد المذكور أيضا . ومنها يوم حنين رواه النسائي من حديث علي قال الحافظ ولعله تصحيف عن خيبر وذكره الدارقطني عن يحيى بن سعيد بلفظ حنين . ووقع في حديث سلمة المذكور في الباب في عام أوطاس . قال السهيلي هو موافق في رواية من روى عام الفتح فإنهما كانا في عام واحد . ومنها في تبوك رواه الحازمي والبيهقي عن جابر ولكنه لم يبحها لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنالك فإن لفظ حديث جابر عند الحازمي " قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند الثنية مما بلى الشام جاءتنا نسوة تمتعنا بهن يطفن برحالنا فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهم فأخبرناه فغضب وقام فينا خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ونهى عن المتعة فتوادعنا يومئذ ولم نعد ولا نعود فيها أبدا فلهذا سميت ثنية الوداع " . قال الحافظ وهذا إسناد ضعيف لكن عند ابن حبان من حديث أبي هريرة ما يشهد له وأخرجه البيهقي أيضا وأجيب بما قاله الحافظ في الفتح أنه لا يصح من روايات الأذن بالمتعة شيء بغير علة إلا في غزوة الفتح وذلك لأن الأذن في عمرة القضاء لا يصح لكونه من مراسيل الحسن ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد وعلى تقدير ثبوته فلعله أراد أيام خيبر لأنهما كانا في سنة واحدة كما في الفتح وأوطاس أنهما في غزوة واحدة ويبعد كل البعد أن يقع الأذن في غزوة أوطاس بعد أن يقع التصريح في أيام الفتح قبلها فإنها حرمت إلى يوم القيامة وأما في غزوة خيبر فطريق توجيه الحديث وإن كانت صحيحة ولكنه قد حكى البيهقي عن الحميدي ان سفيان كان يقول أن قوله في الحديث يوم خيبر يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة . وذكر السهيلي أن ابن عيينة روى عن الزهري بلفظ نهى عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر وعن المتعة بعد ذلك أو في غير ذلك اليوم انتهى
وروى ابن عبد البر أن الحميدي ذكر عن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر قال ابن عبد البر وعلى هذا أكثر الناس وقال أبو عوانة في صحيحه سمعت أهل العلم يقولون معنى حديث على أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأما المتعة فسكت عنها وإنما نهى عنها يوم الفتح انتهى . قال في الفتح والحامل لهؤلاء على هذا ما ثبت من الرخصة فيها بعد زمن خيبر كما أشار البيهقي ولكنه يشكل على كلام هؤلاء ما في البخاري في الذبائح من طريق مالك بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية " وهكذا أخرجه مسلم من رواية ابن عيينة . وأما في غزوة حنين فهو تصحيف كما تقدم والأصل خيبر وعلى فرض عدم ذلك التصحيف فيمكن أن يراد ما وقع في غزوة أوطاس لكونها هي وحنين واحدة وأما في غزوة تبوك لم يقع منه صلى الله عليه وآله وسلم أذن بالاستمتاع كما تقدم وإذا تقرر هذا فالأذن الواقع منه صلى الله عليه وآله وسلم بالمتعة يوم الفتح منسوخ بالنهي عنها المؤبد كما في حديث سبرة الجهني وهكذا لو فرض وقوع الأذن منه صلى الله عليه وآله وسلم في موطن من المواطن قبل يوم الفتح كان نهيه عنها يوم الفتح ناسخا له . وأما رواية النهي عنها في حجة الوداع فهو اختلاف على الربيع بن سبرة والرواية عنه بأن النهي في يوم الفتح أصح وأشهر ويمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد إعادة النهي ليشيع ويسمعه من لم يسمعه قبل ذلك ولكنه يعكر على ما في حديث سبرة من التحريم المؤبد ما أخرجه مسلم وغيره عن جابر قال كنا نستمتع بالقبضة من الدقيق والتمر الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدرأ من خلافة عمر حتى نهانا عنها عمر في شأن حديث عمر وبن حريث فإنه يبعد كل البعد أن يجهل جمع من الصحابة النهي المؤبد الصادر عنه صلى الله عليه وآله وسلم في جمع كثير من الناس ثم يستمرون على ذلك حياته صلى الله عليه وآله وسلم وبعد موته حتى ينهاهم عنها عمر . وقد اجيب عن حديث جابر هذا بأنهم فعلوا ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لم يبلغه النسخ حتى نهى عنها عمر وأعتقد أن الناس باقون على ذلك لعدم الناقل وكذلك يحمل فهل غيره من الصحابة ولذا ساغ لعمر ان ينهى ولهم الموافقة
وهذا الجواب وإن كان لا يخلو عن تعسف ولكنه أوجب المصير إليه حديث سبرة الصحيح المصرح بالتحريم المؤبد وعلى كل حال فنحن متعبدون بما بلغنا عن الشارع وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به كيف والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به ورووه لنا حتى قال ابن عمر فيما أخرجه عنه ابن ماجه بإسناد صحيح " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها والله لا أعلم أحد تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة " وقال أبو هريرة فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " هدم المتعة الطلاق العدة والميراث " أخرجه الدارقطني وحسنه الحافظ ولا يمنع من كونه حسنا كون في إسناده مؤمل بن إسماعيل لأن الاختلاف فيه لا يخرج حديثه عن حد الحسن إذا أنضم إليه من الشواهد ما يقويه كما هو الشأن الحسن لغيره وأما ما يقال من أن تحليل المتعة مجمع عليه والمجمع عليه قطعى وتحريمها مختلف فيه المختلف فيه ظني والظني لا ينسخ القطعى فيجاب عنه أولا بمنع هذه الدعوى أعني كون القطعي لا ينسخه الظني فما الدليل عليها ومجرد كونها مذهب الجمهور غير مقنع لمن قام في مقام المنع يسائل خصمه عن دليل العقل والسمع بإجماع المسلمين وثانيا بأن النسخ بذلك الظني إنما هو لاستمرار الحل لا لنفس الحل والاستمرار ظني لا قطعي . وأما قراءة ابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وسعيد بن جبير { فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى } فليست بقرآن عند مشترطي التواتر ولا سنة لأجل روايتها قرآنا فيكون من قبيل التفسير للآية وليس ذلك بحجة . وأما عند من لم يشترط التواتر فلا مانع من نسخ ظني القرآن بظني السنة كما تقرر في الأصول

باب نكاح المحلل

1 - عن ابن مسعود قال " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المحلل والمحلل له "
- رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه والخمسة إلا النسائي من حديث علي مثله

2 - وعن عقبة بن عامر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا أخبركم بالتيس المستعار قالوا بلى يا رسول الله قال هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له "
- رواه ابن ماجه

- حديث ابن مسعود صححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري وله طريق أخرى أخرجها عبد الرزاق وطريق ثالثة أخرجها إسحاق في مسنده . وحديث علي صححه ابن السكن وأعله الترمذي فقال روي عن مجالد عن الشعبي عن جابر وهو وهم انتهى . وفي إسناده مجالد وفيه ضعف . وحديث عقبة ابن عامر أخرجه أيضا الحاكم وأعله أبو زرعة وأبو حاتم بالإرسال . وحكى الترمذي عن البخاري أنه استنكره . وقال أبو حاتم ذكرته ليحيى بن بكير فأنكره إنكارا شديدا وسياق إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري قال حدثنا أبي قال سمعت الليث بن سعد يقول قال لي مشرح بن عاهان قال عقبة بن عامر فذكره . ويحيى بن عثمان ضعيف . ومشرح قد وثقه ابن معين ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند ابن ماجه وفي إسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف وعن أبي هريرة عند أحمد واسحاق والبيهقي والبزار وابن أبي حاتم في العلل والترمذي في العلل وحسنه البخاري والأحاديث المذكورة تدل على تحريم التحليل لا اللعن إنما يكون على ذنب كبير . قال الحافظ في التلخيص استدلوا بهذا الحديث على بطلان النكاح إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها بانت منه أو شرط أنه يطلقها أو نحو ذلك وحملوا الحديث على ذلك ولا شك أن إطلاقه يشمل هذه الصورة وغيرها لكن روى الحاكم والطبراني في الأوسط عن عمر أنه جاء إليه رجل فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة ليحلها لأخيه هل تحل للأول إلا بنكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قال وقال ابن حزم ليس الحديث على عموم في كل محلل إذ لو كان كذلك لدخل فيه كل واهب وبائع ومزوج فصح أنه أراد به بعض المحللين وهو من أحل حراما لغيره بلا حجة فتعين أن يكون ذلك في من شرط ذلك لأنهم لم يختلفوا في أن الزوج إذا لم ينو تحليلها للأول ونوت هي أنها لا تدخل في اللعن فدل على أن المعتبر الشرط انتهى . ومن المجوزين للتحليل بلا شرط أبو ثور وبعض الحنفية والمؤيد بالله والهادوية وحملوا أحاديث التحريم على ما إذا وقع الشرط أنه نكاح تحليل . قالوا وقد روى عبد الرزاق أن امرأة أرسلت إلى رجل فزوجته نفسها ليحلها لزوجها فأمره عمر بن الخطاب أن يقيم معها ولا يطلقها وأوعده أن يعاقبه إن طلقها فصحح نكاحه ولم يأمره باستئنافه . وروى عبد الرزاق أيضا عن عروة بن الزبير أنه كان لا يرى بأسا بالتحليل إذا لم يعلم أحد الزوجين . قال ابن حزم وهو قول سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد قال ابن القيم في أعلام الموقعين وصح عن عطاء فيمن نكح امرأة محللا ثم رغب فيها فأمسكها قال لابأس بذلك . قال الشعبي لا بأس بالتحليل إذا لم يأمر به الزوج . وقال الليث عن سعد أن تزوجها ثم فارقها فترجع إلى زوجها وقال الشافعي وأبو ثور المحلل الذي يفسد نكاحه هو من تزوجها ليحلها ثم يطلقها فأما من لم يشترط ذلك في عقد النكاح فعقده صحيح لا داخلة فيه سواء شرط عليه ذلك قبل العقد أو لم يشرط نوى ذلك أو لم ينوه . قال أبو ثور وهو مأجور . وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل هذا سواء . وروى أيضا عن محمد وأبي يوسف عن أبي حنيفة أنه إذا نوى الثاني والمرأة التحليل للأول لم تحل له بذلك . وروى الحسن بن زياد عن زفر وأبي حنيفة أنه إن شرط عليه في نفس العقد أنه إنما تزوجها ليحلها للأول فإنه نكاح صحيح ويبطل الشرط وله أن يقيم معها فهذه ثلاث روايات عن أبي حنيفة قالوا وقد قال الله تعالى { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وهذا زوج قد عقد بمهر وولى ورضاها وخلوها عن الموانع الشرعية وهو راغب في ردها إلى زوجها الأول فيدخل في حديث ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا إلانكاح رغبة " وهذا نكاح رغبة في تحليلها للمسلم كما أمر الله تعالى بقوله { حتى تنكح زوجا غيره } والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما شرط في عودها إلى الأول مجرد ذوق العسيلة بينهما فالعسيلة حلت له بالنص
وأما لعنه صلى الله عليه وآله وسلم للمحلل فلا ريب أنه لم يرد كل محلل ومحلل له فإن الولي محلل لما كان حراما قبل العقد والحاكم المزوج محلل بهذا الاعتبار والبائع أمته محلل للمشتري وطأها فإن قلنا العام إذا خصص صار مجملا فلا احتجاج بالحديث وإن قلنا هو حجة فيما عدا التخصيص فذلك مشروط ببيان المراد منه ولسنا ندري المحلل المراد من هذا النص أهو الذي نوى التحليل أو شرطه قبل العقد أو شرطه في صلب العقد أو الذي أحل ما حرمه الله تعالى ورسوله ووجدنا كل من تزوج مطلقة ثلاثا فإنه محلل ولو لم يشترط التحليل أو لم ينوه فإن الحل حصل بوطئه وعقده ومعلوم قطعا أنه لم يدخل في النص فعلم أن النص إنما أراد به من أحل الحرام بفعله أو عقده وكل مسلم لا يشك في أنه أهل للعنة وأما من قصد الإحسان إلى أخيه المسلم ورغب في جمع شمله بزوجته ولم شعثه وشعث أولاده وعياله فهو محسن وما على المحسنين من سبيل فضلا عن أن يلحقهم لعنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يخفاك أن هذا كله بمعزل عن الجواب بل هو من المجادلة بالباطل البحث ودفعه لا يخفى على عارف

باب نكاح الشغار

1 - عن نافع عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على ان يزوجه ابنته وليس بينهما صداق "
- رواه الجماعة لكن الترمذي لم يذكر تفسير الشغار وأبو داود جعله من كلام نافع وهو كذلك في رواية متفق عليه

2 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا شغار في الإسلام "
- رواه مسلم

3 - وعن أبي هريرة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشغار والشغار أن يقول الرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي "
- رواه أحمد ومسلم

4 - وعن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج " أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وقد كانا جعلاه صداقا فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينما وقال في كتابه هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد وأبو داود

5 - وعن عمران بن حصين " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام ومن انتهب فليس منا "
- رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه

- حديث معاوية في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم اختلاف الأئمة في الأحتجاج بحديثه ( وفي الباب ) عن أنس عند أحمد والترمذي وصححه والنسائي وعن جابر عند مسلم وأخرج البيهقي عن جابر أيضا نهى عن الشغار والشغار أن تنكح هذه بهذه بغير صداق بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه وأخرج عبد الرزاق عن أنس أيضا مرفوعا لا شغار في الاسلام والشغار أن يزوج الرجل الرجل أخته بأخته . وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي ريحانة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المشاغرة والمشاغرة أن يقول زوج هذا من هذه وهذه من هذا بلا مهر . وأخرج الطبراني عن أبي بن كعب مرفوعا " لا شغار قالوا يا رسول الله وما الشغار قال انكاح المرأة بالمرأة لا صداق بينهما " قال الحافظ وإسناده وإن كان ضعيفا لكنه يستأنس به في هذا المقام : قوله " الشغار " بمعجمتين الأولى مكسورة : قوله " والشغار ان يزوج " الخ قال الشافعي لا أدري التفسير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن ابن عمر أو عن نافع أو عن مالك هكذا حكى عن الشافعي البيهقي في المعرفة قال الخطيب تفسير الشغار ليس من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما هو من قول مالك وهكذا قال غير الخطيب قال القرطبي تفسير الشغار وصحيح موافق لما ذكره أهل اللغة فإن كان مرفوعا فهو المقصود وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضا لأنه أعلم بالمقال وأقعد بالحال . وللشغار صورتان إحداهما المذكورة في الأحاديث وهي خلو بضع كل منهما من الصداق والثانية أن يشرط كل واحد من الوليين على الآخر أن يزوجه وليته فمن العلماء من اعتبر الأولى فقط فمنعها دون الثانية وليس المقتضي للبطلان عندهم مجرد ترك ذكر الصداق لأن النكاح يصح بدون تسميته بل المقتضى لذلك جعل البضع صداقا واختلفوا فيما إذا لم يصرح بذكر البضع فالأصح عندهم الصحة . قال القفال العلة في البطلان التعليق والتوقيف وكأنه يقول لا ينعقد لك نكاح ابنتي حتى ينعقد لي نكاح ابنتك وقال الخطابي كان ابن أبي هريرة يشبهه برجل تزوج امرأة ويستثني عضوا منها وهذا مما لا خلاف في فساده . قال الحافظ وتقرير ذلك أنه يزوج وليته ويستثني بضعها حيث يجعله صداقا للأخرى وقال المؤيد بالله وأبو طالب العلة كون البضع صار ملكا للأخرى . قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز ولكن اختلفوا في صحته فالجمهور على البطلان . وفي رواية عن مالك يفسخ قبل الدخول لا بعده وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وذهبت الحنفية إلى صحته ووجوب المهر وهو قول الزهري ومكحول والثوري والليث ورواية عن أحمد وإسحاق وأبي ثور هكذا في الفتح قال وهو قوي على مذهب الشافعي لاختلاف الجهة لكن قال الشافعي النساء محرمات إلا ما أحل الله أو ملك يمين فإذا ورد النهي عن نكاح تأكد التحريم انتهى . وظاهر ما في الأحاديث من النهي والنفي إن الشغار حرام باطل وهو غير مختص بالبنات والأخوات قال النووي اجمعوا على ان غير البنات من الأخوات وبنات الأخ وغيرهن كالبنات في ذلك انتهى . وتفسير الجلب والجنب قد تقدم في الزكاة

باب الشروط في النكاح وما نهى عنه منها

1 - عن عقبة بن عامر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق الشروط أن يوفي به ما استحللتم به الفروج "
- رواه الجماعة

2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أويبيع على بيعه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفي ما في صحفتها أو إنائها فإنما رزقها على الله تعالى "
- متفق عليه . وفي لفظ عليه " نهى أن تشترط المرأة طلاق أختها "

3 - وعن عبد الله بن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحل أن تنكح امرأة بطلاق أخرى "
- رواه أحمد

- قوله " أحق الشروط أن يوفى به " في رواية للبخاري " أحق ما أوفيتم من الشروط " وفي أخرى له " أحق الشروط أن توفوا به " قوله " ما استحللتم به الفروج " أي أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح لان أمره أحوط وبابه أضيق . قال الخطابي الشروط في النكاح مختلفة فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا وهو ما أمر الله به من أمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وعليه حمل بعضهم هذا الحديث ومنها ما لا يوفى به اتفاقا كسؤال المرأة طلاق أختها . ومنها اختلف فيه كاشتراط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله وعند الشافعية الشروط في النكاح على ضربين منها ما يرجع إلى الصداق فيجب الوفاء به وما يكون خارجا عنه فيختلف الحكم فيه " قوله " نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه " قد تقدم الكلام على هذا في أول الكتاب النكاح : قوله " أو يبيع على بيعه " قد تقدم الكلام عليه في كتاب البيع . قوله " ولا تسأل المرأة طلاق أختها " ظاهر هذا التحريم وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوز ذلك لريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة أو لضرر يحصل لها من الزوج أو للزوج منها أو يكون سؤالها ذلك تفويضا وللزوج رغبة في ذلك فيكون كالخلع من الأجنبي إلى غير ذلك من المقاصد المختلفة . وقال ابن حبيب حمل العلماء هذا النهي على الندب فلو فعل ذلك لم يفسخ النكاح وتعقبه ابن بطال بأن نفي الحل صريح في التحريم ولكن لا يلزم منه فسخ النكاح وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق الأخرى ولترض بما قسم الله لها والتصريح بنفي الحل وقع في رواية أحمد المذكورة في الباب ووقع أيضا في رواية للبخاري : قوله " لتكتفي " بفتح التاء المثناة الأولى وسكون الكاف من كفأت الاناء إذا قلبته وأفرغت ما فيه . وفي رواية للبخاري " لتستفرغ ما في صحفتها " وفي رواية له " لتكفأ " وأخرجه أبو نعيم في المستخرج بلفظ " لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكتفيء إناءها " وأخرجه الإسماعيلي وقال " لتكتفيء " وكذا البيهقي وهو بفتح المثناة وسكون الكاف وبالهمزة . وفي رواية للبخاري " لتكفيء " بضم المثناة من أكفأته بمعنى أملته والمراد بقوله ما في صحفتها ما يحصل لها من الزوج وكذلك معنى أوانائها . قوله " طلاق أختها " قال الثوري معنى هذا الحديث نهى المرأة الأجنبية أن تسأل رجلا طلاق زوجته وأن يتزوجها هي فيصير لها من نفقته ومعونته ومعاشرته ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك بقوله لتكتفيء ما في صفحتها والمراد بأختها غيرها سواء كانت أختها من النسب أو الرضاع أو الدين . وحمل ابن عبد البر الأخت هنا على الضرة ومن الشروط التي هي من مقتضيات النكاح ومقاصده شرطها عليه العشرة بالمعروف والإنفاق والكسوة والسكنى وأن لا يقصر في شيء من حقها من قسمة ونحوها وشرطه عليها أن لا تخرج إلا بأذنه ولا تمنعه نفسها ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه . وأما الشروط التي تنافي مقتضى العقد كأن تشترط عليه أن لا يقسم لضرتها أولا ينفق علياه أولا يتسرى أو يطلق من كانت تحته فلا يجب الوفاء بشيء من ذلك ويصح النكاح . وفي قول للشافعي يبطل النكاح . وقال أحمد وجماعة يجب الوفاء بالشروط مطلقا وقد استشكل ابن دقيق العيد حمل الحديث على الشروط التي هي من مقتضيات النكاح . وقال تلك الأمور لا تؤثر الشروط في ايجادها وسياق الحديث يقتضي الوفاء بها والشروط التي هي من مقتضى العقد مستوية في وجوب الوفاء بها ( واختلف ) أهل العلم في اشتراط المرأة أن لا يخرجها زوجها من بلدها . فحكى الترمذي عن أهل العلم من الصحابة قال ومنهم عمر أنه يلزم قال وبه يقول الشافعي وأحمد واسحاق . وروى ابن وهب بإسناد جيد أن رجلا تزوج امرأة فشرط أن لا يخرجها من دارها فارتفعوا إلى عمر فوضع الشرط وقال المرأة مع زوجها قال أبو عبيدة تضادت الروايات عن عمر في هذا . وحكى الترمذي عن علي أنه قال سبق شرط الله شرطها قال وهو قول الثوري وبعض أهل الكوفة قال أبو عبيدة وقد قال بقول عمر عمرو بن العاص ومن التابعين طاوس وأبو الشعثاء وهو قول الأوزاعي
وقال الليث والثوري والجمهور بقول علي حتى لو كان صداق مثلها مائة مثلا فرضيت بخمسين على أن لا يخرجها فله إخراجها ولا يلزمه إلا المسمى . وقالت الحنفية لها أن ترجع عليه بما نقصت له من الصداق . وقال الشافعي يصح النكاح ويلغو الشرط ويلزمه مهر المثل وعنه يصح وتستحق الكل كذا في الفتح قال أبو عبيدة والذي نأخذ به انا نأمره بالوفاء بشرطه من غير أن نحكم عليه بذلك . قال وقد أجمعوا على أنها لو اشترطت عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك اشترط فكذلك هذا ومما يقوي حمل حديث عقبة على الندب حديث عائشة في قصة بريرة المتقدم بلفظ " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل " وقد تقدم أيضا حديث " المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا " وأخرج الطبراني في الصغير بإسناد حسن عن جابر " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت إني شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا لا يصلح "

باب نكاح الزاني والزانية

1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله "
- رواه أحمد وأبو داود

2 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص " أن رجلا من المسلمين أستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في امرأة يقال لها أم مهزول كانت تسافح وتشترط له أن تنفق عليه قال فاستأذن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أو ذكر له أمرها فقرأ عليه نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك "
- رواه أحمد

3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأساري بمكة وكان بمكة بغي يقال لها عناق وكانت وكانت صديقته قال فجئت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله أنكح عناقا قال فسكت عني فنزلت والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فدعاني فقرأها علي وقال لا تنكحها "
- رواه أبو داود والنسائي والترمذي

- حديث أبي هريرة قالا لحافظ في بلوغ المرام رجال ثقات . وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أيضا الطبراني في الكبير والأوسط . قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد ثقات وحديث عمرو بن شعيب حسنه الترمذي ( وفي الباب ) عن عمرو بن الأحوص " أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال استوصوا في النساء خيرا فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا " أخرجه ابن ماجه والترمذي وصححه . وعن ابن عباس عند أبي داود والنسائي قال " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال غربها قال أخاف أن تتبعها نفسي قال فاستمتع بها . قال المنذري ورجال إسناده يحتج بهم في الصحيحين . وذكر الدارقطني أن الحسن بن واقد تفرد به عن عمارة ابن أبي حفصة وأن الفضل بن موسى السيناني بكسر المهملة ثم التحتية ثم نونين بينهما ألف تفرد به عن الحسن بن واقد وأخرجه النسائي من حديث عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس وبوب عليه في سننه تزويج الزانية . وقال هذا الحديث ليس بثابت وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب وقال الإمام أحمد يدلامس تعطي من ماله قلت فإن أبا عبيد يقول من الفجور قال ليس عندنا إلا أنها تعطى من ماله ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليأمره بإمساكها وهي تفجر . وسئل عنه ابن الأعرابي فقال من الفجور . وقال الخطابي معناه الزانية وأنها مطاوعة لمن أراد لا ترد يده . وعن جابر عند البيهقي بنحو حديث ابن عباس : قوله " الزاني المجلود " الخ هذا الوصف خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا وفيه دليل على أنه لا يحل للمرأة أن تتزوج من ظهر منه الزنا وكذلك لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا ويدل على ذلك الآية المذكورة في الكتاب لأن في آخرها { وحرم ذلك على المؤمنين } فإنه صرح في التحريم قال في نهاية المجتهد اختلفوا في قوله تعالى { وحرم ذلك على المرمنين } هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم وهل الإشارة في قوله ذلك على الزنا أو إلى النكاح قال وإنما صار الجمهور إلى حمل الآية على الذم لا على التحريم لحديث ابن عباس الذي قدمناه . وقد حكى في البحر عن علي وابن عباس وابن عمر وجابر وسعيد بن المسيب وعروة والزهري والعترة ومالك والشافعي وربيعة وأبي ثور أنها لا تحرم المرأة على من زنى بها لقوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحرم الحلال الحرام " أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر . وحكى عن الحسن البصري أنه يحرم على الرجل نكاح من زنى بها واستدل بالآية . وحكاه أيضا عن قتادة وأحمد الا إذا تابا لارتفاع سبب التحريم وأجاب عنه في البحر بأنه أراد بالآية الزاني المشرك واستدل على ذلك بقوله تعالى { أو مشركة } قال وهي تحرم على الفاسق المسلم بالإجماع . وأراد أيضا الزانية المشركة بدليل قوله أو مشرك وهو يحرم على الفاسقة المسلمة بالإجماع . ولا يخفى ما في هذا الجواب لأن حاصله أن المراد المشرك الزاني والمشركة الزانية وهذا تأويل يفضي إلى تعطيل فائدة الآية إذ منع النكاح مع المشرك والزنا حاصل بغير هذه الآية ويستلزم أيضا امتناع عطف المشرك والمشركة على الزاني والزانية إذ قد ألغى خصوصية الزنا وأيضا قد تقرر في الأصول إن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . قال ابن القيم وأما نكاح الزانية فقد صرح الله بتحريمه في سورة النور وأخبر أن من نكحها فهو زان أو مشرك فهو إما أن يلتزم حكمه تعالى ويعتقد وجوبه عليه أولا فإن لم يعتقده فهو مشرك وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان ثم صرح بتحريمه فقال { وحرم ذلك على المؤمنين } وأما جعل الإشارة في قوله { وحرم ذلك } إلى الزنا فضعيف جدا إذ يصير معنى الآية الزاني لا يزني الا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها الا زان أو مشرك وهذا مما ينبغي أن يصان عنه القرآن ولا يعارض ذلك حديث عمرو بن الأحوص
وحديث ابن عباس المذكوران فإنهما في الأستمرار على نكاح الزوجة الزانية والآية وحديث أبي هريرة في ابتداء النكاح فيجوز للرجل أن يستمر على نكاح من زنت وهي تحته ويحرم عليه أن يتزوج بالزانية وأما ما ذكره المقبلي في المنار من أنه لا يصح أن يراد به لقوله لا ترد يد لامس الزنا بل عدم نفورها عن الريبة فقصر للفظ المحتمل على أحد المحتملات بغير دليل فالأولى أن ينزل ترك استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم عن مراده بقوله لا ترد يدلامس منزلة العموم ولا ريب أن العرب تكنى بمثل هذه العبارة عن عدم العفة عن الزنا . وأيضا حديث عمرو بن الأحوص من أعظم الأدلة الدالة على جواز إمساك الزانية لقوله فيه " الا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن " الخ فتفسير حديث لا ترد يدلامس بغير الزنا لا يأتي بفائدة باعتبار محل النزاع . وقد حكى صاحب البحر عن الأكثر ان من زنت لم ينفسخ نكاحها . وحكى أيضا عن المؤيد بالله أنه يجب تطليقها ما لم تتب : قوله " إن مرثد " بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة بعدها دال مهملة . والغنوى بفتح الغين المعجمة وبعدها نون مفتوحة نسبة إلى غني بفتح الغين وكسر النون وهو غني بن يعصر وقال أعصر بن سعد بن قيس عيلان . عناق بفتح العين المهملة وبعدها نون وبعد الألف قاف . قال المنذري وللعلماء في الآية خمسة أقوال : أحدها أنها منسوخة قاله سعيد بن المسيب وقال الشافعي في الآية القول فيها كما قال سعيد أنها منسوخة وقال غيره الناسخ { وانكحوا الأيامي منكم } فدخلت الزانية في أيامي المسلمين وعلى هذا أكثر العلماء يقولون من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها والثاني أن النكاح ههنا الوطء والمراد أن الزاني لا يطاوعه على فعله ويشاركه في مراده إلا زانية مثله أو مشركة لا تحرم الزنا وتمام الفائدة في قوله سبحانه { وحرم ذلك على المؤمنين } يعني الذين امتثلوا الأوامر واجتنبوا النواهي . الثالث أن الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة أو مشركة وكذلك الزانية . الرابع أن هذا كان في نسوة كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنا واحتج بأن الآية نزلت في ذلك . الخامس أنه عام في تحريم نكاح الزانية على العفيف والعفيف على الزانية انتهى

باب النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها

1 - عن أبي هريرة قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها "
- رواه الجماعة . وفي رواية " نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها " رواه الجماعة إلا ابن ماجه والترمذي . ولأحمد والبخاري والترمذي من حديث جابر مثل اللفظ الأول

2 - وعن ابن عباس " أنه جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها بعد طلقتين وخلع "

3 - وعن رجل من أهل مصر " كانت له صحبة يقال له جبلة أنه جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها "
- رواهما الدارقطني قال البخاري وجمع عبد الله بن جعفر بين ابنة علي وامرأة علي

- حديث أبي هريرة قال ابن عبد البر أكثر طرقه متواترة عنه وزعم قوم أنه تفرد به وليس كذلك . وقال البيهقي عن الشافعي إن هذا الحديث لم يروى من وجه يثبته أهل الحديث إلا عن أبي هريرة وروى من وجوه لا يثبتها أهل العلم بالحديث . قال البيهقي هوكما قال جاء من حديث علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأنس وأبي سعيد وعائشة وليس فيها شيء على شرط الصحيح وإنما اتفقا على إثبات حديث أبي هريرة . وأخرج البخاري رواية عاصم عن الشعبي عن جابر وبين الأختلاف علي الشعبي فيه قال والحفاظ يرون رواية عاصم خطأ والصواب رواية ابن عون وداود بن أبي هند انتهى : قال الحافظ وهذا الاختلاف لم يقدح عند البخاري لأن الشعبي أشهر بجابر منه بأبي هريرة وللحديث طريق أخرى عن جابر بشرط الصحيح أخرجها النسائي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر . وقول من نقل عنهم البيهقي تضعيف حديث جابر معارض بتصحيح الترمذي وابن حبان وغيرهما له وكفي بتخريج البخاري له موصولا قوة . قال ابن عبد البر كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبي هريرة يعني من وجه يصح وكأنه لم يصح حديث الشعبي عن جابر وصححه عن أبي هريرة والحديثان جميعا صحيحان . قال الحافظ وأما من نقل البيهقي أنهم رووه من الصحابة غير هذين فقد ذكر مثل ذلك الترمذي بقوله وفي الباب لكن لم يذكر ابن مسعود ولا ابن عباس ولا أنسا وزاد بدلهم أبا موسى وأبا أمامة وسمرة قال ووقع لي أيضا من حديث أبي الدرداء ومن حديث عتاب بن أسيد ومن حديث سعد بن أبي وقاص ومن حديث زينب امرأة ابن مسعود . قال وأحاديثهم موجودة عند ابن أبي شيبة وأحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه وأبي يعلى والبزار والطبراني وابن حبان وغيرهم ولو لا خشية التطويل لأوردها مفصلة قال لكن في لفظ حديث ابن عباس عند أبي داود أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين . وفي رواية عند ابن حبان نهى أن تزوج المرأة على العمة والخالة وقال إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن انتهى . وأخرج أبو داود في المراسيل عن عيسى بن طلحة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة " وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضغائن ( وأحاديث الباب ) تدل على تحريم الجمع بين من ذكر في حديث أبي هريرة لأن ذلك هو معنى النهي حقيقة وقد حكاه الترمذي عن عامة أهل العلم وقال لا نعلم بينهم اخلافا في ذلك وكذلك حكاه الشافعي عن جميع المفتين وقال لا اختلاف بينهم في ذلك وقال ابن المنذر لست أعلم في منع ذلك اختلافا اليوم وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج وهكذا حكى الإجماع القرطبي استثنى الخوارج . قال ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين وهكذا نقل الإجماع ابن عبد البر ولم يستثن
ونقله أيضا ابن حزم واستثنى عثمان البتي . ونقله أيضا النووي واستثنى طائفة من الخوارج والشيعة . ونقله ابن دقيق العيد عن جمهور العلماء ولم يعين المخالف وحكاه صاحب البحر عن الأكثر وحكى الخلاف عن البتي وبعض الخوارج والروافض واحتجوا بقوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وحملوا النهي المذكور في الباب على الكراهة فقط وجعلوا القرينة ما في حديث ابن عباس من التعليل بلفظ " فإنكن إذا فتلتن ذلك قطعتن أرحامكن " وقد رواه ابن حبان هكذا بلفظ الخطاب للنساء . وفي رواية ابن عدي بلفظ الخطاب للرجال . والمراد بذلك أنه إذا جمع الرجل بينهما صارا من نسائه كارحامه فيقطع بينهما بما ينشأ بين الضرائر من التشاحن فنسب القطع إلى الرجل لأنه السبب وأضيفت إليه الرحم لذلك . وحديث ابن عباس هذا المصرح بالعلة في إسناده أبو حريز بالحاء المهملة ثم الزاي اسمه عبد الله بن حسين وقد ضعفه جماعة ولكنه قد علق له البخاري ووثقه ابن معين وأبو زرعة قال في التلخيص فهو حسن الحديث ويقويه المرسل الذي ذكرنا قالوا ولا شك إن مجرد مخافة القطيعة لا يستلزم حرمة النكاح والالزم حرمة الجمع بين بنات عمين وخالين لوجود علة النهي في ذلك ولا سيم مع التصريح بذلك كما في مرسل عيسى بن طلحة فإنه يعم جميع القرابات وأجيب بأن قطيعة الرحم من الكبائر بالأتفاق فما كان مفضيا إليها من الأسباب يكون محرما وأما الإلزام بتحريم الجمع بين سائر القرابات فيرده الإجماع على خلافه فهو مخصص لعموم العلة أو لقياسها وأما قوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } فعموم مخصص بأحاديث الباب : قوله " وجمع عبد الله بن جعفر " هذا وصله البغوي في الجعديان وسعيد بن منصور من وجه آخر وبنت علي هي زينب وامرأته هي ليلى بنت مسعود النهتلية وفي رواية سعيد بن منصور أن بنت علي هي أم كلثوم بنت فاطمة ولا تعارض بين الروايتين في زينب وأم كلثوم لأنه تزوجهما عبد الله بن جعفر واحدة بعد أخرى مع بقاء ليلى في عصمته وقد وقع مبينا عند ابن سعد وحكى البخاري عن ابن سيرين أنه قال لا بأس به يعني الجمع بين زوجة الرجل وبنته من غيرها ووصله سعيد بن منصور بسند صحيح والأثر عن الرجل الذي من أهل مصر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة مطولا من طريق أيوب عن عكرمة بن خالد أن عبد الله بن صفوان تزوج امرأة رجل من ثقيف وابنته أي من غيرها . قال أيوب فسئل عن ذلك ابن سيرين فلم ير به بأسا وقال نبئت أن رجلا كان نمصر اسمه جبلة جمع بين امرأة رجل وبنته من غيرها . وروى البخاري عن الحسن البصري أنه كرهه مرة ثم قال لابأس به ووصله الدارقطني وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة أنه كرهه . وعن سليمان بن يسار ومجاهد والشعبي أنهم قالوا لا بأس به واعتبرت الهادوية في الجمع المحرم أن يكون بين من لو كان أحدهما ذكرا حرم على الآخر من الطرفين وزوجة الرجل وابنته من غيرها التحريم إنما هو طرف واحد لانا لو فرضنا فإنه أجنبي عن البنت ضرورة فتحل له وحكى البخاري عن الحسن بن الحسن بن علي أنه جمع بين ابنتي عمر قال وكره جابر بن زيد القطيعة وليس فيه تحريم لقوله { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وحكى في الفتح عن ابن المنذر أنه قال لا أعلم أحدا أبطل هذا النكاح قال وكان يلزم من يقول بدخول القياس في مصل هذا أن يحرمه

باب العدد المباح للحر والعبد وما خص به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك

1 - عن قيس بن الحرث قال " أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلكك له فقال اختر منهن أربعا "
- رواه أبو داود وابن ماجه

2 - وعن عمر بن الخطاب قال " ينكح العبد أمرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين "
- رواه الداقطني

3 - وعن قتادة عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة " . وفي رواية " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة قلت لأنس وكان يطيقه قال كنا نتحده أنه أعطي قوة ثلاثين "
- رواهما أحمد والبخاري

- حديث قيس بن الحرث وفي رواية الحرث بن قيس في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد ضعفه غير واحد من الأئمة . وقال أبو اقاسم البغوي ولا أعلم للحرث بن قيس حديثاغير هذا . وقال أبو عمر النمري ليس له إلا حديث واحد ولم يأت من وجه صحيح . وفي معنى هذا الحديث غيلان الثقفي لما أسلم وتحته عشر نسوة وسيأتي في باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع ويأتي الكلام عليه هنالك وفي الباب عن نوفل بن معاوية عند الشافعي أنه أسلم وتحته خمس نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمسك أربعا وفارق الأخرى . وفي إسناده رجل مجهول لان الشافعي قال حدثنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد عن عبد المجيد بن سهل عن عوف بن الحرث عن نوفل بن معاوية قال أسلمت فذكره . وفي الباب أيضا عن عروة بن مسعود وصفوان بن أمية عند البيهقي وأثر عمر يقويه مارواه البيهقي وابن أبي شيبة من طريق الحكم بن عتيبه أنه أجمع الصحابة على أنه لا ينكح العبد أكثر من أثنتين . وقال الشافعي بعد أن روى عن علي وعمر وعبد الرحمن بن عوف أنه لا يعرف لهم من الصحابة مخالف وأخرجه ابن أبي شيبة عن جماهير التابعين عطاء والشعبي والحسن وغيرهم : قوله " اختر منهن أربعا " استدل به الجمهور على تحريم الزيادة على أربع . وذهبت الظاهرية إلى أنه يحل للرجل أن يتزوج تسعا وحكى ذلك عن ابن الصباغ والعمراني وبعض الشيعة وحكى أيضا عن القاسم بن إبراهيم وأنكر الإمام يحيى الحكاية عنه وحكام صاحب البحر عن الظاهرية وقوم مجاهيل وأجابوا عن حديث غيلان الثقفي بما سيأتي فيه من المقال وكذلك أجابوا عن حديث نوفل بن معاوية بما قدمنا من كون في إسناده مجهول قالوا ومثل هذا الأصل العظيم لا يكتفي فيه بمثل ذلك وولا سيما وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين تسع أو إحدى عشرة . وقد قال تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } وأما دعوى اختصاصه بالزيادة على الأربع فهو محل النزاع ولم يقم عليه دليل وأما قوله تعالى { مثنى وثلاث ورباع } قالوا وفيه للجمع لا للتخيير وأيضا لفظ مثنى معدول به عن اثنين اثنين وهو يدل على تناول ما كان متصفا من الأعداد بصفة الاثنينية وإن كان في غاية الكثرة البالغة إلى ما فوق الألوف فإنك تقول جاءني القوم مثنى أي اثنين اثنين وهكذا ثلاث ورباع وهذا معلوم في لغة العرب لا يشك فيه أحد فالآية المذكورة تدل بأصل الوضع على أنه يجوز للإنسان أن يتزوج من النساء اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا وليس من شرط ذلك أن لا تأتي الطائفة الأخرى من العدد إلا بعد مفارقته للطائفة التي قبلها فإنه لا شك أنه يصح لغة وعرفا أن يقول الرجل لألف رجل عنده وجاءني هؤلاء اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة . فحينئذ الآية تدل على إباحة الزواج بعدد من النساء . كثير سواء كانت الواو للجمه أو للتخيير لأن خطاب الجماعة بحكم من الأحكام بمنزلة الخطاب به لكل واحد منهم فكأن الله سبحانه قال لكل فرد من الناس انكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ومع هذا فالبراءة الأصلية مستصحبة وهي بمجردها كافية في الحل حتى يوجد ناقل صحيح ينقل عنها . وقد يجاب بأن مجموع الأحاديث المذكورة في الباب لا يقتصر عن رتبة الحسن لغيره فتنتهض بمجموعها للاحتجاج وإ كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال . ويؤيد ذلك كون الأصل في الفروج الحرمة كما صرح به الخطابي فلا يجوز الإقدام على شيء منها إلا بدليل وأيضا هذا الخلاف مسبوق بالإجماع على عدم جواز الزيادة على الأربع كما صرح بذلك في البحر وقال في الفتح اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم الزيادة على أربع نسوة يجمه بينهن : قوله " ينكح العبد امرأتين " قد تمسك بهذا من قال أنه لا يجوز للعبد أن يتزوج فوق اثنتين وهو مروي عن علي وزيد بن علي والناصر والحنفية والشافعية
ولا يخفى أن قول الصحابي لا يكون حجة على من لم يقل بحجيته نعم لو صح إجماع الصحابة على ذلك كما أسلفنا لكان دليلا عند القائلين بحجية الإجماع . ولكنه قد روى عن أبي الدرداء ومجاهد وربيعة وأبي ثور والقاسم بن محمد وسالم والقاسمية أنه يجوز له أن ينكح أربعا كالحر حكى ذلك عنهم صاحب البحر فالأولى الجزم بدخوله تحت قوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } والحكم له وعليه بما للأحرار وعليهم إلا أن يقوم دليل يقتضي المخالفة كما في المواضع المعروفة بالتخالف بين حكميهما : قوله " ويطلق تطليقتين " سيأتي الكلام على هذا في باب ما جاء في طلاق العبد وكذلك يأتي الكلام على عدة الأمة قوله " تسع نسوة هن " عائشة وسودة وحفصة وأم سلمة وزينب بنت جحش وصفية وجويرية وأم حبيبة وميمونة هؤلاء الزوجات اللاتي مات عنهن واختلف في ريحانة هل كانت زوجة أو سرية وهل ماتت في حياته أو بعده ودخل أيضا بخديجة ولم بتزوج عليها حتى ماتت وبزينب أم المساكين وماتت في حياته قبل أن يتزوج صفية ومن بعدها قال الحافظ في التلخيص . وأما حديث أنس أنه تزوج خمس عشرة امرأة ودخل منهمن بإحدى عشرة ومات عن تسعة فقد قواه الضياء في المختارة . قال وأما من عقد عليها ولم يدخل بها أو خطبها ولم يعقد عليها فضبطنا منهن نحوا من ثلاثين امرأة وقد حررت ذلك في كتابي في الصحابة . وقد ذكر الحافظ في الفتح والتلخيص الحكمة في تكثير نسائه صلى الله عليه وآله وسلم فليراجع ذلك

باب العبد يتزوج بغير إذن سيده

1 - عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيما عبد تزوج بغير اذن سيده فهو عاهر "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن

- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وأخرجه أيضا ابن ماجه من حديث ابن عمر . قال الترمذي لا يصح إنما هو عن جابر وأخرجه أيضا أبو داود من حديث العمري عن نافع عن ابن عمر بلفظ " فنكاحه باطل " وتعقبه بالتضعيف وبتصويب وقفه ورواه ابن ماجه من حديث ابن عمر وفي إسناده مندل بن علي وهو ضعيف وقال أحمد بن حنبل هذا حديث منكر وصوب الدارقطني وقفه على ابن عمر وأخرجه ايضا عبد الرزاق عن ابن عمر موقوفا . وقد استدل بحديث جابر من قال أن نكاح العبد لا يصح إلا بإذن سيده وذلك للحكم عليه بأنه عاهر والعاهر الزاني والزنا باطل وقال الإمام ييى أراد أنه كالعاهر وليس بزان حقيقة لاستناده إلى عقد قال في البحر قلت بل زان إن علم بالتحريم فيحد ولا مهر وقال داود أن نكاح العبد بغير أذن مولاه صحيح لأن النكاح عنده فرض عين وفروض الأعيان لا تحتاج إلى أذن وهو قياس في مقابلة النص واختلفوا هل ينفذ بالإجازة من السيد أم لا فذهبت العترة والحنفية إلى أن عقد العبد بغير أذن مولاه موقوف ينفذ بالإجازة . وقال الناصر والشافعي أنه لا ينفذ بالإجازة بل هو باطل والإجازة لا تلحق العقود الباطلة . وقال مالك أن العقد نافذ وللسيد فسخه ورد بأنه لا وجه لنفوذه مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم باطل كما وقع في رواية من حديث جابر قالت العترة والشافعي ولا يحتاج في طلانه إلى فسخ وخالف في ذلك مالك

باب الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد

1 - عن القاسم عن عائشة " أن بريرة كانت تحت عبد فلما أعتقها قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اختاري فإن شئت أن تمكثي تحت هذا العبد وإن شئت أن تفارقيه "
- رواه أحمد والدارقطني

2 - عن القاسم عن عائشة " أن بريرة خبرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان زوجها عبدا "
- رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة

3 - وعن عروة عن عائشة " أن بريرة أعتقت وهي عند مغيث عبد لآل أبي أحمد فخيرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال إن قربك فلا خيار عليك "
رواه أبو داود وهو دليل على أن الخيار على التراخي ما لم تطأ

5 - وعن ابن عباس قال " كان زوج بريرة عبدا أسود يقال له مغيث عبدا لبني فلان كأني أنظر إليه يطوف وراءها في سكك المدينة "
- رواه البخاري . وفي لفظ " أن زوج بريرة كان عبدا أسود لبني مغيرة يوم أعتقت بريرة والله لكأني به في المدينة ونواحيها وإن دموعه لتسيل على لحيته يترضاها لتختاره فلم تفعل " رواه الترمذي وصححه وهو صريح ببقاء عبوديته يوم العتق

6 - وعن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت " كان زوج بريرة حرا فلما أعتقت خيرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاختارت نفسها "
- رواه الخمسة . قال البخاري قول الأسود منقطع ثم عائشة عمة القاسم وخالت عروة فروايتهما عنها أولى من رواية أجنبي يسمع من وراء الحجاب

- رواية أنه كان عبدا ثابتة أيضا عن طريق ابن عمر عن الدارقطني والبيهقي كان زوج بريرة وفي اسناده ابن أبي ليلى وهو ضعيف ومن طريق صفية بنت أبى عبيد عند النسائي والبيهقي باسناد صحيح . وروى ابن سعد في الطبقات عن عبد الوهاب عن داود بن عطاء عن أبي هند عن عامر الشعبي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لبريرة لما عتقت قد عتق بضعك فاختاري " ووصل هذا المرسل الدارقطني من طريق ابان بن صالح عن هشام عن أبيه وهذه رواية مطلقة ليس فيها ذكر أنه كان عبدا أو حرا . وروى شعبة عن عبد الرحمن أنه قال ما أدرى احرام عبد وهذا شك وهو غير قادح في روايات الجزم وكذلك الرواية المطلقة تحمل على الروايات المقيدة ( والحاصل ) أنه قد ثبت من طريق ابن عباس وابن عمر وصفية بنت أبي عبيد أنه كان عبد ولم يرو عنهم ما يخالف ذلك وثبت عن عائشة من طريق القاسم وعروة أنه كان عبدا ومن طريق الأسود أنه كان حرا ورواية اثنين أرجح من رواية واحد على فرض صحة الجمع فكيف إذا كانت رواية الواحد معلولة بالإنقطاع كما قال البخاري . وروى عن البخاري أيضا أنه قال هي من قول الحكم وقول ابن عباس أنه كان عبدا أصح . وقال البيهقي روينا عن القاسم ابن أخيها وعن عروة ومجاهد وعمرة كلهم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها أن شئت أن تثوي تحت العبد . قال المنذري وروى عن الأسود أنه كان عبدا فاختلف عليهمع أن بعضهم يقول أن لفظ أنه كان حرا من قول إبراهيم وإذا تعارضت الرواية عن الأسود فتطرح ويرجع إلى رواية لجماعة عن عائشة على أنا لو فرضنا أن الروايات عن عائشة متعارضة ليس لبعضها مرجح على بعض كان الرجوع إلى رواية غيرها بعد اطراح روايتها وقد روى غيرها أنه كان عبدا على طريق الجزم فلم يبق حينئذ شك في رجحان عبوديته وقال أحمد بن حنبل إنما يصح أنه كان حرا عن الأسود وحده وما جاء عن غيره فليس بذاك وصح عن ابن عباس وغيره أنه كان عبدا ورواه علماء المدينة وإذا روى علماء المدينة شيئا وعملوا به فهو أصح وقال الدارقطني قال عمران بن جرير عن عكرمة عن عائشة كان حرا وهو وهم في شيئين في قوله كان حرا وفي قوله عن عائشة وإنما هو من رواية عكرمة عن ابن عباس ولم يختلف على ابن عباس أنه كان عبدا وكذا جزم الترمذي عن ابن عمر : وقال ابن القيم في الهدى إن حديث عائشة رواه ثلاثة : الأسود وعروة والقاسم . فأما الأسود فلم يختلف عنه أنه كان حرا . وأما عروة فعنه روايتان صحيحتان متعارضتان إحداهما أنه كان حرا والثانية أنه كان عبدا . وأما عبد الرحمن بن القاسم فعنه روايتان صحيحتان إحداهما أنه كان حرا والثانية الشك انتهى . وقد عرفت مما سلف ما يخالف هذا وعلى فرض صحته فغاية الأمر أن الروايات عن عائشة متعارضة فيرجع إلى رواية غيرها وقد عرفت أنها عرفت أنهات متفقة على الجزم بكونه عبدا . وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان الزوج حرا هل يثبت للزوجة الخيار أم لا فذهب الجمهور إلى أنه لا يثبت وجعلوا العلة في الفسخ عدم الكفاءة لأن المرأة إذا صارت حرة وكان زوجها عبدا لم يكفؤا لها ويؤيد هذا قول عائشة في حديث الباب ولوكان حرا لم يخيرها ولكنه قد تعقب ذلك بأن هذه الزيادة مدرجة من قول عروة كما صرح بذلك النسائي في سننه وبينه أيضا أبو داود في رواية مالك ولو سلم أنه من قولها فهو اجتهاد وليس بحجة . وذهبت العترة والشعبي والنخعي والثوري والحنفية إلى أنه يثبت الخيار ولو كان الزوج حرا وتمسكوا أولا بتلك الرواية التي فيها أنه كان زوج بريرة حرا وقد عرفت عدم صلاحية ذلك للتمسك به ومما يصلح للتمسك به ما وقع في بعض روايات حديث بريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها ملكت نفسك فاختارى " فإن ظاهر هذا مشعر بأن السبب في التخيير هو ملكها لنفسها وذلك مما يستوي فيه الحر والعبد . وقد أجيب عن ذلك بأنه يحتمل أن المراد من ذلك أنها استقلت بأمر النظر في مصالحها من غير إجبار عليها من سيدها كما كانت من قبل يحبرها سيدها على الزوج
ومن جملة ما يصلح للاحتجاج به على عدم الفسخ إذا كان الزوج حرا ما في سنن النسائي " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت فهي بالخيار مالم يطأها زوجها " وفي إسناده حسين بن عمرو بن أمية الضمري وهو مجهول وأخرج النسائي أيضا عن القاسم بن محمد قال " كان لعائشة غلام وجارية قالت فأردت أن أعتقها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أبدئي بالغلام قبل الجارية " قالوا ولم يكن التخيير ممتنعا إذا كان الزوج حرا لم يكن للبداءة بعتق الغلام فائدة فإذا بدأت به عتقت تحت حر فلا يكون لها اختيار وفي إسناد هذا الحديث عبد الله بن عبد الرحمن وهو ضعيف . قال العقيلي لا يعرف الا به قال ابن حزم لا يصح هذا الحديث ولو صح لم يكن فيه حجة لأنه ليس فيه إنهما كانا زوجين ولو كانا زوجين يحتمل أن تكون البدائة بالرجل لفضل عتقه على الأنثى كما في الحديث الصحيح : قوله " وهي عند مغيث " بضم الميم وكسر المعجمة ثم تحتية ساكنة ثم مثلثة . ووقع عند العسكري بفتح المهملة وتشديد التحتية وآخره باء موحدة وجزم ابن ماكولا وغيره بالأول ووقع عند المستغفري في الصحابة ان اسمه مقسم . قال الحافظ وما أظنه الا تصحيفا : قوله " ان قربك فلا خيار لك " فيه دليل على ان خيار من عتقت على التراخي وأنه يبطل إذا مكنت الزوج من نفسها وإلى ذلك ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد والهادوية وهو قول للشافعي وله قول آخر أنه على الفور . وفي رواية عنه أنه إلى ثلاثة أيام . وقيل بقيامها من مجلس الحاكم وقيل من مجلسها وهذان القولان للحنفية والقول الأول هو الظاهر لإطلاق التخيير لها إلى غاية هي تمكينها من نفسها . ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ " إذا عتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها أن تشأ فارقته وان وطئها فلا خيار لها ولا تستطيع فراقه " وفي رواية للدارقطني " ان وطئك فلا خيار لك "

باب من أعتق أمة ثم تزوجها

1 - عن أبي موسى قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ايما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران وأيما رجل مملوك أدى حق مواليه وحق ربه فله أجران "
- رواه الجماعة الا أبا داود فإنما له منه " من أعتق أمته ثم تزوجها كان له أجران " ولأحمد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أعتق الرجل أمته ثم تزوجها بمهر جديد كان له أجران "

2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتق صفية وتزوجها فقال له ثابت ما أصدقها قال نفسها أعتقها وتزوجها "
- رواه الجماعة إلا الترمذي وأبا داود وفي لفظ " أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها " . رواه البخاري . وفي لفظ " أعتق صفية ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها " رواه الدارقطني . وفي لفظ " أعتق صفية وجعل عتقها صداقها " رواه أحمد والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه . وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اصطفى صفية بنت يحيى فأتخذها لنفسه وخيرها أن يعتقها وتكونه زوجته أو يلحقها بأهلها فأختارت أن يعتقها وتكون زوجته " رواه أحمد وهو دليل على أن من مجرى عليه ملك المسلمين من السبي يجوز رده إلى الكفار إذا كان على دينه

- حديث أبي موسى فيه دليل على مشروعية تعليم الإماء وإحسان تأديبهن ثم اعتاقهن والتزوج بهن وأن ذلك مما يستحق به فاعله أجرين كما أن من آمن من أهل الكتاب يستحق أجرين بإيمانه بالنبي الذي كان على دينه وأجرا بإيمانه بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك المملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه يستحق أجرين وليس في هذا الحديث ما يدل على أنه يصح أن يجعل العتق صداق المعتقة ولكن الذي يدل على ذلك حديث أنس المذكور لقوله فيه " ما أصدقها قال نفسها " وكذلك سائر الألفاظ المذكورة في بقية الروايات . وقد أخذ بظاهر ذلك من القدماء سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وطاوس والزهري ومن فقهاء الأمصار الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق . وحكاه في البحر عن العترة والأوزاعي والشافعي والحسن بن صالح فقالوا إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر . وذهب من عدا هؤلاء إلى أنهم لا يصح أن يكون العتق مهرا لم يحك هذا القول في البحر إلا عن مالك وابن شبرمة . وحكى في موضع آخر عن أبي حنيفة ومحمد أنها تستحق مهر النمثل لأنها قد صارت حرة فلا يستباح وطؤها إلا بالمهر . وحكى بعضهم عدم صحة جعل العتق مهرا عن الجمهور وأجابوا عن ظاهر الحديث بأجوبة ذكرها في الفتح الباري . منها أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجب له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها ولكنه لا يخفى أن ظاهر الروايات أنه جعل المهر نفس العتق لا قيمة المعتقة . ومنها أنه جعل نفس العتق مهرا ولكنه من خصائصه ويجاب عنه بأن دعوى الاختصاص تفتقر إلى دليل . ومنها أن معنى قوله أعتقها وتزوجها أنه أعتقها ثم تزوجها ولم يعلم أنه ساق لها صداقا فقال أصدقها نفسها أي لم يصدقها شيئا فيما أعلم ولم ينف الصداق ويجاب بأنه يبعد أن يأتي الصحابي الجليل بمثل هذه العبارة في مقام التبليغ ويكون مريدا لما ذكرتم فإن هذا لو صح لكان من باب الألغاز والتعمية وقد أيدوا هذا التأويل البعيد بما أخرجه البيهقي من حديث أميمة بنت زريبة عن أمها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتق صفية وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة وكان أتى بها سبية من بني قريظة والنظير . قال الحافظ وهذا لا يقوم به حجة لضعف اسناده ويعارضه ما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت " أعتقني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعل عتقي صداقي " قال الحافظ وهذا موافق لحديث أنس وفيه رد على من قال أن أنسا قال ذلك بناء على ما ظنه . ومنها أنه يحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها بغير مهر فلزمها الوفاء بذلك ويكون خاصا به صلى الله عليه وآله وسلم ولا يخفى أن هذا تعسف لا مجئ إليه . ومنها ما قاله ابن صلاح من أن العتق حل محل المهر وليس بمهر قال وهذا كقولهم " الجوع زاد من لا زاد له " وجعل هذا أقرب الوجوه إلى لفظ الحديث وتبعه النووي والحامل لمن خالف الحديث على هذه التآويل ظن مخالفته للقياس قالوا لأن العقد إما أن يقع قبل عتقها وهو محال لتناقض حكم الحرية والرق أو بعده وذلك غير لازم لها وأجيب بأن العقد يكون بعد العتق فإذا وقع منها الامتناع لزمتها السعاية بقيمتها ولا محذور في ذلك بالجملة فالدليل قد ورد بهذا ومجرد الاستبعاد لا يصلح لابطال ما صح من الأدلة والأقيسة مطرحة في مقابلة النصوص الصحيحة فليس بيد المانع برهان . ويؤيد الجواز ما أخرجه الطحاوي عن ابن عمران أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل عتق جويرية بنت الحرث المصطلقية صداقها وأخرج نحوه أبو داود من طريق عائشة وقد نسب القول بالجواز ابن القيم في الهدى إلى علي بن أبي طالب وأنس بن مالك والحسن البصري وأبي سلمة قال وهو صحيح والموافق للسنة وأقوال الصحابة والقياس وأطال البحث في المقام بما لا يزيد عليه فليرجع

باب ما يذكر في رد المنكوحة بالعيب

1 - عن جميل بن زيد قال حدثني شيخ من الأنصار ذكر أنه كانت له صحبة يقال له كعب بن زيد أو زيد بن كعب " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوج امرأة من بني غفار فلما دخل عليها فوضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر أبصر بكشحها بياضا فانحاز عن الفراش ثم قال خذي عليك ثيابك ولم يأخذ مما آتاها شيئا "
- رواه أحمد ورواه سعيد في سننه . وقال زيد بن كعب بن عجرة ولم يشك

2 - وعن عمر " أنه قال أيما امرأة غر بها رجل بها جنون أو جزام أو برص فلها مهرها بما أصاب منها وصداق الرجل على غره "
- رواه مالك في الموطأ والدارقطني . وفي لفظ " قضى عمر في البرصاء والجذماء والمجنونة إذا دخل بها فرق بينهما والصداق لها بمسيسه إياها وهو له على وليها " . رواه الدارقطني

- حديث كعب بن زيد أو زيد بن كعب قد اختلف فيه فقيل هكذا وقيل إنه من حديث كعب بن عجرة وقيل من حديث ابن عمر وقد أخرجه أيضا من حديث كعب بن زيد أو زيد بن كعب والبيهقي ومن حديث كعب بن عجرة الحاكم في المستدرك . ومن حديث ابن عمر أبو نعيم في الطب والبيهقي . وجميل بن زيد المذكور هو ضعف وقد اضطرب في هذا الحديث . وأثر عمر أخرجه أيضا سعيد ابن منصور عن هشيم عن يحيى بن سعيدعن ابن المسيب عنه ورواه الشافعي من طريق مالك وابن أبي شيبة عن أبي ادريس عن يحيى قال الحافظ في بلوغ المرام ورجاله ثقات ( وفي الباب ) عن علي أخرجه سعيد بن منصور . قوله " امرأة من بني غفار " قيل اسمها الغالية وقيل أسماء بنت النعمان قاله الحاكم يعني الجونية وقال الحافظ الحق أ ها غيرها . ( وقد استدل ) بحديثي الباب على أن البرص والجنون والجذام عيوب يفسخ بها النكاح ولكن حديث كعب ليس بصريح في الفسخ لأن قوله " خذي عليك ثيابك " وفي رواية " الحقي بأهلك " يمكن أن يكون كناية طلاق : وقد ذهب جمهور أهل العلم من الصحابة فمن بعجهم إلى أنه يفسخ النكاح بالعيوب وأن اختلفوا في تفاصيل ذلك وفي تعيين العيوب التي يفسخ بها النكاح . وقد روى عن علي وعمر وابن عباس أنها لا ترد النساء إلا بأربعة عيوب الجنون والجزام والبرص والدار في الفرج وخالف الناصر في البرص فلم يجعله عيبا يرد به النكاح والرجل يشارك المرأة في الجنون والجذام والبرص وتفسخه المرأة بالجب والعنة . وذهب بعض الشافعية إلى أن المرأة ترد بكل عيب ترد به الجارية في البيع ورجحه ابن القيم واحتج له في الهدى بالقياس على البيع وقال الزهري يفسخ الناكح بكل داء عضال وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وهو قول للشافعي أن الزوج لا يرد الزوجة بشيء لأن الطلاق بيده والزوجة لا ترده بشيء إلا الجب والعنة وزاد محمد الجذام والبرص وزادت الهادوية على ما سلف الرق وعدم الكفاءة في الرجل أو المرأة والرتق والعقل والقرن في المرأة والجب والخصاء والسل في الرجل والكلام مبسوط على العيوب التي يثبت بها الرد والمقدار المعتبر منها وتعدادها في الكتب الفقهية ومن أمعن النظر لم يجد في الباب ما يصلح للاستدلال به على الفسخ بالمعنى المذكور عند الفقهاء . أما حديث كعب فلما اسلفنا من كونه غير صريح في محل النزاع لذلك الاحتمال وأما أثر عمر فلما تقرر من أن قول الصحابي ليس بحجة نعم حديث بريرة الذي سلف دليل على ثبوت الفسخ للرق إذا أعتق وأما غير ذلك فيحتاج إلى دليل . قوله " وصداق الرجل على من غره " قد ذهب إلى هذا مالك وأصحاب الشافعي والهادوية فقالوا إنه يرجع الزوج بالمهر على من غرر عليه بأن أوهمه أن المرأة لا عيب فيها فانكشف أنها معيبة بأحد تلك العيوب لكن بشرط أن يعلم بذلك العيب لا إذا جهل وذهب أبو حنيفة والشافعي أنه لا رجوع للزوج على أحد لأنه قد لزمه المهر بالمسيس . وقال المؤيد بالله وأبو طالب أنه يرجع الزوج بالمهر على المرأة ولا يخفي أن قول عمر لا يصلح للاحتجاج به وتضمين الغير بلا دليل لا يحل فإن كان الفسخ بعد الوطء فقد استوفى الزوج ما في مقابلة المهر فلا يرجع به على أحد وإن كان قبل الوطء فالرجوع على المرأة أولى لأنه لم يستوف منها في مقابلة المهر ولا سيما على أصل الهادوية لأن الفسخ بعيب من جهة الزوجة ولا شيء لها عندهم فيما كان كذلك

أبواب أنكحة الكفار

باب ذكر أنكحة الكفار وإقرارهم عليها

1 - عن عروة " أن عائشة أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها ونكاح آخر كان الرجل يقول لأمرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع . ونكاح آخر يجتمع الرهط فيه دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم فيصيبونها فإذا حملت ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان فتسمي من أحبت باسمه فيلفحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع عنه الرجل ونكاح رابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا ينصبن على أبوابهن الرايات وتكون علما فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت جمعوا لها ودعوا لها الفاقة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعى ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم "
- رواه البخاري وأبو داود

- قوله " أربعة أنحاء " جمع نحو أي ضرب وزنا ومعنى ويطلق النحو أيضا على الجهة والنوع وعلى العلم المعروف اصطلاحا قال الداودي وغيره بقي عليها أنحاء لم تذكرها الأول نكاح الخدن وهو قوله تعالى { ولا متخذات أخدان } كانوا يقولون ما استثر فلا بأس به وما ظهر فهو لوم . الثاني نكاح المتعة قد تقدم الثالث نكاح البدل وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل انزلي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وإسناده ضعيف جدا قال الحافظ الأول لا يرد لأنها أرادت ذكر بيان نكاح من لا زوج لها أو من أذن لها زوجها في ذلك والثاني يحتمل أن لا يرد لأن الممنوع منه كونه مقدرا بوقت لا أن عدم الولي فيه شرط وعدم ورود الثالث أظهر من الجميع انتهى : قوله " وليته أو ابنته " التخيير للتنويع لا للشك : قوله " فيصدقها " بضم أوله ثم ينكحها أي يعين صداقها ويسمى مقداره ثم يعقد عليها : قوله " من طمثها " بفتح الطاء المهملة وسكون الميم بعدها مثلثة أي حيضها وكأن السر في ذلك أن يسرع علوقها منه : قوله " فاستبضعي منه " بموحدة بعدها ضاد معجمة أي اطلبي منه المباضعة وهو الجماع . ووقع في رواية الدارقطني استرضعي براء بدل الباء الموحدة قال محمد بن إسحاق الصغاني الأول هو الصواب والمعنى اطلبي الجماع منه لتحملي والمباضعة المجامعة مشتقة من البضع وهو الفرج : قوله " في نجابة الولد " لأنهم كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة أو الكرم أو غير ذلك : قوله " فهو ابنك يا فلان " هذا إذا كان الولد ذكرا أو تقول هي ابنتك إذا كانت انثى قال في الفتح لكن يحتمل أن لا يفعل ذلك إلا إذا كان ذكرا لما عرف من كراهتهم في البنت وقد كان منهم من يقتل ابنته التي يتحقق أنها ابنته فضلا عمن يكون بمثل هذه الصفة : قوله " علما " بفتح اللام أي علامة . وأخرج الفاكهي من طريق ابن أبي مليكة قال تبرز عمر باجياد فدعا بماء فأتته أم مهزول وهي من البغايا التسع اللاتي كن في الجاهلية فقالت هذا ماء ولكنه في إناء لم يدبغ فقال هلم فإن الله جعل الماء طهورا . وروى الدارقطني أيضا من طريق مجاهد قال في قوله تعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية } هن بغاياكن في الجاهلية معلومات لهن رايات يعرفن بها . ومن طريق عاصم بن المنذر عن عروة مثله وزاد كرايات البيطار . وقد ساق هشام بن الكلبي في كتاب المثالب أسامى صواحبات الرايات في الجاهلية فسمى منهن أكثر من عشرة نسوة مشهورات : قوله " القافة " بقاف ثم فاء جمع قائف وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفية : قوله " فالتاط به " بالمثناة الفوقية بعدها طاء مهملة أي استلحقه . واصل اللوط بفتح اللام اللصوق : قوله " الا نكاح الناس اليوم " أي الذي بدأت بذكره وهو أن يخطب الرجل فتزوجه وقد احتج بهذا الحديث على اشتراط الولي وتعقب بأن عائشة وهي الراوية كانت تجيز النكاح بغير ولي ويجاب بأن فعلها ليس بحجة

باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع

1 - عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال " أسلمت وعندي امرأتان أختان فأمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أطلق أحداهما "
- رواه الخمسة إلا النسائي . وفي لفظ الترمذي " اختر أيتهما شئت " . وعن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال " أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يختار منهن أربعا " رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وزاد أحمد في رواية " فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه فبلغ ذلك عمر فقال أني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع وسمع موتك فقذفه في نفسك ولعلك لا تمكث إلا قليلا وأيم الله لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لأورثهن منك ولآمرن بقبرك أن يرجم كما رجم قبر أبي رغال " قوله " لتراجعن نساءك " دليل على أنه كان رجعيا وهو يدل على أن الرجعية ترث وإن انقضت عدتها في المرض وإلا فنفس الطلاق الرجعي لا يقطع ليتخذ حيلة في المرض

- حديث الضحاك أخرجه أيضا الشافعي وصححه ابن حبان والدارقطني والبيهقي وحسنه الترمذي وأعله والعقيلي ( وفي الباب ) عن أم حبيبة عند الشيخين " أنها عرضت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينكح أختها فقال لا تحل لي " وحديث ابن عمر أخرجه أيضا الشافعي عن الثقة عن معمر عن الزهري بإسناده المذكور وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه قال البزرا جوده معمر بالبصرة وأفسده باليمن فأرسله . وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال هذا الحديث غير محفوظ . قال البخاري وأما حديث الزهري عن سالم عن أبيه فإنما هو أن رجلا من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر لتراجعن نساءك أولا رجمنك وحكم أبو حاتم وأبو زرعة بأن المرسل أصح . وحكى الحاكم عن مسلم إن هذا الحديث مما وهم فيه معمر بالبصرة قال فإن رواه عنه ثقة خارج البصرة حكمنا له بالصحة . وقد أخذ ابن حبان والحاكم والبيهقي بظاهر الحكم فأخرجوه من طرق عن معمر من حديث أهل الكوفة وأهل خراسان وأهل اليمامة عنه قال الحافظ ولا يفيد ذلك شيئا فإن هؤلاء كلهم إنما سمعوا بالبصرة وعلى تقدير أنهم سمعوا منه بغيرها فديثه الذي حدث به في غير بلد مضطرب لأنه كان يحدث في بلده من كتبه على الصحة وأما إذا رحل فحدث من حفظه بأشياء وهم فيها اتفق على ذلك أهل العلم كابن المديني والبخاري وابن أبي حاتم ويعقوب بن شيبة وغيرهم وحكى الأثرم عن أحمد أن هذا الحديث ليس بصحيح والعمل عليه وأعله بتفرد معمر في وصله وتحديثه به في غير بلده . وقال ابن عبد البر طرقه كلها معلولة . وقد أطال الدارقطني في العلل تخريج طرقه . ورواه ابن عيينة ومالك عن الزهري مرسلا ورواه عبد الرزاق عن معمر كذلك وقد وافق علىوصله بحر كنيز السقاء عن الزهري ولكنه ضعيف وكذا وصله يحيى بن سلام عن مالك ويحيى ضعيف وأما الزيادة التي رواها أحمد عن عمر فأخرجها أيضا النسائي والدارقطني قال الحافظ وإسناده ثقات وهذا الموقوف على عمر هو الذي حكم البخاري بصحته ( وفي الباب ) عن قيس بن الحرث أو الحرث بن قيس وقد تقدم في باب العدد المباح للحر تقدم الكلام في تحريم الزيادة على الأربع هنالك فليرجع إليه . وحديث الضحاك استدل به تحريم الجمع بين الأختين ولا أعرف في ذلك خلافا وهو نص القرآن قال الله تعالى { وان تجمعوا بين الأختين الاماقد سلف } فإذا أسلم كافر وعنده أختان أجبر على تطليق إحداهما وفي ترك استفصاله عن المتقدمة منهما من المتأخرة دليل على أنه يحكم لعقود الكفار بالصحة وان لم توافق الإسلام فإذا أسلموا أجرينا عليهم في الأنكحة أحكام المسلمين . وقد ذهب إلى هذا مالك والشافعي وأحمد وداود . وذهبت العترة وأبوحنيفة وأبو يوسف والثوري والأوزاعي والزهري وأحد قولي الشافعي إلى أنه لا يقر من أنكحة الكفار إلا ما وافق الإسلام فيقولون إذا أسلم الكافر وتحته أختان وجب عليه إرسال من تأخر عقدها وكذلك إذا كان تحته أكثر من خمس أمسك من تقدم العقد عليها منهن وأرسل من تأخر عقدها إذا كانت خامسة أو نحو ذلك وإذا وقع العقد على الأختين أو على أكثر من أربع مرة واحدة بطل وأمسك من شاء من الأختين وأرسل من شاء وأمسك أربعا من الزوجات يختارهن ويرسل الباقيات والظاهر ما قاله الأولون لتركه صلى الله عليه وآله وسلم للاستفصال في حديث الضحاك وحديث غيلان ولما في قوله " أختر أيتهما " وفي قوله " أختر أربعا " من الإطلاق . قوله " قبر أبي رغال " بكسر الراء المهملة بعدها غين معجمة . قال في القاموس في فصل الراء من باب اللام وأبو رغال ككتاب في سنن أبي داود ودلائل النبوة وغيرهما عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه الحديث وقول الجوهري كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكة فمات في الطريق غير معتد به وكذا قول ابن سيده كان عبدا لشعيب وكان عشارا جائرا انتهى . قوله " لتراجعن نساءك " يمكن أن يكون المراد بهذه المراجعة المراجعة اللغوية أعني أرجاعهن إلى نكاحه وعدم الاعتداد بذلك الطلاق الواقع كما ذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم فيمن طلق زوجته أو زوجاته مريدا لإبطال ميراثهن منه أنه لا يقع الطلاق ولا يصح وقد جعل ذلك أئمة الأصول قسما من أقسام المناسب وجعلوا هذا الصورة مثالا له والمصنف رحمه الله لما فهم أن الرجعة هي الاصطلاحية أعني الواقعة بعد طلاق رجعي معتد به جعل ذلك الطلاق والواقع منه رجعيا ثم ذكر أن الرجعية ترث وإن أنقضت عدتها فأردف الإشكال بإشكال

باب الزوجين الكافرين يسلم أحدهما قبل الأخر

1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رد ابنته زينب على زوجها أبي العاص ابن الربيع بالنكاح الأول لم يحدث شيئا "
- رواه أحمد وأبو داود . وفي لفظ " رد ابنته زينب على أبي العاص زوجها بنكاحها الأول بعد سنتين ولم يحديث صداقا " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . وفي لفظ " رد ابنته زينب على أبي العاص وكان إسلامها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الأول ولم يحدث شهادة ولا صداقا " رواه أحمد وأبو داود . وكذلك الترمذي وقال فيه " لم يحدث نكاحا " وقال هذا حديث ليس بإسناده بأس

2 - وقد روى بإسناد ضعيف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رد ابنته على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد "
- قال الترمذي في إسناده مقال وقال أحمد هذا حديث ضعيف . والحديث الصحيح الذي روي أنه أقرهما على النكاح الأول . وقال الدارقطني هذا حديث لا يثبت والصواب حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ردها بالنكاح الأول "

3 - وعن ابن شهاب " أنه بلغه أن ابنة الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمانا وشهد حنيفا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة فلم يفرق صلى الله عليه وآله وسلم بينهما حتى أسلم صفوان واستقرت عنده بذلك النكاح قال ابن شهاب وكان بين إسلام صفوان وبين إسلام زوجته نحو من شهر " مختصر من الموطأ لمالك

4 - وعن ابن شهاب " أن أم حكيم ابنة الحرث بن هشام أسلمت يوم الفتح بمكة وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن فأرتحلت أم حكيم حتى قدمت على زوجها باليمن ودعته إلى الإسلام فأسلم وقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبايعه فثبتا على نكاحهما ذلك قال ابن شهاب ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى الله وإلى رسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها وأنه لم يبلغنا أن امرأة فرق بينها وبين زوجها إذا قدم وهي في عدتها "
- رواه عنه مالك في الموطأ

- حديث ابن عباس صححه الحاكم وقال الخطابي هو أصح من حديث عمرو بن شعيب وكذا قال البخاري . قال ابن كثير في الارشاد هو حديث جيد قوي وهو من رواية ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس انتهى . الا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه وقد ضعف أمرها علي بن المديني وغيره من علماء الحديث وابن إسحاق فيه مقال معروف وحديث عمرو بن شعيب أخرجه ايضا ابن ماجه وفي إسناده حجاج بن أرطاة وهو معروف بالتدليس وأيضا لم يسمعه من عمرو بن شعيب كما قال أبوعبيدة وإنما حمله عن العرزمي وهو ضعيف وقد ضعف هذا الحديث جماعة من أهل العلم قد تقدم ذكر بعضهم وحديث ابن شهاب الأول هو مرسل وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات وحديثه الثاني مرسل ايضا وأخرجه ابن سعد في الطبقات أيضا ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند البخاري قال " كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن المؤمنين كانوا مشركي أهل حرب يقالتهم ويقاتلونه ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم وكان إذا هاجرت المرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح وإن جاء زوجها قبل أن تنكح ردت إليه " وروى البيهقي عن الشافعي عن جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازي وغيرهم عن عدد مثلهم " ان أبا سفيان أسلم بمر الظهران وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة ومكة يومئذ دار حرب وكذلك حكيم بن حزم ثم أسلم المرأتان بعد ذلك وأقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم النكاح " قوله " بعد سنتين " وفي الرواية الثانية " بست سنين " ووقع في رواية " بعد ثلاث سنين " وأشار في الفتح إلى الجمع فقال المراد بالست ما بين هجرة زينب واسلامه وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى { لاهن حل لهم } وقدومه مسلما فإن بينهما سنتين وأشهرا . قال الترمذي في حديث ابن عباس أنه لا يعرف وجهه قال الحافظ وأشار بذلك إلى أن ردها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو ثلاث مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة قال ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك إذا تأخر اسلامه عن اسلامها حتى انقضت عدتها وممن نقل الإجماع في ذلك ابن عبد البر وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر قال بجوازه ورده بالاجماع وتعقب بثبوت الخلاف فيه قديما فقد أخرجه ابن أبي شيبة عن علي وإبراهيم النخعي بطرق قوية وأفتى به حماد شيخ أبي حنيفة . وأجاب الخطابي عن الإشكال بأن بقاء العدة تلك المدة ممكن وإن لم تجربه عادة في الغالب ولا سيما إن كان المدة إنما هي سنتان وأشهر فإن الحيض قد يبطئ عن ذات الاقراء لعارض وبمثل هذا أجاب البيهقي قال الحافظ وهو أولى ما يعتمد في ذلك . وقال السهيلي في شرح السيرة ان حديث عمرو بن شعيب هو الذي عليه العمل وأن كان حديث ابن عباس أصح إسنادا لكن لم يقل به أحد من الفقهاء لأن الإسلام قد كان فرق بينهما قال الله تعالى { لاهن حل لهم ولاهم يحلون لهن } ومن جمع بين الحديثين . قال معنى حديث ابن عباس ردها عليه على النكاح الأول في الصداق والحباء ولم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره انتهى . وقد أشار إلى مثل هذا الجمع ابن عبد البر وقيل أن زينب لما أسلمت وبقي زوجها على الكفر لم يفرق النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ لم يكن قد نزل تحريم نكاح المسلمة على الكافر فلما نزل قوله تعالى { لاهن حل لهم } الآية أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تعتد فوصل أبو العاص مسلما قبل انقضاء العدة فقررها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنكاح الأول فيندفع الإشكال قال ابن عبد البر وحديث عمرو بن شعيب تعضده الأصول وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد والأخذ بالصريح أولى من الأخذ بالمحتمل ويؤيده مخالفة ابن عباس لما رواه كما حكى ذلك عنه البخاري . قال الحافظ وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية التحريم وإسلام أبي العاص ولا مانع من ذلك وأغرب ابن حزم فقال إن قوله ردها إليه بعد كذا مراده جمع بينهما وإلا فاسلام أبي العاص كان قبل الحديبية وذلك قبل أن ينزل تحريم المسلمة على المشرك هكذا زعم
قال الحافظ وهومخالف لما أطبق عليه أهل المغازي ان اسلامه كان بعد نزول آية التحريم . وقال ابن القيم في الهدى ما محصله إن اعتبار العدة لم يعرف في شيء من الأحاديث ولا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأل المرأة هل انقضت عدتها أم لا ولوكان الإسلام بمجرده فرقة لكانت طاقة بائنة ولا رجعة فيها فلا يكون الزوج أحق بها إذا أسلم وقد دل حكمه صلى الله عليه وآله وسلم أن النكاح موقوف فإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدة فهي زوجته وإن انقضت عدتها فإنها أن تنكح من شاءت وإن أحبت انتظرته وإذا أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح قال ولا نعلم أحدا جدد بعد الإسلام نكاحه البتة بل كان الواقع أحد الأمرين أما افتراقهما ونكاحها غيره واما بقاؤها على النكاح الأول إذا أسلم الزوج وأما تنجيز الفرقة أو مراعاة العدة فلم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بواحد منهما مع كثرة من أسلم في عهده وهذا كلام في غاية الحسن والمتانة قال وهذا اختيار الخلال وأبي بكر صاحبه وابن المنذر وابن حزم وهو مذهب الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم . قال ابن حزم وهو قول عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وابن عباس هم عد آخرين وقد ذهب إلى أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها لم تخطب حتى تحيض وتطهر ابن عباس وعطاء وطاوس والثوري وفقهاء الكوفة ووافقهم أبو ثور واختاره ابن المنذر وإليه جنح البخاري وشرط أهل الكوفة ومن وافقهم أن يعرض على زوجها الإسلام في تلك المدة فيمتنع إن كانا معا في دار الإسلام . وقد روى عن أحمد أن الفرقة تقع بمجرد الإسلام من غير توقف على مضى العدة كسائر أسباب الفرقة من رضاع أو خلع أو طلاق وقال في البحر مسألة المذهب والشافعي ومالك وأبو يوسف والفرقة بإسلام أحدهما فسخ لإطلاق إذ العلة اختلاف الدين كالردة . وقال أبو العباس وأبو حنيفة ومحمد بل طلاق حيث أسلمت وأبي الزوج إذ امتناعه كالطلاق قلنا بل كالردة انتهى : قوله " وكان إسلامها " الخ المراد بإسلامها هنا هجرتها وإلا فهي لم تزل مسلمة منذ بعثه الله تعالى كسائر بناته صلى الله عليه وآله وسلم هجرتها بعد بدر بقليل وبدر في رمضان من السنة الثانية وتحريم المسلمات على الكفار في الحديبية سنة ست في ذي القعدة فيكون مكثها بعد ذلك نحوا من سنتين هكذا قيل وفيه بعض مخالفة لما تقدم

باب المرأة تسبى وزوجها بدار الشرك

1 - عن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقى عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم واصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله تعالى في ذلك والمحصنات من النساء إلا ماملكت أيمانكم أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن "
- رواه مسلم والنسائي وأبو داود وكذلك وأحمد وليس عنده الزيادة في آخره بعد الآية والترمذي مختصرا ولفظه " أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج في قومهن فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } "

2 - وعن عرباض بن سارية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن "
- رواه أحمد والترمذي وهو عام في ذوات الأزواج وغيرهن

- حديث العرباض رجال إسناده ثقات وقد أخرج الترمذي نحوه من حديث وريفع بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماءه ولد غيره " وحسنه الترمذي وأخرجه أيضا أبو داود وسيأتي في باب استبراء الأمة إذا ملكت من كتاب العدة ولأبي داود من حديث " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبى حتى يستبرئها " وسيأتي أيضا في ذلك الباب من حديث أبي سعيد في سبى أوطاس بلفظ " لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة " وسيأتي أيضا هنالك من حديث أبي الدرداء المنع من وطء الحامل والكلام على هذه الأحايث يأتي هنالك مستوفي إن شاء الله تعالى وإنما ذكر المصنف رحمه الله ما ذكره في هذا الباب للاستدلال به على أن البغايا حلال من غير فرق بين ذوات الأزواج وغيرهن وذلك مما لاخلاف فيه فيما أعلم ولكن بعد مضي العدة المعتبرة شرعا قال الزمخشري في تفسير الآية المذكورة { إلا ماملكت أيمانكم } يريد ماملكت أيمانكم من اللاتي سببن ولهن أزواج في دار الكفر فهن حلال لغزاة المسلمين وإن كن محصنات وفي معناه قول الفرزدق
وذات حليل انكحتها رماحنا ... حلال لمن يبني بها لم تطلق

كتاب الصداق

باب جواز التزويج على القليل والكثير واستحباب القصد فيه

1 - عن عامر بن ربيعة " أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرضيت من نفسك ومالك بنعلين قالت نعم فأجازه "
- رواه أحمد وابن ماحه والترمذي وصححه

2 - وعن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لو أن رجلا أعطى امرأة صداقا ملء يديه طعاما كانت له حلالا "
- رواه أحمد وأبو داود بمعناه

3 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال ماهذا قال تزوجت امرأة على وزهن نواة من ذهب قال بارك الله لك أو لم ولو بشاة "
- رواه الجماعة ولم يذكر فيه أو داود " بارك الله لك "

- حديث عامر بن ربيعة قال الحافظ في بلوغ المرام بعد أن حكى تصحيح الترمذي له أنه خولف في ذلك . وحديث جابر في إسناده موسى بن مسلم وهو ضعيف هكذا في مختصر المنذري وقال في التلخيص في إسناده مسلم بن رومان وهو ضعيف انتهى . قال أبو داود إن بعضهم رواه موقوفا ورواه أبو عاصم عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر قال " كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نستمتع بالقبضة من الطعام على معنى المتعة " قال ورواه ابن جريج على أبي الزبير عن جابر على معنى أبي عاصم وهذا الذي ذكره أبو داود معلقا قد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابن جريج عن أبي الزبير قال " سمعت جابرا يقول كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو بكر البيهقي وهذا وإن كان في نكاح المتعة ونكاح المتعة صار منسوخا فإنما فسخ منه شرط الأجل فأما ما يجعلونه صداقا فإنه لم يرد فيه نسخ : قوله " وزن نواة من ذهب " في رواية للبخاري " نواة من ذهب " ورجحها الداودي استنكر رواية من روى وزن نواة . قال الحافظ واستنكاره المنكر لأن الذين جزموا بذلك أئمة حفاظ قال عياض لا وهم في الرواية لأنها إن كانت واة تمر أو غيره كان للنواة قدر معلوم صح أن يقال في كل ذلك وزن نواة فقيل المراد واحدة نوى التمر وإن القيمة عنها يومئذ كانت خمسة دراهم . وقيل كان قدرها يومئذ ربع دينار ورد بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معيارا لما يوزن به وقيل لفظ النواة من ذهب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق وجزم به الخطابي واختاره الأزهري ونقله عياض عن أكثر العلماء . ويؤيده أن في رواية للبيهقي وزن نواة من ذهب قومت خمسة دراهم وقيل وزنها من الذهب خمسة دراهم حكاه ابن قتيبة وجزم به ابن فارس وجعله البيضاوي الظاهر . ووقع في رواية للبيهقي قومت ثلاثة دراهم وإسناده ضعيف ولكن جزم به أحمد وقيل ثلاثة ونصف . وقيل ثلاثة وربع . وعن بعض المالكية النواة عند أهل المدينة ربع دينار ووقع في رواية للطبراني قال أنس حزرناها ربع دينار . وقال الشافعي ربع النش والنش نصف أوقية والأوقية أربعون درهما فيكون خمسة دراهم . وكذا قال أبو عبيد أن عبد الرحمن دفع خمسة دراهم وهي تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية وبه جزم أبو عوانة وآخرون ( والأحاديث ) المذكورة تدل على أنه يجوز أن يكون المهر شيئا حقيرا كالنعلين والمد من الطعام ووزن نواة من ذهب قال القاضي عياض الإجماع على أن مثل الشيء الذي لا يتمول ولاله قيمة لا يكون صداقا ولا يحل به النكاح فإن ثبت نقله فقد خرق هذا الإجماع أبو محمد ابن حزم فقال يجوز بكل شيء ولو كان حبة من شعير ويؤيد ما ذهب إليه الكافة قوله صلى الله عليه وآله وسلم " التمس ولو خاتما من حديد " كما سيأتي لأنه أورده مورد التقليل بالنسبة فما فوقه ولا شك أن الخاتم من الحديد له قيمة وهو أعلى خطرا من النواة وحبة الشعير . وكذلك حكى في البحر الإجماع على أنه لا يسمح تسمية ما لا قيمة له . قال الحافظ وقد وردت أحاديث في أقل الصداق لا يثبت منها شيء وذكر منها حديث عامر بن ربيعة وحديث جابر المذكورين في الباب وحديث أبي لبيبة مرفوعا عند ابن أبي شيبة " من استحل بدرهم في النكاح فقد استحل " وحديث أبي سعيد عند الدارقطني في أثناء حديث في المهر " ولو على سواك من أراك " قال وأقوى شيء في ذلك حديث جابر عند مسلم . كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم ذكر كلام البيهقي الذي قدمناه ( وقد اختلف ) في أقل المهر فحكى في البحر عن العترة جميعا وأبي حنيفة وأصحابه أن أقله عشرة دراهم أو ما يوازيها واستدلوا بما أخرجه الدارقطني من حديث جابر بلفظ " لا مهر أقل من عشرة دراهم " وهذا الوصح لكان معارضا لما تقدم من الأحاديث الدالة على أنه يصح أن يكون المهر دونها ولكنه لم يصح فإن في إسناده مبشر بن عبيد وحجاج بن أرطاة وهم ضعيفان وقد اشتهر حجاج بالتدليس ومبشر متروك كما قال الدارقطني وغيره وقال البخاري منكر الحديث
وقال أحمد روى عنه بقية أحاديث كذب وقد روى الحديث البيهقي من طرق منها عن علي عليه السلام وفي إسناده داود الأودي وهذا الاسم يطلق على اثنين أحدهما داود ابن زيد وهو ضعيف لا خلاف والثاني داود بن عبد الله وقد وثقه أحمد واختلفت الرواية فيه عن يحيى بن معين . ومنها عن جابر قال البيهقي بعد اخراجه هو حديث ضعيف بمرة وروى أيضا عن علي عليه السلام من طريق فيها أبو خالد الواسطي فهذه طرق ضعيفة لا تقوم لها حجة وعلى فرض أنها يقوى بعضها بعضا فهي لا تبلغ بذلك إلى حد الأعتبار لا سيما وقد عارضها ما في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة مثل حديث الخاتم الذي سيأتي وحديث نواة الذهب وسائر الأحاديث التي قدمناها وحكى في البحر أيضا عن عمر وابن عباس والحسن البصري وابن المسيب وربيعة والأوزاعي والثوري وأحم وإسحاق والشافعي ان أقله ما يصح ثمنا أو أجرة وهذا مذهب راجح وقال سعيد بن جبير أقله خمسون درهما وقال النخعي أربعون وقال ابن شبرمة خمسة دراهم وقال مالك ربع دينار وليس على هذه الأربعة الأقوال دليل يدل على أن الأقل هو أحدها لا دونه ومجرد موافقة مهر من المهور الواقعة في عصر النبوة لواحد مها كحديث النواة من الذهب فإنه موافق لقوله ابن شبرمة ولقول مالك على حسب الأختلاف في تفسيرها لا يدل على أنه المقدر الذي لا يجزى دونه الا مع التصريح بأنه لا يجزى دون ذلك المقدار ولا تصريح . فلاح من هذا التقريران كل ماله قيمة صح أن يكون مهرا وسيأتي في باب جعل تعليم القرآن صداقا زيادة تحقيق للمقام

4 - وعن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة "
- رواه أحمد

5 - وعن أبي هريرة قال " كان صداقنا إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر أواقى "
- رواه النسائي وأحمد وزاد " وطبق بيديه وذلك أربعمائة "

6 - وعن أبي سلمة قال " سألت عائشة كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت كان صداقه لا زواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا قالت أتدري ما النش لا قالت نصف أوقية فتلك خمسمائة درهم "
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي

7 - وعن أبي العجفاء قال " سمعت عمر يقول لا تغلوا صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية "
- رواه الجماعة وصححه الترمذي

8 - وعن أبي هريرة قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اني تزوجت امرأة من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل نظرت إليها فإن في عيون الانصار شيئا قال قد نظرت إليها قال علي كم تزوجتها قال على أربع أواق فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ماعندنا ما نعطيك ولكن عيسى أن نبعثك في بعث تصيب منه قال فبعث بعثا إلى بني عيسى بعث ذلك الرجل فيهم "
- رواه مسلم

9 - وعن عروة بن أم حبيبة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة زوجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهزها من عنده وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة ولم يبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيء وكان مهر نسائه أربعمائة درهم "
- رواه أحمد والنسائي

- حديث عائشة الأول أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط بلفظ " أخف النساء صداقا أعظمهن بركة " وفي إسناده الحرث بن شبل وهو ضعيف وأخرج أيضا الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه . وأخرج نحوه أبو داود والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير الصداق أيسره " وحديث أبي هريرة رجال إسناده ثقات . وحديث أبي العجفاء صححه ايضا ابن حبان والحاكم وأبو العجفاء اسمه هرمز بن نسيب قال يحيى بن معين بصرى ثقة وقال البخاري في حديثه نظر . وقال أبو أحمد الكرابيسي حديثه ليس بالقائم . وحديث أم حبيبة أخرجه أيضا أبو داود بلفظ " أنه زوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع شرحبيل بن حسنة " وأخرج أبو داود أيضا عن الزهري مرسلا " أن النجاشي زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على صداق أربعة آلاف درهم وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقيل بمائتي دينار : قوله " أسره مؤنة " فيه دليل على أفضلية النكاح مع قلة المهر وأن الزواج بمهر قليل مندوب إليه لأن المهر إذا كان قليلا لم يستصعب النكاح من يريده فيكثر الزواج المرغب فيه ويقدر عليه الفقراء ويكثر النساء الذي هو أهم مطالب النكاح بخلاف ما إذا كان المهر كثيرا فإنه لا يتمكن منه إلا أرباب الأموال فيكون الفقراء الذين هم الأكثر في الغالب غير مزوجين فلا تحصل المكاثرة التي ارشد إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما سلف في أول النكاح : قوله " وذلك أربعمائة " أي درهم لأن الأوقية كانت قديما عبارة عن أربعين درهما كما صرح به صاحب النهاية . قوله " كان صداقه لأزواجه " الخ ظاهره أن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلهن كان صداقهن ذلك المقدار وليس الأمر كذلك وإنما هو محمول على الأكثر فإن أم حبيبة أصدقها المقدار وليس الأمر كذلك وإنما هو محمول على الأكثر فإن أم حبيبة أصدقها النجاشي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المقدار المتقدم . وقال ابن إسحاق عن أبي جعفر أصدقها أربعمائة دينار أخرجه ابن أبي شيبة م طريقه وأخرج الطبراني عن أنس أنه أصدقها مائتي دينار وإسناده ضعيف وصفية كان عتقها صداقها وخديجة وجويرية لم يكونا كذلك كما قال الحافظ . قوله " ونش " بفتح النون بعدها شين معجمة وقع مرفوعا في هذا الكتاب والصواب ونشا بالنصب مع وجود لفظ كان كما في غير هذا الكتاب أو الرفع مع عدمها كما في رواية أبي داود قوله " لاتغلوا صدق النساء " الخ ظاهر النهي التحريم . وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه قال " لا تغالوا في مهر النساء فقالت امرأة ليس ذلك لك يا عمر ان الله تعالى يقول { وآتيتم احداهن قنطارا من ذهب } كما في قراءة ابن مسعود فقال عمر امرأة خاصمت عمر فخصمته " وأخرجه الزبير بن بكار بلفظ " امرأة أصابت ورج أخطأ " وأخرجه أبو يعلى مطولا وقد وقع الإجماع على أن المهر لأحد لأكثره بحيث تضير الزيادة على ذلك الحد باطلة للآية . وقد اختلف في تفسير القنطار المذكور في الآية فقال أبو سعيد الخدري هو ملء مسك ثور ذهبا وقال معاذ الف ومائتا أوقية ذهبا وقيل سبعون ألف مثقال وقيل مائة رطل ذهبا قوله " زوجها النجاشي " فيه دليل على جواز التوكيل من الزوج لمن يقبل عنه النكاح وكانت أم حبيبة المذكورة مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش فمات بتلك الأرض فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وأم حبيبة هي بنت أبي سفيان وقد تقدم اختلاف الروايات في مقدار صداقها

باب جعل تعليم القرآن صداقا

1 - عن سهل بن سعد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءته امرأة فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل عندك من شيء تصدقها اياه فقال ما عندي إلا إزاري هذا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن أعطيتها إزارك فالتمس شيئا فقال ما أجد شيئا ألتمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل معك من القرآن شيء قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور يسميها فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد زوجتها بما معك من القرآن "
- متفق عليه . وفي رواية متفق عليها " قد ملكتكها بما معك من القرآن " وفي رواية متفق عليها " فصعد فيها النظر وصوبه "

2 - وعن أبي النعمان الأزدي " قال زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امراة على سورة من القرآن ثم قال لا يكون لأحد بعدك مهرا "
- رواه سعيد في سننه وهو مرسل

- حديث أبي النعمان مع إرساله قال الفتح فيه لا يعرف . وفي الباب عن أبي هريرة عند أبي داود والنسائي . وعن ابن مسعود عند الدارقطني . وعن ابن عباس عند أبي الشيخ وأبي عمر بن حيويه في فوائده . وعن ضمير جد حسين بن عبد الله عند الطبراني . وعن أنس عند البخاري والترمذي . وعن أبي أمامة عند تمام في فوائده وعن جابر عند أبي الشيخ . قوله " جاءته امرأة " قال الحافظ هذه المرأة لم أقف على اسمها ووقع في الأحكام لابن الطلاع أنها خولة بنت حكيم أو أم شريك وهذا نقل من اسم الواهبة الواردة في قوله تعالى { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } صلى الله عليه وآله وسلم ولكن هذه غيرها . قوله " وهبت نفسي " هو على ذف مضاف أي امر نفسي لأن رقبة الحر لا تملك قوله " فقام رجل " قال الحافظ لم أقف على اسمه ووقع في رواية للطبراني فقام رجل أحسبه من الأنصار . قوله " ولو خاتما " وفي رواية " ولو خاتم " بالرفع على تقدير حصل . ولو في قوله ولو خاتما تعليلية . قال عياض ووهم من زعم خلاف ذلك ووقع في رواية عند الحاكم والطبراني من حديث سهل زوج رجلا بخاتم من حديد فصه فضة . قوله " هل معك من القرآن شيء " المراد هنا بالمعية الحفظ عن ظهر قلبه . وقد وقع في رواية " أتقرؤهن على ظهر قلبك " بعد قوله سورة كذا ومعي سورة كذا وكذلك في رواية الثوري عند الإسماعيلي بلفظ " قال عن ظهر قلبك قال نعم " . قوله " سورة كذا وسورة كذا " وقع في رواية من حديث أبي هريرة " سورة البقرة أو التي تليها " كذا عند أبي داود والنسائي ووقع في حديث ابن مسعود " نعم سورة البقرة وسورة من المفصل " وفي حديث ضميرة " زوج صلى الله عليه وآله وسلم رجلا على سورة البقرة لم يكن عنده شيء " وفي حديث أبي أمامة " زوج صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من أصحابه امرأة على سورة من المفصل جعلها مهرا وأدخلها عليه وقال علمها " وفي حديث أبي هريرة " فعلمها عشرين آية وهي امرأتك " وفي حديث ابن عباس " أزوجها منك على أن تعلمها أربع أو خمس سور من كتاب الله " وفي حديث ابن عباس وجابر " هل تقرأ من القرآن شيئا قال نعم إنا أعطيناك الكوثر قال اصدقها اياها " قال الحافظ ويجمع بين هذه الألفاظ بأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض أو أن القصص متعددة ( والحديث يدل ) على جواز جعل المنفعة صداقا ولو كانت تعليم القرآن قال المازري هذا ينبني على أن الباء للتعويض كقولك بعتك ثوبي بدينا وقال وهذا هو الظاهر وإلا لو كانت بمعنى اللام على معنى تكرمه لكونه حاملا للقرآن لصارت المرأة بمعنى الموهوبة والموهوبة خاصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
وقال الطحاوي والأبهري وغيرهما بأن هذا خاص بذلك الرجل لكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجوز له نكاح الواهبة فكذلك يجوز له إنكاحها من شاء بغير صداق واحتجوا على هذا بمرسل أبي النعمان المذكور لقوله فيه " لا يكون لأحد بعدك مهر " وأجيب عنه بما تقدم من إرساله وجهالة بعض رجال اسناده . وأخرج أبو داود من طريق مكحول قال ليس هذا لأحد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخرج أبو عوانة من طريق الليث بن سعد نحوه ولا حجة في أقوال التابعين قال عياض يحتمل قوله بما معك من القرآن وجهين أظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن أو مقدارا معينا منه ويكون ذلك صداقها وقد جاء هذا التفسير عن مالك ويؤيده قوله في بعض طرقه الصحيحة فعلمها من القرآن وعين في حديث أبي هريرة مقدار ما يعلمها وهو عشرون آية ويحتمل أن تكون الباء بمعنى اللام أي لأجل ما معك من القرآن فأكرمه بأن زوجه المرأة بلا مهر لأجل كونه حافظا للقرآن أو لبعضه ونظيره قصة أبي طلحة مع أم سليم فقالت والله ما مثلك يرد ولكنك كافر وأ ا مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك فإن تسلم فذلك مهري ولا أسألك غيره فكان ذلك مهرها " وأخرج النسائي أيضا نحوه من طريق أخرى ويؤيده الاحتمال الأول ابن أبي شيبة والترمذي من حديث أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل رجلا من أصحابه يا فلان هل تزوجت قال لا وليس عندي ما أتزوج به قال أليس معك قل هو الله أحد " وأجاب بعضهم عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوجها أياه لأجل ما معه من القرآن الذي حفظه وسكت عن المهر فيكون ثابتا في ذمته إذا أيسر كنكاح التفويض ويؤيده ما في حديث ابن عباس حيث قال فيه فإذا رزقك اللع فعوضها قال في الفتح لكنه غير ثابت وأجاب البعض باحتمال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوجه لأجل ما حفظه من القرآن وأصدق عنه كما كفر عن الذي واقع امرأه في رمضان ويكون ذكر القرآن وتعليمه على سبيل التحريض على تعلم القرآن وتعليمه والتنويه بفضل أهله وأجيب بما تقدم من التصريح بجعل التعليم عوضا . وقد ذهب إلى جواز جعل المنفعة صداقا الشافعي وإسحاق والحسن بن صالح وبه قالت العترة وعند المالكية فيه خلاف ومنعه الحنفية في الحر وأجازوه في العبد إلا في الإجارة في تعليم القرآن فمنعوه مطلقا بناء على أصلهم في أن أخذ الأجرة على تعلم القرآن لا يجوز وقد تقدم الكلام على ذلك وقد نقل القاضي عياض جواز الاستئجار لتعليم القرآن عن العلماء كافة إلا الحنفية وقال ابن العربي من العلماء من قال زوجه علي أن يعلمها من القرآ فكأنها كانت إجارة وهذا كرهه مالك ومنعه أبو حنيفة . وقال ابن القاسم يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده قال والصحيح جوازه بالتعليم . وقال القرطبي قوله علمها نص في الأمر بالتعليم والسياق يشهد بأن ذلك لأجل النكاح فلا يلتفت لقول من قال أن ذلك كان إكراما للرجل ولا مساقا ( وفي الحديث ) فوائد منها ثبوت ولاية الإمام على المرأة التي لا قريب لها وقد أطال الكلام على ما يتعلق بالحديث من فوائد في الفتح وذكر أكثر من ثلاثين فائدة فمن أحب الوقوف على ذلك فليرجع إليه

باب من تزوج ولم يسم صداقا

- عن علقمة قال أتى عبد الله في امرأة تزوجها رجل ثم مات عنها ولم يفرض لها صداقا ولم يكن دخل بها قال فاختلفوا إليه فقال أرى لها مثل مهر نسائها ولها الميراث وعليها العدة فشهد معقل بن سنان الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في بروع ابنة واشق بمثل ما قضى "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي

- الحديث أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن حبان وصححه أيضا ابن مهدي . وقال ابن حزم لا مغمرز [ مغمز ؟ ؟ ] فيه لصحة إسناده وقال الشافعي لا أحفظه من وجه يثبت مثله ولو ثبت حديث بروع لقلت به وقد قيل ان في راوي الحديث اضطرابا فروي مرة عن مقعل بن سنان ومرة عن رجل من أشجع أو ناس من أشجع وقيل غير ذلك : قال البيهقي قد سمي فيه ابن سنان وهو صحابي مشهور والاختلاف فيه لا يضر فإن جميع الروايات فيه صحيحة وفي بعضها ما دل على أن جماعة من أشجع شهدوا بذلك . وقال ابن أبي حاتم قال أبو زرعة الذي قال معقل بن سنان أصح وروى الحاكم في المستدرك عن حرملة بن يحيى أنه قال شيخنا أبو عبيد الله لوحضرت الشافعي لقمت على رؤوس الناس وقلت بن عامر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوج امرأة رجلا فدخل بها ولم يفرض لها صداقها فحضرته الوفاة فقال أشهدكم ان سهمي بخيبر لها ( والحديث ) فيه دليل على أن المرأة تستحق بموت زوجها بعد العقل قبل فرض الصداق جميع المهر وان لم يقع منه دخول ولاخلوة وبه قال ابن مسعود وابن سيرين وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأحمد . وعن علي عليه السلام وابن عباس وابن عمر ومالك والأوزاعي والليث والهادي وأحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن القاسم أنها لا تستحق إلا الميراث فقط ولا تستحق مهرا ولامتعة لأن المتعة لم ترد إلا للمطلقة والمهر عن الوطء ولم يقع من الزوج وأجابوا عن حديث الباب بالاضطراب ورد بما سلف قالوا روي عن علي أنه قال لا نقبل قول أعرابي بوال على عقبيه فيما يخالف كتاب الله وسنة نبيه ورد بأن ذلك لم يثبت عنه من وجه صحيح ولم سلم ثبوته فلم ينفرد بالحديث معقل المذكور بل روى من طريق غيره بل معه الجراح كما وقع عند أبي داود والترمذي وناس من أشجع كما سلف وأيضا الكتاب والسنة إنما نفيا مهر المطلقة قبل المس والفرض لا مهر من مات عنها زوجها وأحكام الموت غير أحكام الطلاق . وفي رواية عن القاسم أن لها المتعة : قوله " ولها الميراث " هو مجمع على ذلك كما في البحر وإنما اتفق على أنها تستحقه لأنه يجب لها بالعقد إذ هو سببه لا الوطء : قوله " بروع " قال في القاموس كجدول ولا يكسر بنت وأشق صحابية وفي المغني بفتح الباء عند أهل اللغة وكسرها عند أهل الحديث

باب تقدمة شيء من المهر قبل الدخول والرخصة في تركها

1 - عن ابن عباس " قال لما تزوج علي فاطمة قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطها شيئا قال عندي شيء قال أين درعك الحطمية "
- رواه أبو داود والنسائي . وفي رواية " أن عليا لما تزوج فاطمة أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يعطيها شيئا فقال يا رسول الله ليس لي شيء فقال له أعطها درعك الحطمية فأعطاها درعه ثم دخل بها " رواه أبو داود وهو دليل على جواز الامتناع من تسليم المرأة ما لم تقبض مهرها

2 - وعن عائشة قالت " أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئا "
- رواه أبو داود وابن ماجه

- حديث ابن عباس صححه الحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري والرواية الثانية منه هي في سنن أبي داود عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل عن ابن عباس كما في الرواية الأولى . وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري إلا أن أبا داود قال خثيمة لم يسمع من عائشة انتهى . وفي شريك مقال . وقال البيهقي وصله شريك وأرسله غيره ( وقد استدل ) بحديث ابن عباس من قال أنه يجوز الامتناع من تسليم المرأة حتى يسلم الزوج مهرها وكذلك للمرأة الامتناع حتى يسمي الزوج مهرها وقد تعقب بأن المرأة إذا كانت قد رضيت بالعقد بلا تسمية أو أجازته فقد نفذ وتعين به مهر المثل ولم يثبت لها الامتناع وإن لم يكن رضيت به بغير تسمية ولا إجازة فلا عقد رأسا فضلا عن الحكم بجواز الامتناع وكذلك يجوز للمرأة أن تمتنع حتى يعين الزوجمهرها ثم حتى يسلمه قيل وظاهر الحديث أن المهر لم يكن مسمى عند العقد وتعقب بأنه يحتمل أنه كان مسمى عند العقد ووقع التأجيل به ولكنه صلى الله عليه وآله وسلم أمره بتقديم شيء منه كرانة للمرأة وتأنيسا . وحديث عائشة المذكور يدل على أنه لا يشترط في صحة النكاح أن يسلم الزوج إلى المرأة مهرها قبل الدخول ولا أعرف في ذلك خلافا . قوله " الحطمية " بضم الحاء المهملة وفتح الطاء المهملة أيضا منسوبة إلى الحطم سميت بذلك لأنها تحطم السيوف وقيل منسوبة إلى بطن من عبد قيس يقال له حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع كذا في النهاية

باب حكم هدايا الزوج للمرأة وأوليائها

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد العصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما يكرم عليه الرجل ابنته وأخته "
- رواه الخمسة إلا الترمذي

- الحديث سكت عنه أبو داود وأشار المنذري إلى أنه من رواية عمرو بن شعيب وفيه مقال معروف قد تقدم بيانه في أوائل هذا الشرح ومن دون عمرو بن شعيب ثقات وفيه دليل على أن المرأة تستحق جميع ما يذكر قبل العقد من صداق أو حباء وهو العطاء أو عدة بوعد ولو كان ذلك الشيء مذكورا لغيرها وما يذكر بعد عقد النكاح فهو لمن جعل له سواء كان وليا أو غير ولي أو المرأة نفسها . وقد ذهب إلى هذا عمر بن عبد العزيز والثوري وأبو عبيد ومالك والهادوية . وقال أبو يوسف أن ذكر قبل العقد لغيرها استحقه . وقال الشافعي إذا سمي لغيرها كانت التسمية فاسدة وتستحق مهر المثل وقد وهم صاحب الكافي فقالف أنه لم يقل بالقول الأول إلا الهادي وإن ذلك القول خلاف الإ ] ماع قال والصحيح أن ما شرطه الولي لنفسه سقط وعليه عامة السادة والفقهاء وقد عرفت من قال بذلك وأنه الظاهر من الحديث . قوله " وأحق ما يكرم عليه " الخ فيه دليل على مشروعية صلة أقارب الزوجة وإكرامهم والإحسان إليهم وأن ذلك حلال لهم وليس من قبيل الرسوم المحرمة إلا أن يمتنعوا من التزويج إلا به

كتاب الوليمة والبناء على النساء وعشرتهن

باب استحباب الوليمة بالشاة فأكثر وجوازها بدونها

1 - قال صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الرحمن " أولم ولو بشاة "

2 - وعن أنس قال " ما أولم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب أولم بشاة "
- متفق عليه

3 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولم على صفية بتمر وسويق "
- رواه الخمسة إلا النسائي

4 - وعن صفية بنت شيبة أنها " قالت أولم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير "
- أخرجه البخاري هكذا مرسلا

5 - وعن أنس في قصة صفية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل وليمتها التمر والأقط والسمن "
- رواه أحمد ومسلم . وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني بصفية فدعون المسلمين إلى وليمنته ما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها الا أن أمر بالأنطاع فالقي عليها ما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها إلا أن أمر بالإنطاع فبسطت فالقي عليها التمر والأقط والسمن فقال المسلمون إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه فقالوا أن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومد الحجاب " متفق عليه
حديث " أولم ولو بشاة " قد تقدم في أول كتاب الصداق . وحديث أنس الثاني أخرجه أيضا ابن حبان . قوله " أولم " قال الأزهري الوليمة مشتقة من الولم وهو الجمع لأن الزوجين يجتمعان . وقال ابن الأعرابي أصلها تمام الشيء واجتماعه وتقع على كل طعام يتخذ لسرور وتستعمل في وليمة الأعراس بلا تقييد وفي غيرها مع التقييد فيقال مثلا وليمة مأدبة هكذا . قال بعض الفقهاء وحكاه في الفتح عن الشافعي وأصحابه وحكى ابن عبد البر عن أهل اللغة وهو المنقول عن الخليل وثعلب وبه جزم الجزهري وابن الأثير أن الوليمة هي الطعام في العرس خاصة قال ابن رسلان وقول أهل اللغة أقوى لأنهم اللسان وهو أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب انتهى . ويمكن أن يقال الوليمة في اللغة وليمة العرس فقط وفي الشرع للولائم المشروعة . وقال في القاموس طعام العرس أوكل طعام صنع لدعوة وغيرها وأولم صنعها . وقال صاحب المحكم الوليمة طعام العرس والأملاك وسيأتي تفسير الولائم وظاهر الأمر الوجوب وقد روى القول به القرطبي عن مذهب مالك وقال مشهور المذهب أنها مندوبة وروى ابن التين الوجوب أيضا عن مذهب مالك وقال مشهور المذهب أنها مندوبة وروى ابن التين الوجوب أيضا عن مذهب أحمد لكن الذي في المغنى أنها سنة وكذلك حكي الوجوب في البحر عن أحد قولي الشافعي وحكاه ابن الحزم عن أهل الظاهر وقال سليم الرازي أنه ظاهر نص الأم ونقله أبو إسحاق الشيرازي عن النص وحكاه في الفتح أيضا عن بعض الشافعية وبهذا يظهر ثبوت الخلاف في الوجوب لا كما قال ابن بطال ولا أعلم أحدا أوجبها وكذا قال صاحب المغني ومن جملة ما استدل به من أوجبها ما أخرجه الطبراني من حديث وحشي بن حرب رفعه " الوليمة حق " وفي مسلم " شر الطعام طعام الوليمة ثم قال وهو حق " وفي رواية لأبي الشيخ والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة رفعه " الوليمة حق وسنة فمن دعى إليها فلم يجب فقد عصى " وأخرج أحمد من حديث بريدة قال لما خطب على فاطمة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا بد للعروس من وليمة قال الحافظ وسنده لا بأس به قال ابن بطال قوله حق أي ليست بباطل بل يندب إليها وهي سنة فضيلة وليس لمراد بالحق الوجوب وأيضا هو طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة والأمر محمول على الاستحباب ولكونه أمر بشاة وهي غير واجبة اتفاقا . قال في الفتح وقد اختلف السلف وفي وقتها هل هو عند العقد أو عقبة أو عند الدخول أو عقبة أو يوسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول على أقوال قال النووي اختلفوا فحكي القاضي عياض أن الأصح عند المالكية استحبابها بعد الدخول وعن جماعة منهم عند العقد . وعن ابن جندب عند العقد وبعد الدخول قال السبكي والمنقول من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أ ها بعد الدخول انتهى . وفي حديث أنس عند البخاري وغيره التصريح بأنها بعد الدخول لقوله أصبح عروسا بزينب فدعا القوم : قوله " ولو بشاة " لو هذه ليست إلا متناعية وإنما هي التي للتقليل ( وفي الحديث ) دليل على أن الشاة أقل ما يجزي في الوليمة عن الموسر ولولا ثبوت أنه صلى الله عليه وآله وسلم أو لم على بعض نسائه بأقل من الشاة لكان يمكن أن يستدل به على أن الشاة أقل ما يجزي في الوليمة مطلقا ولكن هذا الأمر من خطاب الواحد وفي تناوله لغيره خلاف في الأصول معروف
قال القاضي عياض وأجمعوا على أنه لأحد لأكثر ما يولم به وأما أقله فكذلك ومهما تيسير أجزأ والمستحب أنها على قدر حال الزوج : قوله " ما أولم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على شيء من نسائه " الخ هذا محمول على ما انتهى إليه علم أنس أو لما وقع من البركة في وليمتها حيث أشبع خبزا ولحما من الشاة الواحدة وإلا فالذي يظهر أنه أو لم على ميمونة بنت الحرث التي تزوجها في عمرة القضية بمكة وطلب من أهل مكة أن يحضروا وليمتها فامتنعوا أن يكون ما أولم به عليها أكثر من شاة لوجود التوسعة عليه في تلك الحال لأن ذلك كان بعد فتح خيبر وقد وسع الله على المسلمين في فتحها عليهم هكذا في الفتح وما ادعاه من الظهور ممنوع لأن كونه دعا أهل مكة لا يستلزم أن تكون تلك الوليمة بشاة أو بأكثر منها بل غايته أن يكون فيها طعام كثير يكفي من دعاهم مع أنه يمكن أن يكون في تلك الحال الطعام الذي دعاهم إليه قليلا ولكنه يكفي الجميع بتبريكه صلى الله عليه وآله وسلم عليه فلا تدل كثرة المدعوين على كثرة الطعام ولا سيما وهو في تلك الحال مسافر فإن السفر مظنة لعدم التوسعة في الوليمة الواقعة فيه فيعارض هذا مظنة التوسعة لكون الوليمة واقعة بعد فتح خيبر . قال ابن بطال لم يقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم القصد إلى تفضيل بعض النساء على بعض بل باعتبار ما اتفق وأنه لو وجد الشاة في كل منهن لأولم بها لأنه كان أجود الناس ولكن كان لا يبالغ فيما يتعلق بأمور الدنيا في التأنق وقال غيره يجوز أن يكون فعل ذلك لبيان الجواز وقال الكرماني لعل السبب في تفضيل زينب في الوليمة على غيرها كان الشكر لله على ما أنعم به عليه من تزويجه أياها بالوحي . وقال ابن المنير يؤخذ من تفضيل بعض النساء على بعض في الوليمة جواز تخصيص بعضهن دون بعض في الأتحاف والألطاف : قوله " وعن صفية بنت شيبة " صفية هذه ليست بصحابية وحديثها مرسل وقد رواه البعض عنها عن عائشة ورجح النسائي قوله من لم يقل يقل عن عائشة ولكنه قد روى البخاري عنها في كتاب الحج أنها قالت " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وقد ضعف ذلك المزي بأنه مروى من طريق أبان بن صالح زكذلك صرح بتضعيفه ابن عبد البر في التمهيد ويجاب بأنه قد وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم حتى قال الذهبي في مختصر التهذيب ما رأيت أحدا ضعف إبان بن صالح ومما يدل على ثبوت صحبتها ما أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديثها " قالت طاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على بعير يستلم الحجر بمحجن وأنا أنظر إليه " قال المزي هذا يضعف قول من أنكر أن يكون لها رؤية فإن إسناده حسن فيحتمل أن يكون مراد من أطلق أنه مرسل يعني من مراسيل الصحابة لأنها ما حضرت قصة زواج المرأة المذكورة في الحديث لأنها كانت بمكة طفلة أو لم تولد بعد والتزوج كان بالمدينة قوله " على بعض نسائه " قال الحافظ لم أقف على تعيين اسمها صريحا وأقرب ما يفسر به أم سلمة فقد أخرج ابن سعد عن شيخة الواقدي بسنده إلى أم سلمة " قالت لما خطبني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر قصة تزويجه قالت فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت شيئا من إهالة فادمته فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
وأخرج ابن سعد أيضا بإسناد صحيح إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث إن أم سلمة أخبرته فذكرت قصة خطبتها وقصة الشعير : قوله " يبني بصفية " أصله يبنى خباء جديدا مع صفية أو بسببها ثم استعمل البناء في الدخول بالزوجة يقال بني الرجل بالمرأة أي دخل بها ( وفيه دليل ) على أنها تؤثر المرأة الجديدة ولو في السفر : قوله " التمر والأقط والسمن " هذه الأمور الثلاثة إذا خلط بعضها بعض سميت حيسا : قوله " بالانطاع " جمع نطع بفتح النون وكسرها مع فتح الطاء واسكانها أفصحهن كسر النون مع فتح الطاء والأقط بفتح الهمزة وكسر القاف وقد تسكن بعدها طاء مهملة وقد تقدم تفسيره في الفطرة وفي هذه القصة دليل على اختصاص الحجاب بالحرائر من زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم لجعل الصحابة رضي الله عنهم الحجاب أمارة كونها حرة

باب إجابة الداعي

1 - عن أبي هريرة قال " شر الطعام طعام الوليمة تدعي لها الأغنياء وتترك الفقراء ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله "
- متفق عليه . وفي رواية قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ومن لم يجب فقد عصي الله ورسوله " رواه مسلم

2 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها وكان ابن عمر يأتي الدعوة في العرص وغير العرس ويأتيها وهو صائم "
- متفق عليه . وفي رواية " إذا دعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها " متفق عليه ورواه أبو داود وزاد " فإن كان مفطر فليطعم وإن كان صائما فليدع " وفي رواية " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من دعى فلم يجب فقد عصى الله لفظ " إذا دعا أحدكم أخاه فليجب " رواه أحمد ومسلم وأبو داود . وفي لفظ " إذا دعى أحدكم إلى وليمة عرس فليجب " وفي لفظ " من دعى إلى عرس أو نحوه فليجب " رواهما مسلم وأبو داود

3 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه وقال فيه " وهو صائم "

4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعى أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا فليطعم "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود . وفي لفظ " إذا دعي أحدكم إلى الطعام وهو صائم فليقل أني صائم " رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي

5 - وعن أبي هريرة عن " النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعى أحدكم إلى الطعام فجاء مع الرسول فذلك له أذن "
- رواه أحمد وأبو داود

- الرواية التي أنفرد بها أبو داود بلفظ " ومن دخل على غير دعوة دخل سارقا " الخ في إسنادها أبان بن طارق البصرى سئل عنه أبو زرعة الرازي فقال شيخ مجهول وقال أبو أحمد بن عدي وابان بن طارق لا يعرف الا بهذا الحديث وهذا الحديث معروف به وليس له أنكر من هذا الحديث . وفي إسناده أيضا درست بن زياد ولا يحتج بحديثه ويقال هو درست بن حممزة وقيل بل هما أثنان ضعيفان . وحديث أبي هريرة الآخر رجال إسناده ثقات لكنه قال أبو داود يقال قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئا . قوله " شر الطعام طعام الوليمة " إنما سماه شرا لما ذكره عقبه فكأنه قال شر الطعام الذي شأنه كذا . وقال الطيبي اللام في الوليمة للعهد إذ كان من عادة الجاهلية أن يدعوا الأغنياء ويتركوا الفقراء وقوله " يدعي " الخ استنئاف وبيان لكونها شر الطعام وقال البيضاوي من مقدرة كما يقال شر الناس من أكل وحده أي من شرهم : قوله " تدعى " الخ الجملة في موضع الحال . ووقع في رواية للطبراني من حديث ابن عباس " بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجيعان " قوله " فقد عصى الله ورسوله " احتج بهذا من قال بوجوب الإجابة إلى الوليمة لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب وقد نقل ابن عبد البر والقاضي عياض والنووي الاتفاق على وجوب الإجابة لوليمة العرس . قال في الفتح وفيه نظر نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين ونص عليه مالك . وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب وعن بعض الشافعية والحنابلة هي فرض كفاية . وحكى في البحر عن العترة والشافعية أن الإجابة إلى وليمة العرس مستحبة كغيرها ولم يحك الوجوب إلا عن أحد قولي الشافعي فانظركم التفاوت بين من حكى الإجماع على الوجوب وبين من لم يحكه إلا عن قول لبعض العلماء الظاهر الوجوب للأوامر الواردة بالإجابة من غير صارف لها عن الوجوب ولجعل الذي لم يجب عاصيا وهذا في وليمة شرعا كما سلف في أول الباب كانت الإجابة إليها واجبة " لا يقال " ينبغي حمل مطلق الوليمة على الوليمة المقيدة بالعرس كما وقع في رواية حديث ابن عمر المذكور بلفظ " إذا دعى أحدكم إلى وليمة عرس فليجب " ( لانا نقول ) ذلك غير ناتج للتقييد لما وقع في الرواية المتعقبة لهذه الرواية بلفظ من دعى إلى عرس أو نحوه وأيضا قوله " من لم يجب الدعوة فقد عصيي الله " يدل على وجوب الإجابة إلى غير وليمة العرس . قال في الفتح وأما الدعوة فهي أعم من الوليمة وهي بفتح الدال على المشهور وضمها قطرب في مثلثاته وغلطوه في ذلك على ما قال النووي . وقال في الفتح أيضا في باب آخر والذي يظهر من اللام في الدعوة للعهد من الوليمة المذكورة أولا . قال وقد تقدم أن الوليمة إذا اطلقت حملت على طعام العرس بخلاف سائر الولائم فإنها تقيد انتهى . ويجاب أولا بأن هذا مصادرة على المطلوب لأن الوليمة المطلقة هي محل النزاع وثانيا بأن في أحاديث الباب ما يشعر بالإجابة إلى كل دعوة ولا يمكن فيه ما ادعاه في الدعوة وذلك نحو ما في رواية ابن عمر بلفظ " من دعى فلم يجب فقد عصى الله " وكذلك قوله " من دعى إلى عرص أو نحوه فليجب " وقد ذهب إلى وجوب الإجابة مطلقا بعض الشافعية ونقله عبد البر عن عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة وزعم ابن حزم أنه قال جمهور الصحابة والتابعين
وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية وبالغ السرخسي منهم فنقل فيه الإجماع وحكاه البحر عن العترة ولكن الحق ما ذهب إليه الأولون لما عرفت قال في الفتح بعد أن حكى وجوب الإجابة إلى وليمة العرس إن شرط وجوبها أن يكون الداعي مكلفا حرا رشيدا وأن لا يختص الأغنياء دون الفقراء وأن لا يظهر قصد التودد لشخص لرغبة فيه أو رهبة منه وأن يكون الداعي مسلما على الأصح وأن يختص باليوم الأول وعلى المشهور وأن لا يسبق فمن سبق تعينت الإجابة له دون الثاني وأن لا يكون هناك ما يتأذى بحضوره من منكر أو غيره وأن لا يكون له عذر وسيأتي البحث عن أدلة هذه الأمور إن شاء الله تعالى : قوله " دخل سارقا وخرج مغيرا " بضم الميم وكسر الغين المعجمة اسم فاعل من أغار يغير إذا نهب مال غيره فكأنه شبه دخوله على الطعام الذي لم يدع إليه بدخول السارق الذي يدخل بغير أرادة المالك لأنه اختفى بين الداخلين وشبه خروجه بخروج من نهب قوما وخرج ظاهرا بعد ما أكل بخلاف الدخول فإنه دخل مختفيا خوفا من أن يمنع وبعد الخروج قد قضي حاجته فلم يبق له حاجة إلى التستر " قوله فإن شاء طعم " بفتح الطاء وكسر العين أي أكل . قوله " وإن شاء ترك " فيه دليل على إن نفس الأكل لا يجب على المدعي في عرس أو غيره وإنما الواجب الحضور وصحح النووي وجوب الأكل ورجحه أهل الظاهر ولعل متمسكه ما في الرواية الأخرى من قوله " وإن كان مفطرا فليطعم " قوله " فإن كان صائما فليصل " وقع في رواية هشام بن حسان في آخره والصلاة الدعاء ويؤيده ما وقع عند أبي داود من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر بن نافع في آخر الحديث المرفوع " فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليدع " وهو يرد قول بعض الشراح أنه محمول على ظاهره وإن المراد فليشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها ويحصل لأهل المنزل والحاضرين بركتها ويرده أيضا حديث " لا صلاة بحضرة طعام " ( وفي الحديث ) دليل على أنه يجب الحضور على الصائم ولا يجب عليه الأكل ولكن هذا بعد أن يقول للداعي أني صائم ما في الرواية الأخرى فإن عذره من الحضور بذلك وإلا حضر وهل يستحب له أن يفطر ان كان صومه تطوعا قال أكثر الشافعية وبعض الحنابلة إن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالأفضل الفطر وإلا فالصوم واطلق الروباني استحباب الفطر وهذا على رأي من يجوز الخروج من صوم النفل وأما من يوجب الأستمرار فيه بعد التلبس به فلا يجوز قوله " فذلك أذن له " فيه دليل على أنه لا يجب الأستئذان على المدعو إذا كان معه رسول الداعي وإن كون الرسول معه بمنزلة الأذن

باب ما يصنع إذا اجتمع الداعيان

1 - عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا أجتمع الداعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا فإذا سبق أحدهما فأجب الذي سبق "
- رواه أحمد وأبو داود

2 - وعن عائشة " أنها سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت إن لي جارين فإلى أيهما أهدي فقال إلى أقربهما منك بابا "
- رواه أحمد والبخاري

- الحديث الأول في إسناده أبو خالد يزيد بن عبد الرحمن المعروف بالدالاني وقد وثقه أبو حاتم الرازي وقال الإمام أحمد لا بأس به . وقال ابن معين ليس به بأس . وقال ابن حبان لا يجوز الأحتجاج به . وقال ابن عدي في حديثه لين الا أنه يكتب حديثه وحكى عن شريك أنه قال كان مرجئا وقال في التلخيص إن إسناد هذا الحديث ضعيف ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من رواية حميد بن عبد الرحمن عن أبيه وقد جعل الحافظ حديث عائشة المذكور شاهدا للحديث الأول ووجه ذلك إن ايثار الأقرب بالهدية يدل على أنه أحق من الأبعد في الإحسان إليه فيكون أحق منه بإجابة دعوته مع اجتماعهما في وقت واحد فإن تقدم أحدهما كان أولى بالإجابة من الآخر سواء كان السابق هو الأقرب أو الأبعد فالقرب وإن كان سببا للإيثار ولكنه لا يعتبر الا مع عدم السبق فإن وجد السبق فلا اعتبار بالقرب فإن وقع الأستواء في قرب الدار وبعدها مع الأجتماع في الدعوة فقال الإمام يحيى يقرع بينهما وقد قيل أن من مرجحات الإجابة لأحد الداعيين كونه رحما أو من أهل العلم أو الورع أو القرابة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم

باب إجابة من قال لصاحبه ادع من لقيت وحكم الإجابة في اليوم الثاني والثالث

1 - عن أنس قال " تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخل بأهله فصنعت أمي أم سليم حيسا فجعلته في تور فقالت يا أنس أذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذهبت به قال ضعه ثم قال أذهب فادع لي فلانا وفلانا ومن لقيت فدعوت من سمي ومن لقيت "
- متفق عليه ولفظه لمسلم

- قوله " حيسا " بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها سين مهملة وهو ما يتخذ من الأقط والسمن وقد يجعل عوض الأقط الدقيق . قوله " في تور " يفتح الفوقية وسكون الواو وآخره راء مهملة وهو إناء من نحاس أوغيره ( والحديث ) فيه دليل على جواز الدعوة إلى الطعام على الصفة التي أمر بها صلى الله عليه وآله وسلم من دون تعيين المدعو وفيه جواز إرساله الصغير إلى من يريد المرسل دعوته إلى طعامه وقبول الهدية من المرأة الأجنبية ومشروعية هدية الطعام وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه قد روى إن ذلك الطعام كفى جميع من حضر إليه وكانوا جميعا كثيرا مع كونه شيئا يسيرا كما يدل على ذلك قوله فجعلته في تور وكون الحامل له ذلك الصغير

2 - وعن قتادة عن الحسن عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل من ثقيف يقال أن له معروفا وأثني عليه قتادة إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوليمة أول يوم حق واليوم الثاني معروف واليوم الثالث سمعة ورياء "
- رواه أحمد وأبو داود ورواه الترمذي من حديث ابن مسعود وابن ماجه من حديث أبي هريرة

- الحديث الأول أخرجه أيضا النسائي والدارمي والبزار وأخرجه البغوي في معجم الصحابة فيمن اسمه زهير قال ولا أعلم له غيره وقال ابن عبد البر في إسناده نظر يقال أنه مرسل وليس له غيره وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير في ترجمة زهير بن عثمان وقال لا يصح إسناده ولا يعرف له صحبة ووهم ابن قانع فذكره في الصحابة فيمن اسمه معروف وذلك أنه وقع في السنن والسمند عن رجل من ثقيف كان يقال له معروفا أي يثني عليه وحديث ابن مسعود استغر به الترمذي . وقال الدارقطني تفرد به زياد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عنه قال الحافظ وزياد مختلف في الأحتجاج به ومع ذلك فسماعه عن عطاء بعد الأختلاط . وحديث أبي هريرة في في إسناده عبد الملك بن حسين النخعي الواسطي قال الجافظ ضعيف وفي الباب عن أنس عند البيهقي وفي إسناده بكر بن خنيس وهو ضعيف وذكر ابن أبي حاتم والدارقطني في العلل من حديث الحسن عن أنس ورجحا رواية من أرسله عن الحسن ( وفي الباب ) أيضا عن وحشي بن حرب عند الطبراني بإسناد ضعيف وعن ابن عباس عنده أيضا بإسناد كذلك ( الحديث ) فيه دليل على مشروعية الوليمة في اليوم الأول وهو من متمسكات من قال بالوجوب كما سلف وعدم كراهتها في اليوم الثاني لأنها معروف والمعروف ليس بمنكر ولا مكروه وكراهتها في اليوم الثالث لأن الشيء إذا كان للسمعة والرياء لم يكن حلالا . قال النووي إذا أولم ثلاثا فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة وفي الثاني لا تجب قطعا ولا يكون استحبابها فيه كاستحبابها في اليوم الأول انتهى . وذهب بعض العلماء إلى الوجوب في اليوم الثاني وبعضهم إلى الكراهة وإلى كراهة الإجابة في اليوم الثالث ذهبت الشافعية والحنابلة والهادوية وأخرج ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام فلما كان يوم الانصار دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهما فكان أبي صائما فلما طعموا دعا أبي . وأخرجه عبد الرزاق وقال فيه ثمانية أيام . وقد ذهب إلى استحباب الدعوة إلى سبعة أيام المالكية كما حكى ذلك القاضي عياض عنهم وقد أشار البخاري إلى ترجيح هذا المذهب فقال باب إجابة الوليمة والدعوة ومن أولم سبعة أيام ولم يؤقت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما ولا يومين انتهى ولا يخفى أن أحاديث الباب يقوى بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها على أن الدعوة بعد اليومين مكروهة

باب من دعي فرأى منكرا فلينكره وإلا فليرجع

1 - قد سبق قوله " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه "

2 - وعن علي رضي الله عنه قال " صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع "
- رواه ابن ماجه

3 - وعن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن مطعمين عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل وهو منبطح "
- رواه أبو داود

4 - وعن عمر قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بازار ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا دخل الحمام "
- رواه أحمد . ورواه البخاري بمعناه من رواية جابر وقال حديث حسن غريب قال أحمد وقد خرج أبو أيوب حين دعاه ابن عمر فرأي البيت قد ستر ودعي حذيفة فخرج وإنما رأى شيئا من زي الأعاجم . قال البخاري ورأى ابن مسعود صورة في البيت فرجع

- الحديث الأول الذي أشار المصنف إليه قد سبق في باب خطبة العيد وأحكامها من كتاب العيدين . وحديث علي أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح وسياقه هكذا حدثنا أبو كريب قال حدثنا وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن علي فذكره . وتشهد له أحاديث قد تقدمت في الباب حكم مافيه صورة من الثياب من كتاب اللباس . وحديث ابن عمر أخرجه أيضا النسائي والحاكم وهو من رواية جعفر بن برقان عن الزهري ولم يسمع منه وقد أعل الحديث بذلك أبو داود والنسائي وأبو حاتم ولكنه قد روى أحمد والنسائي والترمذي والحاكم عن جابر مرفوعا " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر " وأخرجه أيضا الترمذي من طريق ليث بن أبي سليم عن طاوس عن جابر . وهذا الحديث هو الذي أشار إليه المصنف وقد حسنه الترمذي وقال الحافظ جيد . وأما الطريق الأخرى التي أنفرذ بها الترمذي فإسنادها ضعيف . وأخرج نحوه البزار من حديث أبي سعيد والطبراني من حديث ابن عباس وعمران بن حصين . وحديث عمر إسناده ضعيف كما قاله الحافظ في التلخيص وأثر أبي أيوب رواه البخاري في صحيحه معلقا بلفظ " ودعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت سترا فقال غلبنا عليه النساء فقال من كنت أخشي عليه فلم أكن أخشى عليك والله لا أطعم لكم طعاما فرجع " وقد وصله أحمد في كتاب الورع ومسدد في مسنده والطبراني وأثر ابن مسعود قال الحافظ كذا في رواية المستملى والأصيلي والقابسي . وفي رواية الباقين أبو مسعود والأول تصحيف فيما أظن فأني لم أر الأثر المعلق الا عن أبي مسعود عقبة بن عمرو أخرجه البيهقي من طريق عدي بن ثابت عن خالد بن سعد عن أبي مسعود وسنده صحيح وخالد بن سعد هومولى أبي مسعود الأنصاري ولا أعرف له عن عبد الله بن مسعود رواية ويحتمل أن يكون ذلك وقع لعبد الله بن مسعود أضا لكن لم أقف عليه . وأخرج أحمد في كتاب الزهد من طريق عبد الله بن عتبة قال " دخل ابن عمر بيت رجل دعاه إلى عرس فإذا بيته قد ستر بالكرور فقال ابن عمر يافلان متى تحولت الكعبة في بيتك فقال لنفر معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليهتك كل رجل ما يليه " ( وأحاديث ) الباب وآثاره فيها دليل على أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر مما نهى الله ورسوله عنه لما في ذلك اظهار الرضا بها . قال في الفتح وحاصله ان كان هناك محرم وقدر على إزالته فإزاله فلا بأس وإن لم يقدر فليرجع وإن كان مما يكره كراهة تنزيه فلا يخفى الورع . قال وقد فصل العلماء في ذلك فإن كان هناك لهو مما اختلف فيه فيجوز الحضور والأولى الترك وإن كان هناك حرام كشرب الخمر نظر فإن كان المدعو ممن إذا حضر رفع لاجله فليحضر وان لم يكن كذلك ففيه للشافعية وجهان أحدهما يحضر وينكر بحسب قدرته وإن كان الأولى أن لا يحضر قال البيهقي وهو ظاهر نص الشافعي وعليه جرى العراقيون من أصحابه وقال صاحب الهداية من الحنفية لا بأس أن يقعد ويأكل إذا لم يقتدي به فإن كان ولم يقدر على منعهم فليخرج لما فيه من شين الدين وفتح باب المعصية وحكى عن أبي حنيفة أنه قعد وهو محمول على أنه وقع له ذلك قبل أن يصير مقتدى به قال وهذا كله بعد الحضور فإن علم قبله لم يلزمه الإجابة . والوجه الثاني للشافعية تحريم الحضور لأنه كالرضا بالمنكر وصححه المروزي فإن لم يعلم حتى حضر فلينههم فإن لم ينتهوا فليخرج الا أن خاف على نفسه من ذلك وعلى ذلك جرى الحنابلة وكذا اعتبر المالكية في وجوب الأجاب أن لا يكون هناك منكر وكذلك الهادوية وحكى ابن بطال وغيره عن مالك أن الرجل إذا كان من أهل الهيبة لا ينبغي له أن يحضر موضعا فيه لهو أصلا ويؤيد منع الحضور حديث عمران بن حصين " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن إجابة طعام الفاسقين " أخرجه الطبراني في الأوسط
قوله " فلا يدخل الحمام " الخ قد تقدم الكلام على ذلك في باب ما جاء في دخول الحمام من كتاب الغسل قوله " فرأى البيت قد ستر " اختلف العلماء في حكم ستر البيوت والجدران فجزم جمهور الشافعية بالكراهة . وصرح الشيخ نصر الدين المقدسي منهم بالتحريم واحتج بحديث عائشة عند مسلم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين وجذب الستر حتى هتكه " قال البيهقي هذه اللفطة تدل على كراهة ستر الجدر وان كان في بعض الفاظ الحديث ان المنع كان بسبب الصورة وقال غيره ليس في السياق ما يدل على التحريم وإنما فيه نفي الأمر بذلك ونفي الأمر لا يستلزم ثبوت النهي لكن يمكن أن يحتج بفعله صلى الله عليه وآله وسلم في هتكه . وقد جاء عن ستر الجدر صريحا منها في حديث ابن عباس عند أبي داود وغيره " لا تستروا الجدر بالثياب " وفي إسناده ضعيف وله شاهد مرسل عن علي بن الحسين أخرجه ابن وهب ثم البيهقي من طريقه وعند سعيد بن منصور من حديث سلمان موقوفا أنه أنكر ستر البيت وقال أمحموم بيتكم وتحولت الكعبة عندكم ثم قال لا أدخله حتى يهتك . وأخرج الحاكم والبيهقي من حديث محمد بن كعب عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه رأى بيتا مستورا فقعد وبكى وذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه " كيف بكم إذا سترتم بيوتكم " الحديث وأصله في النسائي

باب حجة من كره النثار والانتهاب منه

1 - عن زيد بن خالد " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينهي عن النهبة والخلس "
- رواه أحمد

2 - وعن عبد الله بن يزيد الأنصاري " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المثلة والنهبي "
- رواه أحمد والبخاري

3 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من انتهب فليس منا "
- رواه أحمد والترمذي وصححه وقد سبق من حديث عمران بن حصين مثله

- حديث زيد بن خالد قال في مجمع الزوائد أخرجه أحمد والطبراني وفي إسناده رجل لم يسم . وحديث عمر ان قد تقدم وتقدم في شرحه الكلام عليه وعلى النثار ( والحاصل ) إن أحاديث النهي عن النهبي ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طريق جماعة من الصحابة في الصحيح وغيره وهي تقتضي تحريم كل انتهاب ومن جملة ذلك انتهاب النثار ولم يأت ما يصلح لتخصيصه ولو صح حديث جابر الذي أورده الجويني وصححه وأورده الغزالي والقاضي حسين من الشافعية لكان مخصصا لعموم النهي عن النهبي ولكنه لم يثبت عند أئمة الحديث المعتبرين حتى قال الحافظ أنه لا يوجد ضعيفا فضلا عن صحيح والجويني وإن كان من أكابر العلماء فليس هو من علماء الحديث وكذلك الغزالي والقاضي حسين وإنما هم من الفقهاء الذي لا يميزون بين الموضوع وغيره كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة واطلاع على مؤلفات هؤلاء . ولفظ حديث جابر عندهم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حضر في أملاك فأتى بأطباق فيها جوز ولوز فنثرت فقبضنا أيدينا فقال مال كم لا تأخذون فقالوا إنك نهيت عن النهبى فقال إنما نهيتكم عن نهبى العساكر خذوا على اسم الله فتجاذبناه " ولكنه قد روى هذا الحديث البيهقي من حديث معاذ بن جبل بإسناد ضعيف منقطع ورواه الطبراني من حديث عائشة عن معاذ وفيه بشر بن إبراهيم المفلوح قال ابن عدي هو عندي ممن يضع الحديث وساقه العقيلي من طريقه ثم قال لا يثبت في الباب شيء وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ورواه أيضا من حديث أنس وفي إسناده خالد بن اسمعيل قال ابن عدي يضع الحديث وقال غيره كذاب . وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن الحسن والشعبي أنهما كانا لا يريان به بأسا وأخرج كراهيته . عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وعكرمة قال في البحر فصل والنثار بضم النون وكسرها ما ينثر في النكاح أو غيره مسألة الحسن البصري في القاسم وأبو حنيفة وأبو عبيد وابن المنذر من أصحاب الشافعي وهو مباح إذ ما نثره مالكه إلا إباحة له ؟ ؟ الأمام يحيى ؟ ؟ ولا قول للهادي فيه لا نصا ولا تخريجا عطاء وعكرمة وابن أبي ليلى وابن شبرمة ثم الشافعي ومالك بل يكره لمنافاته المروءة والوقار الصميري يندب ويكره الانتهاب لذلك قلت ندبهما لخير جابر انتهى . وقد تقدم في باب من أذن في انتهاب أضحيته من أبواب الضحايا حديث جعله المصنف حجة لمن رخص في النثار

باب ما جاء في إجابة دعوة الختان

1 - عن الحسن قال " دعي عثمان ابن أبي العاص إلى ختان فأبي أن يجيب فقيل له فقال انا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولاندعي له "
- رواه أحمد

- الأثر هو في مسند أحمد بإسناد لا مطعن فيه الا أن فيه ابن إسحاق وهوثقة ولكنه مدلس وقد أخرجه الطبراني في الكبير بإسناد أحم وأخرجه ايضا بإسند آخر في حمزة العطار وثقه ابن أبي حاتم وضعفه غيره . وقد استدل به على عدم مشروعية إجابة وليمة الختان لقوله " كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وقد قدمنا إن مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وجوب الإجابة إلى سائر الولائم وهي على ما ذكره القاضي عياض والنووي ثمان . الأعذار بعين مهملة وذال معجمة للختان . والعقيقة للولادة . والخرس بضم المعجمة وسكون الرء بعدها السين المهملة لسلامة المرأة من الطلق وقيل هو طعام الولادة . والعقيقة مختص بيوم السابع . والنقيعة لقدوم المسافر مشتقة من النقع وهو الغبار . والوكيرة للمسكن المتجدد مأخوذ من الوكير وهو المأوى . والمستقر والوضيمة . بضاد معجمة لما يتخذ عند المصيبة . والمأدبة لما يتخذ بلا سبب ودالها مضمومة ويجوز فتحها انتهى . وقد زيد وليمة الاملاك وهو التزوج ووليمة الدخول وهو العرس وقل من غاير بينهما ومن الولائم الأحذاق بكسر الهمزة وسكون المهملة وتخفيف الذال المعجمة وآخره قاف الطعام الذي يتخذ عند حذق الصبي ذكره ابن الصباغ في الشامل وقال ابن الرفعة هو الذي يصنع عند ختم القرآن . وذكر المحاملي في الولائم العتيرة بفتح المهملة ثم مثناة مكسورة وهي شاة تذبح في أول رجب وتعقب بأنها في معنى الأضحية فلامعنى لذكرها مع الولائم قيل ومن جملة الولائم تحفة الزائر

باب الدف واللهو في النكاح

1 - عن محمد بن حاطب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح "
- رواه الخمسة إلا أبا داود . وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أعلنوا هذا النكاح وأضربوا عليه بالغربال " روه ابن ماجه . 3 - وعن عائشة " أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما معكم من لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو "
- رواه أحمد والبخاري

4 - وعن عمرو بن يحيى المازني عن جده أبي حسن " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره نكاح السر تى يضرب بدف ويقال أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم "
- رواه عبد الله بن أحمد وفي المسند

5 - وعن ابن عباس قال " أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أهديتكم الفتاة قالوا نعم قال أرسلتم معها من يغني قالت لا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الأنصار قوم فيها غزل فلو بعثتم معها من يقول أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم "
- رواه ابن ماجه

6 - وعن خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ قالت " دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداة بني علي فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويرات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائي يوم بدر حتى قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تقولي هكذا وقولي كما كنت تقولين "
- رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي

- حديث محمد بن حاطب حسنه الترمذي قال ومحمد بن حاطب قد رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو صغير وأخرجه الحاكم . وحديث عائشة في إسناده خالد بن الياس وهو متروك وقد أخرجه أيضا الترمذي بلفظ " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف " قال الترمذي هذا حديث غريب وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث وعيسى بن ميمون الذي يروي عن ابن أبي نجيح هو ثقة انتهى . وقد روى الترمذي هذا الحديث من طريق الأول . وأخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده خالد بن الياس وهو منكر الحديث . وحديث عمرو بن يحيى سياقه في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا الأجلح عن أبي الزبير عن ابن عباس فذكره والأجلح وثقه ابن معين العجلي وضعفه النسائي وبقية رجال الإسناد رجال الصحيح يشهد له حديث ابن عباس المذكور : وحديث ابن عباس في إسناده الحسين بن عبد الله بن ضميرة قال في مجمع الزوائد وهو متروك وأخرجه أيضا الطبراني وابو الشيخ ( وفي الباب ) عن عامر بن سعد قال دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس " وإذا جوار يغنين فقلت أي صاحبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل بدر يفعل هذا عندكم فقالا أجلس إن شئت فاستمع معنا وإن شئت فأذهب فإنه قد رخص لنا اللهو عند العرس " أخرجه النسائي والحاكم وصححه وأخرج الطبراني من حديث السائب بن يزيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص في ذلك " قوله الدف والصوت أي ضرب الدف ورفع الصوت . وفي ذلك دليل على أنه يجوز في النكاح ضرب الأدفاف ورفع الأصوات بشيء من الكلام نحو أتيناكم ونحوه لا بالأغاني المهيجة للشرور المشتملة على وصف الجمال والفجور ومعاقرة الخمور فإن ذلك يحرم في النكاح كما يحرم . في غيره وكذلك سائر الملاهي المحرمة . قال في البحر الأكثر وما يحرم من الملاهي في غير النكاح يحرم في لعموم النهي النخعي وغيره يباح في النكاح لقوله صلى الله عليه وآله وسلم واضربوا عليه بالدفوف فيقاس المزمار وغيره قال قلنا هذا لا ينافي عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنما نهيت عن صوتين أحمقين الخبر ونحوه فيحمل على ضربة غير ملهية قال الإمام يحيى دف الملاهي مدور جلده من رق أبيض ناعم في عرضه سلاسل يسمى الطار له صوت يطرب لحلاوة نغمته وهذا لا إشكال في تحريمه وتعلق النهي به وأما دف العرب فهو على شكل الغربال خلا أنه لا خروق فيه وطوله إلى أربعة أشباب فهو الذي أراده صلى الله عليه وآله وسلم لأنه المعهود حينئذ وقد حكى أبو طالب عن الهادي إنه محرم أيضا إذ هو آلة لهو وحكى المؤيد بالله عن الهادي أنه يكره فقط وهو الذي في الأحكام . وقال أبو العباس وأبو حنيفة وأصحابه بل مباح لقوله صلى الله عليه وآله وسلم الله واضربوا عليه بالدفوف وهذا هو الظاهر للأحاديث المذكورة في الباب بل لا يبعد أن يكون ذلك مندوبا ولأن ذلك أقل ما يفيده الأمر في قوله أعلنوا هذا النكاح الحديث ويؤيد ذلك ما في حديث المازني المذكور ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره نكاح السر حتى يضرب بدف : قوله " ما كان معكم لهو " قال في الفتح في رواية شريك فقال فهل بعثتم جارية تضرب بالدف وتغني قلت تقول ماذا قال تقول
أتيناكم أتيناكم ... فحيانا وحياكم
ولولا الذهب الأحم ... ر ماحلت بواديكم
ولولا الحنطة السمرا ... ء ما سمنت عذاريكم
قوله " بني على " أي تزوج بي : قوله " كمجلسك " بكسر اللام أي مكانك قال الكرماني هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب أو كان قبل نزول الآية الحجاب أو عند الأمن من الفتنة قال الحافظ والذي صح لنا بالأدلة القوية أن من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها . قال الكرماني ويجوز أن تكون الرواية كمجلسك بفتح اللام . قوله " يندبن " من الندبة بضم النون وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه قال المهلب وفي هذا الحديث اعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح وفي اقبال الامام إلى العرس وإن كان فيه لهو ما لم يخرج عن حد المباح وسيأتي الكلام في الغناء وآلات الملاهي مبسوطا في أبواب السبق إن شاء الله تعالى

باب الأوقات التي يستحب فيها البناء على النساء وما يقول إذا زفت إليه

1 - عن عائشة قالت " تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شوال وبني بي في شوال فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان أحظى عنده مني وكانت عائشة تستحب أن يدخل نساؤها في شوال "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي

2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا افاد أحدكم امرأة أو خادما أو دابة فليأخذ بناصيتها وليقل اللهم أي أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ماجبلتها عليه "
- رواه ابن ماجه وأبو داود بمعناه

- حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود ورجال إسناده إلى عمرو بن سعيد ثقات وقد تقدم اختلاف الأئمة في حديث عمرو بن شعيب ولفظه في سنن أبي داود " إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل اللهم أني أسألك خيرها وخير ماجبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك " وفي رواية " ثم ليأخذ بناصيتهما " يعني المرأة والخادم وليدع بالبركة ( استدل ) المصنف بحديث عائشة على استحباب البناء بالمرأة في شوال وهو إنما يدل على ذلك إذا تبين ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قصد ذلك الوقت لخصوصية له لا توجد في غيره لا إذا كان وقوع ذلك منه صلى الله عليه وآله وسلم على طريق الأتفاق وكونه بعض أجزاء الزمان فإنه لا يدل على الأستحباب لأنه حكم شرعي يحتاج إلى دليل وقد تزوج صلى الله عليه وآله وسلم بنسائه في أوقات مختلفة على حسب الأتفاق ولم يتحر وقتا مخصوصا ولو كان مجرد الوقوع يفيد الأستحاب لكان كل وقت من الأوقات التي تزوج فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستحب البناء فيه وهو غير مسلم . والحديث الثاني فيه استحباب الدعاء بما تضمنه الحديث عند تزوج المرأة وملك الخادم والدابة وهو دعاء جامع لأنه إذا لقي الإنسان الخير من زوجته أو خادمه أو دابته وجنب الشر من تلك الأمور كان في ذلك جلب النفع واندفاع الضرر : قوله " إذا أفاد أحدكم " قال في القاموس أفدت المال استفدته وأعطيته انتهى والمراد هنا الأول

باب ما يكره من تزين النساء به ومالا يكره

1 - عن أسماء بنت أبي بكر قالت " أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم امرأة فقالت يا رسول الله ان لي ابنة عريسا وأنه أصحابها حصبة فتمرق شعرها أفاصله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن الله الواصلة والمستوصلة "
- متفق عليه متفق على مثله من حديث عائشة

2 - وعن ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة "

3 - عن ابن مسعود أنه قال " لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى وقال مالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "

4 - وعن معاوية أنه قال " وتناول قصة من شعر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهي عن مثل هذه ويقول إنما هلكت بنو اسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم "
- متفق عليهن

5 - وعن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما امرأة أدخلت في شعرها من شعر غيرها فإنما تدخله زورا "
- رواه أحمد . وفي لفظ " أيما امرأة زادت في شعرها شعرا ليس منه فإنه زور تزيد فيه " رواه النسائي ومعناه متفق عليه

6 - وعن ابن مسعود قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهي عن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة الا من داء "

7 - وعن عائشة قالت " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلعن القاشرة والمقشورة والواشمة والموشومة والواصلة والموصولة "
- رواهما أحمد والنامصة ناتفة الشعر من الوجه والواشرة التي تشر الأسنان حتى تكون لها أشر أي تحدد ورقة تفعله المرأة الكبيرة تتشبه بالحديثة السن والواشمة التي تغرز من اليد بارة ظهر الكف والمعصم ثم تحشى بالكحل أو بالنؤر وهو دخان الشحم حتى يخضر والمنتمصة والمؤتشرة والمستوشمة اللاتي يفعل بهن ذلك بأذنهن وأما القاشرة والمقشورة فقال أبو عبيد نراه أراد هذه الغمرة التي يعالج بها النساء وجوههن حتى ينسحق أعلى الجلد ويبدو ما تحته من البشرة وهو شبيه بما جاء في النامصة

- حديث عائشة الثاني قال في مجمع الزوائد وفيه من لم أعرفه من النساء ( وفي الباب ) عن ابن عباس قال " لعنت الواصلة والمستوصلة والنامصة والمنتمصة والواشمة والمستوشمة غير داء " أخرجه أبو داود وعن جابر عند مسلم " زجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرأة أن تصل شعرها بشيء " وعن معقل بن يسار عند أحمد والطبراني . وعن أبي أمامة عند الطبراني بإسناد صحيح . وعن ابن عباس أيضا حديث آخر عند الطبراني : قوله " عريسا " بضم العين وفتح الراء وتشديد الياء المكسورة تصغير عروس والعروس يقع على المرأة والرجل في وقت الدخول : قوله " حصبة " بفتح الحاء واسكان الصاد المهملتين ويقال أيضا بفتح الصاد وكسرها ثلاث لغات حكاهن جماعة والاسكان أشهر وهي بئر تخرج في الجلد تقول منه حصب جلده بكسر الصاد يحصب : قوله " فتمرق " بالراء المهملة بمعنى تساقط هكذا حكى القاضي عياض في المشارق عن جمهور الرواة وحكى عن جماعة من رواة صحيح مسلم أنه بالزاي قال وهذا وإن كان قريبا من معنى الأول ولكنه لا يستعمل في الشعر في حال المرض قوله : الواصلة هي التي تصل شعر امرأة بشعر امرآة أخرى لتكثر به شعر المرأة والمستوصلة هي التي تستدعي أن يفعل بها ذلك ويقال لها موصولة كما في الرواية الأخرى والواشمة فاعلة الوشم وهو أن يغرز في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة حتى يسيل الدم ثم يحشي ذلك الموضع بالكحل أو النؤر فيخضر ذلك الموضع وهو مما تستحسنه الفساق والنؤر الذي ذكره المصنف قال المصنف قال في القاموس كصبور وهو دخان الشحم كما ذكر وقد يطلق على أشياء أخر كما في القاموس وقد يكون الوشم بدارات ونقوش وقد يكثر وقد يقلل والوصل حرام لأن اللعن لا يكون على أمر غير محرم قال النووي وهذا هو الظاهر المختار قال وقد فصله أصحابنا فقالوا إن وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف وسواء كان شعر رجل أو امرأة وسواء شعر المحرم والزوج وغيرهما بلا خلاف لعموم الأدلة ولأنه يحرم الأنتفاع بشعر الآدمي وسائر اجزائه لكرامته بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه وان وصلته بشعر غير آدمي فإن كان شعرا نجسا وهو شعر الميتة وشعر مالا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته فهو حرام أيضا للحديث ولأنه حمل نجاسة في صلاتها وغيرها عمدا وسواء في هذين النوعين المزوجة وغيرها من النساء والرجال وأما الشعر الطاهر من غير الآدمي فإن لم يكن لها زوج ولا سيد فهو حرام أيضا وان كان فثلاثة أوجه أحدها لا يجوز لظاهر الأحاديث والثاني يجوز وأصحها عندهم إن فعلته بأذن الزوج أو السيد جاز ولا فهو حرام انتهى وقال القاضي عياض اختلف العلماء في المسألة فقال مالك والطبري وكثيرون أو الأكثرون الوصل ممنوع بكل شيء سواء وصلته بشعر أو صوف أو خرق واحتجوا بحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زجر أن تصل المرأة برأسها شيئا . وقال الليث بن سعد النهي مختص الوصل بالشعر ولا بأس بوصله بصوف وخرق وغيرهما . وقال الإمام المهدي أن وصل شعر النساء بشعر الغنم لا وجه لتحريمه ويرده عموم حديث جابر المذكور فإنه شامل للشعر والصوف والوبر وغيرها . وحكى النووي عن عائشة أنه يجوز الوصل مطلقا قال ولا يصح عنها بل الصحيح عنها كقول الجمهور . قال القاضي عياض فأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهي عنه لأنه ليس بوصل ولا هو في معنى مقصود الوصل وإنما هو للتجمل والتحسين ويجاب بأن يخصيص عموم حديث جابر لا يكون الا لدليل فما هو وذهبت الهادوية إلى جواز الوصل بشعر المحرم ويجاب بأن تحريم مطلق الوصل يستلزم تحريم الوصل بشعر المحرم وكذلك عموم حديث جابر وحديث معاوية وقال الإمام يحيى إنما يحرم على غير ذوات الأزواج ويجاب بحديث أسماء المذكور فإنه مصرح بأن الوصل فيه للعروس ولم يجزء صلى الله عليه وآله وسلم فهو حرام أيضا لما تقدم
قال أصحاب الشافعي هذا الموضع الذي وشم يصير نجسا فإن أمكن إزالته بالعلاج وجب إزالته وإن لم يكن الا بالجرح فإن خافت منه التلف أو فوات عضو أو منفعته أو شيئا فاحشا في عضو ظاهر لم تجب إزالته وإذا تابت لم يبق عليها أثم وإن لم تخف شيئا من شيء ونحوه لزمها إزالته وتعصى بتأخيره وسواء في هذا كله الرجل والمرأة : قوله " والمتنمصات " بالتاء الفوقية ثم النون ثم الصاد المهملة جمع متنمصة وهي التي تستدعي نتف الشعر من وجهها ويروى بتقديم النون على التاء قال النووي والمشهور تأخيرها والنامصة المزيلة له من نفسها أو من غيرها وهو حرام قال النووي وغيره الا إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها بل تستحب وقال ابن جرير لا يجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولا شاربها . قوله " والمتفلجات " بالفاء والجيم جمع متفلجة وهي التي تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات وهو من الفلج بفتح الفاء واللام وهو الفرجة بين الثنايا والرباعيات تفعل ذلك العجوز ومن قاربها في السن اظهارا للصغر وحسن الأسنان لان هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغائر فإذا عجزت المرأة كبرت سنها فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر وتوهم كونها صغيرة . قال النووي ويقال له الوشر وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها : قوله " قصة " بضم القاف وتشديد الصاد المهملة وهو القطعة من الشعر من قصصت الشعر أي قطعته . قال الأصمعي وغيره وهو شعر مقدم الرأس المقبل على الجبهة وقيل شعر الناصية : قوله " عن مثل هذه " أي عن التزين بمثل هذه القصة من الشعر : قوله " إنما هلكت بنو اسرائيل " الخ هذا تهديد شديد لأن كون مثل هذا الذنب كان سببا لهلاك مثل تلك الأمة يدل على أنه من أشد الذنوب قال القاضي عياض قيل يحتمل أنه كان محرما عليهم فعوقبوا باستعماله وهلكوا بسببه وقيل يحتمل أن ذلك الهلاك كان به وبغيره مما ارتكبوه من المعاصي فعند ظهور ذلك فيهم هلكوا وفيه معاقبة العامة بظهور المنكر انتهى : قوله " الا من داء " ظاهره ان التحريم المذكور وإنما هو فيما إذا كان القصد التحسين لا لداء وعلة فإنه ليس بمحرم وظاهر قوله المغيرات خلق الله أنه لا يجوز تغيير شيء من الخلقة عن الصفة التي هي عليها . قال أبو جعفر الطبري في هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز تغيير شيء مما خلق الله المرأة عليه بزيادة أو نقص التماسا للتحسين لزوج أو غيره كما لوكان لها سن زائدة أو عضو زائد فلا يجوز لها قطعه ولا نزعه لأنه من تغيير خلق الله وهكذا لو كان لها أسنان طوال فأرادت تقطيع أطرافها وهكذا قال القاضي عياض وزاد أن تكون هذه الزوائد مؤلمة وتتضرر بها فلا بأس بنزعها قيل وهذا إنما هو في التغيير الذي يكون باقيا فأما ما لا يكون باقيا كالكحل ونحوه من الخضابات فقد أجازه مالك وغيره من العلماء . وقوله " هذه الغمرة " بفتح الغين المعجمة وسكون الميم بعدها راء طلاء من الورس وفي القاموس في مادة الغمر وبالضم الزعفران كالغمرة

8 - وعن عائشة قالت " كانت امرأة عثمان بن مظعون تخضب وتطيب فتركته فدخلت علي فقلت أمشهد أم مغيب فقالت مشهد قالت عثمان لا يريد الدنيا ولا يريد النساء قالت عائشة فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته بذلك فلقى عثمان فقال يا عثمان تؤمن بما نؤمن به قال نعم يا رسول الله قال قال فأسوة مالك بنا "

9 - وعن كريمة بنت همام قالت " دخلت المسجد الحرام فأخلوه لعائشة فسألتها امرأة ما تقولين يا أم المؤمنين في الحناء فقالت كان حبيبي صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه لونه ويكره ريحه وليس بمحرم عليكن بين كل حيضتين أو عند كل حيضة "
- رواها أحمد

10 - وعن أنس قال " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال " وفي رواية " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال أخرجوهم من بيوتكم فأخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلانة وأخرج عمر فلانا "
- رواهما أحمد والبخاري

- حديث عائشة الأول أخرجه أحمد من طرق مختلفة متعددة هذه المذكورة هنا أحدها قال في مجمع الزوائد وأسانيد أحمد رجالها ثقات وقد تقدم ما يشهد له في أول كتاب النكاح وحديثها الثاني أيضا تقدم ما يشهد له في كتاب الطهارة : قوله " أمشهد أم مغيب " أو أزوجك شاهد أم غائب والمراد أن ترك الخضاب والطيب إن كان لأجل غيبة الزوج فذاك وإن كان لأمر آخر مع حضوره فما هو فأخبرتها إن زوجها لا حاجة له بالنساء فهي في حكم من لا زوج لها واستنكار عائشة عليها ترك الخضاب والطيب يشعر بأن ذوات الأزواج يحسن منهن التزين للأزواج بذلك وكذلك قوله في الحديث الآخر وليس بمحرم عليكن بين كل حيضتين يدل على أنه لا بأس بالأختضاب بالحناء وقد تقدم الكلام في الخضاب في الطهارة وقد ذكر في البحر أنه يستحب الخضاب للنساء . قوله " لعن الله المتشبهين من الرجال " الخ فيه دليل على أنه يحرم على الرجال التشبه بالنساء وعلى النساء التشبه بالرجال في الكلام واللباس والمشي وغير ذلك والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال وقد تقدم الكلام على المخنثين ضبطا وتفسيرا وذكر من أخرجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم . وقد أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة قال " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بال هذا قالوا يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع بالنون فقيل يا رسول الله الا تقتله : فقال أني نهيت أن أقتل المصلين " وروى البيهقي أن أبا بكر خرج مخنثا وأخرج عمر واحدا وأخرج الطبراني من حديث وائلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخرج الخنيث

باب التسمية والتستر عند الجماع

1 - عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم الله جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقنا فإن قدر بينهما في ذلك ولد لن يضر ذلك الولد الشيطان أبدا "
- رواه الجماعة إلا النسائي

2 - وعن عتبة بن عبد السلمى " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجردا تجرد العيرين "
- رواه ابن ماجه

2 - وعن ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم الا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم "
- رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب

- زاد الترمذي بعد قوله حديث غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه . وحديث عتبة في إسناده رشدين بن سد وهوضعيف . وكذلك في إسناده الأحوص بن حكيم وهو أيضا ضعيف ولكنه قد تابع رشدين بن سعد عبد الأعلى بن عدي وهو ثقة ويشهد لصة الحديثين حديث عتبة بن عبد السلمي وحديث ابن عمر الأحاديث الواردة في الأم بستر العورة والمبالغة في ذلك منها حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال " قلت يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض قال إن استطعت ان لا يراها أحد فلا يراها قال قلت إذا كان أحدنا خاليا قال فالله أحق أن يستحيا من الناس " هذا لفظ الترمذي وقال حديث حسن ففي هذا الحديث الأمر بستر العورة في جميع الأحوال والأذن بكشف ما لا بد منه للزوجات والمملوكات حال الجماع ولكنه ينبغي الاقتصار على كشف المقدار الذي تدعو الضرورة إليه حال الجماع ولا يحل التجرد كما في حديث عتبة المذكور . قوله " إذا أتى أهله " في رواية للبخاري حين يأتي أهله " وفي رواية للإسماعيلي " حين يجامع أهله " وذلك ظاهر في أن القول يكون مع الفعل . وفي رواية لأبي داود إذا أراد أن يأتي أهله وهي مفسرة لغيرها من الروايات فيكون القول قبل الشروع ويحمل ما عدا هذه الرواية على المجاز كقوله تعالى { وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله } أي إذا أردت القراءة . قوله " جنبنا " في رواية للبخاري بالأفراد قوله " فإن قدر بينهما في ذلك ولد " في رواية للبخاري " فإن قضى الله بينهما ولدا " قوله " لن يضر ذلك الولد الشيطان " في رواية لمسلم وأحمد " لم يسلط عليه الشيطان ولفظ البخاري " لم يضره شيطان " واللفظ الذي ذكره المصنف لأحمد واختلف في الضرر المنفي بع الأتفاق على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر على ما نقل القاضي عياض وإن كان ظاهرا في الحمل على عموم الأحوال من صيغة النفي مع التأييد وكأنه سبب ذلك الأتفاق ما ثبت في الصحيح إن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد الا من استثنى فإن هذا الطعن نوع من الضرر ثم اختلفوا فقيل المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية بل يكون من جملة العباد الذين قبل فيهم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وقيل المراد لم يطعن في بطنه وهو بعيد لمنابذته لظاهر الحديث المتقدم وليس تخصيصه بأولى من تخصيص هذا وقيل المراد لم يصرعه وقيل لم يضره في بدنه . وقال ابن دقيق العيد يحتمل أن لا يضره في دينه أيضا ولكن يبعده انتفاء العصمة لاختصاصها بالأنبياء وتعقب بأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمدا وإن لم يكن ذلك واجبا له . وقال الداودي بمعنى لم يضره أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر وليس المراد عصمته منه عن المعصية . وقيل لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد ان الذي يجامع ولا يسمى يلتف الشيطان على إحليله فيجامع معه

باب ما جاء في العزل

1 - عن جابر قال " كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن ينزل "
- متفق عليه . ولمسلم " كذا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبلغه ذلك فلم يهنا "

2 - وعن جابر " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا في النخل وأنا لوف عليها وأكره أن تحمل فقال أعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

3 - وعن أبي سعيد قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من العرب فأشتهينا النساء وأشتدت العزبة وأحببنا العزل فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما عليكم أن لا تفعلوا فإن الله عز و جل قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة "
- متفق عليه

4 - وعن أبي سعيد قال " قالت اليهود العزل الموؤدة الصغرى فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذبت يهود أن الله عز و جل لو أراد أن يخلق شيئا لم يستطع أحد أن يصرفه "
- رواه أحمد وأبو داود

5 - وعن أبي سعيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العزل أنت تخلقه أنت ترزقه أقره قراره فإنما ذلك القدر "

- رواه أحمد

6 - وعن أسامة بن زيد " أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أني أعزل عن امرأتي فقال له صلى الله عليه وآله وسلم لم تفعل ذلك فقال له الرجل اشفق على ولدها أو على أولادها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو كان ضارا ضر فارس والروم "
- رواه أحمد ومسلم

7 - وعن جذامة بنت وهب الأسدية قالت " حضرت رسول الله في أناس وهو يقول لقد هممت ان أنهي عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم شيئا ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الوأد الخفي وهي وإذا الموؤدة سئلت "
- رواه أحمد ومسلم

8 - وعن عمر بن الخطاب " قال نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعزل عن الحرة الا بأذنها "
- رواه أحمد وابن ماجه وليس إسناده بذلك

- حديث أبي سعيد الثاني أخرجه أيضا الترمذي والنسائي . قال الحافظ ورجاله ثقات وقال في مجمع الزوائد البزار وفيه موسى بن وردان وهو ثقة وقد ضعف وبقية رجاله ثقات . وأخرج نحوه النسائي من حديث جابر وأبي هريرة وجزم الطحاوي بكونه منسوخا وعكسه ابن حزم . وحديث عمر بن الخطاب في إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس قال " نهى عن عزل الحرة إلا بأذنها " وروى عنه ابن أبي شيبة أنه كان يعزل عن أمته وروى البيهقي عن ابن عمر مثله ( ومن أحاديث ) هذا الباب عن أنس عند أحمد والبزار وابن حبان وصححه " أن رجلا عن العزل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لاخرج الله منها ولد " وله شاهدان في الكبير للطبراني عن ابن عباس وفي الأوسط له عن ابن مسعود : قوله " كنا نعزل " العزل النزع بعد الأيلاج لينزل خارج الفرج : قوله " والقرآن ينزل " فيه جواز الاستدلال بالتقرير من الله ورسوله على حكم من الأحكام لأنه لو كان ذلك الشيء حراما لم يقررا عليه ولكن بشرط أن يعلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقد ذهب الأكثر من أهل الأصول على ما حكاه في الفتح إلى أن الصحابي إذا أضاف الحكم إلى زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان له حكم الرفع قال لان الظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على ذلك واقره لتوفر دواعيهم على سؤالهم اياه عن الأحكام قال وقد وردت عدة طرق تصرح باطلاعه على ذلك وأخرج مسلم من حديث جابر قال " كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم ينهنا " ووقع في حديث الباب المذكور الأذن له بالعزل فقال اعزل عنها ان شئت " قوله " ما عليكم ان لا تفعلوا " وقع في رواية في البخاري وغيره " لا عليكم ان لا تفعلوا " قال ابن سيرين هذا أقرب إلى النهي وحكى ابن عون عن الحسن أنه قال والله لكان هذا زجرا قال القرطبي كأن هؤلاء فهموا من لا النهي عما سألواعنه فكأنه قال لا تعزلوا وعليكم ان لا تفعلوا ويكون قوله وعليكم إلى آخره تأكيدا للنهي وتعقب بأن الأصل عدم هذا التقدير وإنما معناه ليس عليكم أن تتركوا وهو الذي يساوي ان لا تفعلوا وقال غيره معنى لا عليكم ان لا تفعلوا أي لا حرج عليكم ان لا تفعلوا ففيه نفي الحرج عن عدم الفعل فأفهم ثبوت الحرج في فعل العزل ولو كان المراد نفي الحرج عن الفعل لقال لا عليكم أن تفعلوا الا أنيدعى ان لازائدة فيقال الأصل عدم ذلك ( وقد اختلف ) السلف في حكم العزل فحكى في الفتح عن ابن عبد البر انه قال لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة الا بأذنها لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل . قال الحافظ ووافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة قال وتعقب بأن المعروف عند الشافعية أنه لاحق للمرأة في الجماع وهو أيضا مذهب الهادوية فيجوز عندهم العزل عن الحرة بغير أذنها على مقتضى قولهم أنه لا حق لها في الوطء ولكنه وقع التصريح في كتب الهادوية بأنه لا يجوز العزل عن الحرة الا برضاها ويدل على اعتبار الأذن من الحرة حديث عمر المذكور ولكن فيه ما سلف وأما الأمة فإن كانت زوجة فحكمها حكم الحرة واختلفوا هل يعتبر الأذن منها أو من سيدها وإن كانت سرية فقال في الفتح يجوز بلا خلاف عندهم الا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقا كمذهب ابن حزم وإن كانت السرية مستولدة فالراجح الجواز فيها مطلقا لأنها ليست راسخة في الفراش وقيل حكمها حكم الأمة المزوجة
قوله " كذبت يهود " فيه دليل على جواز العزل ومثله ما أخرجه الترمذي وصححه عن جابر قال " كانت لنا جوار وكنا نعزل فقالت اليهود ان تلك الموؤدة الصغرى فسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال كذبت اليهود لو أراد الله خلقه لم يستطع رده " وأخرج نحوه النسائي من حديث أبي هريرة ولكنه يعارض ذلك ما في حديث جذامة المذكور من تصريحه صلى الله عليه وآله وسلم بأن الوأد الخفي فمن العلماء من جمع بين هذا الحديث وما قبله فحمل هذا على التنزيه وهذه طريقة البيهقي ومنهم من ضعف حديث جزامة هذا لمعارضته لما هو أكثر منه طرقا قال الحافظ وهذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم والحديث صحيح لا ريب فيه والجمع ممكن ومنهم من أدعى أنه منسوخ ورد بعدم معرفة التاريخ وقال الطحاوي يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الأمر أولا من موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم أعلمه الله بالحكم فكذب اليهود فيم كانوا يقولونه وتعقبه ابن رشد وابن العربي بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يحرم شيئا تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم فيه ومنهم من رجح جذامة بثبوته في الصحيح وضعف مقابله بالأختلاف في إسناده والاضطراب قال الحافظ ورد بأنه إنما يقدح في حديث لا فيما يقوي بعضه بعضا فإنه يعمل به وهو هنا كذلك والجمع ممكن ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها موافقة لأصل الإباحة وحديثها يدل على المنع قال فمن ادعى انه ابيح بعد أن منع فعليه البيان وتعقب من حديثها ليس بصريح في المنع إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما وجمع ابن القيم فقال الذي كذب فيه صلى الله عليه وآله وسلم اليهود هو زعمهم ان العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فاكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة وإنما سماه وأدا خفيا في حديث جذامة لأن الرجل إنما يعزل هربا من الحمل فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد لكن الفرق بينهما ان الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل والعزل يتعلق فقط فلذلك وصفه بكونه خفيا وهذا الجمع قوي وقد ضعف أيضا حديث جذامة أعني الزيادة التي في آخره بأنه تفرد بها سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود ورواه مالك ويحيى بن أيوب عن أبي الأسود فلم يذكرها وبمعارضتها لجميع أحاديث الباب وقد حذف هذه الزيادة أهل السنن الأربع وقد احتج بحديث جذامة هذا من قال بالمنع من العزل كابن حبان : قوله " اشفق علي ولدها " هذا أحد الأمور التي تحمل على العزل ومنها الفرار من كثرة العيال والفرار من حصولهم من الأصل ومنها خشية علوق الزوجة الأمة لئلا يصير الولد رقيقا وكل ذلك لا يغني شيئا لاحتمال أن يقع الحمل بغير الأختيار : قوله " ان انهي عن الغيلة " بكسر الغين المعجمة بعدها تحتية ساكنة ويقال لها الغيل بفتح الغين والياء والغيال بكسر الغين المعجمة والمراد بها أن يجامع امرأته وهي مرضع . وقال ابن السكيت هي أن ترضع المرأة وهي حامل وذلك لما يحصل على الرضيع من الضرر بالحبل حال إرضاعه فكان ذلك سبب همه صلى الله عليه وآله وسلم بالنهي ولكنه لما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الغيلة لا تضر فارس والروم ترك النهي عنها

باب نهي الزوجين عن التحدث بما يجري حال الوقاع

1 - عن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ان من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها "
- رواه أحمد ومسلم

2 - وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما سلم أقبل عليهم بوجهه فقال مجالسكم هل منكم الرجل إذا أتى أهله أغلق بابه وأرخى ستره ثم يخرج فيحدث فيقول فعلت بأهلي كذا وفعلت بأهلي كذا فسكتوا فأقبل على النساء فقال هل منكم من تحدث فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها وتطاولت ليراها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسمع كلامها فقالت أي والله أنهم يتحدثون وأنهن ليتحدثن فقال هل تدرون مامثل من فعل ذلك أن مثل من فعل مثل شيطان وشيطانة لقى أحدهما صاحبه بالسكة فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه "
- رواه أحمد وأبو داود . ولأحمد نحوه من حديث أسماء بنت يزيد

- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا النسائي والترمذي وحسنه وقال الا أن الطفاوي لانعرفه إلا في هذا الحديث ولا نعرف اسمه . وقال أبو الفضل محمد بن طاهر والطفاوي مجهول . وقد رواه أبو داود من طريقه فقال عن أبي نضرة قال حدثني شيخ من طفاوة : قوله " إن من شر الناس " لفظ مسلم " أشر " قال القاضي عياض وأهل النحو يقولون لا يجوز أشر وأخيرو وإنما يقال هو خير منه وشر منه قال وقد جاءت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعا وهي حجة في جواز الجميع قوله " كعاب " على وزن سحاب وهي الجارية المكعب ( والحديثان ) يدلان على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع وذلك لأن كون الفاعل لذلك من أشر الناس وكونه بمنزلة شيطان لقي شيطانة فقضى حاجته منها والناس ينظرون من أعظم الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينما الراجعة إلى الوطء ومقدماته فإن مجرد فعل المكروه لا يصير به فاعله من الأشرار فضلا عن كونه من شرهم وكذلك الجماع بمرأى من الناس لا شك في تحريمه وإنما خص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أبي سعيد الرجل فجعل الزجر المذكور خاصا به ولم يتعرض للمرأة لأن وقوع ذلك الأمر في الغالب من الرجال قيل وهذا التحريم إنما هو في نشر أمور الأستمتاع ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع وإنشاء ما يجري من المرأة من قول أو فعل حالة الوقاع وأما مجرد ذكر نفس الجماع فإن لم يكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروأة من التكلم بما لا يعني ومن حسن اسلام المرء تركه مالا يعنيه وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " فإن كان إليه حاجة أو ترتيب عليه فائدة فلاكرهة في ذكره وذلك نحو أن تنكر المرأة نكاح الزوج لها وتدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك كما روى أن الرجل الذي دعت عليه امرأته العنة قال يا رسول الله أني لانفضها نفض الأديم ولم ينكر عليه وما روى عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال أني لافعله أنا وهذه وقال لأبي طلحة أعرستم الليلة ونحو ذلك كثير

باب النهي عن اتيان المرأة في دبرها

1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ملعون من أتى امرأة في دبرها "
- رواه أحمد وأبو داود . وفي لفظ " لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها " . رواه أحمد وابن ماجه

2 - وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد والترمذي وأبو دواد وقال " فقد بريء مما أنزل "

3 - وعن خزيمة بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها "
- رواه أحمد وابن ماجه

4 - وعن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تأتوا النساء في اعجازهن أو قال في أدبارهن "

5 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى "
- رواهما أحمد

6 - وعن علي بن طلق قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا تأتوا النساء في استاههن فإن الله لا يستحي من الحق "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن

7 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر "
- رواه الترمذي وقال حديث غريب

- حديث أبي هريرة الأول أخرجه أيضا بقية أهل السنن والبزار وفي إسناده الحرث بن مخلد . قال البزار ليس بمشهور وقال ابن القطان لا يعرف حاله وقد اختلف فيه على سهيل بن أبي صالح فرواه عنه إسماعيل بن عياش عن محمد بن المنكدر عن جابر كما أخرجه الدارقطني وابن شاهين ورواه عمر مولى عفرة عن سهيل عن أبيه عن جابر كما أخرجه ابن عدي بإسناد ضعيف قال الحافظ في بلوغ المرام إن رجال حديث أبي هريرة هذا ثقات لكن أعل بالإرسال . وحديث أبي هريرة الثاني هو من رواية أبي تميمة عن أبي هريرة قال الترمذي لا نعرفه الا من حديث أبي تميمة عن أبي هريرة وقال البخاري لا يعرف لأبي تميمة سماع عن أبي هريرة وقال البزار هذا حديث منكر وفي الإسناد أيضا حكيم الأثرم قال البزار لا يحتج به وما تفرد به فليس بشيء ولأبي هريرة حديث ثالث نحو حديثه الأول أخرجه النسائي من رواية الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وفي إسناده عبد الملك بن محمد الصنعاني وقد تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وغيرهما ولأبي هريرة ايضا حديث رابع أخرجه النسائي من طريق بكر بن خنيس عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة بلفظ " من أتى شيئا من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر " وفي إسناده بكر بن خنيس وليث ابن أبي سليم وهم ضعيفان . ولأبي هريرة أيضا حديث خامس رواه عبد الله بن عمر بن ابان عن مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ " ملعون من أتى النساء في أدبارهن " وفي إسناده مسلم بن خالد وهو ضعيف . وحديث خزيمة بن ثابت أخرجه الشافعي أيضا بنحوه وفي إسناده عمر بن أحيحة وهو مجهول واختلف في إسناده اختلافا كثيرا ورواه النسائي من طريق أخرى وفيها هرمى بن عبد الله ولا يعرف حاله وأخرجه أيضا من طريق هرمي أحمد وابن حبان وحديث الأمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في مجمع الزوائد ورجاله ثقات وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا النسائي وأعله قال الحافظ والمحفوظ عن عبد الله بن عمرو من قوله كذا أخرجه عبد الرزاق وغيره وحديث علي بن طلق قال الترمذي بعد أن حسنه سمعت محمدا يقول لا أعرف لعلي بن طلق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير هذا الحديث الواحد ولا أعرف هذا الحديث الواحد من حديث طلق بن علي السحيمي وكأنه رأى أن هذا آخر من اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والبزار وقال لا نعلمه يروى عن ابن عباس بإسناد حسن وكذا قال ابن عدي ورواه النسائي عن هناد بن وكيع عن الضحاك موقوفا وهو أصح عندهم من المرفوع ولابن عباس حديث آخر من طريق أخرى موقوفة رواها عبد الرزاق إن رجلا سأل ابن عباس عن اتيان المرأة في دبرها فقال سألتني عن الكفر . وأخرجه النسائي بإسناد قوي وفي الباب عن جماعة من الصحابة منها ما سيأتي ومنها عن أبي بن كعب عند الحسن بن عرفة بإسناد ضعيف . وعن ابن مسعود عند ابن عدي بإسناد واه وعن عقبة بن عامر عند أحمد بإسناد فيه ابن لهيعة وعن عمر عند النسائي والبزار بإسناد فيه زمعة بن صالح وهو ضعيف ( وقد استدل ) بأحاديث الباب من قال أنه يحرم اتيان النساء في أدبارهن وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تحريمه ولا في تحليله شيء والقياس أنه حلال . وقد أخرجه عنه ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الأصم عنه وكذلك رواه الطحاوي عن ابن عبد الحكم عن الشافعي
وروى الحاكم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال سألني محمد بن الحسن فقلت له إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك قال علي المناصفة قلت فبأي شيء حرمته قال يقول الله عز و جل { فأتوهن من حيث أمركم الله } وقال { فأتوا حرثكم أنى شئتم } والحرث لا يكون الا في الفرج قلت أفيكون ذلك محرما لما سواه قال نعم قلت فما تكون لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أو تحت إبطيها أو أخذت ذكره بيدها أو في ذلك حرث قال لا قلت فيحرم ذلك قال لا قلت فلم تحتج بمالا حجة فيه قال فإن الله قال { والذين هم لفروجهم حافظون } الآية قال فقلت له هذا مما يحجون به للجواز إن الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته وماملكت يمينه فقلت له أنت تتحفظ من زوجتك وما ملكت يمينك انتهى . وقد أجيب عن هذا بأن الأصل التحريم المباشرة إلا ما أحل الله بالعقد ولا يقاس عليه غيره لعدم المشابهة في كونه مثله محلا للزرع وأما تحليل الاستمتاع فيما عدا الفرج فهو مأخوذ من دليل آخر ولكنه لا يخفى ورود ما أورده الشافعي على من استدل بالآية وأما دعوى أن الأصل تحريم المباشرة فهذا محتاج إلى دليل ولو سلم فقوله تعالى { قأتوا حرثكم أنى شئتم } رافع للتحريم المستفاد من ذلك الأصل فيكون الظاهر بعد هذه الآية الحل ومن ادعى تحريم الأتيان في محل مخصوص طولب يخصص عموم هذه الآية ولا شك إن الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بتحريم اتيان النساء في أدبارهن يقوي بعضها بعضا فتنتهض لتخصيص الدبر من ذلك العموم وأيضا الدبر في أصل اللغة اسم لخلاف الوجه ولا اختصاص له بالمخرج كما قال الله تعالى { ومن يولهم يومئذ دبره } فلا يبعد حمل ما ورد من الأدبار على الأستمتاع بين الأليتين وأيضا قد حرم الله الوطء في الفرج لأجل الأذى فما الظن بالحش الذي هو موضع الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل الذي هو العلة الغائية في مشروعية النكاح والذريعة القريبة جدا الحاملة على الانتقال من ذلك إلى أدبار المرد . وقد ذكر ابن القيم لذلك مفاسد دينية ودنيوية فليراجع وكفى مناديا على خساسته أنه لا يرضى أحد من أن ينسب إليه ولا إلى إمامه تجويز ذلك إلاما كان من الرافضة مع أنه مكروه عندهم وأوجبوا للزوجة فيه عشرة دنانير عوض النطفة وهذه المسألة هي إحدى مسائلهم التي شذوا بها وقد حكى الإمام المهدي في البحر عن العترة جميعا وأكثر الفقهاء أنه حرام قال الحاكم بعد أن حكى عن الشافعي ما سلف لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم فأما الجديد فالمشهور أنه حرمه . وقد روى الماوردي في الحاوي وأبو نصر بن الصباغ في الشامل وغيرهما عن الربيع أنه قال كذب والله يعني ابن عبد الحكم فقد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب وتعقبه الحافظ في التلخيص فقال لا يعني لها التكذيب فإن عبد الحكم لم يتفرد بذلك بل قد تابعه عليه عبد الرحمن بن عبد الله أخوه عن الشافعي ثم قال أنه لاخلاف في ثقة ابن عبد الحكم وأمانته وقد روى الجواز أيضا عن مالك قال القاضي أبو الطيب في تعليقه أنه روى ذلك عنه أهل مصر وأهل المغرب ورواه عنه أيضا ابن رشد في كتاب البيان والتحصيل وأصحاب مالك العراقيون لم يثبتوا هذه الرواية وقد رجع متأخر وأصحابه عن ذلك وأفتوا بتحريمه وقد استدل للمجوزين بما رواه الدارقطني عن ابن عمر أنه لما قرأ قوله تعالى { نساؤكم حرث لكم } فقال ما تدري يا نافع فيما أنزلت هذا الآية قال قلت لا قال لي في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم قال نافع فقلت لابن عمر من دبرها في قبلها قال لا الا في دبرها وروى نحو ذلك عنه الطبراني والحاكم وأبو نعيم وروى النسائي والطبراني من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر نحوه ولم يذكر قوله " لا الا في دبرها " وأخرج أبو يعلى وابن مردوية في تفسيره والطبري والطحاوي من طرق عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وسيأتي بقية الأسباب في نزول الآية

8 - وعن جابر " أن يهود كانت تقول إذا أتيت المرأة في دبرها ثم حملت كان ولدها أحول قال فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم "
- رواه الجماعة إلا النسائي وزاد مسلم " إن شاء مجبية وإن شاء غير مجيبة غير أن ذلك في صمام واحد "

9 - وعن أم سلمة " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } يعني صمام واحدا "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن

10 - وعنها أيضا قالت " لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم وكان المهاجرون يجبون وكانت الأنصار لا تجبى فأراد رجل امرأته من المهاجرين على ذلك فأبت عليه حتى تسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فأته فاستحيت أن تسأله فسألته أم سلمة فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقال لا الا في صمام واحد "
- رواه أحمد ولأبي داود هذا المعنى من رواية ابن عباس

11 - وعن ابن عباس قال " جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال وما الذي أهلكت قال حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه بشيء قال فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتقوا الدبر والحيضة "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب

12 - وعن جابر " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال استحيوا فإن الله لا يستحي من الحق لا يحل مأتاك النساء في حشوشهن "
- رواه الدارقطني

- حديث أم سلمة أورده في التلخيص وسكت عنه ويشهد له حديث ابن عباس الذي أشار إليه المصنف وهو من رواية محمد بن إسحاق عن ابان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس وفيه إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم من العلم وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذ بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرخون النساء شرخا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فانكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتننبني فسرى أمرهما حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله عز و جل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم مقبلات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد وحديث ابن عباس الثاني في قصة عمر لعله الحديث الذي تقدمت الإشارة إليه من طريق عمر نفسه وقد سبق ما فيه وحديث جابر الآخر قد قدمنا في أول الباب الإشارة إليه بضم من الاختلاف على سهيل بن أبي صالح وقد أخرجه من تقدم ذكره : قوله مجبية بضم الميم وبعدها جيم مفتوحة ثم موحدة أي باركة والتجبية الإنكباب على الوجه وأخرج الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوري بلفظ باركة مدبرة في فرجها من ورائها وهذا يدل على أن المراد بقولهم إذا أتيت من دبرها يعتني في قبلها ولا شك أن ذلك هو المراد ويزيد ذلك وضحوحا قوله عقب ذلك ثم حملت فإن الحمل لا يكون إلا من الوطء في القبل : قوله " غير أن ذلك في صمام واحد " هذه الزيادة تشبه أن تكون من تفسير الزهري لخلوها من رواية غيره من أصحاب ابن المنكدر مع كثرتهم كذا قيل وهو الظاهر ولو كانت مرفوعة لما صح قول البزار في الوطء في الدبر لا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا لا في الحصر ولا في الإطلاق وكذا روى نحو ذلك الحاكم عن أبي علي النيسابوري ومثله عن النسائي وقاله قبلهما البخاري كذا قال الحافظ والصمام بكسر الصاد المهملة وتخفيف الميم وهو في الأصل سدادة القارورة ثم سمى به المنفذ كفرج المرأة وهذا أحد الأسباب في نزول الآية وقد ورد ما يدل على أن ذلك هو السبب من طرق عن جماعة من الصحابة في بعضها التصريح بأنه لا يحل إلا في القبل وفي أكثره الارد على اعتراض اليهود وهذا أحد الأقوال والقول الثاني أن السبب النزول اتيان الزوجة في الدبر وقد تقدم ذلك عن ابن عمر وأبي سعيد والثالث أنها نزلت في الأذن بالعزل عن الزوجة وروى ذلك عن ابن عباس أخرجه عنه جماعة منهم ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وروى ذلك أيضا عن ابن عمر أخرجه عنه ابن أبي شيبة قال فأتوا حرثكم اني شئتم أن شاء عزل وأن شاء لم يعزل وروى عن سعيد بن المسيب أخرجه عنه ابن أبي شيبة القول الرابع أن أني شئتم بمعنى إذا شئتم روى ذلك عبد بن حميد عن محمد بن الحنفية عليه السلام

باب احسان العشرة وبيان حق الزوجين

1 - عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن المرأة كالضلع أن ذهب تقيمها كسرتها وأن تركتها استمتعت بها على عوج " وفي لفظ " استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن اعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء "
- متفق عليه

2 - وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر "
- رواه أحمد ومسلم

- قوله " كالضلع " بكسر الضاد وفتح اللام ويسكن فليلا والأكثر الفتح وهو واحد الأضلاع والفائدة في تشبيه المرأة بالضلع التنبيه على أنها معوجة الأخلاق لا تستقيم أبدا فمن حاول حملها على الأخلاق المستقيمة أفسدها ومن تركها على ما هي عليه من الأعوجاج انتفع بها كما أن الضلع المعوج ينكسر عند إرادة جعله مستقيما وإزالة اعوجاجه فإذا تركه الإنسان على ما هو عليه انتفع به وأراد بقوله وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه المبالغة في الإعوجاج والتأكيد لمعنى الكسر بأن تعذر الإقامة في الجهة العليا أمره أظهر وقيل يحتمل أن يكون ذلك مثلا لا على المرأة لأن أعلاها رأسها وفيه لسانها وهو ينشأ منه الإعوجاج قيل وأعوج ههنا من باب الصفة لا من التفضيل لأن أفعل التفضيل لا يضاع من الألوان والعيوب وأجيب بأن الظاهر ههنا أنه من التفضيل وقد جاء ذلك على قلة مع عدم الالتباس بالصفة والضمير في قوله فإن ذهبت تقيمه يرجع إلى الضلع لا إلى أعلاه وهو يذكر ويؤنث ولهذا قال الرواية الأولي تقيمها وفي هذه تقيمه . قوله " استوصوا بالنساء " أي أقبلوا الوصية والمعنى أني أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا أو بمعنى ليوص بعضكم بعضا بهن . قوله " خلقت من ضلع " أي من ضلع آدم الذي خلقت منه حواء . قال الفقهاء أنها خلقت من ضلع آدم ويدل على ذلك قوله { خلقكم من نفس واحدة منها زوجها } وقد روى ذلك من حديث ابن عباس عند ابن إسحاق وروى من حديث مجاهد مرسلا عند ابن أبي حاتم قوله " لا يفرك " بالفاء ساكنة بعدها راء وهو البغض قال في القاموس الفرك بالكسر ويفتح البغضة عامة كالفروك والفركان أو خاص ببغضة الزوجين فركها وفركته كسمع فيهما وكنصر شاذ فركا وفروكا فهي فارك ورجل مفرك كمعظم تبغضه النساء ومفركة يبغضها الرجال انتهى ( والحديث ) الأول فيه الإرشاد إلى ملاطفة النساء والصبر على ما لا يستقيم من أخلاقهن والتنبيه على أنهن خلقن على تلك الصفة التي لا يفيد معها التأديب ولا ينجع عندها النصح فلم يبق إلا الصبر والمحاسنة وترك التأنيب والمخاشنة ( والحديث ) الثاني فيه الإرشاد إلى حسن العشرة والنهي عن البغض للزوجة بمجرد كراهة خلق من أخلاقها فإنها لا تخلوا مع ذلك عن أمر يرضاه منها وإذا كانت مشتملة على المحبوب والمكروه فلا ينبغى ترجيح مقتضى الكراهة على مقتضى المحبة . قال النووي ضبط بعضهم قوله استمتعت بها على عوج بفتح العين وضبطه بعضهم بكسرها ولعل الفتح أكثر وضبطه ابن عساكر وآخرون بالكسر قال وهو الأرجح ثم ذكر كلام أهل اللغة في تفسير معنى المكسور والمفتوح وهو معروف وقد صرح صاحب المطالع بأن أهل اللغة يقولون في الشخص المرئي عوج بالفتح وفيما ليس بمرئي كالرأي والكلام عوج بالكسر قال وانفرد أبو عمرو الشيباني فقال كلاهما بالكسر ومصدرهما بالفتح وكسرها طلاقها . وقد حقق صاحب الكشاف الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى { لا ترى فيها عوجا ولا أمتا }

3 - وعن عائشة قال " كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته وهن اللعب وكان لي صواحب يلعبن معي وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسر بهن إلي فيلعبن معي "
- متفق عليه

4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخوخياركم خياركم لنسائهم "
- رواه أحمد والترمذي وصححه

5 - وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيركم خيركم لأهله وأنا خيرك لأهلي "
- رواه الترمذي وصححه

- قوله " بالبنات " قال في القاموس والبنات التماثيل الصغار يلعب بها انتهى : قوله " للعب " بضم اللام جمع لعبة قال في القاموس واللعبة بالضم التمثال وما يلعب به كالشطرنج ونحوه والأحمق يسخر به . قوله " ينقمعن " قال في القاموس انقمع دخل البيت مستخفيا . ( وفي الحديث ) دليل على أنه يجوز تمكين الصغار من اللعب بالتماثيل وقد روى عن مالك أنه كرهه للرجل أن يشتري لبنته ذلك . وقال القاضي عياض أن اللعب بالبنات للبنات الصغار رخصة وحكى النووي عن بعض العلماء أن إباحة اللعب لهن بالبنات منسوخة بالأحاديث الواردة في تحريم التصوير ووجوب تغييره . قوله لإ " فيسر بهن " بضم حرف المضارعة وفتح السين المهملة وكسر الراء المشددة بعدها موحدة والتسرب الدخول . قال في القاموس وانسرب في جحره وتسرب دخل والمراد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدخل البنات إلى عائشة ليلعبن معها . قوله " أكمل المؤمنين " الخ فيه دليل على أن من ثبت له مزية حسن الخلق كان من أهل الإيمان الكامل فإن كان أحسن الناس خلقا كان أكمل الناس إيمانا وأن خصلة يختلف حال الأيمان باختلافها لخليقة بأن ترغب إليها نفوس المؤمنين . قوله " وخياركم خياركم لنسائهم " وكذلك قوله في الحديث الآخر " خيركم خيركم لأهله " في ذلك تنبيه على أعلى الناس رتبة في الخير وأحقهم بالاتصاف به هو من كان خير الناس لأهله فإن الأهل هم الأحقاء بالبشر وحسن الخلق والإحسان وجلب النفع ودفع الضر فإذا كان الرجل كذلك فهو خير الناس وإن كان على العكس من ذلك فهو في الجانب الآخر من الشر وكثيرا ما يقع الناس في هذه الورطة فترى الرجل إذا لقي أهله كان أسوأ الناس أخلاقا وأشحهم نفسا وأقلهم خيرا وإذا لقي غير الأهل من الأجانب لانت عريكته وانبسطت أخلاقه وجادت نفسه وكثر خيره ولا شك أن من كان كذلك فهو محروم التوفيق زائغ عن سواء الطريق نسأل الله السلامة

6 - وعن أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ايما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة "
- رواه ابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن غريب

7 - وعن أبي هريرة قال " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح "
- متفق عليه

8 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن

9 - وعن أنس بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر ان يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنجبس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه "
- رواه أحمد . وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أن رجلا أمر أمرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود ومن جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نوالها أن تفعل " . رواه أحمد وابن ماجه

11 - وعن عبد الله بن أبي أوفى قال " لما تقدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما هذا يا معاذ قال أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فرددت في نفسي أن أفعل ذلك لك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا تفعلوا فإني لو كنت آمر أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه "
- رواه أحمد وابن ماجه

- حديث أم سلمة ذكر المصنف أن الترمذي قال فيه حديث حسن غريب والذي وقفنا عليه في نسخه صحيحة هذا حديث غريب وقد صححه الحاكم وأقره الذهبي واللفظ الذي ذكره المصنف هو في الترمذي بعد الحديث الذي قبل هذا وهو حديث طلق بن علي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور " قال الترمذي هذا حديث حسن غريب . وحديث أبي هريرة الثاني ذكر المصنف أن الترمذي حسنه والذي وجدناه في نسخة صحيحة ما لفظه قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث غريب من هذا الوجه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة انتهى . وحديث أنس وعائشة وعبد الله بن أبي أوفى أشار إليها الترمذي لأنه قال في جامعه بعد إخراج حديث أبي هريرة المذكور ما لفظه ( وفي الباب ) عن معاذ بن جبل وسراقة بن مالك ابن جعشم وعائشة وابن عباس وعبد الله بن أبي أوفى وطلق بن علي وأسامة بن زيد وأنس وابن عمر انتهى . وقد روى حديث أبي هريرة المذكور البزار بإسناده فيه سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف وروى البزار بإسناد رجاله رجال الصحيح عن أبي سعيد مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " حق الزوج على زوجته لو كان به قرحة فلحستها أو أنتن منخراه صديدا أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه " وأخرج مثل هذا اللفظ البزار من حديث أبي هريرة وأخرج قصة معاذ المذكورة في الباب البزار بإسناد رجاله رجال الصحيح وأخرجها ايضا البزار والطبراني بإسناد آخر وفيه النهاس بن قهم وهو ضعيف وأخرجها ايضا البزار والطبراني بإسناد آخر رجاله ثقات وقضية السجود ثابتة من حديث ابن عباس عند البزار ومن حديث سراقة عند الطبراني ومن حديث عائشة عند أحمد وابن ماجه ومن حديث عائشة عند أحمد وابن ماجة ومن حديث عصمة عند الطبراني وعن غير هؤلاء . وحديث عائشة الذي ذكره المصنف ساقه ابن ماجه بإسناد فيه علي بن زيد بن جدعان وفيه مقال وبقية إسناده من رجال الصحيح . وحديث عبد الله ابن أبي أوفى ساقه ابن ماجه بإسنادصالح فإن ازهر بن مروان والقاسم الشيباني صدوقان فهذه أحاديث في أنه لو صلح السجود لبشر لأمرت به الزوجة لزوجها يشهد بعضها لبعض ويقوي بعضها بعضا . ويؤيد أحاديث الباب ما أخرجه أبو داود عن قيس بن سعد . قال " أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فقلت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق أن يسجد له قال فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت أني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك قال أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له قال قلت لا قال فلا تفعلوا لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق " وفي إسناده شريك بن عبد الله القاضي وقد تكلم فيه غير واحد وأخرج له مسلم في المتابعات . قوله " دخلت الجنة " فيه ترغيب العظيم إلى طاعة الزوج وطلب مرضاته وأ ها واجبة للجنة . قوله " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه قال ابن أبي حمزة الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع ويقويه قوله الولد للفراش أي لمن يطأ في الفراش الوكناية عن الأشياء التي يستحيا منها كثيرة في القرآن والسنة وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلا لقوله حتى تصبح وكأن السر فيه تأكيد ذلك لا أنه يجوز لها الامتناع في النهار وإنما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك
قال في الفتح وقد وقع في رواية يزيد ابن كيسان عن أبي حازم عند مسلم بلفظ " والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها " ولابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر رفعه " ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا تصعد لهم إلى السماء حسنة العبد الآبق حتى يرجع والسكران حتى يصحو والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى " فهذه الإطلاقات تتناول الليل والنهار . قوله فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها " المعصية منها تتحق بسبب الغضب منه بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فلا تكون المعصية متحققة أما لأنه عذرها وإما لأنه ترك حقه من ذلك وقد زقع في رواية للبخاري " غذ باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها " وليس لفظ المفاعلة على ظاهره بل المراد أنها هي التي هجرت وقد تأتي لفظ المفاعلة ويراد بها نفس الفعل ولا يتجه إليها اللوم إلا إذا بدأت هي بالهجرة فغضب هو لذلك أو هجرها وهي ظالمة فلم تتنصل من ذنبها وهجرته أما لو بدأ هو بهجرها ظالما لها فلا ووقع في رواية مسلم " إذا باتت المرأة هاجرة " قوله " لعنتها الملائكة حتى تصبح " في رواية للبخاري " حتى ترجع " وهو كما قال الحافظ أكثر فائدة قال والأولى محمولة على الغالب كما تقدم وأخرج الطبراني والحاكم وصححه من حديث عمر مرفوعا " اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما عبد آبق وامرأة عصت زوجها حتى ترجع " قال في الفتح حاكيا عن المهلب ( وفي الحديث ) جواز لعن العاصي المسلم إذا كان على وجه الإرهاب عليه لئلا يواقع الفعل فإذا واقعه فإنما يدعي له بالتوبة والهداية . قال الحافظ ليس هذا التقييد مستفادا من هذا الحديث بل من أدلة أخرى قال وقد ارتضى بعض مشايخنا ما ذكره المهلب من الاستدلال لهذا الحديث على جواز لعن العاصي المعين وفيه نظر . والحق أن الذي منع اللعن أراد به المعنى اللغوي وهو الإبعاد من الرحمة وهذا لا يليق أن يدعي به على المسلم بل يطلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية والذي أجازه أراد به معناه العرفي وهو مطلق السب قال ولا يخفى أن محله إذا كان بحيث يرتدع العاصي به وينزجر . وأما حديث الباب فليس فيه إلا أن الملائكة تفعل ذلك ولا يلزم منه جواز على الإطلاق . ( وفي الحديث ) دليل على أن الملائكة تدعو على المغاضبة لزوجها الممتنعة من إجابته إلى فراشه وأما كونها تدعو على أهل المعاصي على الإطلاق كما قال في الفتح فإن كان من هذا الحديث فليس فيه إلا الدعاء على فاعل هذه المعصية الخاصة وإن كان من دليل آخر فذاك وأما الاستدلال بهذا الحديث على أنهم يدعون لأهل الطاعة كما فعل أيضا في الفتح ففاسد فإنه لا يدل على ذلك بوجه من وجوه الدلالة وغايته أنه يدل بالمفهوم على أن غير العاصية لا تلعنها الملائكة فمن أين أن المطيعة تدعو لها الملائكة بل من أين أن كل صاحب طاعة يدعون له نعم قول الله تعالى { ويستغفرون للذين آمنوا } يدل على أنهم يدعون للمؤمنين بهذا الدعاء الخاص . وحكي في الفتح عن ابن أبي جمرة أنه قال وهل الملائكة التي تلعنها هم الحفظة أو غيرهم يحتمل الأمرين . قال الحافظ يحتمل أن يكون بعض الملائكة موكلا بذلك ويرشد إلى التعميم ما في رواية لمسلم بلفظ " لعنتها الملائكة الذي في السماء " فإن المراد به سكانها وإخبار الشارع بأن هذه المعصية يستحق فاعلها لعن ملائكة السماء يدل أعظم دلالة على تأكيد وجوب طاعة الزوج وتحريم عصيانه ومغاضبته . قوله " قرحة " أي جرح : قوله " تنجبس " بالجيم والسين المهملة . قال في القاموس بجس الماء والجرح يبجسه شقه قال وبجسه تبجيسا فجره فانبجس وتبجس . قوله " بالقيح " قال في القاموس القيح المدة لا تخالطها دم قاح الجرح يقيح كقاح يقوح . والصديد ماء الجرح الرقيق على ما في القاموس . قوله " نولها " بفتح النون وسكون الواو أي حظها وما يجب عليها أن تفعل والنوول العطاء في الأصل قوله " لاساقفتهم " الأسقف من النصارى العالم الرئيس والبطريق الرجل العظيم ( وفي هذا ) الحديث دليل على أن من سجد جاهلا لغير الله لم يكفر

12 - وعن عمرو بن الأحوص " أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا أن لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا توطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون إلا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن " رواه ابن ماجه والترمذي وصححه وهو دليل على أن شهادته عليها بالزنا لا تقبل لأنه شهد لنفسه بترك حقه والجناية عليه

13 - وعن معاوية القشيري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأله رجل ما حق المرأة على الزوج قال تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

14 - وعن معاذ بن جبل " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأله قال انفق على عيالك من طولك ولا ترفع عنهم عصاك ادبا وأخفهم في الله "
- رواه أحمد

15 - وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه "
- متفق عليه . وفي رواية " لا تصوم امرأة وزوجها شاهد يوما من غير رمضان إلا بإذنه " رواه إلا النسائي وهو حجة لمن يمنعها من صوم النذر وإن كان معينا إلا بإذنه

- حديث عمر بن الأحوص أخرجه أيضا بقية أهل السنن . وحديث معاوية القشيري أخرجه النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري وصححه الحاكم وابن حبان . وحديث معاذ أخرج نحوه الطبراني في الصغير والأوسط عن ابن عمر مرفوعا ولفظه " لاترفع العصا عن أهلك وأخفهم في الله عز و جل " قال في مجمع الزوائد وإسناده جيد : قوله " عوان " جمع عانية والعاني الأسير : قوله " فإن فعلن فاهجروهن " الخ في صحيح مسلم في حديث " فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح " وظاهر حديث الباب أنه لا يجوز الهجر في المضجع والضرب إلا إذا أتين بفاحشة مبينة لا بسبب غير ذلك . وقد ورد النهي عن ضرب النساء مطلقا فأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث اياس بن عبد الله بن أبي ذياب بضم الذال المعجمة وبموحدتين مرفوعا بلفظ " لا تضربوا اماء الله فجاء عمر فقال قد ذئر النساء على أزواجهن فإذن لهم فضربوهن فاطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساء كثيرة فقال لقد أطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعون امرأة كلهن يشكين أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم " ولفظ أبي داود " لقد طاف بأل محمد نساء كثيرة يشكون أزواجهن ليس أولئك بخيارهم " وله شاهد من حديث ابن عباس في صحيح ابن حبان وآخر مرسل من حديث أم كلثوم بنت أبي بكر عند البيهقي . وذئر النساء بفتح الذال المعجمة وتكسر الهمزة بعدها راء أن نشزن وقيل عصين . قال الشافعي يحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن يعني قوله تعالى { واضربوهن } ثم أذن بعد نزولها فيه ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته فإن أكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإبهام لا يعدل إلى الفعل لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله وقد أخرج النسائي عن عائشة قالت " ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة له ولا خادما ولا ضرب بيده شيئا قط إلا في سبيل الله أو تنتهب محارم الله فينتقم لله " وفي الصحيحين " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في أخر اليوم " وفي رواية " من أخر الليلة " وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يسئل الرجل فيم ضرب امرأته " قوله " فلا يوطئن فراشكم من تركهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون " هذا محمول على عدم العلم برضا الزوج أما لو علمت رضاه بذلك فلا حرج عليها كما جرت عادته بإدخال الضيفان موضعا معدا لهم فيجوز إدخالهم سواء كان حاضرا أو غائبا فلا يفتقر ذلك إلى الأذن من الزوج وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ " ولا يأذن في بيته إلا بأذنه " وهو يفيد أن حديث الباب مقيد بعدم الأذن : قوله " ولا تضرب الوجه " فيه دليل على وجوب اجتناب الوجه عند التأديب : قوله " ولا تقبح " أي لا تقول لامرأتك قبحها الله " : قوله " ولا تهجر إلا في البيت " المراد أنه إذا رابه منها أمر فيهجرها في المضجع ولا يتحول عنها إلى دار أخرى أو يحولها إليها ولكنه قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هجر نساءه وخرج إلى مشربة له : قوله " ولا ترفع عنهم عصاك " فيه أنه ينبغي لمن كان له عيال أن يخوفهم فيحذرهم الوقوع فيما لا يليق ولا يكثر تأنيسهم ومداعبتهم فيفضي ذلك إلى الأستخفاف به ويكون سببا لتركهم للآداب المستحسنة وتخلقهم بالأخلاق السيئة :
قوله " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد " أي حاضر ويلحق بالزوج السيد بالنسبة إلى أمته التي يحل له وطؤها . ووقع في رواية للبخاري " وبعلها حاضر " وهي أفيد لأن ابن حزم نقل عن أهل اللغة أن البعل اسم للزوج والسيد فإن ثبت وإلا كان السيد ملحقا بالزوج للاشتراك في المعنى : قوله " إلا بأذنه " يعني في غير صيام أيام رمضان وكذا سائر الصيامات الواجبة ويدل على اختصاص ذلك بصوم التطوع قوله في حديث الباب من غير رمضان وما أخرجه عبد الرزاق من طريق الحسن بن علي بلفظ " لا تصوم المرأة غير رمضان " وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا في اثناء حديث " ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعا إلا بأذنه فإن فعلت لم يقبل منها " والحديث يدل على تحريم صوم التطوع على المرأة بدون أذن زوجها الحاضر وهو قول الجمهور وقال بعض أصحاب الشافعي يكره . قال النووي والصحيح الأول قال فلو صامت بغير أذنه صح وأثمت لاختلاف الجهة وأمر القبول إلى الله . قال النووي أيضا ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهي ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك بل هو أبلغ لأنه يدل على تأكيد الأمر فيه فيكون على التحريم قال وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت وحقه واجب على الفور فلا تفوته بالتطوع وإذا أراد الأستمتاع بها جاز ويفسد صومها وظاهر التقييد بالشاهد أنه يجوز لها التطوع إذا كان الزوج غائبا فلو صامت وقدم في أثناء الصيام قيل فله إفساد صومها ذلك من غير كراهة وفي معنى الغيبة أن يكون مريضا بحيث لا يستطيع الجماع . وحمل المهلب النهي المذكور على التنزيه فقال هو من حسن المعاشرة ولها أن تفعل من غير الفرائض بغير أذنه ما لا يضره وليس له أن يبطل شيئا من طاعة الله إذا دخلت فيه بغير أذنه . قال الحافظ وهو خلاف ظاهر الحديث

باب نهي المسافر أن يطرق أهله بقدومه ليلا

1 - عن أنس قال " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يطرق أهله ليلا وكان يأتيهم غدوة أو عشية "

2 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا "

3 - وعن جابر قال " كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة فلما قدمنا ذهبنا لندخل فقال أمهلوا حتى ندخل ليلا أي عشاء لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة "
- متفق عليهما

4 - وعن جابر قال " نهى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم "
- رواه مسلم . قوله " كان لا يطرق " قال أهل اللغة بالضم المجيء بالليل من سفر أو غيره على غفلة لكل أت بالليل طارق ولا يقال في النهار إلا مجازا . وقال بعض أهل اللغة أصل الطروق الدفع والضرب وبذلك سميت الطريق لأن المارة تدفعها بأرجلها وسمي الأتي بالليل طارقا لأنه محتاج غالبا إلى دق الباب وقيل أصل الطروق السكون ومنه أطرق رأسه فلما كان الليل يسكن فيه سمى الأتي فيه طارقا . قوله " إذا أطال أحدكم الغيبة " فيه إشارة إلى أن علة النهي إنما توجد حينئذ فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما فلما كان الذي يخرج لحاجته مثلا نهارا ويرجع ليلا لا يتأتى له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة قيد الشارع النهي عن الطروق بالغيبة الطويلة والحكمة في النهي عن الطروق أن المسافر ربما وجد أهله مع الطروق وعدم شعورهم بالقدوم على غير أهبة من التنظيف والتزين المطلوب من المرأة فيكون ذلك سبب النفرة بينهما وقد اشار إلى ذلك في الحديث الذي بعده وقد أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن ابن عمر " قال قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة فقال لا تطرق النساء وأرسل من يؤذن للناس أنهم قادمون وأخرج ابن خزيمة أيضا من حديث ابن عمر " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطرق النساء ليلا فطرق رجل فوجد مع امرأته ما يكره " وأخرج نحوه من حديث ابن عباس وقال " رجلان فكيلاهما وجد مع امرأته رجلا وأخرج أبو عوانة في صحيحه عن جابر " أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلا وعندها امرأة تمشطها فظنها رجلا فأشار إليه بالسيف فلما ذكر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا " قوله " حتى تدخل ليلا " ظاهره المعارضة بما تقدم من النهي عن الطروق ليلا وقد جمع المراد بالليل ههنا أوله وبالنهي الدخول في أثناءه فيكون أول الليل إلى وقت العشاء مخصصا من عموم ذلك النهي والأولي في الجمع أن الأذن في الدخول ليلا لمن كان قد أعلم أهله بقدومه فأستعدوا له والنهي لمن لم يكن قد أعلنه . قوله " الشعثة " بفتح المعجمة وكسر العين المهملة بعدها مثلثة وهي التي لم تدهن شعرها وتمشطه . قوله " وتستحد " بحاء مهملة أي تستعمل الحديدة وهي الموسي والمغيبة بضم الميم وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة أي التي غاب عنها زوجها والمراد إزالة الشعر عنها وعبر بالأستحداد لأن الغالب استعماله في إزالة الشعر وليس فيه منع من الإزالة بغير الموسى . قوله " يتخونهم أو يطالب عثراتهم " هكذا بالشك قال سفيان لا أدري هكذا في الحديث أم لا يعني يتخونهم أو يطلب عثراتهم والتخون أن يظن وقوع الخيانة من أهله وعثراتهم بفتح المهملة والمثلثة جمع عثرة وهي الزلة ووقع في حديث جابر عند أحمد والترمذي بلفظ " لا تجلوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم "

باب القسم للبكر والثيب الجديدتين

1 - عن أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام وقال أنه ليس بك هوان على أهلك فإن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي "
- رواه أحمد ومسلموأبو داود وابن ماجه . ورواه الدارقطني ولفظه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها حين دخل بها ليس بك على أهلك هوان إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك وإن شئت سبعت لك وسبعت لنسائي قالت تقيم معي ثلاثا خالصة "

2 - وعن أبي قلابة عن أنس قال " من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم قال أبو قلابة ولو شئت لقلت أن أنسا رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- أخرجها

3 - وعن أنس قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول للبكر سبعة أيام وللثيب ثلاث ثم يعود إلى نسائه "
- رواه الدارقطني

4 - وعن أنس قال " لما أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم صفية أقام عندها ثلاثا وكانت ثيبا "
- رواه أحمد وأبو داود

- لفظ الدارقطني في حديث أم سلمة في إسناده الواقدي وهو ضعيف جدا وحديث أنس الآخر في الإقامة عند صفية أخرجه أيضا النسائي ورجال أبي داود رجال الصحيح . قوله " سبعت لك " في رواية لمسلم " وإن شئت ثلثت ثم درت قالت ثلث " وفي رواية للحاكم أنها أخذت بثوبه مانعة له من الخروج من بيتها فقال لها إن شئت الحديث وفي حديث أم سلمة دليل على أن الزوج إذا تعدى السبع للبكر والثلاث للثيب بطل الإيثار ووجب قضاء سائر الزوجات مثل تلك المدة بالنص في الثيب والقياس في البكر ولكن إذا وقع من الزوج تعدي تلك المدة بأذن الزوجة ومعنى قوله " ليس بك على أهلك هوان " أن لا يلحقك هوان ولا يضيع من حقك قال القاضي عياض المراد بأهلك هنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه أي أني لا أفعل فعلا به هوانك قوله " قال أبو قلابة " الخ قال ابن دقيق العيد قول أبي قلابة يحتمل وجهين . أحدهما أن يكون ظن أنه سمعه عن أنس مرفوعا لفظا فتحرز عنه تورعا والثاني أن يكون رآي أن قول أنس من السنة في حكم المرفوع فلو عبرعنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده لصح لأنه في حكم المرفوع قال والأول أقرب لأن قوله من السنة يقتضي أن يكون مرفوعا بطريق اجتهادي محتمل . وقوله أنه رفعه نص في رفعه وليس للراوي أن ينقل ما هو ظاهر محتمل إلى ما هو نص في رفعه وبهذا يندفع ما قاله بعضهم من عدم الفرق بين قوله من السنة كذا وبين رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وقد روى هذا الحديث جماعة عن أنس وقالوا فيه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في البيهقي ومستخرج الإسماعيلي وصحيح أبي عوانة وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان والدارمي والدارقطني وأحاديث الباب تدل على أن البكر تؤثر بسبع والثيب قيل وهذا في حق من كان له زوجة قبل الجديدة وقال ابن عبد البر حاكيا عن جمهور العلماء أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف وسواء كان عند زوجة أم لا وحكى النووي أنه يستحب إذا لم يكن عند غيرها وإلا فيجب . قال في الفتح وهذا يوافق كلام أكثر الأصحاب وأختار النووي أن لا فرق وإطلاق الشافعي يعضده ويمكن التمسك بقول من أشترط أن يكون عند زوجة قبل الجديدة بقوله في حديث أنس المذكور " إذا تزوج البكر على الثيب " ويمكن الاستدلال لمن لم يشترط بقوله في حديث أنس أيضا للبكر سبع وللثيب ثلاث . قال الحافظ لكن القاعدة أن المطلق محمول على المقيد قال وفيه يعني حديث أنس المذكور حجة على الكوفيين في قولهم أن البكر والثيب سواء في الثلاث وعلى الأوزاعي في قوله للبكر ثلاث وللثيب يومان وفيه حديث مرفوع عن عائشة أخرجه الدارقطني بسند ضعيف جدا انتهى . وحكى في البحر عن أبي حنيفة وأصحابه والحكم وحماد أنها تؤثر البكر على الثيب بذلك المقدار تقديما ويقتضي البواقي مثله وحكى في البحر أيضا عن الحسن البصري وابن المسيب أنها تؤثر البكر بليلتين والثيب بليلة . قال في الفتح تنبيه يكره أن يتأخر في السبع أو الثلاث عن الصلاة وسائر أعمال البر قال وعن ابن دقيق العيد أنه قال أفرط بعض الفقهاء فجعل مقامه عندها عذرا في إسقاط الجمعة وبالغ في التشنيع وأجيب بأنه قياس قول من يقول بوجوبا المقام عندها وهو قول الشافعية ورواه ابن قاسم عن مالك وعنه يستحب وهو وجه للشافعية فعلى الأصح يتعارض عنده الواجبان فيقدم حق الآدني فليس بشنيع وإن كان مرجوحا انتهى . ولا يخفى أن مثل هذا لا يرد به على تشنيع ابن دقيق لأنه شنع على القائل كائن من كان وهو قول شنيع كما ذكر فكيف يجاب عنه بأن هذا قد قال به فلان وفلان اللهم إلا أن يكون ابن دقيق العيد في وجوب المقام بلا استثناء

باب ما يجب فيه التعديل بين الزوجات وما لا يجب

1 - عن أنس قال " كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تسع نسوة وكان إذا قسم بيهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلى تسع فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها "
- رواه مسلم

2 - وعن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا امرأة امرأة فيدنو ويلمس من غير مسيس حتى يفضي إلى التي هو يومها فيبيت عندها "
- رواه أحمد وأبو داود بنحوه . وفي لفظ " كان إذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن " . متفق عليه

3 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلا "
- رواه الخمسة

- حديث عائشة أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححه ولفظ أبي داود في رواية " كان لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا وكان ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها " وحديث أبي هريرة أخرجه الدارمي وابن حبان والحاكم قال واسناده على شرط الشيخين واستغر به الترمذي مع تصحيحه وقال عبد الحق هو خير ثابت لكن علته أن هماما تفرد به وأن هشاما رواه عن قتادة فقال كان يقال وأخرج أبو نعيم عن أنس نحوه . قوله " الي تسع " فيه دليل على أن القسمة كانت بين تسع ولكن المشهور أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقسم بين ثمان من نسائه فقط فكان يجعل لعائشة يومين يومها ويوم سودة الذي وهبته لها ولكن واحدة يوما وفيه دليل على أنه لا يشترط في العدل بين الزوجات أن يفرض لكل واحدة ليلة بحيث لا يجتمع فيها مع غيرها بل يجوز مجالسة غير صاحبة النوبة ومحادثتها ولهذا كن يجتمعن كل ليلة في بيت صاحبة النوبة وكذلك يجوز للزوج دخول غير صاحبة النوبة والدنو منها واللمس إلا الجماع كما في حديث عائشة المذكور : قوله " يميل لأحداهما " فيه دليل على تحريم الميل إلى إحدى الزوجتين دون الأخرى إذا كان ذلك في أمر يملكه الزوج كالقسمة والطعام والكسوة ولا يجب على الزوج التسوية بين الزوجات فيما لا يملكه كالمحبة ونحوها لحديث عائشة الآتي وقد ذهب أكثر الأئمة إلى وجوب القسمة بين الزوجات . وحكى في البحر عن قوم مجاهيل أنه يجوز لمن له زوجتان أن يقف مع احداهما ليلة ومع الأخرى ثلاثا لأن له أن ينكح أربعا وله أيثار أيهما شاء بالليلتين ومثله عن الناصر لكن حمله أصحابه على الحكاية دون أن يكون مذهبه ولا شك إن مثل هذا يعد من الميل الكلي والله يقول { فلا تميلوا كل الميل }

4 - وعن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم فيعدل ويقول اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك "
- رواه الخمسة الا أحمد

5 - وعن عمر " قال قلت يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها لا يغرنك إن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد عائشة فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفق عليه

6 - وعن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه أين أنا غدا يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها متفق عليه "

7 - وعن عائشة " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه "
- متفق عليه

- حديث عائشة أخرجه أيضا الدرامي وصححه ابن حيان والحاكم ورجح الترمذي إرساله فقال رواية حماد بن زيد عن ايوب عن أبي قلابة مرسلا أصح وكذا أعله النسائي والدارقطني . وقال أبو زرعة لا أعلم أحدا تابع حماد بن سلمة على وصله : قوله " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم فيعدل " استدل به من قال ان القسم كان واجبا عليه وذهب بعض المفسرين والأصطخري والمهدي في البحر إلى أنه لا يجب عليه واستدلوا بقوله تعالى { ترجي من تشاء منهن " الآية وذلك من خصائصه : قوله " فلا تلمني فيما تملك ولا أملك قال الترمذي يعني به الحب والمودة كذلك فسره أهل العلم وقد أخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء " قال في الحب والجماع وعند عبيدة بن عمر والسلماني مثله : قوله " إن كانت جارتك " بالفتح للهمزة وبالكسر كما في الفتح والمراد بالجارة ههنا الضرة أو هو على حقيقته لأنها كانت مجاورة لها قال في الفتح والأولى أن يحمل هنا على معنييه لصلاحيته لك منهما والعرب تطلق على الضرة جارة لتجاورهما المعنوي لكونهما عند شخص واحد وإن لم يكن حسيا . قوله " أوضأ منك والوضاءة " ووقع في رواية معمر أوسم من الوسامة والمراد أجمل كأن الجمال وسمة أي علامة . قوله " يريد يوم عائشة " فيه دليل على أنه مجرد أرادة الزوج أن يكون عند بعض نسائه في مرضه أو في غيره لا يكون محرما عليه بل يجوز له ذلك ويجوز للزوجات الأذن له بالوقوف مع واحدة منهن : قوله " إذا أراد أن يخرج سفرا " مفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر وليس على عمومه بل لتعين القرعة من يسافر بها ويجري القرعة أيضا فيما إذا أراد أن يقسم بين نسائه فلا يبدأ بأيتهن شاء بل يقرع بينهن فيبدأ بالتي تخرج لها القرعة إلا أن يرضين بتقديم من أختاره جاز بلا قرعة . قوله " أقرع " استدل بذلك على مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة . قال القاضي عياض هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنها من باب الخطر والقمار وحكى عن الحنفية إجازتها انتهى

باب المرأة تهب يومها لضرتها أو تصالح الزوج على إسقاطه

1 - عن عائشة " أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة "
- متفق عليه

2 - وعن عائشة في قوله تعالى { وإن عائشة } " في قوله تعالى { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } قالت هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج غيرها تقول له أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري وأنت في حل من النفقة علي والقسم لي فذلك قوله تعالى { فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا والصلح خير } وفي رواية " قالت هو الرجل يرى من امرأته ما لا يعجبه كبرا أو غيره فيريد فراقها فتقول أمسكني وأقسم لي ما شئت قالت فلا بأس إذا تراضيا "
- متفق عليهما

3 - وعن عطاء عن ابن عباس قال " كان عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسع وكان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة قال عطاء التي لا يقسم لها صفية بن حيي بن أخطب "
- رواه أحمد ومسلم والتي ترك القسم لها يحتمل أن يكون عن صلح ورضا منها ويحتمل أنه كان مخصوصا بعدم وجوبه عليه لقوله تعالى { ترجى من تشاء منهن الآية }

- قوله " إن سودة " قال في الفتح هي زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان تزوجها وهو بمكة بعد موت خديجة ودخل عليها بها وهاجرت معه . ووقع لمسلم من طريق شريك عن هشام في آخر حديث الباب قالت عائشة وكانت امرأة تزوجها بعدي ومعناه عقد عليها بعد أن عقد على عائشة وأما الدخول بعائشة فكان بعد سودة بالأتفاق وقد نبه على ذلك ابن الجوزي قوله " وهبت يومها " في لفظ البخاري في الهبة يومها وليلتها وزاد في آخره تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولفظ أبي داود " ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وخافت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا رسول الله يومي لعائشة فقيل ذلك منها ففيها وأشباهها نزلت وان امرأة خافت من بعلها نشوزا " الآية ورواه أيضا ابن سعد وسعيد بن منصور والترمذي وعبد الرزاق . قال الحافظ في الفتح فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق فوهبت قال وأخرج ابن سعد بسند رجاله ثقات من رواية القاسم بن أبي برة مرسلا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلقها فقعدت له على طريقه فقالت والذي بعثك بالحق مالي في الرجال حاجة ولكن أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة فأنشدك الذي أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها على قال لا قالت فأنشدك لما راجعتني فراجعها قالت فأني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " قوله " يومها ويوم سودة " لا نزاع أنه يجوز إذا كان يوم الواهبة واليا ليوم الموهوب لها بلا فصل أن يوالي الزوج بين اليومين للموهوب لها وأما إذا كان بينهما نوبة زوجة أخرى أو زوجات فقال العلماء أنه لا يقدمه عن رتبته في القسم الا برضا من بقي وهل يجوز للموهوب لها أن تمتنع عن قبول النوبة الموهوبة فإن كان قد قبل الزوج لم يجز لها الامتناع وإن لم يكن قد قبل لم يكره على ذلك حكى ذلك في الفتح عن العلماء قال وإن وهبت يومها لزوجها ولم تتعرض للضرة فهل له أن يخص واحدة إن كان عنده أكثر من أثنتين أو يوزعه بين من بقي قال وللواهبة في جميع الأحوال الرجوع عن ذلك متى أحبت لكن فيما يستقبل لا فيما مضى . قال في البحر وللواهبة الرجوع متى شاءت فيقضيها ما فوت بعد العلم برجوعها لا قبله . وحديث عائشة يدل على أنه يجوز للمرأة أن تهب يومها لضرتها وهو مجمع عليه كما في البحر والآية المذكورة تدل على أنه يجوز للمرأة أن تصالح زوجها إذا خافت منه أن يطلقها بما تراضيا عليه من اسقاط نفقته أو اسقاط قسمها أو هبة نوبتها أو غير ذلك مما يدخل تحت عموم الآية : قوله قال عطاء التي لا يقسم لها صفية . قد ذكر ابن القيم في أول الهدى عن الكلام على هديه صلى الله عليه وآله وسلم في النكاح والقسم ان هذا غلط وإن صفية إنما اسقطت نوبتها من القسمة مرة واحدة وقالت هل لك أن تطيب نفسك عني وأجعل يومي لعائشة أي ذلك اليوم بعينه في تلك المرة هذا معنى كلامه فليراجع فإنه لم يحضرني وقت الرقم

( كتاب الطلاق )

( باب جوازه للحاجة وكراهته مع عدمها وطاعة الوالد فيه )

بسم الله الرحمن الرحيم
- 1 - عن عمر بن الخطاب " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلق حفصة ثم راجعها "
- رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وهو لأحمد من حديث عاصم بن عمر

2 - وعن لقيط بن صبرة قال " قلت يا رسول الله إن لي امرأة فذكر من بذائها قال طلقها قلت إن لها صحبة وولدا قال مرها أو قل لها فإن يكن فيها خير ستفعل ولا تضرب ظعينتك ضربك أمتك "
- رواه أحمد وأبو داود

3 - وعن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " أبغض الحلال إلى الله عز و جل الطلاق "
- رواه أبو داود وابن ماجه

5 - وعن ابن عمر قال " كانت تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني أن أطلقها فأبيت فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي

- حديث عمر بن الخطاب سكت عنه أبو داود والمنذري وحديث لقيط أخرجه أيضا البيهقي ورجاله رجال الصحيح . وحديث ثوبان حسنه الترمذي وذكر أن بعضهم لم يرفعه . وحديث ابن عمر الأول أخرجه أيضا الحاكم وصححه ورواه أيضا أبو داود وفي اسناد أبي داود يحيى بن سليم وفيه مقال والبيهقي مرسلا ليس فيه ابن عمر ورجح أبو حاتم والدارقطني المرسل وفي اسناده عبيد الله بن الوليد الوصافي وهو ضعيف ولكنه قد تابعه معرف بن واصل ورواه الدارقطني عن معاذ بلفظ " ما خلق الله شيئا أبغض إليه من الطلاق " قال الحافظ وإسناده ضعيف ومنقطع
وأخرج ابن ماجه وابن حبان من حديث أبي موسى مرفوعا " ما بال أحدكم يلعب بحدود الله يقول قد طلقت قد راجعت " وحديث ابن عمر الثاني قال الترمذي بعد اخراجه هذا حديث حسن صحيح إنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب انتهى
قوله : " طلق حفصة " قال في الفتح الطلاق في اللغة حل الوثاق مشتق من الإطلاق وهو الإرسال والترك وفلان طلق اليد بالخير أي كثير البذل وفي الشرع حل عقدة التزويج فقط وهو موافق لبعض أفراد مدلوله اللغوي
قال إمام الحرمين هو لفظ جاهلي ورد الشرع بتقريره وطلقت المرأة بفتح الطاء وضم اللام وبفتحها أيضا وهو أفصح وطلقت أيضا بضم أوله وكسر اللام الثقيلة قال خففت فهي خاص بالولادة والمضارع فيهما بضم اللام والمصدر في الولادة طلقا ساكنة اللام فهي طالق فيهما ثم الطلاق قد يكون حراما ومكروها وواجبا ومندوبا وجائزا أما الأول ففيما إذا كان بدعيا وله صور
وأما الثاني ففيما إذا وقع بغير سبب مع استقامة الحال
وأما الثالث ففي صور منها الشقاق إذا رأى ذلك الحكمان
وأما الرابع ففيما إذا كانت غير عفيفة
وأما الخامس فنفاه النووي وصوره غيره بما إذا كان لا يريدها ولا تطيب نفسه أن يتحمل مؤنتها من غير حصول غرض الاستمتاع فقد صرح الإمام أن الطلاق في هذه الصورة لا يكره انتهى
وفي حديث عمر هذا دليل على أن الطلاق في هذه الصورة لا يكره انتهى
وفي حديث عمر هذا دليل على أن الطلاق يجوز للزوج من دون كراهة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما يفعل ما كان جائزا من غير كراهة ولا يعارض هذا حديث " أبغض الحلال إلى الله " الخ لأن كونه أبغض الحلال لا يستلزم أن يكون مكروها كراهة أصولية
قوله : " طلقها " فيه يحسن طلاق من كانت بذية اللسان ويجوز امساكها ولا يحل ضربها كضرب الأمة وقد تقدم الكلام على ذلك
قوله : " فحرام عليها رائحة الجنة " فيه دليل على أن سؤال المرأة الطلاق من زوجها محرم عليها تحريما شديدا لأن من لم يرح رائحة الجنة غير داخل لها أبدا وكفى بذنب يبلغ بصاحبه إلى ذلك المبلغ مناديا على فظاعته وشدته
قوله : " أبغض الحلال إلى الله " الخ فيه دليل على أن ليس كل حلال محبوبا بل ينقسم إلى ما هو محبوب وإلى ما هو مبغوض
قوله : " طلق امرأتك " دليل صريح يقتضي أنه يجب على الرجل إذا أمره أبوه بطلاق زوجته أن يطلقها وإن كان يحبها فليس ذلك عذرا له في الإمساك ويلحق بالأب الأم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بين أن لها من الحق على الولد ما يزيد على حق الأب كما في حديث " من أبر يا رسول الله فقال أمك ثم سأله فقال أمك ثم سأله فقال أمك وأباك " وحديث " الجنة تحت أقدام الأمهات " وغير ذلك

( باب النهي عن الطلاق في الحيض وفي الطهر بعد أن يجامعها ما لم يبن حملها )

1 - عن ابن عمر " أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا "
- رواه الجماعة إلا البخاري

- وفي رواية عنه " أنه طلق امرأة له وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمر الله تعالى " وفي لفظ " فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " رواه الجماعة إلا الترمذي فإن له منه إلى الأمر بالرجعة . ولمسلم والنسائي نحوه وفي آخره قال ابن عمرو " قرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } وفي رواية متفق عليها " وكان عبد الله طلق تطليقة فحسبت من طلاقها " وفي رواية " كان ابن عمر إذا سئل عن ذلك قال لأحدهم أما إن طلقت امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرني بهذا وإن كنت طلقت ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك وعصيت الله عز و جل فيما أمرك به من طلاق امرأتك " رواه أحمد ومسلم والنسائي
وفي رواية " أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة فانطلق عمر فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر عبد الله فليراجعها فإذا اغتسلت فليتركها حتى تحيض فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها وإن شاء أن يمسكها فليمسكها فإنها العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " رواه الدارقطني وفيه تنبيه على تحريم الوطء والطلاق قبل الغسل

2 - وعن عكرمة قال " قال ابن عباس الطلاق على أربعة أوجه وجهان حلال ووجهان حرام فأما اللذان هما حلال فأن يطلق الرجل امرأته طاهرا من غير جماع أو يطلقها حاملا مستبينا حملها وأما اللذان هما حرام فأن يطلقها حائضا أو يطلقها عند الجماع لا يدري اشتمل الرحم على ولد أم لا "
- رواه الدارقطني

- قوله " طلق امرأته " اسمها أمنة بنت غفار كما حكاه جماعة منهم النووي وابن باطش . وغفار بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وفي مسند أحمد أن اسمها النوار
قوله : " وهي حائض " في رواية " وهي في دمها حائض " وفي أخرى للبيهقي " أنه طلقها في حيضها " قوله " فذكر ذلك عمر " قال ابن العربي سؤال عمر محتمل لأن يكون ذلك لكونهم لم يروا قبلها مثلها فسأله ليعلم ويحتمل أن يكون لما رأى في القرآن { فطلقوهن لعدتهن } ويحتمل أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم النهي فجاء ليسأل عن الحكم بعد ذلك
قوله : " مره فليراجعها " قال ابن دقيق العيد يتعلق بذلك مسألة أصولية وهي أن الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء أو لا فإنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمر مره والمسألة معروفة في كتب الأصول والخلاف فيها مشهور
وقد ذكر الحافظ في الفتح أن من مثل بهذا الحديث لهذه المسألة فهو غالط فإن القرينة واضحة في أن عمر في هذه الكائنة كان مأمورا بالتبليغ ولهذا وقع في رواية أيوب عن نافع فأمره أن يراجعها إلى آخر كلام صاحب الفتح . وظاهر الأمر الوجوب فتكون مراجعة من طلقها زوجها على تلك الصفة واجبة وقد ذهب إلى ذلك مالك وأحمد في رواية والمشهور عنه وهو قول الجمهور الاستحباب فقط قال في الفتح واحتجوا بأن ابتداء النكاح لا يجب فاستدامته كذلك لكن صحح صاحب الهداية من الحنفية أنها واجبة والحجة لمن قال بالوجوب ورود الأمر بها ولأن الطلاق لما كان محرما في الحيض كانت استدامة النكاح فيه واجبة واتفقوا على أنه لو طلق قبل الدخول وهي حائض لم يؤمر بالمراجعة إلا ما نقل عن زفر وحكى ابن بطال وغيره الاتفاق إذا انقضت العدة أنه لا رجعة والاتفاق أيضا على أنه إذا طلقها في طهر قد مسها فيه لم يؤمر بالمراجعة وتعقب الحافظ ذلك بثبوت الخلاف فيه كما حكاه الحناطي من الشافعية وجها
قوله : " ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا " ظاهره جواز الطلاق حال الطهر ولو كان هو الذي يلي الحيضة التي طلقها فيها وبه قال أبو حنيفة وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد الوجهين عن الشافعية وذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعية في الوجه الآخر وأبو يوسف ومحمد إلى المنع وحكاه صاحب البحر عن القاسمية وأبي حنيفة وأصحابه وفيه نظر فإن الذي في كتب الحنفية هو ما ذكرناه من الجواز عن أبي حنيفة والمنع عن أبي يوسف ومحمد واستدل القائلون بالجواز بظاهر الحديث وبأن المنع إنما كان لأجل الحيض فإذا طهرت زال موجب التحريم فجاز الطلاق في ذلك الطهر كما يجوز في غيره من الأطهار واستدل المانعون بما في الرواية الثانية من حديث الباب المذكور بلفظ " ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر " الخ وكذلك قوله في الرواية الأخرى " مر عبد الله فليراجعها فإذا اغتسلت " الخ
قوله : " فتغيظ " قال ابن دقيق العيد تغيظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما لأن المعنى الذي يقتضي المنع كان ظاهرا فكان مقتضى الحال التثبت في ذلك أو لأنه كان مقتضى الحال مشاورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك إذا عزم عليه
قوله : " ثم يمسكها " أي يستمر بها في عصمته حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر
وفي رواية للبخاري " ثم ليدعها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى فإذا طهرت فليطلقها " قال الشافعي غير نافع إنما روي " حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ثم إذا شاء أمسكها وإن شاء طلق " رواه يونس ابن جبير وابن سيرين وسالم
قال الحافظ وهو كما قال لكن رواية الزهري عن سالم موافقة لرواية نافع وقد نبه على ذلك أبو داود والزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظا ( وقد اختلف ) في الحكمة في الأمر بالإمساك كذلك فقال الشافعي يحتمل أن يكون أراد بذلك أي بما في رواية نافع أن يستبرئها بعد الحيضة التي طلقها فيها بطهر تام ثم حيض تام ليكون تطليقها وهي تعلم عدتها إما بحمل أو بحيض أو ليكون تطليقها بعد علمه بالحمل وهو غير جاهل بما صنع أو ليرغب في الحمل إذا انكشفت حاملا فيمسكها لأجله
وقيل في الحكمة في ذلك أن لا تصير الرجعة لغرض الطلاق فإذا أمسكها زمانا يحل له فيه طلاقها ظهرت فائدة الرجعة لأنه قد يطول مقامه معها فيجامعها فيذهب ما في نفسه فيمسكها
قوله : " قبل أن يمسها " استدل بذلك على أن الطلاق في طهر جامع فيه حرام وبه صرح الجمهور وهل يجبر على الرجعة إذا طلقها في طهر وطئها فيه كما يجبر إذا طلقها حائضا قال بذلك بعض المالكية والمشهور عندهم الإجبار إذا طلق في الحيض لا إذا طلق في طهر وطئ فيه وقال داود يجبر إذا طلقها حائضا نفساء قال في الفتح واختلف الفقهاء في المراد بقوله طاهرا هل المراد انقطاع الدم أو التطهر بالغسل على قولين وهما روايتان عن أحمد والراجح الثاني لما أخرجه النسائي بلفظ " مر عبد الله فليراجعها فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها وإن شاء أن يمسكها فليمسكها " وهذا مفسر لقوله ( فإذا طهرت ) فليحمل عليه وقد تمسك بقوله أو حاملا من قال بأن طلاق الحامل سني وهم الجمهور
وروي عن أحمد أنه ليس بسني
قوله : " فحسبت من طلاقها " بضم الحاء المهملة من الحسبان
وفي لفظ البخاري حسبت علي بتطليقة وأخرجه أبو نعيم كذلك وزاد يعني حين طلق امرأته فسأل عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد تمسك بذلك من قال بأن الطلاق البدعي يقع وهم الجمهور . وذهب الباقر والصادق وابن حزم وحكاه الخطابي عن الخوارج والروافض إلى أنه لا يقع . وحكاه ابن العربي وغيره عن ابن عليه يعني إبراهيم ابن إسماعيل بن علية وهو من فقهاء المعتزلة
قال ابن عبد البر لا يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال
قال وروي مثله عن بعض التابعين وهو شذوذ وقد أجاب ابن حزم عن قول ابن عمر المذكور بأنه لم يصرح بمن حسبها عليه ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعقب بأنه مثل قول الصحابة أمرنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكذا فإنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الحافظ وعندي أنه لا ينبغي أن يجيء فيه الخلاف الذي في قول الصحابي أمرنا بكذا فإن ذلك محله حيث يكون اطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عل ذلك ليس صريحا وليس كذلك في قصة ابن عمر هذه فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الآمر بالمراجعة وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك وإذا أخبر عمر أن الذي وقع منه حسب عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعيدا جدا مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئا برأيه وهو ينقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تغيظ من صنعه حيث لم يشاوره فيما يفعل في القصة المذكورة . واستدل الجمهور أيضا بما أخرجه الدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هي واحدة
قال في الفتح وهذا نص في محل النزاع يجب المصير إليه وقد أورده بعض العلماء على أن ابن حزم فأجابه بأن قوله هي واحدة لعله ليس من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فألزمه بأنه نقض أصله لأن الأصل لا يدفع بالاحتمال وقد أجاب ابن القيم عن هذا الحديث بأنه لا يدري أقاله يعني قوله هي واحدة ابن وهب من عنده أم ابن أبي ذثب أم نافع فلا يجوز أن يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لا يتيقن أنه من كلامه ولا يخفى أن هذا التجويز لا يدفع الظاهر المتبادر من الرفع ولو فتحنا باب دفع الأدلة بمثل هذا ما سلم لنا حديث فالأولى في الجواب المعارضة لذلك بما سيأتي ( ومن حجج ) الجمهور ما أخرجه الدارقطني أيضا " أن عمر قال يا رسول الله أفتحتسب بتلك التطليقة قال نعم " ورجاله إلى شعبة ثقات كما قال الحافظ وشعبة رواه عن أنس بن سيرين عن ابن عمر واحتج الجمهور أيضا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم راجعها فإن الرجعة لا تكون إلا بعد طلاق وأجاب ابن القيم عن ذلك بأن الرجعة قد وقعت في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ثلاثة معان : أحدها بمعنى النكاح قال الله تعالى { فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا } ولا خلاف بين أحد من أهل العلم أن المطلق ههنا هو الزوج الثاني وأن التراجع بينها وبين الزوج الأول وذلك كابتداء النكاح وثانيها الرد الحسن إلى الحالة الأولى التي كانت عليها أو لا كقوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي النعمان بن بشير لما أنحل ابنه غلاما خصه به دون ولده " أرجعه " أيرده فهذا رد ما لم تصح فيه الهبة الجائزة . والثالث الرجعة التي تكون بعد الطلاق ولا يخفى أن الاحتمال يوجب سقوط الاستدلال ولكنه يؤيد حمل الرجعة هنا على الرجعة بعد الطلاق ما أخرجه الدارقطني عن ابن عمر " أن رجلا قال إني طلقت امرأتي البتة وهي حائض فقال عصيت ربك وفارقت امرأتك قال فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر ابن عمر أن يراجع امرأته قال إنه أمر ابن عمر أن يراجعها بطلاق بقي له وأنت لم تبق ما ترتجع به امرأتك
قال الحافظ وفي هذا السياق رد على من حمل الرجعة في قصة ابن عمر على المعنى اللغوي ولكنه لا يخفى أن هذا على فرض دلالته على ذلك لا يصلح للاحتجاج به لأن مجرد فهم ابن عمر لا يكون حجة وقد تقرر أن معنى الرجعة لغة أعم من المعنى الاصطلاحي ولم يثبت أنه ثبت فيها حقيقة شرعية يتعين المصير إليها . ومن حجج القائلين بعدم الوقوع أثر ابن عباس المذكور في الباب ولا حجة لهم في ذلك لأنه قول صحابي ليس بمرفوع ومن جملة ما احتج به القائلون بعدم وقوع الطلاق البدعي ما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عمر بلفظ " طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض قال عبد الله فردها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يرها شيئا " قال الحافظ وإسناد هذه الزيادة على شرط الصحيح وقد صرح ابن القيم وغيره بأن هذا الحديث صحيح لأنه رواه أبو داود عن أحمد بن صالح عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير " أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا فقال ابن عمر طلق ابن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأل عمر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أن عبد الله طلق امرأته وهي حائض قال عبد الله فردها علي ولم يرها شيئا " الحديث فهؤلاء رجال ثقات أئمة حفاظ وقد أخرجه أحمد عن روح ابن عبادة عن ابن جريج ولكنه قد أعل هذا الحديث بمخالفة أبي الزبير لسائر الحفاظ قال أبو داود روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة وأحاديثهم على خلاف ما قال أبو الزبير وقال ابن عبد البر قوله ولم يرها شيئا منكر لم يقله غير أبي الزبير وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف إذا خالفه من هو أوثق منه ولو صح فمعناه عندي والله أعلم ولم يرها شيئا مستقيما لكونها لم تكن عن السنة
وقال الخطابي قال أهل الحديث لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا وقد يحتمل أن يكون معناه ولم يرها شيئا تحرم معه المراجعة أو لم يرها شيئا جائزا في السنة ماضيا في الاختيار
وقد حكى البيهقي عن الشافعي نحو ذلك ويجاب بأن أبا الزبير غير مدفوع في الحفظ والعدالة وإنما يخشى من تدليسه فإذا قال سمعت أو حدثني زال ذلك وقد صرح هنا بالسماع وليس في الأحاديث الصحيحة ما يخالف حديث أبي الزبير حتى يصار إلى الترجيح ويقال قد نخالفه الأكثر بل غاية ما هناك الأمر بالمراجعة على فرض استلزامه لوقوع الطلاق وقد عرفت اندفاع ذلك على أنه لو سلم ذلك الاستلزام لم يصلح لمعارضة النص الصريح أعني ولم يرها شيئا على أنه يؤيد رواية أبي الزبير ما أخرجه سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس ذلك بشيء وقد روى ابن حزم في المحلى بسنده المتصل إلى ابن عمر من طريق عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض لا يعتد بذلك وهذا إسناد صحيح وروى ابن عبد البر عن الشعبي أنه قال إذا طلق امرأته وهي حائض لم يعتد بها في قول ابن عمر
وقد روي زيادة أبي الزبير الحميدي في الجمع بين الصحيحين وقد التزم أن لا يذكر فيه إلا ما كان صحيحا على شرطهما
وقال ابن عبد البر في التمهيد أنه تابع أبا الزبير على ذلك أربعة عبد الله بن عمر ومحمد بن عبد العزيز ابن أبي داود ويحيى بن سليم وإبراهيم بن أبي حسنة ولا شك أن رواية عدم الاعتداد بتلك الطلقة أرجح من رواية الاعتداد المتقدمة فإذا صرنا إلى الترجيح بناء على تعذر الجمع فرواية عدم الاعتداد أرجح لما سلف ويمكن أن يجمع بما ذكره ابن عبد البر ومن معه كما تقدم
قال في الفتح وهو متعين وهو أولى من تغليط بعض الثقات وقد رجح ما ذهب إليه من قال بعدم الوقوع بمرجحات منها قوله تعالى { يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } والمطلق في حال الحيض أو الطهر الذي وطئ فيه لم يطلق بتلك العدة التي أمر الله بتطليق النساء لها كما صرح بذلك الحديث المذكور في الباب وقد تقرر في الأصول أن الأمر بالشيء نهي عن ضده والمنهي عنه نهيا لذاته أو لجزئه أو لوصفه اللازم يقتضي الفساد والفاسد لا يثبت حكمه . ومنها قول الله تعالى { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } ولا أقبح من التسريح الذي حرمه الله ومنها قوله تعالى { الطلاق مرتان } ولم يرد إلا المأذون فدل على أن ما عداه ليس بطلاق لما في هذا التركيب من الصيغة الصالحة للحصر أعني تعريف المسند إليه باللام الجنسية . ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وهو حديث صحيح شامل لكل مسألة مخالفة لما عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومسألة النزاع من هذا القبيل فإن الله لم يشرع هذا الطلاق ولا أذن فيه فليس من شرعه وأمره وممن ذهب إلى هذا المذهب أعني عدم وقوع البدعي شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وأطال الكلام عليها في الهدى والحافظ محمد ابن إبراهيم الوزير وألف فيها رسالة طويلة في مقدار كراستين في القطع الكامل وقد جمعت فيها رسالة مختصرة مشتملة على الفوائد المذكورة في غيرها

( باب ما جاء في طلاق البتة وجمع الثلاث واختيار تفريقها )

1 - عن ركانة ابن عبد الله " أنه طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فقال والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله ما أردت إلا واحدة قال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطلقها الثانية في زمان عمر بن الخطاب والثالثة في زمن عثمان "
- رواه الشافعي وأبو داود والدارقطني
وقال قال أبو دواد هذا حديث حسن صحيح

- الحديث أخرجه أيضا الترمذي وصححه أيضا ابن حبان والحاكم قال الترمذي لا يعرف إلا من هذا الوجه وسألت محمدا عنه يعني البخاري فقال فيه اضطراب انتهى
وفي إسناده الزبير بن سعيد الهاشمي وقد ضعفه غي واحد وقيل إنه متروك وذكر الترمذي عن البخاري إنه يضطرب فيه تارة يقال فيه ثلاثا وتارة قيل واحدة وأصحها أنها طلقها البتة وأن الثلاث ذكرت فيه على المعني
قال ابن كثير لكن قد رواه أبو داود من وجه آخر وله طرق أخر فهو حسن إن شاء الله
وقال ابن عبد البر في التمهيد تكلموا في هذا الحديث انتهى . وهو مع ضعفه مضطرب ومعارض أما الاضطراب فكما تقدم وقد أخرج أحمد أنه طلق ركانة امرأته في مجلس واحد ثلاثا فحزن عليها وروى ابن إسحاق عن ركانة أنه قال " يا رسول الله إني طلقتها ثلاثا قال قد علمت أرجعها ثم تلا إذا طلقتم النساء " الآية أخرجه أبو داود وأما معارضته فبما روى ابن عباس أن طلاق الثلاث كان واحدة وسيأتي وهو أصح إسنادا وأوضح متنا
وروى النسائي عن محمود بن لبيد قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ثم قال أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال يا ر سول الله ألا أقتله " قال ابن كثير إسناده جيد
وقال الحافظ في بلوغ المرام رواته موثقون

- ( وفي الباب ) عن ابن عباس " قال طلق أبو ركانة أم ركانة فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راجع امرأتك فقال إني طلقتها ثلاثا قال قد علمت راجعها " أخرجه أبو داود ورواه أحمد والحاكم وهو معلول بابن إسحاق فإنه في سنده

- ( والحديث ) يدل على أن من طلق بلفظ البتة وأراد واحدة كانت واحدة وإن أراد ثلاثا كانت ثلاثا ورواية ابن عباس التي ذكرناها أنه أعني ركانة طلقها ثلاثا فأمره صلى الله عليه وآله وسلم بمراجعتها يدل على أن من طلق ثلاثا دفعة كانت في حكم الواحدة وسيأتي الخلاف في ذلك وبيان ما هو الحق
قوله : " فقال صلى الله عليه وآله وسلم والله ما أردت إلا واحدة " الخ فيه دليل على أنه لا يقبل قول من طلق زوجته بلفظ البتة ثم زعم أنه أراد واحدة إلا بيمين ومثل هذا كل دعوى يدعيها الزوج راجعة إلى الطلاق إذا كان له فيها نفع

2 - وعن سهل بن سعد " قال لما لاعن أخو بني عجلان امرأته قال يا رسول الله ظلمتها إن أمسكتها هي الطلاق وهي الطلاق وهي الطلاق "
رواه أحمد

3 - وعن الحسن " قال حدثنا عبد الله بن عمر أن طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين آخرتين عند القرءين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله تعالى إنك قد أخطات السنة والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء وقال فأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فراجعتها ثم قال إذا هي طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك فقلت يا رسول الله أرايت لو طلقتها ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها قال لا كانت تبين منك وتكون معصية "
- رواه الدارقطني

- حديث سهل بن سعد هو عند الجماعة إلا الترمذي بلفظ " فلما فرغا قال عويمر كذبت عليك يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكانت سنة المتلاعنين " وسيأتي في كتاب اللعان والغرض من إيراده ههنا أن الثلاث إذا وقعت في موقف واحد وقعت كلها وبانت الزوجة وأجاب القائلون بأنها لا تقع إلا واحدة فقط عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما سكت عن ذلك لأن الملاعنة تبين بنفس اللعان فالطلاق الواقع من الزوج بعد ذلك لا محل له فكأنه طلق أجنبية ولا يجب انكار مثل ذلك فلا يكون السكوت عنه تقريرا . وحديث الحسن في اسناده عطاء الخرساني وهو مختلف فيه وقد وثقه الترمذي وقال النسائي وأبو حاتم لا بأس به وكذبه سعيد بن المسيب وضعفه غير واحد
وقال البخاري ليس فيمن روى عنه مالك من يستحق الترك غيره
وقال شعبة كان نسيا
وقال ابن حبان كان من خيار عباد الله غير أنه كان كثير الوهم سيء الحفظ يخطئ ولا يدري فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به وأيضا الزيادة التي هي محل الحجة أعني قوله " أرايت لو طلقتها " الخ مما تفرد به عطاء وخالف فيها الحفاظ فانهم شاركوه في أصل الحديث ولم يذكروا الزيادة وأيضا في إسنادها شعيب بن زريق الشامي وهو ضعيف
وقد استدل القائلون بأن الثلاث تقع بأحاديث من جملتها هذا الحديث وأجاب عنه القائلون بأنها تقع واحدة فقط بعدم صلاحيته للاحتجاج لما سلف على أن لفظ الثلاث محتمل

4 - وعن حماد بن زيد قال " قلت لأيوب هل علمت أحد قال في أمرك بيدك أنها ثلاث إلا الحسن قال لا ثم قال اللهم غفرا إلا ما حدثني قتادة عن كثير مولى ابن سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ثلاث قال أيوب فلقيت كثيرا مولى ابن سمرة فسألته فلم يعرفه فرجعت إلى قتادة فأخبرته فقال نسي "
رواه أبو داود والترمذي وقال هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب عن حماد بن زيد

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق