روابط مصاحف م الكاب الاسلامي

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
 

الخميس، 2 يونيو 2022

مجلد 7. و8. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار المؤلف : محمد بن علي بن محمد الشوكاني

 

7   مجلد 7. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار
المؤلف : محمد بن علي بن محمد الشوكاني

3 - وعنه أيضا قال : ( رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم خرج يستسقي قال فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو ثم حول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة )
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي . ورواه مسلم ولم يذكر الجهر بالقراءة

- الحديث الأول أخرجه أيضا أبو عوانة والبيهقي قال تفرد به النعمان بن راشد وقال في الخلافيات رواته ثقات والرواية الأولى من حديث عبد الله بن زيد ذكرها الحافظ في التلخيص والفتح ولم يتكلم عليها مع معارضتها للرواية الأخرى المذكورة في الصحيحين . وقد أخرج نحوها ابن قتيبة في الغريب من حديث أنس . وقد اختلفت الأحاديث في تقديم الخطبة على الصلاة أو العكس ففي حديث أبي هريرة وحديث أنس وحديث عبد الله بن زيد عند أحمد أنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة وفي حديث عبد الله بن زيد في الصحيحين وغيرهما
وكذا في حديث ابن عباس عند أبي داود وحديث عائشة المتقدم أنه بدأ بالخطبة قبل الصلاة ولكنه لم يصرح في حديث عبد الله بن زيد الذي في الصحيحين أنه خطب وإنما ذكر تحويل الظهر لمشابهتها للعيد . وكذا قال القرطبي يعتضد القول بتقديم الصلاة على الخطبة بمشابهتها للعيد وكذا ما تقرر من تقديم الصلاة أمام الحاجة . قال في الفتح ويمكن الجمع بين ما اختلف من الروايات في ذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم بدأ بالدعاء ثم صلى ركعتين ثم خطب فاقتصر بعض الرواة على شيء وعبر بعضهم بالدعاء عن الخطبة فلذلك وقع الاختلاف والمرجح عند الشافعية والمالكية الشروع بالصلاة وعن أحمد رواية كذلك
قال النووي وبه قال الجماهير وقال الليث بعد الخطبة وكان مالك يقول به ثم رجع إلى قول الجماهير . قال قال أصحابنا ولو قدم الخطبة على الصلاة صحتا ولكن الأفضل تقديم الصلاة كصلاة العيد وخطبتها . وجاء في الأحاديث ما يقتضي جواز التقديم والتأخير واختلفت الرواية في ذلك عن الصحابة انتهى
وجواز التقديم والتأخير بلا أولوية هو الحق وحكى المهدي في البحر عن الهادي والمؤيد بالله أنه لا خطبة في الاستسقاء واستدلا لذلك بقول ابن عباس الآتي ولم يخطب كخطبتكم وهو غفلة عن أحاديث الباب وابن عباس إنما نفى وقوع خطبة منه صلى الله عليه وآله وسلم مشابهة لخطبة المخاطبين ولم ينف وقوع مطلق الخطبة منه صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك ما وقع في الرواية التي ستأتي من حديثه أنه صلى الله عليه وآله وسلم رقى المنبر . وقد دلت الأحاديث الكثيرة على مشروعية صلاة الاستسقاء وبذلك قال جمهور العلماء من السلف والخلف ولم يخالف في ذلك إلا أبو حنيفة مستدلا بأحاديث الاستسقاء التي ليس فيها صلاة
( واحتج الجمهور ) بالأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى الاستسقاء ركعتين ) وهي مشتملة على الزيادة التي لم تقع منافية فلا معذرة عن قبولها وقد وقع الإجماع من المثبتين للصلاة على أنها ركعتان كما حكى ذلك النووي في شرح مسلم والحافظ في الفتح للتصريح بذلك في أحاديث الباب وغيرها
وقال الهادي أنها أربع بتسليمتين واستدل له بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استسقى في الجمعة وهي بالخطبة أربع ونصب مثل هذا الكلام الذي هو عن الدلالة على مطلوب المستدل بمراحل في مقابلة الأدلة الصحيحة الصريحة من الغرائب التي يتعجب منها . ووقع الاتفاق أيضا بين القائلين بصلاة الاستسقاء على أنها سنة غير واجبة كما حكى ذلك النووي وغيره واختلف في صفة صلاة الاستسقاء فقال الشافعي وابن جرير وروى عن ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز أنه يكبر فيها كتكبير العيد وبه قال زيد بن علي ومكحول وهو مروي عن أبي يوسف ومحمد
وقال الجمهور أنه لا تكبير فيها واختلفت الرواية عن أحمد في ذلك وقال داود أنه مخير بين التكبير وتركه
( واستدل ) الأولون بحديث ابن عباس الآتي بلفظ ( فصلى ركعتين كما يصلي في العيد ) وتأوله الجمهور على أن المراد كصلاة العيد في العدد والجهر بالقراءة وكونها قبل الخطبة . وقد أخرج الدارقطني من حديث ابن عباس أنه يكبر فيها سبعا وخمسا كالعيد وأنه يقرأ فيه بسبح وهل أتاك وفي إسناده محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري وهو متروك
( وأحاديث الباب ) تدل على أنه يستحب للإمام أن يستقبل القبلة ويحول ظهره إلى الناس ويحول رداءه وسيأتي الكلام على ذلك قوله ( جهر فيهما بالقراءة ) قال النووي في شرح مسلم أجمعوا على استحبابه وكذلك نقل الإجماع على استحباب الجهر ابن بطال

4 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ( وسئل عن الصلاة في الاستسقاء فقال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متواضعا متبذلا متخشعا متضرعا فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه )
- رواه أحمد والنسائي وابن ماجه . وفي رواية : ( خرج متبذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فرقى المنبر ولم يخطب خطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ثم صلى ركعتين ) . رواه أبو داود وكذلك النسائي والترمذي وصححه لكن قالا ( وصلى ركعتين ) ولم يذكر الترمذي رقى المنبر )

- الحديث أخرجه أيضا أبو عوانة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي وصححه أيضا أبو عوانة وابن حبان
قوله ( متبذلا ) أي لابسا البذلة تاركا الثياب الزينة تواضعا لله تعالى : قوله ( متخشعا ) أي مظهرا للخشوع ليكون ذلك وسيلة إلى نيل ما عند الله عز و جل وزاد في رواية مترسلا أي غير مستعجل في مشيه : قوله ( متضرعا ) أي مظهرا للضراعة وهي التذلل عند طلب الحاجة . قوله ( فصلى ركعتين ) فيه دليل على استحباب الصلاة وأنها قبل الخطبة وقد تقدم الكلام في ذلك . قوله ( كما يصلي في العيد ) تمسك به الشافعي ومن معه في مشروعية التكبير في صلاة الاستسقاء وقد تقدم الجواب عليه : قوله ( ولم يخطب خطبتكم هذه ) النفي متوجه إلى القيد لا إلى المقيد كما يدل على ذلك الأحاديث المصرحة بالخطبة ويدل عليه أيضا قوله في هذا الحديث فرقى المنبر ولم يخطب خطبتكم هذه فلا يصح التمسك به لعدم مشروعية الخطبة كما تقدم

باب الاستسقاء بذوي الصلاح وإكثار الاستغفار ورفع الأيدي بالدعاء وذكر أدعية مأثورة في ذلك

1 - عن أنس رضي الله عنه : ( أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا فيسقون )
- رواه البخاري

- قوله ( كان إذا قحطوا ) قال في الفتح قحطوا بضم القاف وكسر المهملة أي أصابهم القحط قال وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك فأخرج بإسناده ( أن العباس لما استسقى به عمر قال اللهم أنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث ) فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس
وأخرج أيضا من طريق داود بن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب وذكر الحديث وفيه ( فخطب الناس عمر فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله وفيه فما برحوا حتى أسقاهم الله
وأخرج البلاذري من طريق هشام ابن سعد عن زيد بن أسلم فقال عن أبيه بدل ابن عمر فيحتمل أن يكون لزيد فيه شيخان . وذكر ابن سعد وغيره أن عام الرمادة كان سنة ثماني عشرة وكان ابتداؤه مصدر الحاج منها ودام تسعة أشهر والرمادة بفتح الراء وتخفيف الميم سمي العام بها لما حصل من شدة الجدب فاغبرت الأرض جدا من عدم المطر قال ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه انتهى كلام الفتح
وظاهر قوله كان إذا قحطوا استسقى بالعباس أنه فعل ذلك مرارا كثيرة كما يدل عليه لفظ كان فإن صح أنه لم يقع منه ذلك إلا مرة واحدة كانت مجردة عن معناها الذي هو الدلالة على الاستمرار

2 - وعن الشعبي رضي الله عنه قال : ( خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار فقالوا ما رأيناك استسقيت فقال لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء الذي يستنزل به المطر ثم قرأ استغفروا ربكم أنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه الآية )
- رواه سعيد في سنه

- قوله ( فلم يزده على الاستغفار ) فيه استحباب الاستكثار من الاستغفار لأن منع القطر متسبب عن المعاصي والاستغفار بمحوها فيزول بزوالها المانع من القطر قوله ( بمجاديح ) بجيم ثم دال مهملة ثم حاء مهملة أيضا جمع مجدح كمنبر . قال في القاموس مجاديح السماء أنواؤها انتهى . والمراد بالأنواء النجوم التي يحصل عندها المطر عادة فشبه الاستغفار بها . واستدل عمر بالآيتين على أن الاستغفار الذي ظن الاقتصار عليه لا يكون استسقاء من أعظم الأسباب التي يحصل عندها المطر والخصب لأن الله جل جلاله قد وعد عباده بذلك وهو لا يخلف الوعد ولكن إذا كان الاستغفار واقعا من صميم القلب وتطابق عليه الظاهر والباطن وذلك مما يقل وقوعه

3 - وعن أنس رضي الله عنه قال : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه )
- متفق عليه . ولمسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استسقى فأشار بظهر كفه إلى السماء )

- قوله ( إلا في الاستسقاء ) ظاهره نفي الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء وهو معارض للأحاديث الثابتة في الرفع في غير الاستسقاء وهي كثيرة وقد أفردها البخاري بترجمة في آخر كتاب الدعوات وساق فيها عدة أحاديث وصنف المنذري في ذلك جزءا
وقال النووي في شرح مسلم وهي أكثر من أن تحصر قال وقد جمعت منها نحوا من ثلاثين حديثا من الصحيحين أو أحدهما قال وذكرتها في آخر باب صفة الصلاة في شرح المهذب انتهى
فذهب بعض أهل العلم إلى أن العمل بها أولى وحمل حديث أنس على نفي رؤيته وذلك لا يستلزم نفي رؤية غيره وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يحمل النفي على جهة مخصوصة أما على الرفع البليغ . ويدل عليه قوله ( حتى يرى بياض إبطيه ) ويؤيده أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد بها مد اليدين وبسطهما عند الدعاء وكأنه عند الاستسقاء زاد على ذلك فرفعهما إلى جهة وجهه حتى حاذتاه وحينئذ يرى بياض إبطيه
وأما على صفة رفع اليدين في ذلك كما في رواية مسلم المذكورة في الباب . ولأبي داود من حديث أنس كان يستسقي هكذا ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه . والظاهر أنه ينبغي البقاء على النفي المذكور عن أنس فلا ترفع اليد في شيء من الأدعية إلا في المواضع التي ورد فيها الرفع ويعمل فيما سواها بمقتضى النفي وتكون الأحاديث الواردة في الرفع في غير الاستسقاء أرجح من النفي المذكور في حديث أنس إما لأنها خاصة فيبنى العام على الخاص أو لأنها مثبتة وهي أولى من النفي وغاية ما في حديث أنس أنه نفي الرفع فيما يعلمه ومن علم حجة على من لم يعلم
قوله ( فأشار بظهر كفه إلى السماء ) قال في الفتح قال علماء السنة في كل دعاء لرفع بلاء أن يرفع يديه جاعلا ظهور كفيه إلى السماء وإذا دعا بحصول شيء أو تحصيله أن يجعل بطن كفيه إلى السماء وكذا قال النووي في شرح مسلم حاكيا بذلك عن جماعة من العلماء
( وقيل الحكمة ) في الإشارة بظهر الكفين في الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقلب الحال كما قيل في تحويل الرداء وقد أخرج أحمد من حديث السائب بن خلاد عن أبيه : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سأل جعل باطن كفيه إليه وإذا استعاذ جعل ظاهرهما إليه ) . وفي إسناده ابن لهيعة وفيه مقال مشهور

4 - وعن أنس رضي الله عنه قال : ( جاء أعرابي يوم الجمعة فقال يا رسول الله هلكت الماشية وهلكت العيال وهلك الناس فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يديه يدعو ورفع الناس أيديهم معه يدعون قال فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا )
- مختصر من البخاري

- قوله ( جاء أعرابي ) لفظ البخاري أتى رجل أعرابي من أهل البادية وفي لفظ له جاء رجل . وفي لفظ دخل رجل المسجد يوم جمعة وسيأتي قال في الفتح لم أقف على تسمية هذا الرجل : قوله ( هلكت الماشية ) في الرواية الآتية في باب ما يقول وما يصنع هلكت الأموال وهي أعم من الماشية ولكن المراد هنا الماشية كما سيأتي . وفي رواية للبخاري ( هلكت الكراع ) بضم الكاف وهي تطلق على الخيل وغيرها . قوله ( وهلكت العيال وهلك الناس ) هو من عطف العام على الخاص . قوله ( فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) زاد مسلم في رواية شريك ( حذاء وجهه ) ولابن خزيمة ( حتى رأيت بياض إبطيه ) وزاد البخاري في رواية ذكرها في الأدب فنظر إلى السماء والحديث سيأتي بطوله وإنما ذكره المصنف ههنا للاستدلال به على مشروعية رفع اليدين عند الاستسقاء

5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله لقد جئتك من عند قوم ما يتزود لهم راع ولا يخطر لهم فحل فصعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنبر فحمد الله ثم قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا طبقا غدقا عاجلا غير رائث ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه من الوجوه إلا قالوا قد أحيينا )
- رواه ابن ماجه

- الحديث إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا محمد بن أبي القاسم أبو الأحوص حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا الربيع حدثنا عبد الله بن إدريس حدثنا حصين عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس فذكره ورجاله ثقات أخرجه أيضا أبو عوانة وسكت عنه الحافظ في التلخيص وقد رويت بعض هذه الألفاظ وبعض معانيها عن جماعة من الصحابة مرفوعة . منها عن أنس وسيأتي . وعن جابر عند أبي داود والحاكم . وعن كعب بن مرة عند الحاكم في المستدرك . وعن عبد الله بن جراد عند البيهقي وإسناده ضعيف جدا . وعن عمرو بن شعيب وسيأتي . وعن المطلب بن حنطب وسيأتي أيضا . وعن ابن عمر عند الشافعي . وعن عائشة بنت الحكم عن أبيها عند أبي عوانة بسند واه . وعن عامر بن خارجة بن سعيد عن جده عند أبي عوانة أيضا . وعن سمرة عند أبي عوانة أيضا وإسناده ضعيف . وعن عمرو بن حريث عن أبيه عند أبي عوانة أيضا . وعن أبي أمامة عند الطبراني وسنده ضعيف ( ولا يخطر لهم فحل ) بالخاء المعجمة ثم الطاء المهملة بعدها راء قال في القاموس خطر الفحل بذنبه يخطر خطرا أو خطرانا وخطيرا ضرب به يمينا وشمالا انتهى
وأراد بقوله لا يخطر لهم فحل أن مواشيهم قد بلغت لقلة المرعى إلى حد من الضعف لا تقوى معه على تحريك أذنابها . قوله ( غيثا ) الغيث المطر ويطلق على النبات تسمية له باسم سببه : قوله ( مغيثا ) بضم الميم وكسر الغين المعجمة وسكون الياء التحتية بعدها ثاء مثلثة وهو المنقذ من الشدة : قوله ( مريئا ) بالهمزة هو المحمود العاقبة المنمى للحيوان . قوله ( مريعا ) بضم الميم وفتحها وكسر الراء وسكون الياء التحتية بعدها عين مهملة هو الذي يأتي بالريع وهو الزيادة مأخوذ من المراعة وهي الخصب . ومن فتح الميم جعله اسم مفعول أصله مريوع كمهيب ومعناه مخصب ويروى بضم الميم وسكون الراء بعدها موحدة مكسورة من قولهم أربع يربع إذا أكل الربيع ويروى بضم الميم ومثناة فوقية مكسورة من قولهم أربع المطر إذا أنبت ما ترتع فيه الماشية
قوله ( طبقا ) هو المطر العام كما في القاموس . قوله ( غدقا ) الغدق هو الماء الكثير وأغدق المطر وأغدودق كبر قطره وغيدق كثر براقه : قوله ( غير رائث ) الريث الإبطاء والرائث المبطئ . قوله ( قد أحببنا ) أي مطرنا لما كان المطر سببا للحياة عبر عن نزوله بالإحياء

6 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا استسقى قال اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت )
- رواه أبو داود

7 - وعن المطلب بن حنطب رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول عند المطر اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق اللهم على الظراب ومنابت الشجر اللهم حوالينا ولا علينا )
- رواه الشافعي في مسنده وهو مرسل

- الحديث الأول أخرجه أبو داود متصلا ورواه مالك مرسلا ورجحه أبو حاتم والحديث الثاني هو مرسل كما قال المصنف وأكثر ألفاظه في الصحيحين وقد تقدم ما في الباب من الأحاديث . قوله ( على الظرب ) بكسر المعجمة وآخره موحدة جمع ظرب بكسر الراء وقد تسكن قيل هو الجبل المنبسط الذي ليس بالعالي وقال الجوهري الرابية الصغيرة : قوله ( اللهم حوالينا ) بفتح اللام وفيه حذف تقديره جعل أو أمطر والمراد به صرف المطر عن الأبنية والدور . قوله ( ولا علينا ) فيه بيان للمراد بقوله حوالينا لأنه يشمل الطرق التي حولهم فأراد إخراجها بقوله ولا علينا . قال الطيبي في إدخال الواو هنا معنى لطيف وذلك لأنه لو أسقطها لكان مستسقيا للأكمام وما معها فقط ودخول الواو يقتضي أن طلب المطر على المذكورات ليس مقصودا لعينه ولكن ليكون وقاية من أذى المطر فليست الواو محصلة للعطف ولكنها للتعليل كقولهم تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها فإن الجوع ليس مقصودا لعينه ولكن ليكون مانعا من الرضاع بأجرة إذ كانوا يكرهون ذلك أنفا انتهى
( والحديث الأول ) يدل على استحباب الدعاء بما اشتمل عليه عند الاستسقاء والحديث الثاني يدل على استحباب الدعاء بما فيه عند نزول المطر

باب تحويل الإمام والناس أرديتهم في الدعاء أو صفته ووقته

1 - عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين استسقى لنا أطال الدعاء وأكثر المسألة قال ثم تحول إلى القبلة وحول رداءه فقلبه ظهرا لبطن وتحول الناس معه )
- رواه أحمد . وفي رواية : ( خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما يستسقي فحول رداءه وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ثم دعا الله عز و جل ) . رواه أحمد وأبو داود . وفي رواية : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استسقى يوما وعليه خميصة له سوداء فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها فثقلت عليه فقلبها الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ) . رواه أحمد وأبو داود

- حديث عبد الله بن زيد أصله في الصحيح وله ألفاظ منها هذه الروايات التي أوردها المصنف ومنها ألفاظ أخر وقد سبق بعضها في باب صفة صلاة الاستسقاء ورجال أبي داود رجال الصحيح
قوله ( ثم تحول إلى القبلة ) في لفظ للبخاري ( ثم حول إلى الناس ظهره ) فيه استحباب استقبال القبلة حال تحويل الرداء وقد سبق بيان الحكمة في ذلك ومحل هذا التحويل بعد الفراغ من الخطبة وإرادة الدعاء كما في الفتح . قوله ( وحول رداءه ) ذكر الواقدي أن طول ردائه صلى الله عليه وآله وسلم كانت ستة أذرع في عرض ثلاثة أذرع وطول إزاره أربعة أذرع وشبر في ذراعين وشبر انتهى : وقد اختلفت الروايات ففي بعضها أنه صلى الله عليه وآله وسلم حول رداءه وفي بعضها أنه قلبه وفسر التحويل في هذه الرواية بالقلب فدل ذلك على أنهما بمعنى واحد كما قال الزين بن المنير واختلفت في حكمة التحويل فجزم المهلب أنه للتفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه وتعقبه ابن العربي بأن من شرط الفأل أن لا يقصد إليه قال وإنما التحويل إمارة بينه وبين ربه قيل له حول رداءك لتحول حالك
قال الحافظ وتعقب بأن الذي جزم به يحتاج إلى نقل والذي رده ورد فيه حديث رجاله ثقات أخرجه الدارقطني والحاكم من طريق جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر ورجح الدارقطني إرساله وعلى كل حال فهو أولى من القول بالظن
وقال بعضهم إنما حول رداءه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع يديه في الدعاء فلا يكون سنة في كل حال وأجيب بأن التحويل من جهة إلى جهة لا يقتضي الثبوت على العاتق فالحمل على المعنى الأول أولى فإن الإتباع أولى من تركه لمجرد احتمال الخصوص انتهى
وقد اختلف في صفة التحويل فقال الشافعي ومالك هو جعل الأسفل أعلى مع التحويل وروى القرطبي عن الشافعي أنه اختار في الجديد تنكيس الرداء لا تحويله والذي في الأم هو الأول . وذهب الجمهور إلى استحباب التحويل فقط واستدل الشافعي ومالك بهمه صلى الله عليه وآله وسلم بقلب الخمصة لأنه لم يدع ذلك إلا لثقلها كما في الرواية المذكورة في الباب . قال في الفتح ولا ريب أن الذي استحبه الشافعي أحوط انتهى . وذلك لأنه اختار الجمع بين التحويل والتنكيس كما تقدم وإذا كان مذهبه ما رواه عنه القرطبي فليس بأحوط
( واستدل الجمهور ) بقوله في رواية حديث الباب فجعل عطافه الأيمن الخ وبقوله فقلبها الأيمن على الأيسر الخ . قال الغزالي في صفة التحويل أو يجعل الباطن ظاهرا وهو ظاهر قوله فقلبه ظهرا لبطن أي جعل ظاهره باطنا وباطنه ظاهرا وقال أبو حنيفة وبعض المالكية أنه لا يستحب شيء من ذلك وخالفهم الجمهور :
قوله ( وتحول الناس معه ) هكذا رواه المصنف رحمه الله تعالى ورواه غيره بلفظ ( وحول ) وفيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من استحباب تحويل الناس بتحويل الإمام . وقال الليث وأبو يوسف يحول الإمام وحده وظاهر قوله ويحول الناس أنه يستحب ذلك للنساء . وقال ابن الماجشون لا يستحب في حقهن : قوله ( وعليه خميصة ) قال في القاموس الخميصة كساء أسود مربع له علمان انتهى

باب ما يقول وما يصنع إذا رأى المطر وما يقول إذا كثر جدا

1 - عن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأى المطر قال اللهم صيبا نافعا )
- رواه أحمد والبخاري والنسائي

2 - وعن أنس قال : ( أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مطر قال فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا لم صنعت هذا قال لأنه حديث عهد بربه )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

- قوله ( صيبا ) بالنصب بفعل مقدر أي اجعله صيبا ونافعا صفة للصيب ليخرج الضار منه والصيب المطر قاله ابن عباس وإليه ذهب الجمهور وقال بعضهم الصيب السحاب ولعله أطلق ذلك مجازا وهو من صاب المطر يصوب إذا نزل فأصاب الأرض
( والحديث ) فيه استحباب الدعاء عند نزول المطر وقد أخرج مسلم من حديث عائشة قالت كان إذا كان يوم ريح عرف ذلك في وجهه فيقول إذا رأى المطر رحمة ) وأخرجه أبو داود والنسائي عنها بلفظ ( كان إذا رأى ناشئا من أفق السماء ترك العمل فإن كشف حمد الله فإن مطر قال اللهم صيبا نافعا ) قوله ( حسر ) أي كشف بعض ثوبه : قوله ( لأنه حديث عهد بربه ) قال العلماء أي بتكوين ربه إياه . قال النووي ومعناه أن المطر رحمة وهو قريب العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها
( وفي الحديث ) دليل أنه يستحب عند أول المطر أن يكشف بدنه ليناله المطر لذلك

3 - وعن شريك بن أبي نمر عن أنس : ( أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائما ثم قال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغثنا قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يديه ثم قال اللهم أغثنا اللهم أغثنا قال أنس ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت قال فلا والله ما رأينا سبتا قال ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يخطب فاستقبله قائما فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يديه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر قال فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس قال شريك فسألت أنسا أهو الرجل الأول قال لا أدري )
- متفق عليه

- قوله ( أن رجلا ) في مسند أحمد ما يدل على أن هذا المبهم كعب بن مرة وفي البيهقي من طريق مرسلة ما يدل على أنه خارجة بنحصن بن حذيفة بن بدر الفزاري وزعم بعضهم أنه أبو سفيان بن حرب
قال في الفتح وفيه نظر لأنه جاء في واقعة أخرى . وقال الحافظ لم أقف على تسميته كما تقدم : قوله ( يوم جمعة ) فيه دليل على أنه إذا اتفق وقوع الاستسقاء يوم جمعة اندرجت خطبة الاستسقاء وصلاتها في الجمعة وقد بوب لذلك البخاري وذكر حديث الباب : قوله ( من باب كان نحو دار القضاء ) فسر بعضهم دار القضاء بأنها دار الإمامة قال في الفتح وليس كذلك وإنما هي دار عمر بن الخطاب وسميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دينه فكان يقال لها دار قضاء دين عمر ثم طال ذلك فقيل لها دار القضاء ذكره الزبير بن بكار بسنده إلى ابن عمر . وقد قيل في تفسيرها غير ذلك : قوله ( ثم قال يا رسول الله ) هذا يدل على أن السائل كان مسلما وبه يرد على من قال أنه أبو سفيان لأنه حين سؤاله لذلك لم يكن قد أسلم : قوله ( هلكت الأموال ) المراد بالأموال هنا الماشية لا الصامت : قوله ( وانقطعت السبل ) المراد بذلك أن الإبل ضعفت لقلة القوت عن السفر لكونها لا تجد في طريقها من الكلأ ما يقيم أودها . وقيل المراد نفاذ ما عند الناس من الطعام أو قلته فلا يجدون ما يجلبونه ويحملونه إلى الأسواق : قوله ( فادع الله يغثنا ) هكذا في رواية للبخاري بالجزم وفي رواية له يغيثنا بالرفع وفي رواية له أن يغيثنا فالجزم ظاهر والرفع على الاستئناف أي فهو يغيثنا قال في الفتح وجائز أن يكون من الغوث أو من الغيث والمعروف في كلام العرب غثنا لأنه من الغوث . وقال ابن القطاع غاث الله عباده غيثا وغياثا سقاهم المطر وأغاثهم أجاب دعاءهم ويقال غاث وأغاث بمعنى
قال ابن دريد الأصل غاثه يغوثه غوثا واستعمل أغاثه ومن فتح أوله فمن الغيث ويحتمل أن يكون معنى أغثنا أعطنا غوثا وغيثا : قوله ( فرفع يديه ) فيه استحباب رفع اليد عند دعاء الاستسقاء وقد تقدم الكلام عليه : قوله ( من سحاب ) أي مجتمع : قوله ( ولا قزعة ) بفتح القاف والزاي بعدها مهملة أي سحاب متفرق
وقال ابن سيده القزع من السحاب رقاق . قال أبو عبيدة وأكثر ما يجيء في الخريف . قوله ( وما بيننا وبين سلع ) بفتح المهملة وسكون اللام جبل معروف بالمدينة وقد حكى أنه بفتح اللام . قوله ( من بيت ولا دار ) أي يحجبنا من رؤيته وأشار بذلك إلى أن السحاب كان مفقودا لا مستترا ببيت ولا غيره . قوله ( فطلعت ) أي ظهرت من وراء سلع . قوله ( مثل الترس ) أي مستديرة ولم يرد أنها مثله في القدر . وفي رواية ( فنشأت سحابة مثل رجل الطائر ) . قوله ( فلما توسطت السماء انتشرت ) هذا يشعر بأنها استمرت مستديرة حتى انتهت إلى الأفق وانبسطت حينئذ وكأن فائدته تعميم الأرض بالمطر . قوله ( ما رأينا الشمس سبتا ) هذا كناية عن استمرار الغيم الماطر وهو كذلك في الغالب وإلا فقد يستمر المطر والشمس بادية وقد تحتجب الشمس بغير مطر . وأصرح من ذلك ما وقع في رواية أخرى للبخاري بلفظ ( فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى ) والمراد بقوله سبتا أي من السبت إلى السبت قاله ابن المنير والطبري قال وفيه تجوز لأن السبت لم يكن مبتدأ ولا الثاني منتهي وإنما عبر أنس بذلك لأنه كان من الأنصار وقد كانوا جاوروا اليهود فأخذوا بكثير من اصطلاحهم وإنما سموا الأسبوع سبتا لأنه أعظم الأيام عند اليهود كما أن الجمعة عند المسلمين كذلك وفي تعبيره عن الأسبوع بالسبت مجاز مرسل والعلاقة الجزئية والكلية . وقال صاحب النهاية أراد قطعة من الزمان وكذا قال النووي . ووقع في رواية ستا أي ستة أيام . ووقع في رواية فمطرنا من جمعة إلى جمعة . قوله ( ثم دخل رجل من ذلك الباب ) ظاهره أنه غير الأول لأن النكرة إذا تكررت دلت على التعدد وقد قال شريك في آخر هذا الحديث سألت أنسا أهو الرجل الأول فقال لا أدري وهذا يقتضي أنه لم يجزم بالتغاير
وفي رواية للبخاري عن أنس ( فقام ذلك الرجل أو غيره ) وفي رواية له عنه ( فأتى الرجل فقال يا رسول الله ) ومثلها لأبي عوانة وهذا يقتضي الجزم بكونه واحدا فلعل أنسا تذكره بعد أن نسيه ويؤيد ذلك ما أخرجه البيهقي عنه بلفظ ( فقال الرجل ) يعني الذي سأله يستسقي . قوله ( هلكت الأموال وانقطعت السبل ) أي بسبب غير السبب الأول والمراد أن كثرة الماء انقطع المرعى بسببها فهلكت المواشي من عدم المرعى أو لعدم ما يكنها من المطر ويدل على ذلك ما عند النسائي بلفظ من كثرة الماء . وأما انقطاع السبل فلتعذر سلوك طريق من كثرة الماء . وفي رواية عند ابن خزيمة واحتبس الركبان وفي رواية للبخاري تهدمت البيوت . وفي رواية له هدم البناء وغرق المال . قوله ( يمسكها ) يجوز ضم الكاف وسكونها والضمير يعود إلى الأمطار أو إلى السحاب أو إلى السماء . قوله ( اللهم حوالينا ولا علينا ) تقدم الكلام عليه . قوله ( على الآكام ) بكسر الهمزة وقد تفتح جمع أكمة مفتوحة الحروف جميعا قيل هي التراب المجتمع وقيل هي الحجر الواحد وبه قال الخليل . وقال الخطابي هي الهضبة الضخمة . وقيل الجبل الصغير . وقيل ما ارتفع من الأرض . قوله ( والظراب ) تقدم تفسيره وضبطه . قوله ( وبطون الأودية ) المراد بها ما يتحصل فيه الماء لينتفع به . قوله ( فانقلعت ) أي السماء أو السحابة الماطرة والمعنى أنها أمسكت عن المطر على المدينة
( وفي الحديث ) فوائد منها جواز المكالمة من الخطيب حال الخطبة وتكرار الدعاء وإدخال الاستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر وترك تحويل الرداء والاستقبال والاجتزاء بصلاة الجمعة عن صلاة الاستسقاء كما تقدم . وفيه علم من أعلام النبوة في إجابة الله تعالى دعاء نبيه وامتثال السحاب أمره كما وقع في كثير من الروايات وغير ذلك من الفوائد

كتاب الجنائز

- هي جمع جنازة بكسر الجيم وفتحها قال ابن قتيبة وجماعة والكسر أفصح وحكى صاحب المطالع أنه يقال بالفتح للميت وبالكسر للنعش عليه الميت ويقال عكس ذلك انتهى
والجنازة مشتقة من جنز إذا ستر قاله ابن فارس وغيره والمضارع يجنز بكسر النون قاله النووي . والجنائز بفتح الجيم لا غير قاله النووي والحافظ وغيرهما

باب عيادة المريض

1 - عن أبي هريرة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس )
- متفق عليه

2 - وعن ثوبان قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن المسلم إذا دعا أخاه المسلم لم يزل في مخرفة الجنة حتى يرجع )
- رواه أحمد ومسلم والترمذي

- قوله ( خمس ) في رواية لمسلم ( حق المسلم على المسلم ست ) وزاد ( وإذا استنصحك فانصح له ) وفي رواية للبخاري من حديث البراء ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبع ) وذكر الخمس المذكورة في حديث الباب وزاد ( ونصر المظلوم وإبرار القسم ) والمراد بقوله ( حق المسلم ) أنه لا ينبغي تركه ويكون فعله إما واجبا أو مندوبا ندبا مؤكدا شبيها بالواجب الذي لا ينبغي تركه ويكون استعماله في المعنيين من باب استعمال المشترك في معنييه فإن الحق يستعمل في معنى الواجب كذا ذكره ابن الأعرابي وكذا يستعمل في معنى الثابت ومعنى اللازم ومعنى الصدق وغير ذلك . وقال ابن بطال المراد بالحق هنا الحرمة والصحبة . وقال الحافظ الظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية : قوله ( رد السلام ) فيه دليل على مشروعية رد السلام ونقل ابن عبد البر الإجماع على أن ابتداء السلام سنة وأن رده فرض وصفة الرد أن يقول وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وهذه الصفة أكمل وأفضل فلو حذف الواو جاز وكان تاركا للأفضل وكذا لو اقتصر علي وعليكم السلام بالواو أو بدونها أجزاه فلو اقتصر علي وعليكم لم يجزه بلا خلاف ولو قال وعليكم بالواو ففي أجزائه وجهان لأصحاب الشافعي
وظاهر قوله ( حق المسلم ) أنه لا يرد على الكافر
وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم )
وفي الصحيحين عن أنس : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم ) . وأخرج البخاري نحوه من حديث ابن عمر وقد قطع الأكثر بأنه لا يجوز ابتداؤهم بالسلام وفي الصحيحين عن أسامة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين فسلم عليهم )
وفي الصحيحين أيضا : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى )
قوله ( وعيادة المريض ) فيد دلالة على شرعية عيادة المريض وهي مشروعة بالإجماع وجزم البخاري بوجوبها فقال باب وجوب عيادة المريض قال ابن بطال يحتمل أن يكون الوجوب للكفاية كإطعام الجائع وفك الأسير ويحتمل أن يكون الوارد فيها محمولا على الندب وجزم الداودي بالأول وقال الجمهور بالندب وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض دون بعض وعن الطبري تتأكد في حق من ترجى بركته وتسن فيمن يراعي حاله وتباح فيما عدا ذلك وفي الكافر خلاف ونقل النووي الإجماع على عدم الوجوب
قال الحافظ يعني على الأعيان وعامة في كل مرض : قوله ( واتباع الجنائز ) فيه أن اتباعها مشروع وهو سنة بالإجماع واختلف في وجوبه وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى
قوله ( وإجابة الدعوة ) فيه مشروعية إجابة الدعوة وهي أعم من الوليمة وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الوليمة إن شاء الله تعالى . قوله ( وتشميت العاطس ) التشميت بالسين المهملة والمعجمة لغتان مشهورتان . قال الأزهري قال الليث التسميت ذكر الله تعالى على كل شيء ومنه قولك للعاطس يرحمك الله . وقال ثعلب الأصل فيه المهملة فقلبت معجمة . وقال صاحب المحكم تسميت العاطس معناه الدعاء له بالهداية إلى السمت الحسن . وفيه دليل على مشروعية تسميت العاطس وهو أن يقول له يرحمك الله
وأخرج أبو داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال وليقل أخوه أو صاحبه يرحمك الله ويقول هو يهديكم الله ويصلح بالكم )
وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل أخوه أو صاحبه يرحمك الله فإذا قال يرحمك الله فليقل له يهديكم الله ويصلح بالكم )
وأخرج مالك في الموطأ عن ابن عمر قال : ( إذا عطس أحدكم فقيل له يرحمك الله يقول يرحمنا الله وإياكم ويغفر لنا وإياكم )
والتشميت سنة على الكفاية ولو قال بعض الحاضرين أجزأ عن الباقين ولكن الأفضل أن يقول كل واحد لما في البخاري عن أبي هريرة ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول يرحمك الله تعالى ) وقال أهل الظاهر أنه يلزم كل واحد وبه قال ابن أبي مريم واختاره ابن العربي والتسميت إنما يكون مشروعا للعاطس إذا حمد الله كما في حديث أبي هريرة المذكور
وفي الصحيحين عن أنس قال : ( عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسمت أحدهما ولم يسمت الآخر فقال الذي لم يسمته فلان عطس فسمته وعطست فلم تسمتني فقال هذا حمد الله وأنت لم تحمد الله )
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه ) . وإذا تكرر العطاس فهل يشرع تكرير التسميت أو لا فيه خلاف
وقد أخرج ابن السني بإسناد فيه من لم يتحقق حاله عن أبي هريرة قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا عطس أحدكم فليسمته جليسه وإن زاد على ثلاث فهو مزكوم ولا يسمت بعد ثلاث )
وفي مسلم عن سلمة بن الأكوع : ( أنه قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الثانية إنك مزكوم ) . وأخرج أبو داود والترمذي من حديث سلمة أنه قال له في الثالثة يرحمك الله هذا رجل مزكوم
وأخرج أبو داود والترمذي أيضا عن عبيد بن رفاعة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسميت العاطس ثلاثا فإن زاد فإن شئت سمته وإن شئت فلا ) . ولكنه حديث ضعيف قال الترمذي إسناده مجهول
قال ابن العربي ومعنى قوله إنك مزكوم أي إنك لست ممن يسمت بعد هذا لأن هذا الذي بك زكام ومرض لا خفة العطاس ولكنه يدعى له بدعاء المسلم للمسلم بالعافية والسلامة ولا يكون من باب التسميت
والسنة للعاطس أن يضع ثوبه أو يده على فيه عند العطاس لما أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا عطس وضع ثوبا أو يده على فيه وخفض أو غض بها صوته ) . وحسنه الترمذي
ويكره رفع الصوت بالعطاس لما أخرجه ابن السني عن عبد الله بن الزبير قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله عز و جل يكره رفع الصوت بالتثاؤب والعطاس )
وأخرج أيضا عن أم سلمة قالت : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول التثاؤب الرفيع والعطسة الشديدة من الشيطان )
قوله ( لم يزل في مخرفة الجنة ) بالخاء المعجمة على زنة مرحلة وهي البستان ويطلق على الطريق اللاحب أي الواضح . ولفظ الترمذي ( لم يزل في خرفة الجنة ) والخرف بالضم المخترف والمجتني أفاده صاحب القاموس

3 - وعن علي رضي الله عنه قال ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا عاد المسلم أخاه مشى في خرافة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ملك حتى يمسى وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح )
- رواه أحمد وابن ماجه . وللترمذي وأبي داود نحوه

4 - وعن أنس قال ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث )
- رواه ابن ماجه

5 - وعن زيد ابن أرقم قال ( عادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجع كان بعيني )
- رواه أحمد وأبو داود

- حديث علي قال أبو داود أنه أسند عن علي من غير وجه صحيح وقال الترمذي أنه حسن غريب . وقال أبو بكر البزلر هذا الحديث رواه أبو معاوية عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى . ورواه شعبة عن الحكم عن عبد الله عن نافع وهذا اللفظ لا يعلم رواه الأعلى . وقد رويعن علي من غير وجه وحديث أنس في إسناده مسلم بن علي وهو متروك وحديث زيد بن ارقم سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا البخاري في الأدب المفرد وصححه الحاكم ( وفي الباب ) عن أبي موسى عند البخاري قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عودوا المريض وأطعموا الجائع وفكوا العاني ) وعن جابر عند البخاري وأبي داود قال ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعودني ليس براكب بغل ولا برذون ) وعن أنس غير حديث الباب عند أبي داود قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من توضأ فأحسن الوضوء وعاد أخاه المسلم محتسبا بوعد من جهنم مسير سبعين خريفا ) وفي إسناده الفضل بن دلهم . قال يحيى بن معين ضعيف الحديث وقال أحمد لا يحتفظ . وقال مرة ليس به باس . وقال ابن حبان كان ممن يخطئ فلا يفحش خطؤه حتى يبطل الاحتجاج به ولا أقتفي أثر العدول فيسلك به سنتهم فهو غير محتج به إذا انفرد . وعن عائشة عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي قال ( لما أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب ) وعن عائشة بنت سعد عن أبيها قال ( اشتكيت فجاءني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعودني ووضع يده على جبهتي ثم مسح صدري وبطني ثم قال اللهم اشف سعدا وأتمم له هجرته ) أخرجه البخاري وأبو داود . وعن البراء أشار إليه الترمذي . وعن أبي هريرة عند الترمذي وابن ماجه بلفظ ( من عاد مريضا نادي منادمن السماء طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا ) : قوله ( من خرافة ) بزنة كناسة المخترف والمجتني كذا قال في القاموس قال في الفتح خرفة بضم المعجمة وسكون الراء بعدها فاء هي الثمرة وقيل المراد بها هنا الطريق . والمعنى أن العائد يمشي في طريق يؤديه إلى الجنة والتفسير الأول أولى فقد أخرجه البخاري في الأدب من هذا الوجه وفيه قلت لأبي قلابة ما خرفة الجنة قال جناها وهو عند مسلم من جملة المرفوع : قوله ( إلا بعد ثلاث ) يدل على أن زيارة المريض إنما تشرع بعد مضي ثلاثة أيام من ابتداء مرضه فتقيد به مطلقات الأحاديث الواردة في الزيارة ولكنه غير صحيح ولا حسن كما عرفت فلا يصح لذلك . قوله ( من وجع كان بعيني ) فيه أن وجع العين من الأمراض التي تشرع لها الزيارة فيرد بالحديث على من لم يقل باستحباب زيارة من كان مرضه الرمد ونحوه من الأمراض الخفيفة : ( وأحاديث ) الباب تدل على تأكد مشروعية زيارة المريض وقد تقدم الخلاف في حمكها ويستحب الدعاء للمريض وقد ورد في صفته أحاديث منها حديث عائشة بنت سعد المتقدم . ومنها حديث ابن عباس عند أبي داود والنسائي والترمذي وحسنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ( من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض ) وفي إسناده يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد المعروف بالدالاتي وقد وثقه أبو حاتم وتكلم في غير واحد . ومنها حديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص عند أبي داود قال ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاء الرجل يعود مريضا فليقل اللهم اشف عبدك ينكا لك عدوا أو يمشي لك إلى جنازة )

باب من كان آخر قوله لا إله إلا الله وتلقين المحتضر وتوجيهه وتغميضه الميت والقراءة عنده

1 - عن معاذ قال ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من كان آخر قوله لا إله إلا الله دخل الجنة )
- رواه أحمد وأبو داود

- الحديث أخرجه أيضا الحاكم وفي إسناده صالح ابن أبي غريب . قال ابن القطان لا يعرف واعل الحديث به وتعقب بأنه روى عنه جماعة وذكره ابن حبان في الثقات وقد عزا هذا الحديث ابن معن إلى الصحيحين فغلط فإنه ليس فيهما والذي فيهما لك يقيد بالموت ولكنه روى مسلم من حديث عثمان ( من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة ) وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة عند الطبراني بلفظ ( من قال عند موته لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله لا تطعمه النار أبدا ) وفي إسناده جابر بن يحيى الحضرميز وأخرج النسائي نحوه عن أبي هريرة وحده وأخرج مسلم من حديث أبي ذر قال ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة ) وأخرج الحاكم عن عمر مرفوعا ( أني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه فيموت على ذلك إلا حرم على النار لا إله إلا الله ) وفي الباب أيضا عن طلحة وعبادة وعمر عند أبي نعيم في الحلية . وعن ابن مسعود عند الخطيب مثل حديث الباب . وعن حذيفة عنده أيضا بنحوه . وعن جابر وابن عمر عند الدارقطني في العلل بنحوه أيضا ( والحديث ) يه دليل على نجاة من كان آخر قوله لا إله إلا الله من النار واستحقاقه لدخول الجنة وقد وردت أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما عن الجماعة من الصحابة أن مجرد قوله لا إله إلا الله من موجبات دخول الجنة من غير تقييد بحال الموت فبالأولى أن توجب ذلك إذا قالها في وقت لا تتعقبه معصية

2 - وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( قال لقنوا موتاكم لا إله إلا الله )
- رواه الجماعة إلا البخاري

- وفي الباب عن أبي هريرة عند مسلم بمثل حديث أبي سعيد ورواه ابن حبان عنه وزاد ( فإنه من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة يوما من الدهر وان أصابه ما أصابه قبل ذلك ) وعنه أيضا حديث آخر بلفظ ( إذا ثقلب مرضاكم فلا تملوهم قول لا إله إلا الله ولكن لقنوهم فإنه لم يختم به لمنافق قط ) وفي إسناده محمد بن الفضل ابن عطية وهو متروك . وعن عائشة عن النسائي بنحو حديث الباب . وعن عبد الله ابن جعفر عند ابن ماجه وزاد ( الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين ) وعن جابر عند الطبراني في الدعاء والعقيلي في الضعفاء وفيه عبد الله بن مجاهد وهو متروك
وعن عروة بن مسعوج الثقفي عند العقيلي بإسناد ضعيف . وعن حذيفة عند ابن أبي الدنيا وزاد . ( فإنها تهدم ما قبلها من الخطايا ) وعن ابن عباس عند الطبراني . وعن ابن مسعود عنده أيضا . وعن عطاء بن السائب عن أبيه عن جده عنده أيضا . قال العقيلي روى في الباب أحاديث صحاح عن غير واحد من الصحابة . وروى فيه أيضا عن عمر وعثمان وابن مسعود وأنس وغيرهم هكذا في التلخيص قوله ( لقنوا موتاكم ) قال النووي أي من حضره الموت والمراد ذكر لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه كما في الحديث ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) والأمر بهذا التلقين أمر ندب وأجمع العلماء على هذا التلقين وكرهوا الأكثار عليه والموالاة لئلا يضجره لضيق حاله وشدة كربه فيكره ذلك بقلبه أو يتكلم بكلام لا يليق قالوا وإذا قاله مرة لا يكرر عليه إلا أن يتكلم بعده بكلام آخر فيعاد التعريض له به ليكون آخر كلامه . ويتضمن الحديث الحضور عند المحتضر لتذكيره وتأنيسه واغماض عينيه والقيام بحقوقه وهذا مجمع عليه اه كلام النووي ولكنه ينبغي أن ينظر ما القرينة الصارفة للأمر عن الوجوب

3 - وعن عبيد بن عمير عن أبيه وكانت له صحبة ( أن رجلا قال يا رسول الله ما الكبائر قال هي سبع فذكر منا واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا )
- رواه أبو داود

- الحديث أخرجه أيضا النسائي والحاكم ولفظه عند أبي داود والنسائي ( ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وقد سأله رجل عن الكبائر فقال هن تسع الشرك والسحر وقتل النفس وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات وعقوق الوالدين واستحلال البيت ) الحديث ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند البغوي في الجعديات بنحو حديث الباب ومداره على أيوب بن عتبة وهو ضعيف وقد اختلف عليه فيه . قوله ( قال هي سبع ) بتقديم السين هكذا وقع في نسخ الكتاب الصحيحة التي وقفنا عليها والصواب تسع بتقديم التاء الفوقية ( والحديث ) استدل به على مشروعية توجيه المحتضر إلى القبلة لقوله واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا . وفي الاستدلال به على ذلك نظر لأن المراد بقوله أحياء عند الصلاة وامواتا في اللحد والمحتضر حي غير مصل فلا يتناوله الحديث والإلزام وجوب التوجه إلى القبلة على كل حي وعدم اختصاصه بحال الصلاة وهو خلاف الإجماع . والأولى الاستدلال لمشروعية التوجيه بما رواه الحاكم والبيهقي عن أبي قتادة ( أن البراء بن معرور أوصى أن يوجه للقبلة إذا احتضر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصاب الفطرة ) وقد ذكر هذا الحديث في التلخيص وسكت عنه . وقد اختلف في صفة التوجيه إلى القبلة فقال الهادي والناصر والشافعي في أحد قوليه أنه يوجه مستلقيا ليستقبلها بكل وجهه . وقال المؤيد بالله وأبو حنيفة والامام يحيى والشافعي في أحد قوليه أنه يوجه على جنبه الأيمن وروى عن الأمام يحيى أنه قال الأمران جائزان والأولى أن يوجه على جنبه الأيمن لما أخرجه ابن عدي في الكامل ولم يضعفه من حديث البراء بلفظ ( إذا أخذ أحدكم مضجعه فليتوسد يمينه ) الحديث . أخرجه البيهقي في الدعوات بإسناد قال الحافظ حسن . وأصل الحديث في الصحيحين بلفظ ( إذا أويت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل اللهم أني سلمت نفسي إليك ) وآخره ( فان مت من ليلتك فأنت على الفطرة ) وفي الباب عن عبد الهل ابن زيد عند النسائي والترمذي وأحمد بلفظ ( كان إذا نام وضع يده اليمنى تحت خده ) وعن ابن مسعود عند النسائي والتزمذي وابن ماجه . وعن حفصة عند أبي داود . وعن سلمى أم أبي رافع عند أحمد في المسند بلفظ ( أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند موتها استقبلت القبلة ثم توسدت يمينها ) وعن حذيفة عند الترمذي . وعن أبي قتادة عند الحاكم والبيهقي بلفظ ( كان إذا عرس وعليه ليل توسد يمينه ) وأصله في مسل . ووجه الاستدلال بأحاديث توسد اليمين عند النوم على استحباب أن يكون المحتضر عند الموت كذلك أن النوم مظنة للموت وللإشارة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة ) بعد قوله ( ثم اضطجع على شقك الأيمن ) فإنه يظهر منها أنه ينبغي أن يكون المحتضر على تلك الهيئة

4 - وعن شداد بن أوس قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا حضر موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح وقولوا خيرا فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت )
- رواه أحمد وابن ماجه

- الحديث أخرجه أيضا الحاكم والطبراني في الأوسط والبزار وفي إسناده قزعة ابن سويد قال في التقريب قزعة بفتح القاف والزاي والعين قال في الخلاصة قال أبو حاتم محله الصدق ليس بذاك القوي . وفي الباب عن أم سلمة قالت ( دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال ان الروح إذا قبض تبعه البصر ) أخرجه مسلم : قوله ( فان البصر يتبع الروح ) قال النووي معناه إذا خرج الروح من الجسد تبعه البصر ناظرا اين يذهب قال وفي الروح لغتان التذكير والتأنيث قال وفيه دليل لمذهب أصحابنا التكلمين ومن وافقهم أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن وتذهب الحياة عن الجسد بذهابها وليس عرضا كما قاله آخرون ولا دما كما قاله آخرون وفيها كلام متشعب للمتكلمين اه . قوله ( وقولوا خيرا ) الخ هذا في صحيح مسلم من حديث أم سلمة بلفظ ( لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ) والحديث فيه الندب إلى قول الخير حينئذ من الدعاء والاستغفار له وطلب اللطف به والتخفيف عنه ونحوه وحضور الملائكة حينئذ وتأمينهم . وفيه أن تغميض الميت عند موته مشروع . قال النووي وأجمع المسلمون على ذلك قالوا والحكمة في أن لا يقبح منظره لو ترك أغماضه

5 - وعن معقل بن يسار قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقرؤا يس على موتاكم )
- رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد ولفظه ( يس قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار والآخرة إلا غفر له وأقرؤها على موتاكم )

- الحديث أخرجه أيضا النسائي وابن حبان وصححه وأعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال أبي عثمان وأبيه المذكورين في السند . وقال الدارقطني هذا حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن ولا يصح في الباب حديث قال أحمد في مسنده حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان قال كانت المشيخة يقولون إذا قرئت يعني يس لميت خفف عنه بها وأسنده صاحب مسند الفردوس من طريق مروان بن سالم عن صفوان بن عمر وعن شريح عن أبي الدرداء وأبي ذر قالا ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما ميت يموت فيقرأ عنده يس إلا هون الله عليه ) وفي الباب عن أبي ذر وحده أخرجه أبو الشيخ في فضل القرآن هكذا في التلخيص . قال ابن حبان في صحيحه قوله ( اقراؤا على موتاكم يس ) أراد به من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه وكذلك ( لقينوا موتاكم لا إله إلا الله ) ورده المحب الطبري في القراءة وسلم له في التلقين اه واللفظ نص في الأموات وتناوله للحي المحتضر مجاز فلا يصال إليه إلا لقرينة

باب المبادرة إلى تجهيز الميت وقضاء دينه

1 - عن الحصين بن وحوح ( ان طلحة بن البراء مرض فاتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده انى لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فاذنوني به وعجلوا فانه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهري أهله )
- رواه أبو داود

- الحديث سكت عنه أبو داود وقال المنذري قال أبو القاسم البغوي ولا أعلم روى هذا الحديث غير سعيد بن عثمام البلوي وهو غريب اه وقد وثق سعيد المذكور ابن حبان ولكن في إسناد هذا الحديث عروة ابن سعيد الأنصاري ويقال عزرة عن أبيه وهو وأبوه مجهولان ( وفي الباب ) عن علي ( أن رسول الله قال ثلاث يا علي لا يؤخرن الصلاة إذا آنت والجنازة إذا حضرت والأيم لا تؤخرها مكان قوله لا يؤخرهن وقال هذا حديث غريب وما أرى إسناده بمتصل وأخرجه أيضا ابن ماجه والحاكم وابن حبان واعلال الترمذي له بعدم الأتصال لأنه من طريق عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب قيل ولم يسمع منه وقد قال أبو حاتم أنه سمع منه فاتصل إسناده وقد أعله الترمذي أيضا بجهالة سعيد بن عبد الله الجهني ولكنه عده ابن حبان في الثقات . قوله ( عن الحصين بن وحوح ) هو أنصاري وله صحبة ووحوح بفتح الواو وسكون الحاء المهملة وبعدها واو مفتوحة وحاء مهملة أيضا . وطلحة بن البراء أنصاري له صحبة ( والحديث ) يدل على مشروعية التعجيل بالميت والإسراع في تجهيزه وتشهد له أحاديث الإسراع بالجنازة وستأتي

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( قال نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه )
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن

- الحديث رجال إسناده ثقات إلاعمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن وهو صدوق يخطيء . فيه الحث للورثة على قضاء دين الميت والاخبار لهم بان نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه وهذا مقيد بمن له مال يقضى منه دينه وأما من لامال له ومات عازما على القضاء فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله تعالى يقضي عنه بل ثبت أن مجرد محبة المديون عند موته للقضاء موجبة لتولي الله سبحانه لقضاء دينه وإن كان له مال ولم يقض منه الورثة أخرجه الطبراني عن أبي أمامة مرفوعا ( من دان بدين في نفسه وفاؤه تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء ومن دان بدين وليس في نفسه وفاؤه ومات اقتص الله لغريمه منه يوم القيامة ) وأخرج أيضا من حديث ابن عمر ( الدين دينان فمن مات وهو ينوي قضاؤه فانا وليه ومن مات ولا ينوي قضاءه فذلك الذي يؤخذ من حسناته ليس يومئذ دينار ولا درهم ) وأخرج أيضا من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر ( يؤتى بصاحب الدين يوم القيامة فيقول الله فيم أتلفت أموال الناس فيقول يارب إنك تعلم أنه أتى على اما حرق وأما عرق فيقول فأني سأقضي عنك اليوم فيقضى عنه ) وأخرج أحمد وأبو نعيم في الحلية والبزار والطبراني بلفظ ( يدعى بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله عز و جل فيقول يا بن آدم فيم أخذت هذا الدين وفيم ضيعت حقوق الناس فيقول يا رب إنك تعلم اني أخذته فلم أكل ولم أشرب ولم أضيع ولكن أتي على يدي أما حرق وأما سرق وأما وضيعة فيقول الله صدق عبدي وأنا أحق منه قضي عنك فيدعو الله بشيء فيضعه في كفة ميزانه فترجح حسناته على سيئاته فيدخل الجنة بفضل رحمته ) وأخرج البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد أتلافها أتلفه الله ) وأخرج ابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث ميمونة ( ما من مسلم يدان دينا يعلم الله أنه يريد أداؤه إلا أدى الله عنه في الدنيا والأخرى ) وأخرج الحاكم بلفظ ( من تداين بدين في نفسه وفاؤه ثم مات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء ) وقد ورد أيضا ما يدل على أن من مات من المسلمين مديونا فدينه على من إليه ولاية أمور المسلمين يقضيه عنه من بيت مالهم وإن كان له مال كان لورثته أخرج البخاري من حديث أبي هريرة ( ما من مؤمن إلا وأنا أولى في الدنيا والأخرة أقرؤها إن شئتم النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه ) وأخرج نحوه أحمد وأبو داود والنسائي وأخرج أحمد وأبو يعلى من حديث أنس ( من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا فعلى الله وعلى رسوله ) وأخرج ابن ماجه من حديث عائشة ( من حمل من أمتي دينا فجهد في قضائه فمات قبل أن يقضيه فأنا وليه ) وأخرج ابن سعد من حديث جابر يرفعه ) أحسن الهدى هدى محمد وأشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة من مات فترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي ) وأخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه في حديث آخر ( من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي وأنا أولى بالمؤمنين ) وفي معنى ذلك عدة أحاديث ثبتت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قالها بعد أن كان يمتنع من الصلاة على المديون فلما فتح الله عليه البلاد وكثرت الأموال صلى على من مات مديونا وقضى عنه وذلك مشعربأن من مات مديونا استحق أن يقضى عنه دينه من بيت مال المسلمين وهو أحد المصارف الثمانية فلا يسقط حقه بالموت ودعوى من إدعى اختصاصه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ساقطة وقياس الدلالة ينفي هذه الدعوى في مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( وأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه ) أخرجه أحمد وابن ماجه وسعيد بن منصور والبيهقي وهم لا يقولون أن ميراث من لا وارث له مختص برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أخرج الطبراني من حديث سلمان ما يدل على انتفاء هذه الخصوصية المدعاة ولفظه ( من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا فعلى وعلى الولاة من بعدي من بيت المال )

باب تسجية الميت والرخصة في تقبيله

1 - عن عائشة ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين توفى سجى ببرد حبرة )
- متفق عليه

2 - وعن عائشة ( أن أبا بكر دخل فبصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مسجي ببرده فكشف عن وجهه وأكب عليه فقبله )
- رواه أحمد والبخاري والنسائي

3 - وعن عائشة وابن عباس ( أن أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد موته )
- رواه البخاري والنسائي وابن ماجه

4 - وعن عائشة ( قالت قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل على وجهه )
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه

- حديث عائشة الرابع في إسناده عاصم بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب وهو ضعيف . قوله ( سجى ) بضم السين وبعدها جيم مشددة مكسورة أي غطى . قوله ( حبرة ) بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة بعدها بعدها راء مهملة وهي ثوب فيه أعلام وهي ضرب من برود اليمن وفيه استحباب تسجية الميت قال النووي وهو مجمع عليه وحكمته صيانته من الإنكشاف وستر عورته المتغيرة عن الأعين . قال أصحاب الشافعي ويلف طرف الثوب المسجى به تحت رأسه وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف منه قال وتكون التسجية بعد نزع ثيابه التي توفى فيها لئلا يتغير بدنه بسببها . قوله ( فقبله ) فيه جواز تقبيل الميت تعظيما وتبركا لأنه لم ينقل أنه أنكر أحد من الصحابة على أبي بكر فكان إجماعا . قوله ( قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان ) فيه دلالة على جواز تقبيل الميت كما تقدم . قوله ( حتى رأيت الدموع ) الخ فيه جواز البكاء على الميت وسيأتي تحقيقه

أبواب غسل الميت

باب من يليه ورفقه به وستره عليه

1 - عن عائشة قالت ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غسل ميتا فأدى فيه الأمانة ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقال ليله أقربكم إن كان يعلم فإن لم يكن يعلم فمن ترون عنده حظا من ورع وأمانة )
- رواه أحمد

2 - وعن عائشة ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن كسر عظم الميت مثل كسر عظمه حيا )
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

3 - وعن ابن عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة )
- متفق عليه

4 - عن أبي بن كعب ( أن آدم عليه السلام قبضته الملائكة وغسلوه وكفنوه وحنطوه وحفروا له وألحدوا وصلوا عليه ثم دخلوا قبره فوضعوه في قبره ووضعوا عليه اللبن ثم خرجوا من القبر ثم حثوا عليه التراب ثم قالوا يا بني آدم هذه سنتكم )
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند

- حديث عائشة الأول أخرجه الطبراني في الأوسط وفي إسناده جابر الجعفي وفيه كلام كثير وحديث عائشة الثاني رجاله رجال الصحيح على كلام في سعد بن سعيد الأنصاري . وحديث أبي بن كعب أخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه : قوله ( فأدى فيه الأمانه ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك ) المراد بتأدية الأمانة ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك ( المراد بتأدية الأمانة ) إما كتم ما يرى منه مما يكرهه الناس ويكون قوله ولم يفش عطفا تفسيرا أو يكون المراد بتأدية الأمانة أن يغسل الغسل الذي وردت به الشريعة لأن العلم عند حامله أمانة واستعماله في مواضعه من تأديتها : قوله ( ليله أقربكم ) فيه أن الأحق بغسل الميت من الناس الأقرب إلى الميت بشط أن يكون عالما بما يحتاج إليه من العلم وقد قال بتقديم القريب على غيره الإمام يحيى : قوله ( فمن ترون عنده خطأ من ورع وأمانة ) فيه دليل لما ذهبت إليه الهادوية من اشتراط العدالة في الغاسل وخالفهم الجمهور فإن صح هذا الحديث فذاك وإلا فالظاهر عدم اختصاص هذه القربة بمن ليس فاسقا لأنه مكلف بالتكاليف الشرعية وغسل الميت من جملتها والألزم عدم صحة كل تكليف شرعي منه هو خلاف الإجماع ودعوى صحة بعضها دون بعض بغير دليل تحكم . وقد حكى المهدي في البحر الإجماع على أن غسل الميت واجب على الكفاية . وكذلك حكى الإجماع النووي وناقش دعوى الإجماع صاحب ضوء النهار مناقشة واهية حاصلها أنه لا مستند له إلا أحاديث الفعل وهي لا تفيد الوجوب وأحاديث الأمر بغسل الذي وقصته ناقته والأمر بغسل ابنته صلى الله عليه وآله وسلم والأمر مختلف في كونه للوجوب أو للندب ورد كلامه بأنه إن ثبت الإجماع على الوجوب فلا يضر جهل المستند ويراد أيضا بأن الاختلاف في كون الأمر للوجوب لا يستلزم الاختلاف في كل مأمور به لأنه ربما شهدت لبعض الأوامر قرائن يستفاد منها وجوبه وهذا مما لا يخالف فيه القائل بأن الأمر ليس للوجوب لأن محل الخلاف الأمر المجرد كما تقرر في الأصول نعم قال في الفتح وقد نقل النووي الإجماع على أن غسل الميت فرض كفاية وهو ذهول شديد فإن الخلاف مشهور جدا عند المالكية على أن القرطبي رجح في شرح مسلم أنه سنة ولكن الجمهور على وجوبه وقد رد ابن العربي على من لم يقم بذلك وقال قد توارد به القول والعمل انتهى . وهكذا فليكن التعقب لدعوى الإجماع : قوله ( إن كسر عظم الميت ) الخ فيه دليل على وجوب الرفق بالميت في غسله وتكفينه وحمله وغير ذلك لأن تشبيه كسر عظمه بكسر عظم الحي إن كان في الإثم فلا شك في التحريم وإن كان في التألم فكما يحرم تأليم الحي يحرم تأليم الميت وقد زاد ابن ماجه من حديث أم سلمة لفظ ( في الإثم ) فيتعين الاحتمال الأول : قوله ( من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) فيه الترغيب في ستر عورات المسلم وظاهره عدم الفرق بين الحي والميت فيدخل في عمومه ستر ما يراه الغاسل ونحوه من الميت وكراهة إفشائه والتحدث به وأيضا قد صح الغيبة هي ذكرك لأخيك بما يكره ولا فرق بين الأخ الحي والميت ولا شك أن الميت يكره أن يذكر من عيوبه التي تظهر حال موته فيكون على هذا ذكرها محرما وسيأتي بقية الكلام على هذا في باب الكف عن ذكر مساوى الأموات . قوله ( وعن أبي بن كعب أن آدم ) الخ سيأتي الكلام في تفاصيل ما أشتمل عليه حديث أبي بن كعب هذا في أبوابه من هذا الكتاب

باب ما جاء في غسل أحد الزوجين للآخر

1 - عن عائشة قالت ( رجع إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا في رأسي وأقول وا رأساه فقال بل أنا وارأساه ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك )
- رواه أحمد وابن ماجه

2 - وعن عائشة أنها كانت تقول ( لو أستقبلت من الأمر ما أستدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا نساؤه )
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . وقد ذكرنا أن الصديق أوصى أسماء زوجته أن تغسله فغسلته

- حديث عائشة الأول أخرجه أيضا الدارمي وابن حبان والدارقطني والبيهقي وفي إسناده محمد بن إسحاق وبه أعله البيهقي قال الحافظ ولم ينفرد به بل تابعه عليه صالح بن كيسان عند احمد والنسائي . وأما ابن الجوزي لم يقل غسلتك إلا ابن إسحاق وأصل الحديث عند البخاري بلفظ ( ذاك لو كان وأنا حي فاستفغر لك وأدعو لك ) وأثرها الثاني سكت عنه أبو داود المنذري ورجاله ثقات إلا ابن إسحاق وقد عنعن . وغسل أسماء لأبي بكر الذي أشار إليه المصنف قد تقدم في باب الغسل من غسل الميت من أبواب الغسل وليس فيه إن ذلك كان بوصية من أبي بكر : قوله ( فغسلتك ) فيه دليل على أن المرأة يغسلها زوجها إذا ماتت وهي تغسله قياسا وبغسل أسماء لأبي بكر كما تقدم وعلي لفاطمة كما أخرجه الشافعي والدارقطني وأبو نعيم والبيهقي بإسناد حسن ولم يقع من سائر الصحابة إنكار على علي وأسماء فكان إجماعا . وقد ذهب إلى ذلك العترة الشافعية والأوزاعي وإسحاق والجمهور . وقال أحمد لا تغسله لبطلان النكاح ويجوز العكس عند كالجمهور . وقال أبو حنيفة وأصحابه والشعبي والثوري لا يجوز أن يغسلها لمثل ما ذكر أحمد ويجوز العكس عندهم كالجمهور قالوا لأنه لا عدة عليه بخلافها . ويجاب عن المذهبين الآخرين بأنه إذا سلم ارتفاع حل الاستمتاع بالموت وأنه العلة في جواز نظر الفرج فغايته تحريم نظر الفرج فيجب ستره عند غسل أحدهما للآخر وقد قيل إن النظر إلى الفرج وغيره لازم من لوازم العقد فلا يرتفع بارتفاع جواز الاستمتاع المرتفع بالموت والأصل بقاء حل النظر على ما كان عليه قبل الموت : قوله ( لو استقبلت من الأمر ) الخ قيل فيه أيضا متمسك لمذهب الجمهور ولكنه لا يدل على عدم جواز غسل الجنس لجنسه مع وجود الزوجة ولا على أنها أولى من الرجال لأنه قول صحابية ولا حجة فيه وقد تولى غسله صلى الله عليه وآله وسلم علي والفضل بن العباس وأسامة بن زيد يناول الماء والعباس واقف . قال ابن دحية لم يختلف في أن الذين غسلوه صلى الله عليه وآله وسلم علي والفضل واختلف في العباس وأسامة وقثم وشقران انتهى . وقد استوفى صاحب التلخيص الطرق في ذلك ولم ينقل إلينا أن أحدا من الصحابة أنكر ذلك فكان إجماعا منهم . وروى البزار من طريق يزيد بن بلال قال قال علي ( أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يغسله أحد غيري ) وروى ابن المنذر عن أبي بكر أنه أمرهم أن يغسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنو أبيه وخرج من عندهم

باب ترك غسل الشهيد وما جاء فيه إذا كان جنبا

1 - عن جابر قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجمع بين الرجلين من قتلي أحد في الثواب الواحد ثم يقول أيهم أكثر أخذا للقرآن فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم )
- رواه البخاري والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه . ولأحمد ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في قتل أحد لا تغسلوهم فإن كان جرح أو دم يفوح مسكا يوم القيامة ولم يصل عليهم )

- قول ( يجمع بين الرجلين ) الخ فيه جواز جمع الرجلين في كفن واحد عند الحاجة إلى ذلك والظاهر أنه كان يجمعها في ثوب واحد . وقيل كان يقطع الثوب بينهما نصفين . وقيل المراد بالثوب القبر مجازا ويرده ما وقع في رواية عن جابر فكفن أبي وعمي في نمرة وأحدة . وقد ترجم البخاري على هذا الحديث باب دفن الرجلين والثلاثة في قبر واحد وأورده مختصرا بلفظ ( كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ) وليس فيه تصريح بالدفن . قال ابن رشيد أنه جرى علي عادته من الإشارة إلى ما ليس على شرطه أو اكتفى بالقياس يعني على جمعهم في ثوب واحد انتهى . ولا يخفى أن قوله في هذا الحديث قدمه في اللحد يدل على الجمع بين الرجلين فصاعدا في الدفن . وقد أورد الحديث البخاري باللفظ الذي ذكره المصنف في باب الصلاة على الشهيد فلعل البخاري أشار بما أورده مختصرا إلى هذا لا إلى ما ليس على شرطه ولا سيما مع إتصال باب دفن الرجلين والثلاثة بباب الصلاة على الشهيد بلا فاصل وقد ثبت عن عبد الرزاق بلفظ ( وكان يدفن الرجلين والثلاثة في القبر الواحد ) وورد ذكره الثلاثة أيضا في هذه القصة عند الترمذي وغيره . وروى أصحاب السنن من حديث هشام بن عامر الأنصاري ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الأنصار أن يجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر ) وصححه الترمذي قال في الفتح ويؤخذ من هذا جواز دفن المرأتين في قبر واحد وأما دفن الرجل من المرأة فروى عبد الرزاق بإسناد حسن عن وائلة بن الأسقع أنه كان يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد فيقدم الرجل ويجعل المرأة وراءه وكأنه كان يجعل بينهما حاجزا لا سيما إذا كانا أجنبيين : قوله ( أيهم أكثر أخذ للقرآن ) فيه استحباب تقديم من كان أكثر قرآنا ومثله سائر أنواع الفضائل قياسا . قوله ( ولم يغسلوا ) فيه دليل على أن الشهيد لا يغسل وبه قال الأكثر وسيأتي الكلام في بيان ماهية الشهيد الذي وقع الخلاف في غسله في الصلاة على الشهيد . وقال سعيد بن المسيب والحسن البصري حكاه عنهما ابن المنذر وابن أبي شيبة أنه يغسل وبه قال ابن سريج من الشافعية والحق ما قاله الأولون والاعتذار عن حديث الباب بأتن الترك إنما كان لكثرة القتلى وضيق الحال مردود بعلة الترك المنصوصة كما في رواية أحمد والحاكم وأبي داود والترمذي وقال غريب وغلط بعض المتأرخين فقال وحسنه ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يصل على قتلى أحد ولم يغسلهم ) وعن جابر حديث آخر غير حديث الباب عند أبي داود قال ( رمى رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) وإسناده على شرط مسلم . وعن ابن عباس عند أبي داود وابن ماجه قال ( أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم ) وفي إسناده علي بن عاصم الواسطي وقد تكلم فيه جماعة وعطاء بن السائب وفيه مقال ( وفي الباب ) أيضا عن رجل من الصحابة وسيأتي وقد اختلف في الشهيد إذا كان جنبا أو حائضا وسيأتي الكلام على ذلك وأما سائر من يطلق عليه اسم شهيد كالطعين والمبطون والنفساء ونحوهم فيغسلون إجماعا كما في البحر : قوله ( ولم يصل عليهم ) قال في التلخيص وهو بفتح اللام وعليه المعنى قال النووي ويجوز أن يكون بكسرها ولا يفسد لكنه لا يبقى فيه دليل على ترك الصلاة عليهم مطلقا لأنه من قوله ( لم يصل عليهم أن لا يأمر غيره بالصلاة عليهم ) انتهى . وسيأتي الكلام في الصلاة على الشهيد

2 - وروى محمد بن إسحاق في المغازي بإسناده عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن صاحبكم لتغسله الملائكة يعني حنظلة فسألوا أهله ما شأنه فسئلت صاحيته فقالت خرج وهو جنب حين سمع الهائعة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لذلك غسلته الملائكة )

- الحديث قال في الفتح قصته مشهورة رواها ابن إسحاق وغيره انتهى وأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي من حديث ابن الزبير والحاكم في الإكليل من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف والسرقسطي في غريبه من طريق الزهري مرسلا والحاكم أيضا في المستدرك والطبراني والبيهقي عن ابن عباس أيضا وفي إسناد الحاكم معلى بن عبد الرحمن وهو متروك وفي إسناد الطبراني حجاج وهو مدلس وفي إسناد البيهقي أبو شيبة الواسطي وهو ضعيف جدا ( وفي الباب ) أيضا عن ابن عباس عند الطبراني بإسناد قال الحافظ لا بأس به عنه قال أصيب حمزة بن عبد المطلب وحنظلة بن الراهب وهما جنب فقال ( رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأيت الملائكة تغسلهما ) وهو غريب في ذكر حمزة كما قال في الفتح . قوله ( الهائعة ) هي الصوت الشديد . وقد استدل بالحديث من قال أنه يغسل الشهيد إذا كان جنبا وبه قال أبو حنيفة والمنصور بالله . وقال الشافعي ومالك وأبو يوسف ومحمد وإليه ذهب الهادي والقسم والمؤيد بالله وأبو طالب أنه لا يغسل لعموم الدليل وهو الحق لأنه لو كان واجبا علينا ما اكتفى فيه بغسل الملائكة وفعلهم ليس من تكليفنا ولا أمرنا بالاقتداء بهم

3 - وعن أبي سلام عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( أغرنا على حي من جهينة فطلب رجل من المسلمين رجلا منهم فظربه فأخطأه وأصاب نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخوكم يا معشر المسلمين فابتدره الناس فوجدوه قد مات فلفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه ودفنه فقالوا يا رسول الله أشهيد هو قال نعم وأنا له شهيد )
- رواه أبو داود

- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده سلام بنابي سلام وهو مجهول . وقال أبو داود بعد إخراجه عن سلام المذكور وإنما هو عن زيد بن سلام عن جده أبي سلام انتهى . وزيد ثقة . قوله ( فلفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثيابه ودمائه ) ظاهره أنه لم يغسله ولا أمر بغسله فيكون من أدلة القائلين بأن الشهيد لا يغسل كما تقدم وهو يدل على أن من قتل نفسه في المعركة خطأ حكمه حكم من قتله غيره في ترك الغسل وأما من قتل نفسه عمدا فإنه لا يغسل عند العترة والأوزاعي لفسقه لا لكونه شهيدا : قوله ( وصلى عليه ) فيه إثبات الصلاة على الشهيد وسيأتي الكلام على ذلك . قوله ( قال نعم ) الخ فيه أن من قتل نفسه خطأ شهيد وقد أخرج مسلم والنسائي وأبو داود عن سلمة بن الأكوع قال ( لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالا شديدا فارتد عليه سيفه فقتله فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك وشكوا فيه رجل مات بسلاحه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات جاهدا مجاهدا ) وفي رواية ( كذبوا مات جاهدا مجاهدا فله أجره مرتين ) هذا لفظ أبي داود

باب صفة الغسل

1 - عن أم عطية قالت ( دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين توفيت ابنته فقال اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر واجعلن في الأخيرة كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه فقال أشعرنها إياه يعني إزاره )
- رواه الجماعة . وفي رواية لهم ( إبدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) وفي لفظ ( اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ) وفيه قالت ( فضفرنا شعرها ثلاثة قرون فألقيناها خلفها ) متفق عليهما لكن ليس لمسلم فيه ( فألقيناها خلفها )

- قوله ( حين توفيت ابنته ) في رواية متفق عليها ( ونحن نغسل ابنته ) قال في الفتح ويجمع بينهما بأن المراد أنه دخل حين شرع النسوة في الغسل وابنته المذكورة هي زينب زوج أبي العاص بن الربيع كما في مسلم . وقال الداودي أنها أم كلثوم زوج عثمان . ويدل عليه ما أخرجه ابن ماجه بإسناد على شررط الشيخين كما قال الحافظ ولفظه ( دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم ) وكذا وقع لابن بشكوال في المبهمات عن أم عطية والدولابي في الذرية الطاهرة قال في الفتح فيمكن ترجيح أنها أم كلثوم بمجيئه من طرق متعددة ويمكن الجمع بأن تكون أم عطية حضرتها جميعا فقد جزم ابن عبد البر في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات انتهى . قوله ( إغسلنها ) قال ابن بريدة استدل به على وجوب غسل الميت قال ابن دقيق العيد لكن قوله ( ثلاثا ) الخ ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء فيتوقف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد لأن قوله ثلاثا غير مستقل بنفسه فلا بد أن يكون داخلا تحت صيغة الأمر فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل أو الندب بالنسبة إلى الإيتار انتهى . فمن جوز ذلك جوز الاستدلال بهذا الأمر على الوجوب بدليل آخر . وقد ذهب الكوفيون وأهل الظاهر والمزني إلى إيجاب الثلاث وروى ذلك عن الحسن وهو يرد ما حكاه في البحر من الإجماع على أن الواجب مرة فقط . قوله ( من ذلك ) بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث . قال في الفتح ولم أر في شيء من الروايات بعد قوله سبعا وإما أو أكثر من ذلك إلا في رواية لأبي داود وأما سواه فأما أو سبعا وإما أو أكثر من ذلك انتهى . وهو ذهول منه عما أخرجه البخاري في باب يجعل الكافور فإنه روى حديث أم عطية هنالك بلفظ ( اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك ) وقد صرح المصنف رحمه الله تعالى بأن الجمع بين التعبير بسبع وأكثر متفق عليه كما وقع في حديث الباب لكن قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا قال بمجاوزة السبع . وصرح بأنها مكروهة أحمد والماوردي وابن المنذر : قوله ( إن رأيتن ذلك ) فيه دليل على التفويض إلى اجتهاد الغاسل ويكون ذلك بحسب الحاجة لا التشهي كما قال في الفتح . قال ابن المنذر إنما فوض الرأي إليهن بالشرط المذكور وهو الإيتار : قوله ( بماء وسدر ) قال الزين بن المنير ظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل لأن قوله بماء وسدر يتعلق بقوله أغسلنها قال وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير لأن الماء المضاف لا يتطهر به وتعقبه الحافظ بمنع لزوم مصير الماء مضافا بذلك لاحتمال أن لا يغير السدر وصف الماء بأن يمعك بالسدر ثم يغسل بالماء في كل مرة فإن لفظ الخبر لا يأتي ذلك : قوله ( واجعلن في الأخيرة كافورا أو شيئا من كافور ) هو شك من الراوي قال في الفتح والأول محمول على الثاني لأنه نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه وقد جزم البخاري في رواية باللفظ الأول وظاهره أنه يجعل الكافور في الماء وبه قال الجمهور
وقال النخعي والكوفيون إنما يجعل الكافور في الحنوط والحكمة في الكافور كونه طيب الرائحة وذلك وقت تحضر فيه الملائكة وفيه أيضا تبريد وقوة نفوذ وخاصة في تصلب بدن الميت وطرد الهوام عنه وردع ما يتحلل من الفضلات ومنع إسراع الفساد إليه وإذا عدم قام غيره مقامه مما فيه هذه الخواص أو بعضها قوله ( فآذنني ) أي أعلمنني . قوله ( فأعطانا حقوه ) قال في الفتح بفتح المهملة ويجوز كسرها وهي لغة هذيل بعدها قاف ساكنة والمراد هنا الإزار كما وقع مفسرا في آخر هذه الرواية . والحقو في الأصل معقد الإزار وأطلق على الإزار مجازا . وفي رواية للبخاري ( فنزع عن حقوه إزاره ) والحقو على هذه الحقيقة . قوله ( فقال أشعرنها إياه ) أي ألففنها فيه لأن الشعار ما يلي الجسد من الثياب والمراد إجعلنه شعارا لها قال في الفتح قيل الحكمة في تأخير الإزار معه إلى أن يفرغن من الغسل ولم يناولهن إياه أولا ليكون قريب العيد من جسده حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين . وفيه جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل وقد نقل ابن بطال الاتفاق على ذلك . قوله ( إبدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) ليس بين الأمرين تناف لإمكان البداءة بمواضع الوضوء وبالميامن معا . قال الزين بن منير قوله ( إبدأن بميامنها ) أي في الغسلات التي لا وضوء فيها ومواضع الوضوء منها أي في الغسلة المتصلة بالوضوء وفي هذا رد على من لم يقل بستحباب البداءة بالميامن وهو الحنفية واستدل به على استحباب المضمضة والاستنشاق في غسل الميت خلافا للحنفية قوله ( اغسلنها وترا ثلاثا ) الخ استدل به على أن أقل الوتر ثلاث قال الحافظ ولا دلالة فيه لأنه سيق مساق البيان للمراد إذا لو أطلق لتناول الواحدة فما فوقها . قوله ( فضفرنا شعرها ثلاثة قرون ) هو بضاد وفاء خفيفة وفيه استحباب ضفر شعر المرأة وجعله ثلاثة قرون وهي ناصيتها وقرناها أي جانبا رأسها كما وقع في رواية وكيع عن سفيان عند البخاري تعليقا ووصل ذلك الإسماعيلي وتسمية الناصية قرنا تغليب وقال الأوزاعي والحنفية أنه يرسل شعر المرأة خلفها وعلى وجهها مفرقا . قال القرطبي وكأن سبب الخلاف أن الذي فعلته أم عطية هل استندت فيه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيكون مرفوعا أو هو شيء رأته ففعلته استحبابا كلا الأمرين محتمل لكن الأصل أن لا يفعل في الميت شيء من جنس القرب إلا بأذن الشرع ولم يرد ذلك مرفوعا كذا قال . وقال النووي الظاهر عدم إطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقريره له وتعقب ذلك الحافظ بأن سعيد بن منصور روى عن أم عطية أنها قالت ( قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اغسلنها وترا واجعلن شعرها ضفائر ) وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أم عطية مرفوعا بلفظ ( واجعلن لها ثلاث قرون ) قوله ( فالقيناها خلفها ) فيه استحباب جعل ضفائر المرأة خلفها وقد زعم ابن دقيق العيد أن الوارد في ذلك حديث غريب . قال في الفتح وهو مما يتعجب منه مع كون الزيادة في صحيح البخاري وقد توبع رواتها عليها وقد استوفى تلك المتابعات وذكر للحديث فوائد غير ما تقدم

2 - وعن عائشة قالت ( لما أرادوا غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أختلفوا فيه فقالوا والله ما ندري كيف نصنع أنجرد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه قالت فلما اختلفوا أرسل الله عليهم السنة حتى والله ما من القوم من رجل إلا ذقنه في صدره نائما قالت ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو فقال اغسلوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليه ثيابه قالت فثاروا إليه فغسلوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في قميصه يفاض عليه الماء والسدر ويدلك الرجال بالقميص )
- رواه أحمد وأبو داود

- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان والحاكمز وفي رواية لابن حبان فكان الذي أجلسه في حجره علي بن أبي طالب وروى الحاكم عن عبد الله بن الحرث ( قال غسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي وعلى يده خرقة فغسله فأدخل يده تحت القميص فغسله والقميص عليه ) وفي الباب عن بريدة عند ابن ماجه والحاكم والبيهقي قال ( لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناداهم مناد من الداخل لا تنزعوا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قميصه ) وعن ابن عباس عند أحمد ( أن عليا أسند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى صدره وعليه قميصه ) وفي إسناده حسين ابن عبد الله وهو ضعيف . وعن جعفر بن محمد عن أبيه عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي والشافعي قال ( غسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثا بسدر وغسل وعليه قميص وغسل من بئر يقال لها الغرس بقبا كانت لسعد بن خيثمة وكان يشرب منها وولي سفلته على والفضل محتضنه والعباس يصيب الماء فجعل الفضل يقول أرحني قطعت وتيني لا أجد شيئا يترطل على ) قال الحافظ وهو مرسل جيد : قوله ( السنة بسين مهملة مكسورة بعدها نون وهي ما يتقدم النوم من الفتور الذي يسمى النعاس قال عدي بن الرقاع العاملي
وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم

أبواب الكفن وتوابعه

باب التكفين من رأس المال

1 - عن خباب بن الأرث ( أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد ولم يترك إلا نمرة فكنا إذا عطينا بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدا رأسه فامرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نغطي بها رأسه ونجعل على رجليه شيئا من لا ذخر )
- رواه الجماعة إلى ابن ماجه

2 - وعن خباب أيضا ( أن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء إذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه حتى مدت على رأسه وجعل على قدميه الاذخر )
- رواه أحمد

- الحديث الثاني أخرجه الحاكم عن أنس : قوله ( أن مصعب بن عمير قتل ) في رواية للبخاري ( أن عبد الرحمن بن عوف قال قتل مصعب بن عمير وكان خيرا مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة وقتل حمزة أو رجل آخر فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة ) قال في الفتح قوله ( أو رجل آخر ) لم أقف على اسمه ولم يقع في أكثر الروايات إلا بلفظ حمزة ومصعب فقط : قوله ( إلا نمرة ) هي شملة فيها خطوط بيض وسود أو بردة من صوف يلبسها الأعراب كذا في القاموس . قوله ( فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نغطي بها رأسه ) فيه دليل على أنه إذا ضاق الكفن عن ستر جميع البدن ولم يوجد غيره جعل مما يلي الرأس وجعل النقص مما يلي الرجلين . قال النووي فان ضاق عن ذلك سترت العورة فان فضل شيء جعل فوقها وان ضاق عن العورة سترت السوأتان لانهما أهم وهما الأصل في العورة قال وقد يستدل بهذا الحديث على أن الواجب في الكفن ستر العورة فقط ولا يجب استيعاب البدن عند التمكن ( فان قيل ) لم يكونوا متمكنين من جميع البدن لقوله ( لم يوجد غيرها ) فجوابه أن معناه لم يوجد مما يملكه الميت إلا نمرة ولو كان ستر جميع البدن واجبا لوجب على المسلمين الحاضرين تتميمه ان لم يكن له قريب يلزمه نفقته فان كان وجبت عليه ( فان قيل ) كانوا عاجزين عن ذلك لان القضية جرت يوم أحد وقد كثرت القتلى من المسلمين واشتغلوا بهم وبالخوف من العدو عن ذلك وجوابه أنه يبعد من حال الحاضرين المتولين دفنه أن لا يكون مع واحد منهم قطعة من ثوب ونحوها انتهى . وقد استدل بالحديثين على أن الكفن يكون من رأس المال لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالتكفين في النمرة ولامال غيرها . قال ابن المنذر قال بذلك جميع أهل العلم إلا رواية شاذذة عن خلاص بن عمر وقال الكفن من الثلث . وعن طاوس قال من الثلث ان كان قليلا . وحكى في البحر عن الزهري وطاوس أنه من الثلث إن كان معسرا . وقد أخرج الطبراني في الأوسط من حديث علي أن الكفن من جميع المال وإسناده ضعيف واخرجه ابن أبي حاتم في العلل من حديث جابر وحكى عن أبيه أنه منكر وقد أخرجهما عبد الرزاق : قوله ( ونجعل على رجليه شيئا من الاذخر ) فيه أنه يستحب إذا لم يوجد ساتر البتة لبعض البدن أولكله أن يغطي بالأذخر فان لم يوجد فما تيسر من نبات الأرض وقد كان الأذخر مستعملا لذلك عند العرب كما يدل عليه قول العباس إلا الأذخر فانه لبيوتنا وقبورنا

باب استحباب إحسان الكفن من غير مغالاة

1 - عن أبي قتادة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه )
- رواه ابن ماجه والترمذي

2 - وعن جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل وقبر ليلا فزجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقبر الرجل ليلا حتى يصلى عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

- حديث أبي قتادة حسنه الترمذي ورجال إسناده ثقات . وفي الباب عن أم سلمة عند الديلمي : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أحسنوا الكفن ولا تؤذوا موتاكم بعويل ولا بتزكية ولا بتأخير وصية ولا بقطيعة وعجلوا بقضاء دينه واعدلوا عن جيران السوء وإذا حفرتم فاعمقوا ووسعوا )
وعن جابر غير حديث الباب عند الديلمي أيضا قال : ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحسنوا كفن موتاكم فإنهم يتباهون ويتزاورون بها في قبورهم )
قوله ( فليحسن كفنه ) ضبط بفتح الحاء وإسكانها . قال النووي وكلاهما صحيح والمراد بإحسان الكفن نظافته ونقاؤه وكثافته وستره وتوسطه وكونه من جنس لباسه في الحياة لا أفخر منه ولا أحقر قال العلماء وليس المراد بإحسانه السرف فيه والمغالاة ونفاسته وإنما المراد ما تقدم
قوله ( غير طائل ) أي حقير غير كامل . قوله ( حتى يصلي عليه ) هو بفتح اللام كما قال النووي وإنما نهى عن القبر ليلا حتى يصلي عليه لأن الدفن نهارا يحضره كثيرون من الناس ويصلون عليه ولا يحضره في الليل إلا الأفراد . وقيل لأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل لرداءة الكفن فلا يبين في الليل ويؤيده أول الحديث وآخره
قال القاضي العلتان صحيحتان قال والظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قصدهما معا قال وقد قيل غير هذا
قوله ( إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك ) يدل على أنه لا بأس به في وقت الضرورة
( وقد اختلف ) العلماء في الدفن بالليل فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة وقال جماعة العلماء من السلف والخلف لا يكره واستدلوا بأن أبا بكر الصديق وجماعة من السلف دفنوا ليلا من غير إنكار . وبحديث المرأة السوداء أو الرجل الذي كان يقم المسجد فتوفي بالليل فدفنوه ليلا وسألهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه فقالوا توفي فدفناه في الليل فقال آلا آذنتموني قالوا كانت ظلمة ولم ينكر عليهم أخرجه البخاري
وسيأتي في باب الدفن ليلا وأجابوا عن حديث الباب بأن النهي كان لترك الصلاة لا لمجرد الدفن بالليل أو عن إساءة الكفن أو عن المجموع وتأتي بقية الكلام إن شاء الله في باب الدفن ليلا

3 - وعن عائشة : ( أن أبا بكر نظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه به ردع من زعفران فقال اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيها قلت إن هذا خلق قال إن الحي أحق بالجديد من الميت إنما هو للمهلة )
- مختصر من البخاري

- قوله ( به ردع ) بسكون المهملة بعدها عين مهملة أي لطخ لم يعمه كله : قوله ( وزيدوا عليه ثوبين ) في رواية جديدين . قوله ( فكفنوني فيها ) رواية أبي ذر فيهما . وفسر الحافظ ضمير المثنى بالمزيد والمزيد عليه وفي رواية غير أبي ذر فيها كما وقع عند المصنف
قوله ( خلق ) بفتح المعجمة واللام أي غير جديد . وفي رواية عند ابن سعد ألا نجعلها جددا كلها قال لا . وظاهره أن أبا بكر كان يرى عدم المغالاة في الأكفان ويؤيده قوله إنما هو للمهلة . وروى أبو داود من حديث علي عليه السلام مرفوعا ( لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعا ) ولا يعارضه حديث جابر في الأمر بتحسين الكفن كما تقدم فإنه يجمع بينهما بحمل التحسين على الصفة وحمل المغالاة على الثمن . وقيل التحسين حق للميت فإذا أوصى بتركه اتبع كما فعل الصديق ويحتمل أن يكون اختار ذلك الثوب بعينه لمعنى فيه من التبرك لكونه صار إليه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لكونه قد كان جاهد فيه أو تعبد فيه
ويؤيده ما رواه ابن سعد من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال قال أبو بكر كفنوني في ثوبي اللذين كنت أصلي فيهما
قوله ( إنما هو أي الكفن للمهلة ) قال القاضي عياض روى بضم الميم وفتحها وكسرها وبذلك جزم الخليل . وقال ابن حبيب هو بالكسر الصديد وبالفتح التمهل وبالضم عكر الزيت والمراد هنا الصديد ويحتمل أن يكون المراد بقوله وإنما هو أي الجديد وأن يكون المراد المهلة على هذا التمهل أي الجديد لمن يريد البقاء . قال الحافظ والأول أظهر
( وفي هذا الأثر ) استحباب التكفين في ثلاثة أكفان وجواز التكفين في الثياب المغسولة وإيثار الحي بالجديد . ويدل على استحباب أن يكون الكفن جديدا ما أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم من حديث أبي سعيد : ( أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الميت يبعث في ثيابه التي مات فيها ) . رواه ابن حبان بدون القصة وقال أراد بذلك إعماله لقوله تعالى { وثيابك فطهر } يريد وعملك فأصلحه قال والأخبار الصحيحة صريحة أن الناس يحشرون حفاة عراة وحكى الخطابي في الجمع بينهما أنه يبعث في ثيابه ثم يحشر عريانا

باب صفة الكفن للرجل والمرأة

1 - عن ابن عباس : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفن في ثلاثة أثواب قميصه الذي مات فيه وحلة نجرانية الحلة ثوبان )
- رواه أحمد وأبو داود

2 - وعن عائشة قالت : ( كفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية جدد يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة أدرج فيها إدراجا )
- رواه الجماعة . ولهم إلا أحمد والبخاري ولفظه لمسلم ( وأما الحلة فإنما شبه على الناس فيها أنما اشتريت ليكفن فيها فتركت الحلة وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ) . ولمسلم قالت : ( أدرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حلة يمنية كانت لعبد الله ابن أبي بكر ثم نزعت عنه وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية يمانية ليس فيها عمامة ولا قميص )

- حديث ابن عباس في إسناده يزيد ابن أبي زياد وقد تغير وهذا من أضعف حديثه . وقال النووي أنه مجمع على ضعف يزيد المذكور وقد بين مسلم أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكفن في الحلة وإنما شبه على الناس كما ذكر المصنف
( وفي الباب ) عن جابر بن سمرة عند البزار وأبي عدي في الكامل أنه كفن صلى الله عليه وآله وسلم في ثلاثة أثواب قميص وإزار لفافة . وفي إسناده ناصح وهو ضعيف . وعن ابن عباس غير حديث الباب عند ابن عدي قال كفن صلى الله عليه وآله وسلم في قطيفة حمراء . وفي إسناده قيس بن الربيع وهو ضعيف قال الحافظ وكأنه اشتبه عليه بحديث جعل في قبره قطيفة حمراء فإنه يروى بالإسناد المذكور بعينه . وعن علي عند ابن أبي شيبة وأحمد والبزار قال كفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سبعة أثواب . وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو سيء الحفظ لا يصلح الاحتجاج بحديثه إذا خالف الثقات كما هنا وقد خالف ههنا رواية نفسه فإنه روى عن جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم كفن في ثوب نمرة . قال الحافظ وروى الحاكم من حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر ما يعضد رواية ابن عقيل عن ابن الحنفية عن علي بمعنى أنه صلى الله عليه وآله وسلم كفن في سبعة
وعن جابر عند أبي داود أنه صلى الله عليه وآله وسلم كفن في ثوبين وبرد حبرة وفي رواية للنسائي فذكر لعائشة قولهم في ثوبين وبرد حبرة فقالت قد أتى بالبرد ولكنهم ردوه . وأخرج مسلم والترمذي عنها أنها قالت أنهم نزعوها عنه . وروى عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لف في برد حبرة جفف فيه ثم نزع عنه . قال الترمذي تكفينه في ثلاثة أثواب أصح ما ورد في كفنه
قوله ( قميصه الذي مات فيه ) دليل لمن قال باستحباب القميص في الكفن وهم الحنفية ومالك وزيد بن علي والمؤيد بالله وذهب الجمهور إلى أنه غير مستحب واستدلوا بقول عائشة ليس فيها قميص ولا عمامة وأجابوا عن حديث ابن عباس بأنه ضعيف الإسناد كما تقدم وأجاب القائلون بالاستحباب أن قول عائشة ليس فيها قميص ولا عمامة يحتمل نفي وجودهما ويحتمل أن يكون المراد نفي المعدود أي الثلاثة خارجة عن القميص والعمامة وهما زائدان وأن يكون معناه ليس فيها قميص جديد أو ليس فيها القميص الذي غسل فيه أو ليس فيها قميص مكفوف الأطراف ويجاب بأن الاحتمال الأول هو الظاهر وما عداه متعسف فلا يصار إليه . قوله ( جدد ) هكذا وقع عند المصنف وكذلك رواه البيهقي وليس في الصحيحين لفظ جدد . ووقع في رواية لهما بدل جدد من كريف . وهو القطن : قوله ( بيض ) فيه دليل على استحباب التكفين في الأبيض قال النووي وهو مجمع عليه . قوله ( سحولية ) بضم المهملتين ويروى بفتح أوله نسبة إلى سحول قرية باليمن قال النووي والفتح أشهر وهو رواية الأكثرين . قال ابن الأعرابي وغيره هي ثياب بيض نقية لا تكون إلا من القطن وقال ابن قتيبة ثياب بيض ولم يخصها بالقطن وفي رواية للبخاري سحول بدون نسبة وهو جمع سحل والسحل الثوب الأبيض النقي ولا يكون إلا من قطن كما تقدم
وقال الأزهري بالفتح المدينة وبالضم الثياب وقيل النسبة إلى القرية بالضم وأما بالفتح فنسبة إلى القصار لأنه يسحل الثياب أي ينقيها كذا في الفتح : قوله ( يمانية ) بتخفيف الياء على اللغة الفصيحة المشهورة . وحكى سيبويه والجوهري وغيرهما لغة في تشديدها
ووجه الأول أن الألف بدل من ياء النسبة فلا يجتمعان فيقال يمنية بالتشديد أو يمانية بالتخفيف وكلاهما نسبة إلى اليمن . قوله ( فإنما شبه على الناس ) بضم الشين المعجمة وكسر الباء المشددة ومعناه اشتبه عليهم واعلم أنه قد اختلف في أفضل الكفن بعد الاتفاق على أنه لا يجب أكثر من ثوب واحد يستر جميع البدن فذهب الجمهور إلى أن أفضلها ثلاثة أثواب بيض واستدلوا بحديث عائشة المذكور قال في الفتح وتقرير الاستدلال به أن الله عز و جل لم يكن ليختار لنبيه إلا الأفضل وعن الحنفية أن المستحب أن يكون في أحدها ثوب حبرة وتمسكوا بحديث جابر المتقدم وإسناده كما قال الحافظ حسن ولكنه معارض بالمتفق عليه من حديث عائشة على أنا قد قدمنا عن عائشة أنهم نزعوا عنه ثوب الحبرة وبذلك يجمع بين الروايات
وقال الهادي أن المشروع إلى سبعة ثياب واستدل بحديث علي المتقدم وأجيب عنه بأنه لا ينتهض لمعارضة حديث عائشة الثابت في الصحيحين وغيرهما . وقد قال الحاكم أنها تواترت الأخبار عن علي وابن عباس وابن عمر وعبد الله ابن مغفل وعائشة في تكفين النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ولكنه لا يخفى أن إثبات ثلاثة ثياب لا ينفي الزيادة عليها وقد تقرر أن ناقل الزيادة أولى بالقبول على أنه لو تعرض رواة الثلاثة لنفي ما زاد عليها لكان المثبت أولى من النافي نعم حديث علي فيه المقال المتقدم فإن صلح الاحتجاج معه فالمصير إلى الجمع بما ذكرنا متعين وإن لم يصلح فلا فائدة في الاشتغال به لا سيما وقد اقتصر على رواية الثلاثة جماعة من الصحابة ويبعد أن يخفى على جميعهم الزيادة عليها وقد قال الإمام يحيى أن السبعة غير مستحبة إجماعا

3 - وعن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لبسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم )
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي

- الحديث أخرجه أيضا الشافعي وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه ابن القطان . وأخرجه أيضا الترمذي وصححه وابن ماجه والنسائي والحاكم من حديث سمرة واختلف في وصله وإرساله وقد تقدم في اللباس
( وفي الباب ) عن عمران بن حصين عند الطبراني . وعن أنس عند أبي حاتم في العلل والبزار في مسنده . وعن ابن عمر عند ابن عدي في الكامل . وعن أبي الدرداء عند ابن ماجه يرفعه ( أحسن ما زرتم الله به في قبوركم ومساجدكم البياض )
( والحديث ) يدل على مشروعية لبس البياض وقد تقدم الكلام على ذلك في أبواب اللباس وعلى مشروعية تكفين الموتى في الثياب البيض وهو إجماع كما تقدم في شرح الحديث الذي قبله وقد تقدم أيضا عن الحنفية أنهم يستحبون أن يكون في الأكفان ثوب حبرة واستدلوا بما سلف
ومن أدلتهم حديث جابر عند أبي داود بإسناد حسن كما قال الحافظ بلفظ ( إذا توفي أحدكم فوجد شيئا فليكفن في ثوب حبرة ) والأمر باللبس والتكفين في الثياب البيض محمول على الندب لما قدمنا في أبواب اللباس

4 - وعن ليلى بنت قانف الثقفية قالت : ( كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند وفاتها وكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم ادرجت بعد ذلك في الثوب الآخر قالت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الباب معه كفنها يناولنا ثوبا ثوبا )
- رواه أحمد وأبو داود . قال البخاري قال الحسن الخرقة الخامسة يشد بها الفخذان والوركان تحت الدرع

- الحديث في إسناده ابن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث وفي إسناده أيضا نوح بن حكيم . قال ابن القطان مجهول ووثقه ابن حبان وقال ابن إسحاق كان قارئا للقرآن وفي إسناده أيضا داود رجل من بني عروة بن مسعود فإن كان داود بن عاصم بن عروة بن مسعود فهو ثقة وقد جزم بذلك ابن حبان وإن كان غيره فينظر فيه :
قوله ( ليلى بنت قانف ) بالقاف بعد الألف نون ثم فاء : قوله ( الحقا ) بكسر المهملة وتخفيف القاف مقصور قيل هو لغة في الحقو وهو الإزار
( والحديث ) يدل على أن المشروع في كفن المرأة أن يكون إزارا ودرعا وخمارا وملحفة ودرجا ولم يقع تسمية أم عطية في هذا الحديث فيمن حضر . وقد وقع عند ابن ماجه أن أم عطية قالت : ( دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نغسل ابنته أم كلثوم ) . الحديث
ورواه مسلم فقال زينب ورواته أتقن وأثبت وقد تقدم الكلام على هذا الاختلاف في باب صفة الغسل : قوله ( قال البخاري قال الحسن ) الخ وصله ابن أبي شيبة قال في الفتح وهذا يدل على أن أول الكلام أن المرأة تكفن في خمسة أثواب . وروى الخوارزمي من طريق إبراهيم بن حبيب ابن الشهيد عن هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية أنها قالت : ( وكفناها في خمسة أثواب وخمرناها كما نخمر الحي ) قال الحافظ وهذه الزيادة صحيحة الإسناد وقول الحسن إن الخرقة الخامسة يشد بها الفخذان والوركان قال به زفر . وقالت طائفة على صدرها ليضم أكفانها ولا يكره القميص للمرأة على الراجح عند الشافعية والحنابلة

باب وجوب تكفين الشهيد في ثيابه التي قتل فيها

1 - عن ابن عباس قال : ( أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد بالشهداء أن ننزع عنهم الحديد والجلود وقال ادفنوهم بدمائهم وثيابهم )
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

2 - وعن عبد الله بن ثعلبة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم أحد زملوهم في ثيابهم وجعل يدفن في القبر الرهط ويقول قدموا أكثرهم قرآنا )
- رواه أحمد

- الحديث الأول في إسناده عطاء بن السائب وهو مما حدث به بعد الاختلاط وحديث عبد الله بن ثعلبة أخرجه أيضا أبو داود بإسناد رجاله رجال الصحيح وفي الباب أحاديث قد تقدم ذكرها في باب ترك غسل الشهيد
( والحديثان ) المذكوران في الباب وما في معناهما فيها مشروعية دفن الشهيد بما قتل فيه من الثياب ونزع الحديد والجلود عنه وكل ما هو آلة حرب
وقد روى زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي أنه قال ينزع من الشهيد الفرو والخف والقلنسوة والعمامة والمنطقة والسراويل إلا أن يكون أصاب السراويل دم وفي إسناده أبو خالد الواسطي والكلام فيه معروف . وقد روى ذلك أحمد بن عيسى في أماليه من طريق الحسين بن علوان عن أبي خالد المذكور عن زيد بن علي والحسين ابن علوان متكلم فيه أيضا والظاهر أن الأمر بذفن الشهيد بما قتل فيه من الثياب للوجوب . قوله ( وجعل يدفن في القبر ) الخ قد تقدم الكلام على هذا في باب ترك غسل الشهيد

باب تطبيب بدن الميت وكفنه إلا المحرم

1 - عن جابر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا )
- رواه أحمد

2 - وعن ابن عباس قال : ( بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإن الله تعالى يبعثه يوم القيامة ملبيا )
- رواه الجماعة . وللنسائي عن ابن عباس قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اغسلوا المحرم في ثوبيه اللذين أحرم فيهما واغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة محرما )

- حديث جابر أخرجه أيضا البيهقي والبزار قيل ورجاله رجال الصحيح وأخرج نحوه أحمد بن حنبل أيضا عن جابر مرفوعا بلفظ إذا أجمرتم الميت فأوتروا ) . قوله ( إذا أجمرتم الميت ) أي بخرتموه وفيه استحباب تبخير الميت ثلاثا : قوله ( بينما رجل ) قال في الفتح لم أقف في شيء من الطرق على تسمية المحرم المذكور ووهم بعض المتأخرين فزعم أن اسمه واقد بن عبد الله وعزاه إلى ابن قتيبة في ترجمة عمر من كتاب المغازي وسبب الوهم أن ابن قتيبة لما ذكر ترجمة عمر ذكر أولاده ومنهم عبد الله بن عمر ثم ذكر أولاد عبد الله فذكر فيهم واقد بن عبد الله بن عمر فقال وقع عن بعيره وهو محرم فهلك فظن هذا المتأخر أن لواقد بن عبد الله صحبة وأنه صاحب القصة التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس كما ظن فإن واقد المذكور لا صحبة له فإن أمه صفية بنت أبي عبيد وإنما تزوجها أبوه في خلافة عمر وفي الصحابة أيضا واقد بن عبد الله آخر ولكنه مات في خلافة عمر كما ذكر ابن سعد : قوله ( فوقصته ) بفتح الواو بعدها قاف ثم صاد مهملة . وفي رواية للبخاري فأقصعته . وفي أخرى له أيضا أقصعته وفي أخرى له أيضا أوقصته والوقص الكسر كما في القاموس والقصع الهشيم وقيل هو خاص بكسر العظم . قال الحافظ ولو سلم فلا مانع أن يستعار لكسر الرقبة والقعص القتل في الحال ومنه قعاص الغنم وهو موتها كذا في الفتح
قوله ( اغسلوه بماء وسدر ) فيه دليل على وجوب الغسل بالماء والسدر وقد تقدم الكلام على ذلك . قوله ( وكفنوه في ثوبيه ) فيه أنه يكفن المحرم في ثيابه التي مات فيها وقيل إنما اقتصر على تكفينه في ثوبيه لكونه مات فيهما وهو متلبس بتلك العبادة الفاضلة ويحتمل أنه لم يجد غيرهما
قوله ( ولا تحنطوه ) هو من الحنوط بالمهملة وهو الطيب الذي يوضع للميت . قوله ( ولا تخمروا رأسه ) أي لا تغطوه وفيه دليل على بقاء حكم الإحرام وكذلك قوله ( ولا تحنطوه ) وأصرح من ذلك التعليل بقوله ( فإن الله يوم القيامة يبعثه ملبيا ) . وقوله في الرواية الأخرى ( فإنه يبعث يوم القيامة محرما ) وخالف في ذلك المالكية والحنفية وقالوا أن قصة هذا الرجل واقعة عين لا عموم لها فتختص به وأجيب بأن الحديث ظاهر في أن العلة هي كونه في النسك وهي عامة في كل محرم والأصل أن كل ما ثبت لواحد في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثبت لغيره حتى يثبت التخصيص . وما أحسن ما اعتذر به الداودي عن مالك فقال إنه لم يبلغه الحديث قوله ( ولا تمسوه ) بضم أوله وكسر الميم من أمس . قال ابن المنذر وفي الحديث إباحة غسل المحرم الحي بالسدر خلافا لمن كرهه وأن الوتر في الكفن ليس بشرط وأن الكفن من رأس المال لأمره صلى الله عليه وآله وسلم بتكفينه في ثوبيه ولم يستفصل هل عليه دين مستغرق أم لا وفيه استحباب تكفين المحرم في إحرامه وأن إحرامه باق وأنه لا يكفن في المحنط كما تقدم وأنه يجوز التكفين في الثياب الملبوسة وأن الإحرام يتعلق بالرأس

أبواب الصلاة على الميت

باب من يصلي عليه ومن لا يصلي عليه

الصلاة على الأنبياء

1 - عن ابن عباس قال : ( دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسالا يصلون عليه حتى إذا فرغوا أدخلوا النساء حتى إذا فرغوا أخلوا الصبيان ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحد )
- رواه ابن ماجه

- الحديث أخرجه أيضا البيهقي قال الحافظ وإسناده ضعيف لأنه من حديث حسين بن عبد الله بن ضميرة
( وفي الباب ) عن أبي عسيب عند أحمد ( أنه شهد الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال كيف نصلي عليك قال ادخلوا أرسالا ) كذا في التلخيص
وعن جابر وابن عباس أيضا عند الطبراني وفي إسناده عبد المنعم بن إدريس وهو كذاب وقد قال البزار أنه موضوع . وعن ابن مسعود عند الحاكم بسند واه . وعن نبيط بن شريط عند البيهقي وذكره مالك بلاغا
( وفي الحديث ) أن الصلاة كانت عليه صلى الله عليه وآله وسلم فرادى الرجال ثم النساء ثم الصبيان . قال ابن عبد البر وصلاة الناس عليه أفرادا مجمع عليه عند أهل السير وجماعة أهل النقل لا يختلفون فيه . وتعقبه ابن دحية بأن ابن القصار حكى الخلاف فيه هل صلوا عليه الصلاة المعهودة أو دعوا فقط وهل صلوا فرادى أو جماعة واختلفوا فيمن أم بهم فقيل أبو بكر وروى بإسناد قال الحافظ لا يصح وفيه حرام وهو ضعيف جدا قال ابن دحية هو باطل بيقين لضعف رواته وانقطاعه قال والصحيح أن المسلمين صلوا عليه أفرادا لا يؤمهم أحد وبه جزم الشافعي . قال وذلك لعظم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأبي هو وأمي وتنافسهم في أن لا يتولي الإمامة عليه في الصلاة واحد . قال ابن دحية كان المصلون عليه ثلاثين ألفا قال المصنف رحمه الله تعالى بعد أن ساق الحديث وتمسك به من قدم النساء على الصبيان في الصلاة على جنائزهم وحال دفنهم في القبر الواحد اه

ترك الصلاة على الشهيد

1 - عن أنس : ( أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم )
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي . وقد أسلفنا هذا المعنى من رواية جابر وقد رويت الصلاة عليهم بأسانيد لا تثبت

- أما حديث أنس فأخرجه أيضا الحاكم . وقال الترمذي أنه حديث غريب لا نعرفه من حديث أنس إلا من هذا الوجه . وأخرجه أبو داود في المراسيل والحاكم من حديثه قال مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حمزة وقد مثل به ولم يصل على أحد من الشهداء غيره وأعله البخاري والترمذي والدارقطني بأنه غلط فيه أسامة بن زيد فرواه عن الزهري عن أنس ورجحوا رواية الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر . وأما حديث جابر فقد تقدم في باب ترك غسل الشهيد وأما الأحاديث الواردة في الصلاة على شهداء أحد التي أشار إليها المصنف وقال أنها بأسانيد لا تثبت فستعرف الكلام عليها وفي الصلاة على الشهيد أحاديث
منها ما أخرجه الحاكم من حديث جابر قال : ( فقصد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمزة حين جاء الناس من القتال فقال رجل رأيته عند تلك الشجيرات فلما رآه ورأى ما مثل به شهق وبكى فقام رجل من الأنصار فرمى عليه بثوب ثم جيء بحمزة فصلى عليه ) . الحديث وفي إسناده أبو حماد الحنفي وهو متروك
وعن شداد بن الهاد عند النسائي بلفظ : ( أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فآمن به واتبعه ) . وفي الحديث ( أنه استشهد فصلى عليه صلى الله عليه وآله وسلم فحفظ من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم له اللهم أن هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل في سبيلك ) . وحمل البيهقي هذا على أنه لم يمت في المعركة . وعن أنس عند أبي داود في المراسيل والحاكم وقد تقدم لفظه
وعن عقبة بن عامر في البخاري وغيره : ( أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين صلاته على ميت كالمودع للأحياء والأموات ) . وفي رواية لابن حبان ثم دخل بيته ولم يخرج حتى قبضه الله :
وعن ابن عباس عند ابن إسحاق قال : ( أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحمزة فسجى ببرده ثم صلى عليه وكبر سبع تكبيرات ثم أتى بالقتلى فيوضعون إلى حمزة فيصلي عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة ) . وفي إسناده رجل مبهم لأن ابن إسحاق قال حدثني من لا أتهم عن مقسم مولى ابن عباس عن ابن عباس قال السهيلي إن كان الذي أبهمه ابن إسحاق هو الحسن بن عمارة فهو ضعيف وإلا فهو مجهول لا حجة فيه
قال الحافظ الحامل للسهيلي على ذلك ما وقع في مقدمة مسلم عن شعبة أن الحسن بن عمارة حدثه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على قتلى أحد فسألت الحكم فقال لم يصل عليهم اه . لكن حديث ابن عباس روى من طرق أخرى منها ما أخرجه الحاكم وابن ماجه والطبراني والبيهقي من طريق يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس مثله وأتم منه ويزيد فيه ضعف يسير
( وفي الباب ) أيضا عن أبي مالك الغفاري عند أبي داود في المراسيل من طريقه وهو تابعي اسمه غزوان ولفظه : ( أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى على قتلى أحد عشرة عشرة في كل عشرة حمزة حتى صلى عليه سبعين صلاة )
قال الحافظ ورجاله ثقات وقد أعله الشافعي بأنه متدافع لأن الشهداء كانوا سبعين فإذا أتى بهم عشرة عشرة يكون قد صلى سبع صلوات فكيف تكون سبعين قال وإن أراد التكبير فيكون ثمانية وعشرين تكبيرة وأجيب بأن المراد صلى على سبعين نفسا وحمزة معهم كلهم فكأنه صلى عليه سبعين صلاة
وعن ابن مسعود عند أحمد بلفظ ( رفع الأنصاري وترك حمزة فصلى عليه ثم جيء برجل من الأنصار ووضعوه إلى جنبه فصلى عليه فرفع الأنصاري وترك حمزة حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة
( وفي الباب ) أيضا حديث أبي سلام عن رجل من الصحابة عند أبي داود وقد تقدم في باب ترك غسل الشهيد هذا جملة ما وقفنا عليه في هذا الباب من الأحاديث المتعارضة وقد اختلف أهل العلم في ذلك قاله الترمذي قال بعضهم يصلى على الشهيد وهو قول الكوفيين وإسحاق وقال بعضهم لا يصلى عليه وهو قول المدنيين والشافعي وأحمد اه وبالأول قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والمزني والحسن البصري وابن المسيب وإليه ذهب العترة واستدلوا بالأحاديث التي ذكرناها وأجاب عنها القائلون بأنه لا يصلى على الشهيد فقالوا أما حديث جابر ففيه متروك كما تقدم وأما حديث شداد بن الهاد فهو مرسل لأن شدادا تابعي وقد أجيب عنه بما تقدم عن البيهقي وبأن المراد بالصلاة الدعاء وأما حديث أنس فقد تقدم أن البخاري والترمذي والدارقطني قالوا بأنه غلط فيه أسامة وقد قال البيهقي عن الدارقطني أن قوله فيه : ولم يصل على أحد من الشهداء غيره ليست بمحفوطة على أنه يقال الحديث حجة عليهم لا لهم لأنها لو كانت واجبة لما خص بها واحدا من سبعين . وأما حديث عقبة فلنبدأ بتقرير الاستدلال به ثم نذكر جوابه وتقريره ما قال الطحاوي أن معنى صلاته صلى الله عليه وآله وسلم عليهم لا يخلو من ثلاثة معان إما أن يكون ناسخا لما تقدم من ترك الصلاة عليهم أو يكون من سنتهم أن لا يصلي عليهم إلا بعد هذه المدة أو تكون الصلاة عليهم جائزة بخلاف غيرهم فإنها واجبة وأيها كان فقد ثبت بصلاته عليهم الصلاة على الشهداء ثم الكلام بين المختلفين في عصرنا إنما هو في الصلاة عليهم قبل دفنهم وإذا ثبتت الصلاة عليهم بعد الدفن كانت قيل الدفن أولى اه وأجيب بأن صلاته عليهم تحتمل أمورا أخر منها أن تكون من خصائصه ومنها أن تكون بمعنى الدعاء ثم هي واقعة عين لا عموم لها فكيف ينتهض الاحتجاج بها لدفع حكم قد ثبت
وأيضا لم يقل أحد من العلماء بالاحتمال الثاني الذي ذكره الطحاوي . كذا قال الحافظ وأنت خبير بأن دعوى الاختصاص خلاف الأصل ودعوى أن الصلاة بمعنى الدعاء يردها قوله في الحديث صلاته على الميت وأيضا قد تقرر في الأصول أن الحقائق الشرعية مقدمة على اللغوية فلو فرض عدم ورود هذه الزيادة لكان المتعين المصير إلى حمل الصلاة على حقيقتها الشرعية وهي ذات الأذكار والأركان ودعوى أنها واقعة عين لا عموم لها يردها أن الأصل فيما ثبت لواحد أو لجماعة في عصره صلى الله عليه وآله وسلم ثبوته للغير على أنه يمكن معارضة هذه الدعوى بمثلها فيقال ترك الصلاة على الشهداء في يوم أحد واقعة عين لا عموم لها فلا تصلح للاستدلال بها على مطلق الترك بعد ثبوت مطلق الصلاة على الميت ووقوع الصلاة منه على خصوص الشهيد في غيرها كما في حديث شداد بن الهاد وأبي سلام
وأما حديث ابن عباس وما ورد في معناه من الصلاة على قتلى أحد قبل دفنهم فأجاب عن ذلك الشافعي بأن الأخبار جاءت كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يصل على قتلى أحد قال وما روى أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث أن يستحي على نفسه اه
وأجيب أيضا بأن تلك الحالة الضيقة لا تتسع لسبعين صلاة وبأنها مضطربة وبأن الأصل عدم الصلاة ولا يخفى عليك أنها رويت من طريق يشد بعضها بعضا وضيق تلك الحالة لا يمنع من إيقاع الصلاة فإنها لو ضاقت عن الصلاة لكان ضيقها عن الدفن أولى ودعوى الاضطراب غير قادحة لأن جميع الطرق قد أثبتت الصلاة وهي محل النزاع ودعوى أن الأصل عدم الصلاة مسلمة قبل ورود الشرع وأما بعد وروده فالأصل الصلاة على مطلق الميت والتخصيص ممنوع وأيضا أحاديث الصلاة قد شد من عضدها كونها مثبتة والإثبات مقدم على النفي وهذا مرجح معتبر والقدح في اعتباره في المقام يبعد غفلة الصحابة عن إيقاع الصلاة على أولئك الشهداء معارض بمثله وهو بعد غفلة الصحابة عن الترك الواقع على خلاف ما كان ثابتا عنه صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة على الأموات فكيف يرجح ناقله وهو أقل عددا من نقله الإثبات الذي هو مظنة الغفول عنه لكونه واقعا على مقتضى عادته صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة على مطلق الميت ومن مرجحات الإثبات الخاصة بهذا المقام أنه لم يرو النفي إلا أنس وجابر وأنس عند تلك الواقعة من صغار الصبيان وجابر قد روى أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى على حمزة وكذلك أنس كما تقدم فقد وافقا غيرهما في وقوع مطلق الصلاة على الشهيد في تلك الواقعة ويبعد كل البعد أن يخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصلاته حمزة لمزية القرابة ويدع بقية الشهداء ومع هذا فلو سلمنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يصل عليهم حال الواقعة وتركنا جميع هذه المرجحات لكانت صلاته عليهم بعد ذلك مفيدة للمطلوب لأنها كالاستدراك لما فات مع اشتمالها على فائدة أخرى وهي أن الصلاة على الشهيد لا ينبغي أن تترك بحال وإن طالت المدة وتراخت إلى غاية بعيدة
وأما حديث أبي سلام فلم أقف للمانعين من الصلاة على جواب عليه وهو من أدلة المثبتين لأنه قتل في المعركة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسماه شهيدا وصلى عليه نعم لو كان النفي عاما غير مقيد بوقعة أحد ولم يرد في الإثبات غير هذا الحديث لكان مختصا بمن قتل على مثل صفته . واعلم أنه قد اختلف في الشهيد الذي وقع الخلاف في غسله والصلاة عليه هل هو مختص بمن قتل في المعركة أو أعم من ذلك فعند الشافعي أن المراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار وخرج بقوله في المعركة من جرح في المعركة وعاش بعد ذلك حياة مستقرة وخرج بحرب الكفار من مات في قتال المسلمين كأهل البغي وخرج بجميع ذلك من يسمى شهيدا بسبب غير السبب المذكور ولا خلاف أن من جمع هذه القيود شهيد وروى عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أن من جرح في المعركة أن من مات قبل الارتثاث فشهيد والارتثاث أن يحمل ويأكل أو يشرب أو يوصي أو يبقى في المعركة يوما وليلة حيا وذهبت الهادوية إلى أن من جرح في المعركة يقال له شهيد وإن مات بعد الارتثاث وأما من قتل مدافعا عن نفس أو مال أو في الممر ظلما فقال أبو حنيفة وأبو يوسف والهادوية أنه شهيد
وقال الإمام يحيى والشافعي أنه وإن قيل له شهيد فليس من الشهداء الذين لا يغسلون . وذهبت العترة والحنفية والشافعي في قول له إن قتيل البغاة شهيد قالوا إذ لم يغسل على أصحابه وهو توقيف
( فائدة ) لم يرد في شيء من الأحاديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى على شهداء بدر ولا أنه لم يصل عليهم . وكذلك في شهداء سائر المشاهد النبوية إلا ما ذكرنا في هذا البحث فليعلم ذلك

الصلاة على السقط والطفل

1 - عن المغيرة بن شعبة : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الراكب خلف الجنازة والماشي أمامها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة )
- رواه أحمد وأبو داود وقال فيه ( والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها ويسارها قريبا منها ) . وفي رواية ( الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها والطفل يصلى عليه ) . رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه

- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان وصححه والحاكم وقال على شرط البخاري بلفظ ( السقط يصلي عليه ويدعى لوالديه بالعافية والرحمة ) وأخرجه بهذا اللفظ الترمذي وصححه ولكن رواه الطبراني موقوفا على المغيرة ورجح الدارقطني في العلل الموقوف
( وفي الباب ) عن علي عند ابن عدي وفي إسناده عمرو بن خالد وهو متروك . وعن ابن عباس عنده أيضا من رواية شريك عن أبي إسحاق عن عطاء عنه وقواه ابن طاهر في الذخيرة وقد ذكره البخاري من قول الزهري تعليقا ووصله ابن أبي شيبة
وعن أبي هريرة عند ابن ماجه يرفعه بلفظ ( صلوا على أطفالكم فإنهم من أفراطكم ) وإسناده ضعيف
قوله ( الراكب خلف الجنازة ) أي يمشي وسيأتي الكلام على المشي مع الجنازة . قوله ( والسقط يصلي عليه ) فيه دليل على مشروعية الصلاة على السقط وإليه ذهبت العترة والفقهاء ولكنها إنما تشرع الصلاة عليه إذا كان قد استهل والاستهلال الصياح أو العطاس أو حركة يعلم بها حياة الطفل . وقد أخرج البزار عن ابن عمر مرفوعا ( استهلال الصبي العطاس ) قال الحافظ وإسناده ضعيف . ويدل على اعتبار الاستهلال حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي بلفظ ( إذا استهل السقط صلي عليه وورث ) وفي إسناده إسماعيل بن مسلم المكي عن أبي الزبير عنه وهو ضعيف قال الترمذي رواه أشعث بن سوار وغير واحد عن أبي الزبير عن جابر . ورواه النسائي أيضا وابن حبان في صحيحه والحاكم من طريق إسحاق الأزرق عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر وصححه الحاكم على شرط الشيخين . قال الحافظ ووهم لأن أبا الزبير ليس من شرط البخاري وقد عنعن فهو علة هذا الخبر إن كان محفوظا عن سفيان قال ورواه الحاكم أيضا من طريق المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير مرفوعا وقال لا أعلم أحدا رفعه عن أبي الزبير غير المغيرة وقد وقفه ابن جريج وغيره وروى أيضا من طريق بقية عن الأوزاعي عن أبي الزبير مرفوعا . وقال الشافعي إنما يغسل لأربعة أشهر إذ يكتب في الأربعين الرابعة رزقه وأجله وإنما ذلك للحي
وقد رجح المصنف رحمه الله تعالى هذا واستدل له فقال قلت وإنما يصلى عليه إذا نفخت فيه الروح وهو أن يستكمل أربعة أشهر فأما إن سقط لدونها فلا لأنه ليس بميت إذ لم ينفخ فيه روح . وأصل ذلك حديث ابن مسعود قال : ( حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح ) . متفق عليه اه
ومحل الخلاف فيمن سقط بعد أربعة أشهر ولم يستهل . وظاهر حديث الاستهلال أنه لا يصلي عليه وهو الحق لأن الاستهلال يدل على وجود الحياة قبل خروج السقط كما يدل على وجودها بعده فاعتبار الاستهلال من الشارع دليل على أن الحياة بعد الخروج من البطن معتبرة في مشروعية الصلاة على الطفل وأنه لا يكتفي بمجرد العلم بحياته في البطن فقط

ترك الإمام الصلاة على الغال وقاتل نفسه

1 - عن زيد بن خالد الجهني : ( أن رجلا من المسلمين توفي بخيبر وأنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه القوم لذلك فلما رأى الذي بهم قال إن صاحبكم غل في سبيل الله ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود ما يساوي درهمين )
- رواه الخمسة إلا الترمذي

2 - وعن جابر ابن سمرة : ( أن رجلا قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم )
- رواه الجماعة إلا البخاري

- الحديث الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح . قوله ( فقال صلوا على صاحبكم ) فيه جواز الصلاة على العصاة وأما ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصلاة عليه فلعله للزجر عن الغلول كما امتنع من الصلاة على المديون وأمرهم بالصلاة عليه
قوله ( ففتشنا متاعه ) الخ فيه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لإخباره بذلك وإنكشاف الأمر كما قال . قوله ( ما يساوي درهمين ) فيه دليل على تحريم الغلول وإن كان شيئا حقيرا وقد ورد في الوعيد عليه أحاديث كثيرة ليس هذا محل بسطها . قوله ( بمشاقص ) جمع مشقص كمنبر نصل عريض أو سهم فيه ذلك والنصل الطويل أو سهم فيه ذلك يرمي به الوحش كذا في القاموس . قوله ( فلم يصل عليه ) فيه دليل لمن قال إنه لا يصلى على الفاسق وهم العترة وعمر ابن عبد العزيز والأوزاعي فقالوا لا يصلى على الفاسق تصريحا أو تأويلا ووافقهم أبو حنيفة وأصحابه في الباغي والمحارب ووافقهم الشافعي في قول له في قاطع الطريق وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وجمهور العلماء إلى أنه يصلى على الفاسق وأجابوا عن حديث جابر بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس وصلت عليه الصحابة . ويؤيد ذلك ما عند النسائي بلفظ ( أما أنا فلا أصلي عليه ) وأيضا مجرد الترك لو فرض أنه لم يصل عليه هو ولا غيره لا يدل على الحرمة المدعاة
ويدل على الصلاة على الفاسق حديث ( صلوا على من قال لا إله إلا الله ) وقد تقدم الكلام عليه في باب ما جاء في إمامة الفاسق من أبواب الجماعة

الصلاة على من قتل في حد

1 - عن جابر : ( أن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعترف بالزنا فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع مرات فقال أبك جنون قال لا قال أحصنت قال نعم فأمر به فرجم بالمصلى فلما أذلقته الحجارة فر فأدرك فرجم حتى مات فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيرا و صلى عليه )
- رواه البخاري في صحيحه ورواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه وقالوا ( ولم يصل عليه ) ورواته الإثبات أولي وقد صح عنه عليه السلام أنه صلى على الغامدية وقال الإمام أحمد ما نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ترك الصلاة على أحد إلا علي الغال وقاتل نفسه )

- حديث جابر أخرجه البخاري باللفظ الذي ذكره المصنف عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عنه وقال لم يقل يونس وابن جريج عن الزهري وصلى الله وعلل بعضهم هذه الزيادة أعني قوله ( فصلى عليه ) بأن محمد بن يحيى لم يذكرها وهو أضبط من محمود بن غيلان . قال وتابع محمد ابن يحيى نوح بن حبيب وقال غيره كذا روى عن عبد الرزاق والحسن بن علي ومحمد بن المتوكل ولم يذكروا الزيادة وقال ما أرى مسلما ترك حديث محمود بن غيلان إلا لمخالفة هؤلاء وقد خالف محمود أيضا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه وحميد بن زنجويه وأحمد بن منصور الرمادي وإسحاق بن إبراهيم الديري فهؤلاء ثمانية من أصحاب عبد الرزاق خالفوا محمودا وفيهم هؤلاء الحفاظ إسحاق بن راهويه ومحمد بن يحيى الذهلي وحميد بن زنجويه . وقد أخرجه مسلم في صحيحه عن إسحاق عن عبد الرزاق ولم يذكر لفظه غير أنه قال نحو رواية عقيل
وحديث عقيل الذي أشار إليه ليس فيه ذكر الصلاة . وقال البيهقي ورواه البخاري عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق إلا أنه قال ( فصلى عليه ) وهو خطأ لإجماع أصحاب عبد الرزاق على خلافه ثم إجماع أصحاب الزهري على خلافه انتهى
وعلى هذا تكون زيادة قوله ( وصلى عليه ) شاذة ولكنه قد تقرر في الأصول أن زيادة الثقة إذا وقعت غير منافية كانت مقبولة وهي ههنا كذلك باعتبار رواية الجماعة المذكورين لأصل الحديث وأما باعتبار ما وقع عند أحمد وأهل السنن من أنه لم يصل عليه فرواية الصلاة أرجح من جهات . الأولى كونها في الصحيح الثانية كونها مثبتة . الثالثة كونها معتضدة بما أخرجه مسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عمران بن حصين ( أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت أنها قد زنت وهي حبلى فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليها فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحسن إليها فإذا وضعت فجيء بها فلما وضعت جاء بها فأمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم أمرهم فصلوا عليها ) . الحديث وبما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث بريدة أن امرأة من غامد أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر نحو حديث عمران ( وقال فأمر بها فصلى عليها ) الحديث وبما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث أبي بكرة ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجم امرأة وفيه فلما طفئت أخرجها فصلى عليها ) وفي إسناده مجهول ومن المرجحات أيضا الاجتماع على الصلاة على المرجوم قال النووي قال القاضي مذهب العلماء كافة الصلاة على كل مسلم ومحدود ومرجوم وقاتل نفسه وولد الزنا اه
ويتعقب بأن الزهري يقول لا يصلى على المرجوم وقتادة يقول لا يصلى على ولد الزنا وأما قاتل نفسه فقد تقدم الخلاف فيه
( ومن جملة ) المرجحات ما حكاه المصنف عن أحمد أنه قال ما نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ترك الصلاة على أحد إلا الغال وقاتل نفسه . وأما ما أخرجه أبو داود من حديث أبي برزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يصل على ماعز ولم ينه عن الصلاة عليه ففي إسناده مجاهيل وبقية الكلام على حديث ماعز والغامدية يأتي إن شاء الله في الحدود وهذا المقدار هو الذي تدعو إليه الحاجة في المقام

الصلاة على الغائب بالنية وعلى القبر إلى شهر

1 - عن جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على أصحمة النجاشي فكبر عليه أربعا ) . وفي لفظ قال ( توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلموا فصلوا عليه فصففنا خلفه فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه ونحن صفوف )
- متفق عليهما

2 - وعن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر عليه أربع تكبيرات )
- رواه الجماعة . وفي لفظ ( نعى النجاشي لأصحابه ثم قال استغفروا له ثم خرج بأصحابه إلى المصلى ثم قام فصلى بهم كما يصلي على الجنازة ) . رواه أحمد

3 - وعن عمران بن حصين : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه قال فقمنا فصففنا عليه كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت )
- رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه

- قوله ( على أصحمة ) قال في الفتح وقع في جميع الروايات التي اتصلت بنا من طريق البخاري أصحمة بمهملتين بوزن أفعلة مفتوح العين . ووقع في مصنف ابن أبي شيبة صحمة بفتح الصاد وسكون الحاء وحكى الإسماعيلي أن في رواية عبد الصمد أصخمة بخاء معجمة وإثبات الألف قال وهو غلط وحكى الكرماني أن في بعض النسخ صحبة بالموحدة بدل الميم انتهى . وهو اسم النجاشي . قال ابن قتيبة وغيره معناه بالعربية عطية والنجاشي بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثم ياء كياء النسب وقيل بالتخفيف ورجحه الصنعاني لقب لمن ملك الحبشة وحكى المطرزي تشديد الجيم عن بعضهم وخطأه
قال المطرزي وابن خالويه وأخرون أن كل من ملك المسلمين يقال له أمير المؤمنين ومن ملك الحبشة النجاشي ومن ملك الروم قيصر ومن ملك الفرس كسرى ومن ملك الترك خاقان ومن ملك القبط فرعون ومن ملك مصر العزيز ومن ملك اليمن تبع ومن ملك حمير القيل بفتح القاف وقيل القيل أقل درجة من الملك
قوله ( فكبر عليه أربعا ) فيه دليل على أن المشروع في تكبير الجنازة أربع وسيأتي الكلام في ذلك . قوله ( وخرج بهم إلى المصلى ) تمسك به من قال بكراهة صلاة الجنازة في المسجد وسيأتي البحث في ذلك وقد استدل بهذه القصة القائلون بمشروعية الصلاة على الغائب عن البلد قال في الفتح وبذلك قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف حتى قال ابن حزم لم يأت عن أحد من الصحابة منعه . قال الشافعي الصلاة على الميت دعاء له فكيف لا يدعى له وهو غائب أو في القبر
وذهبت الحنفية والمالكية وحكاه في البحر عن العترة أنها لا تشرع الصلاة على الغائب مطلقا قال الحافظ وعن بعض أهل العلم إنما يجوز ذلك في اليوم الذي يموت فيه أو ما قرب منه لا إذا طالت المدة حكاه ابن عبد البر وقال ابن حبان إنما يجوز ذلك لمن كان في جهة القبلة قال المحب الطبري لم أر ذلك لغيره واعتذر من لم يقل بالصلاة على الغائب عن هذه القصة بأعذار منها أنه كان بأرض لم يصل عليه بها أحد ومن ثم قال الخطابي لا يصلى على الغائب إلا إذا وقع موته بأرض ليس فيها من يصلي عليه واستحسنه الروياني وترجم بذلك أبو داود في السنن فقال باب الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك في بلد آخر قال الحافظ وهذا محتمل إلا أنني لم أقف في شيء من الأخبار أنه لم يصل عليه في بلده أحد انتهى
وممن اختار هذا التفصيل شيخ الإسلام ابن تيمية حفيد المصنف والمحقق المقبلي واستدل له بما أخرجه الطيالسي وأحمد وابن ماجه وابن قانع والطبراني والضياء المقدسي . وعن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن أخاكم مات بغير أرضكم فقوموا فصلوا عليه ) ومن الأعذار قولهم أنه كشف له صلى الله عليه وآله وسلم حتى رآه فيكون حكمه حكم الحاضر بين يدي الإمام الذي لا يراه المؤتمون ولا خلاف في جواز الصلاة على من كان كذلك
قال ابن دقيق العيد هذا يحتاج إلى نقل ولا يثبت بالاحتمال وتعقبه بعض الحنفية بأن الاحتمال كاف في مثله هذا من جهة المانع . قال الحافظ وكأن مستند القائل بذلك ما ذكره الواحدي في أسباب النزول بغير إسناد عن ابن عباس قال ( كشف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عن سرير النجاشي حتى رآه وصلى عليه ) ولابن حبان من حديث عمران بن حصين ( فقاموا وصفوا خلفه وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه ) ولأبي عوانة من طريق أبان وغيره عن يحيى فصلينا خلفه ونحن لا نرى إلا أن الجنازة قدامنا
ومن الأعذار أن ذلك خاص بالنجاشي لأنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى على ميت غائب غيره وتعقب بأنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى على معاوية بن معاوية الليثي وهو مات بالمدينة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذ ذاك بتبوك ذكر ذلك في الاستيعاب
وروى أيضا عن أبي أمامة الباهلي مثل هذه القصة في حق معاوية بن مقرن وأخرج مثلها أيضا عن أنس في ترجمة معاوية بن معاوية المزني ثم قال بعد ذلك أسانيد هذه الأحاديث ليست بالقوية ولو أنها في الأحكام لم يكن شيء منها حجة
وقال الحافظ في الفتح متعقبا لمن قال أنه لم يصل على غير النجاشي قال وكأنه لم يثبت عنده قصة معاوية بن معاوية الليثي وقد ذكرت في ترجمته في الصحابة أن خبره قوي بالنظر إلى مجموع طرقه انتهى
وقال الذهبي لا نعلم في الصحابة معاوية بن معاوية وكذلك تكلم فيه البخاري . وقال ابن القيم لا يصح حديث صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على معاوية بن معاوية لأن في إسناده العلاء بن يزيد قال ابن المديني كان يضع الحديث وقال النووي مجيبا على من قال بأن ذلك خاص بالنجاشي أنه لو فتح باب هذا الخصوص لانسد كثير من ظواهر الشرع مع أنه لو كان شيء مما ذكروه لتوفرت الدواعي إلى نقله
وقال ابن العربي قال المالكية ليس ذلك إلا لمحمد قلنا وما عمل به محمد تعمل به أمته يعني لأن الأصل عدم الخصوص قالوا طويت له الأرض واحضرت الجنازة بين يديه قلنا إن ربنا عليه لقادر وأن نبينا لأهل لذلك ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم ولا تخترعوا حديثا من عند أنفسكم ولا تحدثوا إلا بالثابتات ودعوا الضعاف فإنه سبيل إتلاف إلى ما ليس له تلاف . وقال الكرماني قولهم رفع الحجاب عنه ممنوع ولئن سلمنا فكان غائبا عن الصحابة الذين صلوا عليه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم
( والحاصل ) أنه لم يأت المانعون من الصلاة على الغائب بشيء يعتد به سوى الاعتذار بأن ذلك مختص بمن كان في أرض لا يصلي عليه فيها وهو أيضا جمود على قصة النجاشي يدفعه الأثر والنظر

4 - وعن ابن عباس قال : ( انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قبر فصلى عليه وصفوا خلفه وكبر أربعا )

5 - وعن أبي هريرة : ( أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابا ففقدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأل عنها أو عنه فقالوا مات قال أفلا آذنتموني قال فكأنهم صغروا أمرها أو أمره فقال دلوني على قبره فدلوه فصلى عليها ثم قال إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وأن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم )
- متفق عليهما وليس للبخاري ( أن هذه القبور مملوءة ظلمة ) إلى آخر الخبر

6 - وعن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على قبر بعد شهر )

7 - وعنه : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على ميت بعد ثلاث )
- رواهما الدارقطني

8 - وعن سعيد بن المسيب : ( أن أم سعد ماتت والنبي صلى الله عليه وآله وسلم غائب فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر )
- رواه الترمذي

- حديث ابن عباس الآخر أخرج الدارقطني الرواية الأولى منه من طريق بشر بن آدم عن أبي عاصم عن سفيان الثوري عن الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس . وأخرجه أيضا البيهقي وأخرج الثانية من طريق سفيان عن الشيباني به
ووقع في الأوسط للطبراني من طريق محمد بن الصباح الدولابي عن إسماعيل بن زكريا عن الشيباني به أنه صلى بعد دفنه بليلتين . وحديث سعيد بن المسيب أخرجه البيهقي . قال الحافظ وإسناده مرسل صحيح . وقد رواه البيهقي عن ابن عباس وفي إسناده سويد بن سعيد
( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند الشيخين بنحو حديث الباب . وعن أنس عند البزار نحوه . وعن أبي أمامة بن سهل عند مالك في الموطأ نحوه أيضا . وعن زيد بن ثابت عند أحمد والنسائي نحوه أيضا . وعن أبي سعيد عند ابن ماجه وفي إسناده ابن لهيعة . وعن عقبة بن عامر عند البخاري . وعن عمران بن حصين عند الطبراني في الأوسط . وعن ابن عمر عنده أيضا . وعن عبد الله بن عامر ابن ربيعة عند النسائي . وعن أبي قتادة عند البيهقي أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى على قبر البراء . وفي رواية بعد شهر . قال حرب الكرماني
( وفي الباب ) أيضا عن عامر ابن ربيعة وعبادة وبريدة بن الحصيب :
قوله ( إلى قبر رطب ) أي لم ييبس ترابه لقرب وقت الدفن فيه . قوله ( وكبر أربعا ) فيه أن المشروع في تكبير صلاة الجنازة أربع وسيأتي . قوله ( أن امرأة سوداء ) سماها البيهقي أم محجن وذكر ابن منده في الصحابة خرقاء اسم امرأة سوداء كانت تقم المسجد فيمكن أن يكون اسمها خرقاء وكنيتها أم محجن . قوله ( أو شابا ) هكذا وقع الشك في ألفاظ الحديث وفي حديث أبي هريرة الجزم بأن صاحبة القصة امرأة وجزم بذلك ابن خزيمة في روايته لحديث أبي هريرة . قوله ( كانت تقم ) بضم القاف أي تجمع القمامة وهي الكناسة : قوله ( ثم قال إن هذه القبور مملوءة ظلمة ) الخ احتج بهذه الرواية من قال بعدم مشروعية الصلاة على القبر وهو النخعي ومالك وأبو حنيفة والهادوية قالوا أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم وأن الله ينورها بصلاتي عليهم يدل على أن ذلك من خصائصه وتعقب ذلك ابن حبان فقال في ترك إنكاره صلى الله عليه وآله وسلم على من صلى معه على القبر بيان جواز ذلك لغيره وأنه ليس من خصائصه وتعقب هذا التعقب بأن الذي يقع بالتبعية لا ينتهض دليلا للأصالة
( ومن جملة ) ما أجاب به الجمهور عن هذه الزيادة أنها مدرجة في هذا الإسناد وهي من مراسل ثابت بين ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد قال الحافظ وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتاب بيان المدرج . قال البيهقي يغلب على الظن أن هذه الزيادة من مراسيل ثابت كما قال أحمد انتهى
وقد عرفت غير مرة أن الاختصاص لا يثبت إلا بدليل ومجرد كون الله ينور القبور بصلاته صلى الله عليه وآله وسلم على أهلها لا ينفي مشروعية الصلاة على القبر لغيره لا سيما بعد قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) وهذا باعتبار من كان قد صلى قبل الدفن وأما من لم يصل عليه ففرض الصلاة عليه الثابت بالأدلة وإجماع الأمة باق وجعل الدفن مسقطا لهذا الفرض محتاج إلى دليل وقد قال بمشروعية الصلاة على القبر الجمهور كما قال ابن المنذر وبه قال الناصر من أهل البيت
وقد استدل بحديث الباب على رد قول من فصل فقال يصلي على قبر من لم يكن قد صلى عليه قبل الدفن لا من كان قد صلى عليه لأن القصة وردت فيمن قد صلى عليه والمفصل هو بعض المانعين الذين تقدم ذكرهم واختلفوا في أمد ذلك فقيده بعضهم إلى شهر . وقيل ما لم يبل الجسد وقيل يجوز أبدا . وقيل إلى اليوم الثالث . وقيل إلى أن يترب
( ومن جملة ) ما اعتذر به المانعون من الصلاة على القبر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما فعل ذلك حيث صلى من ليس بأولى بالصلاة مع إمكان صلاة الأولى وهذا تمحل لا ترد بمثله هذه السنة لا سيما مع ما تقدم من صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على البراء بن معرور مع أنه مات والنبي صلى الله عليه وآله وسلم غائب في مكة قبل الهجرة وكان ذلك بعد موته بشهر . وعلى أم سعد وكان أيضا عند موتها غائبا وعلى غيرهما

باب فضل الصلاة على الميت وما يرجى له بكثرة الجمع

1 - عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل وما القيراطان قال مثل الجبلين العظيمين )
- متفق عليه . ولأحمد ومسلم ( حتى توضع في اللحد ) بدل تدفن وفيه دليل فضيلة اللحد على الشق )

- وفي الباب عن عائشة عند البخاري . وعن ثوبان عند مسلم . وعن عبد الله بن مغفل عند النسائي . وعن أبي سعيد عند أحمد وعن ابن مسعود عند أبي عوانة قال الحافظ وأسانيده هذه صحاح . وعن أبي بن كعب عن ابن ماجه . وعن ابن مسعود عند البيهقي في الشعب وأبي عوانة . وعن أنس عند الطبراني في الأوسط . وعن واثلة بن الأسقع عند ابن عدي . وعن حفصة عند حميد بن زنجويه في فضائل الأعمال . قال الحافظ وفي كل من أسانيد هؤلاء الخمسة ضعف
قوله ( من شهد ) في رواية للبخاري ( من شيع ) وفي أخرى له ( من تبع ) وفي رواية لمسلم ( من خرج مع جنازة من بيتها ثم تبعها حتى تدفن ) فينبغي أن تكون هذه الرواية مقيدة لبقية الروايات فالتشييع والشهادة والإتباع يعتبر في كونها محصلة للأجر المذكور في الحديث أن يكون ابتداء الحضور من بيت الميت . ويدل على ذلك ما وقع في رواية لأبي هريرة عند البزار بلفظ ( من أهلها ) وما عند أحمد من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ ( فمشى معها من أهلها ) ومقتضاه أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة وبذلك جزم الطبري :
قال الحافظ والذي يظهر لي أن القيراط يحصل لمن صلى فقط لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع وصلى . واستدل بما عند مسلم بلفظ ( من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط ) وبما عند أحمد عن أبي هريرة ( ومن صلى ولم يتبع فله قيراط ) فدل على أن الصلاة تحصل القيراط وإن لم يقع إتباع قال ويمكن أن يحمل الإتباع هنا على ما بعد الصلاة انتهى
وهكذا الخلاف في قيراط الدفن هل يحصل بمجرد الدفن من دون إتباع أو لابد منه
قوله ( حتى يصلي عليها ) قال في الفتح اللام للأكثر مفتوحة . وفي بعض الروايات بكسرها ورواية الفتح محمولة عليها فإن حصول القيراط متوقف على وجود الصلاة من الذي يحصل له انتهى . قال ابن المنير أن القيراط لا يحصل إلا لمن اتبع وصلى أو إتبع وشيع وحضر الدفن لا لمن اتبع مثلا وشيع ثم انصرف بغير صلاة وذلك لأن الإتباع إنما هو وسيلة لا حد مقصودين إما الصلاة وإما الدفن فإذا تجردت الوسيلة عن المقصد لم يحصا المترتب على المقصود وإن كان يترجى أن يحصل لذلك فضل ما يحتسب وقد روى سعيد بن منصور عن مجاهد أنه قال إتباع الجنازة أفضل النوافل وفي رواية عبد الرزاق عنه إتباع الجنازة أفضل من صلاة التطوع : قوله ( فله قيراط ) بكسر القاف قال في الفتح قال الجوهري القيراط نصف دانق قال والدانق سدس الدرهم فهو على هذا نصف سدس الدرهم كما قال ابن عقيل وذكر القيراط تقريبا للفهم لما كان الإنسان يعرف القيراط ويعمل العمل في مقابلته فضرب له المثل بما يعلم ثم لما كان مقدار القيراط المتعارف حقيرا نبه على عظم القيراط الحاصل لمن فعل ذلك فقال مثل أحدكما كما في بعض الروايات وفي أخرى أصغرهما مثل أحد . وفي حديث الباب مثل الجبلين العظيمين :
قوله ( ومن شهدها حتى تدفن ) ظاهره أن حصول القيراط متوقف على فراغ الدفن وهو أصح الأوجه عند الشافعية وغيرهم وقيل يحصل بمجرد الوضع في اللحد وقيل عند انتهاء الدفن قبل إهالة التراب . وقد وردت الأخبار بكل ذلك فعند مسلم ( حتى يفرغ منها ) وعنده في أخرى ( حتى توضع في اللحد ) وعنده أيضا ( حتى توضع في القبر ) وعند أحمد ( حتى يقضي قضاؤها ) وعند الترمذي ( حتى يقضي دفنها ) وعند أبي عوانة ( حتى يسوى عليها ) أي التراب . وقيل يحصل القيراط بكل من ذلك ولكن يتفاوت . والظاهر أنها تحمل الروايات المطلقة عن الفراغ من الدفن وتسوية التراب بالمقيدة بهما :
قوله ( مثل الجبلين ) في رواية ( مثل أحد ) وفي رواية للنسائي ( كل واحد منهما أعظم من أحد ) وعند مسلم أصغرهما مثل أحد . وعند ابن عدي أثقل من أحد فأفادت هذه الرواية بيان وجه التمثيل بجبل أحد وأن المراد به ونة الثواب المترتب على ذلك :
قوله ( حتى توضع في اللحد ) استدل به المصنف على أن اللحد أفضل من الشق وسيأتي الكلام على ذلك

2 - وعن مالك بن هبيرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من مؤمن يموت فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا غفر له فكان مالك بن هبيرة يتحرى إذا قل أهل الجنازة أن يجعلهم ثلاثة صفوف )
- رواه الخمسة إلا النسائي

3 - وعن عائشة : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه )
- رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه

4 - وعن ابن عباس قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

5 - وعن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أبيات من جيرانه الأدنين إلا قال الله تعالى قد قبلت علمهم فيه وغفرت له ما لا يعلمون )
- رواه أحمد

- حديث مالك بن هبيرة في إسناده محمد بن إسحاق رواه عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد عن مالك وفيه مقال معروف إذا عنعن . وقد حسن الحديث الترمذي . وقال رواه غير واحد عن محمد بن إسحاق وروى إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق هذا الحديث وأدخل بين مرثد ومالك بن هبيرة رجلا ورواية هؤلاء أصح عندنا قال وفي الباب عن عائشة وأم حبيبة وأبي هريرة ثم ذكر حديث عائشة بنحو اللفظ الذي ذكره المصنف من طريق ابن أبي عمر عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب . وعن أحمد بن منيع وعلي بن حجر عن إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة ثم قال حسن صحيح وقد وقفه بعضهم ولم يرفعه
قال النووي من رفعه ثقة وزيادة الثقة مقبولة . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن ماجه . وحديث أنس أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم من طريق حماد ابن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعا . ولأحمد من حديث أبي هريرة نحوه وقال ثلاثة بدل أربعة . وفي إسناده رجل لم يسم وله شاهد من مراسيل بشير بن كعب أخرجه أبو مسلم الكجي :
قوله ( يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف ) فيه دليل على أن من صلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين غفر له وأقل ما يسمى صفا رجلان ولا حد لأكثره : قوله ( يبلغون مائة ) فيه استحباب تكثير جماعة الجنازة ويطلب بلوغهم إلى هذا العدد الذي يكون من موجبات الفوز وقد قيد ذلك بأمرين
الأول أن يكونوا شافعين فيه أي مخلصين له الدعاء سائلين له المغفرة . الثاني : أن يكونوا مسلمين ليس فيهم من يشرك بالله شيئا كما في حديث ابن عباس قال القاضي قيل هذه الأحاديث خرجت أجوبة لسائلين سألوا عن ذلك فأجاب كل واحد عن سؤاله
قال النووي ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بقبول شفاعة مائة فأخبر به ثم بقبول شفاعة أربعين فأخبر به ثم ثلاثة صفوف وإن قل عددهم فأخبر به . قال ويحتمل أيضا أن يقال هذا مفهوم عدد ولا يحتج به جماهير الأصوليين فلا يلزم من الأخبار عن قبول شفاعة مائة منع قبول ما دون ذلك وكذا في الأربعين مع ثلاثة صفوف وحينئذ كل الأحاديث معمول بها وتحصل الشفاعة بأقل الأمرين من ثلاثة صفوف وأربعين :
قوله ( أربعة أبيات ) ليس عند ابن حبان والحاكم لفظ أبيات وفيه أن شهادة أربعة من جيران الميت من موجبات مغفرة الله تعالى له . ويؤيد ذلك ما أخرجه البخاري وغيره عن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة فقلنا وثلاثة قال وثلاثة فقلنا واثنان قال واثنان ثم لم نسأله عن الواحد )
قال الزين بن المنير إنما لم يسأله عمر عن الواحد استعبادا منه أن يكتفي في مثل هذا المقام العظيم بأقل من النصاب
قال الداودي المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق لا الفسقة لأنهم قد يثنون على من يكون مثلهم ولا من بينه وبين الميت عداوة لأن شهادة العدو لا تقبل . وقد أخرج الشيخان وغيرهما من حديث أنس قال ( مر بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال وجبت ثم مر بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال وجبت فقال عمر ما وجبت قال هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض ) هذا لفظ البخاري . وفي مسلم وجبت وجبت وجبت ثلاثا في الموضعين
قال النووي قال بعضهم معنى الحديث أن الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل وكان ذلك مطابقا للواقع فهو من أهل الجنة فإن كان غير مطابق فلا وكذا عكسه
قالوا والصحيح أنه على عمومه وأن من مات فالهم الله تعالى الناس الثناء عليه بخير كان دليلا على أنه من أهل الجنة سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة وهذا الإلهام يستدل به على تعيينها وبهذا تظهر فائدة الثناء انتهى
قال الحافظ وهذا في جانب الخير واضح وأما في جانب الشر فظاهر الأحاديث أنه كذلك لكن إنما يقع ذلك في حق من غلب شره على خيره وقد وقع في رواية من حديث أنس المتقدم ( أن لله عز و جل ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر )

باب ما جاء في كراهة النعي

1 - عن ابن مسعود : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إياكم والنعي فإن النعي عمل الجاهلية )
- رواه الترمذي كذلك . ورواه موقوفا وذكر أنه أصح

2 - وعن حذيفة أنه قال : ( إذا مت فلا تؤذنوا بي أحدا إني أخاف أن يكون نعيا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن النعي )
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه

3 - وعن إبراهيم أنه قال : ( لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه إنما كان يكره أن يطاف في المجالس فيقال أنعى فلانا فعل أهل الجاهلية )
- رواه سعيد في سننه

4 - وعن أنس قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب وأن عيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتذرفان ثم أخذها خالد بن الوليد من غيرا مرة ففتح له )
- رواه أحمد والبخاري

- حديث ابن مسعود في إسناده أبو حمزة ميمون الأعور وليس بالقوي عند أهل الحديث . وقد اختلف في رفعه ووقفه ورجح الترمذي وقفه كما قال المصنف وقال إنه حديث غريب
وحديث حذيفة قال الحافظ في الفتح إسناده حسن وكلام إبراهيم الذي رواه سعيد بن منصور هو من طريق ابن علية عن ابن عون قال قلت لإبراهيم هل كانوا يكرهون النعي قال نعم ثم ذكره . وروى أيضا سعيد بن منصور بهذا الإسناد إلى ابن سيرين أنه قال لا أعلم بأسا أن يؤذن الرجل صديقه وحميمه : قوله ( إياكم والنعي ) النعي هو الإخبار بموت الميت كما في الصحاح والقاموس وغيرهما من كتب اللغة قال في القاموس نعاه له نعيا ونعيا ونعيانا أخبره بموته
وفي النهاية نعى الميت نعيا إذا ذاع موته وأخبر به انتهى . فمدلول النعي لغة هو هذا وإليه يتوجه النهي لوجوب حمل كلام الشارع على مقتضى اللغة العربية عند عدم وجود اصطلاح لخ يخالفه . وقال في الفتح إنما نهى عما كان أهل الجاهلية يصنعونه وكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق . وقال ابن المرابط إن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح وإن كان فيه إدخال الكرب والمصاب على أهله لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته وتهيئة أمره والصلاة عليه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وصاياه وما يترتب على ذلك من الأحكام انتهى
ويستدل لجواز مجرد الإعلام بحديث أنس المذكور في الباب فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بقتل الثلاثة الأمراء المقتولين بموته وقصتهم مشهورة وهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله ابن رواحة . وبحديث أبي هريرة ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ) كما تقدم . وقد بوب عليه البخاري باب الرجل ينعي إلى أهل الميت بنفسه . وبحديث أبي هريرة وغيره ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عند أن أخبر بموت السوداء أو الشاب الذي كان يقم المسجد ألا آذنتموني ) وقد تقدم
وفي حديث ابن عباس ما منعكم أن تعلموني . وقد بوب عليه البخاري باب الإذن بالجنازة . وبحديث الحصين بن وحوح وقد تقدم في باب المبادرة إلى تجهيز الميت فهذه الأحاديث تدل على أن مجرد الإعلام بالموت لا يكون نعيا محرما وإن كان باعتبار اللغة مما يصدق عليه اسم النعي كما تقدم . ويؤيد ذلك ما رواه سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي وابن سيرين كما سلف . وقال ابن العربي يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات
الأولى إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة
الثانية الدعوة للمفاخرة بالكثرة فهذا مكروه
الثالثة الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم انتهى
( فالحاصل ) أن الإعلام للغسل والتكفين والصلاة والحمل والدفن مخصوص من عموم النهي لأن إعلام من لا تتم هذه الأمور إلا به مما وقع الإجماع على فعله في زمن النبوة وما بعده وما جاوز هذا المقدار فهو داخل تحت عموم النهي

باب عدد تكبير صلاة الجنائز

قد ثبت الأربع في رواية أبي هريرة وابن عباس وجابر

1 - وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : ( كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا وأنه كبر خمسا على جنازة فسألته فقال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكبرها )
- رواه الجماعة إلا البخاري

- حديث أبي هريرة وابن عباس وجابر تقدم في الصلاة على الغائب وممن روى الأربع كما قال البيهقي عقبة بن عامر والبراء بن عازب وزيد بن ثابت وابن مسعود
وروى ابن عبد البر في الاستذكار من طريق أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن أبيه : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكبر على الجنائز أربعا وخمسا وسبعا وثمانيا حتى جاء موت النجاشي فخرج فكبر أربعا ثم ثبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أربع حتى توفاه الله تعالى )
وكذا قال القاضي عياض وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر مرفوعا : ( صلوا على موتاكم بالليل والنهار والصغير والكبير والدنئ والأمير أربعا ) . وفي إسناده عمرو بن هشام البيروتي تفرد به عن ابن لهيعة وإلى مشروعية الأربع التكبيرات في الجنازة وذهب الجمهور قال الترمذي العمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم يرون التكبير على الجنازة أربع تكبيرات وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق انتهى
قال ابن المنذر ذهب أكثر أهل العلم إلى أن التكبير أربع انتهى
وقد اختلف السلف في ذلك فروى عن زيد بن أرقم أنه كان يكبر خمسا كما في حديث الباب وروى ابن المنذر عن ابن مسعود أنه صلى على جنازة رجل من بني أسد فكبر خمسا وروى أيضا عن ابن مسعود عن علي أنه كان يكبر على أهل بدر ستا وعلى الصحابة خمسا وعلى شائر الناس أربعا
وروى ذلك أيضا ابن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني عن عبد خير عنه . وروى ابن المنذر أيضا بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كبر على جنازة ثلاثا . قال القاضي عياض اختلفت الصحابة في ذلك من ثلاث تكبيرات إلى تسع . قال ابن عبد البر وانعقد الإجماع بعد ذلك على أربع . وأجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالأمصار على أربع على ما جاء في الأحاديث الصحيح وما سوى ذلك عندهم شذوذ لا يلتفت إليه وقال لا نعلم أحدا من فقهاء الأمصار يخمس إلا ابن أبي ليلى وقال علي ابن الجعد حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت سعيد بن المسيب يقول إن عمر قال كل ذلك قد كان أربعا وخمسا فاجتمعنا على أربع رواه البيهقي . ورواه ابن عبد البر من وجه آخر عن شعبة . وروى البيهقي أيضا عن أبي وائل قال : ( كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعا وخمسا وستا وسبعا فجمع عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبر كل رجل منهم بما رأى فجمعهم عمر على أربع تكبيرات )
وروى أيضا من طريق إبراهيم النخعي أنه قال اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيت أبي مسعود فاجتمعوا على أن التكبير على الجنازة أربع . وروى أيضا بسنده إلى الشعبي قال صلى ابن عمر على زيد بن عمر وأمه أم كلثوم بنت علي فكبر أربعا وخلفه ابن عباس والحسين بن علي وابن الحنفية
قوله ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكبرها ) استدل به من قال أن تكبير الجنازة خمس وقد حكاه في البحر عن العترة جميعا وأبي ذر وزيد بن أرقم وحذيفة وابن عباس ومحمد بن الحنفية وابن أبي ليلى وحكاه في المبسوط عن أبي يوسف وفي دعوى إجماع العترة نظر لأن صاحب الكافي حكى عن زيد بن علي القول بالأربع واستدلوا أيضا بحديث حذيفة الآتي وبما تقدم عن جماعة من الصحابة قالوا والخمس زيادة يتحتم قبولها لعدم منافاتها وأورد عليهم أنه كان يلزمكم الأخذ بأكثر من خمس لأنها زيادة وقد وردت كما أخرجه البيهقي عن أبي وائل وقد تقدم ورجح الجمهور ما ذهبوا إليه من مشروعية الأربع بمرجحات أربعة
الأول : أنها ثبتت من طريق جماعة من الصحابة أكثر عددا ممن روي منهم الخمس
الثاني : أنها في الصحيحين
الثالث : أنه أجمع على العمل بها الصحابة كما تقدم
الرابع : أنها آخر ما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم كما أخرج الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ ( آخر ما كبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الجنائز أربع ) . وفي إسناده الفرات ابن سلمان . وقال الحاكم بعد ذكر الحديث ليس من شرط الكتاب . ورواه أيضا البيهقي بإسناد فيه النضر بن عبد الرحمن وهو ضعيف وقد تفرد به كما قال البيهقي
قال الحافظ وروى هذا اللفظ من وجوه أخر كلها ضعيفة . وقال الأثرم رواه محمد بن معاوية النيسابوري عن أبي المليح عن ميمون بن مهران عن ابن عباس . وقد سألت أحمد عنه فقال محمد هذا روى أحاديث موضوعة منها هذا واستعظمه
وقال كان أبو المليح أتقى لله . وأصح حديثا من أن يروى مثل هذا وقال حرب عن أحمد هذا الحديث إنما رواه محمد بن زياد الطحان وكان يضع الحديث . وقال ابن القيم قال أحمد هذا كذب ليس له أصل اه
ورواه ابن الجوزي في الناسخ والمنسوخ من طريق ابن شاهين عن ابن عمر وفي إسناده زافر بن الحرث عن أبي العلاء عن ميمون بن مهران عنه . قال ابن الجوزي وخالفه غيره ولا يثبت فيه شيء ورواه الحرث بن أبي أسامة عن جعفر بن حمزة عن فرات بن السائب عن ميمون ابن مهران عن ابن عمر بنحوه ويجاب عن الأول من هذه المرجحات والثاني منها بأنه إنما يرجح بهما عند التعارض ولا تعارض بين الأربع والخمس لأن الخمس مشتملة زيادة غير معارضة . وعن الرابع بأنه لم يثبت ولو ثبت لكان غير رافع للنزاع لأن اقتصاره على الأربع لا ينفي مشروعية الخمس بعد ثبوتها عنه وغاية ما فيه جواز الأمرين نعم المرجح الثالث أعني إجماع الصحابة على الأربع هو الذي يعول عليه في مثل هذا المقام إن صح وإلا كان الأخذ بالزيادة الخارجة من مخرج صحيح هو الراجح
وفي المسألة أقوال أخر . منها ما روي عن أحمد بن حنبل أنه لا ينقص عن أربع ولا يزاد على سبع . ومنها ما روى عن بكر بن عبد الله المزني أنه لا ينقص عن ثلاث ولا يزاد على سبع . ومنها ما روى عن ابن مسعود أنه قال التكبير تسع وسبع وخمس وأربع وكبر ما كبر الإمام روى ذلك جميعه ابن المنذر . ومنها ما روى عن أنس أن تكبير الجنازة ثلاث كما روى عنه ابن المنذر أنه قيل له أن فلانا كبر ثلاثا فقال وهل التكبير إلا ثلاث وروى عنه ابن أبي شيبة أنه كبر ثلاثا لم يزد عليها وروى عنه عبد الرزاق أنه كبر على جنازة ثلاثا ثم انصرف ناسيا فقالوا له يا أبا حمزة إنك كبرت ثلاثا قال فصفوا فصفوا فكبر الرابعة . وروى عنه البخاري تعليقا نحو ذلك وجمع بين الروايات عنه الحافظ بأنه إما كان يرى الثلاث مجزئة والأربع أكمل منها وإما بأن من أطلق عنه الثلاث لم يذكر الأولى لأنها افتتاح الصلاة

2 - وعن حذيفة : ( أنه صلى على جنازة فكبر خمسا ثم التفت فقال ما نسيت ولا وهمت ولكن كبرت كما كبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على جنازة فكبر خمسا )
- رواه أحمد

3 - وعن علي : ( أنه كبر على سهل بن حنيف ستا وقال أنه شهد بدرا )
- رواه البخاري

4 - وعن الحكم بن عتيبة أنه قال : ( كانوا يكبرون على أهل بدر خمسا وستا وسبعا )
- رواه سعيد في سننه

- حديث حذيفة ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه وفي إسناده يحيى بن عبد الله الجابري وهو متكلم عليه والأثر المذكور عن علي هو في البخاري بلفظ ( أنه كبر على سهل بن حنيف ) زاد البرقاني في مستخرجه ( ستا ) وكذا ذكره البخاري في تاريخه وسعيد بن منصور . ورواه ابن أبي خيثمة من وجه آخر عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن مغفل فقال خمسا . وروى البيهقي عنه أنه كبر على أبي قتادة سبعا وقال أنه غلط لأن أبا قتادة عاش بعد ذلك قال الحافظ وهذه علة غير قادحة لأنه قد قيل أن أبا قتادة مات في خلافة علي وهذا هو الراجح اه
وقول الحكم بن عتيبة أورده الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه وقد تقدم الخلاف في عدد التكبير وما هو الراجح . وفي فعل علي دليل على استحباب تخصيص من له فضيلة بإكثار التكبير عليه وكذلك في رواية الحكم بن عتيبة عن السلف وقد تقدم من فعله صلى الله عليه وآله وسلم بصلاته على حمزة ما يدل على ذلك

باب القراءة والصلاة على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فيها

1 - عن ابن عباس : ( أنه صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال لتعلموا أنه من السنة )
- رواه البخاري وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وقال فيه ( فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر فلما فرغ قال سنة وحق )

2 - وعن أبي أمامة بن سهل : ( أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات ولا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرا في نفسه )
- رواه الشافعي في مسنده

3 - وعن فضالة بن أبي أمية قال : ( قرأ الذي صلى على أبي بكر وعمر بفاتحة الكتاب )
- رواه البخاري في تاريخه

- حديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم . وحديث أبي أمامة بن سهل في إسناده مطرف ولكنه قد قواه البيهقي بما رواه في المعرفة من طريق عبد الله ابن أبي زياد الرصافي عن الزهري بمعناه
وأخرج نحوه الحاكم من وجه آخر وأخرجه أيضا النسائي وعبد الرزاق قال في الفتح وإسناده صحيح وليس فيه قوله ( بعد التكبيرة ) ولا قوله ( ثم يسلم سرا في نفسه ) ولكنه أخرج الحاكم نحوها
( وفي الباب ) عن ابن عباس حديث آخر عند الترمذي وابن ماجه : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب ) . وفي إسناده إبراهيم ابن عثمان أبو شيبة الواسطي وهو ضعيف جدا وقال الترمذي لا يصح هذا عن ابن عباس والصحيح عنه قوله ( من السنة )
وعن أم شريك عند ابن ماجه قالت : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب ) . وفي إسناده ضعف يسير كما قال الحافظ
وعن ابن عباس حديث آخر أيضا عند الحاكم : ( أنه صلى على جنازة بالأبواء فكبر ثم قرأ الفاتحة رافعا صوته ثم صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال اللهم هذا عبدك وابن عبديك أصبح فقيرا إلى رحمتك فأنت غني عن عذابه إن كان زاكيا فزكه وإن كان مخطئا فاغفر له اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده ثم كبر صلاة تكبيرات ثم انصرف فقال أيها الناس إني لم أقرأ عليها أي جهرا إلا لتعلموا أنه سنة ) . وفي إسناده شرحبيل بن سعد وهو مختلف في توثيقه
وعن جابر عند النسائي في المجتبى والحاكم والشافعي وأبي يعلى : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ فيها بأم القرآن ) . وفي إسناده الشافعي والحاكم إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل
وعن محمد ابن مسلمة عند ابن أبي حاتم في العلل أنه قال السنة على الجنائز أن يكبر الإمام ثم يقرأ أم القرآن في نفسه ثم يدعو ويخلص الدعاء للميت ثم يكبر ثلاثا ثم يسلم وينصرف ويفعل من وراءه ذلك وقال سألت أبي عنه فقال هذا خطأ إنما هو حبيب بن مسلمة . قال الحافظ حديث حبيب في المستدرك من طريق الزهري عن أبي أمامة ابن سهل باللفظ السابق :
قوله ( لتعلموا أنه من السنة ) فيه وفي بقية أحاديث الباب دليل على مشروعية قراء فاتحة الكتاب في صلاة الجنازة وقد حكى ابن المنذر عن ابن مسعود والحسن بن علي وابن الزبير والمسور بن مخرمة وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وبه قال الهادي والقاسم والمؤيد بالله ونقل ابن المنذر أيضا عن أبي هريرة وابن عمر أنه ليس فيها قراءة وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه وسائر الكوفيين وإليه ذهب زيد بن علي والناصر وأحاديث الباب ترد عليهم
( واختلف الأولون ) هل قراءة الفاتحة واجبة أم لا فذهب إلى الأول الشافعي وأحمد وغيرهما واستدلوا بحديث أم شريك المتقدم وبالأحاديث المتقدمة في كتاب الصلاة كحديث لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ونحوه وصلاة الجنازة صلاة وهو الحق
قوله ( وسورة ) فيه مشروعية قراءة سورة مع الفاتحة في صلاة الجنازة ولا محيص عن المصير إلى ذلك لأنها زيادة خارجة من مخرج صحيح . ويؤيد وجوب قراءة السورة في صلاة الجنازة الأحاديث المتقدمة في باب وجوب قراءة الفاتحة من كتاب الصلاة فإنها ظاهرة في كل صلاة : قوله ( وجهر ) فيه دليل على الجهر في قراءة صلاة الجنازة وقال بعض أصحاب الشافعي أنه يجهر بالليل كالليلية وذهب الجمهور إلى أنه لا يستحب الجهر في صلاة الجنازة وتمسكوا بقول ابن عباس المتقدم لم أقرأ أي جهرا إلا لتعلموا أنه سنة
وبقوله في حديث أبي أمامة سرا في نفسه : قوله ( بعد التكبيرة الأولى ) فيه بيان محل قراءة الفاتحة وقد أخرج الشافعي والحاكم عن جابر مرفوعا بلفظ ( وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى ) وفي إسناده إبراهيم بن محمد وهو ضعيف جدا . وقد صرح العراقي في شرح الترمذي بأن إسناد حديث جابر ضعيف : قوله ( ثم يصلي على النبي ) فيه مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الجنازة ويؤيد ذلك الأحاديث المتقدمة في الصلاة كحديث ( لا صلاة لمن لم يصل علي ) ونحوه . وروى إسماعيل القاضي في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أبي أمامة أنه قال إن السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ ولا يقرأ إلا مرة ثم يسلم
وأخرجه ابن الجارود في المنتقي قال الحافظ ورجاله مخرج لهم في الصحيحين : قوله ( ثم يسلم سرا في نفسه ) فيه دليل على مشروعية السلام في صلاة الجنازة والإسرار به وهو مجمع عليه حكى ذلك في البحر
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال : ( ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعلهن تركهن الناس إحداهن التسليم على الجنائز مثل التسليم في الصلاة ) . وله أيضا نحوه عن عبد الله بن أبي أوفى فحصل من الأحاديث المذكورة في الباب أن المشروع في صلاة الجنازة قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى وقراءة سورة وتكون أيضا بعد التكبيرة الأولى مع الفاتحة لقوله في حديث أبي أمامة بن سهل ويخلص الدعاء للميت في التكبيرات ولا يقرأ في شيء منهن ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يرد ما يدل على تعيين موضعها والظاهر أنها تفعل بعد القراءة ثم يكبر بقية التكبيرات ويستكثر من الدعاء بينهن للميت مخلصا له ولا يشتغل بشيء من الاستحسانات التي وقعت في كتب الفقه فإنه لا مستند لها إلا التخيلات ثم بعد فراغه من التكبير والدعاء المأثور يسلم وقد اختلف في مشروعية الرفع عند كل تكبيرة فذهب الشافعي إلى أنه يشرع مع كل تكبيرة . وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وعمر ابن عبد العزيز وعطاء وسالم بن عبد الله وقيس بن أبي حازم والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق واختاره ابن المنذر وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحاب الرأي أنه لا يرفع عند سائر التكبيرات بل عند الأولى فقط
وعن مالك ثلاث روايات الرفع في الجميع وفي الأولى فقط وعدمه في كلها وقالت العترة بمنعه في كلها
( احتج الأولون ) بما أخرجه البيهقي عن ابن عمر قال الحافظ بسند صحيح وعلقه البخاري ووصله في جزء رفع اليدين أنه كان يرفع يديه في جميع تكبيرات الجنازة . ورواه الطبراني في الأوسط في ترجمة موسى بن عيسى مرفوعا وقال لم يروه عن نافع إلا عبد الله بن محرر تفرد به عباد ابن صهيب قال في التلخيص وهما ضعيفان ورواه الدارقطني من طريق يزيد ابن هرون عن يحيى بن سعيد عن نافع عنه مرفوعا لكن قال في العلل تفرد به برفعه عمر بن شيبة عن يزيد بن هرون . ورواه الجماعة عن يزيد موقوفا وهو الصواب وروى الشافعي عمن سمع سلمة بن وردان يذكر عن أنس أنه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة . وروى أيضا الشافعي عن عروة وابن المسيب مثل ذلك قال وعلى ذلك أدركنا أهل العلم ببلدنا
( واحتج القائلون ) بأنه لا يرفع يديه إلا عند تكبيرة الافتتاح بما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلى على جنازة رفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود . قال الحافظ ولا يصح فيه شيء وقد صح عن ابن عباس أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة رواه سعيد بن منصور اه
واحتجوا أيضا بما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى )
وقال غريب وفي إسناده يزيد بن سنان الرهاوي وهو ضعيف عند أهل الحديث . والحاصل أنه لم يثبت في غير التكبيرة الأولى شيء يصلح للاحتجاج به عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأفعال الصحابة وأقوالهم لا حجة فيها فينبغي أن يقتصر على الرفع عند تكبيرة الإحرام لأنه لم يشرع في غيرها إلا عند الانتقال من ركن إلى ركن كما في سائر الصلوات ولا انتقال في صلاة الجنازة

باب الدعاء للميت وما ورد فيه

1 - عن أبي هريرة قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء )
- رواه أبو داود وابن ماجه

2 - وعن أبي هريرة قال : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى على جنازة قال اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان )
- رواه أحمد والترمذي . ورواه أبو داود وابن ماجه وزاد ( اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده )

- الحديث الأول أخرجه أيضا ابن حبان وصححه والبيهقي وفي إسناده ابن إسحاق وقد عنعن ولكن أخرجه ابن حبان من طريق أخرى عنه مصرحا بالسماع . والحديث الثاني أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والحاكم وقال وله شاهد صحيح من حديث عائشة نحوه
وأخرج هذا الشاهد الترمذي وأعله بعكرمة بن عمار وفي إسناد حديث الباب يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال أبو حاتم الحفاظ لا يذكرون أبا هريرة إنما يقولون أبو سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا ولا يوصله بذكر أبي هريرة إلا غير متقن والصحيح أنه مرسل . وقال الترمذي روى هذا الحديث هشام الدستوائي وعلي بن المبارك عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا اه وقد رواه يحيى بن أبي كثير من حديث أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حديث أبي هريرة أخرجه من هذا الوجه أحمد والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح وقال أصح الروايات في هذا يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه وسألته عن اسم أبي إبراهيم فلم يعرفه . وقال أبو حاتم أبو إبراهيم مجهول اه ولكن جهالة الصحابي غير قادحة . وقد أخرجه الترمذي والحاكم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة ولكن في إسناد هذه الطريق عكرمة ابن عمار كما تقدم
وأخرجه أيضا الترمذي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله ابن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد توهم بعض الناس أن أبا إبراهيم الأشهلي هو عبد الله بن أبي قتادة قال الحافظ وهو غلط لأن أبا إبراهيم من بني عبد الأشهل وأبو قتادة من بني سلمة
( وفي الباب ) عن أبي هريرة حديث آخر عند أبي داود والنسائي : ( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته على الجنازة يقول اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها وأنت قبضت روحها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئنا شفعاء فاغفر لها )
وعن عوف بن مالك وواثلة وسيأتيان : قوله ( فأخلصوا له الدعاء ) فيه دليل على أنه لا يتعين دعاء مخصوص من هذه الأدعية الواردة وأنه ينبغي للمصلي على الميت أن يخلص الدعاء له سواء كان محسنا أو مسيئا فإن ملابس المعاصي أحوج الناس إلى دعاء إخوانه المسلمين وأفقرهم إلى شفاعتهم ولذلك قدموه بين أيديهم وجاؤا به إليهم لا كما قال بعضهم أن المصلي يلعن الفاسق ويقتصر في الملتبس على قوله ( اللهم إن كان محسنا فزده إحسانا وإن كان مسيئا فأنت أولى بالعفو عنه فإن الأول من إخلاص السب لا من إخلاص الدعاء والثاني من باب التفويض باعتبار المسيء لا من باب الشفاعة والسؤال وهو تحصيل للحاصل والميت غني عن ذلك : قوله ( فأحيه على الإسلام ) هذا اللفظ هو الثابت عند الأكثر وفي سنن أبي داود ( فأحيه على الإيمان وتوفه على الإسلام )
( واعلم ) أنه قد وقع في كتب الفقه ذكر أدعية غير المأثورة عنه صلى الله عليه وآله وسلم والتمسك بالثابت عنه أولى واختلاف الأحاديث في ذلك محمول على أنه كان يدعو لميت بدعاء ولآخر بآخر والذي أمر به صلى الله عليه وآله وسلم إخلاص الدعاء
( فائدة ) إذا كان المصلى عليه طفلا استحب أن يقول المصلي ( اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا ) روى ذلك البيهقي من حديث أبي هريرة وروى مثله سفيان في جامعه عن الحسن

3 - وعن عوف بن مالك قال : ( سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على جنازة يقول اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وابدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وقه فتنة القبر وعذاب النار قال عوف فتمنيت أن لو كنت أنا الميت لدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لذلك الميت )
- رواه مسلم والنسائي

4 - وعن واثلة بن الأسقع قال : ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رجل من المسلمين فسمعته يقول اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك فقه فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحمد اللهم فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم )
- رواه أبو داود

- الحديث الأول أخرجه أيضا الترمذي مختصرا والحديث الثاني أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده مروان بن جناح وفيه مقال
قوله ( سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) وكذلك قوله ( فسمعته ) وفي رواية لمسلم من حديث عوف ( فحفظت من دعائه ) جميع ذلك يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جهر بالدعاء وهو خلاف ما صرح به جماعة من استحباب الإسرار بالدعاء وقد قيل إن جهره صلى الله عليه وآله وسلم بالدعاء لقصد تعليمهم
وأخرج أحمد عن جابر قال : ( ما أباح لنا في دعاء الجنازة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ) . وفسر أباح بمعنى قدر . قال الحافظ والذي وقفت عليه باح بمعنى جهر والظاهر أن الجهر والإسرار بالدعاء جائزان . قوله ( واغسله بماء وثلج ) الخ هذه الألفاظ قد تقدم شرحها في الصلاة
( واعلم ) أنه لم يرد تعيين موضع هذه الأدعية فإن شاء المصلي جاء بما يختار منها دفعة إما بعد فراغه من التكبير أو بعد التكبيرة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو يفرقه بين كل تكبيرتين أو يدعو بين كل تكبيرتين بواحد من هذه الأدعية ليكون مؤديا لجميع ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم
وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى الآتي فليس فيه أنه لم يدع إلا بعد التكبيرة الرابعة إنما فيه أنه دعا بعدها وذلك لا يدل على أن الدعاء مختص بذلك الموضع :
قوله ( إن فلان بن فلان ) فيه دليل على استحباب تسمية الميت باسمه واسم أبيه وهذا إن كان معروفا وإلا جعل مكان ذلك اللهم إن عبدك هذا ونحوه والظاهر أنه يدعو بهذه الألفاظ الواردة في هذه الأحاديث سواء كان الميت ذكرا أو أنثى ولا يحول الضمائر المذكورة إلى صيغة التأنيث إذا كان الميت أنثى لأن مرجعها الميت وهو يقال على الذكر والأنثى

5 - وعن عبد الله بن أبي أوفى : ( أنه ماتت ابنة له فكبر عليها أربعا ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنع في الجنازة هكذا )
- رواه أحمد وابن ماجه بمعناه

- الحديث أخرجه أيضا البيهقي في السنن الكبرى . وفي رواية ( كبر أربعا حتى ظننت أنه سيكبر خمسا ثم سلم عن يمينه وعن شماله فلما انصرف قلنا له ما هذا فقال إني لا أزيد على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنع وهكذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) . قال الحاكم هذا حديث صحيح وفيه دليل على استحباب الدعاء بعد التكبيرة الآخرة قبل التسليم وفيه خلاف والراجح الاستحباب لهذا الحديث
وقال الشافعي في كتاب البويطي أنه يقول ( اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ) وقال أبو علي بن أبي هريرة كان المتقدمون يقولون في الرابعة اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
وقال الهادي والقاسم إنه يقول بعد الرابعة سبحان من سبحت له السموات والأرضون سبحان ربنا الأعلى سبحانه وتعالى اللهم هذا عبدك وابن عبديك وقد صار إليك وقد أتيناك مستشفعين له سائلين المغفرة فاغفر له ذنوبه وتجاوز عن سيآته وألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم اللهم وسع عليه قبره وافسح له أمره واذقه عفوك ورحمتك يا أكرم الأكرمين اللهم ارزقنا حسن الاستعداد لمثل يومه ولا تفتنا بعده واجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك ثم يكبر الخامسة ثم يسلم

باب موقف الإمام من الرجل والمرأة وكيف يصنع إذا اجتمعت أنواع

1 - عن سمرة قال : ( صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة وسطها )
- رواه الجماعة

2 - وعن أبي غالب الحناط قال : ( شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه فلما رفعت أتي بجنازة امرأة فصلى عليها فقام وسطها وفينا العلاء ابن زياد العلوي فلما رأى اختلاف قيامه على الرجل والمرأة قال يا أبا حمزة هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم من الرجل حيث قمت ومن المرأة حيث قمت قال نعم )
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وأبو داود . وفي لفظه فقال العلاء بن زياد ( هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الجنازة كصلاتك يكبر عليها أربعا ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة قال نعم )

- الحديث الثاني حسنه الترمذي وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجال إسناده ثقات :
قوله ( وسطها ) بسكون السين وفيه دليل على أن المصلي على المرأة الميتة يستقبل وسطها ولا منافاة بين هذا الحديث وبين قوله في حديث أنس ( وعجيزة المرأة ) لأن العجيزة يقال لها وسط وأما الرجل فالمشروع أن يقف الإمام حذاء رأسه لحديث أنس المذكور ولم يصب من استدل بحديث سمرة على أنه يقام حذاء وسط الرجل والمرأة وقال إنه نص في المرأة ويقاس عليها الرجل لأن هذا قياس مصادم للنص وهو فاسد الاعتبار ولاسيما مع تصريح من سأل أنسا بالفرق بين الرجل والمرأة وجوابه عليه بقوله وإلى ما يقتضيه هذان الحديثان من القيام عند رأس الرجل ووسط المرأة ذهب الشافعي وهو الحق
وقال أبو حنيفة حذاء صدرهما وفي رواية وسطهما . وقال مالك حذاء الرأس منهما . وقال الهادي حذاء رأس الرجل وثدي المرأة واستدل بفعل علي عليه السلام قال أبو طالب وهو رأي أهل البيت لا يختلفون فيه . وحكى في البحر عن القاسم أنه يستقبل صدر المرأة وبينه وبين السرة من الرجل قال في البحر بعد حكاية الخلاف مؤيدا لما ذهب إليه الهادي لنا إجماع العترة أولى من استحسانهم انتهى
وقد عرفت أن الأدلة على ما ذهب إليه الشافعي وأن ما عداه لا مستند له من المرفوع إلا مجرد الخطأ في الاستدلال أو التعويل على محض الرأي أو ترجيح ما فعله الصحابي على ما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل نعم لا ينتهض مجرد الفعل دليلا للوجوب ولكن النزاع فيما هو الأولى والأحسن ولا أولى ولا أحسن من الكيفية التي فعلها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
قوله ( العلاء بن زياد ) العلوي . الذي في غير هذا الكتاب كجامع الأصول والكاشف وغيرهما العدوي وهو الصواب

3 - وعن عمار مولى الحرث بن نوفل قال : ( حضرت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم ووضعت المرأة وراءه فصلى عليهما وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة فسألتهم عن ذلك فقالوا السنة )
- رواه النسائي وأبو داود

4 - وعن عمار أيضا : ( أن أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر أخرجت جنازتاهما فصلى عليهما أمير المدينة فجعل المرأة بين يدي الرجل وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ كثير وثمت الحسن والحسين

5 - وعن الشعبي : ( أن أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر توفيا جميعا فأخرجت جنازتاهما فصلى عليهما أمير المدينة فسوى بين رؤسهما وأرجلهما حين صلى عليهما )
- رواهما سعيد في سننه

- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وأخرجه أيضا البيهقي . وقال وفي القوم الحسن والحسين وابن عمر وأبو هريرة ونحو من ثمانين نفسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وفي رواية للبيهقي أن الإمام في هذه القصة ابن عمر : وفي أخرى له وللدارقطني : والنسائي في المجتبى من رواية نافع ابن عمر أنه صلى على سبع جنائز ورجال ونساء فجعل الرجال مما يلي الإمام وجعل النساء مما يلي القبلة وصفهم صفا واحدا ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر وابن لها يقال له زيد والإمام يومئذ سعيد بن العاص وفي الناس يومئذ ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة فوضع الغلام مما يلي الإمام فقلت ما هذا قالوا السنة :
وكذلك رواه ابن الجارود في المنتقى قال الحافظ وإسناده صحيح :
قوله ( أمير المدينة ) هو سعيد بن العاص كما وقع مبينا في سائر الروايات ويجمع بينه وبين ما وقع فيه أن الإمام كان ابن عمر بأن ابن عمر أم بهم بإذنه . قال الحافظ ويحمل قوله أن الإمام يومئذ سعيد بن العاص يعني الأمير لا أنه كان إماما في الصلاة ويرده قوله في حديث الباب فصلى عليهما أمير المدينة . قال الحافظ أو يحمل على أن نسبة ذلك إلى ابن عمر لكونه أشار بترتيب وضع تلك الجنائز
( والحديث ) يدل على أن السنة إذا اجتمعت جنائز أن يصلى عليهما صلاة واحدة وقد تقدم في كيفية صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على قتلى أحد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على كل واحد منهم صلاة وحمزة مع كل واحد وأنه كان يصلي على كل عشرة صلاة
وأخرج ابن شاهين أن عبد الله بن معقل بن مقرن أتي بجنازة رجل وامرأة فصلى على الرجل ثم صلى على الرجل ثم صلى على المرأة وفيه انقطاع
( وفي الحديث ) أيضا أن الصبي إذا صلى عليه مع امرأة كان الصبي مما يلي الإمام والمرأة مما يلي القبلة وكذلك إذا اجتمع رجل وامرأة أو أكثر من ذلك كما تقدم عن ابن عمر : وقد ذهب إلى ذلك الهادي والقاسم والمؤيد بالله وأبو طالب والشافعية والحنفية وقال القاسم بن محمد بن أبي بكر والحسن البصري وسالم بن عبد الله بل الأولى العكس ليلي القبلة الأفضل . وفيه أيضا دليل على أن الأولى بالتقدم للصلاة على الجنازة ذو الولاية ونائبه ويؤيده قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لا يؤم الرجل في سلطانه ) وقد تقدم في الصلاة وقد وقع الخلاف إذا اجتمع الإمام والولي أيهما أولى فعند العترة وأبي حنيفة وأصحابه أن الإمام وواليه أولى وعند الشافعي والمؤيد بالله والناصر في رواية عنه أن الولي أولى

باب الصلاة على الجنازة في المسجد

1 - عن عائشة ( أنها قالت لما توفي سعد بن أبي وقاص ادخلوا به المسجد حتى أصلي عليه فأنكروا ذلك عليها فقالت والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وأخيه )
- رواه مسلم . وفي رواية " ما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سهيل ابن البيضاء إلا في جوف المسجد " رواه الجماعة إلا البخاري

2 - وعن عروة " قال صلى على أبي بكر في المسجد "

3 - وعن ابن عمر " قال صلى على عمر في المسجد "
- رواهما سعيد وروى الثاني مالك

- وأخرج الصلاة على أبي بكر وعمر أيضا في المسجد ابن أبي شيبة بلفظ " ان عمر صلى على أبي بكر في المسجد وإن صهيبا صلى على عمر في المسجد " قوله " على ابني بيضاء " قال النووي قال العلماء بنو بيضاء ثلاثة أخوة سهل وسهيل وصفوان وأمهم بيضاء اسمها دعد وأبوهم وهب بن ربيعة القرشي الفهري ( والحديث ) يدل على جواز ادخال الميت إلى المسجد والصلاة عليه فيه وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق والجمهور . قال ابن عبد البر ورواه المدنيون في رواية عن مالك وبه قال ابن حبيب المالكي وكرهه ابن أبي ذئب وأبو حنيفة ومالك في المشهور عنه والهادوية وكل من قال بنجاسة الميت وأجابوا عن حديث الباب بأنه محمول على أن الصلاة على ابني بيضاء وهما كانا خارج المسجد والمصلون داخله وذلك جائز بالأتفاق ورد بأن عائشة استدلت بذلك لما انكروا عليها أمرها بادخال الجنازة المسجد وأجابوا أيضا بأن الأمر استقر على ترك ذلك لأن الذين أنكروا على عائشة كانوا من الصحابة ورد بأن عائشة لما أنكرت ذلك الأنكار سلموا لها فدل على أنها حفظت ما نسوه وإن الأمر استقر على الجواز ويدل على ذلك الصلاة على أبي بكر وعمر في المسجد لما تقدم وأيضا العلة التي لأجلها كرهوا الصلاة على الميت في المسجد هي زعمهم أنه نجس وهي باطلة لما تقدم " إن المؤمن لا ينجس حيا ولاميتا " وأنهض ما استدلوا به على الكراهة ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له " وأخرجه ابن ماجه ولفظه " فليس له شيء وفي إسناده صالح مولى التؤمة وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة . قال النووي وأجابوا عنه يعني الجمهور بأجوبة أحدها أنه ضعيف لا يصح الأحتجاج به قال أحمد بن حنبل هذا حديث ضعيف تفرد به صالح مولى التؤمة وهو ضعيف
والثاني أن الذي في النسخ المشهورة الحققة المسموعة من سنن أبي داود " من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه " فلا حجة لهم حينئذ . والثالث أنه لو ثبت الحديث وثبت أنه فلا شيء له لوحب تأويله بأن له بمعنى عليه ليجمع بين الروايتين قال وقد جاء بمعنى عليه كقوله تعالى { وإن أسأتم فلها } . والرابع أنه محمول على نقص الأجر في حق من صلى في المسجد ورجع ولم يشيعها إلى المقبرة لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه انتهى

أبواب حمل الجنازة والسير بها

1 - عن ابن مسعود قال ( من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها فإنه من السنة ثم إن شاء فليتطوع وإن شاء فليدع )
- رواه ابن ماجه

- الحديث أخرجه أيضا أبو داود الطيالسي والبيهقي من رواية أبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال الدارقطني في العلل اختلف في إسناده على منصور بن المعتمر وفي الباب وإسناده ضعيف . وعن أنس عنده أيضا فيها وإسناده ضعيف . وأخرجه الطبراني في الأوسط مرفوعا بلفظ " من حمل جانب السرير الأربع كفر الله عنه أربعين كبيرة " وعن بعض الصحابة عند الشافعي " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين " روراه أيضا ابن سعد عن الواقدي عن ابن أبي حبيبة عن شيوخ من بني الأشهل . وروى حمل الجنازة عن جماعة من الصحابة والتابعين فأخرج الشافعي عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال " رأيت سعد بن أبي وقاص في جنازة عبد الرحمن بن عوف قائما بين العمودين المتقدمين واضعا للسرير على كاهله " . ورواه الشافعي أيضا بأسانيد من فعل عثمان وأبي هريرة وابن عمر أخرجها كلها البيهقي وروى ذلك البيهقي أيضا من فعل المطلب بن عبد الله بن حنطب وغيره وفي البخاري أن ابن عمر حمل ابنا لسعيد بن زيد وروى ابن سعد ذلك عن عثمان وأبي هريرة ومروان وروى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق من طريق الأزدي قال رأيت ابن عمر في جنازة يحمل جوانب السرير الأربع . وروى عبد الرزاق عن أبي هريرة أنه قال من حمل الجنازة بجوانبها الأربع فقد قضى الذي عليه . وأخرج الترمذي عن أبي هريرة قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " يقول من تبع الجنازة وحملها ثلاث مرار فقد فقد قضى ما عليه من حقها " قال الترمذي هذا حديث غريب . ورواه بعضهم بهذا الإسناد ولم يرفعه ( والحديث ) يدل على مشروعية الحمل للميت وأن السنة أن يكون بجميع جوانب السرير

باب الإسراع بها من غير رمل

1 - عن أبي هريرة قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسرعوا بالجنازة فإن كانت صالحة قربتمونها إلى الخير وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم )
- رواه الجماعة

2 - وعن أبي موسى قال ( مرت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنازة تمخض مخض الزق فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليكم القصد )
- رواه أحمد

3 - وعن أبي بكرة قال ( لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنا لنكاد نرمل بالجنازة رملا )
- رواه أحمد والنسائي

4 - وعن محمود بن لبيد عن رافع قال ( أسرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى تقطعت نعالنا يوم مات سعد بن معاذ )
- أخرجه البخاري في تاريخه

- حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن ماجه والبيهقي وقاسم بن أصبغ وفي إسناده ضعف كما قال الحافظ . وأخرج البيهقي عن أبي موسى من قوله إذا انطلقتم بجنازتي فاسرعوا في المشي قال وهذا يدل على أن المراد كراهة شدة الإسراع
وحديث أبي بكرة أخرجه أيضا أبو داود والحاكم ( وفي الباب ) عن ابن مسعود عند الترمذي وأبي داود قال " سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المشي خلف الجنازة فقال ما دون الخبب فإن كان خيرا عجلتموه وإن كان شرا فلا يبعد إلا أهل النار " وقد ضعف هذا الحديث البخاري والترمذي وابن عدي والنسائي والبيهقي وغيرهم لأن في إسناده أبا ماجدة قال الدار قطني مجهول وقال يحيى الرازي وابن عدي منكر الحديث والراوي عنه يحيى الجابر بالجيم والباء الموحدة قال البيهقي وغيره أنه ضعيف . قوله " أسرعوا " قال ابن قدامة هذا الأمر للاستحباب بلا خلاف بين العلماء وشذ ابن حزم فقال بوجوبه والمراد بالإسراع شدة المشي وعلى ذلك حمله بعض السلف وهو قول الحنفية قال صاحب الهداية ويمشون بها مسرعين دون الخبب وفي المبسوط ليس فيه شيء مؤقت غير أن العجلة أحب إلى أبي حنيفة . وعن الجمهزر المراد بالإسراع ما فوق سجية المشي المعتاد . قال في الفتح والحاصل أنه يستحب الإسراع بها لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة الميت أو مشقة على الحامل أو المشيع لئلا يتنافى المقصود من النظافة وإدخال المشقة على المسلم . قال القرطبي مقصود الحديث أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن لأن التباطئ ربما أدى إلى التباهي والاختلال اه . وحديث أبي بكرة وحديث محمود بن لبيد يدلان على أن المراد بالسرعة ما دون الخبب والخبب على ما في القاموس هو ضرب من العدو أو كالرمل أو السرعة فيكون المراد بالخبب في الحديث ما هو كالرمل بقرينة الأحاديث المتقدمة لا مجرد السرعة . وحديث أبي موسى يدل على أن المشي المشروع بالجنازة هو القصد والقصد ضد الإفراط كما في القاموس فلا منافاة بينه وبين الإسراع ما لم يبلغ إلى حد الإفراط ويدل على ذلك ما رواه البيهقي من قول أبي موسى كما تقدم : قوله " بالجنازة " أي بحملها إلى قبرها وقيل المعنى الإسراع بتجهيزها فهو أعم من الأول . قال القرطبي والأول أظهر وقال النووي الثاني باطل مردوده بقوله في الحديث تضعونه عن رقابكم وقد قوى الحافظ الثاني بما أخرجه الطبراني بإسناد حسن عن ابن عمر " قال سمعت رسول الله ؟ ؟ ظ يقول إذا مات أحدكم فلا تحسبوه وأسرعوا به إلى قبره " وبما أخرجه أيضا أبو داود من حديث الحصين بن وحوح مرفوعا " لا ينبغي لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهراني أهله " الحديث المتقدم : قوله " فإن كانت صالحة " أي الجثة المحمولة . قوله " تضعونه " استدل به على أن حمل الجنازة يختص بالرجال للإتيان فيه بضمير الذكورة ولا يخفى ما فيه . قال الحافظ والحديث فيه استحباب المبادرة إلى دفن الميت لكن بعد أن يتحقق أنه مات أما مثل المطعون والمفلوج والمسبوت فينبغي أن لا يسرع في تجهيزهم حتى يمضي يوم وليلة ليتحقق موتهم نبه على ذلك ابن بزيزة . ويؤخذ من الحديث ترك صحبة أهل البطالة وغير الصالحين اه

باب المشي أمام الجنازة وما جاء في الركوب معها

قد سبق في ذلك حديث المغيرة

1 - وعن ابن عمر ( أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة )
- رواه الخمسة واحتج به أحمد

- حديث المغيرة تقدم في الصلاة على السقط وحديث ابن عمر أخرجه أيضا الدارقطني وابن حبان وصححه والبيهقي من حديث ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه به قال أحمد إنما هو عن الزهري مرسل . وحديث سالم فعل ابن عمر . وحديث ابن عيينة وهم . قال الترمذي أهل الحديث يرون المرسل أصح قاله ابن مبارك قال وروى معمر ويونس ومالك عن الزهري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمشي أمام الجنازة قال الزهري وأخبرني سالم أن أباه كان يمشي أمام الجنازة قال الترمذي ورواه ابن جريج عن الزهري مثل ابن عيينة ثم روى عن ابن المبارك أنه قال أرى ابن جريج أخذه عن ابن عيينة . وقال النسائي وصله خطأ والصواب مرسل . وقال أحمد حدثنا حجاج قرأت على ابن جريج حدثنا زياد بن سعد أن ابن شهاب أخبره حدثني سالم عن ابن عمر أنه كان يمشي بين يدي الجنازة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر يمشون أمامها . وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه من فعل ابن عمر وأبي بكر وعثمان قال الزهري وكذلك السنة . قال الحافظ في التلخيص فهذا أصح من حديث ابن عيينة وصحح الدارقطني بعد ذكر الأختلاف أنه فعل ابن عمر ورجح البيهقي الموصول لأن ابن عيينة ثقة حافظ وقد أتى بزيادة على من أرسل والزيادة مقبولة وقد قال لما قال له ابن المديني أنه قد خالفه الناس في هذا الحديث أن الزهري حدثه به مرارا عن سالم عن أبيه قال الحافظ وهذا لا ينفي الوهم لأنه ضبط أنه سمعه منه عن سالم عن أبيه وهو كذلك إلا أن فيه إدراجا وقد جزم بصحة الحديث ابن المنذر وابن حزم ( وفي الباب ) عن أنس عند الترمذي مثله وقال سألت عنه البخاري فقال هذا خطأ أخطأ فيه محمد بن بكر . وقد اختلف أهل العلم هل الأفضل لمتبع الجنازة أن يمشي خلفها أو أمامها فقال الزهري ومالك والشافعي وأحمد والجمهور وجماعة من الصحابة منهم أبو بكر وعمر وعثمان وابن عمر وأبو هريرة إن المشي أمام الجنازة أفضل واستدلوا بحديث ابن عمر المذكور في الباب . وقال أبو حنيفة وأصحابه وحكاه الترمذي عن سفيان الثوري واسحاق وحكاه في البحر عن العترة أن المشي خلفها أفضل واستدلوا بما تقدم من حديث ابن مسعود عند الترمذي وأبي داود قال " سألنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المشي خلف الجنازة فقال ما دون الخبب " فقرر قولهم خلف الجنازة ولم ينكره واستدلوا أيضا بما روى عن طاوس أنه قال " ما مشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات إلا خلف الجنازة " وهذا مع كونه مرسلا لم أقف عليه في شيء من كتب الحديث . وروى في البحر عن علي عليه السلام أنه قال المشي خلف الجنازة أفضل وحكى في البحر عن الثوري أنه قال الراكب يمشي خلفها والماشي أمامها ويدل لما قاله حديث المغيرة المتقدم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الراكب خلف الجنازة والماشي أمامها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها " أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم وهذا مذهب قوي لولا ما سيأتي من الأدلة الدالة على كراهة الركوب لمتبع الجنازة . وقال أنس بن مالك أنه يمشي بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها رواه البخاري عنه تعليقا ووصله عبد الوهاب بن عطاء في كتاب الجنائز ووصله أيضا ابن أبي شيبة وعبد الرزاق

2 - وعن جابر بن سمرة ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتبع جنازة ابن الدحداح ما شيا ورجع على فرس )
- رواه الترمذي . وفي رواية " أتى بفرس ومعرور فركبه حين انصرفنا من جنازة ابن الدحداح ونحن نمشي حوله " . رواه أحمد ومسلم والنسائي

3 - وعن ثوبان قال ( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة فرأى ناسا ركبانا فقال لا تستحيون إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب )
- رواه ابن ماجه الترمذي

4 - وعن ثوبان أيضا ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى بدابة وهو مع جنازة فأبى أن يركبها فلما انصرف أتى بدابة فركب فقيل له فقال إن الملائكة كانت تمشي فلم أكن لأركب وهم يمشون فلما ذهبوا ركبت )
- رواه أبو داود

- حديث جابر بن سمرة قال الترمذي حسن صحيح وفي لفظ له " وهو على فرس له يسعي ونحن حوله وهو يتوقص به " وحديث ثوبان الأول قال بكر بن أبي مريم وهو ضعيف . وحديث ثوبان الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال أسناده رجال الصحيح : قوله " ابن الدحداح " بدالين مهملتين وحاء بين مهملتين ويقال أبو الدحداح ويقال أبو الدحداحة قال ابن عبد البر لا يعرف اسمه " قوله " ورجع على فرس " فيه أنه لا بأس بالركوب عند الرجوع من دفن الميت : قوله " معرور " بضم الميم وفتح الراء . قال أخل اللغة اعروريت الفرس إذا ركبته عريانا فهو معرور . قال النووي ولم يأت افعوعل معدى الا قولهم اعروريت الفرس وأحلو ليت الشيء اه : قوله " ونحن نمشي حوله " فيه جواز مشي الجماعة مع كبيرهم الراكب وأنه لا كراهة فيه في حقه ولا في حقهم إذا لم يكن فيه مفسدة وأنما يكره ذلك إذا حصل فيه انتهاك للتابعين أو خيف إعجاب أو نحو ذلك من المفاسد . قوله " ألا تستحيون " فيه كراهة الركوب لمن كان متبعا للجنازة ويعارضة حديث المغيرة المتقدم من أذنه للراكب أن يمشي خلف الجنازة ويمكن الجمع بأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم الراكب خلفها لا يدل على عدم الكراهة وإنما يدل على الجواز فيكون الركوب جائزا مع الكراهة أو بأن انكاره صلى الله عليه وآله وسلم على ركب وتركه للركوب إنما كان لأجل مشي الملائكة ومشيهم مع الجنازة التي مشى معها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يستلزم مشيهم مع كل جنازة لا مكان أن يكون ذلك معهم تركا به صلى الله عليه وآله وسلم فيكون الركوب على هذا جائزا غير مكروه والله تعالى أعلم

باب ما يكره مع الجنازة من نياحة أو نار

1 - عن ابن عمر قال ( نهى رسول الله أن نتبع جنازة معها رانة )
- رواه أحمد وابن ماجه

2 - وعن أبي بردة قال ( أوصي أبو موسى حين حضره الموت فقال لا تتبعوني بمجمر قالوا أو سمعت فيه شيئا قال نعم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
- رواه ابن ماجه

- الحديث الأول إسناده عند ابن ماجه هكذا حدثنا أحمد بن يوسف حدثنا عبيد الله أخبرنا اسرائيل عن أبي يحى عن مجاهد عن ابن عمر . وأبو يحيى هذا القتات وفيه مقال وبقية رجاله ثقات . والحديث الثاني في إسناده أبو حريز مولى معاوية قال في التقريب شامي مجهول وقال في الخلاصة مجهول : قوله " معها رانة " هي بالراء المهملة وبعد الألف نون مشددة أو مصوتة . قال في القاموس رن يرن رنينا صاح اه ( وفيه دليل ) على تحريم اتباع الجنازة التي معها النائحة وعلى تحريم النوح وسيأتي الكلام عليه : قوله " بمجمر " المجمر كمنير الذي يوضع فيه الجمر . وفيه دليل على أنه لا يجوز اتباع الجنائز بالمجامر وما يشابهها لأن ذلك من فعل الجاهلية وقد هدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك وزجر عنه

باب من اتبع الجنازة فلا يجلس حتى توضع

1 - عن أبي سعيد قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها . فمن اتبعها فلا يجلس حتى توضع )
- رواه الجماعة إلى ابن ماجه لكن إنما لأبي داود منه " إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع " وقال روى هذا الحديث الثوري عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال فيه " حتى توضع في الأرض " ورواه أبو معاوية عن سهيل " حتى توضع في اللحد " وسفيان أحفظ من أبي معاوية

2 - وعن علي بن أبي طالب عليه السلام ( أنه ذكر القيام في الجنائز حتى توضع فقال علي عليه السلام قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قعد )
- رواه النسائي والترمذي وصححه . ولمسلم معناه

- ولفظ مسلم من حديث علي عليه السلام " قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني في الجنازة ثم قعد : قوله " إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها " فيه مشروعي القيام للجنازة إذا مرت لمن كان قاعدا وسيأتي الكلام فيه في الباب الذي بعد هذا : قوله " فمن اتبعها فلا يجلس " فيه النهي عن جلوس الماشي مع الجنازة قبل أن توضع على الأرض فقال الأوزاعي وإسحاق وأحمد ومحمد بن الحسن أنه مستحب حكى ذلك عنهم النووي والحافظ في الفتح ونقله ابن المنذر عن أكثر الصحابة والتابعين قالوا والنسخ إنما هو في قيام من مرت به لا في قيام من شيعها . وحكى في الفتح عن الشعبي والنخعي أنه يكره القعود قبل أن توضع قال وقال بعض السلف يجب القيام واحتج له برواية النسائي عن أبي سعيد وأبي هريرة أنهما قالا " ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع " انتهى . ولا يخفى أن مجرد الفعل لا ينتهض دليلا للوجوب فالأولى الاستدلال له بحديث الباب فإن فيه النهي عن القعود قبل وضعها وهو حقيقة للتحريم وترك الحرام واجب . ومثل ذلك حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا " من صلى على جنازة ولم يمش معها فليقم حتى تغيب عنه فإن مشى معها فلا يقعد حتى توضع . وروى الحافظ عن الشعبي والنخعي أن القعود مكروه قبل أن توضع . مما يدل على الأستحباب ما رواه البيهقي عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما إن القائم مثل الحامل يعني في الأجر . قوله " حتى توضع في الأرض " قد ذكر المصنف كلام أبي داود في ترجيح هذه الرواية على الرواية الأخرى أعني قوله " حتى توضع في اللحد " وكذلك أشار البخاري إلى ترجيحها بقوله باب من شهد جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال : وأخرج أبو نعيم ن سهيل قال رأيت أبا صالح لا يجلس حتى توضع عن مناكب الرجال . وهذا يدل على أن الرواية الأولى أرجح لأن أبا صالح راوي الحديث وهو أعرف بالمراد منه وقد تمسك بالرواية الثانية صاحب المحيط من الحنفية فقال الأفضل أن لا يقعد حتى يهال عليها التراب انتهى . وإذا قعد الماشي مع الجنازة قبل أن توضع فهل يسقط القيام أو يقوم الظاهر الثاني لأن أصل مشروعية القيام تعظيم أمر الموت وهو لا يفوت بذلك . وقد روى البخاري في صحيحه أن أبا هريرة ومروان كانا مع جنازة فقعدا قبل أن توضع فجاء أبو سعيد فأخذ بيد مروان فاقامه وذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك فقال أبو هريرة صدق ورواه الحاكم بنحو ذلك وزاد أن مروان لما قال له أبو سعيد قم قام ثم قال له لم أقمتني فذكر له الحديث فقال لأبي هريرة فما منعك أن تخبرني فقال كنت اماما فجلست فجلست ( وقد استدل ) المهلب بقعود أبي هريرة ومروان على أن القيام ليس بواجب وأنه ليس عليه العمل . قال الحافظ إن أراد أنه ليس بواجب عنهما فظاهر وإن أراد في نفس الأمر فلا دلالة فيه على ذلك . قوله " وعن علي عليه السلام " الخ ذكر المصنف هذا الحديث للاستدلال به على نسخ مشروعية القيام لمن تبع الجنازة حتى توضع لقوله فيه " حتى توضع " فإنه يدل على أن المرد به قيام التابع للجنازة لا قيام من مرت به لأنه لا يشرع حتى توضع بل حتى تخلفه كما سيأتي ولكنه سيأتي في باب القيام للجنازة من حديث عامر بن ربيعة عند الجماعة بلفظ " حتى تخلفكم أو توضع " فذكر الوضع في حديث علي عليه السلام لا يكون نصا على أن المراد قيام التابع وقد استدل به الترمذي على نسخ قيام من رأى الجنازة فقال بعد اخراجه له وهذا ناسخ للأول " إذا رأيتم الجنازة فقوموا " اه ولو سلم أن المراد بالقيام المذكور في الحديث على هو قيام التابع للجنازة فلا يكون تركه صلى الله عليه وآله وسلم ناسخا مع عدم ما يشعر بالتأسي به في هذا الفعل بخصوصه لما تقرر في الأصول من أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة ولا ينسخه

باب ما جاء في القيام للجنازة إذا مرت

1 - عن ابن عمر عن عامر بن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع )
- رواه الجماعة . ولأحمد " وكان ابن عمر إذا رأى جنازة قام حتى تجاوزه " . وله أيضا عنه " أنه ربما تقدم الجنازة فقعد حتى إذا رآها قد أشرفت قام حتى توضع "

2 - وعن جابر قال ( مر جنازة فقام لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقمنا معه فقلنا يا رسول الله إنها جنازة يهودي فقال إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها )

3 - وعن سهل بن حنيف وقيس ابن سعد ( أنهما كانا قاعدين بالقادسية فمروا عليهما بجنازة فقاما فقيل لهما أنها من أهل الأرض أي من أهل الذمة فقالا إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرت به جنازة فقام فقيل له إنها جنازة يهودي فقال أليست نفسا )
- متفق عليهما . وللبخاري عن ابن أبي ليلى قال كان أبو مسعود وقيس يقومان للجنازة

- قوله " حتى تخلفكم " بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد اللام المكسورة أي تترككم ورائها : قوله " مر بنا " في رواية الكشميهني مرت بفتح الميم : قوله " فقال إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها " زاد البيهقي " إن الموت فزع " وكذا لمسلم من وجه آخر قال القرطبي معناه أن الموت يفزع . قال البيضاوي وهو مصدر جرى مجرى الوصف للمبالغة أو فيه تقدير أي الموت ذو فزع . ويؤيد ذلك ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة بلفظ " إن للموت فزعا " وعن ابن عباس مثله عند البزار : قوله " أليست نفسا " هذا لا يعارض التعليل المتقدم حيث قال إن للموت فزعا وكذا ما أخرج الحاكم عن أنس مرفوعا " إنما قمنا للملائكة " ونحوه لأحمد من حديث أبي موسى ولأحمد وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس . ولفظ ابن حبان اعظاما لله تعالى الذي يقبض الأرواح فإن ذلك لا ينافي التعليل السابق لأن القيام للفزع من الموت فيه تعظيم لأمر الله تعالى وتعظيم للقائمين بأمره في ذلك وهم الملائكة . فأما ما أخرجه أحمد من حديث الحسن بن علي قال إنما قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تأذيا بريح اليهود زاد الطبراني فأذاه ريح بخورها . وللطبراني والبيهقي من وجه آخر عنه كراهية أن يعلو على رأسه فإن ذلك لا يعارض الأخبار الأولى الصحيحة أما أولا فلأن أسانيد هذه لا تقاوم تلك في الصحة وأما ثانيا فلأن التعليل بذلك راجع إلى ما فهمه الراوي والتعليل الماضي صريح من لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكأن الراوي لم يسمع التصريح بالتعليل منه صلى الله عليه وآله وسلم فعلل باجتهاده ومقتضى التعليل بقوله " أليست نفسا " إن ذلك يستحب لكل جنازة ( واختلف العلماء ) في هذه المسألة فذهب أحمد وإسحاق وابن حبيب وابن الماجشون إن القيام للجنازة لم ينسخ والقعود منه صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث علي الآتي إنما هو بيان الجواز فمن جلس فهو في سعة ومن قام فله أجر . وكذا قال ابن حزم إن قعوده صلى الله عليه وآله وسلم بعد أمره بالقيام يدل على أن الأمر للندب ولا يجوز أن يكون نسخا . قال النووي والمختار أنه مستحب وبه قال المتولي وصاحب المهذب من الشافعية . وممن ذهب إلى استحباب القيام ابن عمر وابن مسعود وقيس بن سعد وسهل بن حنيف كما يدل على ذلك الروايات المذكورة في الباب . وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي إن القيام منسوخ بحديث علي الآتي . قال الشافعي إما أن يكون القيام منسوخا أو يكون لعلة وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله والحجة في الآخر من أمره والقعود أحب إلي انتهى . وسيأتي بيان ما هو الحق . وظاهر أحاديث الباب أنه يشرع القيام لجنازة المسلم والكافر كما تقدم

4 - وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس )
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه بنحوه

5 - وعن ابن سيرين ( أن جنازة مرت بالحسن وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس فقال الحسن لابن عباس أما قام لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال قام وقعد )
- رواه أحمد والنسائي

- الحديث الأول رجال إسناده ثقات عند أبي داود وابن ماجه وقد أخرجه ابن حبان بهذا اللفظ والبيهقي بلفظ " ثم قعد بعد ذلك وأمرهم بالقعود " وقد خرج حديث علي مسلم باللفظ الذي تقدم في الباب الأول . والحديث الثاني رجال إسناده ثقات وقد أشار إليه الترمذي أيضا ( وفي الباب ) عن عبادة بن الصامت عند أبي داود والترمذي وابن ماجه والبزار " أن يهوديا قال لما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقوم للجنازة هكذا يفعل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اجلسوا وخالفوهم " وفي إسناده بشر بن رافع وليس بالقوي كما قال الترمذي . وقال البزار تفرد به بشر وهو لين . قال الترمذي حديث عبادة غريب . وقال أبو بكر الهمداني ولو صح لكان صريحا في النسخ غير أن حديث أبي سعيد أصح وأثبت فلا يقاومه هذا الإسناد وقد تمسك بهذه الأحاديث من قال إن القيام للجنازة منسوخ وقد تقدم ذكرهم . قال القاضي عياض ذهب جمع من السلف إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي هذا وتعقبه النووي بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع وهو ههنا ممكن ( واعلم ) إن حديث علي باللفظ الذي سبق في الباب الأول لا يدل على النسخ لما عرفناك من أن فعله لا ينسخ القول الخاص بالأمة . وأما حديثه باللفظ الذي ذكره فإن صح صلح النسخ لقوله فيه " وأمرنا بالجلوس " ولكنه لم يخرج هذه الزيادة مسلم ولا الترمذي ولا أبو داود بل اقتصروا على قوله " ثم قعد " . وأما حديث ابن عباس فكذلك أيضا لا يدل على النسخ لما عرفت . وأما حديث عبادة بن الصامت فهو صريح في النسخ لولا ضعف إسناده فلا ينبغي أن يستند في نسخ تلك السنة الثابتة بالأحاديث الصحيحة من طريق جماعة من الصحابة إلى مثله بل المتحتم الأخذ بها واعتقاد مشروعيتها حتى يصح ناسخ صحيح ولا يكون الأمر بالجلوس أو نهي عن القيام أو إخبار من الشارع بأن تلك السنة منسوخة بكذا واقتصار جمهور المخرجين لحديث علي عليه السلام وحفاظهم على مجرد القعود بدون ذكر زيادة الأمر بالجلوس مما يوجب عدم الأطمئنان إليها والتمسك بها في النسخ لما هو من الصحة في الغاية لا سيما بعد أن شد من عضدها عمل جماعة من الصحابة بها يبعد كل البعد أن يخفي على مثلهم الناسخ ووقوع ذلك منهم بعد عصر النبوة . ويمكن أن يقال إن الأمر بالجلوس لا يعارض بفعل بعض الصحابة بعد أيام النبوة لأن من علم حجة علي من لم يعلم . وحديث عبادة وإن كان ضعيفا فهو لا يقصر عن كونه شاهدا لحديث الأمر بالجلوس

أبواب الدفن وأحكام القبور

باب تعميق القبر واختيار اللحد على الشق

1 - عن رجل من الأنصار قال ( خرجنا في جنازة فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حفيرة القبر فجعل يوصي الجافر ويقول أوسع من قبل الرأس وأوسع من قبل الرجلين رب عذق له في الجنة )
- رواه أحمد وأبو داود

2 - وعن هشام بن عامر قال ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد فقلنا يا رسول الله الحفر علينا لكي إنسان شديد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احفروا وأعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد فقالوا فمن تقدم يا رسول الله قال قدموا أكثرهم قرآنا وكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد )
- رواه النسائي والترمذي بنحوه وصححه

- الحديث الأول أخرجه أيضا البيهقي قال الحافظ إسناده صحيح . والحديث الثاني أخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه واختلف فيه على حميدين هلال راوية عن هشام فمنهم من أدخل بينه وبين سعد بن هشام ابنه ومنهم من أدخل بينهما أبا الدهماء ومنهم من لم يذكر بينهما أحدا : قوله ( يوصي ) بالواو والصاد من التوصية وذكر ابن المواق إن الصواب يرمي بالراء والميم وأطال في ذلك وفيه مشروعية التوصية من الحاضرين للدفن بتوسع القبر وتفقد ما يحتاج إليه التفقد . قوله ( رب عذق ) العذق بفتح العين النخلة والجمع اعذق وبكسر العين القنو منها والعنقود من العنب والجمع أعذاق وعذوق . قوله ( وأعمقوا وأحسنوا ) فيه دليل على مشروعية إعماق القبر وإحسانه : وقد اختلف في حد الأعماق فقال الشافعي قامة . وقال عمر بن عبد العزيز إلى السرة . وقال الإمام يحيى إلى الثدي وأقله ما يواري الميت ويمنع السبع . وقال مالك لأحد لاعماقه . وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه قال أعمقوا القبر إلى قدر قامة وبسطة . قوله ( وادفنوا الاثنين ) الخ فيه جواز الجمع بين جماعة في قبر واحد ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة كما في مثل هذه الواقعة وإلا كان مكروها كما ذهب إليه الهادي والقاسم وأبو حنيفة والشافعي . قال المهدي في البحر أو تبركا كقبر فاطمة فيه خمسة يعني فاطمة والحسن بن علي وعلي بن الحسين وزين العابدين ومحمد بن علي الباقر وولده جعفر بن محمد الصادق وهذا من المجاورة لا من الجمع بين جماعة في قبر واحد الذي هو المدعى . وقد قدمنا في باب ترك غسل الشهيد طرفا من الكلام على دفن الجماعة في قبر : قوله ( قدموا أكثرهم قرآنا ) فيه دليل على أنه يقدم في اللحد من كان أكثرهم أخذا للقرآن ويلحق بذلك سائر المزايا الدينية لعدم الفارق

3 - وعن عامر بن سعد قال ( قال سعد الحد وإلى لحدا وانصبوا على اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه

4 - وعن أنس قال ( لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان رجل يلحد وآخر يضرح فقالوا نستخير ربنا ونبعث إليهما فأيهما سبق تركناه فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا له )
- رواه أحمد وابن ماجه . ولابن ماجه هذا المعنى من حديث ابن عباس وفيه ( إن أبا عبيدة بن الجراح كان يضرح وإن أبا طلحة كان يلحد )

5 - وعن ابن عباس قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللحد لنا والشق لغيرنا )
- رواه الخمسة . قال الترمذي غريب لانعرفه إلا من هذا الوجه

- حديث أنس قال الحافظ إسناده حسن وحديث ابن عباس الأول قال الحافظ أيضا في إسناده ضعيف وحديثه الثاني أخرجه من ذكره المصنف عن سعيد بن جبير عنه قال ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) وصححه ابن السكن وحسنه الترمذي كما وجدنا ذلك في بعض النسخ الصحيحة من جامعه . وفي إسناده عبد الأعلى بن عامر وهو ضعيف ( وفي الباب ) عن جرير بن عبد الله عند أحمد والبزار وابن ماجه بنحو حديث ابن عباس الثاني وفيه عثمان بن عمير وهو ضعيف وزاد أحمد بعد قوله لغيرنا أهل الكتاب . وعن ابن عمر عند أحمد وفيه عبد الله العمري بلفظ ( أنهم ألحدوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لحدا ) وأخرجه ابن أبي شيبة عنه بلفظ ( ألحدوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولابي بكر وعمر ) وعن جابر عند ابن شاهين بنحو حديث سعد بن أبي وقاص . وعن بريدة عند ابن عدي في الكامل وعن عائشة عند ابن ماجه بنحو حديث أنس وإسناده ضعيف وله طريق أخر عند ابن أبي حاتم في العلل وقال إنها خطأ والصواب المحفوظ مرسل وكذا رجح الدارقطني المرسل : قوله ( الحدو ) قال النووي في شرح مسلم هو بوصل الهمزة وفتح الحاء ويجوز بقطع الهمزة وكسر الحاء يقال لحد يلحد كذهب ويذهب وألحد يلحد إذا حفر القبر واللحد بفتح اللام وضمها معروف وهو الشق تحت الجانب القبلي من القبر انتهى . قال الفراء الرباعي أجود وقال غيره الثلاثي أكثر ويؤيده حديث عائشة في قصة دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرسلوا إلى الشقاق واللأحد . وسمى اللحد لحدا لأنه شق يعمل في جانب القبر فيميل عن وسطه والألحاد في أصل اللغة الميل والعدول . ومنه قيل للمائل عن الدين ملحد : قوله ( وانصبوا على اللبن نصبا ) فيه استحباب نصب اللبن لأنه الذي صنع برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتفاق الصحابة قال النووي وقد نقلوا إن عدد لبناته صلى الله عليه وآله وسلم تسع . قوله ( كان يضرح ) أي يشق في وسط القبر . قال الجوهري الضرح الشق ( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على استحباب اللحد وأنه أولى من الضرح وإلى ذلك ذهب الأكثر كما قال النووي وحكى في شرح مسلم اجماع العلماء على جواز اللحد والشق انتهى . ووجه ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرر من كان يضرح ولم يمنعه . ولا يقدح في صحة حديث ابن عباس الثاني وما في معناه تحير الصحابة عند موته صلى الله عليه وآله وسلم هل يلحدون له أو يضرحون بأن يقال لو كان عندهم علم بذلك لم يتحيروا لأنه يمكن أن يكون من سمع منه صلى الله عليه وآله وسلم ذلك لم يحضر عند موته

باب من أين يدخل الميت قبره وما يقال عند ذلك والحثي في القبر

1 - عن أبي إسحاق قال ( أوصي الحرث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد فصلى عليه ثم أدخله من قبل رجلي القبر وقال هذا من السنة )
- رواه أبو داود وسعيد في سننه وزاد ثم قال ( انشطوا الثوب فإنما يصنع هذا بالنساء )

2 - وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( قال كان إذا وضع الميت في القبر قال باسم الله وعلي ملة رسول الله ) وفي لفظ ( وعلى سنة رسول الله )
- رواه الخمسة إلا النسائي

3 - وعن أبي هريرة ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على جنازة ثم أتى قبر الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثا )
- رواه ابن ماجه

- الحديث الأول سكت عنه أبو داود المنذري والحافظ في التلخيص ورجال إسناده رجال الصحيح ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند الشافعي ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سل من قبل رأسه سلا ) وعن ابن عمر عند أبي بكر النجاد مثله . وعن أبي رافع عند ابن ماجه قال ( سل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سعد بن معاذ سلا ورش على قبره الماء ) وأما الزيادة التي زادها سعيد فسيأتي الكلام فيها
والحديث الثاني أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند النسائي والحاكم وغيرهما وفيه الأمر به وقد اختلف في رفعه ووقفه ورجح الدارقطني والنسائي الوقف ورجح غيرهما الرفع وقد رواه ابن حبان من طريق سعيد عن قتادة مرفوعا وروى البزار والطبراني عن ابن عمر نحوه وابن ماجه عنه مرفوعا وفي إسناده حماد بن عبد الرحمن الكلبي وهو مجهول . وعن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه عند الطبراني قال قال اللجلاج يا بني إذا أنا مت فالحدني فإذا وضعتني في لحدي فقل بسم الله وعلى ملة رسول الله ثم شن على التراب شنائم أقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك واللجلاج بجيمين وفتح اللام الأولى . وعن أبي حازم مولى الغفاري حدثني البياضي وهو صحابي كما في الكاشف وغيره عند الحاكم يرفعه بلفظ ( الميت إذا وضع في قبره فليقل الذين يضعونه حين يوضع في اللحد بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وعن أبي أمامة عند الحاكم والبيهقي بلفظ ( لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ) الحديث وسنده ضعيف كما قال الحافظ . والحديث الثالث قال أبو حاتم في العلل هذا حديث باطل وقال الحافظ في إسناده ظاهر الصحة قال ابن ماجه حدثنا العباس بن الوليد يحيى بن صالح حدثنا سلمة بن كلثوم حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره ورجاله ثقات وقد رواه ابن أبي داود من هذا الوجه وصححه قال الحافظ لكن أبو حاتم إمام لم يحكم عليه بالبطلان إلا بعد أن تبين له وأظن العلة فيه عنعنة الأوزاعي وعنعنة شيخه وهذا كله إن كان يحيى بن صالح هو الوحاظي شيخ البخاري ( وفي الباب ) عن عامر بن ربيعة عند البزار والدارقطني قال ( رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين دفن عثمان بن مظعون صلى عليه وكبر أربعا وحثى على قبره بيديه ثلاث حثيات من التراب وهو قائم عند رأسه ) وزاد البزار ( فأمر فرش عليه الماء ) قال البيهقي وله شاهد من حديث جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن جعفر . وعن أبي المنذر عند أبي داود في المراسيل ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حثي في قبر ثلاثا ) قال أبو حاتم في العلل أبو المنذر مجهول . وعن أبي أمامة عند البيهقي قال توفي رجل فلم تصب له حسنة إلا ثلاث حثيات حثاها على قبر فغفرت له ذنوبه . وعن أبي هريرة غير حديث الباب عند أبي الشيخ مرفوعا ( من حثي على مسلم احتسابا كتب له بكل ثراة حسنة ) قال الحافظ إسناده ضعيف . قوله ( وقال هذا من السنة ) فيه وفيما قدمنا دليل على أنه يستحب أن يدخل الميت من قبل رجلى القبر أو موضع رجلي الميت منه عند وضعه فيه وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد والهادي والناصر والمؤيد بالله وقال أبو حنيفة أنه يدخل القبر من جهة القبلة معرضا إذ هو أيسر واتباع السنة أولى من الرأي
وقد استدل لأبي حنيفة بما رواه البيهقي من حديث ابن عباس وابن مسعود وبريدة أنهم ادخلوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جهة القبلة ويجاب بأن البيهقي ضعفها . وقد روى عن الترمذي تحسين حديث ابن عباس منها وانكر ذلك عليه لأن مداره على الحجاج بن أرطأة قال في ضوء النهار على أنه لا حاجة إلى التضعيف بذلك لأن قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عن يمين الداخل إلى البيت لا صقا بالجدار والجدار الذي ألحد تحته هو القبلة فهو مانع من أدخال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جهة القبلة ضرورة انتهى . قال في البدر المنير بعد أن ذكر أنه أدخل صلى الله عليه وآله وسلم من جهة القبلة وهو غير ممكن كما ذكره الشافعي في الأم وأطنب في الشناعة على من يقول ذلك ونسبه إلى الجهالة ومكابرة الحس انتهى . قوله ثم ( قال أنشطوا الثوب ) بهمزة فشين معجمة فطاء مهملة أي أختلسوه ذكر معناه في القاموس وقد أخرج نحو هذه الزيادة يوسف القاضي يإسناد له عن رجل عن علي ( أنه أتاهم وهم يدفنون قيسا وقد بسط الثوب على قبره فجذبه وقال إنما يصنع هذا بالنساء ) والطبراني عن أبي اسحاق أيضا أن عبد الله بن يزيد صلى على الحرث الأعور وفيه ثم لم يدعهم يمدون ثوبا على القبر وقال هكذا السنة وقد رواه ابن أبي شيبة من طريق الثوري عن أبي إسحاق بلفظ ( شهدت جنازة الحرث فمدوا على قبره ثوبا فجذبه عبد الله بن يزيد وقال إنما هو رجل ) ورواه البيهقي بإسناد صحيح إلى أبي إسحاق السبيعي أنه حضر جنازة الحرث الأعور فأمر عبد الله بن يزيد أن يبسطوا عليه ثوبا . قال الحافظ لعل الحديث كان فيه فأمر أن لا يبسطوا فسقطت لا أو كان فيه فأبى بدل فأمر . وروى البيهقي من حديث ابن عباس قال ( جلل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبر سعد بثوبه قال البيهقي لا أحفظه إلا من حديث يحيى بن عقبة بن أبي العيزار وهو ضعيف . وروى عبد الرزاق عن الشعبي عن رجل أن سعد بن مالك قال أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فستر على القبر حتى دفن سعد بن معاذ فيه فكنت ممن أمسك الثوب وفي إسناده هذا المبهم . وقد أوله القائلون باختصاص ذلك بالمرأة على أنه إنما فعل صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بقبر سعد لأنه كان مجروحا وكان جرحه قد تغير . قوله ( قال بسم الله ) الخ فيه استحباب هذا الذكر عند وضع الميت في قبره : قوله ( من قبل رأسه ) فيه دليل على أن المشروع أن يحثى على الميت من جهة رأسه ويستحب أن يقول عند ذلك { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } ذكره أصحاب الشافعي . وقال الهادي بلغنا عن أمير المؤمنين كرم الله وجهه أنه كان إذا حثى على ميت قال اللهم إيمانا بك وتصديقا برسلك وايقانا ببعثك هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله ثم قال من فعل ذلك كان له بكل ذرة حسنة

باب تسليم القبر ورشه بالماء وتعليمه ليعرف وكراهة البناء والكتابة عليه

1 - عن سفيان التمار أنه ( رأى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسنما )
- رواه البخاري في صحيحه

2 - وعن القاسم قال ( دخلت على عائشة فقلت يا أمة بالله اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبيه فكشفت له عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء )
- رواه أبو داود

- الرواية الأولى أخرجها أيضا ابن أبي شيبة من طريق سفيان المذكور وزاد وقبر أبي بكر وقبر عمر كذلك . وكذلك أخرجه أبو نعيم وذكر هذه الزيادة التي ذكرها ابن أبي شيبة . والرواية الثانية أخرجها أيضا الحاكم من هذا الوجه وزاد ( ورأيت قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقدما وأبو بكر راسه بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمر رأسه عند رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) ( وفي الباب ) عن صالح بن أبي صالح عند أبي داود في المراسيل قال ( رأيت قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم شبرا أو نحو شبر ) وعن عثيم بن بسطام المديني عند أبي بكر الآجري في كتاب صفةقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( رايت قبره صلى الله عليه وآله وسلم في إمارة عمر بن عبد العزيز فرأيته مرتفعا نحوا من أربع أصابع ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر أسفل منه . قوله ( مسنما ) أي مرتفعا : قال في القاموس التسنيم ضد التسطيح وقال سطحه كمنعه وبسطه : قوله ( ولا لاطئة ) أي ولا لازقة بالأرض ( وقد اختلف أهل العلم ) في الأفضل من التسنيم والتسطيح بعد الاتفاق على جواز الكل فذهب الشافعي وبعض أصحابه والهادي والقاسم والمويد بالله إلا أن التسطيح أفضل زاستدلوا برواية القاسم بن محمد بن أبي بكر المذكورة وما وافقها قالوا وقول سفيان التمار لا حجة فيه كما قال البيهقي لاحتمال أن قبره صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن في الأول مسنما بل كان في أول الأمر مسطحا ثم لما بنى جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعة وبهذا يجمع بين الروايات ويرجح التسطيح ما سيأتي من أمره صلى الله عليه وآله وسلم عليا أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه . وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والمزني وكثير من الشافعية وإدعى القاضي حسين اتفاق أصحاب الشافعي عليه ونقله القاضي عياض عن أكثر العلماء أن التسنيم أفضل وتمسكوا بقول سفيان التمار والأرجح أن الأفضل التسطيح لما سلف

3 - وعن أبي الهياج الأسدي عن علي ( قال أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته )
- رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه

- قوله ( عن ابن الهياج ) هو بفتح الهاء وتشديد الياء واسمه حيان بن حصين : قوله ( لا تدع تمثالا إلا طمسته ) فيه أمر بتغيير صور ذوات الأرواح : قوله ( ولا قبرا مشرفا إلا سويته ) فيه أن السنة أن القبر لا يرفع رفعا كثيرا من غير فرق بين من كان فاضلا ومن كان غير فاضل والطاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم وقد صرح في ذلك اصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير كما قال الإمام يحيى والمهدي في الغيث لا يصح لأن غاية ما فيه أنهم سكتوا عن ذلك والسكوت لا يكون دليلا إذا كان في الأمور الظنية وتحريم رفع القبور ظني ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولا أوليا القبب والمساهد المعمورة على القبور وأيضا هو من إتخاذ القبور مساجد وقد لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعل ذلك كما سيأتي وكم قد سري عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام منها اعتقاد الجهلة لها كما كاعتقاد الكفار للأصنام وعطم ذلك فظنزا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب وسألوا منها ما يسأل العباد من ربهم وشدوا أليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا وبالجملة أنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه فإنا لله وإنا إليه راجعون ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالما ولا متعلما ولا أمير ولا وزير ولا ملكا وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عيه يمين من جهة خصمه حلف باللذه فاجرا فإذا قيل له بعد ذلك احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ قوق شرك من قال أنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر واي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن هذا الشرك البين واجبا
لقد أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي
ولونارا نفخت بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في الرماد

4 - عن جعفر بن محمد عن أبيه ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رش على قبر ابنه إبراهيم ووضع عليه خصباء )
- رواه الشافعي

5 - وعن أنس ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة )
- رواه ابن ماجه

- الحديث الأول مرسل وأخرجه أيضا سعيد بن منصور والبيهقي من هذا الوجه مرسلا بهذا اللفظ وزادا ورفع قبره قدر شبر ( وفي الباب ) عن جابر عند البيهقي قال ( رش على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالماء رشا فكان الذي رش على قبره بلال بن رباح بدأ من قبل رأسه من شقه الأيمن حتى انتهى إلى رجليه ) وفي إسناده الواقدي والكلام فيه معروف ( وفي الباب ) عن عار بن ربيعة تقدم في الباب الأول وروى سعيد بن منصور أن الرش على القبر كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى مشروعية الرش على القبر ذهب الشافعي وأبو حنيفة والقاسمية والحديث الثاني أخرجه أيضا ابن عدي قال أبو زرعة هذا خطأ والصواب رواية من روى عن المطلب بن حنطب وسيأتي . وقد رواه الطبراني في الأوسط من حديث أنس بإسناد آخر فيه الواقدي من حديث أبي رافع فذكر معناه . وروى أبو داود من حديث المطلب بن عبد الله بن حنطب قال ( لما مات عثمان بن مظعون خرج بجنازته فدفن فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا أن يأتي بحجر فلم يستطع حمله فقام إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحسر عن ذراعيه قال المطلب الذي أخبرني كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين حسر عنهما ثم حملها ثم وضعها عند رأسه وقال أعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي ) قال الحافظ وإسناده حسن ليس فيه إلا كثير بن زيد راوية عن المطلب وهو صدوق انتهى . والمطلب ليس صحابيا ولكنه بين أن مخبرا أخبره ولم يسمه وإبهام الصحابي لا يضر ( وفيه دليل ) على جعله علامة على قبر الميت كنصب حجر أو نحوه . قال الإمام يحيى فاما نصب حجرين على المرأة وواحدة على الرجل فبدعة قال في البحر قلت لا باس به لقصد التمييز لنصبه على قبر ابن مظعون

6 - وعن جابر قال ( نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه )
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه ولفظه ( نهى أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ ) وفي لفظ النسائي ( نهى أن يبني على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه )

- الحديث أخرجه أيضا ابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال الحاكم الكتابة وإن لم يذكرها مسلم فهي على شرطه وي صحيحة غريبة . وقال أهل العلم من أئمة المسلمين من المشرق إلى المغرب على خلاف ذلك ( وفي الباب ) عن ابن مسعود ذكره صاحب مسند الفردوس عن الحاكم مرفوعا ( لا يزال الميت يسمع الآذان ما لم يطين عليه ) قال الحافظ وإسناده باطل فإنه من رواية محمد بن القاسم الطايكاني وقد رموه بالوضع : قوله ( أن يجصص القبر ) في رواية لمسلم ( عن تقصيص القبور ) والتقصيص بالقاف وصادين مهملتين هو التجصيص . والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة هي الجص وفيه تحريم تجصيص القبور . وأما التطيين فقال الترمذي . وقد رخص قوم من أهل العلم في تطيين القبور منهم الحسن البصري والشافعي . وقد روى أبو بكر النجاد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفع قبره من الأرض شبرا وطين بطين أحمر من العرصة وحكي في البحر عن الهادي والقاسم أنه لا بأس بالتطيين لئلا ينطمس . وقال الإمام يحيى وأبو حنيفة يكره . قوله ( وأن يقعد عليه ) فيه دليل على تحريم القعود على القبر وإليه ذهب الجمهور وقال مالك في الموطأ المراد بالقعود الحدث . قال النووي وهذا تأويل ضعيف أو باطل والصواب أن المراد بالقعود الجلوس ومما يوضحه الرواية الواردة بلفظ ( لا تجلسوا على القبور ) كما سيأتي : قوله ( وأن يبني عليه ) فيه دليل على تحريم البناء على القبر وفصل الشافعي وأصحابه فقالوا إن كان البناء في ملك الباني فمكروه وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام ولا دليل على هذا التفصيل وقد قال الشافعي رايت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى ويدل على الهدم حديث علي المتقدم . قوله ( وأن يكتب عليها ) فيه تحريم الكتابة على القبور وظاهره عدم الفرق بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها وقد استثنت الهادوية رسم الاسم فجوزوه لا على وجه الزخرفة قياسا على وضعه صلى الله عليه وآله وسلم الحجر على قبر عثمان كما تقدم وهو من التخصيص بالقياس وقد قال به الجمهور لا أنه قياس في مقابلة النص كما قال في ضوء النهار ولكن الشأن في صحة هذا القياس قوله ( وأن توطأ ) فيه دليل على تحريم وطء القبر والكلام فيه كالكلام في القعود عليه ولعل مالكا لا يخالف هنا : قوله ( أو يزاد عليه ) بوب على هذه الزيادة البيهقي باب لا يزاد عليه القبر أكثر من ترابه لئلا يرتفع . وظاهره أن المراد بالزيادة عليه الزيادة على ترابه وقيل المراد بالزيادة عليه أن يقبر ميت على قبر ميت آخر

باب من يستحب أن يدفن المرأة

1 - عن أنس قال ( شهدت بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تدفن وهو جالس على القبر فرأيت عيناه تدمعان فقال هل فيكم أحد لم يقارف الليلة فقال أبو طلحة أنا قال فانزل في قبرها فنزل في قبرها )
- رواه أحمد والبخاري . ولأحمد عن أنس ( أن رقية لما ماتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يدخل القبر رجل قارف الليلة أهله فلم يدخل عثمان بن عفان القبر )

- قوله ( بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) هي أم كلثوم زوج عثمان ورواه الواقدي عن طليح بن سليمان وبهذا افسناد أخرجه ابن سعد في الطبقات في ترجمة أم كلثوم وكذا الدولابي في الذرية الطاهرة والطبري والطحاوي من هذا الوجه ورواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس فسماها رقية كما ذكره المصنف عن أحمد وكذلك أخرجه البخاري في التاريخ الأوسط والحاكم في المستدرك . قال البخاري ما أدرى ما هذا فإن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بيدر لم يشهدها . قال الحافظ وهم حماد في تسميتها فقط ويؤيد أنها أم كلثوم ما رواه ابن سعد أيضا في ترجمة أم كلثوم من طريق عمرة بنت عبد الرحمن قالت نزل في حفرتها أبو طلحة وأغرب الخطابي فقال هذه البنت كانت لبعض بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنسبت إليه : قوله ( لم يقارف ) بقاف وفاء زاد ابن المبارك عن فليح أخرجه أحمد عنه . وقيل معناه لم يجامع تلك الليلة وبه جزم ابن حزم قال معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه لم يذنب تلك الليلة انتهى ويقويه أن في رواية ثابت المذكور بلفظ ( لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة فتنحى عثمان ) وقد استعبد أن يكون عثمان جامع في تلك الليلة التي حدث فيها موت زوجته لحرصه على مراعاة الخاطر الشريف وأجيب عنه باحتمال أن يكون مرض المراة طال واحتاج عثمن إلى الوقاع ولم يكن يظن موتها تلك الليلة وليس في الخبر ما يقتضي أنه واقع بعد موتها بل ولا حين احتضارها ( والحديث ) يدل على أنه يجوز أن يدخل المرأة في قبرها الرجال دون النساء لكونهم أقوى على ذلك وأنه يقدم الرجال الأجانب الذين بعد ععهدهم بالملاذ في المواراة على الأقارب الذين قرب عهدهم بذلك كالأب والزوج وعلل بعضهم تقدم من لم يقارف بأنه حينئذ يأمن من أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة وحكى عن ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة فتلطف صلى الله عليه وآله وسلم في منعه في النزول قبر زوجته بغير تصريح . ووقع في رواية حماد المذكور فلم يدخل عثمان القبر ( وفي الحديث ) أيضا جواز الجلوس على شفير القبر وجواز البكاء بعد الموت . وحكى ابن قدامة عن الشافعي أنه يكره لخر ( فغذا وجب فلا تبكين باكية ) يعني إذا مات وهو محمول على الأولوية . والمراد لا ترفع صوتها بالبكاء ويمكن الفرق بين النساء والرجال في ذلك لأن بكاء النساء قد يفضي إلى ما لا يحل من النوح لقلة صبرهن

باب آداب الجلوس في المقبرة والمشي فيها

1 - عن البراء بن عازب قال ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد بعد فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستقبل القبلة وجلسنا معه )
- رواه أبو داود

2 - وعن أبي هريرة قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر )
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي

3 - وعن عمرو بن حزم قال ( رىني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متكئا على قبر فقال لا تؤذ صاحب هذا القبر أو لا تؤذه )
- رواه أحمد

4 - وعن بشير بن الخصاصية ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأي رجلا يمشي في نعلين بين القبور فقال يا صاحب السبتيتين ألقهما )
- رواه الخمسة إلا الترمذي

- حديث البراء سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح على كلام في المنهال بن عمرو وشيخه زاذان . وقد أخرجه من هذه الطريق النسائي وابن ماجه . وحديث عمرو بن حزم قال الحافظ في الفتح إسناده صحيح وحديث بشير سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات إلا خالد بن نمير فإنه يهم . وأخرجه أيضا الحاكم وصححه : قوله ( مستقبل القبلة ) فيه دليل على استحباب افستقبال في الجلوس لمن كان منتظرا دفن الجنازة : قوله ( لأن يحلس أحدكم ) الخ فيه دليل على أنه لا يجوز الجلوس على القبر وقد تقدم النهي عن ذلك وذهاب الجمهور إلى التحريم والمراد بالجلوس القعود وروى الطحاوي من حديث محمد بن كعب قال إنما قال أبو هريرة ( من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط فكأنما جلس على جمرة ) قال في الفتح لكن إسنده ضعيف وقال نافع كان ابن عمر يجلس على القبور . ومخالفة الصحابة لما روي لا تعارض المروي . قوله ( لا تؤذ صاحب القبر ) هذا دليل لما ذهب إليه الجمهور من أن المراد بالجلوس القعود وفيه بيان علة المنع من الجلوس أعني التأذي : قوله ( السبتيتين ) قد تقدم تفسير ذلك في باب تغير الشيب والمراد بها جلود البقر وكل جلد مدبوغ وإنما قيل لها السبتية أخذا من السبت وهو الحلق لأن شعرها قد حلق عنها . وفي ذلك دليل على أنه لا يجوز المشي بين القبور بالنعلين ولا يختص عدم الجواز بكون النعلين سبتيتين لعدم الفارق بينها وبين غيرها . وقال ابن حزم يجوز وطء القبور بالنعال التي ليست سبتية لحديث ( إن الميت يسمع خفق نعالهم ) وخص المنع بالسبتية وجعل هذا جمعا بين الحديثين وهو وهم لأن سماع الميت لخفق النعال لا يستلزم أن يكون المشي على قبر أو بين القبور فلا معارضة . وقال الخطابي أن النهي عن السبتية لما فيها من الخيلاء ورد بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يلبسها كما تقدم في باب تغيير الشيب

باب الدفن ليلا

1 - عن ابن عباس قال ( مات إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعوده فمات بالليل فدفنوه ليلا فلما أصبح أخبروه فقال ما منعكم أن تعلموني قالوا كان الليل فكرهنا وكانت ظلمة أن نشق عليك فاتى قبره فصلى عليه )
- رواه البخاري وابن ماجه . قال البخاري ودفن أبو بكر ليلا

2 - وعن عائشة قالت ( ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل ليلة الأربعاء ) قال محمد بن إسحاق والمساحي المرور
- رواه أحمد

3 - وعن جابر قال ( رأى ناس نارا في المقبرة فاتوها فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القبر ناولوني صاحبكم وإذا هو الذي كان يرفع صوته بالذكر )
- رواه أبو داود

- حديث ابن عباس أخرجه أيضا مسلم وقد روى نحوه عن جماعة من الصحابة قدمنا ذكرهم في باب الصلاة على الغائب وقدمنا شرح هذا الحديث والأختلاف في أسم هذا الأنسان المبهم هنالك . ودفن أبي بكر بالليل ذكره البخاري تعليقا في باب الدفن في الليل ووصله في آخر كتاب الجنائز في باب موت يوم الاثنين من حديث عائشة . ولابن أبي شيبة من حديث القاسم بن محمد قال دفن أبو بكر ليلا . ومن حديث عبيد بن السباق أن عمر دفن أبا بكر بعد العشاء الأخيرة قال الحافظ في الفتح وصح أن عليا دفن فاطمة ليلا . وحديث جابر سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات إلا محمد بن مسلم الطائفي ففيه مقال . وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس نحوه ولفظه ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج فأخذه من قبل القبلة وقال رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن ) قال الترمذي حديث ابن عباس حديث حسن . قوله ( صوت المساحى ) هي جمع مسحاة والمسحاة آلة من حديث يجرف بها الطين مشتقة من السحو وهو كشف وجه الأرض والميم فيها زائدة . قوله ( المرور ) جمع مر بفتح الميم بعدها راء مهملة وهو المسحاة على ما في القاموس . وقيل صوت المسحاة على الأرض ( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على جواز الدفن بالليل وبه قال الجمهور وكرهه الحسن البصري واستدل بحديث أبي قتادة المتقدم في باب استحباب احسان الكفن وفيه ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زجر أن يقبر الرجل ليلا حتى يصلى عليه ) وأجيب عنه أن الزجر منه صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان لترك الصلاة بالليل أو لأجل أنهم كانوا يدفنون بالليل لرداءة الكفن فالزجر إنما هو لما كان بالليل مظنة اساءة الكفن كما تقدم فإذا لم يقع تقصير في الصلاة على الميت وتكفينه فلا بأس بالدفن ليلا . وقد قيل في تعليل كرهة الدفن ليلا أن ملائكة النهار ارأف من ملائكة الليل ولم يصح ما يدل على ذلك

باب الدعاء للميت بعد دفنه

1 - عن عثمان قال ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا فرغ من دفن الميت وفق عليه استعفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسئل )
- رواه أبو داود

2 - وعن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وحكيم بن عمير قالوا ( إذا سوى على الميت وانصرف الناس عنه كانوا يستحبون أن يقال الميت عند قبره يا فلان قل لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مرات يا فلان قل ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم ينصرف )
- رواه سعيد في سننه

- الحديث الأول أخرجه أيضا الحاكم وصححه البزار وقال لا يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا من هذا الوجه . والأثر المروي عن راشد وضمرة وحكيم ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه وراشد المذكور شهد صفين مع معاوية ضعفه ابن حزم وقال الدارقطني يعتبر به . والثلاثة كلهم من قدماء التابعين حمصيون وقد روى نحوه مرفوعا من حديث أبي أمامة عند الطبراني وعبد العزيز الحنبلي في الشافي أنه قال ( إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نصنع بموتانا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال إذا مات أحد من أخوانكم فسويتم التراب على قبره فيلقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان بن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يستوي قاعدا ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يقول ارشدنا يرحمك الله ولكن لا تشعرون فليقل اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وانك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن اماما فإن منكرا ونكيرا يأخد كل واحد بيد صاحبه ويقول انطلق بنا ما يقعدنا عند من لقن حجته فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف أمه قال ينسبه إلى أمه حواء يا فلان بن حواء ) قال الحافظ في التلخيص وإسناده صالح وقد قواه الضياء في أحكامه . وفي إسناده سعيد الأزدي بيض له أبو حاتم وقال الهيثمي بعد أن ساقه في أسناده جماعة لم أعرفهم انتهى . وفي إسناده أيضا عاصم بن عبد الله وهو ضعيف . قال الأثرم قلت لأحمد هذا الذي يصنعونه إذا دفن الميت يقف الرجل ويقول يا فلان بن فلانة قال ما رأيت أحدا يفعله إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة روى فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه وكان إسماعيل ابن عياش يرويه يشير إلى حديث أبي أمامة انتهى . وقد استشهد في التلخيص لحديث أبي أمامة بالأثر الذي رواه سعيد بن منصور وذكر له شواهد أخر خارجة عن البحث لا حاجة إلى ذكرها : قوله ( إذا فرغ من دفن الميت ) الخ فيه مشروعية الاستغفار للميت عند الفراغ من دفنه وسؤال التثبيت له لأنه يسئل في تلك الحال وفيه دليل على ثبوت حياة القبر وقد وردت بذلك أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر وفي أيضا دليل على أن الميت يسئل في قبره وقد وردت به أيضا أحاديث صحيحة وفي الصحيحين وغيرهما وورد أيضا ما يدل على أن السؤال في القبر مختص بهذه الأمة كما في حديث زيد بن ثابت عن مسلم إن هذه الأمة تبتلى في قبورها وبدلك جزم الحكيم الترمذي . وقال ابن القيم السؤال عام للأمة وغيرها وليس في الأحاديث ما يدل على الأختصاص : قوله ( وعن راشد وضمرة ) هما تابعيان قديمان وكذلك حكيم ابن عمير وكل الثلاثة من حمص . قوله ( كانوا يستحبون ) ظاهره إن المستحب لذلك الصحابة الذين أدركوهم وقد ذهب إلى استحباب ذلك أصحاب الشافعي

باب النهي عن اتخاذ المساجد والسرج في المقبرة

1 - عن أبي هريرة ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )
- متفق عليه

2 - وعن ابن عباس ( قال لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج )
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه

- الحديث الثاني حسنه الترمذي وفي إسناده أبو صالح باذام ويقال باذان مولى أم هانئ بنت أبي طالب وهو صاحب الكلبي . وقي قيل إنه لم يسمع من ابن عباس وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة قال ابن عدي ولا أعلم أحدا من المتقدمين رضيه : وقد روى عن يحيى بن سعيد أنه كان يحسن أمره . قوله ( قاتل الله اليهود ) زاد مسلم والنصارى مستأنفة على سبيل البيان لموجب المقاتلة كأنه قيل ما سبب مقاتلتهم فأجيب بقوله اتخذوا : قوله ( مساجد ) ظاهره أنهم كانوا يجعلونها مساجد يصلون فيها وقيل هو أعم من الصلاة عليها وفيها وقد أخرج مسلم ( لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها أو عليها ) وروى مسلم أيضا ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك في مرضه الذي مات منه قبل موته بخمس وزاد فيه فلا تتخذوا القبور مساجد فاني أنهاكم عن ذلك ) وفيه دليل على تحريم اتخاذ القبور مساجد وقد زعم بعضهم إن ذلك إنما كان في ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان ورده ابن دقيق العيد . قوله ( لعن الله زائرات القبور ) فيه تحريم زيارة القبور للنساء وسيأتي الكلام على ذلك . قوله ( والسرج ) فيه دليل على تحريم اتخاذ السرج على المقابر لما يقضي إليه ذلك من الاعتقادات الفاسدة كما عرفت مما تقدم

باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى

1 - عن عبد الله بن عمرو ( إن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة وإن هشام بن العاص حصته خمسين وإن عمرا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال أما أبوك فلو أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك )
- رواه أحمد

2 - وعن أبي هريرة ( إن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن أبي مات ولم يوص أفينفعه أن أتصدق عنه قال نعم )
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه

3 - وعن عائشة ( أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن أمي افتلتت نفسها واراها لوتكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها قال نعم )
- متفق عليه

4 - وعن ابن عباس ( إن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أمي أينفعها إن تصدقت عنها قال نعم قال فإن لي مخرفا فأنا أشهدك أني قد تصدقت به عنها )
- رواه البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي

5 - وعن الحسن عن سعد بن عبادة ( إن أمه ماتت فقال يا رسول الله إن أمي ماتت فأتصدق عنها قال نعم قلت فأي الصدقة أفضل قال سفى الماء قال الحسن فتلك سقاية آل سعد بالمدينة )
- رواه أحمد والنسائي

- حديث سعد رجال إسناده عند النسائي ثقات ولكن الحسن لم يدرك سعدا وقد أخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه : قوله ( نحر حصته خمسين ) إنما كانت حصته خمسين لأن العاص بن وائل خلف ابنين هشاما وعمرا فأراد هشام أن يفي بنذر أبيه فنحر حصته من المائة التي نذرها وحصته خمسون وأراد عمرو أن يفعل كفعل أخيه فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره أن موت أبيه على الكفر مانع من وصول نفع ذلك إليه وإنه لو أقر بالتوحيد لاجزأ ذلك عنه ولحقه ثوابه ( وفيه دليل ) على أن نذر الكافر بما هو قربة لا يلزم إذا مات على كفره وأما إذا أسلم وقد وقع منه نذر في الجاهلية ففيه خلاف والظاهر أنه يلزمه الوفاء بنذره لما أخرجه الشيخان من حديث ابن عمر ( أن عمر قال يا رسول الله أني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له صلى الله عليه وآله وسلم أوف بنذرك ) وفي ذلك أحاديث يأتي ذكرها في باب من نذر وهو مشرك من كتاب النذور . قوله ( نفعه ذلك ) فيه دليل على أن ما فعله الولد لأبيه المسلم من الصوم والصدقة يلحقه ثوابه . قوله ( افتلتت ) بضم المثناة بعد الفاء الساكنة وبعدها لام مكسورة على صيغة المجهور ماتت فجأة كذا في القاموس : وقوله ( نفسها ) بالضم على الأشهر نائب مناب الفاعل : قوله ( وأراها ) بضم الهمزة بمعنى أظنها . قوله ( فإن لي مخرفا ) في رواية مخراف والمخرف والمخراف الحديقة من النخل أو العنب أو غيرهما . قوله ( قال سقى الماء ) فيه دليل على أن سقي الماء أفضل الصدقة . ولفظ أبي داود ( فأي الصدقة أفضل قال الماء فحفروا بئرا وقال هذه لأم سعد ) وأخرج هذا الحديث . وقد قيل أن الرجل المبهم في حديث عائشة هو سعد . وأحاديث الباب تدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما ويصلإليهما ثوابه فيخصص بهذه الأحاديث عموم قوله تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة من الولد وقد ثبت أن ولد الإنسان من سعيه فلا حاجة إلى دعوى التخصيص وأما من غير الولد فالظاهر من العمومات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت فيوقف عليها حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصها . وقد أختلف في غير الصدقة من أعمال البر هل يصل إلى الميت فذهبت المعتزلة إلى أنه لا يصل إليه شيء واستدلوا بعموم الآية . وقال في شرح الكنز أن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغير صلات كان أم صوما أم حجا أو صدقة أو قراءة قرآن أو غير ذلك من جميع أنواع البر ويصل ذلك إلى الميت وينفعه عند أهل السنة انتهى . والمسهور من المذهب الشافعي وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي أنه يصل كذا ذكره النووي في الأذكار . وفي شرح المناهج لابن النحوي لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور والمختار الوصول إذا سأل الله إيصال ثواب قراءته وينبغي الجزم به لأنه دعاء فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعي فلأن يجوز بما هو له أولى ويبقى الأمر فيه موقوفا على استجابة الدعاء وهذا المعنى لا يختص بالقراءة بل يجري على سائر الأعمال والظاهر أن الدعاء متفق عليه أنه ينفع الميت والحي القريب والبعيد بوصية وغيرها
وعلى ذلك أحاديث كثيرة بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب انتهى . وقد حكى النووي في شرح مسلم الإجماع على وصول الدعاء إلى الميت وكذا حكى الإجماع أيضا على أن الصدقة نقع عن الميت ويصل ثوابها ولم يقيد ذلك بالولد . وحكى أيضا الإجماع إلى لحوق قضاء الدين والحق أنه يخصص عموم الآية بالصدقة من الولد كما في أحاديث الباب وبالحج من الولد كما في خبر الخثعمية ومن غير الولد أيضا كما في حديث المحرم عن أخيه شبرمة ولم يستفصله صلى الله عليه وآله وسلم هل أوصى شبرمة أم لا وبالعتق من الولد كما وقع في البخاري في حديث سعد خلافا للمالكية على المشهور عندهم وبالصلاة من الولد ايضا لما روى الدارقطني ( أن رجل قال يا رسول الله أنه كان لي أبوان أبرهما في حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما فقال صلى الله عليه وآله وسلم إن من البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع صيامك ) وبالصيام من الولد لهذا الحديث . ولحديث عبد الله بن عمرو المذكور في الباب . ولحديث ابن عباس عند البخاري ومسلم ( أن امرأة قالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر فقال أرأيت لو كام على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك ) وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي من حديث بريدة ( أن إمرأة قالت أنه كان على أمي صوم شهر أفأصوم عنها قال صومي عنها ) ومن غير الولد أيضا الحديث ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) فق عليه من حديث عائشة وبقراءة يس من الولد وغيره لحديث ( إقرؤا على موتاكم يس ) وقد تقدم وبالدعاء من الولد لحديث ( أو ولد صالح يدعو له ) ومن غيره لحديث ( استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإن الآن يسئل ) وقد تقدم . والحديث ( فضل الدعاء للأخ بظهر الغيب ) ولقوله تعالى { والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } ولما ثبت من الدعاء للميت عند الزيارة كحديث بريدة عند مسلم وأ مد وابن ماجه قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا قائلهم السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسال الله لنا ولكم العافية ) وبجميع ما يفعله الولد لوالديه من أعمال البر لحديث ( ولد الإنسان من سعيه ) وكما تخصص هذه الأحاديث الآية المتقدمة كذلك يخصص حديث أبي هريرة عند مسلم وأهل السنن قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له ) فإنه ظاهره أنه لا ينقطع عنه ما عدا هذه الثلاثة كائنا من كان . وقد قيل أنه يقاس على هذه المواضع التي وردت بها الدلة غيرها فيلحق الميت كل شيء فعله غيره . وقال في شرح الكنز أن الآية منسوخة بقوله تعالى { والذين آمنوا وإتبعتهم ذريتهم } وقيل الإنسان أريد به الكافر وأما المؤمن فله ما سعى إخوانه . وقيل ليس له من طريق الفضل وقيل اللام بمعنى على كما في قوله تعالى { ولهم اللعنة } أي وعليهم انتهى

باب تعزية المصاب وثواب صبره وأمره به وما يقول لذلك

1 - عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمر وبن حزم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز و جل من حلل الكرامة يوم القيامة )
- رواه ابن ماجه

2 - وعن الأسود عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( من عزى مصابا فله مثل أجره )
- رواه ابن ماجه والترمذي

3 - وعن الحسين بن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن قدم عهدها فيحدث لذلك استرجاعا الا جدد الله تبارك وتعالى له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب )
- رواه أحمد وابن ماجه

- حديث عمرو بن حزم رواه ابن ماجه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد ابن مخلد حدثني قيس أبو عمارة مولى الأنصار قال سمعت عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فساقه وهؤلاء كلهم ثقات إلا قيسا أبا عمارة ففيه لين وقد ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا الحاكم وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن عاصم . ورواه بعضهم عن محمد ابن سوقة بهذا الإسناد مثله موقوفا ولم يرفعه ويقال أكثر ما ابتلى به علي بن عاصم هذا الحديث نقموه عليه انتهى . قال البيهقي تفرد به علي بن عاصم وقال ابن عدي قد رواه مع علي بن عاصم محمد بن الفضل بن عطية وعبد الرحمن بن مالك بن مغول . وروى عن اسرائيل وقيس بن الربيع والثوري وغيرهم . وروى ابن الجوزي في الموضوعات من طريق نصر بن حماد عن شعبة نحوه . وقال الخطيب رواه عبد الحكم بن منصور والحرث بن عمران الجعفري وجماعة من علي بن عاصم وليس شيء منها ثابتا ويحكى عن أبي داود قال عاتب يحيى بن سعيد القطان علي بن عاصم في وصل هذا الحديث وإنما هو عندهم منقطع وقال إن أصحابك الذين سمعوه معك لا يسندونه فأبى أن يرجع قال الحافظ ورواية الثوري مدارها علي حماد بن الوليد وهو ضعيف جدا وكل المتابعين لعلي بن عاصم أضعف منه بكثير وليس فيها رواية يمكن التعلق بها إلا طريق اسرائيل فقد ذكرها صاحب الكمال من طريق وكيع عنه ولم أقف على إسنادها بعد . قال في التلخيص وله شاهد أضعف منه من طريق محمد بن عبد الله العرزمي عن أبي الزبير عن جابر ساقه ابن الجوزي في الموضوعات وله أيضا شاهد آخر من حديث أبي برزة مرفوعا ( من عز ثكل كسي بردا في الجنة ) قال الترمذي غريب . ومن شواهده حديث عمرو بن حزم الذي قبله قال السيوطي في التعقبات وأخرج البيهقي في الشعب عن محمد بن هرون الفأفاء وكان ثقة صدوقا قال ( رأيت في المنام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديث علي بن عاصم الذي يرويه عن ابن سوقة ( من عزى مصاب هو عنك قال نعم ) فكان محمد بن هرون كلما حدث بهذا الحديث بكى . وقال الذهبي أبلغ ما شنع به على علي بن عاصم هذا الحديث وهو مع ضعفه صدوق في نفسه وله صورة كبيرة في زمانه وقد وثقه جماعة قال يعقوب بن شيبة كان من أهل الدين والصلاح والخير والتاريخ وكان شديد التوقي أن أنكر عليه كثرة الغلط مع تماديه على ذلك . وقال وكيع مازلنا نعرفه بالخير فخذوا الصحاح من حديثه ودعوا الغلط . وقال أحمد أما أنا فأحدث عنه كان فيه لجاج ولم يكن متهما . وقال الفلاس صدوق . وحديث الحسين في إسناده هشام بن زياد وفيه ضعف عن أمه وهي لا تعرف : قوله ( من عزى مصابا ) فيه دليل على أن تعزية المصاب من موجبات الكسوة من الله تعالى لمن فعل ذلك من حلل كرامته . قوله ( فله مثل أجره ) فيه دليل على أنه يحصل للمعزى بمجرد التعزية مثل أجر المصاب وقد يستشكل ذلك باعتبار أن المشقة مختلفة ويجاب عنه بجوابات ليس هذا محل بسطها . وثمرة التعزية الحث على الرجوع إلى الله تعالى ليحصل الأجر . قال في البحر والمشروع مرة واحدة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( التعزية مرة ) انتهى . قال الهادي والقاسم والشافعي وهي بعد الدفن أفضل لعظم المصاب بالمفارقة . وقال أبو حنيفة والثوري إنما هي قبله لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( فإذا وجب فلا تبكين باكية ) أخرجه مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم والمراد بالوجوب دخول القبر كما وقع في رواية لأحمد ولأن وقت الموت حال الصدمة الأولى كما سيأتي والتعزية تسلية فينبغي أن يكون وقت الصدمة التي يشرع الصبر عندها : قوله ( فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب ) فيه دليل على أن استرجاع المصاب عند ذكر المصيبة يكون سببا لاستحقاقه لمثل الأجر الذي كتبه الله له في الوقت الذي أصيب فيه بتلك المصيبة وإن تقادم عهدها ومضت عليها أيام طويلة والاسترجاع هو قول القائل إنا لله وإنا إليه راجعون

4 - وعن أنس ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إنما الصبر عند الصدمة الأولى )
- رواه الجماعة

5 - وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال ( لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا واياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب )
- رواه الشافعي

6 - وعن أم سلمة قالت ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها قالت فلما توفي أبو سلمة قالت من خير من أبي سلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم عزم الله لي فقلتها اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها قالت فتزوجت رسول الله رسول الله )
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه

- حديث جعفر بن محمد في إسناده القاسم بن عبد الله بن عمر وهو متروك وقد كذبه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين . وقال أحمد أيضا كان يضع الحديث ورواه الحاكم عن أنس في مستدركه وصححه وفي إسناده عباد بن عبد الصمد وهو ضعيف جدا وزاد فقال أبو بكر وعمر هذا الخضر : قوله ( إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) في رواية للبخاري ( عند أول صدمة ) ونحوها لمسلم . والمعنى إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر وأصل الصدمة ضرب الشيء الصلب بمثله فاستعير للمصيبة الواردة على القلب : وقال الخطابي المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة بخلاف ما بعد ذلك . وقال غيره إن المراد لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه وإنما يؤجر على حسن تثبته وجميل صبره . وأول الحديث ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بامرأة تبكي عند قبر فقال اتقي الله واصبري فقالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم تجد بوابين فقالت لم أعرفك يا رسول الله فقال إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) ( 1 ) قوله ( إن في الله عزاء من كل مصيبة ) الخ فيه دليل على أنه يستحب التعزية لأهل الميت بتعزية الخضر عليه السلام وأصل العزاء في اللغة الصبر الحسن والتعزية التصبر وعزاه صبره فكل ما يجلب للمصاب صبرا يقال له تعزية بأي لفظ كان ويحصل به للمعزي الأجر المذكور في الأحاديث السابقة وأحسن ما يعزى به ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد قال ( كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا لها في الموت فقال للرسول أرجع إليها وأخبرها إن لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عند بأجل مسمى
فمرها فلتصبر ولتحتسب ) الحديث وسيأتي وهذا لا يختص بالصغير باعتبار السبب لأن كل شخص يصلح أن يقال له وفيه ذلك ولو سلم أن أول الحديث يختص بمن مات له كان الأمر بالصبر والأحتساب المذكور آخر الحديث غير مختص به : قوله ( اللهم أجرني ) قال القاضي يقال أجرني بالقصر والمد حكاهما صاحب الأفعال . قال الأصمعي وأكثر أهل اللغة قالوا هو مقصور لا يمد ومعنى أجره الله أعطاه أجره وجزاء صبره وهمه في مصيبته : قوله ( وأخلف لي ) قال النووي هو بقطع الهمزة وكسر اللام . قال أهل اللغة يقال لمن ذهب له مال أو ولد أو قريب أو شيء يتوقع حصول مثله أخلف الله عليك أي رد عليك مثله فإن ذهب مالا يتوقع مثله بأن ذهب والد أو عم ( 2 ) قيل له خلف الله عليك بغير ألف أي كان الله خليفة منه عليك : قوله ( الا أجره الله ) قال النووي هو بقصر الهمزة ومدها والقصر أفصح وأشهر كما سبق : قوله ( ثم عزم الله لي فقلتها ) أي خلق في عزما ( 3 )
_________
( 1 ) وفي هذا الحديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع كل أحد : وفيه أيضا الأعتذار إلى أهل الفضل إذا أساء الإنسان أدبه معهم : والله أعلم
( 2 ) عبارة النووي في شرح مسلم بزيادة أو أخ لمن لا جدله ولا والد له اه
( 3 ) وسبب تأويل قولها ثم عزم بخلق في عزما . أن فعل الله تعالى لا يسمى عزما من حيث أن حقيقة العزم حدوث رأي لم يكن والله منزه عن هذا . قاله العلامة النووي في شرح مسلم . والله أعلم

باب صنع الطعام لأهل الميت وكراهيته منهم للناس

1 - عن عبد الله بن جعفر قال ( لما جاء نعي جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اصنعوا لآل جعفر ققد أتاهم ما يشغلهم )
- رواه الخمسة إلا النسائي

2 - وعن جرير بن عبد الله البجلي قال ( كنا نعد الأجتماع إلى أهل
الميت وصنعه الطعام بعد دفنه من النياحة )
- رواه أحمد

3 - وعن أنس ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا عقر في الإسلام )
- رواه أحمد وأبو داود . وقال قال عبد الرزاق كانوا يعقرون عند القر بقرة أو شاة في الجاهلية

- حديث عبد الله بن جعفر أخرجه أيضا الشافعي وصححه ابن السكن وحسنه الترمذي وأخرجه أيضا أحمد والطبراني وابن ماجه من حديث أسماء بنت عميس وهي والدة عبد الله بن جعفر وحديث جرير أخرجه أيضا ابن ماجه وإسناده صحيح وحديث أنس سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح : قوله ( اصنعوا لآل جعفر ) فيه مشروعية القيام بمؤنة أهل الميت مما يحتاجون إليه من الطعام لاشتغالهم عن أنفسهم بما دهمهم من المصيبة قال الترمذي وقد كان بعض أهل العلم يستحب أن يوجه إلى أهل الميت بشيء لشغلهم بالمصيبة وهو قول الشافعي انتهى . قوله ( كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت ) الخ يعني أنهم كانوا يعدون الاجتماع عند أهل الميت بعد دفنه وأكل الطعام عندهم نوعا من النياحة لما في ذلك من التثقيل عليهم وشغلتهم مع ما هم فيه من شغلة الخاطر بموت الميت وما فيه من مخالفة السنة لأنهم مأمورون بأن يصنعوا لأهل الميت طعاما فخالفوا ذلك وكلفوهم صنعة الطعام لغيرهم : قوله ( لا عقر في الإسلام ) فيه دليل على عدم جواز العقر في الإسلام كما كان في الجاهلية قال الخطابي كان أهل الجاهلية يعقرون الإبل على قبر الرجل الجواد يقولون نجازيه على فعله لأنه كان يعقرها في حياته فيطعمها الأضياف فنحن نعقرها عند قبره حتى تأكلها السباع والطير فيكون مطعما بعد مماته كما كان مطعما في حياته قال ومنهم من كان يذهب في ذلك إلى أنه إذا عقرت راحلته عند قبره حشر في القيامة راكبا ومن لم يعقر عنده حشر راجلا انتهى . وهذا إنما يتم على فرض أنهم كانوا يعقرون الإبل فقط لا على ما نقله أبو داود عن عبد الرزاق أنهم كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة

باب ما جاء في البكاء على الميت وبيان المكروه منه

1 - عن جابر قال ( أصيب أبي يوم أحد فجعلت أبكي فجعلوا ينهوني ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينهاني فجعلت عمتي فاطمة تبكي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبكين أولا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه )
- متفق عليه

2 - وعن ابن عباس قال ( ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده وقال مهلا يا عمر ثم قال إياكن ونعيق الشيطان ثم قال أنه مهما كان من العين والقلب فمن الله عز و جل ومن الرحمة وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان )
- رواه أحمد

- حديث ابن عباس فيه علي بن زيد وفيه كلام وهو ثقة وقد أشار إلى الحديث الحافظ في التلخيص وسكت عنه . قوله ( فجعلت أبكي ) في لفظ للبخاري ( فجعلت أكشف الثوب عن وجهه أبكي وفي لفظ آخر له ( فذهبت أريد أن أكشف عنه فنهاني قومي ثم ذهبت أكشف عنه فنهاني قومي ) : قوله ( ينهوني ) في رواية للبخاري ( وينهوني ) قوله ( ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينهاني ) فيه دليل على جواز البكاء الذي لا صوت معه وسياتي تحقيق ذلك : قوله ( فجعلت عمتي فاطمة تبكي ) قال في الفتح هي شقيقة ابيه عبد الله بن عمرو . وفي لفظ للبخاري ( فسمع صوت نائحة فقال من هذه فقالوا بنت عمرو أو أخت عمرو ) والشك من سفيان والصواب بنت عمرو ووقع في الإكليل للحاكم تسميتها هند بنت عمرو فلعل لها اسمين أو أحدهما اسمها والآخر لقبها أو كانتا جميعا حاضرتين . قوله ( تبكين أو لا تبكين ) قيل هذا شك من الراوي هل استفهم أو نهى والظاهر أنه ليس بشك وإنما المراد به التخيير والمعنى أنه مكرم بصنيع الملائكة وتزاحمهم عليه لصعودهم بروحه ومن إليه . وفيه إذن بالبكاء المجرد مع الإرشاد إلى أولوية الترك لمن كان بهذه المنزلة : قوله ( إياكن ونعيق الشيطان ) هو النواح والصراخ المنهي عنه بالأحاديث الآتية . عمالا يجوز من فعل اليد كشق الجيب واللطم ومن فعل اللسان كالصراخ ودعوى الويل والثبور ونحو ذلك

3 - وعن ابن عمر قال ( اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود فلما دخل عليه وجده في غشية فقال قد قضي فقالوا لا يا رسول الله فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأى القوم بكاءه بكوا قال ألا تسمعون أن الله يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم )

4 - وعن أسامة بن زيد قال ( كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيا لها في الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إرجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ زله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب فعاد الرسول فقال أنها أقسمت لتأنينها قال فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل قال فانطلقت معهم فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شنة ففاضت عيناه فقال سعد ما هذا يا رسول الله ( 1 ) قال هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء )
- متفق عليهما

- قوله ( اشتكى ) أي ضعف وشكوى بغير تنوين : قوله ( فلما دخل عليه ) زاد مسلم ( فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الذين معه ) . قوله ( وجده في غشية ) قال النووي بفتح الغين وكسر الشين المعجمتين وتشديد الياء قال القاضي هكذا رواية الأكثرين قال وضبطه بعضهم بإسكان الشين وتخفيف الياء . وفي رواية البخاري ( في غاشية ) وكله صحيح وفيه قولان أحدهما من يغشاه من أهله والثاني ما يغشاه من كرب الموت . قوله ( فلما رأي القوم بكاءه بكوا ) هذا فيه إشعار بأن هذه القصة كانت بعد قصة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن عبد الرحمن بن عوف كان معهم في هذه ولم يعترض بمثل ما اعترض به هناك فدل على أنه تقرر عندهم العلم بأن مجرد البكاء بدمع العين من غير زيادة على ذلك لا يضر . قوله ( ألا تسمعون ) لا يحتاج إلى مفعول لأنه جعل كالفعل اللازم أي لا توجدون السماع وفيه إشارة إلا أنه فهم من بعضهم الإنكار فبين لهم الفرق بين الحالتين : قوله ( إن الله ) بكسر الهمزة لأنه ابتداء كلام وفيه دليل على جواز البكاء والحزن اللذين لا قدرة للمصاب على دفعهما . قوله ( ولكن يعذب بهذا أي إن قال سوأ أو يرحم إن قال خيرا ويحتمل أن يكون معنى قوله ويرحم إن لم ينفذ الوعيد . قوله ( إحدى بناته ) هي زينب كما وقع عند ابن أبي شيبة : قوله ( إن صبيا لها ) قيل وهو علي بن أبي العاص بن الربيع وهو من زينب وفيه نظر لأن الزبير بن بكار وغيره من أهل العلم بالأخبار ذكروا أن عليا المذكور عاش حتى ناهز الحلم وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أردفه على راحلته يوم فتح مكة وهذا لا يقال في حقه صبيا عرفا وإن جاز من حيث اللغة . وفي الانسياب للبلازري أن عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما مات وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجره وقال إنما يرحم الله من عباده الرحماء . وفي مسند البزار من حديث أبي هريرة قال ثقل ابن لفاطمة فبعثت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر نحو حديث الباب وفيه مراجعة سعد بن عبادة في البكاء فعلى هذا الابن المذكور محسن ابن علي وقد اتفق أهل العلم بالأخبار أنه مات صغيرا في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهذا أولى إن ثبت أن القصة كانت لصبي ولم يثبت أن المرسلة زينب لكن الصواب في حديث الباب أن المراسلة زينب كما قال الحافظ وأن الولد صبية كما في مسند أحمد وكذا أخرجه أبو سعيد ابن الأعرابي في معجمه . ويدل على ذلك ما عند أبي داود بلفظ ( إن ابنتي أو ابني ) وفي رواية ( إن ابنتي قد حضرت ) قوله ( إن لله ما أخذ ) ( 2 ) قدم ذكر الأخذ على الأعطاء وإن كان متأخرا في الواقع لما يقتضيه المقام والمعنى أن الذي أراد الله أن يأخذ هو الذي كان أعطاه فإن أخذ ما هو له فلا ينبغي الجزع لأن مستودع الأمانة لا ينبغي له أن يجزع إذا استعيدت منه ويحتمل أن يكون المراد بالإعطاء إعطاء الحياة لمن بقي بعد الموت أو أثوابهم على المصيبة أو ما هو أعم من ذلك . وما في الموضعين مصدرية ويجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف : قوله ( وكل شيء عنده بأجل مسمى ) أي كل من الأخذ والإعطاء أو من الأنفس أو ما هو أعم من ذلك وهي جملة ابتدائية معطوفة على الجمل المذكورة ويجوز في كل النصب عطفا على اسم أن فينسحب التأكيد عليه ومعنى العندية العلم فهو من مجاز الملازمة والأجل يطلق على الحد الأخير وعلى مطلق العمر . قوله ( مسمى ) أي معلوم أو مقدر أو نحو ذلك قوله ( ولتحتسب ) أي تنو بصبرها طلب الثواب من ربها . قوله ( ونفسه تقعقع ) بفتح التاء والقافين والقعقعة حكاية صوت الشن اليابس إذا حرك . قوله ( كأنها في شنة ) بفتح الشين وتشديد النون القربة الخلقة اليابسة شبه البدن بالجلد اليابس وحركة الروح فيه بما يطرح في الجلد من حصاة ونحوها . قوله ( ففاضت عيناه ) أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد صرح به في رواية شعبة . قوله ( هذه رحمة ) أي الدمعة أثر رحمة . وفيه دليل على جواز ذلك وإنما المنهي عنه الجزع وعدم البصر . قوله ( وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) الرحماء جمع رحيم وهو من صيغ المبالغة ومقتضاه أن رحمة الله تعالى تختص لمن اتصف بالرحمة وتحقق بها بخلاف من فيه أدنى رحمة لكن ثبت عند أبي داود وغيره من حديث عبد الله بن عمرو ( الراحمون يرحمهم الرحمن ) والراحمون جمع راحم فيدخل فيه من فيه أدنى رحمة . ومن في قوله من عباده بيانية وهي حال من المفعول قدمت ليكون أوقع
_________
( 1 ) فيه دليل على مشروعية تذكير أهل العلم إذا نسوا أمرا ففعلوا خلافه لأن سعدا رضي الله عنه ظن أن جميع أنواع البكاء حرام وظن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نسي فذكره فأعلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن مجرد البكاء ودمع العين ليس بحرام ولا مكروه بل هو رحمة وفضيلة وإنما المحرم النوح والندب والبكاء المقرون بهما أو بأحدهما : والله أعلم :
( 2 ) قال النووي رحمه الله تعالى وتقريره أن هذا الذي أخذ منكم كان لا لكم فلم يأخذ إلا ما هو له فينبغي أن لا تجزعوا كما لا يجزع من استردت منه وديعة أو عارية . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( وله ما أعطي ) معناه أن ما هو هبة لكم ليس خارجا عن ملكه بل هو له سبحانه وتعالى يفعل فيه ما يشاء : والله أعلم :

5 - وعن عائشة أن سعد بن معاذ لما مات حضره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر قالت فوالذي نفسي بيده أني لا أعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وأنا في حجرتي )
- رواه أحمد

6 - وعن ابن عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم من أحد سمع نساء من عبد الأشهل يبكين على هلكاهن فقال لكن حمزة لا بواكي له فجئن نساء الأنصار فبكين على حمزة عنده فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ويحهن أيتن ههنا يبكين حتى الآن مروهن فليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم )
- رواه أحمد وابن ماجه

7 - وعن جابر بن عتيك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب فصاح به فلم يجبه فاسترجع فقال غلبنا عليك يا أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية قالوا وما الوجوب يا رسول الله قال الموت )
- رواه أبو داود والنسائي

- حديث عائشة وابن عمر أشار إليهما الحافظ في التلخيص وسكت عنهما ورجال إسناد حديث ابن عمر ثقات إلا أسامة بن زيد الليثي ففيه مقال . وقد أخرج له مسلم وحديث جابر بن عتيك أخرجه أيضا أحمد وابن حبان والحاكم . قوله ( ووأبو بكر وعمر ) الخ محل الحجة من هذا الحديث تقرير النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهما على البكاء وعدم إنكاره عليهما مع أنه قد حصل منهما زيادة على مجرد دمع العين ولهذا فرقت عائششة وهي في حجرتها بين بكاء أبي بكر وعمر ولعل الواقع منهما مما لا يمكن دفعه ولا يقدر على كتمه ولم يبلغ إلى الحد المنهي عنه . قوله ( ولكن حمزة لا بواكي له ) هذه المقالة منه صلى الله عليه وآله وسلم مع عدم إنكاره للبكاء الواقع من نساء عبد الأشهل على هلكاهن تدل على جواز مجرد البكاء . وقوله ( ولا يبكين على هالك بعد اليوم ) ظاهره المنع من مطلق البكاء وكذلك قوله في حديث جابر بن عتيك ) فإذا وجب فلا تبكين باكية ) وذلك يعارض ما في الأحاديث المذكورة في الباب من الإذن بمطلق البكاء مما لم يذكره المصنف كحديث عائشة في قصة عثمان ابن مظعون عند أبي داود والترمذي . وحديث أبي هريرة عند النسائي وابن ماجه وابن حبان بلفظ ( مر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجنازة فانتهرهن عمر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعهن يا ابن الخطاب فإن النفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب ) وحديث بريدة عند مسلم في زيارته صلى الله عليه وآله وسلم قبر أمه وسيأتي . وحديث أنس عند الشيخين ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذرفت عيناه لما جعل ابنه إبراهيم في حجره وهو يجود بنفسه فأخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضعه في حجره فبكى فقال له عبد الرحمن اتبكي أو لم تكن نهيت عن البكاء فقال لا ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان ) الحديث قال الترمذي حسن فيجمع بين الأحاديث بحمل النهي عن البكاء مطلقا ومقيدا ببعد الموت على البكاء المفضي إلى ما لا يجوز من النوح والصراخ وغير ذلك والإذن به على مجرد البكاء الذي هو دمع العين وما لا يمكن دفعه من صوت وقد أرشد إلى هذا الجمع قوله ( زلكن نهيت عن صوتين ) الخ وقوله في حديث ابن عباس المتقدم ( أنه مهما كان من العين والقلب فمن الله عز و جل ومن الرحمة ) وقوله في حديث ابن عمر السابق ( أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ) فيكون معنى قوله ( لايبكين على هالك بعد اليوم ) وقوله ( فإذا وجب فلا تبكين باكية ) النهي عن البكاء الذي يصحبه شيء مما حرمه الشارع . وقيل أنه يجمع يأن الأذن بالبكاء قبل الموت والنهي عنه بعده ويرد بحديث أبي هريرة المذكور قريبا وبحديث عائشة الذي ذكره المصنف . وبحديث بريدة في قصة زيارته صلى الله عليه وآله وسلم لأمه . وبحديث جابر وابن عباس المذكورين في أول الباب وقيل إنه يجمع بحمل أحاديث النهي عن البكاء بعد الموت على الكراهية وقد تمسك بذلك الشافعي فحكي عنه كراهة البكاء بعد الموت والجمع الذي ذكرناه أولا هو الراجح : قوله ( قالوا وما الوجوب ) الخ في رواية لأحمد أن بعض رواة الحديث قالوا الوجوب إذا دخل قبره والتفسير المرفوع أصح وأرجح

باب النهي عن النياحة والندب وحمش الوجوه ونشر الشعر ونحوه والرخصة في يسير الكلام من صفة الميت

1 - عن ابن مسعود ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوة الجاهلية )

2 - وعن أبي بردة قال ( وجع أبو موسى وجعا فغشي عليه وراسه في حجر امرأة من أهله فصاحت امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد عليها شيئا فلما أفاق قال أنا برئ ممن بريء من الصالقة والحالقة والشاقة )

3 - وعن المغيرة بن شعبة قال ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أنه من نيح عليه يعذب بما نيح عليه )

4 - وعن عمر ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الميت يعذب ببكاء الحي ) وفي رواية ( ببعض بكاء أهله عليه )

5 - وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( إن الميت يعذب ببكاء أهله )

6 - وعن عائشة قالت ( إنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه )
- متفق على هذه الأحاديث . ولأحمد ومسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( الميت يعذب في قبره بما نيح عليه )

- قوله ( ليس منا ) أي من أهل سنتنا وطريقتنا وليس المراد به إخراجه من الدين وفائدة إيراد هذا اللفظ المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك كما يقول الرجل لولده عند معاتبته ليست منك ولست مني أي ما أنت على طريقتي . وحكى عن سفيان أنه كان يكره الخوض في تأويل هذه اللفظة ويقول ينبغي أن تمسك عن ذلك ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر وقيل المعني ليس على ديننا الكامل أي أنه خرج من فرع من فروع الدين وإن كان معه أصله حكاه ابن العربي قال الحافظ ويظهر لي إن هذا النفي يفسره التبرء الذي في حديث أبي موسى وأصل البراءة الإنفصال من الشيء وكأنه توعده بأن لا يدخله في شفاعته مثلا : قوله ( من ضرب الخدود ) خص الخد بذلك لكونه الغالب وإلا فضرب بقية الوجه مثله : قوله ( وشق الجيوب ) جمع جيب بالجيم وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس والمراد بشقه إكمال فتحه إلى آخره وهو من علامات السخط . قوله ( ودعا بدعوة الجاهلية ) أي من النياحة ونحوها وكذا الندبة كقولهم واجبلاه وكذا الدعاء بالويل والثبور كما سيأتي . قوله ( وجع ) بكسر الجيم : قوله ( في جحر امرأة من أهله ) الخ في رواية لمسلم ( أغمى على أبي موسى فأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنة ) ولأبي نعيم في المستخرج على مسلم ( أغمي على أبي موسى فصاحت امرأته بنت أبي دومة ) وذلك يدل على أن الصائحة أم عبد الله بنت أبي دومة واسمها صفية قاله عمر بن شبة في تاريخ البصرة . قوله ( أنا برئ ) قال المهلب أي ممن فعل ذلك الفعل ولم يرد يفيه عن الإسلام والبراءة الأنفصال كما تقدم . قوله ( الصالقة ) بالصاد المهملة والقاف أي التي ترفع صوتها بالبكاء ويقال فيه بالسين بدل الصاد . ومنه قوله تعالى { سلقوكم بألسنة حداد } وعن ابن الأعرابي الصلق ضرب الوجه والأول أشهر قوله ( والحالقة ) هي التي تحلق شعرها عند المصيبة . قوله ( والشاقة ) هي التي تشق ثوبها : ولفظ مسلم ( أنا برئ ممن حلق وصلق وخرق ) أي حلق شعره وصلق صوته أي رفعه وخرق ثوبه ( والحديثان ) يدلان على تحريم هذه الأفعال لأنها مشعرة بعدم الرضا بالقضاء . قوله ( من نيح عليه يعذب بما ينح عليه ) ظاهره وظاهر حديث عمر وابنه المذكورين بعده إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر هذه الأحاديث جماعة من السلف منهم عمر وابنه . وروى عن أبي هريرة أنه رد هذه الأحاديث وعارضها بقوله { ولا تزر وازرة وزر أخرى } وروى عنه أبو يعلى أنه قال تالله لئن انطلق رجل مجاهد في سبيل الله فاستشهد فعمدت امراته سفها وجهلا فبكت عليه ليعذبن هذا الشهيد بذنب هذه السفيهة . وإلى هذا جنح جماعة من الشافعية منهم الشيخ أبو حامد وغيره وذهب جمهور العلماء إلى تأويل هذه الأحاديث لمخالفتخا للعمومات القرآنية وإثباتها لتعذيب من لا ذنب له واختلفوا في التأويل فذهب جمهورهم كما قال النووي إلى تأويلها بمن أوصى بأن يبكي عليه لأنه بسببه ومنسوب إليه قالوا وقد كان ذلك من عادة العرب كما قال طرفة بن العبد
إذا مت فابكيني بما أنا أهله ... وشقي علي الجيب ما أم معبد
قال في الفتح واعترض بأن التعذيب بسبب الوصية يستحق بمجرد صدور الوصية والحديث دال على أنه إنما يقع عند الأمتثال والجواب أنه ليس في السياق حصر فلا يلزم من وقوعه عند الأمتثال إن لا يقع إذا لم يمتثلوا مثلا انتهى . ومن التأويلات ما حكاه الخطابي إن المراد أن مبدأ عذاب الميت يقع عند بكاء أهله عليه وذلك أن شدة بكائهم غالبا إنما تقع عند دفنه وفي تلك الحال يسئل ويبتدأ به عذاب القبر فيكون معنى الحديث على هذا إن الميت يعذب حال بكاء أهله عليه ولا يلزم من ذلك أن يكون بكاؤهم سببا لتعذيبه قال الحافظ ولا يخفى ما فيه من التكلف ولعل قائله أخذه من قوله عائشة ( إنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه ليعذب الميت بمعصية أو بذنبه وأن أهله ليبكون عليه الآن ) أخرجه مسلم . ومنها ماجزم به القاضي أبو بكر بن الباقلاني وغيره أن الراوي سمع بعض الحديث ولم يسمع بعضه وإن اللام في الميت لمعهود معين واحتجوا بما أخرجه مسلم من حديث عائشة أنها قالت ( يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما أنه لم يكذب ولكن نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على يهودية ( فذكرت الحديث . وأخرج البخاري نحوه عنها . ومنها أن ذلك يختص بالكافر دون المؤمن واستدل لذلك بحديث عائشة المذكور في الباب قال في الفتح وهذه التأويلات عن عائشة متخالفة وفيها إشعار بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر بل بما استشعرت من معارضة القرآن . وقال القرطبي انكار عائشة ذلك وحكمها على الراوي بالتخطئة والنسيان وعلى أنه سمع بعضا أو لم يسمع بعضا بعيد لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون وهم جازمون فلا وجه للنفي مع امكان حمله على محمل صحيح . ومنها أن ذلك يقع لمن أهمل نهي أهله عن ذلك وهو قول داود وطائفة قال ابن المرابط إذا علم المرء ما جاء في النهي عن النوح وعرف إن أهله من شأنهم أن يفعلوا ذلك ولم يعلمهم بتحريمه ولا زجرهم عن تعاطيه فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرده . ومنها أنه يعذب بسبب الأمور التي يبكيه أهله بها ويندبونه لها فهم يمدحونه بها وهو يعذب بصنيعه وذلك كالشجاعة فيما لا يحل والرياسة المحرمة وهذا اختيار ابن حزم وطائفة واستدل بحديث ابن عمر المتقدم بلفظ ( ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه ) وقد رجح هذا الإسماعيلي وقال قد كثر كلام العلماء في هذه المسألة وقال كل فيها باجتهاده على حسب ما قدر له ومن أحسن ما حضرني وجه لم أرهم ذكروه وهو أنهم كانوا في الجاهلية يغزون ويسبون ويقتلون وكان أحدهم إذا مات بكته باكيته بتلك الأفعال المحرمة فمعنى الخبر أن الميت يعذب بذلك الذي يبكي عليه أهله به لأن الميت يندب بأحسن أفعاله وكانت محاسن أفعالهم ما ذكر وهي زيادة ذنب في ذنوبه يستحق عليها العقاب . ومنها أن معنى التعذيب توبيخ الملائكة بما يندبه أهله ويدل على ذلك حديث أبي موسى وحديث النعمان بن بشير الآتيان . ومنها أن معنى التعذيب تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة وغيرها وهذا اختيار أبي جعفر الطبري ورجحه ابن المرابط وعياض ومن تبعه ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين واستدلوا لذلك بما أخرجه ابن أبي خيثمة وابن أبي شيبة والطبراني وغيرهم من حديث قيلة بفتح القاف وسكون الباء التحتية وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ( فو الذي نفس محمد بيده ان أحدكم ليبكي فيستعير إليه صويحبه فياعباد الله لا تعذبوا موتاكم ) قال الحافظ وهو حسن الإسناد . وأخرج أبو داود والترمذي أطرافا منه قال الطبري ويؤيد ما قال أبو هريرة أن أعمال العباد تعرض على أقربائهم من موتاهم ثم ساقه بإسناد صحيح وقدوهم المغربي في شرح بلوغ المرام فجعل قول أبي هريرة هذا حديثا وصحف الطبري بالطبري . ومن أدلة هذا التأويل حديث النعمان بن بشير الآتي وكذلك حديث أبي موسى لما فيهما من أن ذلك يبلغ الميت
قال ابن المرابط حديث قيلة نص في المسألة فلا يعدل عنه . واعترضه ابن رشيد فقال ليس نصا وإنما هو محتمل فإن قوله يستعبر إليه صويحبه ليس نصا في أن المراد به الميت بل يحتمل أن يراد به صاحبه الحي وإن الميت حينئذ يعذب ببكاء الجماعة عليه قال في الفتح ويحتمل أن يجمع بين هذه التأويلات فينزل على اختلاف الأشخاص بأن يقال مثلا من كان طريقته النوح فمشى أهله على طريقته أو بالغ فأوصاهم بذلك عذب بصنيعه ومن كان ظالما فندب بأفعاله الجائرة عذب بما ندب به ومن كان يعرف من أهله النياحة وأهمل نهيهم عنها فإن كان راضيا بذلك التحق بالأول وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ كيف أهمل النهي ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن المعصية ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربهم عز و جل . قال وحكى الكرماني تفصيلا آخر وحسنه وهو التفرقة بين حال البرزخ وحال يوم القيامة فيحمل قوله { ولا تزر وازة وزر أخرى } على يوم القيامة وهذا الحديث وما أشبهه على البرزخ انتهى . وأنت خبير بأن الآية عامة لأن الوزر المذكور فيها واقع في سياق النفي والأحاديث المذكورة في الباب مشتملة على وزر خاص و تخصيص العمومات القرآنية بالأحاديث الآحادية هو المذهب المشهور الذي عليه الجمهور فلا وجه لما وقع من رد الأحاديث بهذا العموم ولا ملجئ إلى تجشم المضايق لطلب التأويلات المستبعدة باعتبار الآية . وأما ما روته عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ذلك في الكافر أو في يهودية معينة فهو غير مناف لرواية غيرها من الصحابة لأن روايتهم مشتملة على زيادة والتنصيص على بعض أفراد العام لا يوجب نفي الحكم عن بقية الأفراد لما تقرر في الأصول من عدم صحة التخصيص بموافق العام والأحاديث التي ذكر فيها تعذيب مختص بالبرزخ أو بالتألم أو بالأستعبار كما في حديث قيلة لا تدل على اختصاص التعذيب المطلق في الأحاديث بنوع منها لان التنصيص على ثبوت الحكم لشيء بدون مشعر بالأختصاص به لا ينافي ثبوته لغيره فلا اشكال من هذه الحيثية وإنما الإشكال في التعذيب بلا ذنب وهو مخالف لعدل الله وحكمته على فرض عدم حصول سبب من الأسباب التي يحسن عندها في مقتضى الحكمة كالوصية من الميت بالنوح واهمال نهيهم عنه والرضا به وهذا يؤل إلى مسألة التحسين والتقبيح والخلاف فيها بين طوائف المتكلمين معروف ونقول ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فسمعنا وأطعنا ولا نزيد على هذا ( واعلم ) ان النووي حكى اجماع العلماء على اختلاف مذاهبهم أن المراد بالبكاء الذي يعذب الميت عليه هو البكاء بصوت ونياحة ولا بمجرد دمع العين

7 - وعن أبي مالك الأشعري ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة وقال النائحة إذا لم تتب قبل موتها يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب )
- رواه أحمد ومسلم

8 - وعن أبي موسى ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة واعضداه واناصراه واكاسباه جبذ الميت وقيل له أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسبها )
- رواه أحمد . وفي لفظ ( ما من ميت يموت فيقوم باكيه فيقول واجبلاه واسنداه أو نحو ذلك الا وكل به ملكان يلهزانه أهكذا كنت ) . رواه الترمذي

9 - وعني النعمان بن بشير قال ( أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي واجبلاه وا كذا وا كذا تعدد عليه فقال حين أفاق ما قلت شيئا إلا قيل لي أنت كذلك فلما مات لم تبك عليه )
- رواه البخاري

- حديث أبي موسى رواه أيضا الحاكم وصححه وحسنه الترمذي . وحديث النعمان أخرجه البخاري في المغازي من صحيحه وأخرجه أيضا مسلم . قوله ( والطعن في الأنساب ) هوت من المعاصي التي يتساهل فيها العصاة . وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت ) وقد اختلف في توجيه اطلاق الكفر على من فعل هاتين الخصلتين . قال النووي فيه أقوال أصحها أن معناها من أعمال الكفار وأخلاق الجاهلية والثاني أنه يؤدي إلى الكفر . والثالث كفر النعمة والأحسان . والرابع أن ذلك في المستحل انتهى . قوله ( والاستسقاء بالنجوم ) هو قول القائل مطرنا بنوء كذا أو سؤال المطر من الأنواء فإن كان ذلك على جهة اعتقاد أنها المؤثرة في نزول المطر فهو كفر . وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول الله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فاما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ) واخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن هذه الأربع لا تتركها امته من علامات نبوته فانها باقية فيهم على تعاقب العصور وكرور الدهور لا يتركها من الناس إلا النادر القليل ) : قوله ( الميت يعذب ببكاء الحي ) قد تقدم الكلام عليه . قوله ( واعضداه ) الخ أي أنه كان لها كالعضد وكان لها ناصرا وكاسبا وكان لها كالجبل تأوي إليه عند طروق الحوادث فتعتصم به ومستندا تستند إليه في أمورها . قوله ( يلهزانه ) أن يلكزانه ( وهذه الأحاديث ) تدل على تحريم النياحة وهو مذهب العلماء كافة كما قال النووي إلا ما يروى عن بعض المالكية فإنه قال النياحة ليست بحرام واستدل بما أخرجه مسلم عن أم عطية قالت ( لما نزلت هذه الآية { يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يعصينك في معروف } قالت كان منه النياحة قالت فقلت يا رسول الله الا آل فلان فإنهم كانوا اسعدوني في الجاهلية فلا بد لي من أن أسعدهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا آل فلان ) وغاية ما فيه الترخيص لام عطية في آل فلان خاصة فما الدليل على حل ذلك لغيرها في غير آل فلان . وللشارع أن يخص من العموم ما شاء وقد استشكل القاضي عياض هذا الحديث ولا مقتضى لذلك فإن للشارع ان يخص من شاء بما شاء . وقد ورد لعن النائحة والمستمعة من حديث أبي سعيد عند أحمد ومن حديث ابن عمر عند الطبراني والبيهقي . ومن حديث أبي هريرة عند ابن عدي قال الحفظ في التلخيص وكلها ضعيفة . وأخرج مسلم من حديث أم عطية أيضا قالت ( أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع البيعة أن لا ننوح فما وفت منا امرأة إلا خمس فذكرت منهن ام سليم وأم العلاء وابنة أبي سبرة وأمرأة معاذ وثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه أمر رجلا أنه ينهي نساء جعفر عن البكاء كما في البخاري ومسلم والمراد بالبكاء ههنا النوح كما تقدم

10 - وعن أنس قال ( لما ثقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة واكرب أبتاه فقال ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت يا أبتاه اجاب ربادعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل ننعاه فلما دفن قالت فاطمة أطابت أنفسكم ان تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التراب )
- رواه البخاري

11 - وعن أنس ( ان أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته فوضع فمه بين عينيه ووضع يديه على صدغيه وقال وا نبياه وا خليلاه وا صفياه )
- رواه أحمد

- قوله في حديث أنس الأول ( واكرب أبتاه ) قال في الفتح في هذا نظر وقد رواه مبارك بن فضالة عن ثابت بلفظ ( واكرباه ) قوله ( أطابت أنفسكم ) قال في الفتح ولسا حال أنس لم تطب أنفسنا لكن قهرناها امتثالا لأمره . وقد قال أبو سعيد ما نفضنا أيدينا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا . مثله عن أنس يريد ان تغيرت عما عهدنا من الألفة والصفاء والرقة لفقدان ما كان يمدهم به من التعليم . ويؤخذ من قوله فاطمة الخ جواز ذكر الميت بما هو متصف به إن كان معلوما قال الكرماني وليس هذا من نوح الجاهلية من الكذب ورفع الصوت وغيره إنما هو ندبة مباحة انتهى . وعلى فرض صدق اسم النوح الشارع مثل هذا فليس في فعل فاطمة وأبي بكر دليل على جواز ذلك لأن الصحابي لا يصلح للحجية كما تقرر في الأصول . ويحمل ما وقع منهما على أنهما لم يبلغهما أحاديث النهي عن ذلك الفعل ولم ينقل أن ذلك وقع منهما بمحضر جميع الصحابة حتى يكون كالإجماع منهم على الجواز لسكوتهم عن الأنكار والأصل أيضا عدم ذلك

باب الكف عن ذكر مساوي الأموات

1 - عن عائشة قالت ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تسبوا الأموات فأنهم قد أفضوا إلى ما قدموا )
- رواه أحمد والبخاري والنسائي

2 - وعن ابن عباس ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا )
- رواه أحمد والنسائي

- حديث ابن عباس أخرجه عنه بمعناه الطبراني في الأوسط بإسناد فيه صالح بن نبهان وهو ضعيف وأخرج نحوه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث سهل بن سعد والمغيرة : قوله ( لا تسبوا الأموات ) ظاهره النهي عن سب الأموات على العموم وقد خصص هذا العموم بما تقدم في حديث أنس وغيره أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم عند ثنائهم بالخير والشر ( وجبت أنتم شهداء الله في أرضه ) ولم ينكر عليهم . وقيل أن اللام في الأموات عهدية والمراد بهم المسلمون لأن الكفار مما يتقرب إلى الله عز و جل بسبهم ويدل على ذلك قوله في حديث ابن عباس المذكور ( لا تسبوا أموالنا ) وقال القرطبي في الكلام على حديث وجبت أنه يحتمل أجوبة الأول أن الذي كان يحدث عنه بالسر مستظهرا به فيكون من باب لا غيبة لفاسق أو كان منافقا أو يحمل النهي على ما بعد الدفن والجواز على ما قبله ليتعظ به ويسمعه أو يكون هذا النهي العام متأخرا فيكون ناسخا . قال الحافظ وهذا ضعيف . وقال أبو رشيد ما محصله أن السب يكون في حق الكافر وفي حق المسلم أما في حق الكافر فيمتنع إذا تأذى به الحي المسلم وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك كأن يصير من قبيل الشهادة عليه وقد يجب في بعض المواضع وقد تكون مصلحة للميت كمن علم أنه أخذ مالا بشهادة زور ومات الشاهد فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم من بيده المال يرده إلى صاحبه والثناء على الميت بالخير والشر من باب الشهادة لا من باب السب انتهى . والوجه تبقية الحديث على عمومه إلا ما خصه دليل كالثناء على الميت بالشر وجرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا لإجماع العلماء على جواز ذلك وذكر ذلك مساوي الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم . قال ابن بطال سب الأموات يجري مجرى الغيبة فإن كان أغلب الأحوال المرء الخير وقد تكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له وكذلك الميت انتهى . ويتعقب بأن ذكر الرجل بما فيه حال حياته قد يكون لقصد زجره وردعه عن المعصية أو لقصد تحذير الناس منه وتنفيرهم وبعد موته قد أفضي إلى ما قدم فلا سواء وقد عملت عائشة رواية هذا الحديث بذلك في حق ن استحق عندها اللعن فكانت تلعنه وهو حي فلما مات تركت ذلك ونهت عن لعنه كما روي ذلك عنها عمر بن شبة في كتاب أخبار البصر ورواه ابن حبان من وجه آخر وصححه والمتحري لدينه في اشتغاله بعيوب نفسه ما يشغله عن نشر مثالب الأموات وسب من لا يدري كيف حاله عند بارئ البريات ولا ريب أن تمزيق عرض من قدم على من قدم وجثا بين يدي من هو بما تكنه الضمائر أعلم مع عدم ما يحمل على ذلك من جرح أو نحوه أحموقة لا تقع ولا يصاب بمثلها متدين بمذهب ونسال الله السلامة بالحسنات ويتضاعف عند وبيل عقابها الحسرات . اللهم إغفر لنا لنا تفلتات اللسان والقلم في هذه الشعاب والهضاب وجنبنا عن سلوك هذه المسالك التي هي في الحقيقة مهالك ذوي الألباب . قوله ( فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ) أي وصلوا إلى ما عملوا من خير وشر والربط بهذه العلة من مقتضيات الحمل على العموم . قوله ( فتأذوا الأحياء ) أي فيتسبب عن سبهم أذية الأحياء من قرابتهم ولا يدل هذا على جواز سب الأموات منهي عنه للعلة المتقدمة ولكونه من الغيبة التي وردت الأحاديث بتحريمها فإن كان سببا لأذية الأحياء فيكون محرما من جهتين وإلا كان محرما من جهة : وقد أخرج أبو داود والترمذي عن ابن عمر قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذكروا محاسن أمواتكم وكفوا عن مساويهم ) وفي إسناده عمران بن أنس المكي وهو منكر الحديث كما قال البخاري ( وقال العقيلي لا يتابع على حديثه . وقال الكرابيسي حديثه ليس بالمعروف . وأخرج أبو داود عن عائشة قالت ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا مات صاحبكم فدعوه لا تقعوا فيه ) وقد سكت أبو داود والمنذري عن الكلام على هذا الحديث

باب استحباب زيارة القبور للرجال دون النساء وما يقال عند دخولها

1 - عن بريدة قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدج كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد بزيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة )
- رواه الترمذي وصححه

2 - وعن أبي هريرة قال ( زار النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال أستأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت )
- رواه الجماعة

- الحديث الأول أخرجه أيضا مسلم وأبو داود وابن حبان والحاكم والحديث الثاني عزاه المصنف إلى الجماعة بدون استثناء ولم أجده في البخاري ولا عزاه غيره إليه فينظر . وقد أخرجه أيضا الحاكم ( وفي الباب ) عن ابن مسعود عند ابن ماجه والحاكم وفي إسناده أيوب بن هانئ مختلف فيه . وعن أبي سعيد الخدري عند الشافعي وأحمد والحاكم . وعن أبي ذر عند الحاكم وسنده ضعيف . وعن علي بن أبي طالب عليه السلام عند أحمد . وعن عائشة عند ابن ماجه ( وهذه الأحاديث ) فيها مشروعية زيارة القبور وقد حكى الحازمي ( 1 ) والعبدري والنووي اتفاق أهل العلم على أن زيارة القبور للرجال جائزة . قال الحافظ كذا أطلقوه وفيه نظر لأن ابن أبي شيبة وغيره رووا عن ابن سيرين وابراهين النخعي والشعبي أنهم كرهوا ذلك مطلقا حتى قال الشعبي لولا نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لزرت قبر ابنتي فلعل من أطلق أراد بالاتفاق ما استقر عليه الأمر بعد هؤلاء وكأن هؤلاء لم يبلغهم الناسخ والله أعلم . وذهب ابن حزم إلى أن زيارة القبور واجبة ولو مرة واحدة في العمر لورود الأمر به وهذا يتنزل على الخلاف في الأمر بعد النهي هل يفيد الوجوب أو مجرد الإباحة فقط والكلام في ذلك مستوفي في الأصول . قوله ( فقد أذن لمحمد ) الخ فيه دليل على جواز زيارة قبر القريب الذي لم يدرك الإسلام . قال القاضي عياض سبب زيارته صلى الله عليه وآله وسلم في آخر الحديث ( فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت ) قوله ( فلم يؤذن لي ) فيه دليل على عدم جواز الاستغفار لمن مات على غير ملة الإسلام
_________
( 1 ) عقد الخزامي في كتابه الاعتبار لذلك بابا قال باب النهي عن زيارة القبور ثم الرخصة فيها وذكر الأحاديث الواردة في الباب ثم قال في آخر الباب وزيارة القبور مأذون فيها للرجال اتفق على ذلك أهل العلم قاطبة اه

3 - وعن أبي هريرة ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن زوارات القبور )
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه

4 - وعن عبد الله بن أبي ملكية ( أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها يا أم المؤمنين من أين أقبلت قالت من قبر أخي عبد الرحمن فقلت لها أليس كان نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن زيارة القبور قالت نعم كان نهى عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها )
- رواه الأثرم في سننه

- الحديث الأول أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه . والحديث الثاني أخرجه أيضا الحاكم وأخرجه أيضا ابن ماجه عن عائشة مختصرا ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص ي زيارة القبور ) ( وفي الباب ) عن حسان عند أحمد وابن ماجه والحاكم . وعن ابن عباس عند أحمد وأصحاب السنن والبزار وابن حبان والحاكم وي إسناده أبو صالح مولى أم هانئ وهو ضعيف ( وفي الباب ) أيضا أحاديث تدل على تحريم إتباع الجنائز للنساء فتحريم زيارة القبور تؤخذ منها بفحوى الخطاب منها عن ابن عمرو عند أبي داود والحاكم ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى فاطمة ابنته فقال فقال ما أخرجك من بيتك فقالت أتيت أهل هذا الميت فرحمت على ميتهم فقال لها فلعلك بلغت معهم الكدي قالت معاذ الله وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر فقال لو بلغت معهم الكدي فذكر تشديدا في ذلك فسألت ربيعة ما الكدي فقال القبور فيما أحسب ) وفي رواية لو بلغت معهم الكدي ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك ) قال الحاكم صحيح الإسناد على شرط الشيخين وم يخرجاه . قال ابن دقيق العيد وفيما قاله الحاكم عندي نظر فإن رواية ربيعة بن سيف لم يخرج له الشيخان في الصحيح شيئا فيما أعلم . وعن أم عطية عند الشيخين قالت ( نهينا عن إتباع الجنائز ولم يعزم علينا ) وعنها أيضا عند الطبراني وفيه ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهاهن أن يخرجن في جنازة ) وقد ذهب إلى كراهة الزيارة للنساء جماعة من أهل العلم وتمسكوا بأحاديث الباب واختلفوا في كراهة هل هي كراهة تحريم أو تنزيه وذهب الأكثر إلى الجواز إذا أمنت الفتنة واستدلوا بأدلة منها دخولهن تحت الإذن العام بالزيارة ويجاب عنه بأن الإذن العام مخصص بهذا النهي الخاص المستفاد من اللعن أما على مذهب الجمهور فمن غير فرق بين تقدم العام وتأخره ومقارنته وهو الحق . وأما على مذهب البعض القائلين بأن العام المتأخر ناسخ فلا يتم الاستدلال به إلا بعد معرفة تأخره . ومنها ما رواه مسلم عن عائشة قالت ( كيف أقول يا رسول الله إذا زرت القبور قال قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين ) الحديث . ومنها ما أخرجه البخاري ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بامرأة تبكي عند قبر فقال اتقي الله واصبري قالت إليك عني ) الحديث ولم ينكر عليها الزيارة . ومنها ما رواه الحاكم ( أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده ) قال القرطبي اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك وقد يقال إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لهن لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء انتهى . وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر

5 - وعن أبي هريرة ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى المقبرة فقال السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون )
- رواه أحمد ومسلم والنسائي . ولأحمد من حديث عائشة مثله وزاد ( اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم )

6 - وعن بريدة قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية )
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه

- حديث عائشة أخرجه أيضا مسلم بلفظ ( قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ) وأخرج أيضا عنها أنها قالت ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلما كان ليلتها منه يخرج إلى البقيع من آخر الليل فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما تدعون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ) قوله ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين ) دار قوم منصوب على النداء أي يا أهل فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وقيل منصوب على منصوب على الاختصاص قال صاحب المطالع ويجوز جره على البدل من الضمير في عليكم . قال الخطابي إن اسم الدار يقع على المقابر قال وهو صحيح قغن الدار في اللغة تقع على الربع المسكون وعلى الخراب غير المأهول : قوله ( وأنا إن شاء الله بكم لاحقون ) التقييد بالمشيئة على سبيل التبرك وامتثال قول الله تعالى { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا إن يشاء الله } وقيل المشيئة عائدة إلى الكون معهم في تلك التربة وقيل غير ذلك ( والأحاديث ) فيها دليل على استحباب التسليم على أهل القبور والدعاء لهم بالعافية . قال الخطابي وغيره إن السلام على الأموات والأحياء سواء في تقديم السلام على عليكم بخلاف ما كانت الجاهلية عليه كقولهم
عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما

باب ما جاء في الميت ينقل أو ينبش لغرض صحيح

1 - عن جابر ( قال أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن أبي بعد ما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه ) وفي رواية ( أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته فأمر به أخرج فوضعه على ركبتيه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه فالله أعلم وكان كسا عباسا قميصا قال سفيان فيرون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألبس عبد الله قميصه مكافأة بما صنع )
- رواهما البخاري

2 - وعن جابر قال ( أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم وكانوا نقلوا إلى المدينة )
- رواه الخمسة وصححه الترمذي

3 - وعن جابر قال ( دفن مع أبي رجل فلم تطب نفسي حتى أخرجته فجعلته في قبر على حدة )
- رواه البخاري والنسائي . ولمالك في الموطأ أنه سمع غير واحد يقول إن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ماتا بالعقيق فحملا إلى المدينة ودفنا بها . ولسعيد في سننه عن شريح بن عبيد الحضرمي إن رجالا قبروا صاحبا لهم لم يغسلوه ولم يجدوا له كفنا ثم لقوا معاذ ابن جبل فأخبروه فأمرهم أن يخرجوه فأخرجوه من قبره ثم غسل وكفن وحنط ثم صلى عليه

- قوله ( عبد الله بن أبي ) يعني ابن سلول وهو راس المنافقين ورئيسهم : قوله ( بعد ما دفن ) كان أهل عبد الله بن أبي بادروا إلى تجهيزه قبل وصول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما وصل وجدهم قد دلوه في حفرته فأمر بإخراجه وفيه دليل على جواز إخراج الميت من قبره إذا كان في ذلك مصلحة له من زيادة البركة عليه ونحوها . قوله ( فالله أعلم ) لفظ البخاري والله أعلم بالواو وكأن جابرا التبست عليه الحكمة في صنعة صلى الله عليه وآله وسلم بعبد الله ذلك بعد ما تبين نفاقه : قوله ( وكان لما أتى بالأساري وأتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب فوجدوا قميص عبد الله بن أبي فكساه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إياه فلذلك البسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قميصه هكذا ساقه البخاري في الجهاد فيمكن أن يكون هذا هو السبب في إلباسه صلى الله عليه وآله وسلم قميصه ويمكن أن يكون السبب ما أخرجه البخاري أيضا في الجنائز أن ابن عبد الله المذكور ( قال يا رسول الله ألبس أبي قميصك الذي يلي جلدك ) وفي رواية أنه قال ( أعطني قميصك أكفنه فيه ) ويمكن أن يكون السبب هو المجموع للسؤال والمكافأة ولا مانع من ذلك : قوله وكانوا نقلوا إلى المدينة فيه جواز إرجاع الشهيد إلى الموضع الذي اصيب فيه بعد نقله منه وليس في هذا أنهم كانوا قد دفنوا بالمدينة ثم أخرجوا من القبور ونقلوا : قوله ( فلم تطب نفسي ) فيه دليل على أنه يجوز نبش الميت لأمر يتعلق بالحي لأنه لا ضرر على الميت في دفن ميت آخر معه وقد بين جابر ذلك بقوله فلم تطب نفسي ولكن هذا إن ثبت إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذن له بذلك أو قروه عليه وإلا فلا حجة في فعل الصحابي والرجل الذي دفن معه هو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام الأنصاري وكان صديق والد جابر وزوج أخته هند عمرو . وروى ابن إسحاق في المغازي ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال اجمعوا بينهما فإنهما كانا متصادقين في الدنيا ) قوله ( حتى أخرجته ) في لفظ للبخاري ( فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته غير هنية في أذنه ) وظاهر هذا يخالف ما في الموطأ عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمر بن الجموح وعبد الله بن عمرو يعني والد جابر الأنصاريين كانا قد حفر السيل قبرهما وكانا في قبر واحد فحفر عنهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة . وقد جمع ابن عبد البر بينهما بتعدد القصة . قال في الفتح وفيه نظر لأن الذي في حديث جابر أنه دفن أباه في قبر وحده بعد ستة أشهر . وفي حديث الموطأ أنهما وجدا في قبر واحد بعد ست وأربعين سنة فأما إن يكون المراد بكونهما في قبر واحد قرب المجاورة أو أن السيل خرق أحد القبرين فصارا كقبر واحد . وقد أخرج نحو ما ذكره في الموطأ ابن إسحاق في المغازي وابن سعد من طريق أبي الزبير عن جابر بإسناد صحيح . ومعنى قوله ( فحملا إلى المدينة ) فيه جواز نقل الميت من الموطن الذي مات فيه إلى موطن آخر يدفن فيه والأصل الجواز فلا يمنع من ذلك إلا بدليل : قوله ( فأمرهم أن يخرجوه ) الخ فيه أنه يجوز نبش الميت لغسله وتكفينه والصلاة عليه وهذا وإن كان قول صاحبي ولا حجة فيه ولكن جعل الدفن مسقطا لما علم من وجوب غسل الميت أو تكفينه أو الصلاة عليه محتاج إلى دليل ولا دليل

كتاب الزكاة

- الزكاة في اللغة النماء يقال زكا الزرع إذا نما وترد وأيضا بمعنى التطهير وترد شرعا بالاعتبارين معا أما بالأول فلأن إخراجها سبب للنماء في المال أو بمعنى أن الأجر يكثر بسببها أو بمعنى أن تعلقها بالأموال ذات النماء كالتجارة والزراعة . ودليل أول ( ما نقص مال من صدقة ) وأما الثاني فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل وطهرة من الذنوب ( 1 ) قال في الفتح وهي الركن الثالث من الأركان التي بني افسلام عليها . قال أبو بكر ابن العربي تطلق الزكاة على الصدقة الواجبة والمندوبة والنفقة والعفو والحق . وتعريفها في الشرع إعطاء جزء من النصاب إلى فقير ونحوه غير متصف بمانع شرعي يمنع من الصرف عليه . ووجوب الزكاة أمر مقطوع به في الشرع يستغني عن تكلف الاحتجاج له وإنما وقع الاختلاف في بعض فروعها فيكفر جاحدها . وقد اختلف في الوقت الذي فرضت فيه فالأكثر أنه بعد الهجرة . وقال ابن خزيمة أنها فرضت قبل الهجرة . واختلف الأولون فقال النووي إن ذلك كان في السنة الثانية من الهجرة . وقال ابن الأثير في التاسعة قال في الفتح وفيه نظر لأنها ذكرت في حديث ضمام ابن ثعلبة وفي حديث وفد عبد القيس وفي عدة أحاديث وكذا في مخاطبة أبي سفيان مع هرقل وكانت في أول السابعة وقال فيها يأمرنا بالزكاة . وقد أطال الكلام على هذا في أوائل كتاب الزكاة من الفتح فليرجع إليه
_________
( 1 ) قال الإمام النووي وسميت في الشرع زكاة لوجود المعنى اللغوي فيها . وقيل لأنها تزكي صاحبها وتشهد بصحة إيمانه كما سبق في قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( والصدقة برهان ) قالوا وسميت صدقة لأنها دليل لتصديق صاحيها وصحة إيمانه بظاهره وباطنه : اه وقوله لوجود المعنى اللغوي فيها هو النماء . وقد شاهدنا ذلك حسا ومعنى فعلى محبي كثرة الأموال وزيادتها وتضاعفها أضعافا كثيرة أن يخرجوا زكاة أموالهم ولا يبخلوا بها فإنه مضرة عليهم في الدنيا بتسليط أنواع الهلاك عليها وفي الآخرة بتكثير صنوف العقاب عليهم والله أعلم

باب الحث عليها والتشديد في منعها

1 - عن ابن عباس ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإ هم أطاعوك لذلك فاعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب )
- رواه الجماعة

- قوله ( لما بعث معاذا ) كان بعثه سنة عشر قبل حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكره البخاري في أواخر المغازي . وقيل كان ذلك في سنة تسع عند منصرفه من تبوك رواه الواقدي بإسناده إلى كعب بن مالك وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات عنه ثم حكى ابن سعد أنه كان ربيع الآخر سنة عشر وقيل بعثه عام الفتح سنة ثمان واتفقوا على أنه لم يزل باليمن إلى أن قدم في عهد أبي بكر ثم توجه إلى الشام فمات بها واختلف هل كان واليا أو قاضيا فجزم ابن عبد البر بالثاني والغساني بالأول : قوله ( تأتي قوما من أهل الكتاب ) هذا كالتوطئة للوصية لتستجمع همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة فلا يكون في مخاطبتهم كمخاطبته الجهال من عبدة الأوثان قوله ( فادعهم ) الخ إنما وقعت البداة بالشهادتين لأنهما أصل الدين الذي لا يصح بشيء غيرهما فمن كان منهم موحد فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين ومن كان موحد فالمطالبة له بالجمع بينهما ؟ قوله ( فإن هم أطاعوك ) الخ استدل به على أن الكفار غير مخاطبين بالفروع حيث دعوا أولا إلى الأيمان فقط ثم دعوا إلى العمل وتب ذلك عليه بالفاء وتعقب بأن مفهوم الشرط مختلف في الأحتجاج به وبأن الترتيب في الدعوة لا يستلزم الترتيب في الوجوب كما أن الصلاة والزكاة لا ترتيب بينهما في الوجوب وقد قدمت احداهما على الأخرى في هذا الحديث ورتبت الأخرى عليها بالفاء : قوله ( خمس صلوات ) استدل به على أن الوتر ليس بفرض وكذلك تحية المسجد وصلاة العيد وقد تقدم البحث عن ذلك : قوله ( فإن هم أطاعوك لذلك ) قال ابن دقيق العيد يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد إن هم أطاعوك بالأقرار بوجوبها عليهم والتزامهم بها والثاني أن يكون المراد الطاعة بالفعل وقد رجح الأول بأن المذكور هو الأخبار بالفريضة فتعود الأشارة إليها ويرجح الثاني لو أخبروا بالفريضة فبادروا إلى الأمتثال بالفعل لكفى ولم يشترط التلفظ بخلاف الشهادتين فالشرط عدم الأنكار والأذعان للوجوب . وقال الحافظ المراد القدر المشترك بين الأمرين فمن امتثل بالأقرار وبالفعل كفاه أو بهما فأولى وقد وقع في رواية الفضل بن العلاء بعد ذكر الصلاة فإذا صلوا وبعد ذكر الزكاة فإذا أقروا بذلك فخذ منهم قوله صدقة زاد البخاري في رواية في أموالهم وفي رواية له أخرى افترض عليهم زكاة في أموالهم : قوله ( تؤخذ من أغنيائهم ) استدل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها أما بنفسه وأما بنائبه فمن امتنع منهم أخذت منه قهرا : قوله ( على فقرائهم ) استدل به لقول مالك وغيره أنه يكفي إخراج الزكاة في صنف واحد وفيه بحث كما قال ابن دقيق العيد لاحتمال أن يكون ذكر الفقراء لكونهم الغالب في ذلك وللمطابقة بينهم وبين الأغنياء . قال الخطابي وقد يستدل به من لا يرى على المديون زكاة إذا لم يفضل من الدين الذي عليه قدر نصاب لأنه ليس بغني إذا اخراج ماله مستحق لغرمائه : قوله ( فاياك وكرائم أموالهم ) كرائم منصوب بفعل مضمر لا يجوز اظهاره والكرائم جمع كريمة أي نفيسة ( وفيه دليل ) على أنه لا يجوز للمصدق أخذ خيار المال لأن الزكاة لمواساة الفقراء فلا يناسب ذلك الاجحاف بالمالك إلا برضاه : قوله ( واتق دعوة المظلوم ) فيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ كرائم الأموال الإشارة إلى أن أخذها ظلم قوله حجاب أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع والمراد أنها مقبولة وإن كان عاصيا كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا ( دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجر اففجره على نفسه ) قال الحافظ وإسناده حسن وليس المراد إن لله تعالى حجابا يحجبه عن الناس . قال المصنف رحمه الله بعد أن ساق الحديث وقد احتج به على وجوب صرف الزكاة في بلدها واشتراط إسلام الفقير وأنها تجب في مال الطفل الغني عملا بعمومه كما تصرف فيه مع الفقر انتهى . وفيه أيضا دليل على بعث السعاة وتوصية الامام عامله فيما يحتاج إليه من الأحكام وقبول خبر الواحد ووجوب العمل به وايجاب الزكاة في مال المجنون للعموم أيضا وان من ملك نصابا لا يعطى من الزكاة من حيث أنه جعل ان المأخوذ منه غنى وقابله بالفقير وإن المال إذا تلف قبل التمكن من الأداء سعطت الزكاة لاضافة الصدقة إلى المال . وقد استشكل عدم ذكر الصوم والحج في الحديث مع ان بعث معاذ كان في آخر الأمر كما تقدم وأجاب ابن الصلاح بأن ذلك تقصير من بعض الرواة وتعقب بأنه يفضي إلى ارتفاع الوثوق بكتير من الأحاديث النبوية لاحتمال الزيادة والنقصان وأجاب الكرماني بان اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر ولهذا كررا في القرآن فمن ثم لم يذكر الصوم والحج في هذا الحديث مع أنهما من أركان الإسلام وقيل إذا كان الكلام في بيان الأركان لم يخل الشارع منه بشيء كحديث ( بني الإسلام على خمس ) فإذا كان في الدعاء على الإسلام اكتفى بالاركان الثلاثة الشهادة والصلاة والزكاة ولو كان بعد وجود فرض الحج والصوم لقوله تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة } مع أن نزولها بعد فرض الصوم والحج

2 - وعن أبي هريرة قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من صاحب كنز لا يؤدى زكاته الا أحمى عليه في نار جهنم صفائح فتكوى بها جنباه وجبهته حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت تستن عليه كلما مصى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وما من صاحب غنم لا يؤدى زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت فتطؤه باظلافها وتنطحه بقرونها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار قالوا فالخيل يا رسول الله قال الخير في نواصيها أو قال الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الخيل ثلاثة هي لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر فأما التي هي له أجر فالرجل يتخذها في سبيل الله ويعدها له فلا تغيب شيئا في بطونها إلا كتب الله له أجرا ولورعاها في مرج فما أكلت من شيء إلا كتب الله له أجرا ولو سقاها من نهر كان له بكل قطرة تغيبها في بطونها أجر حتى ذكر الأجر في أبوالها وأرواثها ولو استنت شرفا أو شرفين كتب له بكل خطوة تخطوها أجر وأما الذي هي له ستر فالرجل يتخذها تكرما وتجملا ولا ينسى حق ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها وأما التي هي عليه وزر فالذي يتخذها أشرا وبطرا أو بذخا ورياء الناس فذلك الذي هي عليه وزر قالوا فالخمر يا رسول الله قال ما أنزل الله علي فيها شيئا إلا هذه الآية الجامعة الفاذة من يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شر يره )
- رواه أحمد ومسلم

- قوله ( ما من صاحب كنز ) قال الإمام أبو جعفر الطبري الكنز كل شيء مجموع بعضه على بعض سواء كان في بطن الأرض أو في ظهرها قال صاحب العين وغيره وكان مخزونا . قال القاضي عياض اختلف السلف في المراد بالكنز المذكور في القرآن وفي الحديث فقال أكثرهم هو كل مال وجب فيه صدقة الزكاة فلم تؤد فأما مال أخرجت زكاته فليس بكنز وقيل الكنز هو المذكور ع أهل اللغة ولكن الآية منسوخة بوجوب الزكاة وقيل المراد بالآية أهل الكتاب المذكورون قبل ذلك وقيل كل ما زاد على أربعة آلاف فهو كنز وان أديت زكاته وقيل هوت ما فضل عن الحاجة ولعل هذا كان في أول الإسلام وضيق الحال واتفق أئمة الفتوى على القول الأول لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لا تؤدى زكاته ) وفي صحيح مسلم ( من كان عنده مال لم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع ) وفي آخره ( فيقول أنا كنزك ) وفي لفظ لمسلم يدل قوله ( ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته ) ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى منهما حقهما ) . قوله ( ثم يرى سبيله ) قال النووي هو بضم الياء التحتية من يرى وفتحها وبرفع لام سبيله ونصبها : قوله ( إلا بطح لها بقاع قرقر ) القاع المستوى الواسع في سوى من الأرض قال الهروي وجمعه قيعة وقيعان مثل جار وجيرة وجيران . والقرقر بقافين مفتوحتين وراءين أولهما ساكنة المستوي أيضا من الأرض الواسع . والبطح قال جماعة من أهل اللغة معناه الإلقاء على الوجه قال القاضي عياض وقد جاء في رواية للبخاري تخبط وجهه باخفافها قال وهذا يقتضي أنه ليس من شرط البطح أن يكون على الوجه وإنما هو في اللغة بمعنى البسط والمد فقد يكون على وجهه وقد يكون على ظهره ومنه سميت بطحاء مكة لإنبساطها : قوله ( كأوفر ما كانت ) يعني لا يفقد منها شيء . وفي رواية لمسلم ( أعظم ما كانت ) قوله ( تستن عليه ) أي تجري عليها وهو بفتح الفوقية وسكون السين المهملة بعدها فوقية مفتوحة ثم نون مشددة : قوله ( كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها ) وقع في رواية لمسلم ( كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها ) قال القاضي عياض وهو تغيير وتصحيف وصوابه الرواية الأخرى يعني المذكورة في الكتاب . قوله ( ليس فيها عقصاء ) الخ قال أهل اللغة العقصاء ملتوية القرنين وهي بفتح العين المهملة وسكون القاف بعدها صاد مهملة ثم ألف ممدودة . والجلحاء بجيم مفتوحة ثم لام ساكنة ثم حاء مهملة التي لا قرن لها . قوله ( تنطحه ) بكسر الطاء وفتحها لغتان حكاهما الجوهري وغيره والكسر أفصح وهو المعروف في الرواية . قوله ( الخيل في نواصيها الخير ) جاء تفسيره في الحديث الآخر في الصحيح بأنه الأجر والمغنم وفيه دليل على بقاء الإسلام والجهاد إلى يوم القيامة والمراد قبيل القيامة بيسير وهو وقت إتيان الريح الطيبة من قبل اليمن التي تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة كما ثبت في الصحيح . قوله ( فأما التي هي له أجر ) هكذا في أكثر نسخ مسلم وفي بعضها ( فأما الذي هي له أجر ) وهي أوضح وأظهر . قوله ( في مرج ) بميم مفتوحة وراء ساكنة ثم جيم وهو الموضع الذي ترعى فيه الدواب . قوله ( ولو استنت شرفا أو شرفين ) أي جرت والشرف بفتح الشين المعجمة والراء وهو العالي من الأرش وقيل المراد طلقا أو طلقين : قوله ( أشر وبطرا وبذخا ) قال أهل اللغة الأشر بفتح الهمزة والشين المعجمة المرح واللجاج . والبطر بفتح الباء بواحدة من أسفل والطاء المهملة ثم راء هو الطغيان عند الحق . والبذخ بفتح الباء الموحدة والذال المعجمة بعدها خاء معجمة هو بمعنى الأشر والبطر . قوله ( إلا هذه الآية الفاذة الجامعة ) المراد بالفاذة القليلة النظير وهي بالذال المعجمة المشددة والجامعة العامة المتناولة لكل خير ومعروف ومعنى ذلك أنه لم ينزل على فيها نص بعينها ولكن نزلت هذه الآية العامة . وقد يحتج بهذا من قال لا يجوز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ويجاب بأنه لم يظهر له فيها شيء ومحل ذلك الأصول ( والحديث ) يدل على وجوب الزكاة في الذهب والفضة والإبل والغنم . وقد زاد مسلم في هذا الحديث ( ولا صاحب بقر ) الخ قال النووي وهذا أصح حديث ورد في زكاة البقر وقد استدل به أبو حنيفة على وجوب الزكاة في الخيل لما وقع في رواية لمسلم عند ذكر الخيل ( ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها ) . وتأويل الجمهور هذا الحديث على أن المراد يجاهد بها . وقيل المراد بالحق في رقابها الإحسان إليها والقيام بعلفها وسائر مؤنها والمراد بظهورها إطراق فحلها إذا طلبت عاريته وقيل المراد حق الله مما يكسبه من مال العدو على ظهورها وهو خمس الغنيمة وسيأتي الكلام على هذه الأطراف التي دل الحديث عليها . قال المصنف رحمه الله تعالى وفيه دليل أن تارك الزكاة لا يقطع له بالنار وآخره دليل بالنار وآخره دليل في إثبات العموم انتهى

3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه ( لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان أبو بكر وكفر من كفر من العرب فقال عمر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله تعالى فقال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعها قال عمر فو الله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق )
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه لكن في لفظ مسلم والترمذي وأبي داود ( لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه ) بدل العناق

- قوله ( وكفر من كفر من العرب ) قال الخطابي أهل الردة كانوا صنفين صنفا ارتدوا عن الدين ونابذوا الملة وعدلوا إلى الكفر وهو الذين عناهم أبو هريرة وهذه الفرقة طائفتان أحداهما أصحاب مسيلمة الكذاب من بني حنيفة وغيرهم الذين صدقوه على دعواه في النبور وأصحاب الأسود العنسي ومن استجابه من أهل اليمن وهذه الفرقة بأسرها منكرة لنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم مدعية النبوة لغيره فقاتلهم أبو بكر حتى قتل مسيلمة باليمامة والعنسي بصنعاء وانفضت جموعهم وهلك أكثرهم . والطائفة الأخرى ارتدوا عن الدين فأنكروا الشرائع وتركوا الصلاة والزكاة وغيرهما من أمور الدين وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية فلم يكن يسجد لله في الأرض إلا ثلاثة مساجد مسجد مكة ومسجد المدينة ومسجد عبد القيس قال والصنف الآخر هم الذين فرقوا بين الصلاة وبين الزكاة فأنكرو وجوبها ووجوب أدائها إلى الإمام وهؤلاء على الحقيقة أهل البغي وإنما لم يدعوا بهذا الإسم في ذلك الزمن خصوصا لدخولهم في غمار أهل الردة وأضيف الأسم في الجملة إلى أهل الردة إنذا كانت أعظم الأمرين وأهمهما وأرخ مبدأ قتال أهل البغي من زمن علي بن أبي طالب عليه السلام إذا كانوا منفردين في زمانه لم يخلطوا بأهل الشرك وقد كان في ضمن هؤلاء المانعين للزكاة من كان يسمح بالزكاة ولم يمنعها إلا أن رؤساءهم صدوهم عن ذلك الرأي وقبضوا على أيهديهم في ذلك كبني يربوع فإنهم قد كانوا جمعوا صدقاتهم وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكر فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك وفرقها فيهم وفي أمر هؤلاء عرض الخلاف ووقعت الشبهة لعمر بن الخطاب فراجع أبا بكر وناظره واحتج عليه بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس ) الحديث وكان هذا من عمر تعلقا بظاهر الكلام قبل أن ينظر في آخره ويتأمل شرائطه فقال له أبو بكر أن الزكاة حق المال يريد أن القضية قد تضمنت عصمة دم ومال متعلقة بأطراف شرائطها والحكم المعلق بشرطين لا يحصل بأحدهما والآخر معدوم ثم قايسه بالصلاة ورد الزكاة إليها فكان في ذلك من قوله دليل على أن قتال الممتنع من الصلاة كان إجماعا من الصحابة ولذلك رد المختلف فيه إلى المتفق عليه
وقد اجتمع في هذه القضية الاحتجاج من عمر بالعموم ومن أبي بكر بالقياس ودل ذلك على أن العموم يخص بالقياسي وأن جميع ما تضمنه الخطاب الوارد في الحكم الواحد من شرط واستثناء مراعى فيه ومعتبر صحته فلما استقر عند عمر صحة رأي أبي بكر وبأن له صوابه تابعه على قتال القوم وهو معنى قوله عرفت أنه الحق يشير إلى انشراح صدره بالحجة التي أدلى بها والبرهان الذي أقامه نصا ودلالة . وقد زعم زاعمون من الرافضة أن أبا بكر أول من سبى المسلمين وأن القوم كانوا متأولين في منع الصدقة وكانوا يزعمون أن الخطاب في قوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم أن صلاتك سكن لهم } خطاب خاص في مواجهة النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون غيره وأنه مقيد بشرائط لا توجد فيمن سواه وذلك ليس لأحد من التطهير والتزكية والصلاة على المتصدق ما كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومثل هذه الشبهة إذا وجدت كان ذلك مما يعذر فيه أمثالهم ويرفع به السيف عنهم وزعموا أن قتالهم كان عسفا وهؤلاء قوم لا خلاق لهم في الدين وإنما رأس مالهم البهت والتكذيب والوقيعة في السلف وقد بينا أن أهل الردة كانوا أصنافا منهم من ارتد عن الملة ودعا إلى نبوة مسيلمة وغيره ومنهم من ترك الصلاة والزكاة وأنكر الشرائع كلها وهؤلاء هم الذين سماهم الصحابة كفارا ولذلك رأى أبو بكر سبي ذراريهم وساعده على ذلك أكثر الصحابة . واستولد علي بن أبي طالب عليه السلام جارية من سبي بني حنيفة فولدت له محمد بن الحنيفة ثم لم ينفض عصر الصحابة حتى أجمعوا على أن المرتد لا يسبى فأما مانعوا الزكاة منهم المقيمون على أصل الدين فإنهم أهل بغي ولم يسموا على الإنفراد كفارا وإن كانت الردة قد أضيفت إليهم لمشاركتهم المرتدين في منع بعض ما مانعوه من حقوق الدين وذلك أن الردة اسن لغوي فكل من انصرف عن أمر كان مقبلا عليه فقد ارتد عنه وقد وجد من هؤلاء القوم الإنصراف عن الطاعة ومنع الحق وانقطع عنهم اسم الثناء والمدح وعلق بهم الاسم القبيح لمشاركتهم القوم الذين كان ارتدادهم حقا وأما قوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } وما أدعوه من كون الخطاب خاصا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن خطاب كتاب الله على ثلاثة أوجه . خطاب عام على كقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } الآية ونحوها . وخطاب خاص برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يشركه فيه غيره وهو ما أبين به عن غيره بسمة التخصيص وقطع التشريك كقوله تعالى { ومن الليل فتجهد به نافلة لك } وكقوله خالصة لك من دون المؤمنين . وخطاب مواجهة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو وجميع أمته في المراد به سواء كقوله تعالى { اقم الصلاة لدلوك الشمس } وكقوله تعالى { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله } ونحو ذلك . ومنه قوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } وهذا غير مختص به بل يشاركه فيه الأمة . والفائدة في مواجهة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخطاب أنه هو الداعي إلى الله والمبين عنه معنى ما أراد فقدم اسمه ليكون سلوك الأمة في شرائع الدين على حسب ما ينهجه لهم
وأما التطهير والتزكية والدعاء منه صلى الله عليه وآله وسلم لصاحب الصدقة فإن الفاعل لها قد ينال ذلك كله بطاعة الله وطاعة رسوله فيها وكل ثواب موعود على عمل بر كان في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم فإنه باق غير منقطع . قوله حتى يقولوا ( لا إله إلآ الله ) الخ المراد بهذا أهل الأوثان دون أهل الكتاب لأنهم يقولون لا إله إلا الله ويقاتلون ولا يرفع عنهم السيف : قوله ( لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ) قال النووي ضبطناه بوجهن فرق وفرق بتشديد الراء وتخفيفها ومعناه من أطاع في الصلاة وجحد في الزكاة أو منعها . قوله ( عناقا ) بفتح العين بعدها نون وهو الأنثى من أولاد المعز . وفي الرواية الأخرى ( عقالا ) وقد اختلف في تفسيره فذهب جماعة إلى أن المراد بالعقال زكاة عام . قال النووي وهو معروف في اللغة كذلك وهذا قول الكسائي والنضر بن شميل وأبي عبيد والمبرد وغيرهم من أهل اللغة وهو قول جماعة من الفقهاء قال والعقال الذي هو الحبل الذي يعقل به البعير لا يجب دفعه في الزكاة فلا يجوز القتال عليه فلا يصح حمل الحديث على هذا . وذهب كثير من المحققين إلى أن المراد بالعقال الحبل الذي يعقل به البعير وهذا القول محكى عن مالك وابن أبي ذئب وغيرهما وهو اختيار صاحب التحرير وجماعة من حذاق المتأخرين . قال صاحب التحرير قول من قال المراد صدقة عام تعسف وذهاب عن طريقة العرب لأن الكلام خرج مخرج التضييق والتشديد والمبالغة فيقتضى قلة ما علق به العقال وحقارته وإذا حمل على صدقة العام لم يحصل هذا المعنى قال النووي وهذا الذي اختاره هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره وكذلك أقول أنا ثم اختلفوا في المراد بقوله منعوني عقالا فقيل قدر قيمته كما في زكاة الذهب والفضة والمعشرات والمعدن والركاز والفطرة والمواشي في بعض أحوالها وهو حيث يجوز دفع القيمة . وقيل زكاة عقال إذا كان من عروض التجارة وقيل المراد المبالغة ولا يمكن تصويره ويرده ما تقدم . وقيل أنه العقال الذي يؤخذ مع الفريضة لأن على صاحبها تسليمها يرباطها ( واعلم ) أنها قد وردت أحاديث صحيحة قاضية بأن مانع الزكاة يقاتل حتى يعطيها ولعلها لم تبلغ الصديق ولا الفاروق ولو بلغتهما لما خالف عمر ولا احتج أبو بكر بتلك الحجة التي هي القياس فمنها ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ) وأخرج البخاري ومسلم والنسائي من حديث أبي هريرة قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) وأخرج مسلم والنسائي من حديث جابر بن عبد الله نحوه . وفي الباب أحاديث

4 - وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون لا تفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا فله أجرها من منعها فإن أخذوها وشطر ابله عزمة من عزمات ربنا تبارك وتعالى لا يحل لآل محمد منها شيئا )
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود وقال ( وشطر ماله ) وهو حجة في أخذها من الممتنع ووقوعها موقعها

- الحديث أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وقال يحيى بن معين إسناده صحيح إذا كان من دون بهز ثقة وقد اختلف في بهز فقال أبو حاتم لا يحتج به وروى الحاكم عن الشافعي أنه قال ليس بهز حجة وهذا الحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث ولو ثبت لقلنا به وكان قال به في القديم ثم رجع . وسئل أحمد عن هذا الحديث فقال ما أدري وجهه وسئل عن إسناده فقال صالح الإسناد . وقال ابن حبان لولا هذا الحديث لأدخلت بهز في الثقات . وقال ابن حزم أنه غير مشهور العدالة . وقال ابن الطلاع أنه مجهول وتعقبا بأنه قد وثقه جماعة من الأئمة . وقال ابن عدي لم ار له حديثا منكرا . وقال الذهبي ما تركه عالم قط وقد تكلم يه أنه كان يلعب بالشطرنج . قال ابن قطان وليس ذلك بضائر له فإن استباحته مسألة فقهية مشتهرة قال الحافظ وقد استوفيت الكلام فيه في تلخيص التهذيب . وقال البخاري بهز بن حكيم يختلفون فيه وقال ابن كثير الأكثر لا يحتجون به . وقال الحاكم حديثه صحيح وقد حسن له الترمذي عدة أحاديث ووثقه واحتج به أحمد وإسحاق والبخاري خارج الصحيح وعلق له فيه وروى عن أبي داود أنه حجة عنده . قوله ( في كل إبل سائمة ) يدل على إنه لا زكاة في المعلوفة : قوله ( في كل أربعين ) الخ سيأتي تفصيل الكلام في ذلك قوله ( لا تفرق إبل عن حسابها ) أي لا يفرق أحد الخليطين ملكه عن ملك صاحبه وسيأتي أيضا تحقيقة . قوله ( مؤتجرا ) أي طالبا لللأجر . قوله ( فأنا آخذوها ) استدل به على أنه يجوز للإمام أن يأخذ الزكاة قهر إذا لم يرض رب المال وعلى أنه يكتفي بنية الإمام كما ذهب إلى ذلك الشافعي والهادوية وعلى أن ولاية قبض الزكاة إلى الإمام وغلى ذلم ذهبت العترة وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي في أحد قوليه . قوله ( وشطر ماله ) أي بعضه . وقد استدل به على أنه يجوز للإمام أن يعاقب بأخذ المال وإلى ذلك ذهب الشافعي في القديم من قوليه ثم رجع عنه وقال إنه منسوخ وهكذا البيهقي وأكثر الشافعية قال في التلخيص وتعقبه النووي فقال الذي أدعوه من كون العقوبة كانت بالأموال في أول الإسلام ليس بثابت ولا معروف ودعوى النسخ غير مقبولة مع الجهل بالتاريخ وقد نقل الطحاوي والغزالي الإجماع على نسخ العقوبة بالمال . وحكى صاحب ضوء النهار عن النووي أنه نقل الإجماع مثلهما وهو يخالف ما قدمنا عنه فينظر . وزعم الشافعي أن الناسخ حديث ناقة البراء لأنه صلى الله عليه وآله وسلم حكم عليه بضمان ما أفسدت ولم ينقل أنه صلى الله عليه وآله وسلم في تلك القضية أضعف الغرامة ولا يخفى ان تركه صلى الله عليه وآله وسلم للمعاقبة بأخذ المال في هذه القضية لا يستلزم الترك مطلقا ولا يصلح للتمسك به على عدم الجواز وجعله ناسخا البتة وقد ذهب إلى جواز المعاقبة بالمال الإمام يحيى والهادوية وقال في الغيث لا أعلم في جواز ذلك خلافا بين أهل البيت واستدلوا بحديث بهز هذا وبهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن الجماعة وقد تقدم في الجماعة . وبحديث عمر عند أبي داود قال ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه ) وفي إسناده صالح بن محمد بن زائدة المديني قال البخاري عامة أصحابنا يحتجون به وهو باطل
وقال الدارقطني أنكروه على صالح ولا أصل له والمحفوظ أن سالما أمر بذلك في رجل غل في غزاة مع الوليد بن هشام : قال أبو داود وهذا أصح . وبحديث ابن عمرو ابن العاص عند أبي داود والحاكم والبيهقي ( ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر أحرقوا متاع الغال وضربوه ) وفي إسناده زهير بن محمد قيل هو الخراساني وقيل غيره وهو مجهول وسيأتي الكلام على هذا الحديث في كتاب الجهاد وله شاهد مذكور هنالك وبحديث أن سعد بن أبي وقاص سلب عبدا وجده يصيد في حرم المدينة ( قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من وجدتموه يصيد فيه فخذوا سلبه ) أخرجه مسلم وبحديث تغريم كاتم الضالة أن يردها ومثلها . وحديث تضمين من أخرج غير ما يأكل من الثمر المعلق مثليه كما أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري من حديث عبد الله بن عمرو ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الثمر المعلق فقال ( من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة ( 1 ) فلا شيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة ) وأخرج نحوه النسائي والحاكم وصححه وسياتي في كتاب السرقة . ومن الأدلة قضية المددى الذي أغلظ لأجله الكلام غوف بن مالك عن خالد بن الوليد لما أخذ سلبه ( فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ترد عليه ) أخرجه مسلم وباحراق علي بن أبي طالب عليه السلام لطعام المحتكر ودور قوم يبيعون الخمر وهدمه دار جرير بن عبد الله ومشاطرة عمر لسعد بن أبي وقاص في ماله الذي جاء به من العمل الذي بعثه إليه وتضمينه لحاطب ابن أبي بلتعة مثلي قيمة الناقة التي غصبها عبيدة وانتحروها وتغليظه هو وابن عباس الدية على من قتل في الشهر الحرام في البلد الحرام ( وقد أجيب ) عن هذه الأدلة بأجوبة أما عن حديث بهز فيما فيه من المقال وبما رواه ابن الجوزي في جامع المسانيد والحافظ في التلخيص عن إبراهيم الحربي أنه قال في سياق هذا المتن لفظة وهم فيها الراوي وإنما هو فانا آخذوها من شطر ماله أي يجعل ماله شطرين ويتخير عليه المصدق ويأخذ الصدقة من خير الشطرين عقوبة لمنعه الزكاة فأما مالا يلزمه فلا وبما قال بعضهم أن لفظة وشطر ماله بضم الشين المعجمة وكسر الطاء المهملة فعل مبني للمجهول ومعناه جعل ماله شطرين يأخذ المصدق الصدقة من أي الشطرين أراد
ويجاب عن القدح بما في الحديث من المقال بأنه ممالا يقدح بمثله . وعن كلام الحربي وما بعده بأن الأخذ من خير الشطرين صادق عليه اسم العقوبة بالمال لأنه زائد على الواجب . وأما حديث هم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأحراق فأجيب عنه بأن السنة أقوال وأفعال وتقريرات والهم ليس من الثلاثة ويرد بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يهم إلا بالجائز وأما حديث عمر فيما فيه من المقال المتقدم . وكذلك أجيب عن حديث ابن عمرو . وأما حديث سعد بن أبي وقاص فبأنه من باب الفدية كما يجب على من يصيد بصيد مكة وإنما عين صلى الله عليه وآله وسلم نوع الفدية هنا بأنها سلب العاضد فيقتصر على السبب لقصور العلة التي هي هتك الحرمة عن التعدية . وأما حديث تغريم كاتم الضالة والمخرج غير ما يأكل من الثمر . وقضية المددى فهي واردة على سبب خاص فلا يجاوز بها إلى غيره لأنها وسائر أحاديث الباب مما ورد على خلاف القياس لورود الأدلة كتابا وسنة بتحريم مال الغير . قال الله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة } { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام } وقال صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة حجة الوداع ( إنما دماؤكم وأموالكم وأعراضكم ) الحديث قد تقدم . وقال ( لا يحل مال أمرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه ) وأما تحريق على طعام المحتكر ودور القوم وهدمه دار جرير فبعد تسليم صحة الإسناد إليه وانتهاض فعله للاحتجاج به يجاب عنه بان ذلك من قطع ذرائع الفساد كهدم مسجد الضرار وتكسير المزامير . وأما المروى عن عمر من ذلك فيجاب عنه بعد ثبوته بأنه أيضا قول صحابي لا ينتهض للاحتجاج به ولا يقوى على تخصيص عمومات الكتاب والسنة المروى عن ابن عباس . قوله ( عزمة من عزمات ربنا ) قال في البدر المنير عزمة خير مبتدا محذوف تقديره ذلك عزمه وضبطه صاحب ارشاد الفقه بالنصب على المصدر وكلا الوجهين جائز من حيث العربية . ومعنى العزمة في اللغة الجد في الأمر . وفيه دليل على أن أخد ذلك واجب مفروض من الأحكام . والعزائم الفرائض كما في كتب اللغة
_________
( 1 ) الخبنة بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة ما تحمله في حضنك

باب صدقة المواشي

1 - عن أنس ( أن أبا بكر كتب لهم ان هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين التي أمر الله بها ورسوله فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوق ذلك فلا يعطه فيما دون خمس وعشرين من الأبل الغنم في كل خمس ذود شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين فان لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها حقه طروقه الفحل إلى ستين فإذا بلغت واحدة وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا بلغت واحدة وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة فإذا تباين أسنان الأبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عند صدقة الجذعة وليست عند جذعة وعند حقة فانها تقبل منه ويجعل معها شاتين ان استيسرتا له أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين أن استيسرتا له أو عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده إلا حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده ابنه لبون وعنده ابنة مخاض فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها . وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلثمائة فإذا زادت ففي كل مائة شاة ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية وإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها . وفي الرقة العشر فإذا لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها )
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود والبخاري وقطعه في عشرة مواضع . ورواه الدارقطني كذلك وله فيه في رواية في صدقة الإبل ( فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقه ) قال الدارقطني هذا اسناد صحيح ورواته كلهم ثقات

- الحديث أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي والحاكم قال ابن حزم هذا كتاب في نهاية الصحة عمل به الصديق بحضرة العلماء ولم يخالفه أحد وصححه ابن حبان أيضا وغيره : قوله ( أن أبا بكر كتب لهم ) في لفظ لبخاري ( أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله ) قوله ( التي فرض رسول الله ) معنى فرض هنا أوجب أو شرع يعني بأمر الله تعالى . وقيل معناه قدر لأن إيجابها ثابت بالكتاب فيكون المعنى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين ذلك . قال في الفتح وقد يرد الفرض بمعنى البيان كقوله تعالى { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } وبمعنى إلا نزال كقوله { أن الذي فرض عليك القرآن } وبمعنى الحل كقوله { ما كان على انبي من حرج فيما فرض الله له } وكل ذلك لا يخرج عن معنى التقدير . ووقع استعمال الفرض بمعنى اللزوم حتى يكاد يغلب عليه وهو لا يخرج عن معنى التقدير . وقد قال الراغب كل شيء ورد في القرآن فرض على فلان فهو بمعنى الإلزام وكل شيء ورد فرض له فهو بمعنى لم يحرم عليه وذكر إن معنى قوله تعالى { إن الذي فرض عليك القرآن } أي أوجب عليك العمل به وهذا يؤيد قول الجمهور أن الفرض مرادف للوجوب وتفريق الحنفية بين الفرض والواجب باعتبار ما يثبتان به لامشاحة فيه وإنما النزاع في حمل ما ورد من الأحاديث الصحيحة على ذلك لأن اللفظ السابق لا يحمل على الاصطلاح الحادث انتهى . قوله ( ورسوله ) في نسخة رسوله بدون واو وهو الصواب كما في البخاري وغيره : قوله ( ومن سئل فوق ذلك فلا يعطه ) أي من سئل زائدا على ذلك في سن أو عدد فله المنع . ونقل الرفاعي الاتفاق على ترجيحه . وقيل معناه فليمنع الساعي وليتول إخراجه بنفسه أو يدفعها إلى ساع فإن الساعي الذي طلب الزكاة يكون بذلك متعديا وشرطه أن يكون أمينا . قال الحافظ لكن محل هذا إذا طلب الزيادة بغير تأويل انتهى ولعله يشير بهذا إلى الجميع بين هذا الحديث وحديث ( ارضوا مصدقيكم ) عند مسلم والنسائي من حديث جرير وحديث ( سيأتيكم ركب مبغضون فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبغون فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليها وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم ) أخرجه أبو داود من حديث جابر بن عتيك . وفي لفظ للطبراني من حديث سعد بن أبي وقاص ادفعوا إليهم ما صلوا الخمس فتكون هذه الأحاديث محمولة على أن للعامل تأويلا في طلب الزائد على الواجب : قوله ( الغنم ) هو مبتدأ وما قبله خبره وهو يدل علة أن إخراج الغنم فيما دون خمس وعشرين من الإبل متعين وإليه ذهب مالك وأحمد فلا يجزيء عندهما إخراج بعير عن أربع وعشرين : قال الشافعي والجمهور يجزئ لأنه لو أجز أ في خمس وعشرين فأجزاؤه فيما دونها بالأولي قال في الفتح ولأن الأصل أن يجب في جنس المال وإنما عدل عنه رفقا بالمالك فإذا رجع باختياره إلى الأصل أجزأه فإن كانت قيمة البعير مثلا دون قيمة أربع شياه ففيه خلاف عند الشافعية وغيرهم والأقيس أنه لا يجزئ انتهى . قوله ( في كل خمس زود شاة ) الذود بفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها ذال مهملة قال الأكثر وهو من إلى العشرة لا واحد له من لفظه وقال أبو عبيدة من الاثنين إلى العشرة قال وهو مختص بالإناث
وقال سيبويه تقول ثلاث ذود لأن الذود مؤنث وليس باسم كسر عليه مذكر وقال القرطبي أصله ذاد يذود إذا رفع شيئا فهو مصدر كأن من كان عنده دفع عن نفسه معرة الفقر وشدة الفاقة والحاجة : وقال ابن قتيبة أنه يقع على الواحد فقط وأنكر أن يراد بالذود الجمع قال ولا يصح أن يقال خمس ذود كما لا يصح أن يقال خمس ثوب وغلطه بعض العلماء في ذلك وقال أبو حاتم السجستاني تركوا القياس في الجمع فقالوا خمس ذود لخمس من الإبل كما قالوا ثلثمائة على غير قياس قال القرطبي وهذا صريح في أن الذود واحد في لفظه قال الحافظ والأشهر ما قاله المتقدمون أنه لا يطلق على الواحد : قوله ( فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض ) بنت المخاض بفتح الميم بعدها خاء معجمة خفيفة وآخره ضاد معجمة هي التي أتى عليها حول ودخلت في الثاني وحملت أمها والمخاض الحامل والمراد أنه قد دخل وقت حملها وإن لم تحمل وهذا يدل على أنه يجب في الخمس والعشرين إلى الخمس والثلاثين بنت مخاض وإليه ذهب الجمهور . وأخرج ابن أبي شيبة وغيره من علي عليه السلام أن في الخمس والعشرين خمس شياه فإذا صارت ستا وعشرين كان فيها بنت مخاض . وقد روي عنه هذا مرفوعا وموقوفا قال الحافظ وإسناد المرفوع ضعيف : قوله ( ابنه لبون ) زاد البخاري أنثى قوله ( حقة ) الحقة بكسر المهملة وتشديد القاف والجمع حقاق بالكسر وطروقة الفحل بفتح أوله أي مطروقة كحلوبة بمعنى محلوبة والمراد أنها بلغت أن يطرقها الفحل وهي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة : قوله ( ففيها جذعة ) الجذعة بفتح الجيم والذال المعجمة وهي التي أى عليها أربع سنين ودخلت في الخامسة : قوله ( ففي كل أربعين بنت لبون ) المراد أنه يجب بعد مجاوزة المائة والعسرين بواحدة في كل أربعين بنت لبون فيكون الواجب في مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون وإلى هذا ذهب الجمهور ولا اعتبار بالمجاوزة بدون واحدة كنصف أو ثلث أو ربع خلافا للإصطخري فقال يجب ثلاث بنات لبون بزيادة بعض واحدة ويرد عليه ما عند الدارقطني في آخر هذا الحديث وما في كتاب عمر الآتي بلفظ ( فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ) ومثله في كتاب عمرو بن حزم وإلى ما قاله الجمهور ذهب الناصر والهادي في الأحكام حكى ذلك عنهما المهدي في البحر وحكى في البحر أيضا عن علي وابن مسعود والنخعي وحمادة الهادي وأبي طالب والمؤيد بالله وأبي العباس ان الفريضة تستأنف بعد المائة والعشرين فيجب في الخمس شاة ثم كذلك واحتج لهم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم وما زاد على ذلك استؤنفت الفريضة وهذا إن صح كان محمولا على الاستئناف المذكور في الحديث أعني إيجاب بنت اللبون في كل أربعين والحقة في كل خمسين جمعا بين الأحاديث ( لا يقال ) أنه يرجح حديث الاستئناف بمعى الرجوع إلى إيجاب شاة في كل خمس إلى خمس وعشرين على حسب التفصيل المتقدم بأنه متضمن للإيجاب يعني إيجاب شاة مثلا في الخمس الزائدة على مائة وعشرين من قوله ( وإذا زادت ففي كل أربعين ) فظن أن معناه في كل أربعين من الزيادة فقط وليس كذلك بل معناه في كل أربعين من الزيادة والمزيد . وحكى في الفتح عن أبي حنيفة مثل قول علي وابن مسعود ومن معهما وقيده في البحر بأنه يقول بذلك إلى مائة وخمس وأربعين ثم له فيما زاد روايتان كالمذهب الأول وكالمذهب الثاني
قوله ( ويجعل معها شاتين ) الخ فيه دليل على أنه يجب على المصدق قبول ما هو أدون ويأخذ التفاوت من جنس غير جنس الواجب وكذا العكس وذهبت الهادوية إلى أن الواجب إنما هو زيادة فضل القيمة من المصدق أو رب المال ويرجع في ذلك إلى التقويم لكن أجاب الجمهور عن ذلك بأنه لو كان كذلك لم ينظر إلى ما بين السنين في القيمة وكان العرض يزيد تارة وينقص أخرى لاختلاف ذلك في الأمكنة فلما قدر الشارع التفاوت بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص كان ذلك هو الواجب في الأصل في مثل ذلك ولولا تقدير الشارع بذلك لتعينت بنت المخاض مثلا ولم يجز أن تبدل ابن لبون مع التفاوت . وذهب أبو حنيفة إلى أنه يرجع إلى القيمة فقط عند التعذر وذهب زيد بن علي إلى أن الفضل بين كل سنين شاة أو عشرة دراهم : قوله ( إلا أن يشاء ربها ) أي ألا أن يتطوع متبرعا : قوله ( فإذا زادت ففيها شاتين ) قد ورد ما يدل على تعيين أقل المراد من هذه الزيادة المطلقة ففي كتاب عمرو بن حزم فإذا كانت إحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين ففيها شاتان وقد تقدم خلاف الأصطخري في ذلك : قوله ( ففي كل مائة شاة ) مقتضاه أنه لا تجب الشاة الرابعة حتى توفى أربعمائة شاة وهو مذهب الجمهور وعن بعض الكوفيين والحسن بن صالح ورواية عن أحمد إذا زادت على الثلثمائة واحدة وجبت الأربع : قوله ( هرمة ) بفتح الهاء وكسر الراء هي الكبيرة التي سقطت أسنانها : قوله ( ولا ذات عوار ) بفتح العين المهملة وضمها وقيل بالفتح فقط أي معيبة وقيل بالفتح العيب وبالضم العور . واختلف في مقدار ذلك فالأكثر على أنه ما ثبت به الرد في البيع وقيل ما يمنع الأجزاء في الأضحية ويدخل في المعيب المريض والذكر بالنسبة إلى الأنثى والصغير بالنسبة إلى سن أكبر منه : قوله ( ولا تيس ) بتاء فوقية مفتوحة وياء تحتية ساكنة ثم سين مهملة وهو فحل الغنم : قوله ( إلا أن يشاء المصدق ) قال في الفتح اختلف في ضبطه يعني المصدق فالأكثر على أنه بالتشديد والمراد المالك وهو اختيار أبي عبيد وتقدير الحديث لا تؤخذ هرمة ولا ذات عيب أصلا ولا يؤخذ التيس إلا برضا المالك لكونه محتاجا إليه ففي أخذه بغير اختياره إضرار به وعلى هذا فالاستثناء مختص بالثالث ومنهم من ضبطه بتخفيف الصاد وهو الساعي وكأنه أشير بذلك إلى التفويض إليه في اجتهاده لكونه يجري مجرى الوكيل فلا يتصرف بغير المصلحة فيتقيد بما تقتضيه القواعد وهذا قول الشافعي انتهى . قوله ( ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ) قال في الفتح قال مالك في الموطا معنى هذا أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة فيجمعونها حتى لا يجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاة فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفررقونها حتى لا يكون على كل واحد منهم إلا شاة واحدة . وقال الشافعي هو خطاب لرب المال من جهة الساعي من جهة فأمر كل منهما أن لا يحدث شيئا من الجمع والتفريق خشية الصدقة فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل والساعي أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر فمعنى قوله خشية الصدقة أي خشية أن تكثر أو تقل فلما كان محتملا للأمرين لم يكن الحمل على أحدهما أولى من الآخر فحمل عليهما معا لكن الذي يظهر أنه حمل على المالك أظهر . واستدل به على أن من كان عنده دون النصاب من الفضة ودون النصاب من الذهب مثلا أنه لا يجب ضم بعضه إلى بعض حتى يصير نصابا كاملا فيجب عليه فيه الزكاة خلافا لمن قال بالضم كالمالكية والهادوية والحنفية
واستدل به أحمد على أن من كان له ماشية ببلد لا تبلغ النصاب وله ببلد آخر ما يوفيه منها أنها لا تضم قال ابن المنذر وخالفه الجمهور فقالوا تجمع على صاحب المال أمواله ولو كانت في بلدان شتى ويخرج منها الزكاة واستدل به أيضا على إبطال الحيلة والعمل على المقاصد المدلول عليها بالقرائن : قوله ( وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ) قال في الفتح اختلف في المراد بالخليطين فعند أبي حنيفة أنهما الشريكان قال ولا يجب على أحد منهما فيما يملك الأمثل الذي كان يجب عليهما لو لم يكن خلط وتعقبه ابن جرير بأنه لو كان تفريقهما مثل جمعهما في الحكم لبطلت فائدة الحديث وإنما نهى عن أمر لو فعله كان فائدة ولو كان كما قال لم يكن لتراجع الخليطين بينهما بالسوية معنى . ومثل تفسير أبي حنيفة روى البخاري عن سفيان وبه قال مالك وقال الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث إذا بلغت ماشيتهما النصاب زكيا والخلط عندهم أن يجتمعا في المسرح والمبيت والحوض والفحل والشركة أخص منهما . ومثل ذلك روى سفيان في جامعه عن عمر والمصير إلى هذا التفسير متعين . ومما يدل على أن الخليط لا يستلزم أن يكون شريكا قوله تعالى { وإن كثيرا من الخلطاء } وقد بينه قبل ذلك بقوله { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة } واعتذر بعضهم عن الحنفية بأن الحديث لم يبلغهم أو أرادوا أن الأصل ليس فيما دون خمس ذود صدقة وحكم الخليط يخالفه ويرد بأن ذلك مع الإنفراد وعدم الخلطة لا إذا انضم ما دون الخمس إلى عدد لخليط يكون به الجميع نصابا فإنه يجب تزكية الجميع لهذا الحديث وما ورد في معناه ولا بد من الجمع بهذا . ومعنى التراجع كما قال الخطابي أن يكون بينهما أربعون شاة مثلا لكل واحد منهما عشرون قد عرف كل منهما عين ماله فيأخذ المصدق من أحدهما شاة فيرجع المأخوذ من ماله على خليطة بقيمة نصف شاة وهي تسمى خلطة الجوار : قوله ( وإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة شاة ) لفظ شاة الأول منصوب على أنه مميز عدد أربعين ولفظ شاة الثاني منصوب أيضا على أنه مميز نسبة ناقصة إلى السائمة : قوله ( وفي الرقة ) بكسر الراء وتخفيف القاف هي الفضة الخالصة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة . قال الحافظ قيل أصلها الورق فحذفت الواو وعوضت الهاء وقيل تطلق على الذهب والفضة بخلاف الورق وعلى هذا قيل أن الأصل في زكاة النقدين نصاب الفضة فإذا بلغ الذهب ما قيمته مائتا درهم فضة خالصة وجبت فيه الزكاة وهي ربع العشر وهذا قول الزهري وخالفه الجمهور وسيأتي البحث عن ذلك في باب زكاة الذهب والفضة

2 - وعن الزهري عن سالم عن أبيه قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كتب الصدقة ولم يخرجها إلى عماله حتى توفي قال فأخرجها أبو بكر من بعده فعمل بها حتى توفي ثم أخرجها عمر من بعده فعمل بها قال فلقد هلك عمر يوم هلك وإن ذلك لمقرون بوصيته قال فكان فيها في الإبل في خمس شاة حتى تنتهي إلى أربع وعشرين فإذا بلغت إلى خمس وعشرين ففيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون فإذا زادت على خمس وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون . وفي الغنم من أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت شاة ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلثمائة فإذا زادت بعد فليس فيها شيء حتى تبلغ أربعمائة فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة وكذلك لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق مخافة الصدقة وما كان من خليطين فيهما يتراجعان بالسوية لا تؤخذ هرمة ولا ذات عيب من الغنم )
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن . وفي هذا الخبر من رواية الزهري عن سالم مرسلا ) فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها بنتا لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وثلاثين ومائة فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وبنت لبون حتى تبلغ تسعا وأربعين ومائة فإذا بلغت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون حتى تبلغ تسعا وستين ومائة فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وسبعين ومائة فإذا بلغت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون حتى تبلغ تسعا وثمانين ومائة فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وابنة لبون حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي السنين وجدت أخذت ) رواه أبو داود

- الحديث أخرجه المرفوع منه أيضا الدارقطني والحاكم والبيهقي ويقال تفرد بوصله سفيان بن حسين وهو ضعيف في الزهري خاصة والحفاظ من أصحاب الزهري لا يصلونه رواه أبو داود والدارقطني والحاكم عن أبي كريب عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري قال هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي كتب في الصدقة وهي عند آل عمر . قال ابن شهاب أرانيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله وسالم ابني عبد الله بن عمر فذكر الحديث وقال البيهقي تابع سفيان بن حسين على وصله سليمان بن كثير وأخرجه أيضا ابن عدي من طريقه ولكنه كما قال الحافظ لين في الزهري وقد اتفق الشيخان على إخراج حديث سليمان بن كثير والاحتجاج به . وأخرج مسلم حديث سفيان بن حسين واستشهد به البخاري قال الترمذي في كتاب العلل سألت البخاري عن هذا الحديث فقال أرجو أن يكون محفوظا وسفيان بن حسين صدوق انتهى . وضعف ابن معين هذا الحديث وقال تفرد به سفيان ابن حسين ولم يتابع سفيان أحد عليه وسفيان ثقة دخل مع يزيد بن المهلب خراسان وأخذوا عنه . وفي رواية للدارقطني في هذا الحديث أن في خمس وعشرين خمس شياه وضعفها لأنها من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري وهو ضعيف . وأعلم أن المرفوع من هذا الحديث وهو من بعض حديث أنس السابق وقد تقدم شرحه . قوله ( ففيها بنتا لبون وحقة ) الحقة عن خمسين وبنتا اللبون عن ثمانين وكذلك إذا بلغت مائة وأربعين فيها حقتان عن مائة وبنت لبون عن أربعين وإذا بلغت مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق عن كل خمسين حقة وإذا بلغت مائة وستين ففيها أربع بنات لبون عن كل أربعين واحدة وإذا بلغت مائة وسبعين ففيها ثلاث بنات لبون عن مائة وعشرين وحقة عن خمسين وإذا بلغت مائة وثمانين ففيها حقتان عن مائة وابنتا لبون عن ثمانين وإذا بلغت مائة وتسعين ففيها ثلاث حقاق عن مائة وخمسين وبنت لبون عن أربعين وإذا بلغت مائتين ففيها أربع حقاق عن كل خمسين حقة أو خمس بنات لبون عن كل أربعين واحدة وهذا لا يخالف ما تقدم في حديث أنس لأن قوله فيه ( ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ) معناه مثل هذا لا فرق بينه وبينه إلا أن مجمل وهذا مفصل . وزاد أبو داود في هذا الحديث بعد قوله ( ولا ذات عيب ) فقال وقال الزهري إذا جاء المصدق فسمت الشياه أثلاثا ثلثا شرارا وثلثا خيارا وثلثا وسطا فيأخذ من الوسط

3 - وعن معاذ بن جبل ( قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن وأمرني أن آخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة ومن كل حالم دينار أو عد له معافر )
- رواه الخمسة وليس لابن ماجه فيه حكم الحاكم

4 - وعن يحيى بن الحكم ( أن معاذا بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اصدق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة فعرضوا على أن آخذ ما بين الأربعين والخمسين وما بين الستين والسبعين وما بين الثمانين والتسعين فقدمن فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك وزعم أن الأوقاص لا فريضة فيها )
- رواه أحمد

- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان وصححه الدارقطني والحاكم وصححه أيضا من رواية أبي وائل عن مسروق عن معاذ . ورواه أبو داود والنسائي من رواية أبي وائل عن معاذ ورجح الترمذي والدارقطني الرواية المرسلة ويقال أن مسروقا لم يسمع من معاذ وقد بالغ ابن حزم في تقرير ذلك . وقال ابن القطان هو على الاحتمال وينبغي أن يحكم لحديثه بالإتصال على رأي الجمهور . وقال ابن عبد البر في التمهيد إسناده متصل صحيح ثابت ووهم عبد الحق فنقل عنه أنه قال مسروق لم يلق معاذا وتعقبه ابن القطان بأن أبا عمر إنما قال ذلك في رواية مالك عن حميد بن قيس عن طاوس عن معاذ وقد قال الشافعي طاوس عالم بأمر معاذ وأن لم يلقه لكثرة من لقيه ممن أدرك معاذا وهذا مما لا أعلم من أحد فيه خلافا انتهى . قال الحافظ في التلخيص ورواه البزار والدار قطني من طريق ابن عباس بلفظ ( لما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة جذعا أو جذعة ) الحديث لكنه من طريق بقية عن المسعودي وهو ضعيف . والرواية الثانية المذكورة عن معاذ أخرجها أيضا البزار وفي إسنادها الحسن بن عمارة وهو ضعيف . والرواية الثانية المذكورة عن معاذ أخرجها أيضا البزار وفي إسنادها الحسن بن عمارة وهو ضعيف ويدل على ضعفه ذكره فيها لقدوم معاذ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقدم إلا بعد موته . وقد أخرج نحو هذه الرواية مالك في الموطأ من طرق طاوس عن معاذ وليس عنده أن معاذ قدم قبل موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل صرح فيها أن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات قبل قدومه وحكى الحافظ عن عبد الحق أنه قال في زكاة البقر حديث متفق على صحته يعني في النصب . وحكى أيضا عن ابن جرير الطبري أنه قال صح الإجماع المتيقن المقطوع به الذي لا اختلاف فيه إن في كل خمسين بقرة بقرة فوجب الأخذ بهذا وما دون ذلك مختلف فيه ولا نص في إيجابه وتعقبه صاحب الإمام بحديث عمرو بن حزم الطويل في الديات وغيرها فإن فيه كل ثلاثين باقورة ( 1 ) تبيع جذع أو جذعة وفي كل أربعين باقورة بقرة
وحكى أيضا عن ابن عبد البر أنه قال في الاستذكار لا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر على ما في حديث معاذ وأنه النصاب المجمع عليه فيها انتهى : قوله ( من كل ثلاثين من البقر ) فيه دليل على أن الزكاة لا تجب فيما دون الثلاثين وإليه ذهبت العترة والفقهاء وحكى في البحر عن سعيد بن المسيب والزهري أنها تجب في خمس وعشرين منها كالإبل ورده بأن النصب لا تثبت بالقياس وإن سلم فالنص مانع : قوله ( تبعا أو تبيعة ) التبيع على ما في القاموس والنهاية ما كان في أول سنه وفي حديث عمرو بن حزم جذع أو جذعة قوله ( مسنة ) حكى في النهاية عن الأزهري أن البقرة والشاة يقع عليهما اسم المسن إذا كان في السننة الثانية والاقتصار على المسنة في الحديث يدل على أنه لا يجزيء المسن ولكنه أخرج الطبراني عن ابن عباس مرفوعا ( وفي كل أربعين مسنة أو مسن ) . قوله ( ومن كل حالم دينار ) فسره أبو داود بالمحتام والمراد به أخذ الجزية ممن لم يسلم . قوله ( معافر ) بالعين المهملة حي من همدان لا ينصرف لما فيه من صيغة منتهى الجموع وإليهم تنسب الثياب المعافرية والمراد هنا الثياب المعافرية كما فسره بذلك أبو داود : قوله ( أن الأوقاص ) الخ هي جمع وقص بفتح الواو والقاف ويجوز إسكانها وإبدال الصاد سينا وهو ما بين الفرضين عند الجمهور واستعمله الشافعي فيما دون النصاب الأول . وقد وقع الاتفاق على أنه لا يجب فيها شيء في البقر إلا في رواية عن أبي حنيفة فإنه أوجب فيما بين الأربعين والستين ربع مسنة وروى عنه وهو المصحح له أنه يجب قسطه من المسنة
_________
( 1 ) أهل اليمن يسسمون البقر باقورة

5 - وعن رجل يقال له سعر عن مصدقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( أنهما قالا نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نأخذ شافعا والشافع التي في بطنها ولدها )

6 - وعن سويد بن غفلة قال ( أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسمعه يقول أن في عهدي أنا لا نأخذ من راضع لبن ولا نفرق بين مجتمع ولا نجمع بين مفترق وأتاه رجل بناقة كوماء فأبى أن يأخذها )
- رواهما أحمد وأبو داود والنسائي

- الحديث الأول أخرجه أيضا الطبراني وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجال إسناده ثقات . والحديث الثاني أخرجه أيضا الدارقطني والبيهقي وفي إسناده هلال بن خباب وقد وثقه غير واحد وتكلك فيه بعضهم . قوله ( يقال له سعر ) بكسر السين المهملة وسكون العين المهملة وآخره راء كذا في جامع الأصول ومختصر المنذري . وفي كتاب ابن عبد البر بفتح السين المهملة وهو ابن ديسم بفتح الدال المهملة وسكون الياء التحتية وفتح السين المهملة الكناني الديلي روى عنه ابنه جابر هذا الحديث وذكر الدارقطني وغيره أن له صحبة وقيل كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما جاء في هذا الحديث . قوله ( من راضع لبن ) فيه دليل على أنها لا تؤخذ الزكاة من الصغار التي ترضع اللبن وظاهره سواء كانت منفردة أو منضمة إلى الكبار ومن أوجبها فيها عارض هذا بما أخرجه مالك في الموطأ والشافعي وابن حزم إن عمر لساعيه سفيان بن عبد الله الثقفي اعتد عليهم بالسخلة التي يروح بها الراعي على يده ولا تأخذها كما سيأتي وهو مبني على جواز التخصيص بمذهب الصحابي والحق خلافه . قوله ( كوماء ) بفتح الكاف وسكون الواو هي الناقة العظيمة السنام ( والحديثان ) يدلان على أنه لا يجوز للمصدق أن يأخذمن خيار الماشية وقد أخرج الشيخان من حديث ابن عباس ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له إياك وكرائم أموالهم ) وقد تقدم الكلام على قوله ( ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق )

7 - وعن عبد الله بن معاوية الغاضري من غاضره قيس قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث من فعلهن طعم طعم الأيمان من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله وأعطي زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام ولا يعطى الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط للئمة لكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره )
- رواه أبو داود

- الحديث أخرجه أيضا الطبراني وجود إسناده وسياقه أتم سندا ومتنا وذكره أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة مسندا وعبد الله هذا له صحبة وهو معدود في أهل حمص قيل أنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا حديثا واحدا والغاضري بالغين والضاد المعجمتين : قوله ( رافدة ) الرافدة المعينة والمعطية والمراد هنا المعنى الأول أي معينة له على اداء الزكاة . قوله ( ولا الدرنة ) بفتح الدال المهملة مشددة بعدها راء مكسورة ثم نون وهي الجرباء قاله الخطابي وأصل الدرن الوسخ كما في القاموس وغيره . قوله ( ولا الشرط اللئيمة ) الشرط بفتح الشين المعجمة والراء قال أبو عبيد هي صغار المال وشراره واللئيمة البخيلة باللبن . قوله ( ولكن من وسط أموالكم ) الخ فيه دليل على أنه ينبغي أن يخرج الزكاة من أوساط المال لا من شراره ولا من خياره

8 - وعن أبي بن كعب قال ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصدقا فمررت برجل فلم أجد عليه في ماله إلا ابنة مخاض فأخبرته انها صدقته فقال ذاك مالا لبن فيه ولا ظهر وما كنت لاقرض الله مالا لبن فيه ولا ظهر ولكن هذه ناقة سمينة فخذها فقلت ما أنا بآخذ مالم أومر به فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منك قريب فخرج معي وخرج بالناقة حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذاك الذي عليك وان تطوعت بخير قبلناه منك وأجرك الله فيه قال فخذها فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقبضها ودعا له بالبركة )
- رواه أحمد

- الحديث أخرجه أيضا أبو داود بأتم مما هنا وصححه الحاكم وفي إسناده محمد بن اسحاق وخلاف الأئمة في حديثه مشهور إذا عنعن وهو هنا قد صرح التحديث . قوله ( ولا ظهر ) يعني أن بنت المخاض ليست ذات لبن ولا صالحة للركوب عليها : قوله ( ولكن هذه ناقة سمينة ) لفظ أبي داود ( لكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة ) قوله ( منك قريب ) زاد أبو داود فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت على فافعل قبله منك قبلته وان رده عليك رددته قال فاني فاعل فخرج معي بالناقة التي عرضت علي الخ : قوله ( فأخبره الخبر ) لفظ أبي داود ( فقال له يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي وايم الله ما قام في مالي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا رسوله قط فجمعت مالي فزعم ان ما على فيه إلى ابنة مخاض ) ثم ذكر نحوما تقدم ( والحديث ) يدل على جواز أخذم سن أفضل من السن التي تجب على المالك إذا رضي بذلك وهو مما لا أعلم فيه خلافا

9 - وعن سفيان بن عبد الهل الثقفي ( أن عمر بن الخطاب قال تعد عليهم بالسخلة يحملها الراعي ولا تأخذها ولا تأخذ الأ كولة ولا الربي ولا الماخض ولا فحل الغنم وتأخذ الجذعة والثنية وذلك عدل بين غذاء المال وخياره )
- رواه مالك في الموطأ

- الحديث أخرجه أيضا الشافعي وابن حزم وأغرب ابن أبي شيبة فرواه مرفوعا قال حدثنا أبو أسامة عن النهاس بن قهم عن الحسن بن مسلم قال ( بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سفيان بن عبد الله علي الصدقة ) الحديث . ورواه أيضا أبو عبيد في الأموال من طريق الأوزاعي عن سالم بن عبد الله المحاربي ان عمر بعث مصدقا فذكر نحوه . قوله ( تعد عليهم بالسخلة ) استدل به على وجوب الزكاة في الصغار وقد تقدم في المرفوع من حديث سويد بن غفلة ما يخالفه . قوله ( الأ كولة ) بفتح الهمزة وضم الكاف العاقر من الشياه والشاة تعزل للأكل وهكذا في القاموس وأما الأ كولة بضم الهمزة والكاف فهي قبيحة المأكول وليست مرادة هنا لان الساق في تعداد الخيار . قوله ( ولا الربي ) بضم الراء وتشديد الباء الموحدة هي الشاة التي تربى في البيت للبنها . قوله ( ولا فحل الغنم ) إنما منعه من أخذه مع كونه لا يعد من الخيار لان المالك يحتاج إليه لينزو على الغنم . قوله ( وتأخذ الجذعة والثنية ) المراد الجذعة من الضأن والثنية من المعز ويدل على ذلك ما في بعض روايات حديث سويد بن غفلة المتقدم أن المصدق قال إنما حقنا في الجذعة من الضأن والثنية من المعز . قوله ( بين غذاء المال ) الغذاء بالغين المعجمة المكسورة بعدها ذال معجمة جمع غذي كغني السخال ( وقد استدل ) بهذا الأثر على أن الماشية التي تؤخذ في الصدقة هي المتوسطة بين الخيار والشرار . وفي المرفوع النهي عن كرائم الأموال كما تقدم من حديث معاذ وعن المعيب كما تقدم في حديث أنس وعمرو الأمر بأخذ الوسط كما تقدم في حديث الغاضري

باب لا زكاة في الرقيق والخيل والحمر

1 - عن أبي هريرة قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه )
- رواه الجماعة . ولأبي داود ( ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر ) ولأحمد ومسلم ( ليس للعبد صدقة إلى صدقة الفطر )

2 - وعن عمرو جاءه ناس من أهل الشام ( فقالوا انا قد أصبنا أموالا خيلا ورقيقا نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور قال مافعله صاحباي قبلي فأفعله واستشار أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفيهم عليه رضي الله عنه فقال علي هو حسن ان لم تكن جزية راتبة يؤخذون بها من بعدك )
- رواه أحمد

3 - وعن أبي هريرة قال ( سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحمير فيها زكاة فقال ما جاءني فيها شيء الا هذه الآية الفاذة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )
- رواه أحمد . وفي الصحيحين معناه

- الأثر المروي عن عمر قال في مجمع الزوائد رجاله ثقات . قوله ( ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه ) قال ابن رشد أراد بذلك الجنس في الفرس والعبد لا الفرد الواحد اذ لا خلاف في ذلك في العبد المتصرف والفرس المعد للركوب ولا خلاف أيضا أنها لا تؤخذ من الرقاب وإنما قال بعض الكوفيين تؤخذ منها بالقيمة . وقال أبو حنيفة أنها تجب في الخيل إذا كانت ذكرانا وأناثا نظرا إلى النسل وله في المنفردة روايتان ولا يرد عليه أنه يلزم مثل هذا في سائر السوائم إذا انفردت لعدم التناسل لأنه يقول أنه إذا عدم التناسل حصل فيها النمو للأكل والخيل لا تؤكل عنده . قال الحافظ ثم عند ان المالك يتخير بين أن يخرج عن كل فرس دينارا أو يقوم ويخرج ربع العشر وهذا الحديث يرد عليه واجيب من جهته يحمل النفي فيه على الرقبة لا على القيمة وهو خلاف الظاهر . ومن جملة ما يرد به عليه حديث علي عند أبي داود بإسناد حسن مرفوعا ( قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة ) وسيأتي . واستدل على الوجوب بما وقع في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ( انه صلى الله عليه وآله وسلم قال في الخيل ثم لم ينس حق الله في ظهورها ) وقد تقدم الجواب عن ذلك في شرح حديث أبي هريرة ( ومن جملة ) ما استدل به ما أخرجه الدارقطني والبيهقي والخطيب من حديث جابر عنه صلى الله عليه وآله وسلم ( في كل فرس سائمة دينار أو عشرة دراهم ) وهذا الحديث مما لا تقوم به حجة لانه قد ضعفه الدارقطني والبيهقي فلا يقوى على معارضة حديث الباب الصحيح وتمسك أيضا بما روى عن عمر أنه أمر عامله بأخذ الصدقة من الخيل وقد تقرر ان أفعال الصحابة وأقوالهم لا حجة فيها لا سيما بعد إقرار عمر بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر لم يأخذ الصدقة من الخيل كما في الرواية المذكورة في الباب ( وقد احتج ) بظاهر حديث الباب الظاهرية فقالوا لا تجب الزكاة في الخيل والرقيق لا لتجارة ولا لغيرها واجيب عنهم بأن زكاة التجارة ثابته بالإجماع ( 1 ) كما نقله ابن المنذر وغيره فيخص به عموم هذا الحديث ولا يخفى ان الإجماع على وجوب زكاة التجارة في الجملة لا يستلزم وجوبها في كل نوع من أنواع المال لأن مخالفة الظاهرية في وجوبها
في الخيل والرقيق الذي هو محل النزاع مما يبطل الأحتجاج عليهم بالإجماع على وجوبها فيهما فالظاهر ما ذهب إليه أهله . قوله ( إن لم تكن جزية ) الخ ظاهر هذا أن عليا لا يقول بجواز الزكاة من هذين النوعين وإنما حسن الأخذ من الجماعة المذكورين لكونهم قد طلبوا من عمر ذلك . وحديث أبي هريرة المذكور في الباب هو طرف من حديثه المتقدم في أول الكتاب وقد شرحناه هنالك وقد استدل به على عدم وجوب الزكاة في الحمر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن زكاتها فلم يذكر ان فيها الزكاة والبراءة الأصلية مستصحبة والأحكام التكليفية لا تثبت بدون دليل ولا أعرف قائلا من أهل العلم يقول بوجوب الزكاة في الحمر لغير تجارة واستغلال
_________
( 1 ) ويستأنس اللجمهور بما رواه الترمذي والدارقطني عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمر ( أن رسول الله قال من ولى يتيما له مال ليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة ) وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرشد ولي اليتيم إلى التجارة بمال الصبي لتربح فيخرج زكاتها خوفا من أن يذهب المال بدون استثمار ولا يعقل أن المال إذا كان نقدا لا يثمر تخرج زكاته وإذا كان تجارة يثمر فلا تخرج زكاته . وحديث عمرو وإن كان إسناده ضعيف فله شاهد عند الشافعي ولفظه ( ابتغوا في أموال الأيتام لا تأكلها الزكاة ) ولعموم الأحاديث الصحيحة في إيجاب الزكاة مطلقا . والله أعلم

باب زكاة الذهب والفضة

1 - وعن علي عليه السلام قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهما وليس في تسعين ومائة شيء فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم )
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي . وفي لفظ ( قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق وليس فيما ليس دون المائتين زكاة ) رواه أحمد والنسائي

- الحديث روي من طريق عاصم بن ضمرة عن علي . ومن طريق الحرث الأعور عن علي أيضا قال الترمذي روي هذا الحديث الأعمش وابو عوانة وغيرهما عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي . وروى سفيان الثوري وابن عيينة وغير واحد عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي وسألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال كلاهما عندي صحيح انتهى . وقد حسن هذا الحديث الحافظ وقال الدارقطني الصواب وفقه على علي ( الحديث يدل ) على وجوب الزكاة في الفضة وهو مجمع على ذلك . ويدل أيضا على أن زكاتها ربع العشر ولا أعلم في ذلك خلافا . ويدل أيضا على اعتبار النصاب في زكاة الفضة وهو إجماع أيضا وعلى أنه مائتا درهم قال الحافظ ولم يخالف في أن نصاب الفضة مائتا درهم إلا ابن حبيب الأندلسي فإنه قال أن أهل كل بلد يتعاملون بدراهمهم . وذكر ابن عبد البر اختلافا في الوزن بالنسبة إلى دراهم الأندلس وغيرها من دراهم البلدان قيل وبعضعم اعتبر النصاب بالعدد لا بالوزن وهو خارق للإجماع وهذا البعض الذي أشار إليه هو المريسي وبه قال المغربي من الظاهرية كما في البحر وقد قوى كلام هذا المغربي الظاهري المغربي الصنعاني في شرح بلوغ المرام وقال أنه الطاهر ولا بد أن يكون النصاب خالصا عن الغش كما ذهب إليه الجمهور . قال المؤيد بالله والإمام يحى أنه يغتفر اليسير وقدره الإمام يحي بالعشر فما دون . وحكى في البحر عن أبي حنيفة أنه يغتفر ما دون النصف وسيأتي تحقيق مقدار الدرهم ( وفي الحديث ) أيضا دليل على أنه لا زكاة في الخيل والرقيق وقد تقدم الكلام على ذلك

2 - وعن جابر قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة وليس فيما دون خمس أوسق من التمر صدقة )
- رواه أحمد ومسلم وهو لأحمد والبخاري من حديث أبي سعيد

3 - وعن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليهما الحولففيها خمس دراهم وليس عليك شيء يعني من الذهب حتى يكون لك عشرون دينارا فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار )
- رواه أبو داود

- حديث أبي سعيد المشار إليه هو متفق عليه . ولفظه في البخاري ( ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقو وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ) وحديث علي هو من حديث إسحاق عن الحرث الأعور وعاصم بن ضمرة عنه وقد تقدم أن البخاري قال كلاهما عنده صحيح وقد حسنه الحافظ والحرث ضعيف وقد كذبه ابن المديني وغيره وروى عن ابن معين توثيقه وعاصم وثقه ابن المديني وقال النسائي ليس به بأس : قوله ( خمس أواق ) بالتنزين وبإثبات التحتية مشددا ومخففا جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد التحتانية وحكى اللحياني وقية بحذف الألف وفتح الواو قال في الفتح ومقدار الأوقية في هذا الحديث أربعون درهما بالاتفاق والمراد بالدرهم الخالص من الفضة سواء كان مضروبا أو غير مضروب . قال عياض قال أبو عبيد أن الدرهم لم يكن معلوم القدر حتى جاء عبد الملك بن مروان فجمع العلماء فجعل كل عشر دراهم سبعة مثاقيل قال وهذا يلزم منه أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم أحال نصاب الزكاة على أمر مجهول وهو مشكل والصواب أن معتى ما نقل من ذلك أنه لم يكن شيء منها من ضرب الإسلام وكانت مختلفة في الوزن فعشرة مثلا وزن عشرة وعشرة وزن ثمانية فاتفق الرأي على أن تنقش بالكتابة العربية ويصير وزنها وزنا واحدا وقال غيره لم يتغير المثقال في جاهلية ولا اسلام . وأما الدرهم فأجمعوا على أن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم انتهى : قوله ( من الورق ) قد تقدم الكلام عليه وكذا تقدم الكلام على قوله خمس ذود : قوله ( خمسة أوسق ) جمع وسق بفتح الواو ويجوز كسرها بالاتفاق وقد وقع في رواية ابن ماجه من طريق أبي البختري عن أبي سعيد نحو هذا الحديث وفيه ( والوسق ستون صاعا ) وأخرجها أبو داود أيضا لكن قال ( ستون مختوما ) وللدارقطني من طريق عائشة ( الوسق ستون صاعا ) وفيه دليل على أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق وسيأتي البحث عن ذلك : قوله ( عشرون دينارا ) الدينار مثقال والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم والدرهم ستة دوانيق والدانق قيراطان والقيراط طسوجان والطسوج حبتان والحبة سدس ثمن درهم وهو جزء من ثمانية وأربعين جزءا من درهم كذا في القاموس في فصل الميم من حرف الكاف ( وفيه دليل ) على نصاب الذهب عشرون دينارا وإلى ذلك ذهب الأكثر وروى عن الحسن البصري أن نصابه أربعون وروى عنه مثل قول الأكثر ونصابه معتبر في نفسه . وقال طاوس أنه يعتبر في نصابه التقويم بالفضة فما بلغ منه ما يقوم بمائتي درهم وجبت فيه الزكاة ويرده الحديث : قوله ( وحال عليه الحول ) فيه دليل على اعتبار الحول في زكاة الذهب ومثله الفضة وإلى ذلك ذهب الأكثر . وذهب ابن عباس وابن مسعود والصادق والباقر والناصر وداود إلى أنه يجب على المالك إذا استفاد نصابا أن يزكيه في الحال تمسكا بقوله ( في الرقة ربع العشر ) وهو مطلق مقيد بهذا الحديث فاعتبار الحول لابد منه والضعف الذي في حديث الباب منجبر بما عند ابن ماجه والدارقطني والبيهقي والعقيلي من حديث عائشة من اعتبار الحول . وفي إسناده حارثة بن أبي الرجال وهو ضعيف وبما عند الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر مثله وفيه إسماعيل بن عياش وحديثه عن غير أهل الشام ضعيف وبما عند الدارقطني من حديث أنس وفيه حسان بن سياه وهو ضعيف . قوله ( ففيها نصف دينار ) فيه دليل على أن زكاة الذهب ربع العشر ولا أعلم فيه خلافا

باب زكاة الزرع والثمار

1 - عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( فيما سقت الأنهار والغيم العشور وفيما سقى بالسانية نصف العشور )
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وقال الأنهار والعيون

2 - وعن ابن عمر ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر )
- رواه الجماع إلى مسلما لكن بلفظ النسائي وأبي العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر

- قوله ( والغيم ) بفتح الغين المعجمة وهو المطر وجاء في رواية الغيل باللام قال أبو عبيد هو ما جرى من المياه في الأنهار وهو سيل دون السيل الكبير . وقال ابن السكيت هو الماء الجاري على الأرض . قوله ( العشور ) قال النووي ضبطناه بضم العين جمع عشر . وقال القاضي عياض ضبطناه عن عامة شيوخنا بفتح العين وقال وهو اسم للمخرج من ذلك . وقال صاحب المطالع أكثر الشيوخ يقولونه بالضم وصوابه الفتح . قال النووي وهذا الذي أدعاه من الصواب ليس بصحيح وقد اعترف بأن أكثر الرواة رووه بالضم وهو الصواب جمع عشر وقد اتفقوا على قولهم عشور أهل الذمة بالضم ولا فرق بين اللفظين . قوله ( بالسانية ) هي البعير الذي يستقى به الماء من البئر ويقال له الناضح يقال منه سنا يسنو سنوا إذا استقى به : قوله ( فيما سقت السماء ) المراد بذلك المطر أو الثلج أو البرد أو الطل والمراد بالعيون الأنهار الجارية التي يستقي منها من دون اغتراف بىلة بل تساح إساحة : قوله ( أو كان عثريا ) هو بفتح العين المهملة وفتح الثاء المثلثة وكسر الراء وتشديد التحتانية . وحكى عن ابن الأعرابي تشديد المثلثة ورده ثعلب . قال الخطابي هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي زاد ابن قدامة عن القاضي أبي يعلى وهو المستنقع في بركة ونحوها يصيب إليه ماء المطر في سواق تستقي إليه قال واشتقاقه من العاثور وهي الساقية التي يجري فيها الماء لأن الماشي يتعثر فيها قال ومثله الذي يشرب من الأنهار بغير مؤونة أو يشرب بعروقه كأن يغرس في أرض يكون الماء قريبا من وجهها فتصل إليه عروق الشجر فيستغني عن السقي . قال الحافظ وهذا التفسير أولى من إطلاق أبي عبيدة أن العثري ما سقته السماء لأن سياق الحديث يدل على المغايرة وكذا قول من فسر العثرى بأنه الذي لا حمل له لأنه لا زكاة فيه . قال ابن قدامة لا نعلم في هذه التفرقة التي ذكرها خلافا . قوله ( بالنضح ) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة بعدها حاء مهملة أي بالسانية . قوله ( بعلا ) بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة ويروي بضمها قال في القاموس البعل الأرض المرتفعة تمطر في السنة مرة وكل نخل وزرع لا يسقى أو سقته السماء انتهى . وقيل هو الأشجار التي تشرب بعروقها من الأرض ( والحديثان ) يدلان على أنه يجب العشر فيما سقى بماء السماء والأنهار ونحوهما مما ليس فيه مؤنة كثيرة ونصف العشر فيما سقى بالنواضح ونحوها مما فيه مؤنة كثيرة قال النووي وهذا متفق عليه وغن وجد مما يسقي بالنضح تارة وبالمطر أخرى فإن كطان ذلك على جهة الاستواء وجب ثلاثة أرباع العشر وهو قول أهل العلم : قال ابن قدامة لا نعلم فيه خلافا وإن كان فيه خلافا وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الأقل تبعا للأكثر عند أحمد والثوري وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي . وقيل يؤخذ بالتقسيط . قال الحافظ ويحتمل أن يقال إن أمكن فصل كل واحد منهما أخذ بحسابه وعن ابن القاسم صاحب مالك العبرة بما تم به الزرع ولو كان أقل

3 - وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( قال ليس فيما دون خمسة أو سق صدقة ولا فيما دون خمس أواق صدقة ولا فيما دون خمس ذود صدقة )
- رواه الجماعة . وفي لفظ لأحمد ومسلم والنسائي ( ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة ) ولمسلم في رواية . من تمر بالثاء ذات النقط الثلاث

4 - وعن أبي سعيد أيضا ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الوسق ستون صاعا )
- رواه أحمد وابن ماجه ولأحمد وأبي داود ( ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة والوسق ستون مختوما

- قوله ( ليس فيما دون خمسون أوسق ) قد تقدم تفسير والأواقي والذود : قوله ( الوسق ستون صاعا ) هذا الحديث أخرجه أيضا الدارقطني وابن حبان من طريق عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد وأخرجه أيضا النسائي وأبو داود وابن ماجه من طريق أبي البختري من أبي سعيد قال أبو داود وهو منقطع لم يسمع أبو البختري عن أبي سعيد وقال أبو حاتم لم يدركه وأخرج البيهقي نحوه من حديث ابن عمر وابن ماجه من حديث جابر وإسناده ضعيف قال الحافظ وفيه عن عائشة وعن سعيد بن المسيب . وحديث ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) مخصص لعموم حديث جابر المتقدم في أول الباب . ولحديث ابن عمر المذكور بعده لأنهما يشملان الخمسة الأوسق وما دونها وحديث أبي سعيد هذا خاص بقدر الخمسة الأوسق فلا تجب الزكاة فيما دونها وإلى هذا ذهب الجمهور : وذهب ابن عباس وزيد بن علي والنخعي وأبو حنيفة إلى العمل بالعام فقالوا تجب الزكاة في القليل والكثير ولا يعتبر النصاب وأجابوا عن حديث الأوساق بأنه لا ينتهض لتخصيص حديث العموم لأنه مشهور وله حكم المعلوم وهذا إنما يتم على مذهب الحنفية القائلين بأن دلالة العموم قطعية وأن العمومات القطعية لا تخصص بالظنيات ولكن ذلك لا يجري فيما نحن بصدده فإن العام والخاص ظنيان كلاهما والخاص أرجح دلالة وإسنادا فيقدم على العام تقدم أو تأخر أو قارن على ما هو الحق من أنه يبني العام على الخاص مطلقا وهكذا يجب البناء إذا جهل التاريخ وقد قيل أن ذلك إجماع والظاهر إن مقام النزاع من هذا القبيل . وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق مما أخرجت الأرض إلا أن أبا حنيفة قال تجب في جميع ما يقصد بزراعته نماء الأرض الأرض إلا الحطب والقضب والحشيش والشجر الذي ليس له ثمر انتهى . وحكى عياض عن داود إن كل ما يدخله الكيل يراعي فيه النصاب ومالا يدخل فيه الكيل ففي قليله وكثيره الزكاة وهو نوع من الجمع . وقال ابن العربي أقوى المذاهب وأحوطها للمساكين قول أبي حنيفة وهو التمسك بالعموم انتهى . وههنا مذهب ثالث حكاه صاحب البحر عن الباقر والصادق أنه يعتبر النصاب في التمر ما يتناوله بلا دليل

5 - وعن عطاء بن السائب قال ( أراد عبد الله بن المغيرة أن يأخذ من أرض موسى بن طلحة من الخضراوات صدقة فقال له موسى بن طلحة ليس لك ذلك إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول ليس في ذلك صدقة )
- رواه الأثرم في سننه . وهو من أقوى المراسيل لا حتجاج من أرسله به

- الحديث أخرجه أيضا الدارقطني والحاكم من حديث إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة عن معاذ بلفظه . وأما القثاء والبطيخ والرمان والقضب فعفو عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قال الحافظ وفيه ضعف وانقطاع وروى الترمذي بعضه من حديث عيسى بن طلحة عن معاذ وهو ضعيف . وقال الترمذي ليس يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيء يعني في الخضراوات وإنما يروى عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسلا . وذكره الدارقطني في العلل وقال الصواب مرسل . وروى البيهقي بعضه من حديث موسى بن طلحة قال عندنا كتاب معاذ . ورواه الحاكم وقال موسى تابعي كبير لا ينكر أنه لقى معاذا . وقال ابن عبد البر لم يلق معاذا ولا أدركه وكذلك قال أبو زرعة وروى البزار والدارقطني من طريق الحرث بن نبهان عن عطاء بن السائب عن موسى بن طلحة عن أبيه مرفوعا ( ليس في الخضراوات صدقة ) قال البزار لانعلم أحدا قال فيه عن أبيه إلا الحرث بن نبهان . وقد حكى ابن عدي تضعيفه عن جماعة والمشهور عن موسى مرسل . ورواه الدارقطني من طريق مروان بن محمد السنجاري عن جرير عن عطاء ابن السائب فقال عن أنس بدل قوله عن أبيه ولعله تصحيف منه ومروان مع ذلك ضعيف جدا . وروى الدارقطني من حديث على مثله وفيه الصقر بن حبيب وهو ضعيف جدا ( وفي الباب ) عن محمد بن جحش عند الدارقطني وفي إسناده عبد الله بن شبيب . قيل عنه أنه يسرق الحديث . وعن عائشة عند الدارقطني أيضا وفيه صالح بن موسى وفيه ضعف . وعن علي موقوفا عند البيهقي . وعن عمر كذلك عنده ( والحديث يدل ) على عدم وجوب الزكاة في الخضراوات وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي وقالا إنما تجب الزكاة فيما يكال ويدخر للاقتيات . وعن أحمد انها تخرج مما يكال ويدخر ولو كان لا يقتات وبه قال أبو يوسف ومحمد وأوجبها في الخضراوات الهادي والقسم والحشيش والحطب لحديث الناس شركاء في ثلاث ووافقها أبو حنيفة الا أنه استثنى السعف والتبن واستدلوا على وجوب الزكاة في الخضراوات بعموم قوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } وقوله { ومما أخرجنا لكم من الأرض } وقوله { وآتوا حقه يوم حصاده } وبعموم حديث ( فيما سقت السماء العشر ) ونحوه قالوا وحديث الباب ضعيف لا يصلح لتخصيص هذه العمومات وأجيب بأن طرقه يقوي بعضها بعضا فينتهض لتخصيص هذه العمومات ويقوي ذلك ما أخرجه الحاكم والبيهقي والطبراني من حديث أبي موسى ومعاذ حين بعثهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم ( فقال لا تأخذا الصدقة الا من هذه الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر ) قال البيهقي رواته ثقات وهو متصل . وما أخرجه الطبراني عن عمر قال ( إنما سن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزكاة في هذه الأربعة فذكرها ) وهو من رواية موسى ابن طلحة عن عمر . قال أبو زرعة موسى عن عمر مرسل . وما أخرجه ابن ماجه والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ ( إنما سن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ) زاد ابن ماجه ( والذرة ) وفي إسناده محمد بن عبيد الله العرزمي وهو متروك . وما أخرج البيهقي من طريق مجاهد قال لم تكن الصدقة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا في خمسة فذكرها . وأخرج أيضا من طريق الحسن فقال لم يفرض الصدقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى في عشرة فذكر الخمسة المذكورة والأبل والغنم والذهب والفضة . وحكى أيضا ن الشعبي أنه قال كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل اليمن إنما الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب . قال البيهقي هذه المراسيل طرقها مختلفة وهي يؤكد بعضها بعضا ومعها حديث أبي موسى ومعها قول عمر وعلي وعائشة ليس في الخضراوات زكاة انتهى . فلا أقل من انتهاض هذه الأحاديث لتخصيص تلك العمومات التي قد دخلها التخصيص بالأوساق والبقر العوامل . وغيرها فيكون الحق ما ذهب إليه الحسن البصري بالأوساق والبقر العوامل وغيرهما الحق ما ذهب إليه الحسن البصري والحسن بن صالح والثوري والشعبي من أن الزكاة لا تجب إلى في البر واشعير والتمر والزبيب لا فيما عدا هذه الأربعة مما أخرجت الأرض وأما زيادة الذرة في حديث عمرو بن شعيب فقد عرفت أن في إسنادها متروكا ولكنها معتضدة بمرسل مجاهد والحسن

6 - وعن عائشة قالت ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبعث عبد الله ابن رواحة فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه ثم يخير يهودي يأخذونه بذلك الخرص أو يدفعونه إليهم بذلك الخرص لكي يحصي الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق )
- رواه أحمد وأبو داود

7 - وعن عتاب بن أسيد ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم )
- رواه الترمذي وابن ماجه . و عنه أيضا ( قال أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل فتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ صدقة النخل تمرا )
- رواه أبو داود والترمذي

8 - وعن سهل بن أبي حثمة قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع )
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه

- حديث عائشة فيه واسطة بين ابن جريج والزهري ولم يعرف . وقد رواه عبد الرزاق والدارقطني بدون الواسطة المذكورة وابن جريج مدلس فلعله تركها تدليسا . وذكر الدارقطني الأختلاف فيه فقال رواه صالح عن أبي الأخضر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة وأرسله معمر ومالك وعقيل ولم يذكروا أبا هريرة وحديث عتاب بن أسيد أخرجه أيضا باللفظ الأول أبو داود وابن حبان وباللفظ الثاني النسائي وابن حبان والدارقطني ومداره على سعيد بن المسيب عن عتاب وقد قال أبو داود لم يسمع منه وقال ابن قانع لم يدركه . وقال المنذري انقطاعه ظاهر لان مولد سعيد في خلافة عمر ومات عتاب يوم مات أبو بكر وسبقه إلى ذلك ابن عبد البر . وقال ابن السكن لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجه غيرهذا وقد رواه هذا وقد رواه الدارقطني بسند فيه الواقدي فقال عن سعيد بن المسيب عن المسور بن مخرمة عن عتاب بن أسيد . وقال أبو حاتم الصحيح عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر عتابا مرسل وهذا رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري . وحديث سهل بن أبي حثمة أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وفي إسناده عبد الرحمن بن مسعود بن نيار الراوي عن ابن أبي حثمة وقد قال إنه انفرد به وقال ابن القطان لا يعرف حاله قال الحاكم وله شاهد باسناد متفق على صحته أن عمر بن الخطاب أمر به . ومن شواهده ما رواه ابن عبد البر عن جابر مرفوعا ( خففوا في الخرص ) الحديث وفي إسناده ابن لهيعة ( والأحاديث المذكورة ) تدل على مشروعية الخرص في العنب والنخل وقد قال الشافعي في أحد قوليه بوجوبه مستدلا بما في حديث عتاب من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بذلك وذهبت العترة ومالك وروى عن الشافعي إلى أنه جائز فقط وذهبت الهادوية وروي عن الشافعي أيضا إلى أنه مندوب وقال أبو حنيفة لا يجوز لأنه رجم بالغيب والأحاديث المذكورة ترد عليه . وقد قصر جواز الخرص على مورد النص بعض أهل الظاهر فقال لا يجوز إلا في النخل والعنب ووافقه على ذلك شريح وأبو جعفر وابن أبي الفوارس وقيل يقاس عليه غيره مما يمكن ضبطه بالخرص واختلف في خرص الزرع فاجازه للمصلحة الإمام يحيى ومنعته الهادوية والشافعية : قوله ( ودعوا الثلث ) قال ابن حبان له معنيان . أحدهما أن يترك الثلث أو الربع من العشر . وثانيهما أن يترك ذلك في نفس الثمرة قبل أن تعشر . وقال الشافعي أن يدع ثلث الزكاة أو ربعها ليفرقها هو بنفسه . وقيل يدع له ولاهله قدرما يأكلون ولا يخرص . وأخرج أبو نعيم في الصحابة من طريق الصلت بن زييد بن الصلت عن أبيه عن جده ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استعمله على الخرص فقال أثبت لنا النصف وبق لهم النصف فإنهم يسرقون ولا تصل إليهم )

9 - وعن الزهري عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه قال ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة قال الزهري تمرين من تمر المدينة )
- رواه أبو داود

10 - وعن أبي أمامة بن سهل في الآية التي قال الله عز و جل ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون قال هو الجعرورولون حبيق فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يؤخذ في الصدقة الرذالة )

5 - رواه النسائي

- الحديث الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح والحديث الثاني في إسناده عبد الجليل بن حبيب اليحصبي ولا باس به وبقية رجاله رجال الصحيح وقد أخرج نحوه الترمذي وقال حسن صحيح غريب من حديث البراء ( قال في قوله تعالى { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فسقط البسر والتمر فيأكل وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف والقنو قد انكسر فيعلقه فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } قال لو أن أحدكم أهدى إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلى على أغماض وحياء قال فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده ) . قوله ( الجعرور ) بضم الجيم وسكون العين المهملة وضم الراء وسكون الواو بعدها راء قال في القاموس هو تمر ردئ : قوله ( ولو الحبيق ) بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون التحتية بعدها قاف . قال في القاموس حبيق كزبير تمرد قل : قوله ( الرذالة ) بضم الراء بعدها ذال معجمة هي ما انتقى جيده كما في القاموس . وقوله ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) الخ فيه دليل على أنه لا يجوز للمالك أن يخرج الردئ عن الجيد الذي وجبت فيه الزكاة نصا في التمر وقياسا في سائر الأجنائ التي تجب فيها الزكاة وكذلك لا يجوز للمصدق أن يأخذ ذلك

باب ما جاء في زكاة العسل

1 - عن أبي سارة المتعي قال ( قلت يا رسول الله لي نحلا قال فأد العشور قال قلت يا رسول الله احم لي جبلها قال فحمى لي جبلها )
- رواه أحمد وابن ماجه

2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أخذ من العسل العشر )
- رواه ابن ماجه . وفي رواية له ( جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعشور النحل له وكان سأله أن يحمي واديا يقال له سلبة فحمى له ذلك الوادي فلما ولى عمر بن الخطاب كتب سفيان بن وهب إلى عمر يسأله عن ذلك فكتب عمر ان أدى إليك ما كان يؤدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عشور نحله فاحم له سلبة وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء )
- رواه أبو داود والنسائي . ولأبي داود في رواية بنحوه وقال ( من كل عشر قرب قربة )

- حديث أبي سيارة أخرجه أيضا أبو داود والبيهقي وهو منقطع لأنه من رواية سليمان بن موسى عن أبي سيارة قال البخاري لم يدرك سليمان أحدا من الصحابة وليس في زكاة العسل شيء يصح : قال أبو عمر ابن عبد البر لا يقوم بهذا حجة . وحديث عمرو ابن شعيب قال الدارقطني يروى عن عبد الرحم بن الحرث وابن لهيعة عن عمرو بن شعيب مسندا . ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرو بن شعيب عن عمر مرسلا . قال الحافظ فهذه علته وعبد الرحمن وابن لهيعة ليسا من أهل الاتقان لكن تابعهما عمرو بن الحرث أحد الثقات وتابعهما أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عند ابن ماجه وغيره ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند الترمذي ( ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في العسل في كل عشرة أزقاق زق ) وفي إسناده صدقة السمين وهو ضعيف الحفظ وقد خولف . وقال النسائي هذا حديث منكر . ورواه البيهقي وقال تفرد به صدقة وهو ضعيف وقد تابعه طلحة بن زيد عن موسى بن يسار ذكره المروزي ونقل عن أحمد تضيعفه وذكر الترمذي انه سأل البخاري عنه فقال هو عن نافع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسل وعن أبي هريرة عند البيهقي وعبد الرزاق وفي إسناده عبد الله بن محرر بمهملات وهو متروك . وعن سعدا بن أبي ذئاب عند البيهقي ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعمله على قومه وانه قال لهم أدو العشر في العسل ) وفي إسناده منير بن عبد الله ضعفه البخاري والأزدي وغيرهما . قال الشافعي وسعد بن أبي ذئاب يحكي ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر فيه بشيء وانه شيء رآه فتطوع له به قومه . قال ابن المنذر ليس في الباب شيء ثابت : قوله ( متعان ) بضم الميم وسكون المثناة بعدها مهملة وكذا المتعى : قوله ( سلبة ) بفتح المهملة واللام والباء الموحدة وهو مواد لبني متعان قال البكري في معجم البلدان وقد استدل بأحاديث الباب على وجوب العشر في العسل أبو حنيفة وأحمد وإسحاق وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم وحكاه في البحر عن عمر وابن عباس وعمر بن عبد العزيز والهادي والمؤيد بالله وأحد قولي الشافعي . وقد حكى البخاري وابن أبي شيبة وعبد الرزاق عن عمر بن عبد العزيز أنه لا يجب في العسل شيء من الزكاة وروى عنه عبد الرزاق أيضا مثل ما روى عنه صاحب البحر ولكنه بإسناد ضعيف كما قال الحافظ في الفتح . وذهب الشافعي ومالك والثوري وحكاه ابن عبد البر عن الجمهور إلى عدم وجوب الزكاة في العسل وحكاه في البحر عن علي عليه السلام وأشار العراقي في شرح الترمذي إلى أن الذي نقله ابن المنذر عن الجمهور أولى من نقل الترمذي ( واعمل ) أن حديث أبي سيارة وحديث هلال ان كان غير أبي سيارة لا يدلان على وجوب الزكاة في العسل لأنهما تطوعا بها حمى لهما بدل ما أخذ وعقل عمر العلة فأمر بمثل ذلك ولو كان سبيله سبيل الصدقات لم يخير في ذلك . وبقية أحاديث الباب لا تنتهض للاحتجاج بها . ويؤيد عدم الوجوب ماتقدم من الأحاديث القاضية بأن الصدقة إنما تجب في أربعة أجناس ويؤيده أيضا ما رواه الحميدي بإسناده إلى معاذ بن جبل انه أتى بوقص البقر والعسل فقال معاذ كلاهما لم يأمرني فيه صلى الله عليه وآله وسلم بشيء : قوله ( وإلا فإنما هو ذباب غيث ) أي وان يؤدوا عشور النحل وفالعسل مأخوذ من ذباب النحل وأضاف الذباب إلى الغيث لان النحل يقصد مواضع القطر لما فيها من العشب والخصب . قوله ( يأكله من يشاء ) يعني العسل فالضمير راجع إلى المقدر المحذوف ( وفيه دليل ) على ان العسل الذي يوجد في الجبال يكون من سبق إليه أحق به

باب ما جاء في الركاز والمعدن

1 - عن أبي هريرة ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس )
- رواه الجماعة

2 - وعن ربيعة الحرث المزني معادن القبلية وهي من ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم )
- رواه أبو داود ومالك في الموطأ

- الحديث الأول له طرق والفاظ . والحديث الثاني أخرجه أيضا الطبراني والحاكم والبيهقي بدون قوله ( وهي من ناحية الفرع ) الخ قال الشافعي بعد أن روى هذا الحديث ليس هذا مما يثبته أهل الحديث ولم يكن فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا إقطاعه . وأما الزكاة في المعادن دون الخمس فليست مروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقال البيهقي هو كما قال الشافعي وقد روى هذا الحديث عن الدراوردي عن ربيعة المكور موصولا . وكذلك أخرجه الحاكم في المستدرك وكذا ذكره ابن عبد البر . ورواه أبو سيرة المديني عن مطرف عن مالك عن محمد بن عمرو ابن علقمة عن أبيه عن بلال موصولا لكن لم يتابع عليهز ورواه أبو أويس عن كثير ابن عبد الله بن أبيه عن جده . وعن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس هكذا . قال البيهقي وأخرجه من الوجهين الآخرين أبو داود وسيأتي حديث ابن عباس المشار إليه في باب ما جاء في اقطاع المعادن من كتاب إحياء الموات : قوله ( العجماء ) سميت البهيمة عجماء لأنها لا تتكلم : قوله ( جبار ) أي هدر وسيأتي الكلام على ذلك . قوله ( وفي الركاز الخمس ) الركاز بكسر الراء وتخفيف الكاف وآخره زاء مأخوذ من الركز بفتح الراء يقال ركزه يركزه إذا دفعه مركوز وهذا متفق عليه . قال مالك والشافعي الركاز دفن الجاهلية . وقال أبو حنيفة والثوري وغيرهما إن المعدن ركاز واحتج لهم بقول العرب اركز الرجل إذا أصاب ركازا وهي قطع من الذهب تخرج من المعادن وخالفهم في ذلك الجمهور فقالوا لا يقال للمعدن ركازا واحتجوا بماوقع في حديث الباب من التفرقة بينهما بالعطف فدل ذلك على المغايرة وخص الشافعي الركاز بالذهب والفضة . وقال الجمهور ولا يختص واختاره ابن المنذر : قوله ( القبلية ) منسوبة إلى قبل بفتح القاف والباء وهي ناحية من ساحل البحر بينهما وبين المدينة خمسة أيام . والقرع موضع بين نخلة والمدينة ( والحديث ) الأول يدل على أن زكاة الركاز الخمس على الخلاف السابق في تفسيره . قال ابن دقيق العيد ومن قال من الفقهاء ان في الركاز الخمس إما مطلقا أو في أكثر الصور فهو أقرب إلى الحديث انتهى . وظاهره سواء كان الواجد له مسلما أو ذميا وإلى ذلك ذهب الجمهور فيخرج الخمس وعند الشافعي لا يؤخذ منه شيء واتفقوا على أنه لا يشترط فيه الحلول بل يجب إخراج الخمس في الحال وإلى ذلك ذهبت العترة قال في الفتح وأغرب ابن العربي في شرح الترمذي فحكى عن الشافعي الاشتراط ولا يعرف ذلك في شيء من كتبه ولا كتب أصحابه . ومصرف هذا الخمس مصرف خمس الفئ عند مالك وأبي حنيفة والجمهور وعند الشافعي مصرف الزكاة وعن أحم روايتان . وظاهر الحديث عدم اعتبار النصاب وإلى ذلك ذهبت الحنفية والعترة وقال مالك وأحمد وإسحاق يعتبر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة ) وقد تقدم وأجيب بأن الظاهر من الصدقة الزكاة فلا تتناول الخمس وفيه نظر : قوله ( قتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة ) فيه دليل لمن قال أن الواجب في المعادن الزكاة وهي ربع العشر كالشافعي وأحمد وإسحاق ومن أدلتهم أيضا قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( في الرقة ربع العشر ) ويقاس غيرها عليها . وذهبت العترة والحنفية والزهري وهو قول للشافعي إلى أنه يجب فيه الخمس لأنه يصدق عليه اسم الركاز وقد تقدم الخلاف في ذلك

أبواب اخراج الزكاة

باب المبادرة إلى أخراجها

1 - عن عقبة بن الحرث قال ( صلى الله عليه وآله وسلم العصر فاسرع ثم دخل البيت فلم يلبث ان خرج فقلت أو قيل له فقال كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن أبيته فقسمته )
- رواه البخاري

2 - وعن عائشة قالت ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما خالطت مالا قط إلا أهلكته )
- رواه الشافعي والبخاري في تاريخه والحميدي وزاد قال ( يكون قد وجب عليك في مالك صدقة فلا تخرجها فيهلك الحرام الحلال ) وقد احتج به من يرى تعلق الزكاة بالعين

- قوله ( بترا ) بكسر المثناة وسكون الموحدة الذهب الذي لم يصف ولم يضرب قال الجوهري لا يقال إلاللذهب وقد قاله بعضهم في الفضة انتهى . وأطلقه بعضهم على جميع جواهر الأرض قبل أن تصاغ وتضرب حكاه ابن الأنباري عن الكسائي كذا أشار إليه ابن دريد : قوله ( ان أبيته ) أي أتركه يبيت عندي : قوله ( فقسمته ) في رواية للبخاري ( فأمرت بقسمته ) ( والحديث الأول ) يدل على مشروعية المبادرة باخراج الصدقة . قال ابن بطال فيه ان الخير ينبغي ان يبادر به فان الآفات تعرض والموانع تمنع والموت لا يؤمن والتسويف غير محمود زاد غيره وهو أخلص للذمة وأنفى للحاجة وأبعد من المطل المذموم وأرضى للرب تعالى وأمحى للذنب . ( والحديث الثاني ) يدل على ان مجرد مخالطة الصدقة لغيرها من الأموال سبب لا هلاكه وظاهره وإن كان الذي خلطها بغيرها من الأموال عازما على إخراجها بعد حين لأن التراخي عن الأخراج مما لا يبعد ان يكون سببا لهذه العقوبة أعني هلاك المال واحتجاج من احتج به على تعلق الزكاة بالعين صحيح لانها لو كانت متعلقة بالذمة لم يستقم هذا الحديث لانها لا تكون في جزء من أجزاء المال فلا يستقيم اختلاطها بغيرها ولا كونها سببا لإهلاك ما خالطته

باب ما جاء في تعجيلها

1 - عن علي عليه السلام ( أن العباس بن عبد المطلب سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعجيله صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك )
- رواه الخمسة إلا النسائي

2 - وعن أبي هريرة قال ( بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمر على الصدقة فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا أفأغناه الله وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا قد احتبس أدراعه واعتاده في سبيل الله تعالى وأما العباص فهي علي ومثلها معها ثم قال يا عمر اما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه )
- رواه أحمد ومسلم . وأخرجه البخاري وليس فيه ذكر عمر ولا قيل له في العباس . وقال فيه عليه ومثلها معها . قال أبو عبيد أرى والله أعلم أنه أخر عنه الصدقة عامين لحاجة عرضت للعباس وللإمام أن يؤخر على وجه النظر ثم يأخذه ومن روى فهي علي ومثلها فيقال كان تسلف منه صدقة عامين ذلك العام والذي قبله

- حديث علي أخرجه أيضا الحاكم والدارقطني والبيهقي وفيه اختلاف ذكره الدارقطني ورجح إرساله وكذا رجحه أبو داود وقال الشافعي لا أدري أثبت أم لا يعني هذا الحديث . ويشهد له ما أخرجه البيهقي عن علي ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إنا كنا احتجنا فأسلفنا العباس صدقة عامين ) رجاله ثقات إلا أن فيه إنقطاعا ويعضده ايضا حديث أبي هريرة المذكور بعده : قوله ( ينقم ) بكسر القاف وفتحها والكسر أفصح وابن جميل هذا قال ابن الأثير لا يعرف اسمه لكن وقع في تعليق القاضي حسين الشافعي وتبعه الروياني أن اسمه عبد الله وذكر الشيخ سراج الدين بن الملقن أن بعضهم سماه حميدا ووقع في رواية ابن جريح أبو جهم بن حذيفة بدل ابن جميل وهو خطأ لإطباق الجميع على ابن جميل . وقوله الأكثر أنه كان أ صاريا وأما أبو جهم بن حذيفة فهو قرشي فافترقا . قوله ( واعتاده ) جمع عتاد بفتح العين المهملة بعدها فوقية وبعد الألف دال مهملة والأعتاد آلات الحرب من السلاح والدواب وغيرها ويجمع أيضا على اعتدة . ومعنى ذلك أنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده ظنا منهم أنها للتجارة وان الزكاة فيها واجبة فقال لهم لا زكاة فيها على فقالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ان خالدا منع الزكاة فقال انكم تظلمونه لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله تعالى قبل الحول عليها فلا زكاة فيها ويحتمل أن يكون المراد لو وجبت عليه زكاة لأعطها ولم يشح بها لأنه قد وقف أمواله لله تعالى متبرعا فكيف يشح واجب عليه : واستنبط بعضهم من هذا وجوب زكاة التجارة وبه قال جمهور السلف والخلف خلافا لداود ( وفيه دليل ) على صحة الوقف وصحة وقف المنقول وقه قالت الأمة بأسرها إلا أبا حنيفة وبعض الكوفيين وقال بعضهم هذه الصدقة التي منعها ابن جميل وخالد والعباس لم تكن زكاة أنما كانت صدقة تطوع حكاه القاضي عياض قال ويؤيده ان عبد الرزاق روى هذا الحديث وذكر في روايته ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ندب الناس إلى الصدقة ) وذكر تمام الحديث ابن القصار من المالكية وهذا التأويل أليق بالقصة ولا يظن بالصحابة منع الواجب وعلى هذا فعذر خالد واضح لأنه أخرج ماله في سبيل الله فما بقي له مال يحتمل المواساة بصدقة التطوع ويكون ابن جميل شح بصدقة التطوع فعتب عليه . وقال في العباس هي على ومثلها معها أي أنه لا يمتنع إذا طلبت منه انتهى كلام ابن القصار . قال القاضي عياض ولكن ظاهر الأحاديث في الصحيحين انها في الزكاة ( لقوله بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمر على الصدقة ) وإنما كان يبعث في الفريضة ورجح هذا النووي . قوله ( فهي على ومثلها معها ) مما يقوي أن المراد بهذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرهم انه تعجل من العباس صدقة عامين ما أخرجه أبو داود والطيالسي من حديث أبي رافع ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمر انا كنا تعجلنا صدقة مال العباس عام الأول ) وما أخرجه الطبراني والبزار من حديث ابن مسعود ( أنه صلى الله عليه وآله وسلم تسلف من العباس صدقة عامين . وفي إسناده محمد بن ذكوان وهو ضعيف . ورواه البزار من حديث موسى ابن طلحة عن أبيه نحوه وفي إسناده لحسن بن عمارة وهو متروك . ورواه الدارقطني من حديث بن عباس وفي إسناده مندل بن علي والعرزمي وهما ضعيفان والصواب أنه مرسل ومما يرجح أن المراد ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو أراد أن يتحمل ما عليه لأجل امتناعه لكفاه أن يتحمل مثلها من غير زيادة وأيضا الحمل على الامتناع فيه سوء ظن بالعباس ( والحديثان ) يدلان على أنه يجوز تعجيل الزكاة قبل الحول ولو لعامين وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وبه قال الهادي والقاسم . قال المؤيد بالله وهو أفضل وقال مالك وربيعة وسفيان الثوري وداود وأبو عبيد بن الحرث : ومن أهل البيت الناصر أنه لا يجزئ حتى يحول الحول واستدلوا بالأحاديث التي فيها تعليق الوجوب بالحول وقد تقدمت . تسليم ذلك لا يضر من قال بصحة التعجيل لأن الوجوب متعلق بالحول بلا نزاع وإنما النزاع في الأجزاء قبله

باب تفرقة الزكاة في بلدها ومراعاة المنصوص عليه لا القيمة وما يقال عند دفعها

1 - عن أبي جحيفة قال ( قدم علينا مصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا فكنت غلاما يتيما فأعطاني منها قلوصا )
- رواه الترمذي وقال حديث حسن

2 - وعن عمران بن حصين ( أنه استعمل على الصدقة فلما رجع قيل له أين المال قال وللمال أرسلتني أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضعناه حيث كنا نضعه )
- رواه أبو داود وابن ماجه

3 - وعن طاوس قال ( كان في كتاب معاذ من خرج من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشره في مخلاف عشيرته )
- رواه الأثرم في سننه

- الحديث الأول هو من رواية حفص بن عياث عن الأشعث عن عون بن أبي جحفة عن أبيه وهؤلاء ثقات إلا أشعث بن سوار ففيه مقال . وقد أخرج له مسلم متابعة . قال التترمذي بعد ذكر الحديث وفي الباب عن ابن عباس . والحديث الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح إلا إبراهيم بن عطاء وهو صدوق . والحديث الثالث أخرجه أيضا سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى طاوس بلفظ ( من انتقل من مخلاف عشيرته فصدقته وعشره في مخلاف عشيرته ) ( وفي الباب ) عن معاذ عند الشيخين ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بعثه إلى اليمين قال له خذها من أغنيائهم وضعها في فقرائهم ) وقد استدل بهذه الأجحاديث على مشروعية صرف زكاة كل بلد في فقراء أهله وكراهية صرفها في غير فقراء البلد . وقال غيرهم أنه يجوز مع كراهة لما علم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يستدعي الصدقات من الأعراب إلى المدينة ويصرفها في فقراء المهاجرين والأنصار كما أخرج النسائي من حديث عبد الله بن هلال الثقفي قال ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال كدت أقتل بعدك في عناق أو شاة من الصدقة فقال صلى الله عليه وآله وسلم لو أنها تعطى فقراء المهاجرين ما أخذتها ) ولما أخرجه البيهقي ووعلقه البخاري عن معاذ ( أنه قال لأهل اليمن أئتوني بكل خميس ولبيس آخذه منكم مكان الصدقة فإنه أرفق بكم وأنفع للمهاجرين والأنصار بالمدينة ) وفيه انقطاع . وقال الإسماعيلي أنه مرسل فلا حجة فيه لا سيما مع معارضته لحديثه المتفق عليه الذي تقدم وقد قال فيه بعض الرواة من الجزية بدل قوله من الصدقة . أو يحمل على أنه بعدج كفاية من في اليمن وإلا فما كان معاذ ليخالف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قوله ( من مخلاف ) الخ فيه دليل على أنه من انتقل من بلد إلى بلد كان زكاة ماله لأهل البلد الذي انتقل منه مهما أمكن إيصال ذلك إليهم

4 - وعن معاذ بن جبل طأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثه إلى اليمن فقال خذ الحب من الحب والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقرة من البقر )
- رواه أبو داود وابن ماجه . والجبرانات المقدرة في حديث أبي بكر تدل على أن القيمة لا تشرع وإلا كانت تلك الجبرانات عبثا

- الحديث صححه الحاكم على شرطهما وفي إسناده عطاء عن معاذ ولم يسمع منه لأنه ولد بعد موته أو في سنة موته أو بعد موته بسنة . وقال البزار لا تعلم أن عطاء سمع من معاذ . وقد استدل بهذا الحديث من قال أنها تجب الزكاة من العين ولا يعدل عنها إلى القيمة إلا عند عدمها وعدم الجنس وبذلك قال الهادي والقاسم والشافعي والإمام يحيى . وقال أبو حنيفة والمؤيد بالله أنها تجزء مطلقا وبه قال الناصر والمنصور بالله وأبو العباس وزيد بن علي واستدلوا بقول معاذ ائتوني بكل خميس ولبيس قال الخميس واللبيس ليس إلا قيمة عن الأعيان التي تجب فيها الزكاة وهو مع كونه فعل صحابي لا حجة فيه فيه إنقطاع وإرسال كما قدمنا في شرح للحديث الذي قبل هذا فالحق أن الزكاة واجبة من العين لا يعدل عنها إلى القيمة إلا لعذر : قوله ( والجبرانات ) بضم الجيم جمع جبران وهو ما يجبر به الشيء وذلك نحو قوله من حديث أبي بكر السابق ( ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ) فإن ذلك ونحوه يدل على أن الزكاة واجبة في العين ولو كانت القيمة هي الواجبة لكان ذكر ذلك عبثا لأنها تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة فتقدير الجبران بمقدار معلوم يناسب تعلق الوجوب بالقيمة وقد تقدمت الإشارة إلى طرف من هذا

5 - وعن أبي هريرة قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما )
- رواه ابن ماجه

6 - وعن عبد الله بن أبي أوفي قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال اللهم صل عليهم فأتاه أبي أبو أوفي بصدقته فقال اللهم صل على آل أبي أوفي )
- متفق عليه

- الحديث الأول إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا سويد بن سعيد حدثنا الوليد بن مسلم عن البختري عن عبيد عن أبيه أبي هريرة فذكره والبختري بن عبيد الطابخي ( 1 ) متروك وسويد بن سعيد فيه مقال ( وفي الباب ) عن وائل بن حجر عند النسائي قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رجل بعث بناقة حسنة في الزكاة اللهم بارك فيه وفي إبله ) قوله ( فلا اتنسوا ثوابها أن نقولوا ) كأنه جعل هذا القول نفس الثواب لما كان له دخل في زيادة الثواب : قوله ( اللهم صل عليهم ) في رواية على آل فلان . وفي أخرى على فلان : قوله ( على آل أبي أوفى ) يريد أبا أووفى نفسه لأن الآل يطلق على ذات الشيء كقوله في قصة أبي موسى ( لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود ) وقيل لا يقال ذلك إلا في حق الرجل الجليل القدر واسم أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحرث الأسلمي شهد هو وابنه عبد الله بيعة الرضوان تحت الشجرة واستدل بهذا الحديث على جواز الصلاة على غير الأنبياء وكرهه مالك والجمهور . قال ابن التين وهذا الحديث يعكر عليه وقد قال جماعة من العلماء يدعو آخذ الصدقة للمتصدق بهذا الدعاء لهذا الحديث . وأجيب عنه بأن أصل الصلاة الدعاء إلا أنه يختلف بحسب المدعو له فصلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أمته دعاء لهم بالمغفرة وصلاة أمته دعاء له بزيادة القربة والزلفى ولذلك كانت لا تليق بغيره وفيه دليل على أنه يستحب الدعاء عند أخذ الزكاة لمعطيها وأوجبه بعض أهل الظاهر وحكاه الحناطي وجها لبعض الشافعية وأجيب بأنه لو كان واجبا لعلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم السعاة . ولأن سائر ما يأخذه الإمام من الكفارات والديون وغيرها لا يجب عليه فيه الدعاء فكذلك الزكاة وأما الآية فيحتمل أن يكون الوجوب خاصا به لكون صلاته صلى الله عليه وآله وسلم سكنا لهم بخلاف غيره
_________
( 1 ) هو بالموحدة المكسورة والمعجمة قال في التقريب الشامي من أهل قلمون بفتح القاف واللام ضعيف متروك من السابعة

باب من دفع صدقته إلى من ظن من أهلها فبان غنيا

1 - عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ( قال رجل لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يدج سارق فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق فقال اللهم لك الحمد على سارق لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية فقال اللهم لك الحمد على زانية فقال لأتصدقن بصدقة قخرج بصدقة فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني فقال اللهم لك الحمد على زانية وعلى سارق وعلى غني فأتى فقيل له أما صدقتك فقد قبلت أما الزانية فلعلها تستعف به من زناها ولعل السارق أن يستعف به عن سرقته ولعل الغني أن يعتبر فينفق مما آتاه الله عز و جل )
- متفق عليه

- قوله ( قال رجل ) وقع عند أحمد من طريق ابن لهيعة عن الأعرج في هذا الحديث أنه كان من بني إسرائيل : قوله ( لأتصدقن ) زاد في رواية متفق عليها الليلة وهذا اللفظ من باب الالتزام كالنذر مثلا والقسم فيه مقدر كأنه قال والله لأتصدقن قوله ( في يد سارق ) أي وهو لا يعلم أنه سارق وكذلك على الزانية زكذلك على الغني : قوله ( تصدق ) بضم أوله على البناء للمجهول . قوله ( لك الحمد ) أي لالى لأن صدقتي وقعت في يد من لا يستحقها فلك الحمد حيث كان بإرادتك لا بإرادتي قال الطيبي لما عزم أن يتصدق على مستحق فوضعها بيد سارق حمد الله على أنه لم يقدر له أن يتصدق على من هو أسوأ حالا أو أجرى الحمد مجرى التسبيح في استعماله عند مشاهدة ما يتعجب منه تعظيما لله تعالى فلما تعجبوا من فعله تعجب هو أيضا فقال اللهم لك الحمد على سارق أي تصدقت عليه فهو متعلق بمحذوف . قال الحافظ ولا يخفى بعد هذا الوجه . وأما الذي قبله فأبعد منه والذي يظهر الأول وأنه سلم وفوض ورضي بقضاء الله فحمد الله سبحانه على تلك الحال لأنه المحمود على جميع الأحوال لا يحمد على مكروه سواه . وقد ثبت ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رأى ما لا يعجبه قال الحمد لله على كل حال ) قوله ( فأتى فقيل له ) في رواية الطبراني فساءه ذلك فأتى في منامه . وكذلك أخرجه أبو نعيم والإسماعيلي وفيه تعيين أحد الاحتمالات التي ذكرها ابن التين وغيره . قال الكرماني قوله ( أتى ) أي أرى في المنام أو سمع هاتفا ملكا أو غيره أو أخبره نبي أو أفتاه عالم . وقال غيره أو أتاه ملك فكلمه فقد كان الملائئكة تكلم بعضهم في بعض الأمور وقد ظهر بما سلف أن الواقع هو الأول دون غيره . قوله ( أما صدقتك فقد قبلت ) في رواية للطبراني ( أن الله قد قبل صدقتك ) في الحديث دلالة على أن الصدقة كانت عندهم مختصة بأهل الحاجة من أهل الخير ولهذا تعجبوا : وفيه أن نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته ولو لم تقع الموقع . واختلف الفقهاء في الأجزاء إذا كان ذلك في زكاة الفرض ولا دلالة في الحديث على الأجزاء ولا المنع ولهذا ترجم البخاري على هذا الحديث بلفظ الاستفهام فقال باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم ولم يجزم بالحكم . قال في الصحيح فإن قيل إن الخبر إنما تضمن قصة خاصة وقع الإطلاع فيها على قبول الصدقة برؤيا صادقة اتفاقية فمن أين يقع تعميم الحكم فالجواب أن التنصيص في هذا الخبر على رجاء الاستعفاف هو الدال على تعدية الحكم فيقتضى ارتباط القبول بهذه الأسباب انتهى

باب براءة رب المال بالدفع إلى السلطان مع العدل والجور وأنه إذا ظلم بزيادة لم يحتسب به عن شيء

1 - عن أنس : ( أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله قال نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله فلك أجرها وإثمها على من بدلها )
- مختصر لأحمد . وقد احتج بعمومه من يرى المعجلة إلى الإمام إذا هلكت عنده من ضمان الفقراء دون الملاك

2 - وعن ابن مسعود : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها قالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم )
- متفق عليه

3 - وعن وائل بن حجر قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورجل يسأله فقال أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم فقال اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم )
- رواه مسلم والترمذي وصححه

- الحديث الأول أخرجه أيضا الحرث بن وهب وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه
( وفي الباب ) عن جابر بن عتيك مرفوعا عند أبي داود بلفظ : ( سيأتيكم مبغضون فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليها وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم )
وعن سعد بن أبي وقاص عند الطبراني في الأوسط مرفوعا : ( ادفعوا إليهم ما صلوا الخمس )
وعن ابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وأبي سعيد عند سعيد بن منصور وابن أبي شيبة ( أن رجلا سألهم عن الدفع إلى السلطان فقالوا ادفعها إلى السلطان ) . وفي رواية ( أنه قال لهم هذا السلطان يفعل ما ترون فأدفع إليه زكاتي قالوا نعم ) . ورواه البيهقي عنهم وعن غيرهم أيضا وروى ابن أبي شيبة من طريق قزعة قال قلت لابن عمر أن لي مالا فإلى من أدفع زكاته قال ادفعها إلى هؤلاء القوم يعني الأمراء قلت إذا يتخذون بها ثيابا وطيبا قال وإن . وفي رواية أنه قال ادفعوا صدقة أموالكم إلى من ولاه الله أمركم فمن بر فلنفسه ومن أثم فعليها
( وفي الباب ) أيضا عند البيهقي عن أبي بكر الصديق والمغيرة بن شعبة وعائشة وأخرج البيهقي أيضا عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه قال : ( ادفعوها إليهم وإن شربوا الخمور ) وأخرج أيضا من حديث أبي هريرة ( إذا أتاك المصدق فأعطه صدقتك فإن اعتدى عليك فوله ظهرك ولا تلعنه وقل اللهم إني أحتسب عندك ما أخذ مني )
قوله ( أثرة ) بفتح الهمزة والثاء المثلثة هي اسم لاستئثار الرجل على أصحابه
( والأحاديث ) المذكورة في الباب استدل بها الجمهور على جواز دفع الزكاة إلى سلاطين الجور وإجزائها وحكى المهدي في البحر عن العترة وأحد قولي الشافعي أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الظلمة ولا يجزئ واستدلوا بقوله تعالى { لا ينال عهدي الظالمين } ويجاب بأن هذه الآية على تسليم صحة الاستدلال بها على محل النزاع عمومها مخصص بالأحاديث المذكورة في الباب
وقد زعم بعض المتأخرين أن الأدلة المذكورة تدل على مطلوب المجوزين لأنها في المصدق والنزاع في الوالي وهو غفلة عن حديث ابن مسعود وحديث وائل بن حجر المذكورين في الباب
وقد حكى في التقرير عن أحمد بن عيسى والباقر مثل قول الجمهور وكذلك عن المنصور وابن مضر
وقد استدل للمانعين أيضا بما رواه ابن أبي شيبة عن خيثمة قال ( سألت ابن عمر عن الزكاة فقال ادفعها إليهم ثم سألته بعد ذلك فقال لا تدفعها إليهم فإنهم قد أضاعوا الصلاة ) . وهذا مع كونه قول صحابي ولا حجة فيه ضعيف الإسناد لأنه من رواية جابر الجعفي
ومن جملة ما احتج به صاحب البحر للقائلين بالجواز بأنها لم تزل تؤخذ كذلك ولا تعاد وبأن عليا لم يثن على من أعطى الخوارج وأجاب عن الأول بأنه ليس بإجماع وعن الثاني بأن ذلك كان لعذرا ومصلحة إذ لا تصريح بالإجزاء ولا يخفى ضعف هذا الجواب والحق ما ذهب إليه الجمهور من الجواز والإجزاء

4 - وعن بشير بن الخصاصية قال : ( قلنا يا رسول الله إن قوما من أصحاب الصدقة يعتدون علينا أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا فقال لا )
- رواه أبو داود

- الحديث أخرجه أيضا عبد الرزاق وسكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده ديسم السدوسي ذكره ابن حبان في الثقات . وقال في التقريب مقبول
( وفي الباب ) عن جرير بن عبد الله وأبي هريرة عند البيهقي
( والحديث ) استدل به على أنه لا يجوز كتم شيء عن المصدقين وإن ظلموا وتعدوا وقد عورض ذلك بقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( من سئل فوق ذلك فلا يعطه ) كما تقدم في حديث أنس الطويل الذي رواه عن كتاب أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقدم الجمع بين هذا الحديث وبين ذلك هنالك : قال ابن رسلان لعل المراد بالمنع من الكتم أن ما أخذه الساعي ظلما يكون في ذمتع لرب المال فإن قدر المالك على استرجاعه منه استرجعه وإلا استقر في ذمته

باب أمر الساعي أن يعد الماشية حيث ترد الماء ولا يكلفهم حشدها إليه

1 - عن عبد الله بن عمرو : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم )
- رواه أحمد . وفي رواية لأحمد وأبي داود : ( لا جلب ولا جنب ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في ديارهم )

- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص وفي إسناده محمد ابن إسحاق وقد عنعن
( وفي الباب ) عن عمران بن حصين عند أحمد وأبي داود والنسائي والترمذي وابن حبان وصححاه بمثل حديث الباب . وعن أنس عند أحمد والبزار وابن حبان وعبد الرزاق وأخرجه النسائي عنه من وجه آخر
قوله ( لا جلب ) بفتح الجيم واللام ولا جنب بفتح الجيم والنون قال ابن إسحاق معنى لا جلب أن تصدق الماشية في موضعها ولا تجلب إلى المصدق ومعنى لا جنب أن يكون المصدق بأقصى مواضع أصحاب الصدقة فيجنب إليه فنهوا عن ذلك وفسر مالك الجلب بأن تجلب الفرس في السباق فيحرك وراءه الشيء يستحث به فيسبق والجنب أن يجنب مع الفرس الذي سابق به فرسا آخر حتى إذا دنا تحول الراكب عن الفرس المجنوب فسبق . قال ابن الأثير له تفسيران فذكرهما وتبعه المنذري في حاشيته
( والحديث ) يدل على أن المصدق هو الذي يأتي للصدقات ويأخذها على مياه أهلها لأن ذلك أسهل لهم

باب سمة الإمام المواشي إذا تنوعت عنده

1 - عن أنس قال : ( عدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعبد الله ابن أبي طلحة ليحنكه فواقيته في يده الميسم يسم إبل الصدقة )
- أخرجاه . ولأحمد وابن ماجه : ( دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يسم غنما في آذانها )

2 - وعن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر : ( إن في الظهر ناقة عمياء فقال أمن نعم الصدقة أو من نعم الجزية قال أسلم من نعم الجزية وقال إن عليها ميسم الجزية )
- رواه الشافعي

- قوله ( الميسم ) بكسر الميم وسكون الياء لتحتية وفتح السين المهملة وأصله موسم لأن فاءه واو لكنها لما سكنت وكسر ما قبلها قلبت ياء وهي الحديدة التي يوسم بها أي يعلم بها وهو نظير الخاتم
( وفيه دليل ) على جواز وسم إبل الصدقة ويلحق بها غيرها من الأنعام والحكمة في ذلك تمييزها وليردها من أخذها ومن التقطها وليعرفها صاحبها فلا يشتريها إذا تصدق بها مثلا لئلا يعود في صدقته قال في الفتح ولم أقف على تصريح بما كان مكتوبا على ميسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن ابن الصباغ من الشافعية نقل إجماع الصحابة على أنه يكتب في ميسم الزكاة زكاة أو صدقة وقد ذكره بعض الحنفية الوسم بالميسم لدخوله في عموم النهي عن المثلة وحديث الباب يخصص هذا العموم فهو حجة عليه
( وفي الحديث ) اعتناء الإمام بأموال الصدقة وتوليها بنفسه وجواز تأخير القسمة لأنها لو عجلت لاستغنى عن الوسم
قوله ( أن عليها ميسم الجزية ) الخ فيه دليل على أن وسم إبل الجزية كان يفعل في أيام الصحابة كما كان يوسم إبل الصدقة

أبواب الأصناف الثمانية

باب ما جاء في الفقير والمسكين والمسألة والغني

1 - عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف اقرؤا إن شئتم لا يسألون الناس الحافا وفي لفظ ( ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غني يغنيه ولا يفطن به فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس )
- متفق عليهما

- قوله ( ولا اللقمة واللقمتان ) في رواية للبخاري الأكلة والأكلتان : قوله ( يغنيه ) هذه صفة زائدة على الغني المنهي ( 1 ) إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغني به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر وكان المعنى نفي اليسار المقيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار
( وفي الحديث ) دليل على أن المسكين هو الجامع بين عدم الغنى وعدم تفطن الناس له لما يظن به لأجل تعففه وتظهره بصورة الغني من عدم الحاجة ومع هذا فهو مستعفف عن السؤال
( وقد استدل ) به من يقول أن الفقير أسوأ حالا من المسكين وأن المسكين الذي له شيء لكنه لا يكفيه والفقير الذي لا شيء له ويؤيده قوله تعالى { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة يعملون فيها وإلى هذا ذهب الشافعي والجمهور كما قال في الفتح وذهب أبو حنيفة والعترة إلى أن المسكين دون الفقير واستدلوا بقوله تعالى { أو مسكينا ذا متربة } قالوا لأن المراد يلصق بالتراب للعرى . وقال ابن القاسم وأصحاب مالك أنهما سواء وروى عن أبي يوسف ورجحه الجلال قال لأن المسكنة لازمة للفقير إذ ليس معناها الذل والهوان فإنه ربما كان بغنى النفس أعز من الملوك الأكابر بل معناها العجز عن إدراك المطالب الدنيوية والعاجز ساكن عن الانتهاض إلى مطالبه انتهى
وقيل الفقير الذي يسأل والمسكين الذي لا يسأل حكاه ابن بطال . وظاهره أيضا أن المسكين من اتصف بالتعفف وعدم الإلحاف في السؤال لكن قال ابن بطال بمعناه المسكين الكامل وليس المراد نفي أصل المسكنة بل هو كقوله أتدرون من المفلس الحديث . وقوله تعالى { ليس البر } الآية وكذا قرره القرطبي وغير واحد
( ومن جملة ) حجج القول الأول قوله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم ( أحيني مسكينا ) مع تعوذه من الفقر والذي ينبغي أن يعول عليه أن يقال المسكين من اجتمعت له الأوصاف المذكورة في الحديث والفقير من كان ضد الغنى كما في الصحاح والقاموس وغيرهما من كتب اللغة وسيأتي تحقيق الغني فيقال لمن عدم الغني فقير ولمن عدمه مع التعفف عن السؤال وعدم تفطن الناس له مسكين . وقيل أن الفقير من يجد القوت والمسكين من لا شيء له . وقيل الفقير المحتاج والمسكين من أذله الفقر حكى هذين صاحب القاموس
_________
( 1 ) هكذا الأصل وصوابه أي الغني المغني

2 - وعن أنس : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال المسألة لا تحل إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع )
- رواه أحمد وأبو داود . وفيه تنبيه على أن الغارم لا يأخذ مع الغنى

3 - وعن عبد الله بن عمرو قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي )
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه والنسائي لكنه لهما من حديث أبي هريرة ولأحمد حديثان

4 - وعن عبيد الله بن عدي بن الخيار : ( أن رجلين أخبراه أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألانه من الصدقة فقلب فيهما البصر ورآهما جلدين فقال إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب )
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي وقال أحمد هذا أجودها إسنادا

- حديث أنس أخرجه أيضا ابن ماجه والترمذي وحسنه وقال لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان انتهى . والأخضر بن عجلان قال يحيى بن معين صالح وقال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه . وحدث عبد الله بن عمرو حسنه الترمذي وذكر أن شعبة لم يرفعه وفي إسناده ريحان بن يزيد وثقه يحيى بن معين وقال أبو حاتم الرازي شيخ مجهول وقال بعضهم لم يصح إسناد هذا الحديث وإنما هو موقوف على عبد الله بن عمرو
قال أبو داود الأحاديث الأخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضها لذي مرة سوى وبعضها لذي مرة قوي . وحديث عبيد الله بن عدي بن الخيار أخرجه أيضا الدارقطني وروى عن أحمد أنه قال ما أجوده من حديث وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه المصنف أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم
( وفي الباب ) عن طلحة عند الدارقطني وعن ابن عمر عند ابن عدي وعن حبشي ابن جنادة عند الترمذي . وعن جابر عند الدارقطني . وعن أبي زميل عن رجل من بني هلال عند أحمد . وعن عبد الرحمن بن أبي بكر عند الطبراني
قوله ( مدقع ) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر القاف وهو الفقر الشديد الملصق صاحبه بالدقعاء وهي الأرض التي لا نبات بها : قوله ( أو لذي غرم مفظع ) الغرم بضم الغين المعجمة وسكون الراء هو ما يلزم أداؤه تكلفا لا في مقابلة عوض والمفظع بضم الميم وسكون الفاء وكسر الظاء المعجمة وبالعين المهملة وهو الشديد الشنيع الذي جاوز الحد : قوله ( أو لذي دم موجع ) هو الذي يتحمل دية عن قريبه أو حميمه أو نسيبه القاتل يدفعها إلى أولياء المقتول وإن لم يدفعها قتل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله وإراقة دمه
( والحديث ) يدل على جواز المسألة لهؤلاء الثلاثة . قوله ( لا تحل الصدقة لغني ) قد اختلفت المذاهب في المقدار الذي يصير به الرجل غنيا فذهبت الهادوية والحنفية إلى أن الغني من ملك النصاب فيحرم عليه أخذ الزكاة واحتجوا بما تقدم في حديث معاذ من قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم ) قالوا فوصف من تؤخذ منه الزكاة بالغني وقد قال لا تحل الصدقة لغني وقال بعضهم هو من وجد ما يغديه ويعشيه حكاه الخطابي واستدل بما أخرجه أبو داود وابن حبان وصححه عن سهل بن الحنظلية قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار قالوا يا رسول الله وما يغنيه قال قدر ما يغديه ويعشيه )
وسيأتي وقال الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق وجماعة من أهل العلم هو من كان عنده خمسون درهما أو قيمتها واستدلوا بحديث ابن مسعود عند الترمذي وغيره مرفوعا : ( من يسأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش قيل يا رسول الله وما يغنيه قال خمسون درهما أو حسابها من الذهب ) . وسيأتي وقال الشافعي وجماعة إذا كان عنده خمسون درهما أو أكثر وهو محتاج فله أن يأخذ من الزكاة
وروى عن الشافعي أن الرجل قد يكون غنيا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله . وقال أبو عبيد ابن سلام هو من وجد أربعين درهما واستدل بحديث أبي سعيد الآتي بلفظ ( وله قيمة أوقية ) لأن الأربعين الدرهم قيمة الأوقية وقيل هو من لا يكفيه غلة أرضه للسنة حكاه في البحر عن أبي طالب والمرتضى :
قوله ( ولا لذي مرة سوي ) المرة بكسر الميم وتشديد الراء قال الجوهري المرة القوة وشدة العقل ورجل مرير أي قوي ذو مرة . وقال غيره المرة القوي على الكسب والعمل وإطلاق المرة هنا وهي القوة مقيد بالحديث الذي بعده أعني قوله ( ولا لقوي مكسب ) فيؤخذ من الحديثين أن مجرد القوة لا يقتضي عدم الاستحقاق إلا إذا قرن بها الكسب : وقوله ( سوي ) أي مستوي الخلق قاله الجوهري والمراد استواء الأعضاء وسلامتها . قوله ( جلدين ) بإسكان اللام أي قويين شديدين . قال الجوهري الجلد بفتح اللام هو الصلابة والجلادة تقول منه جلد الرجل بالضم فهو جلد يعني بإسكان اللام وجليد بين الجلد والجلادة . قوله ( مكتسب ) أي يكتسب قدر كفايته وفيه دليل على أنه يستحب للإمام أو المالك الوعظ والتحذير وتعريف الناس بأن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي قوة على الكسب كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويكون ذلك برفق

5 - وعن الحسن بن علي قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للسائل حق وإن جاء على فرس )
- رواه أحمد وأبو داود وهو حجة في قبول قول السائل من غير تحليف وإحسان الظن به

6 - وعن أبي سعيد قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف )
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي

7 - وعن سهل بن الحنظلية : ( عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم قالوا يا رسول الله وما يغنيه قال ما يغديه أو يعشيه )
- رواه أحمد واحتج به وأبو داود وقال ( يغديه ويعشيه )

8 - وعن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خذوشا أو كدوشا في وجهه قالوا يا رسول الله وما غناه قال خمسون درهما أو حسابها من الذهب )
- رواه الخمسة وزاد أبو داود وابن ماجه والترمذي . فقال رجل لسفيان أن شعبة لا يحدث عن حكيم بن جبير فقال سفيان حدثناه زبيد بن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد

- أما حديث الحسن بن علي فالذي وقفنا عليه في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب أن الراوي للحديث الحسن بن علي وفي سنن أبي داود وغيرها أن الراوي للحديث الحسين بن علي . وهذا الحديث في إسناده يعلى ابن أبي يحيى سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال مجهول
وقال أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن قد روى من وجوه صحاح حضور الحسين بن علي عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولعبه بين يديه وتقبيله إياه فأما الرواية التي يرويها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكلها مراسيل
وقال أبو القاسم البغوي في معجمه نحوا من ذلك . وقال أبو عبد الله محمد بن يحيى بن الحذاء سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورآه ولم يكن بينه وبين أخيه الحسن بن علي إلا ظهر واحد . وحديث أبي سعيد سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وعبد الرحمن بن محمد أبي الرجال المذكور في إسناده قد وثقه أحمد والدارقطني وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ . وحديث سهل أخرجه ابن حبان وصححه . وحديث ابن مسعود حسنه الترمذي وقال وقد تكلم شعبة في حكيم ابن جبير من أجل هذا الحديث
قوله ( وإن جاء على فرس ) فيه الأمر بحسن الظن بالمسلم الذي امتهن نفسه بذل السؤال فلا يقابله بسوء الظن به واحتقاره بل يكرمه بإظهار السرور له ويقدر أن الفرس التي تحته عارية أو أنه ممن يجوز له أخذ الزكاة مع الغني كمن تحمل حمالة أو غرم غرما لإصلاح ذات البين :
قوله ( وله قيمة أوقية ) قال أبو داود زاد هشام في روايته وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعين درهما : قوله ( فقد ألحف ) قال الواحدي الإلحاف في اللغة هو الإلحاح في المسألة . قال أبو الأسود الدؤلي ليس للسائل الملحف مثل الرد . قال الزجاج معنى ألحف شمل بالمسألة والإلحاف في المسألة هو أن يشتمل على وجوه الطلب بالمسألة كاشتمال اللحاف في التغطية . وقال غيره معنى الإلحاف في المسألة مأخوذ من قولهم الحف الرجل إذا مشى في لحف الجبل وهو أصله كأنه استعمل الخشونة في الطلب . قوله ( فإنما يستكثر ) أي يطلب الكثرة : قوله ( ما يغديه ) بفتح الغين المعجمة وتشديد الدال المهملة أي من الطعام بحيث يشبعه . قوله ( ويعشيه ) بفتح العين أيضا . فعلى رواية التخيير يكون المعنى أن الإنسان إذا حصل له أكلة في النهار غداء أو عشاء كفته واستغنى بها . وعلى رواية الجمع يكون المعنى أنه إذا حصل له في يومه أكلتان كفتاه : قوله ( خدوشا ) بضم الخاء المعجمة جمع خدش وهو خمش الوجه بظفر أو حديدة أو نحوهما قوله ( أو كدوشا ) بضم الكاف والدال المهملة وبعد الواو شين معجمة جمع كدش وهو الخدش : قوله ( أو حسابها من الذهب ) هذه رواية أحمد ورواية أبي داود ( أو قيمتها من الذهب )
( وهذه الأحاديث ) الثلاثة قد استدل بكل واحد منها طائفة من المختلفين في حد الغنى وقد تقدم بيان ذلك ويجمع بينها بأن القدر الذي يحرم السؤال عنده هو أكثرها وهي الخمسون عملا بالزيادة

9 - وعن سمرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر لابد منه )
- رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه

10 - وعن أبي هريرة قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره فيتصدق منه ويستغني به عن الناس خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه )
- متفق عليه . وعن أيضا : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر ) . رواه أحمد ومسلم وابن ماجه

- قوله ( كد ) هذا لفظ الترمذي وابن حبان في صحيحه ولفظ أبي داود ( كدوح ) وهي آثار الخموش . قوله ( إلا أن يسأل الرجل سلطانا ) فيه دليل على جواز سؤال السلطان من الزكاة أو الخمس أو بيت المال أو نحو ذلك فيخص به عموم أدلة تحريم السؤال . قوله ( أو في أمر لابد منه ) فيه دليل على جواز المسألة عند الضرورة والحاجة التي لابد عندها من السؤال نسأل الله السلامة . قوله وعن أبي هريرة الخ فيه الحث على التعفف عن المسألة والتنزه عنها ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك ولولا قبح المسألة في نظر الشرع لم يفضل ذلك عليها وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال ومن ذل الرد إذا لم يعط ولما يدخل على المسؤل من الضيق في ماله إن أعطى كل سائل . وأما قوله خير له فليست بمعنى أفعل التفضيل إذ لا خير في السؤال مع القدرة على الاكتساب والأصح عند الشافعية أن سؤال من هذا حاله حرام ويحتمل أن يكون المراد بالخير فيه بحسب اعتقاد السائل وتسمية الذي يعطاه خيرا وهو في الحقيقة شر : قوله ( تكثرا ) فيه دليل على أن سؤال التكثر محرم وهو السؤال لقصد الجمع من غير حاجة : قوله ( فإنما يسأل جمرا ) الخ قال القاضي عياض معناه أنه يعاقب بالنار قال ويحتمل أن يكون على ظاهره وأن الذي يأخذخ يصير جمرا يكوى به كما ثبت في مانع الزكاة

11 - وعن خالد بن عدي الجهني قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من بلغه معروف عن أخيه عن غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه )
- رواه أحمد

12 - وعن ابن عمر قال : ( سمعت عمر يقول كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعطيني العطاء فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني فقال خذخ إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك )
- متفق عليه

- حديث خالد بن عدي أخرجه أيضا أبو يعلى والطبراني في الكبير قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح :
قوله ( ولا إشراف نفس ) الإشراف بالمعجمة التعرض للشيء والحرص عليه من قولهم أشرف على كذا إذا تطاول وقيل للمكان المرتفع مشرف لذلك . قال أبو داود سألت أحمد عن إشراف النفس فقال بالقلب وقال يعقوب بن محمد سألت أحمد عنه فقال هو أن يقول مع نفسه يبعث إلى فلان بكذا . وقال الأثرم يضيق عليه أن يرده إذا كان كذلك : قوله ( يعطيني ) سيأتي ما يدل على أن عطية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمر بسبب العمالة كما في حديث ابن السعدي ولهذا قال الطحاوي ليس معنى هذا الحديث في الصدقات وإنما هو في الأموال وليست هي من جهة الفقر ولكن شيء من الحقوق فلما قال عمر أعطه من هو أفقر إليه مني لم يرض بذلك لأنه إنما أعطاه لمعنى غير الفقر قال ويؤيده قوله في رواية شعيب ( خذه فتموله ) فدل على أنه ليس من الصدقات
( واختلف العلماء ) فيمن جاءه مال هل يجب قبوله أم يندب على ثلاثة مذاهب حكاه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري بعد إجماعهم على أنه مندوب . قال النووي الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه مستحب في غير عطية السلطان وأما عطية السلطان يعني الجائر فحرمها قوم وأباحها آخرون وكرهها قوم والصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت وكذا إن أعطى من لا يستحق وإن لم يغلب الحرام فمباح إن لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ
وقالت طائفة الأخذ واجب من السلطان وغيره وقال آخرون هو مندوب في عطية السلطان دون غيره . وحديث خالد بن عدي يرده . قال الحافظ ويؤيده حديث سمرة في السنن إلا أن يسأل ذا سلطان قال والتحقيق في المسألة أن من علم كون ماله حلالا فلا ترد عطيته ومن علم كون ماله حراما فتحرم عطيته ومن شك فيه فالاحتياط رده وهو الورع ومن أباحه أخذ بالأصل انتهى
قال ابن المنذر واحتج من رخص بأن الله تعالى قال في اليهود { سماعون للكذب أكلون للسحت } وقد رهن الشارع صلى الله عليه وآله وسلم درعه عند يهودي مع علمه بذلك . وكذا أخذ الجزية منهم مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخمر والخنزير والمعاملات الفاسدة . قال الحافظ وفي حديث الباب إن للإمام أن يعطي بعض رعيته إذا رأى لذلك وجها وإن كان غيره أحرج إليه منه وأن رد عطية الإمام ليس من الأدب ولاسيما من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه }
قوله ( من هو أفقر إليه مني ) ظاهره أن عمر لم يكن غنيا لأن صيغة أفعل تدل على الاشتراك في الأصل وهو الافتقار إلى المال ولكن ظاهر أمره صلى الله عليه وآله وسلم له بالأخذ إذا لم يكن مستشرفا ولا سائلا أنه لا فرق بين كونه غنيا أو فقيرا وهكذا في قبول المال من غير سلطان لا فرق فيه بين الغني والفقير على ظاهر حديث خالد بن عدي وسيكرر المصنف حديث خالد بن عدي هذا في كتاب الهبة ونذكر بقية الكلام عليه هنالك إن شاء الله تعالى

باب العاملين عليها

1 - عن بسر بن سعيد : ( أن ابن السعدي المالكي قال استعملني عمر على الصدقة فلما فرغت منها وأديتها إليه أمر لي بعمالة فقلت إنما عملت لله فقال خذ ما أعطيت فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعملني فقلت مثل قولك فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأل فكل وتصدق )
- متفق عليه

- قوله ( أن ابن السعدي ) هو أبو محمد عبد الله بن وقدان بن عبد الله بن عبد شمس ابن عبدود بن نضر بن مالك بن حنبل بن عامر بن لؤي بن غالب . وإنما قيل له السعدي لأن أباه استرضع في بني سعد بن بكر بن هوازن وقد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قديما وقال وفدت في نفر من بني سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . والمالكي نسبة إلى مالك بن حنبل :
قوله ( بعمالة ) قال الجوهري العمالة بالضم رزق العامل على عمله : قوله ( فعملني ) بتشديد الميم أي أعطاني أجرة عمل وجعل لي عمالة : قوله ( من غير أن تسأل ) فيه دليل على أنه لا يحل أكل ما حصل من المال عن مسألة
( وفي الحديث ) دليل على أن عمل الساعي سبب لاستحقاقه الأجرة كما أن وصف الفقر والمسكنة هو السبب في ذلك وإذا كان العمل هو السبب اقتضى قياس قواعد الشرع أن المأخوذ في مقابلته أجرة ولهذا قال أصحاب الشافعي تبعا له إنه يستحق أجرة المثل
( وفيه ) أيضا دليل على أن من نوى التبرع يجوز له أخذ الأجرة بعد ذلك ولهذا قال المصنف رحمه الله وفيه دليل على أن نصيب العامل يطيب له وإن نوى التبرع أو لم يكن مشروطا انتهى

2 - وعن المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب : ( أنه والفضل بن عباس انطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ثم تكلم أحدنا فقال يا رسول الله جئناك لتؤمرنا على هذه الصدقات فنصيب ما يصيب الناس من المنفعة ونؤدي إليك ما يؤدي الناس فقال إن الصدقة لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد إنما هي أوساخ الناس )
- مختصر لأحمد ومسلم . وفي لفظ لهما ( لا تحل لمحمد ولا لآل محمد )

- قوله ( أوساخ الناس ) هذا بيان لعلة التحريم والإرشاد إلى تنزه الآل عن أكل الأوساخ وإنما سميت أوساخا لأنها تطهرة لأموال الناس ونفوسهم كما قال تعالى { تطهرهم وتزكيهم بها } فذلك من التشبية وفيه إشارة إلى أن المحرم على الآل إنما هو الصدقة الواجبة التي يحصل بها تطهير المال . وأما صدقة التطوع فنقل الخطابي وغيره الإجماع على أنها محرمة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وللشافعي قول أنها تحل وتحل للآل على قول الأكثر وللشافعي قول بالتحريم وسيأتي الكلام في تحريم الصدقة الواجبة على بني هاشم . وظاهر هذا الحديث أنها لا تحل لهم ولو كان أخذهم لها من باب العمالة وإليه ذهب الجمهور . وقال أبو حنيفة والناصر العمالة معاوضة بمنفعة والمنافع مال فهي كما لو اشتراها بماله وهذا قياس فاسد الاعتبار لمصادمته للنص . قال النووس وهذا ضعيف أو باطل وهذا الحديث صريح في رده
قال المصنف رحمه الله تعالى بعد أن ساق هذا الحديث ما لفظه وهو يمنع جعل العامل من ذوي القربى انتهى . وتعقب بأن الحديث إنما يمنع دخول ذوي القربى في سهم العامل ولا يمنع من جعلهم عمالا عليها ويعطون ن غيرها فإنه جائز بالإجماع وقد استعمل علي عليه السلام بني العباس رضي الله عنه

3 - وعن أبي موسى قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الخازن المسلم الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملا موفرا طيبة به نفسه حتى يدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين )
- متفق عليه

- قوله ( طيبة به نفسه ) هذه الأوصاف لابد من اعتبارها في تحصيل أجر الصدقة للخازن فإنه إذا لم يكن مسلما لم تصح منه نية التقرب وإن لم يكن أمينا كان عليه وزر الخيانة فكيف يحصل له أجر الصدقة وإن لم تكن نفسه بذلك طيبة لك يكن له نية فلا يؤجر
قوله ( أحد المتصدقين ) قال القرطبي لم نروه إلا بالتثنية ومعناه أن الخازن بما فعل متصدق وصاحب المال متصدق آخر فهما متصدقان قال ويصح أن يقال على الجمع فتكسر القاف ويكون معناه أنه متصدق من جملة المتصدقين
( والحديث ) يدل على أن المشاركة في الطاعة توجب المشاركة في الأجر ومعنى المشاركة أن له أجرا كما أن لصاحبه أجرا وليس معناه أنه يزاحمه في أجره بل المراد المشاركة في الطاعة في أصل الثواب فيكون لهذا ثواب ولهذا ثواب وإن كان أحدهما أكثر ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سوء بل قد يكون ثواب هذا أكثر وقد يكون عكسه فإذا أعطى المالك خازنه مائة درهم أو نحوها ليوصلها إلى مستحق للصدقة على باب داره فأجر المالك أكثر وإن أعطاه رمانة أو رغيفا أو نحوهما حيث ليس له كثير قيمة ليذهب به إلى محتاج في مسافة بعيدة بحيث يقابل ذهاب الماشي إليه أكثر من الرمانة ونحوها فأجر الخازن أكثر . وقد يكون الذهاب مقدار الرمانة فيكون الأجر سواء . قال ابن رسلان ويدخل في الخازن من يتخذه الرجل على عياله من وكيل وعبد وامرأة وغلام ومن يقوم على طعام الضيفان

4 - وعن بريدة : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد فهو غلول )
- رواه أبو داود

- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وفيه دليل على أنه لا يحل للعامل زيادة على ما فرض له من استعمله وإن ما أخذه بعد ذلك فهو من الغلول وذلك بناء على أنها إجارة ولكنها فاسدة يلزم فيها أجرة المثل ولهذا ذهب البعض إلى أن الأجرة المفروضة من المستعمل للعامل تؤخذ على حسب العمل فلا يأخذ زيادة على ما يستحقه وقيل يأخذ ويكون من باب الصرف
( وفي الحديث ) أيضا دليل على أنه يجوز للعامل أن يأخذ حقه من تحت يده ولهذا قال المصنف رحمه الله تعالى وفيه تنبيه على جواز أن يأخذ العامل حقه من تحت يده فيقبض من نفسه لنفسه انتهى

باب المؤلفة قلوبهم

1 - عن أنس : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يسئل شيئا على الإسلام إلا أعطاه قال فأتاه رجل فسأله فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة قال فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة )
- رواه أحمد بإسناد صحيح

2 - وعن عمرو بن تغلب : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتي بمال أو سبي فقسمه فأعطى رجالا وترك رجالا فبلغه أن الذين ترك عتبوا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي ولكني أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع وأكل أقواما إلى ما جعل في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمر النعم )
- رواه أحمد والبخاري

- الحديثان يدلان على جواز التأليف لمن لم يرسخ إيمانه من مال الله عز و جل وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة منها إعطاؤه صلى الله عليه وآله وسلم أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس وعباس بن مرداس كل إنسان منهم مائة من الإبل
وروى أيضا أنه أعطى علقمة بن علاثة مائة ثم قال للأنصار لما عتبوا عليه لا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والإبل وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رحاكم ثم قال لما بلغه أنهم قالوا يعطي صناديد نجد ويدعنا ( إنما فعلت ذلك لأتألفهم ) كما في صحيح مسلم . وقد ذهب إلى جواز التأليف العترة والجبائي والبلخي وابن مبشر . وقال الشافعي لا نتألف كافرا فأما الفاسق فيعطى من سهم التأليف . وقال أبو حنيفة وأصحابه قد سقط بانتشار الإسلام وغلبته واستدلوا على ذلك بامتناع أبي بكر من إعطاء أبي سفيان وعيينة والأقرع وعباس ابن مرداس والظاهر جواز التأليف عند الحاجة إليه فإذا كان في زمن الإمام قوم لا يطيعونه إلا للدنيا ولا يقدر على إدخالهم تحت طاعته بالقسر والقلب فله أن يتألفهم ولا يكون لفشو الإسلام تأثير لأنه لم ينفع في خصوص هذه الواقعة وقد عد ابن الجوزي أسماء المؤلفة قلوبهم في جزء مفرد فبلغوا نحو الخمسين نفسا

باب قول الله تعالى وفي الرقاب

1 - وهو يشمل بعمومه المكاتب وغيره . وقال ابن عباس ( لا بأس أن نعتق من زكاة ماله )
- ذكره عنه أحمد والبخاري

2 - وعن البراء بن عازب قال : ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال دلني على عمل يقربني إلى الجنة ويبعدني من النار فقال أعتق النسمة وفك الرقبة قال يا رسول الله أوليسا واحدا قال لا عتق النسمة أن تفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في ثمنها )
- رواه أحمد والدارقطني

3 - وعن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ثلاثة كلهم حق على الله عونه الغازي في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح المتعفف )
- رواه الخمسة إلا أبا داود

- حديث البراء بن عازب قال في مجمع الزوائد رجاله ثقات وحديث أبي هريرة قال الترمذي حسن صحيح :
قوله ( المكاتب وغيره ) قد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى { وفي الرقاب } فروى عن علي بن أبي طالب وسعيد بن جبير والليث والثوري والعترة والحنفية والشافعية وأكثر أهل العلم أن المراد به المكاتبون يعانون من الزكاة على الكتابة . وروى عن ابن عباس والحسن البصري ومالك وأحمد بن حنبل وأبي ثور وأبي عبيد وإليه مال البخاري وابن المنذر أن المراد بذلك أنها تشتري رقاب لتعتق واحتجوا بأنها لو اختصت بالمكاتب لدخل في حكم الغارمين لأنه غارم وبأن شراء الرقبة لتعتق أولى من إعانة المكاتب لأنه قد يعان ولا يعتق لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ولأن الشراء يتيسر في كل وقت بخلاف الكتابة
وقال الزهري إنه يجمع بين الأمرين وإليه أشار المصنف وهو الظاهر لأن الآية تحتمل الأمرين وحديث البراء المذكور فيه دليل على أن فك الرقاب غير عتقها وعلى أن العتق وإعانة المكاتبين على مال الكتابة من الأعمال المقربة من الجنة والمبعدة من النار
قوله ( حق على الله ) فيه دليل على أن الله يتولى إعانة هؤلاء الثلاثة ويتفضل عليهم بأن لا يحوجهم لكن بشرط أن يكون الغازي غازيا في سبيل الله والمكاتب مريدا للأداء والناكح متعففا :
وقد اختلف في المكاتب إذا كان فاسقا هل يعان على الكتابة أم لا فذهبت الهادوية إلى أنه لا يعان قالوا لأنه لا قربة في إعانته . وقال الشافعي والإمام يحيى والمؤيد بالله أنه يعان وهو الظاهر

باب الغارمين

1 - عن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع )
- رواه أحمد وأبو داود

2 - وعن قبيصة بن مخارق الهلالي قال : ( تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسأله فيها فقال أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ثم قال يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل حماله فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة فسحت يأكلها صاحبها سحتا )
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود

- حديث أنس قد تقدم في باب ما جاء في الفقير والمسكين والمسألة وتقدم الكلام عليه هنالك : قوله ( حمالة ) بفتح الحاء المهملة وهو ما يتحمله الإنسان ويلتزمه في ذمته بالاستدانة ليدفعه في إصلاح ذات البين وإنما تحل له المسألة بسببه ويعطى من الزكاة بشرط أن يستدين لغير معصية وإلى هذا ذهب الحسن البصري والباقر والهادي وأبو العباس وأبو طالب . وروى عن الفقهاء الأربعة والمؤيد بالله أنه يعان لأن الآية لم تفصل وشرط بعضهم أن الحمالة لابد أن تكون لتسكين فتنة وقد كانت العرب إذا وقعت بينهم فتنة اقتضت غرامة في دية أو غيرها قام أحدهم فتبرع بالتزام ذلك والقيام به حتى ترتفع تلك الفتنة الثائرة ولا شك أن هذا من مكارم الأخلاق وكانوا إذا علموا أن أحدهم تحمل حمالة بادروا إلى معونته وأعطوه ما تبرأ به ذمته وإذا سأل لذلك لم يعد نقصا في قدره بل فخرا : قوله ( فنأمر لك ) بنصب الراء . قوله ( رجل ) يجوز فيه الجر على البدل والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف : قوله ( جائحة ) هي ما اجتاح المال وأتلفغه إتلافا ظاهرا كالسيل والحريق . قوله ( قواما ) بكسر القاف وهو ما تقوم به حاجته ويستغني به وهو بفتح القاف الاعتدال : قوله ( سدادا ) هو بكسر السين ما تسد به الحاجة والخلل . وأما السداد بالفتح فقال الأزهري هو الإصابة في النطق والتدبير والرأي ومنه سداد من عوز : قوله ( من ذوي الحجا ) بكسر الحاء المهملة مقصور العقل وإنما جعل العقل معتبرا لأن من لا عقل له لا تحصل الثقة بقوله وإنما قال من قومه لأنهم أخبر بحاله وأعلم بباطن أمره والمال مما يخفي في العادة ولا يعلمه إلا من كان خبيرا بحاله وظاهره اعتبار شهادة ثلاثة على الإعسار وقد ذهب إلى ذلك ابن خزيمة وبعض أصحاب الشافعي . وقال الجمهور تقبل شهادة عدلين كسائر الشهادات غير الزنا وحملوا الحديث على الاستحباب : قوله ( فاقة ) قال الجوهري الفاقة الفقر والحاجة : قوله ( فست ) بضم السين وسكون الحاء المهملتين وروى بضم الحاء وهو الحرام وسمي سحتا لأنه يسحت أي يمحق
وهذا الحديث مخصص بما في حديث سمرة من جواز سؤال الرجل للسلطان وفي الأمر الذي لابد منه فيزاد أن على هذه الثلاثة ويكون الجميع خمسة

باب الصرف في سبيل الله وابن السبيل

1 - وعن أبي سعيد قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله أو ابن السبيل أو جار فقير يتصدق عليه فيهدي لك أو يدعوك )
- رواه أبو داود . وفي لفظ : ( لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لعامل عليها أو رجل اشتراها بماله أو غارم أو غاز في سبيل الله أو مسكين تصدق عليه بها فأهدى منها الغني ) . رواه أبو داود وابن ماجه

- الحديث أخرجه أيضا أحمد ومالك في الموطأ والبزار وعبد بن حميد وأبو يعلى والبيهقي والحاكم وصححه وقد أعل بالإرسال لأنه رواه بعضهم عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكنه رواه الأكثر عنه عن أبي سعيد والرفع زيادة يتعين الأخذ بها :
قوله ( لغني ) قد قدمنا الكلام عليه في باب ما جاء في الفقير والمسكين : قوله ( إلا في سبيل الله ) أي للغازي في سبيل الله كما في الرواية الآخرة قوله ( أو ابن السبيل ) قال المفسرون هو المسافر المنقطع يأخذ من الصدقة وإن كان غنيا في بلده وقال مجاهد هو الذي قطع عليه الطريق وقال الشافعي ابن السبيل المستحق للصدقة هو الذي يريد السفر في غير معصية فيعجز عن بلوغ مقصده إلا بمعونة : قوله ( لعامل عليها ) قال ابن عباس ويدخل في العامل الساعي والكاتب والقاسم والحاشر الذي يجمع الأموال وحافظ المال والعريف وهو كالنقيب للقبيلة وكلهم عمال لكن أشهرهم الساعي والباقي أعوان له أو ظاهر هذا أنه يجوز الصرف من الزكاة إلى العامل عليها سواء كان هاشميا ولكن هذا مخصص بحديث المطلب بن ربيعة المتقدم أو غير هاشمي فإنه يدل على تحريم الصدقة على العامل الهاشمي ويؤيده حديث أبي رافع الآتي في باب تحريم الصدقة على بني هاشم فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يجوز له أن يصحب من بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الصدقة لكونه من موالي بني هاشم
قوله ( أو رجل اشتراها بماله ) فيه أنه يجوز لغير دافع الزكاة شراؤها ويجوز لآخذها بيعها ولا كراهة في ذلك ( وفيه دليل ) على أن الزكاة والصدقة إذا ملكها الآخذ تغيرت صفتها وزال عنها اسم الزكاة وتغيرت الأحكام المتعلقة بها . قوله ( أو غارم ) وهو من غرم لا لنفسه بل لغيره كإصلاح ذات البين بأن يخاف وقوع فتنة بين شخصين أو قبيلتين فيستدين من يطلب صلاح الحال بينهما مالا لتسكين الثائرة فيجوز له أن يقضي ذلك من الزكاة وإن كان غنيا . قال المصنف رحمه الله تعالى ويحمل هذا الغارم على من تحمل حمالة لإصلاح ذات البين كما في حديث قبيصة لا لمصلحة نفسه لقوله في حديث أنس ( أو ذي غرم مفظع ) انتهى
قوله ( فأهدي منها لغني ) فيه جواز إهداء الفقير الذي صرفت إليه الزكاة بعضا منها إلى الأغنياء لأن صفة الزكاة قد زالت عنها وفيه أيضا دليل على جواز قبول هدية الفقير للغني
( وفي هذا الحديث ) دليل على أنها لا تحل الصدقة لغير هؤلاء الخمسة من الأغنياء وما ورد بدليل خاص كان مخصصا لهذا العموم كحديث عمر المتقدم في باب ما جاء في الفقير والمسكين

2 - وعن ابن لاس الخزاعي قال : ( حملنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إبل من الصدقة إلى الحج )
- رواه أحمد وذكره البخاري تعليقا

3 - وعن أم معقل الأسدية : ( أن زوجها جعل بكرا في سبيل الله وأنها أرادت العمرة فسألت زوجها البكر فأبى فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت له فأمره أن يعطيها وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحج والعمرة في سبيل الله )
- رواه أحمد

4 - وعن يوسف بن عبد الله بن سلام عن جدته أم معقل قالت : ( لما حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله وأصابنا مرض وهلك أبو معقل وخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما فرغ من حجته جئته فقال يا أم معقل ما منعك أن تخرجي قالت لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله قال فهلا خرجت عليه فإن الحج في سبيل الله )
- رواه أبو داود

- حديث ابن لاس سيأتي الكلام عليه وحديث أم معقل أخرجه بنحو الرواية الأولى أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وفي إسناده رجل مجهول وفي إسناده أيضا إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي الكوفي وقد تكلم فيه غير واحد وقد اختلف على أبي بكر بن عبد الرحمن فيه فروى عنه عن رسول مروان الذي أرسله إلى أم معقل عنها
وروى عنه عن أم معقل بغير واسطة وروى عنه عن أبي معقل
والرواية الثانية التي أخرجها أبو داود في إسنادها محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف
قوله ( ابن لاس ) هكذا في نسخ الكتاب الصحيحة بلفظ ابن والذي في البخاري أبي لاس وكذا في التقريب من ترجمة عبد الله ابن عنمة ولاس بسين مهملة خزاعي اختلف في اسمه فقيل زياد وقيل عبد الله بن عنمة بمهملة ونون مفتوحتين وقيل غير ذلك له صحبة وحديثان هذا أحدهما وقد وصله مع أحمد ابن خزيمة والحاكم وغيرهما من طريقه . قال الحافظ ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق لهذا توقف ابن المنذر في ثبوته
( وأحاديث الباب ) تدل على أن الحج والعمرة في سبيل الله وأن من جعل شيئا من ماله جاز له صرفه في تجهيز الحجاج والمعتمرين وإذا كان شيئا مركوبا جاز حمل الحاج والمعتمر عليه وتدل أيضا على أنه يجوز صرف شيء من سهم سبيل الله من الزكاة إلى قاصدين الحج والعمرة

باب ما يذكر من استيعاب الأصناف

1 - عن زياد بن الحرث الصدائي قال : ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبايعته فأتى رجل فقال أعطني من الصدقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك )
- رواه أبو داود . ويروى : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لسلمة بن صخر اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك )

- حديث زياد بن الحرث الصدائي في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وقد تكلم فيه غير واحد . وحديث سلمة بن صخر له طرق وروايات يأتي ذكر بعضها في الصيام وهذه إحداها
وقد أخرجها بهذا اللفظ أحمد في مسنده بإسناد فيه محمد بن إسحاق ولم يصرح بالتحديث ومع هذا فهذه الرواية تعارض ما سيأتي من الروايات الصحيحة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعانه بعرق من تمر ) . من طريق جماعة من الصحابة وإنما أورد المصنف هذه الرواية ههنا للاستدلال بها على أن الصرف فيمن لزمته كفارة من الزكاة جائز :
قوله ( فجزأها ) بتشديد الزاي وهذا الحديث مع الآية يرد على المزني وأبي حفص بن الوكيل من أصحاب الشافعي حيث قالا أنه لا يصرف خمس الزكاة إلى من يصرف إليه خمس الفيء والغنيمة ويرد أيضا على أبي حنيفة والثوري والحسن البصري حيث قالوا يجوز صرفها إلى بعض الأصناف الثمانية حتى قال أبو حنيفة يجوز صرفها إلى الواحد على مالك حيث قال يدفعها إلى أكثرهم حاجة أي لأن كل الأصناف يدفع إليهم للحاجة فواجب اعتبار أمسهم حاجة

باب تحريم الصدقة على بني هاشم مواليهم دون موالي أزواجهم

1 - عن أبي هريرة قال : ( أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كخ كخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة )
- متفق عليه . ولمسلم : ( إنا لا تحل لنا الصدقة )

- قوله ( فجعلها في فيه ) زاد في رواية ( فلم يفطن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى قام ولعابه يسيل فضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم شدقيه ) . قوله ( كخ كخ ) بفتح الكاف وكسرها وسكون المعجمة مثقلا ومخففا وبكسرها منونة وغير منونة فيخرج من ذلك ست لغات والثانية تأكيد للأولى وهي كلمة تقال لردع الصبي عند مناولة ما يستقذر قيل أنها عربية وقيل أعجمية وزعم الداودي أنها معربة وقد أوردها البخاري في باب من تكلم بالفارسية :
قوله ( ارم بها ) في رواية لأحمد . ( ألقها يا بني ) وكأنه كلمه أولا بهذا فلما تمادى قال له كخ كخ إشارة إلى استقذار ذلك ويحتمل العكس . قوله ( لا تحل لنا الصدقة ) وفي رواية ( لا تحل لآل محمد الصدقة ) وكذا عند أحمد والطحاوي من حديث الحسن بن علي نفسه . قال الحافظ وإسناده قوي . وللطبراني والطحاوي من حديث أبي ليلى الأنصاري نحوه
( والحديث يدل ) على تحريم الصدقة عليه صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله واختلف ما المراد بالآل هنا فقال الشافعي وجماعة من العلماء أنهم بنو هاشم وبنو المطلب واستدل الشافعي على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشرك بني المطلب مع بني هاشم في سهم ذوي القربى ولم يعط أحدا من قبائل قريش غيرهم وتلك العطية عوض عوضوه بدلا عما حرموه من الصدقة كما أخرج البخاري من حديث جبير بن مطعم : ( قال مشيت أنا وعثمان ابن عفان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا يا رسول الله أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن وهم بمنزلة واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد ) . وأجيب عن ذلك بأنه إنما أعطاهم ذلك لموالاتهم لا عوضا عن الصدقة وقال أبو حنيفة ومالك والهادوية هم بنو هاشم فقط وعن أحمد في بني المطلب روايتان
وعن المالكية فيما بين هاشم وغالب بن فهر قولان فعن أصبغ منهم هم بنو قصي وعن غيره بنو غالب بن فهر كذا في الفتح . والمراد ببني هاشم آل علي وآل عقيل وآ جعفر وآل العباس وآل الحرث ولم يدخل في ذلك آل أبي لهب لما قيل من أنه لم يسلم أحد منهم في حياته صلى الله عليه وآله وسلم ويرده ما في جامع الأصول أنه أسلم عتبة ومعتب ابنا أبي لهب عام الفتح وسر صلى الله عليه وآله وسلم بإسلامهما ودعا لهما وشهدا معه حنينا والطائف ولهما عقب عند أهل النسب . قال ابن قدامة لا يعلم خلافا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة وكذا قال أبو طالب من أهل البيت حكى ذلك عنه في البحر وكذا حكى الإجماع ابن رسلان وقد نقل الطبري الجواز عن أبي حنيفة وقيل عنه تجوز لهم إذا حرموا سهم ذوي القربى حكاه الطحاوي ونقله بعض المالكية عن الأبهري منهم . قال في الفتح وهو وجه لبعض الشافعية . وحكى فيه أيضا عن أبي يوسف أنها تحل من بعضهم لبعض لا من غيرهم وحكاه في البحر عن زيد بن علي والمرتضى وأبي العباس والإمامية . وحكاه في الشفاء عن ابني الهادي والقاسم العياني : قال الحافظ وعند المالكية في ذلك أربعة أقوال مشهورة الجواز . المنع . جواز التطوع دون الفرض عكسه . والأحاديث الدالة على التحريم على العموم ترد على الجميع . وقد قيل أنها متواترة توترا معنويا ويؤيد ذلك قوله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } وقوله { قل ما أسألكم عليه من أجر } ولو أحلها لآله أو شك أن يطعنوا فيه . ولقوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم ( أن الصدقة أوساخ الناس ) كما رواه مسلم وأما ما استدل به القائلون بحلها للهاشمي من الهاشمي من حديث العباس الذي أخرجه الحاكم في النوع السابع والثلاثين من علوم الحديث بإسناد كله من بني هاشم ( أن العباس بن عبد المطلب قال قلت يا رسول الله إنك حرمت علينا صدقات الناس هل تحل لنا صدقات بعضنا لبعض قال نعم ) فهذا الحديث قد اتهم بعض رواته وقد أطال صاحب الميزان الكلام على ذلك فليس بصالح لتخصيص تلك العمومات الصحيحة
وأما قول العلامة محمد بن إبراهيم الوزير بعد أن ساق الحديث ما لفظه وأحسب له متابعا لشهرة القول به قال والقول به قول الجماعة وافرة من أئمة العترة وأولادهم وأتباعهم بل ادعى بعضهم أنه إجماعهم ولعل توارث هذا بينهم يقوي الحديث انتهى
فكلام ليس على قانون الاستدلال لأن مجرد الحسبان أن له متابعا وذهاب جماعة من أهل البيت إليه لا يدل على صحته وأما دعوى أنهم أجمعوا عليه فباطل باطل ومطولات مؤلفاتهم ومختصرات شاهدة لذلك . وأما قول الأمير في النحة أنها سكنت نفسه إلى هذا الحديث بعد وجدان سنده وما عضده مندعوى الإجماع فقد عرفت بطلان دعوى الإجماع وكيف يصح إجماع لأهل البيت والقاسم والهادي والناصر والمؤيد بالله وجماعة من أكابرهم بل جمهورهم خارجون عنه . وأما مجرد وجدان السند للحديث بدون كشف عنه فليس مما يوجب سكون النفس
( والحاصل ) أن تحريم الزكاة على بني هاشم معلوم من غير فرق بين أن يكون المزكي هاشميا أو غيره فلا ينفق من المعاذير عن هذا المحرم المعلوم إلا ما صح عن الشارع لا ما لفقه الواقعون في هذه الورطة من الأعذار الواهية التي لا تخلص ولا ما لم يصح من الأحاديث المروية في التخصيص ولكثرة أكلة الزكاة من آل هاشم في بلاد اليمن خصوصا أرباب الرياسة قام بعض العلماء منهم في الذب عنهم وتحليل ما حرم الله عليهم مقاما لا يرضاه الله ولإنقاذ العلماء فألف في ذلك رسالة هي في الحقيقة كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاء لم يجده شيئا وصار يتسلى بها أرباب النباهة منهم
وقد يتعلل بعضهم بما قاله البعض منهم إن أرض اليمن خراجية وهو لا يشعر أن هذه المقالة مع كونها من أبطل الباطلات ليست مما يجوز التقليد فيه على مقتضى أصولهم فالله المستعان ما أسرع الناس إلى متابعة الهوى وإن خالف ما هو معلوم من الشريعة المطهرة
( واعلم ) أن ظاهر قوله لا تحل لنا الصدقة عدم حل صدقة الفرض والتطوع وقد نقل جماعة منهم الخطابي الإجماع على تحريمها عليه صلى الله عليه وآله وسلم وتعقب بأنه قد حكى غير واحد عن الشافعي في التطوع قولا . وكذا في رواية عن أحمد
وقال ابن قدامة ليس ما نقل عنه من ذلك بواضح الدلالة وأما آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أكثر الحنفية وهو المصحح عن الشافعية والحنابلة وكثير من الزيدية أنها تجوز لهم صدقة التطوع دون الفرض قالوا لأن المحرم عليهم إنما هو أوساخ لناس وذلك هو الزكاة لا صدقة التطوع وقال في البحر أنه خصص صدقة التطوع لقياس على الهبة والهدية والوقف وقال أبو يوسف وأبو العباس إنها تحرم عليهم كصدقة الفرض لأن الدليل لم يفصل

2 - وعن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع اصحبني كيما تصيب منها قال لا حتى أتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسأله وانطلق فسأله فقال إن الصدقة لا تحل لنا وأن موالي القوم من أنفسهم )
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي

- الحديث أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان وصححاه
( وفي الباب ) عن ابن عباس عند الطبراني . قوله ( من أنفسهم ) بضم الفاء ولفظ الترمذي مولى القوم منهم أي حكمه كحكمهم
( الحديث ) يدل على تحريم الصدقة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحريمها على آله وقد تقدم الكلام على ذلك . ويدل على تحريمها على موالي آل بني هاشم ولو كان الأخذ على جهة العمالة وقد سلف ما فيه
قال الشافعي حرم على مواليه من الصدقة ما حرم على نفسه وبه قال أبو حنيفة وهو مروي أيضا عن الناصر والشافعي وأصحابه وإليه ذهب المؤيد بالله وأبو طالب وهو مروى عن الناصر وابن الماجشون . وقال مالك ويحيى وهو مروي أيضا عن الناصر والشافعي في قول له إنها تحل لهم قال في البحر لأن علة التحريم مفقودة وهي الشرف قلنا جزم الخبر بدفع ذلك انتهى . ونصب هذه العلة في مقابل هذا الدليل الصحيح من الغرائب التي يعتبر بها المتيقظ

3 - وعن أم عطية قالت : ( بعث إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشاة من الصدقة فبعثت إلى عائشة منها بشيء فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال هل عندكم من شيء فقالت لا إلا أن نسيبة بعثت إلينا من الشاة التي بعثتم بها إليها فقال إنها قد بلغت محلها )
- متفق عليه

4 - وعن جويرة بنت الحرث : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها فقال هل من طعام فقالت لا والله ما عندنا طعام إلا عظم من شاة أعطيتها مولاتي من الصدقة فقال قدميها فقد بلغت محلها )
- رواه أحمد ومسلم

- قوله ( هل عندكم من شيء ) أي من الطعام . قوله ( نسيبة ) قال في الفتح بالنون والمهملة والموحدة مصغرا اسم أم عطية انتهى . وأما نسيبة بفتح النون وكسر السين فهي أم عمارة : قوله ( بلغت محلها ) قوله أي أنها لما تصرفت فيها بالهدية لصحة ملكها لها انتقلت عن حكم الصدقة فحلت محل الهدية وكانت تحل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخلاف الصدقة كما تقدم كذا قال ابن بطال . قال في الفتح وضبطه بعضهم بكسرها من الحلول أي بلغت مستقرها والأول أولى انتهى
( والحديث ) يدل على أن موالي أزواج بني هاشم ليس حكمهم كحكم موالي بني هاشم فتحل لهم الصدقة وقد نقل ابن بطال اتفاق الفقهاء على عدم دخول الزوجات في ذلك وفيه نظر لأن ابن قدامة ذكر أن الخلال أخرج من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة ( أنها قالت إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ) قال وهذا يدل على تحريمها قال الحافظ وإسناده إلى عائشة حسن . وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا وهذا لا يقدح فيما نقله ابن بطال وذكر ابن المنير أنها لا تحرم الصدقة على الأوزاج قولا واحدا
( ولا يقال ) إن قول البعض بدخولهن في الآل يستلزم تحريم الصدقة عليهن فإن ذلك غير لازم
( وفي الحديثين ) أيضا دليل على أنه يجوز لمن تحرم عليه الصدقة الأكل منها بعد مصيرها إلى المصرف وانتقالها عنه بهبة أو هدية أو نحوها . وفي الباب عن عائشة عند البخاري وغيره : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتي بلحم فقالت له هذا ما تصدق به على بريرة فقال هو لها صدقة ولنا هدية )

باب نهي المتصدق أن يشتري ما تصدق به

1 - عن عمر بن الخطاب قال : ( حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه وظننت أنه يبيعه برخص فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا تشتره ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه )
- متفق عليه

2 - وعن ابن عمر : ( أن عمر حمل على فرس في سبيل الله ) . وفي لفظ ( تصدق بفرس في سبيل الله ثم رآها تباع فأراد أن يشتريها فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا تعد في صدقتك يا عمر )
- رواه الجماعة زاد البخاري فبذلك كان ابن عمر لا يترك أن يبتاع شيئا تصدق به إلا جعله صدقة )

- قوله ( عن عمر ) هذا يقتضي أن الحديث من مسند عمر والرواية الأخرى تقتضي أنه من مسند ابن عمر . ورجح الدارقطني الثاني : قوله ( حملت على فرس ) المراد أنه ملكه إياه ولذلك ساغ له بيعه ومنهم من قال كان عمر قد حبسه وإنما ساغ للرجل بيعه لأنه حصل فيه هزال عجز بسببه عن اللحاق بالخيل وضعف عن ذلك وانتهى إلى حالة عدم الانتفاع به ويرجح الأول قوله ( لا تعد في صدقتك ) ولو كان حبسا لعلله به : قوله ( فأضاعه ) أي لم يحسن القيام عليه وقصر في مؤنته وخدمته . وقيل لم يعرف مقداره فأراد بيعه بدون قيمته وقيل معناه استعمله في غير ما جعل له والأول أظهر : قوله ( وإن أعطاكه بدرهم ) هو مبالغة في تنقيصه وهو الحامل له على شرائه : قوله ( لا تعد ) إنما سمي شراءه برخص عودا في الصدقة من حيث أن الغرض منها ثواب الآخرة فإذا اشتراها برخص فكأنه اختار عرض الدنيا على الآخرة فيصير راجعا في ذلك المقدار الذي سومح فيه : قوله ( كالعائد في قيئه ) استدل به على تحريم ذلك لأن القيء حرام
قال القرطبي وهذا هو الظاهر من سياق الحديث ويحتمل أن يكون التشبيه للتنفير خاصة لكونه القيء مما يستقذر وهو قول الأكثر ويلحق بالصدقة الكفارة والنذر وغيرهما من القربات : قوله ( لا يترك أن يبتاع ) الخ أي كان إذا اتفق له أن يشتري شيئا مما تصدق به لا يتركه في ملكه حتى يتصدق به فكأنه فهم أن النهي عن شراء الصدقة إنما هو لمن أراد أن يتملكها لا لمن يردها صدقة
( والحديث ) يدل على كراهة الرجوع عن الصدقة وأن شراءها برخص نوع من الرجوع فيكون مكروها وقد قيل إنه يعارض هذا الحديث الحديث المتقدم عن أبي سعيد في حل الصدقة لرجل اشتراها بماله وجمع بينهما بحمل هذا على كراهة التنزيه ولهذا قال المصنف رحمه الله تعالى وحمل قوم هذا على التنزيه واحتجوا بعموم قوله ( أو رجل اشتراها بماله ) في خبر أبي سعيد ويدل عليه ابتياع ابن عمر وهو راوي الخبر ولو فهم منه التحريم لما فعله وتقرب بصدقة تستند إليه انتهى
والظاهر أنه لا معارضة بين هذا وبين حديث أبي سعيد المتقدم لأن هذا في صدقة التطوع وذاك في صدقة الفريضة فيكون الشراء جائزا في صدقة الفريضة لأنه لا يتصور الرجوع فيها حتى يكون الشراء مشبها له بخلاف صدقة التطوع فإنه يتصور الرجوع فيها فكره ما يشبهه وهو الشراء نعم يعارض حديث الباب في الظاهر ما أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه : ( أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت كنت تصدقت على أمي بوليدة وأنها ماتت وتركت الوليدة قال وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث )
ويجمع بجواز تملك الشيء المتصدق به بالميراث لأن ذلك ليس مشبها بالرجوع عن الصدقة دون سائر المعاوضات

باب فضل الصدقة على الزوج والأقارب

1 - عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن قالت فرجعت إلى عبد الله فقلت إنك رجل خفيف ذات اليد وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أمرنا بالصدقة فأته فاسأله فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيركم قالت فقال عبد الله بل ائتيه أنت قالت فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاجتي حاجتها قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ألقيت عليه المهابة قالت فخرج علينا بلال فقلنا له ائت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبر من نحن قالت فدخل بلال فسأله فقال له من هما فقال امرأة من الأنصار وزينب قال أي الزيانب فقال امرأة عبد الله فقال لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة )
- متفق عليه . ولفظ البخاري ( أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وعلى أيتام لي في حجري )

- قوله ( إنك رجل خفيف ذات اليد ) هذا كناية عن الفقر . وفي لفظ للبخاري ( إن زينب كانت تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها فقالت لعبد الله سل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيجزئ عني أن أنفق عليك وعلى أيتام في حجري من الصدقة ) الحديث : قوله ( فإذا امرأة من الأنصار ) زاد النسائي والطيالسي يقال لها زينب . وفي رواية للنسائي انطلقت امرأة عبد الله يعني ابن مسعود وامرأة أبي مسعود يعني عقبة بن عمرو الأنصاري
( استدل بهذا الحديث ) على أنه يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها إلى زوجها وبه قال الثوري والشافعي وصاحبا أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك . وعن أحمد وإليه ذهب الهادي والناصر والمؤيد بالله وهذا إنما يتم دليلا بعد تسليم أن هذه الصدقة صدقة واجبة وبذلك جزم المازري . ويؤيد ذلك قولها ( أيجزئ عني ) وتعقبه عياض بأن قوله ( ولو من حليكن ) وكون صدقتها كانت من صناعتها يدلان على التطوع وبه جزم النواوي وتألوا قولها أيجزئ عني أي في الوقاية من النار كأنها خافت أن صدقتها على زوجها لا يحصل لها المقصود وما أشار إليه من الصناعة احتج به الطحاوي لقول أبي حنيفة إنها لا تجزئ زكاة المرأة في زوجها فأخرج من طريق رائطة امرأة ابن مسعود أنها كانت امرأة صنعاء اليدين فكانت تنفق عليه وعلى ولده فهذا يدل على أنها صدقة تطوع
( واحتجوا ) أيضا على أنها صدقة تطوع بما في البخاري من حديث أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم ) . قالوا لأن الولد لا يعطى من الزكاة الواجبة بالإجماع كما نقله ابن المنذر والمهدي في البخر وغيرهما وتعقب هذا بأن الذي يمتنع إعطاؤه من الصدقة الواجبة من تلزم المعطي نفقته والأم لا يلزمها نفقة ابنها مع وجود أبيه
قال المصنف رحمه الله تعالى بعد أن ساق الحديث وهذا عند أكثر أهل العلم في صدقة التطوع انتهى
والظاهر أنه يجوز للزوجة صرف زكاتها إلى زوجها أما أولا فلعدم المانع من ذلك ومن قال إنه لا يجوز فعليه الدليل وأما ثانيا فلأن ترك استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم لها ينزل منزلة العموم فلما لم يستفصلها عن الصدقة هل هي تطوع أو واجب فكأنه قال يجزي عنك فرضا كان أو تطوعا
( وقد اختلف ) في الزوج هل يجوز له أن يدفع زكاته إلى زوجته فقال ابن المنذر أجمعوا على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة شيئا لأن نفقتها واجبة عليه ويمكن أن يقال أن التعليل بالوجوبل على الزوج لا يوجب امتناع الصرف إليها لأن نفقتها واجبة عليه غنية كانت أو فقيرة فالصرف إليها لا يسقط عنه شيئا . وأما الصدقة على الأصول والفصول وبقية القرابة فسيأتي الكلام عليها

2 - وعن سلمان بن عامر : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة )
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي

3 - وعن أبي أيوب قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح )
- رواه أحمد . وله مثله من حديث حكيم بن حزام

4 - وعن ابن عباس قال : ( إذا كان ذوو قرابة لا تعولهم فأعطهم من زكاة مالك وإن كنت تعولهم فلا تعطهم ولا تجعلها لمن تعول )
- رواه الأثرم في سننه

- حديث سلمان أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والدارقطني والحاكم وحسنه الترمذي . قال الحافظ وفي الباب عن أبي طلحة وأبي أمامة عند الطبراني : قوله ( الكاشح ) هو المضمر للعداوة
وقد استدل بالحديثين على جواز صرف الزكاة إلى الأقارب سواء كانوا ممن تلزم لهم النفقة أم لا لأن الصدقة المذكورة فيهما لم تقيد بصدقة التطوع ولكنه قد تقدم عن ابن المنذر وصاحب البحر أنهما حكيا الإجماع على عدم جواز صرف الزكاة إلى الأولاد وكذا سائر الأصول والفصول كما في البحر فإنه قال مسألة ولا تجزئ في أصوله وفصوله مطلقا إجماعا . وقال صاحب ضوء النهار إن دعوى الإجماع وهم قال وكيف ومحمد بن الحسن ورواية عن العباس إنها تجزئ في الآباء والأمهات ثم قال قلت والمسألة في البحر لم تنسب إلى قائل فضلا عن الإجماع وهذا وهم منه رحمه الله تعالى . فإن صاحب البحر صرح بنسبتها إلى الإجماع كما حكيناه سالفا فقد نسبت إلى قائل وهم أهل الإجماع إلا أنه يدل لما روى عن أبي عباس ومحمد بن الحسن ما في البخاري وأحمد عن معن بن يزيد قال : ( أخرج أبي دنانير يتصدق بها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فقال والله ما إياك أردت فجئت فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن )
وسيأتي هذا الحديث في كتاب الوكالة إن شاء الله تعالى ولكنه يحتمل أن تكون الصدقة صدقة تطوع بل هو الظاهر . وقد روى عن مالك أنه يجوز الصرف في بني البنين وفيما فوق الجد والجدة وأما غير الأصول والفصول من القرابة الذين تلزم نفقتهم فذهب الهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله ومالك والشافعي إلى أنه لا يجزئ الصرف إليهم
وقال أبو حنيفة وأصحابه والإمام يحيى يجوز ويجزئ إذ لم يفصل الدليل لعموم الأدلة المذكورة في الباب وقال الأولون أنها مخصصة بالقياس ولا أصل له . وأما الأثر المروي عن ابن عباس فكلام صحابي ولا حجة فيه لأن للاجتهاد في ذلك مسرحا . ويؤيد الجواز والإجزاء الحديث الذي تقدم عند البخاري بلفظ ( زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم ) وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما سلف ثم الأصل عدم المانع فمن زعم أن القرابة أو وجوب النفقة مانعان فعليه الدليل ولا دليل

باب زكاة الفطر

1 - عن ابن عمر قال : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين )
- رواه الجماعة . ولأحمد والبخاري وأبي داود : ( وكان ابن عمر يعطي التمر إلا عاما واحدا أعوز التمر فأعطى الشعير ) . وللبخاري ( وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين )

2 - وعن أبي سعيد قال : ( كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب )
- أخرجاه . وفي رواية : ( كنا نخرج زكاة الفطر إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط فلم نزل كذلك حتى قدم علينا معاوية المدينة فقال إني لأرى مدين من سمراء الشام يعدل صاعا من تمر فأخذ الناس بذلك قال أبو سعيد فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ) . رواه الجماعة لكن البخاري لم يذكر فيه قال أبو سعيد فلا أزال الخ . وابن ماجه لم يذكر لفظة أو في شيء منه . وللنسائي عند أبي سعيد قال : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط وهو حجة في أن الأقط أصل . وللدارقطني عن ابن عيينة عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد قال : ( ما أخرجنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا صاعا من دقيق أو صاعا من تمر أو صاعا من سلت أو صاعا من زبيب أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط ) . ( فقال ابن المديني لسفيان يا أبا محمد إن أحدا لا يذكر في هذا الدقيق قال بلى هو فيه ) . رواه الدارقطني واحتج به أحمد على إجزاء الدقيق

- قوله ( فرض ) فيه دليل على أن صدقة الفطر من الفرائض وقد نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك ولكن الحنفية يقولون بالوجوب دون الفرضية على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب قالوا إذ لا دليل قاطع تثبت به الفرضية : قال الحافظ وفي نقل الإجماع نظر لأن إبراهيم بن علية وأبا بكر بن كيسان الأصم قالا إن وجوبها نسخ واستدل لهما بما روى النسائي وغيره عن قيس بن سعد بن عبادة قال : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله ) . قال وتعقب بأن في إسناده راويا مجهولا وعلى تقدير الصحة فلا دليل فيه على النسخ لاحتمال الاكتفاء بالأمر الأول لأن نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر
ونقل المالكية عن أشهب أنها سنة مؤكدة وهو قول بعض أهل الظاهر وابن اللبان من الشافعية قالوا ومعنى قوله في الحديث فرض أي قدر وهو أصله في اللغة كما قال ابن دقيق العيد لكن نقل في عرف الشرع إلى الوجوب فالحمل عليه أولى . وقد ثبت أن قوله تعالى { قد أفلح من تزكى } نزلت في زكاة الفطر كما روى ذلك ابن خزيمة
قوله ( زكاة الفطر ) أضيفت الزكاة إلى الفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان كذا قال في الفتح . وقال ابن قتيبة والمراد بصدقة الفطر صدقة النفوس مأخوذ من الفطرة التي هي أصل الخلقة . قال الحافظ والأول أظهر . ويؤيده قوله في بعض طرق الحديث زكاة الفطر في رمضان
وقد استدل بقوله وكاة الفطر على أن وقت وجوبها غروب الشمس ليلة الفطر لأنه وقت الفطر من رمضان وقيل وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد لأن الليل ليس محلا للصوم وإنما يتبين الفطر الحقيقي بالأكل بعد طلوع الفجر والأول قول الثوري وأحمد وإسحاق والشافعي في الجديد وإحدى الروايتين عن مالك والثاني قول أبي حنيفة والليث والشافعي في القديم والرواية الثانية عن مالك وبه قال الهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله ويقويه قوله في حديث ابن عمر الآتي أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ولكنها لم تقيد القبلية بكونها في يوم الفطر :
قال ابن دقيق العيد الاستدلال بقوله زكاة الفطر على الوقت ضعيف لأن الإضافة إلى الفطر لا تدل على وقت الوجوب بل تقتضي إضافة هذه الزكاة إلى الفطر من رمضان وأما وقت الوجوب فيطلب من أمر آخر
قوله ( صاعا من تمر أو صاعا من شعير ) قال في الفتح انتصب صاعا على التمييز أو أنه مفعول ثان : قوله ( على العبد والحر ) ظاهره يدل على أن العبد يخرج عن نفسه ولم يقل به إلا داود فقال يجب على السيد أن يمكن عبده من الاكتساب لها ويدل على ما ذهب إليه الجمهور من كون الوجوب على السيد حديث ( ليس على المرء في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر ) . ولفظ مسلم ( ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر ) :
قوله ( الذكر والأنثى ) ظاهره وجوبها على المرأة سواء كان لها زوج أم لا وبه قال الثوري وأبو حنيفة وابن المنذر وقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق تجب على زوجها تبعا للنفقة قال الحافظ وفيه نظر لأنهم قالوا إن أعسر وكانت الزوجة أمة وجبت فطرتها على السيد بخلاف النفقة فافترقا واتفقوا على أن المسلم لا يخرج عن زوجته الكافرة مع أن نفقتها تلزم وإنما احتج الشافعي بما رواه من طريق محمد بن علي الباقر مرسلا ( أدوا صدقة الفطر عمن يمونون ) وأخرجه البيهقي من هذا الوجه فزاد في إسناده ذكر على وهو منقطع . وأخرجه من حديث ابن عمر وإسناده ضعيف وأخرجه أيضا عنه الدارقطني
قوله ( والصغير والكبير ) وجوب فطرة الصغير في ماله والمخاطب بإخراجها وليه وإن كان للصغير مال وإلا وجبت على من تلزمه نفقته وإلى هذا ذهب الجمهور . وقال محمد بن الحسن هي على الأب مطلقا فإن لم يكن له أب فلا شيء عليه . وعن سعيد بن المسيب والحسن البصري لا تجب إلا على من صام واستدل لهما بحديث ابن عباس الآتي بلفظ ( صدقة الفطر طهرة للصائم ) قال في الفتح وأجيب بأن ذكر التطهير خرج مخرج الغالب كما أنها تجب على من لا يذنب كمتحقق الصلاح أو من أسلم قبل غروب الشمس بلحظة قال فيه . ونقل ابن المنذر الإجماع على أنهما لا تجب على الجنين وكان أحمد يستحبه ولا يوجبه : قوله ( من المسلمين ) فيه دليل على اشتراط الإسلام في وجوب الفطرة فلا تجب على الكافر
قال الحافظ وهو أمر متفق عليه وهل يخرجها عن غيره كمستولدته المسلمة نقل ابن المنذر فيه الإجماع على عدم الوجوب لكن فيه وجه للشافعية ورواية عن أحمد . وهل يخرجها المسلم عن عبده الكافر قال الجمهور لا خلافا لعطاء والنخعي والثوري والحنفية وإسحاق واستدلوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر ) وأجاب الجمهور بأنه يبني عموم قوله في عبده على خصوص قوله من المسلمين في حديث الباب ولا يخفى أن قوله من المسلمين أعم من قوله في عبده من وجه وأخص من وجه فتخصيص أحدهما بالآخر تحكم ولكنه يؤيد اعتبار الإسلام ما عند مسلم بلفظ ( على كل نفس من المسلمين حر أو عبد ) واحتج بعضهم على وجوب إخراجها عن العبد بأن ابن عمر راوي الحديث كان يخرج عن عبده الكافر وهو أعرف بمراد الحديث وتعقبه بأنه لو صح حمل على أنه كان يخرج عنهم تطوعا ولا مانع منه
وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين أهل البادية وغيرهم وإليه ذهب الجمهور . وقال الزهري وربيعة والليث أن زكاة الفطر تختص بالحاضرة ولا تجب على أهل البادية :
قوله ( أعوز التمر ) بالمهملة وانزاي أي احتاج يقال أعوزني الشيء إذا احتجت إليه فلم أقدر عليه وفيه دليل على أن التمر أفضل ما يخرج في صدقة الفطر . قوله ( بيوم أو يومين ) فيه دليل على جواز تعجيل الفطرة قبل يوم الفطر وقد جوزه الشافعي من أول رمضان وجوزه الهادي والقاسم وأبو حنيفة وأبو العباس وأبو طالب ولو إلى عامين عن البدن الموجود وقال الكرخي وأحمد بن حنبل لا تقدم على وقت وجوبها إلا ما يغتفر كيوم أو يومين وقال مالك والناصر والحسن بن زياد لا يجوز التعجيل مطلقا كالصلاة قبل الوقت وأجاب عنهم في البحر بأن ردها إلى الزكاة أقرب . وحكى الإمام يحيى إجماع السلف على جواز التعجيل . قوله ( صاعا من طعام ) الخ ظاهره المغايرة بين الطعام وبين ما ذكر بعده وقد حكى الخطابي أن المراد بالطعام هنا الحنطة وأنه اسم خاص له قال هو وغيره قد كانت لفظة الطعام تستعمل في الحنطة عند الإطلاق حتى إذا قيل اذهب إلى سوق الطعام فهم منه سوق القمح وإذا غلب العرف نزل اللفظ عليه لأنه لما غلب استعمال اللفظ فيه كان خطوره عند الإطلاق أغلب : قال في الفتح وقد رد ذلك ابن المنذر وقال ظن بعض أصحابنا أن قوله في حديث أبي سعيد صاعا من طعام حجة لمن قال صاح من حنطة وهذا غلط منه وذلك أن أبا سعيد أجمل الطعام ثم أورد طريق حفص بن ميسرة عند البخاري وغيره أن أبا سعيد قال ( كنا نخرج في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفطر صاعا من طعام قال أبو سعيد وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر ) وهي ظاهرة فيما قال وأخرج الطحاوي نحوه من طريق أخرى وأخرج ابن خزيمة والحاكم في صحيحهما أن أبا سعيد قال لما ذكروا عنده صدقة رمضان لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاع تمر أو صاع حنطة أو صاع شعير أو صاع أقط فقال له رجل من القوم أو مدين من قمح فقال لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها . قال ابن خزيمة ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد هذا غير محفوظ ولا أدري ممن الوهم ويدل على أنه خطأ قوله فقال رجل الخ إذ لو كان أبو سعيد أخبر أنهم كانوا يخرجون منها صاعا لما قال الرجل أو مدين من قمح
وقد أشار أيضا أبو داود إلى أن ذكر الحنطة فيه غير محفوظ
قوله ( حتى قدم معاوية ) زاد مسلم حاجا أو معتمرا وكلم الناس على المنبر ) وزاد ابن خزيمة وهو يومئذ خليفة . قوله ( من سمراء الشام ) بفتح السين المهملة وإسكان الميم وبالمد هي القمح الشامي . قال النووي تمسك بقول معاوية من قال بالمدين من الحنطة وفيه نظر لأنه فعل صحابي قد خالف فيه أبو سعيد وغيره ممن هو أطول صحبة منه وأعلم بحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد صرح بأنه رأى رآه لا أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم . قال ابن المنذر لا نعلم في القمح خبرا ثابتا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعتمد عليه ولم يكن البر بالمدينة في ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من الشعير وهم الأئمة فغير جائز أن يعدل عن قولهم إلا إلى قول مثلهم ثم أسند عن عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد
قال الحافظ صحيحة أنهم رأوا أن في زكاة الفطر نصف صاع من قمح انتهى وهذا مصير منه إلى اختيار ما ذهب إليه الحنفية لكن حديث أبي سعيد دال على أنه لم يوافق على ذلك وكذلك ابن عمر فلا إجماع في المسألة
قوله ( ولم يذكر لفظة أو ) يعني لم يذكر حرف التخيير في شيء من طرق الحديث . قوله ( أو صاعا من أقط ) بفتح الهمزة وكسر القاف وهو لبن يابس غير منزوع الزبد . وقال الأزهري يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى ينصل . وقد اختلف في أجزائه على قولين أحدهما أنه لا يجزئ لأنه غير مقتات وبه قال أبو حنيفة إلا أنه جاز إخراجه بدلا عن القيمة على قاعدته . والقول الثاني أنه يجزئ وبه قال مالك وأحمد وهو الراجح لهذا الحديث الصحيح من غير معارض
وروى عن أحمد أنه يجزئ مع عدم وجدان غيره وزعم الماوردي أنه يجزئ عن أهل البادية دون أهل الحاضرة فلا يجزئ عنهم بلا خلاف وتعقبه النووي فقال قطع الجمهور بأن الخلاف في الجميع :
قوله ( إلا صاعا من دقيق ) ذكر الدقيق ثابت في سنن أبي داود من حديث أبي سعيد أيضا ولكنه قال أبو داود أن ذكر الدقيق وهم من ابن عيينة . وقد روى ذلك ابن خزيمة من حديث ابن عباس قال : ( أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تؤدى زكاة رمضان صاعا من طعام عن الصغير والكبير والحر والمملوك من أدى سلتا قبل منه وأحسبه قال من أدى دقيقا قبل منه ومن أدى سويقا قبل منه ورواه الدارقطني ولكن قال ابن أبي حاتم سألت أبي عن هذا الحديث فقال منكر لأن ابن سيرين لم يسمع من ابن عباس
وقد استدل بذلك على جواز إخراج الدقيق كما يجوز إخراج السويق وبه قال أحمد وأبو قاسم الأنماطي لأنه مما يكال وينتفع به الفقير وقد كفى فيه الفقير مؤنة الطحن
وقال الشافعي ومالك إنه لا يجزئ إخراجه لحديث ابن عمر المتقدم ولأن منافعه قد نقصت والنص ورد في الحب وهو يصلح لما لا يصلح له الدقيق والسويق
قوله ( من سلت ) بضم السين المهملة وسكون اللام بعدها مثناة فوقية نوع من الشعير وهو كالحنطة في ملاسته وكالشعير في برودته وطبعه . والروايات المذكورة في الباب تدل على أن الواجب من هذه الأجناس المنصوصة في الفطرة صاع ولا خلاف في ذلك إلا في البر والزبيب
وقد ذهب أبو سعيد وأبو العالية وأبو الشعثاء والحسن البصري وجابر بن زيد والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله إلى أن البر والزبيب كذلك يجب من كل واحد منهما صاع وقال من تقدم ذكره من الصحابة في كلام ابن المنذر وزاد في البحر أبا بكر وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وزيد بن علي والإمام يحيى أن الواجب نصف صاع منهما والقول الأول أرجح لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرض صدقة الفطر صاعا من طعام والبر مما يطلق عليه اسم الطعام إن لم يكن غالبا فيه كما تقدم وتفسيره بغير البر إنما هو لما تقدم من أنه لم يكن معهودا عندهم فلا يجزئ دون الصاع منه ويمكن أن يقال أن البر على تسليم دخوله تحت لفظ الطعام مخصص بما أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ ( صدقة الفطر مدان من قمح ) وأخرج نحوه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا أيضا . وأخرج نحوه الدارقطني من حديث عصمة بن مالك وفي إسناده الفضل بن المختار وهو ضعيف . وأخرج أبو داود والنسائي عن الحسن مرسلا بلفظ : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الصدقة صاعا من تمر أو من شعير أو نصف صاع من قمح )
وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صغير بلفظ قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة الفطر صاع من بر أو قمح عن كل اثنين )
وأخرج سفيان الثوري في جامعه عن علي عليه السلام موقوفا بلفظ ( نصف صاع بر ) وهذه تنتهض بمجموعها للتخصيص
وحديث أبي سعيد الذي فيه التصريح بالحنطة قد تقدم ما فيه على أنه لم يذكر إطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك

3 - وعن ابن عمر : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة )
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه

- قوله ( قبل خروج الناس إلى الصلاة ) قال ابن التين أي قبل خروج الناس إلى صلاة العيد وبعد صلاة الفجر . قال ابن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته فإن الله تعالى يقول { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى } ولابن خزيمة من طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن هذه الآية فقال ( نزلت في زكاة الفطر ) وحمل الشافعي التقييد بقبل صلاة العيد على الاستحباب لصدق اليوم على جميع النهار . وقد رواه أبو معشر عن نافع عن ابن عمر بلفظ ( كان يأمرنا أن نخرجها قبل أن نصلي فإذا انصرف قسمه بينهم وقال أغنوهم عن الطلب ) أخرجه سعيد بن منصور ولكن أبو معشر ضعيف . ووهم ابن العربي في عزو هذه الزيادة لمسلم
( وقد استدل ) بالحديث على كراهة تأخيرها عن الصلاة وحمله ابن حزم على التحريم

4 - وعن ابن عباس قال : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات )
- رواه أبو داود وابن ماجه

- الحديث أخرجه أيضا الدارقطني والحاكم وصححه : قوله ( طهرة ) أي تطهيرا لنفس من صام رمضان من اللغو وهو مالا ينعقد عليه القلب من القول والرفث . قال ابن الأثير الرفث هنا هو الفحش من الكلام : قوله ( وطعمة ) بضم الطاء وهو الطعام الذي يؤكل . وفيه دليل على أن الفطرة تصرف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة كما ذهب إليه الهادي والقاسم وأبو طالب . وقال المنصور بالله هي كالزكاة فتصرف في مصارفها وقواه المهدي : قوله ( من أداها قبل الصلاة ) أي قبل صلاة العيد : قوله ( فهي زكاة مقبولة ) المراد بالزكاة صدقة الفطر : قوله ( فهي صدقة من الصدقات ) يعني التي يتصدق بها في سائر الأوقات وأمر القبول فيها موقوف على مشيئة الله تعالى . والظاهر أن من أخرج الفطرة بعد صلاة العيد كان كمن لم يخرجها باعتبار اشتراكهما في ترك هذه الصدقة الواجبة وقد ذهب الجمهور إلى أن إخراجها قبل صلاة العيد إنما هو مستحب فقط وجزموا بأنها تجزي إلى آخر يوم الفطر والحديث يرد عليهم . وأما تأخيرها عن يوم العيد فقال ابن رسلان إنه حرام بالاتفاق لأنها زكاة فوجب أن يكون في تأخيرها إثم كما في إخراج الصلاة عن وقتها وحكى في البحر عن المنصور بالله أن وقتها إلى آخر اليوم الثالث من شهر شوال

5 - وعن إسحاق بن سليمان الرازي قال : ( قلت لمالك بن أنس أبا عبد الله كم قدر صاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال خمسة أرطال وثلث بالعراقي أنا حزرته فقلت أبا عبد الله خالفت شيخ القوم قال من هو قلت أبو حنيفة يقول ثمانية أرطال فغضب غضبا شديدا ثم قال لجلسائنا يا فلان هات صاع جدك يا فلان هات صاع عمك يا فلان هات صاع جدتك قال إسحاق فاجتمعت آصع فقال ما تحفظون في هذا فقال هذا حدثني أبي عن أبيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال هذا حدثني أبي عن أخيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال الآخر حدثني أبي عن أمه أنها أدت بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال مالك أنا حزرت هذه فوجدتها خمسة أرطال وثلثا )
- رواه الدارقطني

- هذه القصة مشهورة أخرجها أيضا البيهقي بإسناد جيد . وقد أخرج ابن خزيمة والحاكم من طريق عروة عن أسماء بنت أبي بكر أمه أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمد الذي يقتات به أهل المدينة . وللبخاري عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يعطي زكاة رمضان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمد الأول ولم يختلف أهل المدينة في الصاع وقدره من لدن الصحابة إلى يومنا هذا إنه كما قال أهل الحجاز خمسة أرطال وثلث بالعراقي . وقال العراقيون منهم أبو حنيفة أنه ثمانية أرطال وهو قول مردود وتدفعه هذه القصة المسندة إلى صيعان الصحابة التي قررها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد رجع أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة بعد هذه الواقعة إلى قول مالك وترك قول أبي حنيفة
قوله ( أنا حزرته ) بالحاء المهملة المفتوحة بعدها زاي مفتوحة ثم راء ساكنة أي قدرته قوله ( آصع ) جمع صاع قال في البحر والصاع أربعة أمداد إجماعا
( فائدة ) وقد اختلف في القدر الذي يعتبر ملكه لمن يلزمه الفطرة فقال الهادي والقاسم وأحد قولي المؤيد بالله أنه يعتبر أن يملك قوت عشرة أيام فاضل عما استثنى للفقير وغير الفطرة لما أخرجه أبو داود في حديث ابن أبي صعير عن أبيه في رواية بزيادة غني أو فقير بعد حر أو عبد
ويجاب عن هذا الدليل بأنه وإن أفاد عدم اعتبار الغنى الشرعي فلا يفيد اعتبار ملك قوت عشر
وقال زيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه إنه يعتبر أن يكون المخرج غنيا غنى شرعيا واستدل لهم في البحر بقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( إنما الصدقة ما كانت عن ظهر غنى ) وبالقياس على زكاة المال ويجاب بأن الحديث لا يفيد المطلوب لأنه بلفظ ( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ) كما أخرجه أبو داود ومعارض أيضا بما أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعا ( أفضل الصدقة جهد المقل ) وما أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة مرفوعا ( أفضل الصدقة سر إلى الفقير وجهد من مقل ) وفسره في النهاية بقدر ما يحتمل حال قليل المال . وما أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم وقال على شرط مسلم من حديث أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبق درهم مائة ألف درهم فقال رجل وكيف ذاك يا رسول الله قال رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف درهم فتصدق بها ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به فهذا تصدق بنصف ماله ) الحديث
وأما الاستدلال بالقياس فغير صحيح لأنه قياس مع الفارق إذ وجوب الفطرة متعلق بالأبدان والزكاة بالأموال وقال مالك والشافعي وعطاء وأحمد بن حنبل وإسحاق والمؤيد بالله في أحد قوليه إنه يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكا لقوت يوم وليلة لما تقدم من أنها طهرة للصائم ولا فرق بين الغني والفقير في ذلك ويؤيد ذلك ما تقدم من تفسيره صلى الله عليه وآله وسلم من لا يحل له السؤال بمن يملك ما يغديه ويعشيه وهذا هو الحق لأن النصوص أطلقت ولم تخص غنيا ولا فقيرا ولا مجال للاجتهاد في تعيين المقدار الذي يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكا له ولاسيما والعلة التي شرعت لها الفطرة موجودة في الغني والفقير وهي التطهرة من اللغو والرفث واعتبار كونه واجدا لقوت يوم وليلة أمر لابد منه لأن المقصود من شرع الفطرة إغناء الفقراء في ذلك اليوم كما أخرجه البيهقي والدارقطني عن ابن عمر قال : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر وقال أغنوهم في هذا اليوم ) . وفي رواية للبيهقي ( أغنوهم عن طواف هذا اليوم ) . وأخرجه أيضا ابن سعد في الطبقات من حديث عائشة وأبي سعيد فلم لم يعتبر في حق المخرج ذلك لكان ممن أمرنا بإغنائه في ذلك اليوم لا من المأمورين بإخراج الفطرة وإغناء غيره وبهذا يندفع ما اعترض به صاحب البحر عن أهل هذه المقالة من أنه يلزمهم إيجاب الفطرة على من لم يملك إلا دون قوت اليوم ولا قائل به

كتاب الصيام

- قال النووي في شرح مسلم والحافظ في الفتح الصيام في اللغة الإمساك . وفي الشرع إمساك مخصوص في زمن مخصوص بشرائط مخصوصة انتهى . وكان فرض صوم شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة

باب ما يثبت به الصوم والفطر من الشهود

1 - عن ابن عمر قال : ( تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه )
- رواه أبو داود والدارقطني وقال تفرد به مروان بن محمد عن ابن وهب وهو ثقة

2 - وعن عكرمة عن ابن عباس قال : ( جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إني رأيت الهلال يعني رمضان فقال أتشهد أن لا إله إلا الله قال نعم قال أتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم قال يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا )
- رواه الخمسة إلا أحمد . ورواه أبو داود أيضا من حديث حماد بن سلمة عن سماك عن عكرمة مرسلا بمعناه . وقال ( فأمر بلالا فنادى في الناس أن يقوموا وأن يصوموا )

- الحديث الأول أخرجه أيضا الدارمي وابن حبان والحاكم وصححاه والبيهقي وصححه ابن حزم كلهم من طريق أبي بكر بن نافع عن نافع عنه
والحديث الثاني أخرجه أيضا ابن حبان والدارقطني والبيهقي والحاكم قال الترمذي روى مرسلا وقال النسائي إنه أولى بالصواب وسماك بن حرب إذا تفرد بأصل لم يكن حجة
( وفي الباب ) عن ابن عباس وابن عمر أيضا عند الدارقطني والطبراني في الأوسط من طريق طاوس قال : ( شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عباس فجاء رجل إلي وإليها وشهد عنده على رؤية هلال شهر رمضان فسأل ابن عمر وابن عباس عن شهادته فأمراه أن يجيزه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجاز شهادة واحد على رؤية هلال رمضان وكان لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين ) . قال الدارقطني تفرد به حفص بن عمر الأيلي وهو ضعيف
( والحديثان ) المذكوران في الباب يدلان على أنها تقبل شهادة الواحد في دخول رمضان وإلى ذلك ذهب ابن المبارك وأحمد بن حنبل والشافعي في أحد قوليه
قال النووي وهو الأصح وبه قال المؤيد بالله وقال مالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي في أحد قوليه والهادوية أنه لا يقبل الواحد بل يعتبر اثنان واستدلوا بحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب الآتي وفيه ( فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا ) وبحديث أمير مكة الآتي وفيه فإن لم نره وشهد شاهدان عدل وظاهرهما اعتبار شاهدين وتألوا الحديثين المتقدمين باحتمال أن يكون قد شهد عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم غيرهما وأجاب الأولون بأن التصريح بالاثنين غاية ما فيه المنع من قبول الواحد بالمفهوم وحديثا الباب يدلان على قبوله بالمنطوق ودلالة المنطوق أرجح :
وأما التأويل بالاحتمال المذكور فتعسف وتجويز لو صح اعتبار مثله لكان مفضيا إلى طرح أكثر الشريعة . وحكى في البحر عن الصادق وأبي حنيفة وأحد قولي المؤيد بالله أنه يقبل الواحد في الغيم لاحتمال خفاء الهلال عن غيره لا الصحو فلا يقبل إلا جماعة لبعد حفائه
واختلف أيضا في شهادة خروج رمضان فحكى في البحر عن العترة جميعا والفقهاء أنه لا يكفي الواحد في هلال شوال . وحكى عن أبي ثور أنه يقبل . قال النووي في شرح مسلم لا تجوز شهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل انتهى
( واستدل ) الجمهور بحديث ابن عمر وابن عباس المتقدم وهو مما لا تقوم به حجة لما تقدم من ضعف من تفرد به . وأما حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وحديث أمير مكة الآتيان فهما واردان في شهادة دخول رمضان . وأما حديث أمير مكة فظاهر لقوله فيه نسكنا بشهادتهما وأما حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ففي بعض ألفاظه إلا أن يشهد شاهدا عدل وهو مستثنى من قوله ( فأكملوا عدة شعبان ) فالكلام في شهادة دخول رمضان
وأما اللفظ الذي سيذكره المصنف أعني قوله ( فإن شهد مسلمان فصوموا وأفطروا ) فمع كون مفهوم الشرط قد وقع الخلاف في العمل به هو أيضا معارض بما تقدم من قبوله صلى الله عليه وآله وسلم لخبر الواحد في أول الشهر وبالقياس عليه في آخره لعدم الفارق فلا ينتهض مثل هذا المفهوم لإثبات هذا الحكم به وإذا لم يرد ما يدل على اعتبار الاثنين في شهادة الإفطار من الأدلة الصحيحة فالظاهر أنه يكفي فيه واحد قياسا على الاكتفاء به في الصوم وأيضا التعبد بقبول خبر الواحد يدل على قبوله في كل موضع إلا ما ورد الدليل بتخصيصه بعدم التعبد فيه بخبر الواحد كالشهادة على الأموال ونحوها فالظاهر ما قاله أبو ثور ويمكن أن يقال أن مفهوم حديث عبد الرحمن ابن زيد بن الخطاب قد عورض في أول الشهر بما تقدم وأما في آخر الشهر فلا ينتهض ذلك القياس لمعارضته لا سيما مع تأيده بحديث ابن عمر وابن عباس المتقدم وهو وإن كان ضعيفا فذلك غير مانع من صلاحيته للتأييد فيصلح ذلك المفهوم المعتضد بذلك الحديث لتخصيص ما ورد من التعبد بأخبار الآحاد والمقام بعد محل نظر
ومما يؤيد القول بقبول الواحد مطلقا أن قبوله في أول رمضان يستلزم الإفطار عند كمال العدة استنادا إلى قوله وأجيب عن ذلك بأنه يجوز الإفطار بقول الواحد ضمنا لا صريحا وفيه نظر

3 - وعن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( اختلف الناس في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالله لأهلا الهلال أمس فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس أن يفطروا )
- رواه أحمد وأبو داود وزاد في رواية ( وأن يغدوا إلى مصلاهم )

- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح وجهالة الصحابي غير قادحة . وفي الباب عن عبيد الله أبي عمير بن أنس بن مالك عن عمومة له ( أن ركبا جاؤا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم ) . أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم . ورواه ابن حبان في صحيحه عن أنس ( أن عمومة له ) وهو وهم كما قال أبو حاتم في العلل
( والحديث ) يدل على قبول شهادة الأعراب وأنه يكتفي بظاهر الإسلام كما تقدم في حديث الأعرابي في أول الباب ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له أتشهد أن لا إله إلا الله قال نهم قال أتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم ) الحديث وقد استدل بحديث الباب على اعتبار شهادة الاثنين في الإفطار وغير خاف أن مجرد قبول شهادة الاثنين في واقعة لا يدل على عدم قبول الواحد
قوله ( فأمر الناس أن يفطروا ) فيه رد على من زعم أن أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالإفطار خاص بالركب كما فعل الجلال في رسالة له وقد نبهنا على ذلك في الاعتراضات التي كتبناها عليها وسميناها إطلاع أرباب الكمال على ما في رسالة الجلال في الهلال من الاختلال

4 - وعن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب : ( أنه خطب في اليوم الذي شك فيه فقال ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسألتهم وأنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين يوما فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا )
- رواه أحمد ورواه النسائي ولم يقل فيه مسلمان

5 - وعن أمير مكة الحرث بن حاطب قال : ( عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما )
- رواه أبو داود والدارقطني وقال هذا إسناد متصل صحيح

- الحديث الأول ذكره الحافظ في التلخيص ولم يذكر فيه قدحا وإسناده لا بأس به على اختلاف فيه
والحديث الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح إلا الحسين بن الحرث الجدلي وهو صدوق . وصححه الدارقطني كما ذكر المصنف والحرث بن حاطب المذكور له صحبة خرج مع أبيه مهاجرا إلى أرض الحبشة وهو صغير وقيل ولد بأرض الحبشة هو وأخوه محمد بن حاطب واستعمل على مكة سنة ست وستين
قوله ( وانسكوا لها ) هو أعم من قوله صوموا لرؤيته لأن النسك في اللغة العبادة وكل حق لله تعالى كذا في القاموس . قوله ( فأتموا ثلاثين يوما ) فيه الأمر بإتمام العدة وسيأتي الكلام على ذلك . قوله ( مسلمان ) فيه دليل على أنها لا تقبل شهادة الكافر في الصيام والإفطار
وقد استدل بالحديثين على اشتراط العدد في شهادة الصوم والإفطار . وقد تقدم الجواب على ذلك الاستدلال
قوله ( شاهدا عدل ) فيه دليل على اعتبار العدالة في شهادة الصوم وعارض ذلك من لم يشترط العدالة بحديث الأعرابي المتقدم فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يختبره بل اكتفى بمجرد تكلمه بالشهادتين وأجيب بأنه أسلم في ذلك الوقت والإسلام يجب ما قبله فهو عدل بمجرد تكلمه بكلمة الإسلام وإن لم ينضم إليها عمل في تلك الحال

باب ما جاء في يوم الغيم والشك

1 - عن ابن عمر : ( عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فأقدروا له ) . أخرجاه هما والنسائي وابن ماجه وفي لفظ ( الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين )
- رواه البخاري . وفي لفظ : ( أنه ذكر رمضان فضرب بيديه فقال الشهر هكذا وهكذا وهكذا ثم عقد إبهامه في الثالثة صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأقدروا ثلاثين ) . رواه مسلم وفي رواية أنه قال ( إنما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأقدروا له ) . رواه مسلم وأحمد وزاد قال نافع وكان عبد الله إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يوما يبعث من ينظر فإن رأى فذاك وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما )

- قوله ( إذا رأيتموه ) أي الهلال هو عند الإسماعيلي بلفظ ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لهلال رمضان إذا رأيتموه فصوموا ) وكذا أخرجه عبد الرزاق . وظاهره إيجاب الصوم حين الرؤية متى وجدت ليلا أو نهارا لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل وهو ظاهر في النهي عن ابتداء رمضان قبل رؤية الهلال فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها ولو وقع الاقتصار على هذه الجملة لكفى ذلك لمن تمسك به لكن اللفظ الذي رواه أكثر الرواة أوقع للمخالف شبهة وهو قوله ( فإن غم عليكم فأقدروا له ) فاحتمل أن يكون المراد التفرقة بين الصحو والغيم فيكون التعليق على الرؤية متعلقا بالصحو وأما الغيم فله حكم آخر ويحتمل أن لا تفرقة ويكون الثاني مؤكدا للأول وإلى الأول ذهب أكثر الحنابلة . وإلى الثاني ذهب الجمهور فقالوا المراد بقوله ( فاقدروا له ) أي قدروا أول الشهر واحسبوا تمام الثلاثين ويرجح هذا الروايات المصرحة بإكمال العدة ثلاثين :
قوله ( فإن غم ) بضم المعجمة وتشديد الميم أي حال بينه وبينكم سحاب أو نحوه : قوله ( فاقدروا ) قال أهل اللغة يقال قدرت الشيء أقدره وأقدره بكسر الدال وضمها وقدرته وأقدرته كلها بمعنى واحد وهي من التقدير كما قال الخطابي ومعناه عند الشافعية والحنفية وجمهور السلف والخلف فاقدروا له تمام الثلاثين يوما لا كما قال أحمد بن حنبل وغيره أن معناه فذروه تحت السحاب فإنه يكفي في رد ذلك الروايات المصرحة بالثلاثين كما تقدم ولا كما قال جماعة منهم ابن شريح ومطرف بن عبد الله وابن قتيبة إن معناه قدروه بحساب المنازل قال في الفتح قال ابن عبد البر لا يصح عن مطرف وأما ابن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه في مثل هذا ولا كما نقله ابن العربي عن ابن شريح أن قوله فأقدروا له خطاب لمن خصه الله بهذا العلم : وقوله فأكملوا العدة خطاب للعامة لأنه كما قال ابن العربي أيضا يستلزم اختلاف وجوب رمضان فيجب على قوم بحساب الشمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد وقال هذا بعيد عن النبلاء
قوله ( الشهر تسع وعشرون ) ظاهره حصر الشهر في تسع وعشرين مع أنه لا ينحصر فيه بل قد يكون ثلاثين . والمعنى أن الشهر يكون تسعة وعشرين أو اللام للعهد والمراد شهر بعينيه ويؤيد الأول ما وقع في رواية لأم سلمة من حديث الباب بلفظ الشهر يكون تسعة وعشرين
ويؤيد الثاني قول ابن مسعود : ( صمنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين ) . أخرجه أبو داود والترمذي ومثله عن عائشة عند أحمد بإسناد جيد
قوله ( فلا تصوموا حتى تروه ) ليس المراد تعليق الصوم بالرؤية في كل أحد بل المراد بذلك رؤية البعض إما واحدا على رأي الجمهور أو اثنان على رأي غيرهم وقد تقدم الكلام على ذلك وقد تمسك بتعليق الصوم بالرؤية من ذهب إلى إلزام أهل البلد برؤية أهل بلد غيرها وسيأتي تحقيقه : قوله ( الشهر هكذا وهكذا ) الخ قال النووي حاصله أن الاعتبار بالهلال لأن الشهر قد يكون تاما ثلاثين وقد يكون ناقصا تسعة وعشرين وقد لا يرى الهلال فيجب إكمال العدة ثلاثين قال قالوا وقد يقع النقص متواليا في شهرين وثلاثة وأربعة ولا يقع أكثر من أربعة
( وفي هذا الحديث ) جواز اعتماد الإشارة قوله ( قتر ) بفتح القاف والتاء الفوقية وبعدها راء هو الغبرة على ما في القاموس : قوله ( أصبح صائما ) فيه دليل على أن ابن عمر كان يقول بصوم الشك وسيأتي بسط الكلام في ذلك

2 - وعن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين )
- رواه البخاري ومسلم وقال ( فإن غنى عليكم فعدوا ثلاثين ) وفي لفظ ( صوموا لرؤيته فإن غمي عليكم فعدوا ثلاثين ) . رواه أحمد . وفي لفظ ( إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فانظروا فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ) . رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والنسائي . وفي لفظ ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا ) . رواه أحمد والترمذي وصححه

- قوله ( صوموا لرؤيته ) اللام للتأقيت لا للتعليل وسيأتي الكلام على ذلك في باب ما جاء في استقبال رمضان باليوم واليومين : قوله ( فإن غبى ) بفتح الغين المعجمة وكسر الباء الموحدة مخففة وهو بمعنى غم مأخوذ من الغباوة وهي عدم الفطنة استعار ذلك لخفاء الهلال . قوله ( فإن غمي عليكم ) بضم المعجمة وتشديد الميم وتخفيفها فهو مغموم وهو بمعنى غم ونقل ابن العربي أنه روى عمي بالعين المهملة من العمى وهو بمعناه لأنه ذهاب البصر عن المشاهدات أو البصيرة عن المعقولات
( والحديث ) يدل على أنه يجب على من لم يشاهد الهلال ولا أخبره من شاهداه أن يكمل عدة شعبان ثلاثين يوما ثم يصوم ولا يجوز أن يصوم يوم ثلاثين من شعبان خلافا لمن قال بصوم يوم الشك وسيأتي ذكرهم ويكمل عدة رمضان ثلاثين يوما ثم يفطر ولا خلاف في ذلك

3 - وعن ابن عباس قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحاب فكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالا )
- رواه أحمد والنسائي والترمذي بمعناه وصححه وعنه في لفظ للنسائي ( فأكملوا العدة عدة شعبان ) . رواه من حديث أبي يونس عن سماك عن عكرمة عنه ( لا تقدموا ( 1 ) الشهر بصيام يوم ولا يومين إلا أن يكون شيئا يصومه أحدكم ولا تصوموا حتى تروه ثم صوموا حتى تروه فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين ثم أفطروا ) . رواه أبو داود
_________
( 1 ) وقع في آخر سطر من صحيفة 264 لا تقدموا . وصوابه : وفي لفظ لا تقدموا )

4 - وعن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظه من غيره يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام )
- رواه أحمد وأبو داود والدارقطني . وقال إسناد حسن صحيح

5 - وعن حذيفة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة )
- رواه أبو داود والنسائي

6 - وعن عمار بن ياسر قال : ( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم )
- رواه الخمسة إلا أحمد وصححه الترمذي وهو للبخاري تعليقا

- حديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن حبان وابن خزيمة والحاكم وهو من صحيح حديث سماك ابن حرب لم يدلس فيه ولم يلقن أيضا فإنه من رواية شعبة عنه وكان شعبة لا يأخذ عن شيوخه ما دلسوا فيه ولا ما لقنوا . وحديث عائشة صححه أيضا الحافظ . وحديث حذيفة أخرجه أيضا ابن حبان من طريق جرير عن منصور عن ربعي عن حذيفة . وحديث عمار أخرجه أيضا ابن حبان وابن خزيمة وصححاه والحاكم والدارقطني والبيهقي من حديث صلة بن زفر قال كنا عند عمار فذكره وعلقه البخاري في صحيحه عن صلة وليس هو عند مسلم وقد وهم من عزاه إليه . قال ابن عبد البر هذا مسند عندهم مرفوع لا يختلفون في ذلك . وزعم أبو القاسم الجوهري أنه موقوف ورد عليه ورواه إسحاق ابن راهويه عن وكيع عن سفيان عن سماك عن عكرمة . ورواه الخطيب وزاد فيه ابن عباس
( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند ابن عدي في ترجمة علي القرشي وهو ضعيف وعنه أيضا حديث آخر عند النسائي بلفظ ( لا تستقبلوا الشهر بصوم يوم أو يومين إلا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم ) وعنه أيضا حديث آخر عند البزار بلفظ ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صيام ستة أيام أحدها اليوم الذي يشك فيه . وفي إسناده عبد الله بن سعيد المقبري عن جده وهو ضعيف
وأخرجه أيضا الدارقطني وفي إسناده الواقدي وأخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده عباد وهو عبد الله بن سعيد المقبري المتقدم وهو منكر الحديث كما قال أحمد بن حنبل
( وقد استدل ) بهذه الأحاديث على المنع من صوم يوم الشك . قال النووي وبه قال مالك والشافعي والجمهور . وحكى الحافظ في الفتح عن مالك وأبي حنيفة أنه لا يجوز صومه عن فرض رمضان ويجوز عما سوى ذلك . قال ابن الجوزي في التحقيق ولأحمد في هذه المسألة وهي إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو غيره ليلة الثلاثين من شعبان ثلاثة أقوال
أحدها : يجب صومه على أنه من رمضان . وثانيها : لا يجوز فرضا ولا نفلا مطلقا بل قضاء وكفارة ونذرا ونفلا يوافق عادة . ثالثها : المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر وذهب جماعة من الصحابة إلى صومه منهم علي وعائشة وعمر وابن عمر وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي بكر وأبو هريرة ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم وجماعة من التابعين منهم مجاهد وطاوس وسالم بن عبد الله وميمون بن مهران ومطرف بن الشخير وبكر بن عبد الله المزني وأبو عثمان النهدي
وقال جماعة من أهل البيت باستحبابه وقد ادعى المؤيد بالله أنه أجمع على استحباب صومه أهل البيت وهكذا قال الأمير الحسن في الشفاء والمهدي في البحر وقد أسند لابن القيم في الهدى الرواية عن الصحابة المتقدم ذكرهم القائلين بصومه وحكى القول بصومه عن جميع من ذكرنا منهم
ومن التابعين وقال وهو مذهب إمام أهل الحديث والسنة أحمد بن حنبل واستدل المجوزون لصومه بأدلة . منها ما أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصومه وأجيب عنه بأن مرادها أنه كان يصوم شعبان كله لما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديثها قالت ( ما رأيته يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان ) وهو غير محل النزاع لأن ذلك جائز عند المانعين من صوم يوم الشك لما في الحديث الصحيح المتفق عليه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه )
وأيضا قد تقرر في الأصول أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة ولا العام له ولهم لأنه يكون فعله مخصصا له من العموم . ومنها ما أخرجه الشافعي عن علي عليه السلام قال ( لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان ) وأجيب بأن ذلك من رواية فاطمة بنت الحسين عن علي وهي لم تدركه فالرواية منقطعة ولو سلم الاتصال فليس ذلك بنافع " لأن لفظ الرواية أن رجلا شهد عند علي على رؤية الهلال فصام وأمر الناس أن يصوموا ثم قال لأن أصوم الخ فالصوم لقيام شهادة واحد عنده لا لكونه يوم شك وأيضا الاحتجاج بذلك على فرض أنه عليه السلام استحب صوم يوم الشك من غير نظر إلى شهادة الشاهد إنما يكون حجة على من قال بأن قوله حجة على أنه قد روى عنه القول بكراهة صومه حكى ذلك عنه صاحب الهدى . قال ابن عبد البر وممن روى عنه كراهة صوم يوم الشك عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعمار وابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك
( والحاصل ) أن الصحابة مختلفون في ذلك وليس قول بعضهم بحجة على أحد والحجة ما جاءنا عن الشارع وقد عرفته وقد استوفيت الكلام على هذه المسألة في الأبحاث التي كتبتها على رسالة الجلال وسيأتي الكلام على استقبال رمضان بيوم أو يومين في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى

باب الهلال إذا رآه أهل بلدة هل يلزم بقية البلاد الصوم

1 - عن كريب : ( أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام فقال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل على رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال فقلت رأيناه ليلة الجمعة فقال أنت رأيته فقلت نعم ورآه الناس وصاموا أو صام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه فقال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
- رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه

- قوله ( واستهل على رمضان ) هو بضم التاء من استهل قاله النووي : قوله ( أفى تكتفي ) شك أحد رواته هل هو بالخطاب لابن عباس أو بنون الجمع للمتكلم . وقد تمسك بحديث كريب هذا من قال أنه لا يلزم أهل بلد رؤية بلد غيرها وقد اختلفوا في ذلك على مذاهب ذكرها صاحب الفتح
أحدها : أنه يعتبر لأهل كل بلد رؤيتهم ولا يلزمهم رؤية غيرهم حكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم بن محمد وسالم وإسحاق وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه وحكاه الماوردي وجها للشافعية
وثانيها : أنه لا يلزم أهل بلد رؤية غيرهم إلا أن يثبت ذلك عند الإمام الأعظم فيلزم الناس كلهم لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع قاله ابن الماجشون
وثالثها : أنها إن قاربت البلاد كان الحكم واحدا وإن تباعدت فوجهان لا يجب عند الأكثر قاله بعض الشافعية واختار أبو الطيب وطائفة الوجوب وحكاه البغوي عن الشافعي وفي ضبط البعيد أوجه أحدها اختلاف المطالع قطع به العراقيون والصيدلاني وصححه النووي في الروضة وشرح المهذب
ثانيها : مسافة القصر قطع البغوي وصححه الرافعي والنووي
ثالثها : باختلاف الأقاليم حكاه في الفتح
رابعها : أنه يلزم أهل كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بلا عارض دون غيرهم حكاه السرخسي
خامسها : مثل قول ابن الماجشون المتقدم
سادسها : أنه لا يلزم إذا اختلفت الجهتان ارتفاعا وانحدارا كأن يكون أحدهما سهلا والآخر جبلا أو كان كل بلد في إقليم حكاه المهدي في البحر عن الإمام يحيى والهادوية
وحجة أهل هذه الأقوال حديث كريب هذا . ووجه الاحتجاج به أن ابن عباس لم يعمل برؤية أهل الشام وقال في آخر الحديث ( هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) فدل ذلك على أنه قد حفظ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يلزم أهل بلد العمل برؤية أهل بلد آخر
( واعلم ) أن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده الذي فهم عنه الناس والمشار إليه بقوله هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو قوله فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين والأمر الكائن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ : ( لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين )
وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم ولو سلم توجه الإشارة في كلام ابن عباس إلى عدم لزوم رؤية أهل بلد لأهل بلد آخر لكان عدم اللزوم مقيدا بدليل العقل وهو أن يكون بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع وعدم عمل ابن عباس برؤية أهل الشام مع عدم البعد الذي يمكن معه الاختلاف عمل بالاجتهاد وليس بحجة ولو سلم عدم لزوم التقييد بالعقل فلا يشك عالم أن الأدلة قاضية بأن أهل الأقطار يعمل بعضهم بخبر بعض وشهادته في جميع الأحكام الشرعية والرؤية من جملتها وسواء كان بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع أم لا فلا يقبل التخصيص إلا بدليل ولو سلم صلاحية حديث كريب هذا للتخصيص فينبغي أن يقتصر فيه على محل النص إن كان النص معلوما أو على المفهوم منه إن لم يكن معلوما لوروده على خلاف القياس ولم يأت ابن عباس بلفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا بمعنى لفظه حتى ننظر في عمومه وخصوصه إنما جاءنا بصيغة مجملة أشار بها إلى قصة هي عدم عمل أهل المدينة برؤية أهل الشام على تسليم أن ذلك المراد ولم نفهم منه زيادة على ذلك حتى نجعله مخصصا لذلك العموم فينبغي الاقتصار على المفهوم من ذلك الوارد على خلاف القياس وعدم الإلحاق به فلا يجب على أهل المدينة العمل برؤية أهل الشام دون غيرهم ويمكن أن يكون في ذلك حكمة لا نعقلها ولو نسلم صحة الإلحاق وتخصيص العموم به فغايته أن يكون في المحلات التي بينها من البعد ما بين المدينة والشام أو أكثر وأما في أقل من ذلك فلا وهذا ظاهر فينبغي أن ينظر ما دليل من ذهب إلى اعتبار البريد أو الناحية أو البلد في المنع من العمل بالرؤية والذي ينبغي اعتماده هو ما ذهب إليه المالكية وجماعة من الزيدية واختاره المهدي منهم أو حكاه القرطبي عن شيوخه أنه إذا رآه أهل بلد لزم أهل البلاد كلها ولا يلتفت إلى ما قاله ابن عبد البر من أن هذا القول خلاف الإجماع قال لأنهم قد أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلدان كحراسان والأندلس وذلك لأن الإجماع لا يتم والمخالف مثل هؤلاء الجماعة

باب وجوب النية من الليل في الفرض دون النفل

1 - عن ابن عمر عن حفصة : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له )
- رواه الخمسة

- الحديث أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان وصححاه مرفوعا وأخرجه أيضا الدارقطني قال في التلخيص واختلف الأئمة في رفعه ووقفه فقال ابن أبي حاتم عن أبيه لا أدري أيهما أصح يعني رواية يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن سالم أو رواية إسحاق بن حازم عن عبد الله بن أبي بكر عن سالم بغير واسطة الزهري لكن الوقف أشبه . وقال أبو داود لا يصح رفعه وقال الترمذي الموقوف أصح ونقل في العلل عن البخاري أنه قال هو خطأ وهو حديث فيه اضطراب والصحيح عن ابن عمر موقوف وقال النسائي الصواب عندي موقوف ولم يصح رفعه . وقال أحمد ما له عندي ذلك الإسناد . وقال الحاكم في الأربعين صحيح على شرط الشيخين . وقال في المستدرك صحيح على شرط البخاري . وقال البيهقي رواته ثقات إلا أنه روي موقوفا . وقال الخطابي أسنده عبد الله بن أبي بكر والزيادة من الثقة مقبولة . وقال ابن حزم الاختلاف فيه يزيد الخبر قوة وقال الدارقطني كلهم ثقات انتهى كلام التلخيص . وقد تقرر في الأصول وعلم الاصطلاح أن الرفع من الثقة زيادة مقبولة وإنما قال ابن حزم أن الاختلاف يزيد الخبر قوة لأن من رواه مرفوعا فقد رواه موقوفا باعتبار الطرق
( وفي الباب ) عن عائشة عند الدارقطني وفيه عبد الله بن عباد وهو مجهول وقد ذكره ابن حبان في الضعفاء وعن ميمونة بنت سعد عند الدارقطني أيضا بلفظ : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من أجمع الصيام من الليل فليصم ومن أصبح ولم يجمعه فلا يصم ) . وفي إسناده الواقدي
( والحديث ) فيه دليل على وجوب تبييت النية وإيقاعها في جزء من أجزاء الليل وقد ذهب إلى ذلك ابن عمر وجابر بن يزيد من الصحابة والناصر والمؤيد بالله ومالك والليث وابن أبي ذئب ولم يفرقوا بين الفرض والنفل
وقال أبو طلحة وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل والهادي والقاسم أنه لا يجب التبييت في التطوع ويروى عن عائشة أنها تصح النية بعد الزوال . وروى عن علي عليه السلام والناصر وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي أنها لا تصح النية بعد الزوال . وقالت الهادوية وروى عن علي وابن مسعود والنخعي أنه لا يجب التبييت إلا في صوم القضاء والنذر المطلق والكفارات وأن وقت النية في غير هذه من غروب شمس اليوم الأول إلى بقية من نهار اليوم الذي صامه
وقد استدل القائلون بأنه لا يجب التبييت بحديث سلمة بن الأكوع والربيع عند الشيخين : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر رجلا من أسلم أن أذن في الناس إذ فرض صوم عاشوراء الأكل من أكل فليمسك ومن لم يأكل فليصم )
وأجيب بأن خبر حفصة متأخر فهو ناسخ لجوازها في النهار ولو سلم عدم النسخ فالنية إنما صحت في نهار عاشوراء لكن الرجوع إلى الليل غير مقدور والنزاع فيما كان مقدورا فيخص الجواز بمثل هذه الصورة أعني من ظهر له وجوب الصيام عليه من النهار كالمجنون يفيق والصبي يحتلم والكافر يسلم وكمن انكشف له في النهار أن ذلك اليوم من رمضان . واستدلوا أيضا بحديث عائشة الآتي وسيأتي الجواب عنه
( والحاصل ) أن قوله لا صيام نكرة في سياق النفي فيعم كل صيام ولا يخرج عنه إلا ما قام الدليل على أنه لا يشترط فيه التبييت والظاهر أن النفي متوجه إلى الصحة لأنها أقرب المجازين إلى الذات أو متوجه إلى نفي الذات الشرعية فيصلح الحديث للاستدلال به على عدم صحة صوم من لا يبيت النية إلا ما خص كالصورة المتقدمة
والحديث أيضا يرد على الزهري وعطاء وزفر لأنهم لم يوجبوا النية في صوم رمضان وهو يدل على وجوبها
ويدل أيضا على الوجوب حديث إنما الأعمال بالنيات والظاهر وجوب تجديدها لكل يوم لأنه عبادة مستقلة مسقطة لفرض وقتها وقد وهم من قاس أيام رمضان على أعمال الحج باعتبار التعدد للأفعال لأن الحج عمل واحد ولا يتم إلا بفعل ما اعتبره الشارع من المناسك والإخلال بواحد من أركانه يستلزم عدم إجزائه
قوله ( يجمع ) أي يعزم يقال أجمعت على الأمر أي عزمت عليه . قال المنذري يجمع بضم الياء آخر الحروف وسكون الجيم من الإجماع وهو أحكام النية والعزيمة يقال أجمعت الرأي وأزمعت بمعنى واحد

2 - وعن عائشة قالت : ( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فقال هل عندكم من شيء فقلنا لا فقال فإني إذن صائم ثم أتانا يوما آخر فقلنا يا رسول الله أهدي لنا حيس فقال أرينيه فلقد أصبحت صائما فأكل )
- رواه الجماعة إلا البخاري : وزاد النسائي ( ثم قال إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها ) . وفي لفظ أيضا : ( قال يا عائشة إنما منزلة من صام في غير رمضان أو في التطوع بمنزلة رجل أخرج صدقة ماله فجاد منها بما شاء فأمضاها وبخل منها مما شاء فأمسكه ) . قال البخاري وقالت أم الدرداء ( كان أبو الدرداء يقول عندكم طعام فإن قلنا لا قال فإني صائم يومي هذا ) . قال وفعله أبو طلحة وأبو هريرة وابن عباس وحذيفة رضي الله عنهم

- الرواية الأولى أخرجها أيضا الدارقطني والبيهقي وفي لفظ لمسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدخل على بعض أزواجه فيقول هل من غداء فإن قالوا لا قال فإني صائم ) . وله ألفاظ عنده
ورواه أبو داود وابن حبان والدارقطني بلفظ : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأتينا فيقول هل عندكم من غداء فإن قلنا نعم تغدى وإن قلنا لا قال إني صائم وأنه أتانا ذات يوم وقد أهدي لنا حيس ) الحديث :
قوله ( حيس ) بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية بعدها سين مهملة هو طعام يتخذ من التمر والأقط والسمن وقد يجعل عوض الأقط الدقيق والفتيت قاله في النهاية . وقد استدل بحديث عائشة أنه لا يجب تبييت النية في صوم التطوع وهم الجمهور كما قال النووي وأجيب عنه بأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد كان نوى الصوم من الليل وإنما أراد الفطر لما ضعف عن الصوم وهو محتمل لا سيما على رواية ( فلقد أصبحت صائما ) ولو سلم عدم الاحتمال كان غايته تخصيص صوم التطوع من عموم قوله . ( فلا صيام له ) . قوله ( إنما مثل صوم المتطوع ) الخ فيه دليل على أنه يجوز للمتطوع بالصوم أن يفطر ولا يلزمه الاستمرار على الصوم وإن كان أفضل بالإجماع وظاهره أن من أفطر في التطوع لم يجب عليه القضاء وإليه ذهب الجمهور
وقال أبو حنيفة ومالك والحسن البصري ومكحول والنخعي أنه لا يجوز للمتطوع الإفطار ويلزمه القضاء إذا فعل واستدلوا على وجوب القضاء بما وقع في رواية للدارقطني والبيهقي من حديث عائشة بلفظ واقضي يوما مكانه ولكنهما قالا هذه الزيادة غير محفوظة
قوله ( كان أبو الدرداء ) هذا الأثر وصله ابن أبي شيبة وعبد الرزاق . قوله وفعله أبو طلحة وأبو هريرة وابن عباس وحذيفة . أما أثر أبي طلحة فوصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة . وأما أثر أبي هريرة فوصله البيهقي وعبد الرزاق وأما أثر ابن عباس فوصله الطحاوي . وأما أثر حذيفة فوصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة أيضا

باب الصبي يصوم إذا أطاق وحكم من وجب عليه الصوم في أثناء الشهر أو اليوم

1 - عن الربيع بنت المعوذ قالت : ( أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه فكنا بعد ذلك نصومه ونصومه صبياننا الصغار منهم ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعب من العهن فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناها إياه حتى يكون عند الإفطار )
- أخرجاه . قال البخاري وقال عمر لنشوان رمضان ويلك وصبياننا صيام وضربه

- قوله ( الربيع ) بتشديد الياء مصغرا ومعوذ بكسر الواو المشددة وهو ابن عون ويعرف بابن عفراء : قوله ( اللعبة ) بضم اللام المشددة بعدها عين مهملة ساكنة ثم باء موحدة ثم تاء تأنيث وهي الشيء الذي يلعب به الصبيان . قوله ( من العهن ) أي الصوف قيل هو المصبوغ منه . قوله ( أعطيناها إياه حتى يكون عند الإفطار ) وقع في مسلم ( أعطيناه إياه عند الإفطار ) وهو مشكل ورواية البخاري توضح أنه سقط منه شيء . وقد رواه مسلم أيضا من وجه آخر فقال فيه ( فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم ) : قوله ( لنشوان ) هو بفتح النون وسكون المعجمة كسكران وزنا ومعنى وجمعه نشاوى كسكارى . قال ابن خالويه سكر الرجل فانتشى وثمل بمعنى . وقال صاحب المحكم نشا الرجل وانتشى وتنشى كله بمعنى سكر . وقال ابن التين النشوان السكران سكرا خفيفا وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور والبغوي في الجعديات بلفظ ( أن عمر بن الخطاب أتي برجل شرب الخمر في رمضان فلما دنا منه جعل يقول للمنخرين والفم ) وفي رواية البغوي فلما رفع إليه عثر فقال عمر على وجهك ويحك وصبياننا صيام . ثم أمر به فضرب ثمانين سوطا ثم سيره إلى الشام
( الحديث ) استدل به على أن عاشوراء كان فرضا قبل أن يفرض رمضان وعلى أنه يستحب أمر الصبيان بالصوم للتمرين عليه إذا أطاقوه وقد قال باستحباب ذلك جماعة من السلف منهم ابن سيرين والزهري والشافعي وغيرهم واختلف أصحاب الشافعي في تحديد السن التي يؤمر الصبي عندها بالصيام فقيل سبع سنين وقيل عشر وبه قال أحمد وقيل اثنتا عشرة سنة وبه قال إسحاق وقال الأوزاعي إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعا لا يضعف فيهن حمل على الصوم والمشهور عن المالكية أن الصوم لا يشرع في حق الصبيان والحديث يرد عليهم لأنه يبعد كل البعد أن لا يطلع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك
وأخرج ابن خزيمة من حديث رزينة بفتح الراء وكسر الزاي : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر برضعائه ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم ويأمر أمهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل )
وقد توقف ابن خزيمة في صحته قال الحافظ وإسناده لا بأس به وهو يرد على القرطبي قوله لعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعلم بذلك ويبعد أن يكون أمر بذلك لأنه تعذيب صغير بعبادة شاقة غير متكررة في السنة انتهى
مع أن الصحيح عند أهل الأصول والحديث أن الصحابي إذا قال فعلنا كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان حكمه الرفع لأن الظاهر إطلاعه عليه مع توفر دواعيهم إلى سؤالهم إياه عن الأحكام مع أن هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه لأنه إيلام لغير مكلف فلا يكون إلا بدليل ومذهب الجمهور أنه لا يجب الصوم من دون البلوغ وذكر الهادي في الأحكام أنه يجب على الصبي الصوم بالإطاقة لصيام ثلاثة أيام واحتج على ذلك بما رواه : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام الشهر كله ) . هذا الحديث ذكره السيوطي في الجامع الصغير وقال أخرجه المرهبي عن ابن عباس ولفظه ( تجب الصلاة على الغلام إذا عقل والصوم إذا أطاق والحدود والشهادة إذا احتلم ) . وقد حمل المرتضى كلام الهادي على لزوم التأديب وحمله السادة الهارونيون على أنه يؤمر بذلك تعويدا وتمرينا

2 - وعن سفيان بن عبد الله بن ربيعة قال : ( حدثنا وفدنا الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإسلام ثقيف قالوا وقدموا عليه في رمضان وضرب عليهم قبة في المسجد فلما أسلموا صاموا ما بقي عليهم من الشهر )
- رواه ابن ماجه

3 - وعن عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه : ( أن أسلم أتت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال صمتم يومكم هذا قالوا لا قال فأتموا بقية يومكم واقضوا )
- رواه أبو داود

- الحديث الأول إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أحمد بن خالد الوهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن عيسى بن عبد الله بن مالك عن عطية بن سفيان بن عبد الله فذكره ورجال إسناده فيهم الثقة والصدوق ومن لا بأس به وفيه عنعنة محمد بن إسحاق وهذا الحديث هو طرف من حديث قدوم ثقيف على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنزاله لهم المسجد
والحديث الثاني أخرجه الترمذي أيضا من طريق قتادة عن عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه فذكره
( الحديث ) الأول يدل على وجوب الصيام على من أسلم في رمضان ولا أعلم فيه خلافا
( والحديث الثاني ) فيه دليل على أنه يجب الإمساك على من أسلم في نهار رمضان ويلحق به من تكلف أو فاق من الجنون أو زال عذره المانع من الصوم وأنه يجب عليه القضاء لذلك اليوم وإن لم يكن مخاطبا بالصوم في أوله . قال في الفتح وعلى تقدير أن لا يثبت هذا الحديث في الأمر بالقضاء فلا يتعين القضاء لأن من لم يدرك اليوم بكماله لا يلزمه القضاء كمن بلغ أو أسلم في أثناء النهار
قال المصنف رحمه الله تعالى بعد أن ساق حديث الربيع وما بعده ما لفظه وهذا حجة في أن صوم عاشوراء كان واجبا وإن الكافر إذا أسلم أو بلغ الصبي في أثناء يومه لزمه إمساكه وقضاؤه ولا حجة فيه على سقوط تبييت النية لأن صومه إنما لزمهم في أثناء اليوم انتهى . وقد قدمنا الكلام على جميع هذه الأطراف

أبواب ما يبطل الصوم وما يكره وما يستحب

باب ما جاء في الحجامة

1 - عن رافع بن خديج قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفطر الحاجم والمحجوم )
- رواه أحمد والترمذي . ولأحمد وأبي داود وابن ماجه من حديث ثوبان وحديث شداد بن أوس مثله . ولأحمد وابن ماجه من حديث أبي هريرة مثله . ولأحمد من حديث عائشة وحديث أسامة بن زيد مثله

2 - وعن ثوبان : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى على رجل يحتجم في رمضان فقال أفطر الحاجم والمحجوم )

3 - وعن الحسن بن معقل بن سنان الأشجعي أنه قال : ( مر علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أحتجم في ثمان عشرة ليلة خلت من شهر رمضان فقال أفطر الحاجم والمحجوم )
- رواهما أحمد وهما دليل على أن من فعل ما يفطر جاهلا يفسد صومه بخلاف الناسي . قال أحمد أصح حديث في هذا الباب حديث رافع بن خديج وقال ابن المديني أصح شيء في هذا الباب حديث ثوبان وشداد بن أوس

- حديث رافع أخرجه ابن حبان والحاكم وصححاه قال الترمذي ذكر عن أحمد أنه قال هذا أصح شيء في هذا الباب وبالغ أبو حاتم فقال هو عندي من طريق رافع باطل . ونقل عن يحيى بن معين أنه قال هو أضعف أحاديث الباب . وحديث ثوبان أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والحاكم وروى عن أحمد أنه قال هو أصح ما روي في الباب وكذا قال الترمذي عن البخاري وصححه البخاري تبعا لعلي بن المديني نقله الترمذي في العلل . وحديث شداد بن أوس أخرجه أيضا النسائي وابن خزيمة وابن حبان وصححاه وصححه أيضا أحمد والبخاري وعلي بن المديني
وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا النسائي من طريق عبد الله بن بشير عن الأعمش عن أبي صالح عنه وله طريق أخرى عن شقيق بن ثور عن أبيه عنه . وحديث عائشة أخرجه أيضا النسائي وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف . وحديث أسامة أخرجه أيضا النسائي وفيه اختلاف . وحديث ثوبان الآخر أخرجه أيضا النسائي وهو أحد ألفاظ حديثه المشار إليه أولا . وحديث معقل بن سنان في إسناده عطاء بن السائب وقد اختلط ورواه الطبراني في الكبير وأخرجه أيضا النسائي وذكر الاختلاف فيه
( وفي الباب ) عن أبي موسى عند النسائي والحاكم وصححه علي بن المديني . وقال النسائي رفعه خطأ والموقوف أخرجه ابن أبي شيبة وعلقه البخاري ووصله أيضا بدون ذكر أفطر الحاجم والمحجوم له . وعن بلال عند النسائي . وعن علي عند النسائي أيضا قال علي ابن المديني اختلف فيه على الحسن . وعن أنس وجابر وابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبي يزيد الأنصاري وابن مسعود عند ابن عدي في الكامل والبزار وغيرهما
( وقد استدل ) بأحاديث الباب القائلون بفطر الحاجم والمحجوم ويجب عليهما القضاء وهم علي وعطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن خزيمة وابن المنذر وأبو الوليد النيسابوري وابن حبان حكاه عن هؤلاء الجماعة صاحب الفتح وصرح بأنهم يقولون أنه يفطر الحاجم والمحجوم له وهو يرد ما قاله المهدي في البحر وتبعه المغربي في شرح بلوغ المرام وصاحب ضوء النهار من أنه لم يقل أحد من العلماء بأن الحاجم يفطر . ومن القائلين بأنه يفطر الحاجم والمحجوم له أبو هريرة وعائشة قال الزعفراني أن الشافعي علق القول به على صحة الحديث وبذلك قال الداودي من المالكية . وذهب الجمهور إلى أن الحجامة لا تفسد الصوم وحكاه في البحر عن جماعة من الصحابة منهم علي وابنه الحسن وأنس وأبو سعيد الخدري وزيد بن أرقم وعن العترة وأكثر الفقهاء والحسن البصري وعطاء والصادق . قال الحازمي ممن روينا عنه ذلك من الصحابة سعد بن أبي وقاص والحسن بن علي وابن مسعود وابن عباس وزيد بن أرقم وابن عمر وأنس وعائشة وأم سلمة ومن التابعين والعلماء الشعبي وعروة والقاسم بن محمد وعطاء بن يسار وزيد بن أسلم وعكرمة وأبو العالية وإبراهيم وسفيان ومالك والشافعي وأصحابه إلا ابن المنذر . وأجابوا عن الأحاديث المذكورة أنها منسوخة بالأحاديث التي ستأتي . وأجيب عن ذلك بما سنذكره في شرحها وأجابوا أيضا بما أخرجه الطحاوي وعثمان الدارمي والبيهقي في المعرفة عن ثوبان أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال أفطر الحاجم والمحجوم لأنهما كانا يغتابان ورد بأن في إسناده يزيد بن ربيعة وهو متروك وحكم ابن المديني بأنه حديث باطل . قال ابن خزيمة جاء بعضهم بأعجوبة فزعم أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال أفطر الحاجم والمحجوم لأنهما كانا يغتابان فإذا قيل له فالغيبة تفطر الصائم قال لا فعلى هذا لا يخرج من مخالفة الحديث بلا شبهة وأجابوا أيضا بأن المراد بقوله أفطر الحاجم والمحجوم أنهما سيفطران باعتبار ما يؤل الأمر إليه كقوله تعالى { إني أراني أعصر خمرا } قال الحافظ ولا يخفى تكلف هذا التأويل
وقال البغوي في شرح السنة معنى أفطر الحاجم والمحجوم أي تعرضا للإفطار أما الحاجم فلأنه لا يأمن وصول شيء من الدم إلى جوفه عند المص وأما المحجوم فلأنه لا يأمن من ضعف قوته بخروج الدم فيؤل أمره إلى أن يفطر وهذا أيضا جواب متكلف وسيأتي التصريح بما هو الحق

4 - عن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم ) . رواه أحمد والبخاري . وفي لفظ ( احتجم وهو محرم صائم )
- رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه

5 - وعن ثابت البناني أنه قال لأنس ابن مالك : ( أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا إلا من أجل الضعف )
- رواه البخاري

6 - وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى : ( وعن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إنما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الوصال في الصيام والحجامة للصائم إبقاء على أصحابه ولم يحرمهما )
- رواه أحمد وأبو داود

7 - وعن أنس قال : ( أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر ابن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أفطر هذان ثم رخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد في الحجامة للصائم وكان أنس يحتجم وهو صائم )
- رواه الدارقطني وقال كلهم ثقات ولا أعلم له علة

- حديث ابن عباس ورد على أربعة أوجه كما حكاه في التلخيص عن بعض الحفاظ الأول احتجم وهو محرم . الثاني احتجم وهو صائم . الثالث كالرواية الأولى التي ذكرها المصنف . الرابع كالرواية الثانية التي ذكرها المصنف . وقد أخرج اللفظ الأول من الأربعة الشيخان من حديث عبد الله بن بحينة وله طرق شتى عند النسائي وغيره من حديث أنس وجابر والثاني رواه أصحاب السنن من طريق الحكم عن مقسم عن ابن عباس لكن أعل بأنه ليس من مسموع الحكم عن مقسم وله طرق أخرى . والثالث أخرجه من ذكر المصنف وكذلك الرابع وأعله أحمد وعلي بن المديني وغيرهما فقال أحمد ليس فيه صائم إنما هو محرم عند أصحاب ابن عباس . وقال أبو حاتم هذا خطأ أخطأ فيه شريك وقال الحميدي أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن محرما صائما لأنه خرج في رمضان في غزاة الفتح ولم يكن محرما انتهى
وإذا صح فينبغي أن يحمل على أن كل واحد من الصوم والإحرام وقع في حالة مستقلة وهذا لا مانع منه وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صام في رمضان وهو مسافر وزاد الشافعي وابن عبد البر وغير واحد أن ذلك في حجة الوداع قال الحافظ وفيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مفطرا كما صح أن أم الفضل أرسلت إليه بقدح لبن فشربه وهو اقف بعرفة وعلى تقدير وقوع ذلك فقد قال ابن خزيمة هذا الخبر لا يدل على أن الحجامة لا تفطر الصائم لأنه إنما احتجم وهو صائم محرم في سفر لا في حضر لأنه لم يكن قط محرما مقيما ببلد قال وللمسافر أن يفطر ولو نوى الصوم ومضى عليه بعض النهار خلافا لمن أبى ذلك ثم احتج له لكن تعقب عليه الخطابي بأن قوله وهو صائم دال على بقاء الصوم
قال الحافظ قلت ولا مانع من إطلاق ذلك باعتبار ما كان عليه حالة الاحتجام لأنه على هذا التأويل إنما أفطر بالاحتجام انتهى
وحديث أنس الأول اعترض على البخاري فيه بأنه سقط من إسناده حميد ما بين شعبة وثابت البناني . وقال الحافظ أن الخلل وقع فيه من غير البخاري وبين وجه ذلك
وحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه أيضا عبد الرزاق . قال في الفتح وإسناده صحيح والجهالة بالصحابي لا تضر . وقوله إبقاء على أصحابه متعلق بقوله نهى . وقد رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري بإسناده هذا ولفظه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم قالوا إنما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الحجامة للصائم وكرهها للضعيف أي لئلا يضعف . وحديث أنس الآخر قال في الفتح رواته كلهم من رجال البخاري
( وفي الباب ) عن أبي سعيد الخدري قال رخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحجامة أخرجه النسائي وابن خزيمة والدارقطني قال الحافظ إسناده صحيح ورجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه واستشهد له بحديث أنس المذكور
وله حديث آخر عند الترمذي والبيهقي : ( أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال ثلاث لا يفطرن القيء والحجامة والاحتلام ) . وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف
وقال الترمذي هذا الحديث غير محفوظ . وقد رواه الداروردي وغير واحد عن زيد بن أسلم مرسلا ورواه أبو داود عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورجحه أبو حاتم وأبو زرعة وقال أنه أصح وأشبه بالصواب وتبعهما البيهقي . وقال الدارقطني رواه كامل بن طلحة عن مالك بن زيد موصولا ثم رجع عنه وليس هو من حديث مالك قال ورواه هشام بن سعد عن زيد موصولا ولا يصح وأخرجه في السنن
( وفي الباب ) عن ابن عباس عند البزار وهو معلول وعن ثوبان عند الطبراني وسنده ضعيف . وقد استدل الجمهور بالأحاديث المذكورة على أن الحجامة لا تفطر ولكن حديث ابن عباس لا يصلح لنسخ الأحاديث السابقة أما أولا فلأنه لم يعلم تأخره لما عرفت من عدم انتهاض تلك الزيادة أعني قوله في حجة الوداع وأما ثانيا فغاية فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الواقع بعد عموم يشمله أن يكون مخصصا له من العموم لا رافعا لحكم العام نعم حديث ابن أبي ليلى وأنس وأبي سعيد يدل على أن الحجامة غير محرمة ولا موجبة لإفطار الحاجم ولا المحجوم فيجمع بين الأحاديث بأن الحجامة مكروهة في حق من كان يضعف بها وتزداد الكراهة إذا كان الضعف يبلغ إلى حد يكون سببا للإفطار ولا تكره في حق من كان لا يضعف بها وعلى كل حال تجنب الحجامة للصائم أولى فيتعين حمل قوله أفطر الحاجم والمحجوم على المجاز لهذه الأدلة الصارفة له عن معناه الحقيقي

باب ما جاء في القيء والاكتحال

1 - عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض )
- رواه الخمسة إلا النسائي

- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان والدارقطني والحاكم وله ألفاظ . قال النسائي وقفه عطاء على أبي هريرة . وقال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث هشام عن محمد عن أبي هريرة تفرد به عيسى بن يونس . وقال البخاري لا أراه محفوظا وقد روى من غير وجه ولا يصح إسناده . وقال أبو داود و بعض الحفاظ لا نراه محفوظا . قال الحافظ وأنكره أحمد وقال في روايته ليس من ذا شيء يعني أنه غير محفوظ كما قال الخطابي وصححه الحاكم على شرطهما
( وفي الباب ) عن ابن عمر موقوفا عند مالك في الموطأ والشافعي بلفظ ( من استقاء وهو صائم فعليه القضاء ومن ذرعه القيء فليس عليه القضاء ) . قوله ( من ذرعه ) قال في التلخيص هو بفتح الذال المعجمة أب غلبه . قوله ( من استقاء عمدا ) أي استدعى القيء وطلب خروجه تعمدا
( والحديث ) يدل على أنه لا يبطل صوم من غلبه القيء ولا يجب عليه القضاء ويبطل صوم من تعمد إخراجه ولم يغلبه ويجب عليه القضاء . وقد ذهب إلى هذا علي وابن عمر وزيد بن الأرقم وزيد بن علي والشافعي والناصر والإمام يحيى حكى ذلك عنهم في البحر . وحكى ابن المنذر الإجماع على أن تعمد القيء يفسد الصيام
وقال ابن مسعود وعكرمة وربيعة والهادي والقاسم أنه لا يفسد الصوم سواء كان غالبا أو مستخرجا ما لم يرجع منه شيء باختيار واستدلوا بحديث أبي سعيد المتقدم في الباب الذي قبل هذا بلفظ ( ثلاث لا يفطرن القيء والحجامة والاحتلام ) وأجيب بأن فيه المقال المتقدم فلا ينتهض معه للاستدلال . ولو سلم صلاحيته لذلك فهو محمول كما قال البيهقي على من ذرعه القيء وهذا لابد منه لأن ظاهر حديث أبي سعيد أن القيء لا يفطر مطلقا وظاهر حديث أبي هريرة أنه يفطر نوع منه خاص فيبني العام على الخاص ويؤيد حديث أبي هريرة ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن الجارود وابن حبان والدارقطني والبيهقي والطبراني وابن منده والحاكم من حديث أبي الدرداء : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاء فأفطر )
قال معدان ابن أبي طلحة الراوي له عن أبي الدرداء فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فقلت له أن أبا الدرداء أخبرني فذكره فقال صدق أنا صببت عليه وضوءه
قال ابن منده إسناده صحيح متصل وتركه الشيخان لاختلاف في إسناده . قال الترمذي جوده حسين المعلم وهو أصح شيء في هذا الباب وكذلك قال أحمد قال البيهقي هذا حديث مختلف في إسناده فإن صح فهو محمول على القيء عامدا وكأنه كان صلى الله عليه وآله وسلم صائما تطوعا وقال في موضع آخر إسناده مضطرب ولا تقوم به حجة

2 - وعن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن أبيه عن جده : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال ليتقه الصائم )
- رواه أبو داود والبخاري في تاريخه . وفي إسناده مقال قريب . قال ابن معين عبد الرحمن هذا ضعيف وقال أبو حاتم الرازي هو صدوق

- الحديث قال ابن معين أيضا هو منكر . وقال الذهبي أنه روي عن سعيد بن إسحاق فقلب اسمه أولا فقال عن إسحاق بن سعيد بن كعب ثم غلط في الحديث فقال عن أبيه عن جده ثم النعمان بن معبد غير معروف . وقد استدل بهذا الحديث ابن شبرمة وابن أبي ليلى فقالا أن الكحل يفسد الصوم وخالفهم العترة والفقهاء وغيرهم فقالوا إن الكحل لا يفسد الصوم وأجابوا عن الحديث بأنه ضعيف لا ينتهض للاحتجاج به
واستدل ابن شبرمة وابن أبي ليلى بما أخرجه البخاري تعليقا ووصله البيهقي والدارقطني وابن أبي شيبة من حديث ابن عباس بلفظ ( الفطر مما دخل والوضوء مما خرج ) قال وإذا وجد طعمه فقد دخل ويجاب بأن في إسناده الفضل بن المختار وهو ضعيف جدا وفيه أيضا شعبة مولى ابن عباس وهو ضعيف
وقال ابن عدي الأصل في هذا الحديث أنه موقوف . وقال البيهقي لا يثبت مرفوعا ورواه سعيد بن منصور موقوفا من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عنه . ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة . قال الحافظ وإسناده أضعف من الأول . ومن حديث ابن عباس مرفوعا
( واحتج الجمهور ) على أن الكحل لا يفسد الصوم بما أخرجه ابن ماجه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اكتحل في رمضان وهو صائم وفي إسناده بقية عن الزيدي عن هشام عن عروة والزبيدي المذكور اسمه سعيد ابن أبي سعيد ذكره ابن عدي وأورد هذا الحديث في ترجمته وكذا قال البيهقي وصرح به في روايته وزاد أنه مجهول
وقال النووي في شرح المهذب رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف من رواية بقية عن سعد بن أبي سعيد وهو ضعيف قال وقد اتفق الحفاظ على أن رواته بقية عن المجهولين مردودة انتهى
قال الحافظ وليس سعيد ابن أبي سعيد بمجهول بل هو ضعيف واسم أبيه عبد الجبار على الصحيح وفرق ابن عدي بين سعيد بن أبي سعيد الزبيدي فقال هو مجهول وسعيد بن عبد الجبار فقال هو ضعيف وهما واحد . ورواه البيهقي من طريق محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يكتحل وهو صائم ) . قال ابن أبي حاتم عن أبيه هذا حديث منكر وقال في محمد أنه منكر الحديث وكذا قال البخاري ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمر قال في التلخيص وسنده مقارب
ورواه ابن أبي عاصم في كتاب الصيام له من حديث ابن عمر أيضا بلفظ : ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيناه مملوءتان من الإثمد وذلك في رمضان وهو صائم ) . ورواه الترمذي من حديث أنس في الأذن فيه لمن اشتكت عينه . وقال في إسناده ليس بالقوي ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الباب شيء
ورواه أبو داود من فعل أنس قال الحافظ ولا بأس بإسناده قال وفي الباب عن بريرة مولاة عائشة في الطبراني . وعن ابن عباس في شعب الإيمان للبيهقي والظاهر ما ذهب إليه الجمهور لأن البراءة الأصلية لا تنتقل عنها إلا بدليل وليس في الباب ما يصلح للنقل لا سيما بعد أن شد هذا الحديث من عضدها وعلى فرض صلاحية حديث الفطر مما دخل للاحتجاج به يكون اكتحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخصصا للكحل وكذلك على فرض صلاحية حديث الباب يكون محمولا على الأمر باجتناب الكحل المطيب لأن المروح هو المطيب فلا يتناول مالا طيب فيه ويمكن أن يقال حديث الاكتحال صارف للأمر عن حقيقته أعني الوجوب فيكون الاكتحال مكروها ولكنه يبعد أن يفعل صلى الله عليه وآله وسلم ما هو مكروه . قوله ( بالأثمد ) بكسر الهمزة وهو حجر للكحل كما في القاموس

باب من أكل أو شرب ناسيا

1 - عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما الله أطعمه وسقاه )
- رواه الجماعة إلا النسائي . وفي لفظ : ( إذا أكل الصائم ناسيا أو شرب ناسيا فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه ) . رواه الدارقطني . وقال إسناده صحيح . وفي لفظ : ( من أفطر يوما من رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة ) . قال الدارقطني تفرد به ابن مرزوق وهو ثقة عن الأنصاري

- لفظ الدارقطني الأول أخرجه من رواية محمد بن عيسى بن الطباع عن ابن علية عن هشام عن ابن سيرين عنه وقال بعد قوله إسناده صحيح أن رواته كلهم ثقات
واللفظ الثاني أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم قال الحافظ في بلوغ المرام وهو صحيح وقد تعقب قول الدارقطني إنه تفرد به محمد بن مرزوق عن الأنصاري بأن ابن خزيمة أيضا أخرجه عن إبراهيم بن محمد الباهلي عن الأنصاري وبأن الحاكم أخرجه من طريق أبي حاتم الرازي عن الأنصاري أيضا قال الأنصاري هو المتفرد به كما قال البيهقي وهو ثقة :
قال في الفتح والمراد أنه انفرد بذكر إسقاط القضاء فقط لا بتعيين رمضان . وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي سعيد مرفوعا ( من أكل في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ) قال الحافظ وإسناده وإن كان ضعيفا لكنه صالح للمتابعة فأقل درجات الحديث بهذه الزيادة أن يكون حسنا فيصلح للاحتجاج به وقد وقع الاحتجاج في كثير من المسائل بما هو دونه في القوة ويعتضد أيضا بأنه قد أفتى به جماعة من الصحابة من غير مخالف لهم كما قال ابن المنذر وابن حزم وغيرهما منهم وعلي وزيد بن ثابت وأبو هريرة وابن عمر ثم هو موافق لقوله تعالى { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } فالنسيان ليس من كسب القلوب وموافق للقياس في إبطال الصلاة بعمد الأكل لا بنسيانه انتهى
( وقد ذهب إلى هذا الجمهور ) فقالوا من أكل ناسيا فلا يفسد صومه ولا قضاء عليه ولا كفارة . وقال مالك وابن أبي ليلى والقاسمية أن من أكل ناسيا فقد بطل صومه ولزمه القضاء واعتذر بعض المالكية عن الحديث بأنه خبر واحد مخالف للقاعدة وهو اعتذار باطل
( والحديث ) قاعدة مستقلة في الصيام ولو فتح باب رد الأحاديث الصحيحة بمثل هذا لما بقي من الحديث إلا القليل ولرد من شاء ما شاء
وأجاب بعضهم أيضا بحمل الحديث على التطوع حكاه ابن التين عن ابن شعبان وكذا قاله ابن القصار واعتذر بأنه لم يقع في الحديث تعيين رمضان وهو حمل غير صحيح واعتذار فاسد يرده ما وقع في حديث الباب من التصريح بالقضاء ومن الغرائب تمسك بعض المتأخرين في فساد الصوم ووجوب القضاء بما وقع في حديث المجامع بلفظ ( واقض يوما مكانه ) قال ولم يسأله هل جامع عامدا أو ناسيا وهذا يرده ما وقع في أول الحديث فإنه عند سعيد ابن منصور بلفظ : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تب إلى الله واستغفره وتصدق واقض يوما مكانه ) . والتوبة والاستغفار إنما يكونان عن العمد لا عن الخطأ وأيضا بعد تسليم تنزيل ترك الاستفصال منزلة العموم يكون حديث الباب مخصصا له فلم يبق ما يوجب ترك العمل بالحديث
وأما اعتذار ابن دقيق العيد عن الحديث بأن الصوم قد فات ركنه وهو من باب المأمورات والقاعدة أن النسيان لا يؤثر في المأمورات فيجاب عنه بأن غاية هذه القاعدة المدعاة أن تكون بمنزلة الدليل فيكون حديث الباب مخصصا لها :
قوله ( فإنما الله أطعمه وسقاه ) هو كناية عن عدم الإثم لأن الفعل إذا كان من الله كان الإثم منتفيا : قوله ( من أفطر يوما من رمضان ) ظاهره يشمل المجامع . وقد اختلف فيه فبعضهم لم ينظر إلى هذا العموم وقال إنه ملحق بمن أكل أو شرب وبعضهم منع من الإلحاق لقصور حالة المجامع عن حالة الآكل والشارب
وفرق بعضهم بين الأكل والشرب القليل والكثير وظاهر الحديث عدم الفرق . ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد عن أم إسحاق أنها كانت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتي بقصعة من ثريد فأكلت معه ثم تذكرت أنها صائمة فقال لها ذو اليدين الآن بعدما شبعت فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك )

باب التحفظ من الغيبة واللغو وما يقول إذا شتم

1 - عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه وفرح بصومه )
- متفق عليه

2 - وعن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )
- رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي

- قوله ( فر يرفث ) بضم الفاء وكسرها ويجوز في ماضيه التثليث والمراد به هنا الكلام الفاحش وهو بهذا المعنى بفتح الراء والفاء وقد يطلق على الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكر ذلك مع النساء أو مطلقا
قال في الفتح ويحتمل أن يكون النهي لما هو أعم منها . وفي رواية ولا يجهل أي لا يفعل شيئا من أفعال الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك : قوله ( ولا يصخب ) الصخب هو الرجة واضطراب الأصوات للخصام . قال القرطبي لا يفهم من هذا أن غير يوم الصوم يباح فيه ما ذكر وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم . قوله ( أو قاتله ) يمكن حمله على ظاهره ويمكن أن يراد بالقتل اللعن فيرجع إلى معنى الشتم ولا يمكن حمل قاتله وشاتمه على الفاعلة لأن الصائم مأمور بأن يكف نفسه عن ذلك فكيف يقع ذلك وإنما المعنى إذا جاء متعرضا لمقاتلته أو مشاتمته كأن يبدأه بقتل أو شتم اقتضت العادة أن يكافئه عليها فالمراد بالمفاعلة إرادة غير الصائم ذلك من الصائم وقد تطلق المفاعلة على وقوع الفعل من واحد كما يقال عالج الأمر وعاناه
قال في الفتح وأبعد من حمله على ظاهره فقال المراد إذا بدرت من الصائم مقابلة الشتم بالشتم على مقتضى الطبع فلينزجر عن ذلك ومما يبعد ذلك ما وقع في رواية فإن شتمه أحد
قوله ( إني امرؤ صائم ) في رواية لابن خزيمة بزيادة ( وإن كنت قائما فاجلس ) ومن الرواة من ذكر قوله ( إني امرؤ صائم مرتين ) . واختلف في المراد بقوله إني صائم هل يخاطب بها الذي يشتمه ويقاتله أو يقولها في نفسه وبالثاني جزم المتولي ونقله الرافعي عن الأئمة ورجح النووي في الأذكار الأول وقال في شرح المهذب كل منهما حسن والقول باللسان أقوى ولو جمعهما لكان حسنا وقال الروياني إن كان رمضان فليقل بلسانه وإن كان غيره فليقله في نفسه . وادعى ابن العربي أن موضع الخلاف في التطوع وأما في الفرض فليقله بلسانه قطعا :
قوله ( والذي نفس محمد بيده ) هذا القسم لقصد التأكيد : قوله ( لخلوف ) بضم المعجمة واللام وسكون الواو وبعدها فاء قال عياض هذه الرواية الصحيحة وبعض الشيوخ يقول بفتح الخاء . قال الخطابي وهو خطأ وحكى عن القابسي الوجهين وبالغ النووي في شرح المهذب فقال لا يجوز فتح الخاء واحتج غيره لذلك بأن المصادر التي جاءت على فعول بفتح أوله قليلة ذكرها سيبويه وغيره وليس هذا منها والخلوف تغير رائحة الفم . قوله ( أطيب عند الله من ريح المسك ) اختلف في معناه فقال المازري هو مجاز لأنها جرت العادة بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك لتقريب الصائم من الله فالمعنى أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم أي يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم وإلى ذلك أشار ابن عبد البر وإنما جعل من باب المجاز لأن الله تعالى منزه عن استطابة الروائح لأن ذلك من صفات الحيوان والله يعلم الأشياء على ما هي عليه . وقيل المعنى أن حكم الخلوف والمسك عند الله على خلاف ما عندكم وقيل المراد " ن الله يجازيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي المكلوم وريح جرحه يفوح مسكا قاله القاضي عياض والمراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك حكاه القاضي عياض أيضا
وقال الداودي من المغاربة المعنى أن الخلوف أكثر ثوابا من المسك حيث ندب إليه في الجمع والأعياد ومجالس الذكر ورجحه النووي وقد اختلف هل ذلك في الدنيا أو في الآخرة فقال بالأول ابن الصلاح وبالثاني ابن عبد السلام . واحتج ابن الصلاح بما أخرجه ابن حبان بلفظ ( فم الصائم حين يخلف من الطعام ) وكذا أخرجه أحمد وبما أخرجه أيضا الحسن بن سفيان في مسنده والبيهقي في الشعب من حديث جابر بلفظ ( فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك ) . قال المنذري إسناده مقارب واحتج ابن الصلاح أيضا بأن ما قاله هو ما ذهب إليه الجمهور . واحتج ابن عبد السلام على ما قاله بما في مسلم وأحمد والنسائي ( أطيب عند الله يوم القيامة ) وأخرج أحمد هذه الزيادة من وجه آخر ويترتب على هذا الخلاف القول بكراهة السواك للصائم وقد تقدم البحث عنه في موضعه : قوله ( للصائم فرحتان إذا أفطر ) الخ قال القرطبي معناه فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر وهذا الفرح طبيعي وهو السابق إلى الفهم وقيل أن فرحه لفطره إنما هو من حيث أنه تمام صومه وخاتمة عبادته . قال في الفتح ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما ذكر ففرح كل واحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك فمنهم من يكون فرحه مباحا وهو الطبيعي ومنهم من يكون مستحيا وهو أن يكون لتمام العبادة والمراد بالفرح إذا لقي ربه أنه يفرح بما يحصل له من الجزاء والثواب . قوله ( الزور والعمل به ) زاد البخاري في رواية والجهل
وأخرج الطبراني من حديث أنس ( من لم يدع الخنى والكذب ) . قال الحافظ ورجاله ثقات والمراد بالزور الكذب : قوله ( فليس لله حاجة ) الخ قال ابن بطال ليس معناه أنه يؤمر بأن يدع صيامه وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه قال في الفتح ولا مفهوم لذلك فإن الله لا يحتاج إلى شيء وإنما معناه فليس لله إرادة في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة . وقال ابن المنير في حاشيته على البخاري بل هو كناية عن عدم القبول كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئا طلبه منه فلم يقم به إلا حاجة لي في كذا . وقال ابن العربي مقتضى هذا الحديث أن لا يثاب على صيامه ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموزانة بإثم الزور وما ذكر معه واستدل بهذا الحديث على أن هذه الأفعال تنقص ثواب الصوم وتعقب بأنها صغائر تكفر باجتناب الكبائر

باب الصائم يتمضمض أو يغتسل من الحر

1 - عن عمر قال : ( هششت يوما قفبلت وأنا صائم فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم قلت لا بأس بذلك فقال صلى الله عليه وآله وسلم ففيم )
- رواه أحمد وأبو داود

2 - وعن أبي بكر بن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصب الماء على رأسه من الحر وهو صائم )
- رواه أحمد وأبو داود

- الحديث الأول أخرجه أيضا النسائي وقال إنه منكر . وقال أبو بكر البزار لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم
والحديث الثاني أخرجه أيضا النسائي ورجال إسناده رجال الصحيح :
قوله ( هششت ) بشينين معجمتين أي نشطت وارتحت والهشاش في الأصل الارتياح والخفة والنشاط كذا في القاموس : قوله ( أرأيت لو تمضمضت ) الخ في إشارة إلى فقه بديع وهو أن المضمضة لا تنقض الصوم وهي أول الشرب ومفتاحه فكذلك القبلة لا تنقضه وهي من دواعي الجماع وأوائله التي تكون مفتاحا له والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع فكلما ثبت عند عمر أن أوائل الشرب لا تفسد الصيام كذلك أوائل الجماع لا تفسده وسيأتي الخلاف في التقبيل
قوله ( يصب الماء على رأسه ) الخ فيه دليل على أنه يجوز للصائم أن يكسر الحر بصب الماء على بعض بدنه أو كله وقد ذهب إلى ذلك الجمهور ولم يفرقوا بين الأغسال الواجبة والمسنونة والمباحة . وقالت الحنفية إنه يكره الاغتسال للصائم واستدلوا بما أخرجه عبد الرزاق عن علي من النهي عن دخول الصائم الحمام وهو مع كونه أخص من محل النزاع في إسناده ضعف كما قال الحافظ
واعلم أنه يكره للصائم المبالغة في المضمضة والاستنشاق لحديث الأمر بالمبالغة في ذلك إلا أن يكون صائما وقد تقدم . واختلف إذا دخل من ماء المضمضة والاستنشاق إلى جوفه خطأ فقالت الحنفية والقاسمية ومالك والشافعي في أحد قوليه والمزني إنه يفسد الصوم
وقال أحمد بن حنبل وإسحاق والأوزاعي والناصر والإمام يحيى وأصحاب الشافعي أنه لا يفسد الصوم كالناسي . وقال زيد بن علي يفسد الصوم بعد الثلاث المرات . وقال الصادق يفسد إذا كان التمضمض لغير قربة . وقال الحسن البصري والنخعي إنه يفسد إن لم يكن الفريضة

باب الرخصة في القبلة للصائم إلا لمن يخاف على نفسه

1 - عن أم سلمة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبلها وهو صائم )
- متفق عليه

2 - وعن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه )
- رواه الجماعة إلا النسائي . وفي لفظ : ( كان يقبل في رمضان وهو صائم ) . رواه أحمد ومسلم

3 - وعن عمر بن أبي سلمة : ( أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيقبل الصائم فقال له سل هذه لأم سلمة فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال له أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له )
- رواه مسلم . وفيه أن أفعاله حجة

4 - وعن أبي هريرة : ( أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فنهاه عنها فإذا الذي رخص له شيخ وإذا الذي نهاه شاب )
- رواه أبو داود

- حديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص وفي إسناده أبو العنبس الحرث بن عبيد سكتوا عنه وقال في التقريب مقبول وقد أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس ولم يصرح برفعه والبيهقي من حديث عائشة مرفوعا وأخرج نحوه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو :
قوله ( كان يقبلها ) فيه دليل على أنه يجوز التقبيل للصائم ولا يفسد به الصوم . قال النووي ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم إلا إن أنزل بها ولكنه متعقب بأن ابن شبرمة أفتى بإفطار من قبل . ونقله الطحاوي عن قوم ولم يسمهم وقد قال بكراهة التقبيل والمباشرة على الإطلاق قوم وهو المشهور عند المالكية . وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يكره القبلة والمباشرة
ونقل ابن المنذر وغيره عن قوم تحريمهما وأباح القبلة مطلقا قوم . قال في الفتح وهو المنقول صحيحا عن أبي هريرة قال سعيد وسعد بن أبي وقاص وطائفة وبالغ بعض الظاهرية فقال إنها مستحبة وفرق آخرون بين الشاب والشيخ فأباحوها للشيخ دون الشاب تمسكا بحديث أبي هريرة المذكور في الباب وما ورد في معناه وبه قال ابن عباس أخرجه مالك وسعيد بن منصور وغيرهما وفرق آخرون بين من يملك نفسه ومن لا يملك . واستدلوا بحديث عائشة المذكور في الباب وبه قال سفيان والشافعي ولكنه ليس إلا قولا لعائشة نعم نهيه صلى الله عليه وآله وسلم للشاب وإذنه للشيخ يدل على أنه لا يجوز التقبيل لمن خشي أن تغلبه الشهوة وظن أنه لا يملك نفسه عند التقبيل ولذلك ذهب قوم إلى تحريم التقبيل على من كان تتحرك به شهوته والشاب مظنة لذلك ويعارض حديث أبي هريرة ما أخرجه النسائي عن عائشة قالت : ( أهوى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقبلني فقلت إني صائمة فقال وأنا صائم فقبلني ) . وعائشة كانت شابة حينئذ إلا أن يكون حديث أبي هريرة مختصا بالرجال ولكنه بعيد لأن الرجال والنساء سواء في هذا الحكم . ويمكن أن يقال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم من حال عائشة أنها لا تتحرك شهوتها بالتقبيل
وقد أخرج ابن حبان في صحيحه أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يمس شيئا من وجهها وهي صائمة فدل على أنه كان يجنبها ذلك إذا صامت تنزيها لها عن تحرك الشهوة لكونها ليست مثله . وقد دل حديث عمرو بن أبي سلمة المذكور على جواز التقبيل للصائم من غير فرق بين الشاب وغيره . وحديث أبي هريرة أخص منه فيبني العام على الخاص
( واحتج ) من قال بتحريم التقبيل والمباشرة مطلقا بقوله تعالى { فالآن باشروهن } قالوا فمنع من المباشرة في هذه الآية نهارا . وأجيب عن ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو المبين عن الله تعالى وقد أباح المباشرة نهارا فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع لا ما دونه من قبلة ونحوها وغاية ما في الآية أن تكون عامة في كل مباشرة مخصصة بما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم وما أذن به والمراد بالمباشرة المذكورة في الحديث ما هو أعم من التقبيل ما لم يبلغ إلى حد الجماع فيكون قوله كان يقبل ويباشر من ذكر العام بعد الخاص لأن المباشرة في الأصل التقاء البشرتين ووقع الخلاف فيما إذا باشر الصائم أو قبل أو نظر فأنزل أو أمذى فقال الكوفيون والشافعي يقضي إذا أنزل في غير النظر ولا قضاء في الإمذاء
وقال مالك وإسحاق يقضي في كل ذلك ويكفر إلا في الإمذاء فيقضي فقط واحتج له بأن الإنزال أقصى ما يطلب في الجماع من الالتذاذ في كل ذلك . وتعقب بأن الأحكام علقت بالجماع فقط وروى ابن القاسم عن مالك أنه يجب القضاء على من باشرا وقبل فانعظ أنزل أو لم ينزل أمذى أو لم يمذ وأنكره غيره عن مالك وروى عبد الرزاق عن حذيفة أن من تأمل خلق امرأة وهو صائم بطل صومه قال في الفتح وإسناده ضعيف : قال وقال ابن قدامة إن قبل فأنزل أفطر بلا خلاف كذا قال وفيه نظر فقد حكى ابن حزم أنه لا يفطر ولو أنزل وقوى ذلك وذهب إليه قوله : ( لأربه ) بفتح الهمزة والراء بالموحدة أي حاجته ويروى بكسر الهمزة وسكون الراء أي عضوه
قال في الفتح والأول أشهر وإلى ترجيحه أشار البخاري وبما أورده من التفسير انتهى
( وفي الباب ) عن عائشة عند أبي داود : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبلها ويمص لسانها ) . قال الحافظ وإسناده ضعيف ولو صح فهو محمول على أنه لم يبتلع ريقه الذي خالطه ريقها
وعن رجل من الأنصار عند عبد الرزاق بإسناد صحيح : ( أنه قبل امرأته وهو صائم فأمر امرأته فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال إني أفعل ذلك فقال زوجها ترخص الله لنبيه في أشياء فرجعت فقال أنا أعلمكم بحدود الله وأتقاكم ) . وأخرجه مالك لكنه أرسله

باب من أصبح جنبا وهو صائم

1 - عن عائشة : ( أن رجلا قال يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم فقال لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقى )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

2 - وعن عائشة وأم سلمة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان )
- متفق عليه

3 - وعن أم سلمة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصبح جنبا من جماع لا حلم ثم لا يفطر ولا يقضي )
- أخرجاه

- هذه الأحاديث استدل بها من قال أن من أصبح جنبا فصومه صحيح ولا قضاء عليه من غير فرق بين أن تكون الجنابة عن جماع أو غيره وإليه ذهب الجمهور وجزم النووي بأنه استقر الإجماع على ذلك
وقال ابن دقيق العيد أنه ذار ذلك إجماعا أو كالإجماع وقد ثبت من حديث أبي هريرة ما يخالف أحاديث الباب فأخرج الشيخان عنه : ( أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال من أصبح جنبا فلا صوم له ) . وقد بقي على العمل بحديث أبي هريرة هذا بعض التابعين كما نقله الترمذي . ورواه عبد الرزاق عن عروة بن الزبير وحكاه ابن المنذر عن طاوس . قال ابن بطال وهو أحد قولي أبي هريرة قال الحافظ ولم يصح عنه لأن ابن المنذر رواه عنه من طريق أبي المهزم وهو ضعيف
وحكى ابن المنذر أيضا عن الحسن البصري وسالم بن عبد الله بن عمر أنه يتم صومه ثم يقضيه . وروى عبد الرزاق عن عطاء مثل قولهما . قال في الفتح ونقل بعض المتأخرين عن الحسن ابن صالح بن حي إيجاب القضاء والذي نقله عنه الطحاوي استحبابه
ونقل ابن عبد البر عنه . وعن النخعي إيجاب القضاء في الفرض دون التطوع . ونقل الماوردي أن هذا الاختلاف كله إنما هو في حق الجنب وأما المحتلم فأجمعوا على أنه يجزئه
وتعقبه الحافظ بما أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن أبي هريرة أنه أفتى من أصبح جنبا من احتلام أن يفطر . وفي رواية أخرى عنه عند النسائي أيضا ( من احتلم من الليل أو واقع أهله ثم أدركه الفجر ولم يغتسل فلا يصم ) . وأجاب القائلون بأن من أصبح جنبا يفطر عن أحاديث الباب بأجوبة منها أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم ورده الجمهور بأن الخصائص لا تثبت إلا بدليل وبأن حديث عائشة المذكور في أول الباب يقتضي عدم اختصاصه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك . وجمع بعضهم بين الحديثين بأن الأمر في حديث أبي هريرة أمر إرشاد إلى الأفضل فإن الأفضل أن يغتسل قبل الفجر فلو خالف جاز فيحمل حديث عائشة على بيان الجواز
وقد نقل النووي هذا الجمع عن أصحاب الشافعي وتعقبه الحافظ بأن الذي نقله البيهقي وغيره عن أصحاب الشافعي هو سلوك طريقة الترجيح :
وعن ابن المنذر وغيره سلوك النسخ وبالنسخ قال الخطابي . وقواه ابن دقيق العيد بأن قوله تعالى { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } يقتضي إباحة الوطء في ليلة الصوم ومن جملتها الوقت المقارن لطلوع الفجر فيلزم إباحة الجماع فيه ومن ضرورته أن يصبح فاعل ذلك جنبا ولا يفسد صومه . ويقوي ذلك أن قول الرجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر يدل على أن ذلك كان بعد نزول الآية وهي إنما أنزلت عام الحديبية سنة ست وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية ويؤيد دعوى النسخ رجوع أبي هريرة عن الفتوى بذلك كما في رواية للبخاري أنه لما أخبر بما قالت أم سلمة وعائشة فقال هما أعلم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وفي رواية ابن جريج فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك وكذا وقع عند النسائي أنه رجع وكذا عند ابن أبي شيبة وفي رواية للنسائي أن أبا هريرة أحال بذلك على الفضل بن عباس ووقع نحو ذلك في البخاري وقال أنه حدثه بذلك الفضل
وفي رواية أنه قال حدثني بذلك أسامة وأما ما أخرجه ابن عبد البر عن أبي هريرة أنه قال كنت حدثتكم من أصبح جنبا فقد أفطر وأن ذلك من كيس أبي هريرة فقال الحافظ لا يصح ذلك عن أبي هريرة لأنه من رواية عمر بن قيس وهو متروك ومن حجج من سلك طريق الترجيح ما قاله ابن عبد البر أنه صح وتواتر حديث عائشة وأم سلمة وأما حديث أبي هريرة فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتي بذلك وأيضا رواية اثنين مقدمة على رواية واحد ولاسيما وهما زوجتان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والزوجات أعلم بأحوال الأوزاج وأيضا روايتهما موافقة للمنقول وهو ما تقدم من مدلول الآية وللمعقول وهو أن الغسل شيء وجب بالإنزال وليس في فعله شيء يحرم على الصائم فإن الصائم قد يحتلم بالنهار فيجب عليه الغسل ولا يفسد صومه بل يتمه إجماعا
قوله ( ولا يقضي ) عزاه المصنف إلى البخاري ومسلم ولم نجده في البخاري بل هو مما انفرد به مسلم فينظر في ذلك

باب كفارة من أفسد صوم رمضان بالجماع

1 - عن أبي هريرة قال : ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال هلكت يا رسول الله قال وما أهلكك قال وقعت على امرأتي في رمضان قال هل تجد ما تعتق رقبة قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا قال لا قال ثم جلس فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعرق فيه تمر قال تصدق بهذا قال فهل على أفقر منا فما بين لابتيها أهل البيت أحوج إليه منا فضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه وقال اذهب فأطعمه أهلك )
- رواه الجماعة . وفي لفظ ابن ماجه قال : ( أعتق رقبة قال لا أجدها قال صم شهرين متتابعين قال لا أطيق قال أطعم ستين مسكينا ) . وذكره وفيه دلالة قوية على الترتيب . ولابن ماجه وأبي داود في رواية ( وصم يوما مكانه ) وفي لفظ للدارقطني فيه ( فقال هلكت وأهلكت فقال ما أهلكك قال وقعت على أهلي ) وذكره . وظاهر هذا أنها كانت مكرهة

- في الباب عن عائشة عند الشيخين ولفظ الدارقطني الذي ذكره المصنف قال الخطابي أنه تفرد به معلى بن منصور عن ابن عيينة وذكر البيهقي أن الحاكم نظر في كتاب معلى بن منصور فلم يجد هذه اللفظة يعني هلكت وأهلكت وأخرجها من رواية الأوزاعي وذكر أنها أدخلت على بعض الرواة في حديثه وأن أصحابه لم يذكروها . قال الحافظ وقد رواها الدارقطني من رواية سلامة بن روح عن عقيل عن ابن شهاب
قوله ( جاء رجل ) قال عبد الغني في المبهمات أن اسمه سلمان أو سلمة بن صخر البياضي . ويؤيده ما وقع عند ابن أبي شيبة عن سلمة بن صخر أنه ظاهر من امرأته وأخرج ابن عبد البر في التمهيد عن سعيد بن المسيب أنه سلمان ابن صخر . قوله ( هلكت ) استدل به على أنه كان عامدا لأن الهلاك مجاز عن العصيان المؤدي إلى ذلك فكأنه جعل المتوقع كالواقع مجازا فلا يكون في الحديث حجة على وجوب الكفارة وعلى الناسي وبه قال الجمهور . وقال أحمد وبعض المالكية أنها تجب على الناسي واستدلوا بتركه صلى الله عليه وآله وسلم للاستفصال وهو ينزل منزلة العموم
قال في الفتح والجواب أنه قد تبين حاله بقوله ( هلكت واحترقت ) وأيضا وقوع النسيان في الجماع في نهار رمضان في غاية البعد . قوله ( وقعت على امرأتي ) في رواية ( أن رجلا أفطر في رمضان ) وبهذا استدلت المالكية على وجوب الكفارة على من أفطر في رمضان بجماع أو غيره والجمهور حملوا المطلق على المقيد وقالوا لا كفارة إلا في الجمع . قوله ( رقبة ) استدلت الحنفية بإطلاق الرقبة على جواز إخراج الرقبة الكافرة وأجيب عن ذلك بأنه يحمل المطلق على المقيد في كفارة القتل وبه قال الجمهور والخلاف في المسألة مبسوط في الأصول . قوله ( ستين مسكينا ) قال ابن دقيق العيد أضاف الإطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين فلا يكون ذلك موجودا في حق من أطعم ستة مساكين عشرة أيام مثلا وبه قال الجمهور . وقالت الحنفية أنه لو أطعم الجميع مسكينا واحدا في ستين يوما كفى ويدل على قولهم قوله ( فأطعمه أهلك ) وفي ذلك دليل على أن الكفارة تجب بالجماع خلافا لمن شذ فقال لا تجب مستندا إلى أنها لو كانت واجبة لما سقطت بالإعسار وتعقب بمنع السقوط كما سيأتي وفيه أيضا دليل على أنه يجزئ التكفير بكل واحدة من الثلاث الخصال وروى عن مالك أنه لا يجزئ إلا الإطعام والحديث يرد عليه وظاهر الحديث أنه لا يجزئ التكفير بغير هذه الثلاث وروى عن سعيد بن المسيب أنه يجزئ إهداء البدنة كما في الموطأ عنه مرسلا
وقد روى سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب أنه كذب من نقل عنه ذلك . وظاهر الحديث أيضا أن الكفارة بالخصال الثلاث على الترتيب قال ابن العربي لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نقله من أمر بعد عدمه إلى أمر آخر وليس هذا شأن التخيير ونازع عياض في ظهور دلالة الترتيب في السؤال عن ذلك فقال إن مثل هذا السؤال قد يستعمل فيما هو على التخيير وقرره ابن المنير
قال البيضاوي إن ترتيب الثاني على الأول والثالث على الثاني بالفاء يدل على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال فتنزل منزلة الشرط وإلى القول بالترتيب ذهب الجمهور . وقد وقع في الروايات ما يدل على الترتيب والتخيير والذين رووا الترتيب أكثر ومعهم الزيادة وجمع المهلب والقرطبي بين الروايات بتعدد الواقعة
قال الحافظ وهو بعيد لأن القصة واحدة والمخرج متحد والأصل عدم التعدد وجمع بعضهم بحمل الترتيب على الأولوية والتخيير على الجواز وعكسه بعضهم :
قوله ( فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) بضم الهمزة للأكثر على البناء للمجهول والرجل الآتي لم يسم . ووقع في رواية للبخاري ( فجاء رجل من الأنصار ) وفي أخرى للدارقطني ( رجل من ثقيف ) : قوله ( بعرق فيه تمر ) بفتح المهملة والراء بعدها قاف وفي رواية القابسي بإسكان الراء وقد أنكر ذلك عليه والصواب الفتح كما قال عياض
وقال الحافظ الإسكان ليس بمنكر وهو الزنبيل والزنبيل هو المكتل قال في الصحاح المكتل يشبه الزنبيل يسع خمسة عشر صاعا ووقع عند الطبراني في الأوسط أنه أتى بمكتل فيه عشرون صاعا فقال تصدق بهذا وفي إسناده ليث ابن أبي سليم ووقع مثل ذلك عند ابن خزيمة من حديث عائشة وفي مسلم عنها فجاءه عرقان فيهما طعام
قال في الفتح ووجهه أن التمر كان في عرق لكنه كان في عرقين في حال التحميل على الدابة ليكون أسهل فيحتمل أن الآتي به لما وصل أفرغ أحدهما في الآخر فمن قال عرقان أراد ابتداء الحال ومن قال عرق أراد ما آل إليه وقد ورد في تقدير الإطعام حديث علي عند الدارقطني بلفظ ( يطعم ستين مسكينا لكل مسكين مد ) وفيه ( فأتى بخمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا ) وكذا عند الدارقطني من حديث أبي هريرة قال الحافظ من قال عشرون أراد أصل ما كان عليه ومن قال خمسة عشر أراد قدر ما يقع به الكفارة :
قوله ( تصدق بهذا ) استدل به وبما قبله من قال أن الكفارة تجب على الرجل فقط وبه قال الأوزاعي وهو الأصح من قولي الشافعي . وقال الجمهور تجب على المرأة على اختلاف بينهم في الحرة والأمة والمطاوعة والمكرهة وهل هي عليها أو على الرجل واستدل الشافعي بسكوته عن إعلام المرأة في وقت الحاجة وتأخير البيان عنها لا يجوز ورد يأنها لم تعترف ولم تسأل فلا حاجة ولاسيما مع احتمال أن تكون مكرهة كما يرشد إلى ذلك قوله في رواية الدارقطني ( هلكت وأهلكت ) : قوله ( فهل على أفقر منا ) هذا يدل على أنه فهم من الأمر له بالتصدق أن يكون المتصدق عليه فقيرا : قوله ( فما بين لابتيها ) بالتخفيف تثنية لابة وهي الحرة والحرة الأرض التي فيها حجارة سود يقال لابة ولوبة ونوبة بالنون حكاهن الجوهري وجماعة من أهل اللغة والضمير عائد إلى المدينة أي ما بين حرتي المدينة . قوله ( فضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) قيل سبب ضحكه ما شاهده من حال الرجل حيث جاء خائفا على نفسه راغبا في فدائها مهما أمكنه فلما وجد الرخصة طمع في أن يأكل ما أعطيه في الكفارة . وقيل ضحك من بيان الرجل في مقاطع كلامه وحسن بيانه وتوسله إلى مقصوده
وظاهر هذا أنه وقع منه ضحك يزيد على التبسم فيحمل ما ورد في صفته صلى الله عليه وآله وسلم أن ضحكه كان التبسم على غالب أحواله . قوله ( فأطعمه أهلك ) استدل به على سقوط الكفارة بالإعسار لما تقرر من أنها لا تصرف في النفس والعيال ولم يبين له صلى الله عليه وآله وسلم استقرارها في ذمته إلى حين يساره وهو أحد قولي الشافعي وجزم به عيسى بن دينار من المالكية وقال الجمهور لا تسقط بالإعسار قالوا وليس في الخبر ما يدل على سقوطها عن المعسر بل فيه ما يدل على استقرارها عليه قالوا أيضا والذي أذن له في التصرف فيه ليس على سبيل الكفارة وقيل المراد بالأهل المذكورين من لا تلزمه نفقتهم وبه قال بعض الشافعية ورد بما وقع من التصريح في رواية بالعيال وفي أخرى من الأذن له بالأكل وقيل لما كان عاجزا عن نفقة أهله جاز له أن يفرق الكفارة فيهم . وقيل غير ذلك وقد طول الكلام عليه في الفتح
قوله ( وصم يوما مكانه ) يعني مكان اليوم الذي جامع فيه قال الحافظ وقد ورد الأمر بالقضاء في رواية أبي أويس وعبد الجبار وهشام بن سعد كلهم عن الزهري وأخرجه البيهقي من طريق إبراهيم بنم سعد عن الليث عن الزهري . وحديث إبراهيم بن سعد في الصحيح عن الزهري نفسه بغير هذه الزيادة . وحديث الليث عن الزهري في الصحيحين بدونها ووقعت الزيادة أيضا في مرسل سعيد بن المسيب ونافع بن جبير والحسن ومحمد بن كعب . وبمجموع هذه الطرق الأربع يعرف أن لهذه الزيادة أصلا وقد حكى عن الشافعي أنه لا يجب عليه القضاء واستدل له بأنه لم يقع التصريح في الصحيحين بالقضاء ويجاب بأن عدم الذكر له في الصحيحين لا يستلزم العدم وقد ثبت عند غيرهما كما تقدم . وظاهر إطلاق اليوم عدم اشتراط الفورية

باب كراهة الوصال

1 - عن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الوصال فقالوا إنك تفعله فقال إني لست كأحدكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني )

2 - وعن أبي هريرة : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إياكم والوصال فقيل إنك تواصل قال إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فاكلفوا من العمل ما تطيقون )

3 - وعن عائشة قالت : ( نهاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الوصال رحمة لهم فقالوا إنك تواصل قال إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقيني )
- متفق عليهن

4 - وعن أبي سعيد : ( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا تواصل فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر قالوا إنك تواصل يا رسول الله قال لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني )
- رواه البخاري وأبو داود

- وفي الباب عن أنس عند الشيخين . وعن بشير بن الخصاصية عند أحمد بلفظ : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الوصال وقال إنما يفعل ذلك النصارى ) . وأخرجه أيضا الطبراني وسعيد بن منصور وعبد بن حميد قال في الفتح إسناده صحيح . وعن أبي ذر عند الطبراني في الأوسط
وعن رجل من الصحابة عند أبي داود وغيره قال في الفتح وإسناده صحيح بلفظ : ( نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما ) . وقد تقدم :
قوله ( يطعمني ربي ويسقيني ) قال في الفتح اختلف في معناه فقيل هو على حقيقته وأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله كرامة له في ليالي صيامه وتعقبه ابن بطال ومن تبعه بأنه لو كان كذلك لم يكن مواصلا وبأن قوله أظل يدل على وقوع ذلك في النهار . وأجيب بأن الراجح من الروايات لفظ أبيت دون أظل وعلى تقدير الثبوت فليس حمل الطعام والشراب على المجاز بأولى من حمل لفظ ظل على المجاز وعلى التنزل فلا يضر شيء من ذلك لأن ما يؤتى به الرسول على سبيل الكرامة من طعام الجنة وشرابها لا يجري عليه أحكام المكلفين
وقال الزين ابن المنير هو محمول على أن أكله وشربه في تلك الحال كحالة النائم الذي يحصل له الشبع والري بالأكل والشرب ويستمر له ذلك حتى يستيقظ فلا يبطل بذلك صومه ولا ينقطع وصاله ولا ينقص من أجره . وقال الجمهور وهو مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة فكأنه قال يعطيني قوة الآكل الشارب وهذا هو الظاهر
قوله ( إياكم والوصال ) وقع في رواية لأحمد مرتين . وفي رواية لمالك ثلاث مرات وإسنادها صحيح : قوله ( فاكلفوا ) بسكون الكاف وبضم اللام أي احملوا من المشقة في ذلك ما تطيقون . وحكى عياض عن بعضهم أنه قال هو بهمزة قطع ولا يصح لغة : قوله ( رحمة لهم ) استدل به من قال أن الوصال مكروه غير محرم وذهب الأكثر إلى تحريم الوصال . وعن الشافعية وجهان التحريم والكراهة
( وأحاديث ) الباب تدل على ما ذهب إليه الجمهور وأجابوا بأن قوله رحمة لا يمنع التحريم فإن من رحمته لهم أن حرمه عليهم . ومن أدلة القائلين بعدم التحريم ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه واصل بأصحابه لما أبوا أن ينتهوا عن الوصال فواصل بهم يوما ثا يوما ثم رأوا الهلال فقال لو تأخر لزدتكم كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا هكذا في البخاري وغيره أجاب الجمهور عن ذلك بأن مواصلته صلى الله عليه وآله وسلم بهم بعد نهيه لهم فلم يكن تقريرا بل تقريعا وتنكيلا واحتمل ذلك منهم لأجل مصلحة النهي في تأكيد زجرهم لأنهم إذا باشروه ظهرت لهم حكة النهي وكان ذلك أدعى إلى قبولهم لما يترتب عليه من الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم منه وأرجح من وظائف الصلاة والقراءة وغير ذلك . ومن الأدلة على أن الوصال غير محرم حديث الرجل من الصحابة الذي قدمنا ذكره فإنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحرم الوصال . ومنها ما رواه البزار والطبراني من حديث سمرة قال ( نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الوصال وليس بالعزيمة ) ومنها إقدام الصحابة على الوصال بعد النهي فإن ذلك يدل على أنهم فهموا أن النهي للتنزيه لا للتحريم كما قال الحافظ وقد ذهب إلى جوازه مع عدم المشقة عبد الله بن الزبير وروى ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح أنه كان يواصل خمسة عشر يوما وذهب إليه من الصحابة أخت أبي سعيد ومن التابعين عبد الرحمن بن أبي نعم وعامر بن عبد الله بن الزبير وإبراهيم بن يزيد التيمي وأبو الجوزاء كما في الفتح وهو الظاهر فلا أقل من أن تكون هذه الأدلة التي ذكروها صارفة للنهي عن الوصال عن حقيقته وذهبت الهادوية إلى كراهة الوصال مع عدم النية وحرمته مع النية
وذهب أحمد وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة وجماعة من المالكية إلى جواز الوصال إلى السحر لحديث أبي سعيد المذكور في الباب : ومثله ما أخرجه الطبراني من حديث جابر ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يواصل من سحر إلى سحر ) وأخرجه أحمد وعبد الرزاق من حديث علي فإن كان اسم الوصال إنما يصدق على إمساك جميع الليل فلا معارضة بين الأحاديث وإن كان يصدق على أعم من ذلك فيبني العام على الخاص ويكون المحرم ما زاد على الإمساك إلى ذلك الوقت

باب آداب الإفطار والسحور

1 - عن ابن عمر قال : ( سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطر الصائم )

2 - وعن سهل بن سعد : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر )
- متفق عليهما

3 - وعن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يقول الله عز و جل أن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا )
- رواه أحمد والترمذي

- حديث أبي هريرة قال الترمذي حديث حسن غريب : وفي الباب عن عائشة عند الترمذي وصححه : ( أنها سئلت عن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة والآخر يؤخر الإفطار ويؤثر الصلاة فقالت أيهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة فقيل لها عبد الله بن مسعود قالت هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) . والآخر أبو موسى
وعن أبي هريرة حديث آخر عند أبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ قال : ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون )
وعن سهل بن سعد حديث آخر عند ابن حبان والحاكم بلفظ : ( لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم ) . وعن أبي ذر عند أحمد وسيأتي . وعن ابن عباس وأنس أشار إليهما الترمذي . قال ابن عبد البر أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة . وأخرج عبد الرزاق وغيره بإسناد قال الحافظ صحيح عن عمر بن ميمون الأودي قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورا :
قوله ( إذا أقبل الليل ) زاد البخاري في رواية ( من ههنا وأشار بإصبعيه قبل الشرق ) والمراد وجود الظلمة . قوله ( وأدبر النهار ) زاد البخاري في رواية ( من ههنا ) يعني من جهة المغرب : قوله ( وغابت الشمس ) في رواية للبخاري وغربت الشمس ذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور وهي وإن كانت متلازمة في الأصل لكنها قد تكون في الظاهر غير متلازمة فقد يظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة بل لوجود أمر يغطي ضوء الشمس وكذلك إدبار النهار فمن ثم قيد بغروب الشمس . قوله ( فقد أفطر الصائم ) أي دخل في وقت الفطر كما يقال أنجد إذا أقام بنجد وأتهم إذا أقام بتهامة ويحتمل أن يكون مهناع فقد صار مفطرا في الحكم لكون الليل ليس ظرفا للصيام الشرعي وقال ابن خزيمة هو لفظ خبر ومعناه الأمر أي فليفطر ويرجح الأول ما وقع في رواية عند البخاري فقد حل الإفطار . قوله ( ما عجلوا الفطر ) زاد أبو ذر في حديثه ( وأخروا السحور ) أخرجه أحمد وسيأتي . وما ظرفية أي مدة فعلهم ذلك امتثالا للسنة ووقوفا عند حدها
قال المهلب والحكمة في ذلك أن لا يزاد في النهار من الليل ولأنه أوفق بالصائم وأقوى له على العبادة انتهى
وأيضا في تأخيره تشبه باليهود فإنهم يفطرون عند ظهور النجوم وقد كان الشارع يأمر بمخالفتهم في أفعالهم وأقوالهم واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار عدلين أو عدل . وقد صرح الحديث القدسي بأن معجل الإفطار أحب عباد الله إليه فلا يرغب عن الاتصاف بهذه الصفة إلا من كان حظه من الدين قليلا كما تفعله الرافضة ولا يجب تعجيل الإفطار لما تقدم في الباب الأول من أذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمواصلة إلى السحر كما في حديث أبي سعيد

4 - وعن أنس قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم تكن رطبات فتمرات فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء )
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي

5 - وعن سلمان بن عامر الضبي قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور )
- رواه الخمسة إلا النسائي

6 - وعن معاذ بن زهرة : ( أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أفطر قال اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت )
- رواه أبو داود

- حديث أنس حسنه الترمذي وقال أبو بكر الرزاي لا يعلم رواه عن ثابت عن أنس إلا جعفر بن سليمان . وقال أيضا رواه النشيطي فأنكروا عليه وضعف حديثه وقال ابن عدي تفرد به جعفر عن ثابت
والحديث مشهور بعبد الرزاق تابعه عمار ابن هرون وسعيد بن سليمان النشيطي . قال الحافظ وأخرج أبو يعلى عن إبراهيم ابن الحجاج عن عبد الواحد بن ثابت عن ثابت عن أنس قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب أن يفطر على ثلاث تمرات أو شيء لم تصبه النار ) . وعبد الواحد قال البخاري منكر الحديث وروى الطبراني في الأوسط من طريق يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان صائما لم يصل حتى يأتيه برطب وماء فيأكل ويشرب وإذا لم يكن رطب لم يصل حتى يأتيه بتمر وماء ) . وقال تفرد به مسكين بن عبد الرحمن عن يحيى بن أيوب وعنه زكريا بن عمر
وأخرج أيضا الترمذي والحاكم وصححه عن أنس مرفوعا : ( من وجد التمر فليفطر عليه ومن لم يجد التمر فليفطر على الماء فإنه طهور ) . وحديث سليمان بن عامر أخرجه أيضا بن حبان والحاكم وصححاه وصححه أبو حاتم الرازي وروى ابن عدي عن عمران بن حصين بمعناه وإسناده ضعيف وحديث معاذ مرسل لأنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وقد رواه الطبراني في الكبير والدارقطني من حديث ابن عباس بسند ضعيف ورواه أبو داود والنسائي والدارقطني والحاكم وغيرهم من حديث ابن عمر وزاد ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وأثبت الأجر إن شاء الله ) . قال الدارقطني إسناده حسن
وعند الطبراني عن أنس قال : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أفطر قال بسم الله اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ) . وإسناده ضعيف لأن فيه داود بن الزبرقان وهو متروك
ولابن ماجه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا : ( إن للصائم دعوة لا ترد ) . وكان ابن عمر إذا أفطر يقول اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي ذنوبي
وحديثا أنس وسليمان يدلان على مشروعية الإفطار بالتمر فإن عدم فبالماء ولكن حديث أنس فيه دليل على أن الرطب من التمر أولى من اليابس فيقدم عليه إن وجد وإنما شرع الإفطار بالتمر لأنه حلو وكل حلو يقوي البصر الذي يضعف بالصوم وهذا أحسن ما قيل في المناسبة وبيان وجه الحكمة . وقيل لأن الحلو يوافق الإيمان ويرق القلب وإذا كانت العلة كونه حلوا والحلو له ذلك التأثير فيلحق به الحلويات كلها أما ما كان أشد منه في الحلاوة فبفحوى الخطاب وما كان مساويا له فبلحنه . وحديث معاذ بن زهرة فيه دليل على أنه يشرع للصائم أن يدعو عند إفطاره بما اشتمل عليه من الدعاء وكذلك سائر ما ذكرناه في الباب
قوله ( حسا حسوات ) أي شرب شربات والحسوة المرة الواحدة

7 - وعن أبي ذر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر )
- رواه أحمد

8 - وعن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال تسحروا فإن في السحور بركة )
- رواه الجماعة إلا أبا داود

9 - وعن عمرو بن العاص قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن فصلا ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر )
- رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه

- حديث أبي ذر في إسناده سليمان بن أبي عثمان قال أبو حاتم مجهول . وفي الباب عن أبي ليلى الأنصاري عند النسائي وأبي عوانة في صحيحه بنحو حديث أنس . وعن ابن مسعود عند النسائي والبزار بنحوه أيضا . وعن أبي هريرة عند النسائي بنحوه أيضا . وعن قرة بن أياس المزني عند البزار ونحوه أيضا . وعن ابن عباس عند ابن ماجه والحاكم بلفظ : ( استعينوا بطعام السحر على صيام النهار وبقيلولة النهار على قيام الليل ) . وله شاهد في علل ابن أبي حاتم عنه وتشهد له رواية لابن داسه في سنن أبي داود وأخرجه ابن حبان بلفظ ( نعم سحور المؤمن التمر ) وعن ابن عمر عند ابن حبان بلفظ ( إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ) وفي رواية له عنه ( تسحروا ولو بجرعة من ماء ) وعن زيد بن ثابت عند الشيخين أنه ( كان بين تسحره صلى الله عليه وآله وسلم ودخوله في الصلاة قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية ) وعن أنس عند البخاري بنحوه . وعن أبي سعيجد عند أحمد بلفظ ( السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ) ولسعيد بن منصور من طريق أخرى ( تسحروا ولو بلقمة ) . قوله ( ما أخروا السحور ) أي مدة تأخيرهم
( وفيه دليل ) على مشروعية تأخير السحور وقد تقدم قول ابن عبد البر أن أحاديث تأخير السحور صحاح متواترة
قوله ( فإن في السحور بركة ) بفتح السين وضمها قال في الفتح لأن المراد بالبركة الأجر والثواب فيناسب الضم لأنه مصدر أو البركة كونه يقوي على الصوم وينشط له ويخفف المشقة فيه فيناسب الفتح لأنه اسم لما يتسحر به
( وفيه دليل ) على مشروعية التسحر وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ندبية السحور انتهى
وليس بواجب لما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم عن أصحابه أنهم واصلوا ومن مقويات مشروعية السحور ما فيه من المخالفة لأهل الكتاب فإنهم لا يتسحرون كما صرح بذلك حديث عمرو بن العاص وأقل ما يحصل به التسحر ما يتناوله المؤمن من مأكول أو مشروب ولو جرعة من ماء كما تقدم في الأحاديث

أبواب ما يبيح الفطر وأحكام القضاء

باب الفطر والصوم في السفر

1 - عن عائشة : ( أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أصوم في السفر وكان كثير الصيام فقال إن شئت فصم وإن شئت فافطر )
- رواه الجماعة

2 - وعن أبي الدرداء قال : ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعبد الله بن رواحة )

3 - وعن جابر قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال ما هذا فقالوا صائم فقال ليس من البر الصوم في السفر )

4 - وعن أنس قال : ( كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم )

5 - وعن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج من المدينة ومعه عشرة آلاف وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمة المدينة فسار بمن معه من المسلمين إلى مكة يصوم ويصومون حتى إذا بلغ الكديد وهو ماء بين عسفان وقديد أفطر وأفطروا وإنما يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالآخر فالآخر )
- متفق على هذه الأحاديث إلا أن مسلما له معنى حديث ابن عباس من غير ذكر عشرة آلاف ولا تاريخ الخروج

6 - وعن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال : ( يا رسول الله أجد مني قوة على الصوم في السفر فهل علي جناح فقال هي رخصة من الله تعالى فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه )
- رواه مسلم والنسائي وهو قوي الدلالة على فضيلة الفطر

7 - وعن أبي سعيد وجابر قالا : ( سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيصوم الصائم ويفطر المفطر فلا يعيب بعضهم على بعض )
- رواه مسلم

8 - وعن أبي سعيد قال : ( سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة ونحن صيام قال فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر ثم نزلنا منزلا آخر فقال إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت عزمة فأفطرنا ثم لقد رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السفر )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

- قوله ( أأصوم ) قال ابن دقيق العيد ليس فيه تصريح بأنه صوم رمضان فلا يكون فيه حجة على من منع صوم رمضان في السفر . قال الحافظ هو كما قال بالنسبة إلى سياق حديث الباب لكن في رواية لمسلم أنه أجابه بقوله ( هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ) . وهذا يشعر بأنه سأل عن صيام الفريضة لأن الرخصة إنما تطلق في مقابل ما هو واجب . وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود والحاكم عنه أنه قال : ( يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه ربما صادفني الشهر يعني رمضان وأنا أجد القوة وأجد لي أن أصوم أهون علي من أن أؤخره فيكون دينا فقال أي ذلك شئت ) . وفي هذا الحديث دلالة على استواء الصوم والإفطار في السفر
قوله ( في شهر رمضان ) هذا لفظ مسلم . وفي البخاري ( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أسفاره وبرواية مسلم يتم المراد من الاستدلال ويتوجه بها الرد على ابن حزم حيث زعم أن حديث أبي الدرداء هذا لا حجة فيه لاحتمال أن يكون ذلك الصوم تطوعا وقد قيل أن هذا السفر هو غزوة الفتح وهو وهم لأن أبا الدرداء ذكر ابن عبد الله بن رواحة كان صائما في هذا السفر وهو استشهد بموته قبل غزوة الفتح بلا خلاف وإن كانتا جميعا في سنة واحدة . وأيضا الذين صاموا في غزوة الفتح جماعة من الصحابة ولم يستثن أبو الدرداء في هذه الرواية مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا عبد الله بن رواحة
( وفي هذا الحديث ) دليل على أنه لا يكره الصوم لمن قوي عليه
قوله ( في السفر ) في رواية للبخاري وابن خزيمة أنها غزوة الفتح : قوله ( ورجلا قد ظلل عليه ) زعم مغلطا أنه أبو إسرائيل وعزا ذلك إلى مبهمات الخطيب ولم يقل ذلك في هذه القصة وإنما قاله في قصة الذي نذر أن يصوم ويقوم في الشمس وكان ذلك يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب . قال الحافظ لم نقف على اسم هذا الرجل : قوله ( ليس من البر ) الخ قد أشار البخاري إلى أن السبب في قوله صلى الله عليه وآله وسلم هذه المقالة هو ما ذكر من المشقة التي حصلت للرجل الذي ظلل عليه . وفي ذلك دليل على أن الصيام في السفر لمن كان يشق عليه ليس بفضيلة
( وقد اختلف السلف ) في هذه المسألة أعني صوم رمضان في السفر فقالت طائفة لا يجزئ الصوم عن الفرض بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر وهو قول بعض الظاهرية وحكاه في البحر عن أبي هريرة وداود والإمامية
قال في الفتح وحكى عن عمرو ابن عمرو وأبي هريرة والزهري وإبراهيم النخعي وغيرهم انتهى . واحتجوا بقوله تعالى { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } قالوا لأن ظاهر قوله فعدة أي فالواجب عليه عدة وتأوله الجمهور بأن التقدير فأفطر فعدة . واحتجوا أيضا بما في حديث ابن عباس المذكور في الباب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفطر في السفر وكان ذلك آخر الأمرين وأن الصحابة كانوا يأخذون بالآخر فالآخر من فعله فزعموا أن صومه صلى الله عليه وآله وسلم في السفر منسوخ وأجاب الجمهور عن ذلك بأن هذه الزيادة مدرجة من قول الزهري كما جزم بذلك البخاري في الجهاد وكذلك وقعت عند مسلم مدرجة وبأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صام بعد هذه القصة كما في حديث أبي سعيد المذكور في آخر الباب بلفظ ( ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك في السفر ) واحتجوا أيضا بما أخرجه مسلم عن جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس ثم شرب فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام فقال أولئك العصاة ) . وفي رواية له ( أن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر ) . الحديث . وسيأتي . وأجاب عنه الجمهور بأنه إنما نسبهم إلى العصيان لأنه عزم عليهم فخالفوا . واحتجوا أيضا بما في حديث جابر المذكور في الباب من قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( ليس من البر الصوم في السفر ) وأجاب عنه الجمهور بأنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال ذلك في حق من شق عليه الصوم كما سبق بيانه ولا شك أن الإفطار مع المشقة الزائدة أفضل وفيه نظر لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولكن قيل أن السياق والقرائن تدل على التخصيص . قال ابن دقيق العيد وينبغي أن يتنبه للفرق بين دلالة السبب والسياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم وبين مجرد ورود العام على سبب فإن بين المقامين فرقا واضحا ومن أجراهما مجرى واحد لم يصب فإن مجرد ورود العام على سبب لا يقتضي التخصيص به كنزول آية السرقة في قصة رداء صفوان
وأما السياق والقرائن الدالة على مراد المتكلم فهي المرشدة إلى بيان المجملات كما في حديث الباب وأيضا نفي البر لا يستلزم عدم صحة الصوم وقد قال الشافعي يحتمل أن يكون المراد ليس من البر المفروض الذي من خالفه أثم
وقال الطحاوي المراد بالبر هنا البر الكامل الذي هو أعلى المراتب وليس المراد به إخراج الصوم في السفر عن أن يكون برا لأن الإفطار قد يكون أبر من الصوم إذا كان للتقوى على لقاء العدو وقال الشافعي نفي البر المذكور في الحديث محمول على من أبى قبول الرخصة
وقد روى الحديث النسائي بلفظ ( ليس من البر أن تصوموا في السفر وعليكم رخصة الله التي رخص لكم فاقبلوا ) قال ابن القطان إسنادها حسن متصل يعني الزيادة ورواها الشافعي ورجح ابن خزيمة الأول واحتجوا أيضا بما أخرجه ابن ماجه عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعا ( الصائم في السفر كالمفطر في الحضر ) ويجاب عنه بأن في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف ورواه الأثرم من طريق أبي سلمة عن أبيه مرفوعا قال الحافظ والمحفوظ عن أبي سلمة عن أبيه موقوفا كذا أخرجه النسائي وابن المنذر ورجح وقفه ابن أبي حاتم والبيهقي والدارقطني ومع وقفه فهو منقطع لأن أبا سلمة لم يسمع من أبيه وعلى تقدير صحته فهو محمول على الحالة التي يكون الفطر فيها أولى من الصوم كحالة المشقة جمعا بين الأدلة واحتجوا أيضا بما أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه عن أنس بن مالك الكعبي بلفظ ( إن الله قد وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ) ويجاب عنه بأنه مختلف فيه كما قال ابن أبي حاتم وعلى تسليم صحته فالوضع لا يستلزم عدم صحة الصوم في السفر وهو محل النزاع وذهب الجمهور منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن الصوم أفضل لمن قوي عليه ولم يشق به وبه قالت العترة وروى عن أنس وعثمان بن أبي العاص . وقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق أن الفطر أفضل عملا بالرخصة وروى عن ابن عباس وابن عمر وقال عمر بن عبد العزيز واختاره ابن المنذر أفضلهما أيسرهما فمن يسهل عليه حينئذ ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك فالصوم في حقه أفضل وقال آخرون هو مخير مطلقا والأولى أن يقال من كان يشق عليه الصوم ويضره كذلك من كان معرضا عن قبول الرخصة فالفطر أفضل
أما الطرف الأول فلما قدمنا من الأدلة في حجج القائلين بالمنع من الصوم وأما الطرف الثاني فلحديث ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه ) . وقد تقدم . ولحديث ( من رغب عن سنتي فليس مني ) . وكذلك يكون الصيام أفضل في حق من خاف على نفسه العجب أو الرياء إذا صام في السفر . وقد روى الطبراني عن ابن عمر أنه قال إذا سافرت فلا تصم فإنك إن تصم قال أصحابك اكفوا الصيام ادفعوا للصائم وقاموا بأمرك وقالوا فلان صائم فلا تزال كذلك حتى يذهب أجرك
وأخرج نحوه أيضا من طريق أبي ذر ومثل ذلك ما أخرجه البخاري في الجهاد عن أنس مرفوعا : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للمفطرين لما خدموا الصائمين ذهب المفطرون اليوم بالأجر ) . وما كان من الصيام خاليا عن هذه الأمور فهو أفضل من الإفطار
ومن أحب الوقوف على حقيقة المسألة فليراجع قبول البشرى في تيسير اليسرى للعلامة محمد بن إبراهيم
قوله ( الكديد ) بفتح الكاف وكسر الدال المهملة . قوله ( وقديد ) بضم القاف مصغرا وبين الكديد ومكة مرحلتان . قال عياض اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكل في قضية واحدة كلها متقاربة والجميع من عمل عسفان . قوله ( أجد مني قوة ) ظاهره أن الصوم لا يشق عليه ويفوت به حق . وفي رواية لمسلم ( إني رجل أسرد الصوم ) وقد جعل المصنف رحمه الله تعالى هذا الحديث قوي الدلالة على فضيلة الفطر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح ) . فأثبت بالرخصة الحسن وهو أرفع من رفع الجناح
وأجاب الجمهور بأن هذا فيمن يخاف ضررا أو يجد مشقة كما هو صريح في الأحاديث وقد أسلفنا تحقيق ذلك . قوله ( إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم ) فيه دليل على أن الفطر لمن وصل في سفره إلى موضع قريب من العدو أولى لأنه ربما وصل إليهم العدو إلى ذلك الموضع الذي هو مظنة ملاقاة العدو ولهذا كان الإفطار أولى ولم يتحتم وأما إذا كان لقاء العدو متحققا فالإفطار عزيمة لأن الصائم يضعف عن منازلة الأقران لا سيما عند غليان مراجل الضراب والطعان ولا يخفى ما في ذلك من الإهانة لجنود المحقين وإدخال الوهن على عامة المجاهدين من المسلمين
( فائدة ) المسافة التي يباح الإفطار فيها هي المسافة التي يباح القصر فيها والخلاف هنا كالخلاف هناك وقد قدمنا تحقيق ذلك في باب القصر فليرجع إليه

باب من شرع في الصوم ثم أفطر في يومه ذلك

1 - عن جابر : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن الناس يظنون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه فأفطر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن ناسا صاموا فقال أولئك العصاة )
- رواه مسلم والنسائي والترمذي وصححه

2 - وعن أبي سعيد قال : ( أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نهر من ماء السماء والناس صيام في يوم صائف مشاة ونبي الله صلى الله عليه وآله وسلم على بغلة له فقال اشربوا أيها الناس قال فأبوا قال إني لست مثلكم إني أيسركم إني راكب فأبوا فثنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخذه فنزل فشرب وشرب الناس وما كان يريد أن يشرب )

3 - وعن ابن عباس قال : ( خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى مر بغدير في الطريق وذلك في نحر الظهيرة قال فعطش الناس فجعلوا يمدون أعناقهم وتتوق أنفسهم إليه قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقدح فيه ماء فأمسكه على يده حتى رآه الناس ثم شرب فشرب الناس )
- رواهما أحمد

- حديث ابن عباس أخرج نحوه البخاري في المغازي من طريق خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال : ( خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان والناس صائم ومفطر فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحلته ثم نظر الناس ) . وسيأتي وزاد في رواية أخرى من طريق طاوس عن ابن عباس ( ثم دعا بما فشرب نهارا ) وأخرجه من طريق أبي الأسود عن عكرمة أوضح من سياق خالد ولفظه ( فلما بلغ الكديد بلغه أن الناس شق عليهم الصيام فدعا بقدح من لبن فأمسكه بيده حتى رآه الناس وهو على راحلته ثم شرب فأفطر فناوله رجلا إلى جنبه فشرب ) . والأحاديث في هذا المعنى يشهد بعضها لبعض :
قوله ( كراع الغميم ) هو بضم الكاف والغميم بفتح الغين المعجمة وهو اسم واد إمام عسفان وهو من أموال أعالي المدينة
( وفيه دليل ) على أنه يجوز للمسافر أن يفطر بعد أن نوى الصيام من الليل وهو قول الجمهور . قال في الفتح وهذا كله فيما نوى الصوم في السفر فأما لو نوى الصوم وهو مقيم ثم سافر في أثناء النهار فهل له أن يفطر في ذلك النهار منعه الجمهور وقال أحمد وإسحاق بالجواز واختاره المزني وهذا هو الحق ولحديث جابر المذكور في الباب لما تقدم من أن كراع الغميم من أموال أعالي المدينة لحديث ابن عباس الذي سيأتي في الباب الذي بعد هذا أنه صلى الله عليه وآله وسلم أفطر حين استوى على راحلته . وهذا الحديث أيضا يرد عن بعض السلف أن من استهل رمضان في الحضر صم سافر بعد ذلك فليس له أن يفطر . وقد روي عن علي عليه السلام نحو ذلك بإسناد ضعيف والجمهور على الجواز وهو الحق . واستدل المانع من الإفطار بقوله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } :
قوله ( فشرب ) الخ فيه دليل على أن فضيلة الفطر لا تختص بمن أجهده الصوم أو خشي العجب والرياء أو ظن به الرغبة عن الرخصة بل يلتحق بذلك من يقتدي به ليتابعه من وقع له شيء من هذه الأمور الثلاثة ويكون الفطر في تلك الحال في حقه أفضل لفضيلة البيان ويدل على هذا قوله في حديث أبي سعيد ( وما كان يريد أن يشرب ) : قوله ( أولئك العصاة ) استدل به من قال بأن الفطر في السفر متحتم ومن قال بأنه أفضل وقد تقدم الجواب عن ذلك : قوله ( في يوم صائف ) فيه أن الإفطار عند اشتداد الحر كما يكون في أيام الصيف أفضل لأنه مظنة المشقة وأنه يشرع لمن مع المسافرين من إمام أو عالم أن يفطر ليقتدي به الناس وإن لم يكن محتاجا إلى الإفطار لما تقدم . قوله ( إني أيسركم إني راكب ) يعني إني أيسركم مشقة ثم بين بقوله إني راكب : قوله ( في نحر الظهيرة ) أي في أول الظهيرة قال في القاموس نحر النهار والشهر أوله الجمع نحور انتهى . قوله ( تتوق أنفسهم ) أي تشتاق قال في القاموس تاق إليه توقا وتوقا وتياقة وتوقانا اشتاق انتهى . قوله ( فأمسكه على يده ) في رواية للبخاري ( فرفعه إلى يده ) قال الحافظ هذه الرواية مشكلة لأن الرفع إنما يكون باليد وأجاب الكرماني بأن المعنى يحتمل أن يكون رفعه إلى أقصى طول يده أي انتهى الرفع إلى أقصى غايتها وفي رواية لأبي داود فرفعه إلى فيه . قوله ( حتى رآه الناس ) في رواية للبخاري ( ليراه ) وفي رواية للمستملي ( ليريه ) بضم أوله وكسر الراء وفتح التحتانية والناس بالنصب على المفعولية

باب من سافر في أثناء يوم هل يفطر فيه ومتى يفطر

1 - وعن ابن عباس قال : ( خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان إلى حنين والناس مختلفون فصائم ومفطر فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحلته أو راحته ثم نظر الناس المفطرون للصوام أفطروا )
- رواه البخاري

- هذا أحد ألفاظ حديث ابن عباس وقد ورد بألفاظ مختلفة في البخاري وغيره وقد تقدم ذكر بعضها وذكره المصنف ههنا للاستدلال به على أنه يجوز للمسافر الإفطار عند ابتداء السفر لقوله فيه ( فلما استوى على راحلته ) الخ وقال الشافعي من أصبح في حضر مسافرا فليس له أن يفطر إلا أن يثبت حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أفطر يوم الكديد انتهى
( والحديث المذكور ) قد ثبت كما تقدم ولكنها لا تقوم به الحجة على إفطار من أصبح في حضر مسافرا لأن بين الكديد والمدينة ثمانية أيام بل هو حجة على أنه يجوز لمن صام أياما في سفره أن يفطر وقد ترجم عليه باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر والذي تقوم به الحجة على جواز إفطار من أصبح في حضر مسافرا هو حديث الباب وكذلك حديث جابر المتقدم في الباب الأول كما تقدم تحقيق ذلك
قال المصنف رحمه الله بعد أن ساق الحديث قال شيخنا عبد الرزاق بن عبد القادر صوابه خيبر أو مكة لأنه قصدهما في هذا الشهر فأما حنين فكانت بعد الفتح بأربعين ليلة انتهى
والفتح كان لعشر بقين من رمضان وقيل لتسع عشرة ليلة خلت منه . قال في الفتح وهو الذي اتفق عليه أهل السير وكان خروجه صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة في عاشر شهر رمضان فإذا كانت حنين بعده بأربعين ليلة لم يستقم أن يكون السفر إليها في رمضان

2 - وعن محمد بن كعب قال : ( أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت له سنة فقال سنة ثم ركب )
- رواه الترمذي

3 - وعن عبيد بن جبر قال : ( ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في رمضان فدفع ثم قرب غداءه ثم قال اقترب فقلت الست بين البيوت فقال أبو بصرة أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
- رواه أحمد وأبو داود

- الحديث الأول ذكره الحافظ وسكت عنه وفي إسناده عبد بن جعفر والد علي ابن المديني وهو ضعيف
والحديث الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجال إسناده ثقات . وأخرج البيهقي عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أنه كان يسافر وهو صائم فيفطر من يومه :
قوله ( من الفسطاط ) هو اسم علم لمصر العتيقة التي بناها عمرو بن العاص
( والحديثان ) يدلان على أنه يجوز للمسافر أن يفطر قبل خروجه من الموضع الذي أراد السفر منه . قال ابن العربي في العارصة هذا صحيح ولم يقل به إلا أحمد أما علماؤنا فمنعوا منه لكن اختلفوا إذا أكل هل عليه كفارة فقال مالك لا وقال أشهب هو متأول وقال غيرهما يكفر ونحب أن لا يكفر لصحة الحديث ولقول أحمد عذر يبيح الإفطار فطر بأنه على الصوم يبيح الفطر كالمرض وفرق بأن المرض لا يمكن دفعه بخلاف السفر : قال ابن العربي وأما حديث أنس فصحيح يقتضي جواز الفطر مع أهبة السفر ثم ذكر أن قوله من السنة لابد من أن يرجع إلى التوقيف والخلاف في ذلك معروف في الأصول
والحق أن قول الصحابي من السنة ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد صرح هذان الصحابيان بأن الإفطار للمسافر قبل مجاوزة البيوت من السنة

باب جواز الفطر للمسافر إذا دخل بلدا ولم يجمع إقامة

1 - عن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزا غزوة الفتح في رمضان وصام حتى إذا بلغ الكديد الماء الذي بين قديد وعسفان فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر )
- رواه البخاري . ووجه الحجة منه أن الفتح كان لعشر بقين من رمضان هكذا جاء في حديث متفق عليه

- الكديد وقديد قد تقدم ضبطهما وتفسيرهما . والحديث يدل على أن المسافر إذا أقام ببلد متردد أجاز له أن يفطر مدة تلك الإقامة كما يجوز له أن يقصر وقد عرفناك في باب قصر الصلاة أن من حط رحله في بلد وأقام به يتم صلاته لأن مشقة السفر قد زالت عنه ولا يقصر إلا إلى مقدار المدة التي قصر فيها صلى الله عليه وآله وسلم مع إقامته ولا شك أن قصره صلى الله عليه وآله وسلم في تلك المدة لا ينفي القصر فيما زاد عليها ولكن ملاحظة الأصل منعت من مجاوزتها لأن القصر للمقيم لم يشرعه الشارع فلا يثبت له إلا بدليل وقد دل الدليل على أنه يقصر في مثل المدة التي أقام فيها صلى الله عليه وآله وسلم وقد تقدم الخلاف في مقدارها فيقتصر على ذلك . وهكذا يقال في الإفطار الأصل في المقيم أن لا يفطر لزوال مشقة السفر عنه إلا لدليل يدل على جوازه له وقد دل الدليل على أن من كان مقيما ببلد وفي عزمه السفر يفطر مثل المدة التي أفطرها صلى الله عليه وآله وسلم بمكة وهي عشرة أيام أو أحد عشر على اختلاف الروايات فيقتصر على ذلك ولا يجوز الزيادة عليه إلا بدليل
( فإن قيل ) الاعتبار بإطلاق اسم المسافر على المقيم المتردد وقد أطلقه عليه صلى الله عليه وآله وسلم فقال إنا قوم سفر كما تقدم في القصر لا بالمشقة ولعدم انضباطها قلنا قد تقدم الجواب عن ذلك في القصر فليرجع إليه

باب ما جاء في المريض والشيخ والشيخة والحامل والمرضع

1 - عن أنس بن مالك الكعبي : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الله عز و جل وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحبلى والمرضع الصوم )
- رواه الخمسة . وفي لفظ بعضهم ( وعن الحامل والمرضع )

- الحديث حسنه الترمذي وقال ولا يعرف لابن مالك هذا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير هذا الحديث الواحد انتهى
وقال ابن أبي حاتم في علله سألت أبي عنه يعني الحديث فقال اختلف فيه والصحيح عن أنس بن مالك القشيري انتهى قال المنذري ومن يسمى بأنس بن مالك من رواة الحديث خمسة صحابيان هذا وأبو حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنس بن مالك والد الإمام مالك بن أنس روى عنه حديث في إسناده نظر . والرابع شيخ حمصي حدث . والخامس كوفي حدث عن حماد بن أبي سليمان والأعمش وغيرهما انتهى
وينبغي أن يكون أنس بن مالك القشيري الذي ذكره ابن أبي حاتم سادسا إن لم يكن هو الكعبي
( والحديث ) يدل على أن المسافر لا صوم عليه وقد تقدم البحث عن ذلك وأنه يصلي قصرا وقد تقدم تحقيقه وأنه يجوز للحبلى والمرضع الإفطار وقد ذهب إلى ذلك العترة والفقهاء إذا خافت المرضعة على الرضيع والحامل على الجنين وقالوا إنها تفطر حتما قال أبو طالب ولا خلاف في الجواز . وقال الترمذي العمل على هذا عند أهل العلم . وقال بعض أهل العلم الحامل والمرضع يفطران ويقضيان ويطعمان وبه يقول سفيان ومالك والشافعي وأحمد وقال بعضهم ويفطران ويطعمان ولا قضاء عليهما وإن شاءتا قضتا ولا طعام عليهما وبه يقول إسحاق انتهى
وقد قال بعدم وجوب الكفارة مع القضاء الأوزاعي والزهري والشافعي في أحد أقواله . وقال مالك والشافعي في أحد أقواله أنها تلزم المرضع لا الحامل إذ هي كالمريض=

8 مجلد 8. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار محمد بن علي بن محمد الشوكاني

2 - وعن سلمة بن الأكوع قال : ( لما نزلت هذه الآية { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين } كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى أنزلت الآية التي بعدها فنسختها )
- رواه الجماعة إلا أحمد

3 - وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل بنحو حديث سلمة وفيه : ( ثم أنزل الله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام )
- مختصر لأحمد وأبي داود

4 - وعن عطاء : ( سمع ابن عباس يقرأ وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال ابن عباس ليست بمنسوخة هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا )
- رواه البخاري

5 - وعن عكرمة : ( أن ابن عباس قال أثبتت للحبلى والمرضع )
- رواه أبو داود

- حديث معاذ قد اختلف في إسناده اختلافا كثيرا . قوله ( الآية التي بعدها ) هي الآية المذكورة في حديث معاذ الذي بعده : قوله ( فنسختها ) قد روى عن ابن عمر كما روى عن سلمة من النسخ ذكر ذلك البخاري عنه معلقا وموصولا وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج والبيهقي : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة ولا عهد لهم بالصيام فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل رمضان فاستكثروا ذلك وشق عليهم فكان من يطعم مسكينا كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه رخص لهم في ذلك ثم نسخه قوله تعالى { وأن تصوموا خير لكم } فأمروا بالصيام ) . وهذا الحديث أخرجه أيضا أبو داود من طريق شعبة والمسعودي عن الأعمش مطولا وقد اختلف في إسناده اختلافا كثيرا وإذا تقرر أن الإفطار والإطعام كان رخصة ثم نسخ لزم أن يصير الصيام حتما واجبا فكيف يصح الاستدلال على ذلك بقوله { وأن تصوموا خير لكم } والخيرية لا تدل على الوجوب لدلالة قوله خير لكم على المشاركة في أصل الخير
وأجاب عن ذلك الكرماني جوابا متكلفا حاصله أن المراد أن الصوم خير من التطوع بالفدية والتطوع بها كان سنة والخير من السنة لا يكون واجبا أي لا يكون شيء خيرا من السنة إلا الواجب كذا قال ولا يخفى بعده وتكلفه فالأولى ما روى عن سلمة بن الأكوع وابن عمر أن الناسخ قوله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وإلى النسخ في حق غير الكبير ممن يطيق الصيام ذهب الجمهور قالوا وحكم الإطعام باق في حق من لم يطق الصيام وقال جماعة من السلف منهم مالك وأبو ثور وداود أن جميع الإطعام منسوخ وليس على الكبير إذا لم يطق الطعام وقال قتادة كانت الرخصة لكبير يقدر على الصوم ثم نسخ فيه وبقي فيمن لا يطيق وقال ابن عباس أنها محكمة لكنها مخصوصة بالشيخ الكبير كما وقع في الباب عنه
وقال زيد بن أسلم والزهري ومالك هي محكمة نزلت في المريض يفطر ثم يبرأ فلا يقضي حتى يدخل رمضان آخر فيلزمه صومه ثم يقضي بعده ويطعم عن كل يوم مدا من حنطة فإن اتصل مرضه برمضان الثاني فليس عليه إطعام بل عليه القضاء فقط
وقال الحسن البصري وغيره الضمير في يطيقونه عائد على الإطعام لا على الصوم ثم نسخ بعد ذلك قوله ( سمع ابن عباس يقرأ { وعلى الذين يطيقونه } ) هكذا في هذا الكتاب وهو لا يناسب قوله آخر الكلام هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما إلا أن يكون مرادا ابن عباس أن ذلك من مجاز الحذف كما روى عن بعض العلماء والأصل وعلى الذين لا يطيقونه وقد روى عن ابن عباس أنه كان يقرأ وعلى الذين يطوقونه أي يكلفونه ولا يطيقونه وهو المناسب لآخر الكلام
وقد روي عن ابن عباس أنه قال رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه رواه الدارقطني والحاكم وصححاه وفيه مع ما في الباب عنه وعن معاذ دليل على أنه يجوز للشيخ الكبير العاجز عن الصوم أن يفطر ويكفر وقد اختلف في قدر إطعام المسكين فقيل نصف صاع عن كل يوم من أي قوت وبه قال أبو طالب وأبو العباس وغيرهما من الهادوية وقيل صاع من غير البر ونصف صاع منه وبه قال أبو حنيفة والمؤيد بالله . وقيل مد من بر أو نصف صاع من غيره وبه قال الشافعي وغيره وليس في المرفوع ما يدل على التقدير
قوله ( أثبتت للحبلى والمرضع ) لفظ أبي داود أن ابن عباس قال في قوله { وعلى الذين يطيقونه } قد كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا يعني على أولادهما أفطرتا وأطعمتا وأخرجه البزار كذلك وزاد في آخره وكان ابن عباس يقول لأم ولد له حبلى أنت بمنزلة الذي لا يطيقه فعليك الفداء ولا قضاء عليك وصحح الدارقطني إسناده

باب قضاء رمضان متتابعا ومتفرقا وتأخيره إلى شعبان

1 - عن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال قضاء رمضان إن شاء فرق وإن شاء تابع )
- رواه الدارقطني . قال البخاري قال ابن عباس لا بأس أن يفرق لقول الله تعالى { فعدة من أيام أخر }

2 - وعن عائشة قالت : ( نزلت فعدة من أيام أخر متتابعات فسقطت متتابعات )
- رواه الدارقطني وقال إسناد صحيح

- حديث ابن عمر في إسناده سفيان ابن بشر وقد تفرد بوصله قال الدارقطني ورواه عطاء بن عبيد بن عمير مرسلا قال الحافظ وفي إسناده ضعف أيضا
وقد صحح الحديث ابن الجوزي وقال ما علمنا أحدا طعن في سفيان بن بشر ورواه الدارقطني أيضا من حديث عبد الله بن عمر وفي إسناده الواقدي وابن لهيعة ورواه من حديث محمد بن المنكدر قال : ( بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن تقطيع قضاء شهر رمضان فقال ذاك إليك أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن قضاء واله أحق أن يعفو ) . وقال هذا إسناد حسن لكنه مرسل وقد روي موصولا ولا يثبت
( وفي الباب ) عن أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وأنس وأبي هريرة ورافع بن خديج أخرجها البيهقي وهذه الطرق وإن كانت كل واحدة منها لا تخلو عن مقال فبعضها يقوي بعضا فتصلح للاحتجاج بها على جواز التفريق وهو قول الجمهور وحكاه في البحر عن علي عليه السلام وأبي هريرة وأنس ومعاذ ونقل ابن المنذر عن عائشة وجوب التتابع قال في الفتح وهو قول بعض أهل الظاهر وروى عبد الرزاق بإسناده عن ابن عمر أنه قال يقضيه تباعا وحكاه في البحر عن النخعي والناصر وأحد قولي الشافعي وتمسكوا بالقراءة المذكورة أعني قوله ( متتابعات ) قال في الموطأ هي قراءة أبي بن كعب وأجيب عن ذلك بما تقدم عن عائشة أنها سقطت على أنه قد اختلف في الاحتجاج بقراءة الآحاد كما تقرر في الأصول وإذا سلم أنها لم تسقط فهي منزلة عند من قال بالاحتجاج بها منزلة أخبار الآحاد وقد عارضها ما في الباب من الأحاديث
وقال القاسم بن إبراهيم إن فرق أساء وأجزأ . وحكى في البحر عن داود أن القاضي يطابق وقت الفوات من أول الشهر وآخره ووسطه ومما احتج به للتتابع ما أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة : ( أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه ) . لكنه قال البيهقي لا يصح . وفي إسناده عبد الرحمن بن إبراهيم القاضي وهو مختلف فيه . قال الدارقطني ضعيف وقال أبو حاتم ليس بالقوي روى حديثا منكرا قال عبد الحق يعني هذا وتعقبه ابن القطان بأنه لم ينص عليه فلعله غيره قال ولم يأت من ضعفه بحجة والحديث حسن
قال الحافظ قد صرح ابن أبي حاتم عن أبيه بأنه أنكر هذا الحديث بعينه على عبد الرحمن . قوله ( قال ابن عباس ) وصله عبد الرزاق وأخرجه الدارقطني عنه من وجه آخر

3 - وعن عائشة قالت : ( كان يكون علي صوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
- رواه الجماعة ويروى بإسناد ضعيف عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رجل مرض في رمضان فأفطر ثم صح ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر فقال ( يصوم الذي أدركه ثم يصوم الشهر الذي أفطر فيه ويطعم كل يوم مسكينا ) . رواه الدارقطني عن أبي هريرة من قوله وقال إسناد صحيح موقوف

4 - وروى عن ابن عمر : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من مات وعليه صيام شهر رمضان فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين )
- وإسناده ضعيف قال الترمذي والصحيح أنه عن ابن عمر موقوف

5 - وعن ابن عباس قال : ( إذا مرض الرجل في رمضام ثم مات ولم يصم أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء وإن نذر قضى عنه وليه )
- رواه أبو داود

- حديث أبي هريرة أخرجه الدارقطني وفي إسناده عمر بن موسى بن وجيه وهو ضعيف جدا والراوي عنه إبراهيم بن نافع وهو أيضا ضعيف وروى عنه موقوفا وصححه الدارقطني كما ذكر المصنف وغيره وحديث ابن عمر أخرجه الترمذي عن قتيبة عن عبثر بن القاسم عن أشعث عن محمد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا وقال غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه والصحيح أنه موقوف على ابن عمر قال وأشعث هو ابن سوار ومحمد هو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى
قال الحافظ ورواه ابن ماجه من هذا الوجه ووقع عنده عن محمد بن سيرين بدل محمد بن عبد الرحمن وهو وهم منه أو من شيخه . وقال الدارقطني المحفوظ وقفه على ابن عمر وتابعه البيهقي على ذلك . وأثر ابن عباس صححه الحافظ وأخرجه الدارقطني وسعيد بن منصور والبيهقي وعبد الرزاق موصولا وعلقه البخاري . قال عبد الحق في أحكامه لا يصح في الإطعام شيء يعني مرفوعا وكذا قال في الفتح
قوله ( فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان ) استدل بهذا على أن عائشة كانت لا تتطوع بشيء من الصيام ولا في عشر ذي الحجة ولا عاشوراء ولا غير ذلك وهذا الاستدلال إنما يتم بعد تسليم أنها كانت ترى أنه لا يجوز صيام التطوع لمن عليه دين من رمضان ومن أين لقائله ذلك . قوله ( وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) وهذا لفظ مسلم . وفي لفظ للبخاري ( الشغل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ) وفي رواية للترمذي وابن خزيمة ( أنها قالت ما قضيت شيئا مما يكون علي من رمضان إلا في شعبان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
( وفي الحديث ) دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مطلقا سواء كان لعذر أو لغير عذر لأن الزيادة أعني قوله وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد جزم بأنها مدرجة جماعة من الحفاظ كما في الفتح ولكن الظاهر إطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك لا سيما مع توفر دواعي أزواجه إلى سؤاله عن الأحكام الشرعية فيكون ذلك أعني جواز التأخير مقيدا بالعذر المسوغ لذلك
قوله ( ويطعم كل يوم مسكينا ) استدل به وبما ورد في معناه من قال بأنها تلزم الفدية من لم يصم ما فات عليه في رمضان حتى حال عليه رمضان آخر وهم الجمهور وروى عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وقال الطحاوي عن يحيى بن أكثم قال وجدته عن ستة من الصحابة لا أعلم لهم مخالفا . وقال النخعي وأبو حنيفة وأصحابه أنها لا تجب الفدية لقوله تعالى { فعدة من أيام أخر } ولم يذكرها وأجيب بأنها قد ذكرت في الحديث كما تقدم ويدل على ثبوتها قوله تعالى { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال في البحر ونسخ التخيير لا ينسخ وجوبها على من أفطر مطلقا إلا ما خصه الإجماع وقال أبو العباس إن ترك الأداء لغير عذر وجبت وإلا فلا
وحكى في البحر عن الشافعي أنه إن ترك القضاء حتى حال لغير عذر لزمه وإلا فلا وأجيب عن هذين القولين بأن الحديث لم يفرق وقد بينا أنه لم يثبت في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيء وأقوال الصحابة لا حجة فيها وذهاب الجمهور إلى قول لا يدل على أنه الحق والبراءة الأصلية قاضية بعدم وجوب الاشتغال بالأحكام التكليفية حتى يقوم الدليل الناقل عنها ولا دليل ههنا فالظاهر عدم الوجوب
( وقد اختلف القائلون ) بوجوب الفدية هل يسقط القضاء بها أم لا فذهب الأكثر منهم إلى أنه لا يسقط . وقال ابن عباس وابن عمر وقتادة وسعيد بن المسيب أنه يسقط والخلاف في مقدار الفدية ههنا كالخلاف في مقدارها في حق الشيخ العاجز عن الصوم وقد تقدم بيانه :
قوله ( إذا مرض الرجل في رمضان ) الخ استدل به على وجوب الإطعام من تركة منمات في رمضان بعد أن فات عليه بعضه وفيه خلاف والظاهر عدم الوجوب لأن قول الصحابة لا حجة فيه ووقع التردد فيمن مات آخر شعبان وقد رجح في البحر عدم الوجوب لأن الأصل البراءة
قوله ( وإن نذر قضى عنه وليه ) سيأتي البحث عن هذا قريبا

باب صوم النذر عن الميت

1 - عن ابن عباس : ( أن امرأة قالت يا رسول الله ماتت أمي وعليها صوم نذر فأصوم عنها فقال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك )
- أخرجاه . وفي رواية : ( أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن الله نجاها أن تصوم شهرا فأنجاها الله فلم تصم حتى ماتت فجاءت قرابة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك فقال صومي عنها ) . أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود

2 - وعن عائشة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه )
- متفق عليه

3 - وعن بريدة قال : ( بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ أتته امرأة فقالت إني تصدقت على أمي بجارية وأنها ماتت فقال وجب أجرك وردها عليك الميراث قالت يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها قال صومي عنها قالت إنها لم تحج قط أفأحج عنها قال حجي عنها )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه . ولمسلم في رواية صوم شهرين

- قوله ( أن امرأة ) هي من جهينة كما في البخاري : قوله ( وعليها صوم نذر ) في رواية للبخاري ( وعليها صوم شهر ) وفي أخرى له ( أنه أتى رجل فسأل ) . وفي رواية له أيضا ( وعليها خمسة عشر يوما ) . وفي رواية أيضا ( وعليها صوم شهرين متتابعين ) قال في الفتح وقد ادعى بعضهم أن هذا اضطراب من الرواة والذي يظهر تعدد الواقعة وأما الاختلاف في كون السائل رجلا أو امرأة والمسؤل عنه أختا أو أما فلا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث : قوله ( أرأيت ) الخ فيه مشروعية القياس وضرب الأمثال ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه وفيه تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه وفيه أنه يستحب للمفتي التنبيه على وجه الدليل إذا ترتب على ذلك مصلحة وهو أطيب لنفس المستفتي وأدعى لاذعانه وسيأتي مثل هذا في الحج إن شاء الله تعالى :
قوله ( فجاءت قرابة لها ) هذه الرواية مطلقة فينبغي أن تحمل على الرواية المقيدة بذكر البنت . قوله ( من مات وعليه صيام ) هذه الصيغة عامة لكل مكلف : وقوله ( صام عنه وليه ) خبر بمعنى الأمر تقديره فليصم
( وفيه دليل ) على أنه يصوم الولي عن الميت إذا مات وعليه صوم أي صوم كان وبه قال أصحاب الحديث وجماعة من محدثي الشافعية وأبو ثور ونقل البيهقي عن الشافعي أنه علق القول به على صحة الحديث وقد صح وبه قال الصادق والناصر والمؤيد بالله والأوزاعي وأحمد بن حنبل والشافعي في أحد قوليه قال البيهقي في الخلافيات هذه السنة ثابتة لا أعلم خلافا بين أهل الحديث في صحتها والجمهور على أن صوم الولي عن الميت ليس بواجب وبالغ إمام الحرمين ومن تبعه فادعوا الإجماع على ذلك وتعقب بأن بعض أهل الظاهر يقول بوجوبه وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد إلى أنه لا يصام عن الميت مطلقا وبه قال زيد بن علي والهادي والقاسم
وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد أنه لا يصام عنه إلا النذر وتمسك المانعون مطلقا بما روى عن ابن عباس أنه قال لا يصل أحد عن أحد ولا يصم أحد عن أحد أخرجه النسائي بإسناد صحيح من قوله وروى مثله عبد الرزاق عن ابن عمر من قوله وبما أخرجه عبد الرزاق عن عائشة أنها قالت ( لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم ) قالوا فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه دل ذلك على أن العمل على خلاف ما روياه
قال في الفتح وهذه قاعدة لهم معروفة إلا أن الآثار عن عائشة وابن عباس فيها مقال وليس فيها ما يمنع من الصيام إلا الأثر الذي عن عائشة وهو ضعيف جدا انتهى وهذا بناء من صاحب الفتح على أن لفظ حديث ابن عباس باللفظ الذي ذكراه هنالك وهو أنه قال كان لا يصوم أحد عن أحد ولكنه ذكره في التلخيص باللفظ الذي ذكرناه سابقا والحق أن الاعتبار بما رواه الصحابي لا بما رآه والكلام في هذا مبسوط في الأصول والذي روى مرفوعا صريح في الرد على المانعين وقد اعتذروا بأن المراد بقوله ( صام عنه وليه ) أي فعل عنه ما يقوم مقام الصوم وهو الإطعام وهذا عذر بارد لا يتمسك به منصف في مقابلة الأحاديث الصحيحة ومن جملة أعذارهم أن عمل أهل المدينة على خلاف ذلك وهو عذر أبرد من الأول ومن أعذارهم أن الحديث مضطرب وهذا إن تم لهم في حديث ابن عباس لم يتم في حديث عائشة فإنه لا اضطراب فيه بلا ريب
( وتمسك القائلون ) بأنه يجوز في النذر دون غيره بأن حديث عائشة مطلق وحديث ابن عباس مقيد فيحمل عليه ويكون المراد بالصيام صيام النذر قال في الفتح وليس بينهما تعارض حتى يجمع بينهما فحديث ابن عباس صورة مستقلة يسأل عنها من وقعت له وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة وقد وقعت الإشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم حيث قال في آخره ( فدين الله أحق أن يقضى ) انتهى وإنما قال أن حديث ابن عباس صورة مستقلة يعني أنه من التصيص على بعض أفراد العام فلا يصلح لتخصيصه ولا لتقييده كما تقرر في الأصول
قوله ( صام عنه وليه ) لفظ البزار ( فليصم عنه وليه إن شاء ) قال في مجمع الزوائد وإسناده حسن
قال في الفتح اختلف المجيزون في المراد بقوله وليه فقيل كل قريب . وقيل الوارث خاصة . وقيل عصبته والأول أرجح والثاني قريب . ويرد الثالث قصة المرأة التي سألت عن نذر أمها قال واختلفوا هل يختص ذلك بالولي لأن الأصل عدم النيابة في العبادة البدنية ولأنها عبادة لا يدخلها النيابة في الحياة فكذلك في الموت إلا ما ورد فيه الدليل فيقتصر على ما ورد ويبقى الباقي على الأصل وهذا هو الراجح . وقيل لا يختص بالولي فلو أمر أجنبيا بأن يصوم عنه أجزأ وقيل يصح استقلال الأجنبي بذلك وذكر الولي لكونه الغالب . وظاهر صنيع البخاري اختيار هذا الأخير وبه جزم أبو الطيب الطبري وقواه بتشبيهه صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بالدين والدين لا يختص بالقريب انتهى
وظاهر الأحاديث أنه يصوم عنه وليه وإن لم يوص بذلك وإن من صدق عليه اسم الولي لغة أو شرعا أو عرفا صام عنه ولا يصوم عنه من ليس بولي ومجرد التمثيل بالدين لا يدل على أن حكم الصوم كحكمه في جميع الأمور . قوله ( وردها عليك الميراث ) فيه دليل على أنه يجوز لمن ملك قريبا له عينا من الأعيان ثم مات القريب بعد ذلك وورثه أن يتملك تلك العين وقد سبق الكلام على هذا في كتاب الزكاة . قوله ( قال حجي عنها ) فيه دليل على أنه يجوز للابن أن يحج عن أمه وأبيه وإن لم يوص وسيأتي الكلام على ذلك في الحج إن شاء الله تعالى

أبواب صوم التطوع

باب صوم ست من شوال

1 - عن أبي أيوب : ( عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فذاك صيام الدهر )
- رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي ورواه أحمد من حديث جابر

2 - وعن ثوبان : ( عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال من صام رمضان وستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها )
- رواه ابن ماجه

- حديث ثوبان أخرجه أيضا النسائي وأحمد والدارمي والبزار . وفي الباب عن جابر عند أحمد وعبد بن حميد والبزار وهو الذي أشار إليه المصنف وفي إسناده عمرو بن جابر وهو ضعيف كذا في مجمع الزوائد . وعن أبي هريرة عند البزار وأبي نعيم والطبراني . وعن ابن عباس عند الطبراني في الأوسط . وعن البراء ابن عازب عند الدارقطني
( وقد استدل ) بأحاديث الباب على استحباب صوم ستة أيام من شوال وإليه ذهب الشافعي وأحمد وداود وغيرهم وبه قالت العترة وقال أبو حنيفة ومالك يكره صومها واستدلا على ذلك بأنه ربما ظن وجوبها وهو باطل لا يليق بعاقل فضلا عن عالم نصب مثله في مقابلة السنة الصحيحة الصريحة وأيضا يلزم مثل ذلك في سائر أنواع الصوم المرغب فيها ولا قائل به
واستدل مالك على الكراهة بما قال في الموطأ من أنه ما رأى أحدا من أهل العلم يصومها ولا يخفى أن الناس إذا تركوا العمل بسنة لم يكن تركهم دليلا ترد به السنة . قال النووي في شرح مسلم قال أصحابنا والأفضل أن تصام الست متوالية عقب يوم الفطر قال فإن فرقها أو أخرها عن أوائل شوال إلى آخره حصلت فضيلة المتابعة لأنه يصدق أنه اتبعه ستا من شوال . قال قال العلماء وإنما كان ذلك كصيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان بعشرة أشهر والستة بشهرين وقد جاء هذا في حديث مرفوع في كتاب النسائي
قوله ( ستا من شوال ) على صيغة المؤنث ولو قال سنه بالهاء لكان صحيحا لأن المعدود المميز إذا كان غير مذكور لفظا جاز تذكير مميزه وتأنيثه يقال صمنا ستا وستة وخمسا وخمسة وإنما يلزم إثبات الهاء مع المذكر إذا كان مذكورا لفظا وحذفها مع المؤنث إذا كان كذلك وهذه قاعدة مسلوكة صرح بها أهل اللغة وأئمة الأعراب
قوله ( بعد الفطر ) أي بعد اليوم الذي يفطر فيه وهو يوم عيد الإفطار فيحمل المطلق على المقيد ويكون المراد بالست ثاني الفطر إلى آخر سابعه ولكنه يبقى النظر في البعدية المذكورة هل يلزم أن تكون متصلة بيوم الفطر بلا فصل أو يجوز إطلاقها على كل يوم من أيام شوال لكونها بعد يوم الفطر وهكذا يقال في قوله ( ثم أتبعه ستا ) لأن الإتباع يحتمل أن يكون بلا فاصل بين التابع والمتبوع إلا بما لا يصلح للصوم وهو يوم الفطر ويحتمل أن يجوز إطلاقه مع الفاصل وإن كثر مهما كان التابع في شوال

باب صوم عشر ذي الحجة وتأكيد يوم عرفة لغير الحاج

1 - عن حفصة قالت : ( أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر والركعتين قبل الغداة )
- رواه أحمد والنسائي

2 - وعن أبي قتادة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية )
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي

3 - وعن أبي هريرة قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم يوم عرفة يعرفات )
- رواه أحمد وابن ماجه

4 - وعن أم الفضل : ( أنهم شكوا في صوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة فأرسلت إليه بلبن فشرب وهو يخطب الناس بعرفة )
- متفق عليه

5 - وعن عقبة بن عامر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب )
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي

- حديث حفصة أخرجه أبو داود ولكنه لم يسمها بل قال عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولفظه ( قالت كان يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر وأول اثنين من الشهر والخميس ) وقد اختلف فيه على هنيدة بن خالد فرواه عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وروى عنه عن حفصة . وروى عنه عن أم سلمة وقد تقدم في كتاب العيدين أحاديث تدل على فضيلة العمل في عشر ذي الحجة على العموم والصوم مندرج تحتها
وأما ما أخرجه مسلم عن عائشة أنها قالت : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صائما في العشر قط ) . وفي رواية ( لم يصم العشر قط ) فقال العلماء المراد أنه لم يصمها لعارض مرض أو سفر أو غيرهما أو أن عدم رؤيتها له صائما لا يستلزم العدم على أنه قد ثبت من قوله ما يدل على مشروعية صومها كما في حديث الباب فلا يقدح في ذلك عدم الفعل . وحديث أبي قتادة روى من طريق جماعة من الصحابة منهم زيد بن أرقم وسهل بن سعد وقتادة بن النعمان وابن عمر عند الطبراني ومن حديث عائشة عند أحمد
( وفي الباب ) عن أنس وغيره وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا أبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي وصححه ابن خزيمة والحاكم وفي إسناده مهدي الهجري وهو مجهول . ورواه العقيلي في الضعفاء من طريقه وقال لا يتابع عليه قال وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسانيد جياد أنه لم يصم يوم عرفة بها ولا يصح عنه النهي عن صيامه
وحديث أم الفضل أخرج نحوه الشيخان من حديث ميمونة وأخرجه النسائي والترمذي وابن حبان من حديث ابن عمر بلفظ ( حججت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يصم ومع أبي بكر كذلك ومع عثمان فلم يصم وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه )
وأخرجه النسائي من حديث ابن عباس وحديث عقبة في معناه أحاديث يأتي ذكره بعضها في باب النهي عن صوم العيدين وأيام التشريق : قوله ( صيام عاشوراء ) سيأتي البحث عنه وكذلك يأتي الكلام على قوله وثلاثة أيام من كل شهر . قوله ( والعشر ) فيه دليل على استحباب صوم عشر ذي الحجة وعلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم يوم عرفة ورواية أبي داود التي قدمنا بلفظ تسع ذي الحجة : قوله ( صوم يوم عرفة يكفر سنتين ) الخ في بعض ألفاظ الحديث ( احتسب على الله أن يكفرلا السنة التي قبله والسنة التي بعده ) وقد استشكل تكفيره السنة الآتية لأن التكفير التغطية ولا تكون إلا لشيء قد وقع وأجيب بأن المراد يكفره بعد وقوعه أو المراد أنه يلطف به فلا يأتي بذنب فيها بسبب صيامه ذلك اليوم . وقد قيد ذلك جماعة من المعتزلة وغيرهم بالصغائر . قال النووي فإن لم تكن صغائر كفر من الكبائر وإن لم تكن كبائر كان زيادة في رفع الدرجات
( والحديث ) يدل على استحباب صوم يوم عرفة وكذلك الأحاديث الواردة في معناه التي قدمنا الإشارة إليها وإلى ذلك ذهب عمر وعائشة وابن الزبير وأسامة بن زيد وعثمان ابن أبي العاص والعترة وكان ذلك يعجب الحسن ويحكيه عن عثمان وقال قتادة أنه لا بأس به إذ لم يضعف عن الدعاء ونقله البيهقي في المعرفة عن الشافعي في القديم واختاره الخطابي والمتولي من الشافعية وحكى في الفتح عن الجمهور أنه يستحب إفطاره حتى قال عطاء من أفطره ليتقوى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم وقال يحيى بن سعيد الأنصاري أنه يجب فطر يوم عرفة للحاج
( واعلم ) أن ظاهر حديث أبي قتادة المذكور في الباب أنه يستحب صوم يوم عرفة مطلقا . وظاهر حديث عقبة بن عامر المذكور في الباب أيضا أنه يكره صومه مطلقا لجعله قريبا في الذكر ليوم النحر وأيام التشريق وتعليل ذلك بأنها عيد وأنها أيام أكل وشرب . وظاهر حديث أبي هريرة أنه لا يجوز صومه بعرفات فيجمع بين الأحاديث بأن صوم هذا اليوم مستحب لكل أحد مكروه لمن كان بعرفات حاجا
( والحكمة ) في ذلك أنه ربما كان مؤديا إلى الضعف عن الدعاء والذكر يوم عرفة هنالك والقيام بأعمال الحج . وقيل الحكمة أنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه ويؤيده حديث أبي قتادة . وقيل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أفطر فيه لموافقته يوم الجمعة وقد نهى عن إفراده بالصوم كما سيأتي ويرد هذا حديث أبي هريرة المصرح بالنهي عن صومه مطلقا
قوله ( فشرب وهو يخطب ) فيه دليل على جواز الأكل والشرب في المحافل من غير كراهة . وفي رواية للبخاري من حديث ميمونة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شربه والناس ينظرون إليه )
قوله ( عيدنا أهل الإسلام ) فيه دليل على أن يوم عرفة وبقية أيام التشريق التي بعد يوم النحر أيام عيد

باب صوم المحرم وتأكيد عاشوراء

1 - قد سبق أنه صلى الله عليه وآله وسلم : ( سئل أي الصيام بعد رمضان أفضل قال شهر الله المحرم )

2 - وعن ابن عباس : ( وسئل عن صوم عاشوراء فقال ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صام يوما يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم ولا شهرا إلا هذا الشهر يعني رمضان )

3 - وعن عائشة قالت : ( كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه فلما فرض رمضان قال من شاء صامه ومن شاء تركه )

4 - وعن سلمة بن الأكوع قال : ( أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من أسلم إن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء )

5 - وعن علقمة : ( أن الأشعث بن قيس دخل على عبد الله وهو يطعم يوم عاشوراء فقال يا أبا عبد الرحمن إن اليوم يوم عاشوراء فقال قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان فلما نزل رمضان ترك فإن كنت مفطرا فأطعم )

6 - وعن ابن عمر : ( أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفرض رمضان فلما فرض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن يوم عاشوراء من أيام الله فمن شاء صامه وكان ابن عمر لا يصومه إلا أن يوافق صيامه )

7 - وعن أبي موسى قال : ( كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود وتتخذه عيدا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صوموه أنتم )

8 - وعن ابن عباس قال : ( قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال ما هذا قالوا يوم صالح نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى فقال أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه )

9 - وعن معاوية بن أبي سفيان قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء صام ومن شاء فليفطر )
- متفق على هذه الأحاديث كلها وأكثرها يدل على أن صومه وجب ثم نسخ ويقال لم يجب بحال بدليل خبر معاوية وإنما نسخ تأكيد استحبابه

- قوله ( قد سبق أنه صلى الله عليه وآله وسلم سئل ) الخ هذا الحديث ذكره المصنف رحمه الله تعالى في باب ما جاء في قيام الليل من أبواب صلاة التطوع وهو للجماعة إلا البخاري عن أبي هريرة
( وفيه دليل ) على أن أفضل صيام التطوع صوم شهر المحرم ولا يعارضه حديث أنس عند الترمذي قال : ( سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان قال شعبان ) . لتعظيم رمضان لأن في إسناده صدقة بن موسى وليس بالقوي . ومما يدل على فضيلة الصيام في المحرم ما أخرجه الترمذي عن علي عليه السلام وحسنه : ( أنه سمع رجلا يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو قاعد فقال يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان فقال إن كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله فيه يوم تاب فيه على قوم ويتوب فيه على قوم )
وقد استشكل قوم إكثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صوم شعبان دون المحرم مع كون الصيام فيه أفضل من غيره وأجيب عن ذلك بجوابين الأول أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما على فضل المحرم في آخر حياته والثاني لعله كان يعرض له فيه سفر أو مرض أو غيرهما : قوله ( عن صوم عاشوراء ) قال في الفتح هو بالمد على المشهور وحكى فيه القصر وزعم ابن دريد أنه اسم إسلامي وأنه لا يعرف في الجاهلية ورد ذلك ابن دحية بأن ابن الأعرابي حكى أنه سمع في كلامهم خابوراء كذا في الفتح :
وبحديث عائشة المذكور في الباب ( أن الجاهلية كانوا يصومونه ) ولكن صومهم له لا يستلزم أن يكون مسمى عندهم بذلك الاسم
قال في الفتح أيضا واختلف أهل الشرع في تعيينه فقال الأكثر هو اليوم العاشر قال القرطبي عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم وهو في الأصل صفة الليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد واليوم مضاف إليها فإذا قيل يوم عاشوراء فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة إلا أنهم عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الإسمية فامتنعوا عن الموصوف فحذفوا الليلة فصار هذا اللفظ علما على اليوم العاشر وذكر أبو منصور الجواليقي أنه لم يسمع فاعولاء إلا هذا وضاروراء وساروراء وذالولاء من الضار والسار والذال . قال الزين ابن المنير الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية . وقيل هو اليوم التاسع فعلى الأول اليوم مضاف الليلة الماضية وعلى الثاني هو ضاف لليلة الآتية وقيل إنما سمي يوم التاسع عاشوراء أخذا من أوراد الإبل كانوا إذا رعوا الإبل ثمانية أيام ثم أوردوها في التاسع قالوا وردنا عشرا بكسر العين . وروى مسلم من حديث الحكم بن الأعرج انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه فقلت أخبرني عن يوم عاشوراء قال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما فقلت هكذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم قال نعم وهذا ظاهره أن يوم عاشوراء هو التاسع انتهى كلام الفتح
وقد تأول قول ابن عباس هذا الزين بن المنير بأن معناه أنه ينوي الصيام في الليلة المتعقبة للتاسع وقواه الحافظ بحديث ابن عباس الآتي : ( أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا كان المقبل إن شاء الله صمنا التاسع ) . فلم يأت العام المقبل حتى توفي قال فإنه ظاهر في أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم العاشر وهم بصوم التاسع فمات قبل ذلك . وأقول الأولى أن يقال أن ابن عباس أرشد السائل له إلى اليوم الذي يصام فيه وهو التاسع ولم يجب عليه بتعيين يوم عاشوراء أنه اليوم العاشر لأن ذلك مما لا يسئل عنه ولا يتعلق بالسؤال عنه فائدة فابن عباس لما فهم من السائل أن مقصوده تعيين اليوم الذي يصام فيه أجاب عليه بأنه التاسع . وقوله نعم بعد قول السائل أهكذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم بمعنى نعم هكذا كان يصوم لو بقي لأنه قد أخبرنا بذلك ولابد من هذا لأنه صلى الله عليه وآله وسلم مات قبل صوم التاسع وتأويل ابن المنير في غاية البعد لأن قوله وأصبح يوم التاسع صائما لا يحتمله وسيأتي لكلام ابن عباس تأويل آخر
قوله ( ما علمت ) الخ هذا يقتضي أن يوم عاشوراء أفضل الأيام للصيام بعد رمضان ولكن ابن عباس أسند ذلك إلى علمه فليس فيه ما يرد علم غيره وقد تقدم أن أفضل الصوم بعد رمضان على الإطلاق صوم المحرم وتقدم في الباب الذي قبل هذا أن صوم يوم عرفة يكفر سنتين وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء . قوله ( فلما قدم المدينة صامه ) فيه تعيين الوقت الذي وقع فيه الأمر بصيام عاشوراء وهو أول قدومه المدينة ولا شك أن قدومه كان في ربيع الأول فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية وفي السنة الثانية فرض شهر رمضام فعلى هذا لم يقع الأمر بصوم عاشوراء إلا في سنة واحدة . ثم فوض الأمر في صومه إلى المتطوع . قوله ( من شاء صامه ومن شاء تركه ) هذا يرد على من قال ببقاء فرضية صوم عاشوراء كما نقله القاضي عياض عن بعض السلف ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه ليس الآن بفرض والإجماع على أنه مستحب وكان ابن عمر يكره قصده بالصوم ثم انعقد الإجماع بعده على الاستحباب : قوله ( وعن سلمة بن الأكوع ) قد تقدم شرح هذا الحديث في باب الصبي يصوم إذا أطاق : قوله ( إن أهل الجاهلية كانوا يصومون ) الخ حديث عائشة أنها كانت تصومه قريش . قال في الفتح وأما صيام قريش لعاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة وغير ذلك
قال الحافظ ثم رأيت في المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل لهم صوموا عاشوراء يكفر ذلك انتهى :
قوله ( فرأى اليهود تصوم عاشوراء ) في رواية لمسلم ( فوجد اليهود صياما ) وقد استشكل ظاهر هذا الخبر لاقتضائه أنه صلى الله عليه وآله وسلم حين قدومه المدينة وجد اليهود صياما يوم عاشوراء وإنما قدم المدينة في ربيع الأول . وأجيب بأن المراد أن أول علمه بذلك وسؤاله عنه كان بعد أن قدم المدينة أو يكون في الكلام خذف وتقديره قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة فأقام إلى يوم عاشوراء فوجد اليهود فيه صياما ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة :
قوله ( فصامه وأمر بصيامه ) قد استشكل رجوعه صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليهود في ذلك . وأجاب المازري باحتمال أن يكون أوحى إليه بصدقهم أو تواتر عنده الخبر بذلك أو أخبره من أسلم منهم كابن سلام ثم قال ليس في الخبر أنه ابتدأ الأمر بصيامه بل في حديث عائشة التصريح بأنه كان يصومه قبل ذلك فغاية ما في القصة أنه لم يحدث له بقول اليهود تجديد حكم ولا مخالفة بينه وبين حديث عائشة أن أهل الجاهلية كانوا يصومون كما تقدم إذ لا مانع من توارد الفريقين على صيامه مع اختلاف السبب في ذلك . قال القرطبي وعلى كل حال فلم يصمه اقتداء بهم فإنه كان يصومه قبل ذلك وكان ذلك في الوقت الذي يجب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه . قوله ( ولم يكتب عليكم صيامه ) الخ هذا كله من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما بينه النسائي . واستدل به على أنه لم يكن فرضا قط كما قال المصنف قال الحافظ ولا دلالة فيه لاحتمال أن يريد ولم يكتب عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان وغايته أنه عام خص بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه ويؤيد ذلك أن معاوية إنما صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سنة الفتح والذين شهدوا أمره بصيام عاشوراء والنداء بذلك شهدوه في السنة الأولى أول العام الثاني ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبا لثبوت الأمر بصومه ثم تأكيد الأمر بذلك ثم زيادة التأكيد بالنداء العام ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال
ومقول ابن مسعود الثابت في مسلم لما فرض رمضان ترك عاشوراء مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باق فدل على أن المتروك وجوبه
وأما قول بعضهم المتروك تأكيد استحبابه والباقي مطلق الاستحباب فلا يخفى ضعفه بل تأكد استحبابه باق ولاسيما مع استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال : ( لئن بقيت لأصومن التاسع ) . كما سيأتي ولترغيبه فيه وإخباره بأنه يكفر سنة فأي تأكيد أبلغ من هذا

10 - وعن ابن عباس قال : ( لما صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال فإذا كان عام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
- رواه مسلم وأبو داود . وفي لفظ : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع يعني يوم عاشوراء ) . رواه أحمد ومسلم . وفي رواية : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود صوموا قبله يوما وبعده يوما ) . رواه أحمد

- رواية أحمد هذه ضعيفة منكرة من طريق داود بن علي عن أبيه عن جده رواها عنه ابن أبي ليلى : قوله ( تعظمه اليهود والنصارى ) استشكل هذا بأن التعليل بنجاة موسى وغرق فرعون مما يدل على اختصاص ذلك بموسى واليهود . وأجيب باحتمال أن يكون سبب تعظيم النصارى أن عيسى كان يصومه وهو مما لم ينسخ من شريعة موسى لأن كثيرا منها ما نسخ بشريعة عيسى لقوله تعالى { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } وأكثر الأحكام إنما يتلقاها النصارى من التوراة
وقد أخرج أحمد عن ابن عباس أن السفينة استوت على الجودي فيه فصامه نوح وموسى شكر لله تعالى وكان ذكر موسى دون غيره لمشاركته له في الفرح باعتبار نجاتهما وغرق أعدائهما
قوله ( صمنا اليوم التاسع ) يحتمل أن المراد أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطا له وإما مخالفة لليهود والنصارى ويحتمل أن المراد أنه يقتصر على صومه ولكنه ليس في اللفظ ما يدل على ذلك ويؤيد الاحتمال الأول قوله في آخر الحديث ( صوموا قبله يوما وبعده يوما ) فإنه صريح في مشروعية ضم اليومين إلى يوم عاشوراء . وقد أخرج الحديث المذكور بمثل اللفظ الذي رواه أحمد البيهقي وذكره في التلخيص وسكت عنه وقال بعض أهل العلم إن قوله ( صمنا التاسع ) يحتمل أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع وإنه أراد أن يضيفه إليه في الصوم فلما توفي قبل ذلك كان الاحتياط صوم اليومين انتهى
والظاهر أن الأحوط صوم ثلاثة أيام التاسع والعاشر والحادي عشر فيكون صوم عاشوراء على ثلاث مراتب الأولى صوم العاشر وحده . والثانية صوم التاسع معه . والثالثة صوم الحادي عشر معهما وقد ذكر معنى هذا الكلام صاحب الفتح
قوله ( يعني يوم عاشوراء ) قد تقدم تأويل كلام ابن عباس بأن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع وتأوله النووي بأنه مأخوذ من إظماء الإبل فإن العرب تسمي اليوم الخامس من أيامه رابعا كذا باقي الأيام وعلى هذه النسبة فيكون التاسع عاشرا قال وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف أن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم ممن قال بذلك سعيد بن المسيب والحسن البصري ومالك وأحمد وإسحاق وخلائق قال وهذا ظاهر الأحاديث ومقتضى اللفظ وأما تقدير أخذه من الإظماء فبعيد انتهى

باب ما جاء في صوم شعبان والأشهر الحرم

1 - عن أم سلمة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصل به رمضان )
- رواه الخمسة . ولفظ ابن ماجه ( كان يصوم شهري شعبان ورمضان )

2 - عن عائشة قالت : ( لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم أكثر من شعبان فإنه كان يصومه كله ) . وفي لفظ : ( ما كان يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان كان يصومه إلا قليلا بل كان يصومه كله ) . وفي لفظ : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان )
- متفق على ذلك كله

- حديث أم سلمة حسنه الترمذي . قوله ( شهرا تاما إلا شعبان ) وكذا قول عائشة فإنه كان يصومه كله . وقولها بل كان يصومه كله ظاهره يخالف قول عائشة كان يصومه إلا قليلا . وقد جمع بين هذه الروايات بأن المراد بالكل والتمام الأكثر وقد نقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كله ويقال قام فلان ليلته أجمع ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره . قال الترمذي كان ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك وحاصله أن رواية الكل والتمام مفسرة برواية الأكثر ومخصصة بها وأن المراد بالكل الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال واستبعده الطيبي قال لأن لفظ كل تأكيد لإرادة الشمول ورفع التجوز فتفسيره بالبعض مناف له قال فيحتمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان وقيل المراد بقولها كله أنه كان يصوم من أوله تارة ومن آخره أخرى ومن أثنائه طورا فلا يخلي شيئا منه من صيام ولا يخص بعضا منه بصيام دون بعض . وقال الزين بن المنير إما أن يحمل قول عائشة على المبالغة والمراد الأكثر وإما أن يجمع بأن قولها أنه كان يصومه كله متأخر عن قولها أنه كان يصوم أكثره وأنها أخبرت عن أول الأمر ثم أخبرت عن آخره ويؤيد الأول قولها ولا صام شهرا كاملا قط منذ قدم المدينة غير رمضان أخرجه مسلم والنسائي
( واختلف ) في الحكمة في إكثاره صلى الله عليه وآله وسلم من صوم شعبان فقيل كان يشتغل عن صيام الثلاثة الأيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها في شعبان أشار إلى ذلك ابن بطال ويؤيده ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة فيصوم شعبان ) . ولكن في إسناده ابن أبي ليلى وهو ضعيف
وقيل كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان ويؤيد ما أخرجه الترمذي عن أنس قال : ( سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان فقال شعبان لتعظيم رمضان ) . ولكن إسناده ضعيف لأن فيه صدقة ابن موسى وليس بالقوي
( وقيل الحكمة ) في ذلك أن نساءه كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان فكان يصوم معهن . وقيل الحكمة أنه يتعقبه رمضان وصومه مفترض فكان يكثر من الصوم في شعبان قدر ما يصوم في شهرين غيره لما يفوته من التطوع الذي يعتاده بسبب صوم رمضان والأولى أن الحكمة في ذلك غفلة الناس عنه لما أخرجه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة من حديث أسامة قال : ( قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ) . ونحوه من حديث عائشة عند أبي يعلى ولا تعارض بين ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم من صوم كل شعبان أو أكثره ووصله برمضان وبين أحاديث النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وكذا ما جاء من النهي عن صوم نصف شعبان الثاني فإن الجمع بينها ظاهر بأن يحمل النهي على من لم يدخل تلك الأيام في صيام يعتاده وقد تقدم تقييد أحاديث النهي عن التقدم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( إلا أن يكون شيئا يصومه أحدكم )
( فائدة ) ظاهر قوله في حديث أسامة ( إن شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان ) أنه يستحب صوم رجب لأن الظاهر أن المراد أنهم يغفلون عن تعظيم شعبان بالصوم كما يعظمون رمضان ورجبا به
ويحتمل أن المراد غفلتهم عن تعظيم شعبان بصومه كما يعظمون رجبا بنحر النحائر فيه فإنه كان يعظم بذلك عند الجاهلية وينحرون فيه العتيرة كما ثبت في الحديث والظاهر الأول لأن المراد بالناس الصحابة فإن الشارع قد كان إذ ذاك محا آثار الجاهلية ولكن غايته التقرير لهم على صومه وهو لا يفيد زيادة على الجواز . وقد ورد ما يدل على مشروعية صومه على العموم والخصوص أما العموم فالأحاديث الواردة في الترغيب في صوم الأشهر الحرم وهو منها بالإجماع . وكذلك الأحاديث الواردة في مشروعية مطلق الصوم
وأما على الخصوص فما أخرجه الطبراني عن سعيد ابن أبي راشد مرفوعا بلفظ ( من صام يوما من رجب فكأنما صام سنة ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه أبواب جهنم ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة ومن صام منه عشرة لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه ومن صام منه خمسة عشر يوما نادى مناد من السماء قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل ومن زاد زاده الله ) . ثم ساق حديثا طويلا في فضله
وأخرج الخطيب عن أبي ذر ( من صام يوما من رجب عدل صيام شهر ) وذكر نحو حديث سعيد بن أبي راشد
وأخرج نحوه أبو نعيم وابن عساكر من حديث ابن عمر مرفوعا . وأخرج نحوه البيهقي في شعب الإيمان عن أنس مرفوعا . وأخرج الخلال عن أبي سعيد مرفوعا ( رجب من شهور الحرم وأيامه مكتوبة على أبواب السماء السادسة فإذا صام الرجل منه يوما وجدد صومه بتقوى الله نطق الباب ونطق اليوم وقالا يا رب اغفر له وإذا لم يتم صومه بتقوى الله لم يستغفرا له وقيل خدعتك نفسك )
وأخرج أبو الفتح ابن أبي الفوارس في أماليه عن الحسن مرسلا أنه : ( قال صلى الله عليه وآله وسلم رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي ) . وحكى ابن السبكي عن محمد ابن منصور السمعاني أنه قال لم يرد في استحباب صوم رجب على الخصوص سنة ثابتة والأحاديث التي تروى فيه واهية لا يفرح بها عالم وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه أن عمر كان يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان ويقول كلوا فإنما هو شهر كان تعظمه الجاهلية
وأخرج أيضا من حديث زيد بن أسلم قال : ( سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم رجب فقال أين أنتم عن شعبان )
وأخرج عن ابن عمر ما يدل على أنه كان يكره صوم رجب ولا يخفاك أن الخصوصات إذا لم تنتهض للدلالة على استحباب صومه انتهضت العمومات ولم يرد ما يدل على الكراهة حتى يكون مخصصا لها . وأما حديث ابن عباس عند ابن ماجه بلفظ ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن صيام رجب ) ففيه ضعيفان زيد بن عبد الحميد وداود بن عطاء

3 - وعن رجل من باهلة قال : ( أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله أنا الرجل الذي أتيتك عام الأول فقال فمالي أرى جسمك ناحلا قال يا رسول الله ما أكلت طعاما بالنهار ما أكلته إلا بالليل قال من أمرك أن تعذب نفسك قلت يا رسول الله إني أقوى قال صم شهر الصبر ويوما بعده قلت إني أقوى قال صم شهر الصبر ويومين بعده قلت إني أقوى قال صم شهر الصبر وثلاثة أيام بعده وصم أشهر الحرم )
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وهذا لفظه

- الحديث أخرجه أيضا النسائي وقد اختلف في اسم الرجل الذي من باهلة فقال البغوي أبو القاسم في معجم الصحابة أن اسمه عبد الله بن الحرث وقال سكن البصرة وروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثا لم يسمعه وذكر في موضع آخر هذا الحديث وكذلك قال ابن قانع في معجم الصحابة أن اسمه عبد الله بن الحرث والراوي عنه مجيبة الباهلية بضم الميم وكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبعدها باء موحدة مفتوحة وتاء التأنيث ففي رواية أبي داود عن أبيها أو عمها يعني هذا الرجل وهكذا قال أبو القاسم البغوي أنها قالت حدثني أبي أو عمي
وفي رواية النسائي مجيبة الباهلية عن عمه وقد ضعف هذا الحديث بعضهم لهذا الاختلاف . قال المنذري وهو متوجه وفيه نظر لأن مثل هذا الاختلاف لا ينبغي أن يعد قادحا في الحديث
قوله ( صم شهر الصبر ) يعني شهر رمضان . قوله ( ويوما بعده ) إلى قوله وثلاثة أيام بعده فيه دليل على استحباب صوم يوم أو يومين أو ثلاثة بعد شهر رمضان وقد تقدم أنه يستحب صيام ستة أيام فلا منافاة لأن الزيادة مقبولة . قوله ( وصم أشهر الحرم ) هي شهر القعدة والحجة ومحرم ورجب
( وفيه دليل ) على مشروعية صومها أما شهر محرم ورجب فقد قدمنا ما ورد فيهما على الخصوص وكذلك العشر الأول من شهر ذي الحجة وأما شهر القعدة وبقية شهر الحجة فلهذا العموم ولكنه ينبغي أن لا يستكمل صوم شهر منها ولا يصوم جميعها ويدل على ذلك ما عند أبي داود من هذا الحديث بلفظ ( صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك )

باب الحث على صوم الاثنين والخميس

1 - عن عائشة قالت : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتحرلاى صيام الاثنين والخميس )
- رواه الخمسة إلا أبا داود لكنه له من رواية أسامة بن زيد

2 - وعن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال تعرض الأعمال كل اثنين وخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم )
- رواه أحمد والترمذي . ولابن ماجه معناه . ولأحمد والنسائي هذا المعنى من حديث أسامة بن زيد

3 - وعن أبي قتادة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

- حديث عائشة أخرجه أيضا ابن حبان وصححه وأعله ابن القطان بالراوي عنها وهو ربيعة الجرشي وأنه مجهول قال الحافظ وأخطأ في ذلك فهو صحابي قال الترمذي حديث عائشة هذا حسن صحيح وحديث أسامة أخرجه أيضا النسائي وفي إسناده رجل مجهول ولكنه صحح الحديث ابن خزيمة وحديث أبي هريرة قال الترمذي حديث غريب وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وحديث أبي قتادة أخرجه من ذكر المصنف . ( وفي الباب ) عن حفصة عند أبي داود . ( وأحاديث ) الباب تدل على استحباب صوم يوم الاثنين والخميس لأنهما يومان تعرض فيهما الأعمال
قوله ( فقال ذلك يوم ولادت فيه وأنزل علي فيه ) الولادة والإنزال إنما كانا في يوم الاثنين كما جاء في الأحاديث

باب كراهة إفراد يوم الجمعة ويوم السبت بالصوم

1 - عن محمد بن عباد بن جعفر قال : ( سألت جابر أنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم يوم الجمعة قال نعم )
- متفق عليه . وللبخاري في رواية ( أن يفرد بصوم )

2 - وعن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تصوموا يوم الجمعة إلا وقبله يوم أو بعده يوم )
- رواه الجماعة إلا النسائي . ولمسلم : ( ولا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ) . ولأحمد يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده

3 - وعن جويرية : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها في يوم الجمعة وهي صائمة فقال أصمت أمس قالت لا قال تصومين غدا قالت لا قال فأفطري )
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود وهو دليل على أن التطوع لا يلزم بالشروع

4 - وعن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تصوموا يوم الجمعة وحده )

5 - وعن جنادة الأزدي قال : ( دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم جمعة في سبعة من الأزد إناثا منهم وهو يتغدى فقال هلموا إلى الغداء فقلنا يا رسول الله إنا صيام فقال أصمتم أمس قلنا لا قال أفتصومون غدا قلنا لا قال فأفطروا فأكلنا معه فلما خرج وجلس على المنبر دعا بإناء من ماء فشرب وهو على المنبر والناس ينظرون يريهم أنه لا يصوم يوم الجمعة )
- رواهما أحمد

- حديث ابن عباس هو مثل حديث أبي هريرة المتقدم وفي إسناده الحسين بن عبد الله بن عبيد الله وثقه ابن معين وضعفه الأئمة . وحديث جنادة الأزدي هو مثل حديث جويرية وأخرجه أيضا الحاكم وأخرجه أيضا النسائي بإسناد رجاله رجال الصحيح إلا حذيفة البارقي وهو مقبول :
قوله ( قال نعم ) زاد مسلم وأحمد وغيرهما قال ( نعم ورب هذا البيت ) وفي رواية النسائي ( ورب الكعبة ) وهم صاحب العمدة فعزاها إلى مسلم
قوله ( أن يفرد بصوم ) فيه دليل على أن النهي المطلق في الرواية الأولى مقيد بالإفراد لا إذا لم يفرد الجمعة بالصوم كما يأتي في بقية الروايات : قوله ( إلا وقبله يوم أو بعده يوم ) أي لا تصوموا قبله يوما أو تصوموا بعده يوما وكذا وقع في رواية الإسماعيلي فقال ( إلا أن تصوموا قبله أو بعده ) وفي رواية لمسلم ( إلا أن تصوموا قبله يوما أو بعده يوما ) وهذه الروايات تقيد مطلق النهي أيضا . قوله ( ولا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ) فيه دليل على عدم جواز تخصيص ليلة الجمعة بقيام أو صلاة من بين الليالي
قال النووي في شرح مسلم وهذا متفق على كراهته قال واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب قاتل الله واضعها ومخترعها فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة . وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصر والله أعلم انتهى
واستدل بأحاديث الباب على منع إفراد يوم الجمعة بالصيام وقد حكاه ابن المنذر وابن حزم عن علي عليه السلام وأبي هريرة وسلمان وأبي ذر . قال ابن حزم ولا نعلم لهم مخالفا في الصحابة ونقله أبو الطيب الطبري عن أحمد وابن المنذر وبعض الشافعية
وقال ابن المنذر ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة كما ثبت عن صوم يوم العيد وهذا يشعر بأنه يرى تحريمه . وقال أبو جعفر الطبري يفرق بين العيد والجمعة بأن الإجماع منعقد على تحريم صوم يوم العيد ولو صام قبله أو بعده وذهب الجمهور إلى أن النهي فيه للتنزيه . وقال مالك وأبو حنيفة لا يكره واستدلا بحديث ابن مسعود الآتي : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قل ما كان يفطر يوم الجمعة ) . قال في الفتح وليس فيه حجة لأنه يحتمل أنه كان لا يتعمد فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومهات ولا يضاد ذلك كراهة إفراده بالصوم جمعا بين الخبرين قال ومنهم من عده من الخصائص وليس بجيد لأنها لا تثبت بالاحتمال انتهى
ويمكن أن يقال بل دعوى اختصاص صومه به صلى الله عليه وآله وسلم جيدة لما تقرر في الأصول من أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم لما نهي عنه نهيا يشمله يكون مخصصا له وحده من العموم ونهيا يختص بالأمة لا يكون فعله معارضا له إذا لم يقم دليل يدل على التأسي به في ذلك الفعل لخصوصه لا مجرد أدلة التأسي العامة فإنها مخصصة بالنهي للأمة لأنه أخص منها مطلقا
ومن غرائب المقام ما احتج له بعض المالكية على عدم كراهة صوم يوم الجمعة يقال يوم لا يكره صومه مع غيره فلا يكره وحده وهذا قياس فاسد الاعتبار لأنه منصوب في مقابلة النصوص الصحيحة وأغرب من ذلك قول مالك في الموطأ لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدي به ينهى عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن وقد رأيت بعضهم يصومه وأراه كان يتحراه قال النووي والسنة مقدمة على ما رآه هو وغيره وقد ثبت النهي عن صوم الجمعة فيتعين القول به ومالك معذور فإنه لم يبلغه . قال الداودي من أصحاب مالك لم يبلغ مالكا هذا الحديث ولو بلغه لم يخالفه
( وقد اختلف ) في سبب كراهة إفراد يوم الجمعة بالصيام على أقوال ذكرها صاحب الفتح منها لكونه عيدا ويدل على ذلك رواية أحمد المذكورة في الباب واستشكل التعليل بذلك بوقوع الإذن من الشارع بصومه مع غيره وأجاب ابن القيم وغيره بأن شبهه بالعيد لا يستلزم الاستواء من كل وجه ومن صام معه غيره انتفت عنه صورة التحري بالصوم ومنها لئلا يضعف عن العبادة ورجحه النووي
قال في الفتح وتعقب ببقاء المعنى المذكور مع صوم غيره معه وأجاب النووي بأنه يحصل بفضيلة اليوم الذي قبله أو بعده جبر ما يحصل به يوم صومه من فتور أو تقصير . قال الحافظ وفيه نظر فإن الجبر لا ينحصر في الصوم بل يحصل بجميع أفعال الجبر فيلزم منه جواز إفراده لمن عمل فيه خيرا كثيرا يقوم مقام صيام يوم قبله أو بعده كمن أعتق فيه رقبة مثلا ولا قائل بذلك وأيضا فكأن النهي يختص بمن يخشى عليه الضعف لا من يتحقق منه القوة ويمكن الجواب عن هذا بأن المظنة أقيمت مقام المئنة كما في جواز الفطر في السفر لمن لم يشق عليه
ومنها خوف المبالغة في تعظيمه فيفتتن به كما افتتن اليهود بالسبت قال في الفتح وهو منتقض بثبوت تعظيمه بغير الصيام وخوف اعتقاد وجوبه قال في الفتح أيضا وهو منتقض بصوم الاثنين والخميس . ومنها خشية أن يفرض عليهم كما خشي صلى الله عليه وآله وسلم من قيام الليل ذلك قاله المهلب . قال في الفتح وهو منتقض بإجازة صومه مع غيره وبأنه لو كان السبب ذلك لجاز صومه بعده صلى الله عليه وآله وسلم لارتفاع الخشية ومنها مخالفة النصارى لأنه يجب عليهم صومه ونحن مأمورون بمخالفتهم قال في الفتح وهو ضعيف
وأقوى الأقوال وأولاها بالصواب الأول لما تقدم من حديث أبي هريرة وقد أخرجه الحاكم أيضا ولما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي عليه السلام قال ( من كان منكم متطوعا من الشهر فليصم يوم الخميس ولا يصم يوم الجمعة فإنه يوم طعام وشراب وذكر )

6 - وعن عبد الله بن بسر عن أخته واسمها الصماء : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحاء شجرة فليمضغه )
- رواه الخمسة إلا النسائي

7 - وعن ابن مسعود : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قلما كان يفطر يوم الجمعة )
- رواه الخمسة إلا أبا داود ويحمل هذا على أنه كان يصومه مع غيره

- الحديث الأول أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم والطبراني والبيهقي وصححه ابن السكن . قال أبو داود في السنن قال مالك هذا الحديث كذب وقد أعل بالاضطراب كما قال النسائي لأنه روي كما ذكر المصنف . وروى عن عبد الله بن بسر وليس فيه عن أخته كما وقع لابن حبان قال الحافظ وهذه ليست بعلة قادحة فإنه أيضا صحابي وقيل عنه عن أبيه بسر . وقيل عنه عن أخته الصماء عن عائشة
قال الحافظ ويحتمل أن يكون عند عبد الله عن أبيه وعن أخته وعند أخته بواسطة قال ولكن هذا التلون في الحديث الواحد بالإسناد الواحد مع اتحاد المخرج يوهن الرواية وينبئ عن قلة ضبطه إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث فلا يكون ذلك دالا على قلة ضبطه وليس الأمر هنا كذا بل اختلف فيه أيضا على الراوي عبد الله بن بسر . وقد ادعى أبو داود أن هذا الحديث منسوخ قال في التلخيص ولا يتبين وجه النسخ فيه ثم قال يمكن أن يكون أخذه من كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب في أول الأمر ثم في آخر الأمر قال خالفوهم والنهي عن يوم السبت يوافق الحالة الأولى وصيامه إياه يوافق الحالة الثانية وهذه صورة النسخ والله أعلم انتهى
وقد أخرج النسائي والبيهقي وابن حبان والحاكم عن كريب : ( أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثوه إلى أم سلمة يسألها عن الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر لها صياما فقالت يوم السبت والأحد فرجعت إليهم فكأنهم أنكروا ذلك فقاموا بأجمعهم إليها فسألوها فقالت صدق وكان يقول إنهما يوما عيد للمشركين فإنا أريد أن أخالفهم ) . وصحح الحاكم إسناده وصححه أيضا ابن خزيمة
وروى الترمذي من حديث عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس ) . وسيأتي وقد جمع صاحب البدر المنير بين هذه الأحاديث فقال النهي متوجه إلى الإفراد والصوم باعتبار انضمام ما قبله أو بعده إليه ويؤيد هذا ما تقدم من إذنه صلى الله عليه وآله وسلم لمن صام الجمعة أن يصوم السبت بعدها والجمع مهما أمكن أولى من النسخ
والحديث الثاني حسنه الترمذي . وقال ابن عبد البر هو صحيح ولا مخالفة بينه وبين الأحاديث السابقة وأنه محمول على أنه كان يصله بيوم الخميس . وروى بسنده إلى أبي هريرة أنه قال ( من صام الجمعة كتب له عشرة أيام من أيام الآخرة لا يشاكلهن أيام الدنيا ) . وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مفطرا يوم الجمعة قط ) . وقد تقدم الكلام على صوم يوم الجمعة
قوله ( أو لحاء شجرة ) اللحاء بكسر اللام بعدها حاء مهملة قشر الشجر

باب صوم أيام البيض وصوم ثلاثة أيام من كل شهر وإن كانت سواها

1 - عن أبي ذر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة )
- رواه أحمد والنسائي والترمذي

2 - وعن أبي قتادة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

3 - وعن عائشة قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس )
- رواه الترمذي وقال حديث حسن

4 - وعن أبي ذر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها اليوم بعشرة )
- رواه ابن ماجه والترمذي

- حديث أبي ذر الأول أخرجه أيضا ابن حبان وصححه . ولفظه عند النسائي والترمذي قال : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ) . وأخرجه أيضا النسائي وابن حبان وصححه من حديث أبي هريرة ورواه النسائي من حديث جرير مرفوعا قال الحافظ وإسناده صحيح ورواه ابن أبي حاتم في العلل عن جرير موقوفا وصحح عن أبي زرعة وقفه وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق ابن ملحان القيسي عن أبيه . وأخرجه البزار من طريق ابن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر . وحديث عائشة روى موقوفا قال في الفتح وهو أشبه . وحديث أبي ذر الآخر حسنه الترمذي
( وفي الباب ) عن ابن مسعود عند أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر )
وعن حفصة عند أبي داود والنسائي : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام الاثنين والخميس والاثنين والجمعة الأخرى )
وعن عائشة غير حديث الباب عند مسلم قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام لا يبالي من أي الشهر صام )
وعن أبي هريرة غير حديثه الأول عند الشيخين بلفظ : ( أوصاني خليلي بصيام ثلاثة أيام )
وعن ابن عباس عند النسائي بلفظ : ( كان صلى الله عليه وآله وسلم لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر ) . وسيأتي . وعن قرة بن إياس المزني وأبي عقرب وعثمان بن أبي العاص أشار إلى ذلك الترمذي
قوله ( فصم ثلاث عشرة ) الخ فيه دليل استحباب صوم أيام البيض وهي الثلاثة المعينة في الحديث وقد وقع الاتفاق بين العلماء على أنه يستحب أن تكون الثلاث المذكورة في وسط الشهر كما حكاه النووي واختلفوا في تعيينها فذهب الجمهور إلى أنها ثالث عشر ورابع عشر وخامس عشر . وقيل هي الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر : وحديث أبي ذر المذكور في الباب وما ذكرنا من الأحاديث الواردة في معناه يرد ذلك : قوله ( ثلاث من كل شهر ) الخ اختلفوا في تعيين هذه الثلاثة الأيام المستحبة من كل شهر ففسرها عمر بن الخطاب وابن مسعود وأبو ذر وغيرهم من الصحابة وجماعة من التابعين وأصحاب الشافعي بأيام البيض . ويشكل على هذا قول عائشة المتقدم لا يبالي من أي الشهر صام وأجيب عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعله كان يعرض له ما يشغله من مراعاة ذلك أو كان يفعل ذلك لبيان الجواز وكل ذلك في حقه أفضل والذي أمر به قد أخبر به أمته ووصاهم به وعينه لهم فيحمل مطلق الثلاث على الثلاث المقيدة بالأيام المعينة واختار النخعي وآخرون أنها آخر الشهر واختار الحسن البصري وجماعة أنها من أوله واختارت عائشة وآخرون صيام السبت والأحد والاثنين من عدة شهر ثم الثلاثاء والأربعاء والخميس من الشهر الذي بعده للحديث المذكور في الباب عنها . وقال البيهقي ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام لا يبالي من أي الشهر صام ) كما في حديث عائشة قال فكل من رآه فعل نوعا ذكره وعائشة رأت جميع ذلك فأطلقت :
وقال الروياني صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب فإن اتفقت أيام البيض كان أحب . وفي حديث رفعه ابن عمر ( أول اثنين في الشهر وخميسان بعده ) وروى عن مالك أنه يكره تعيين الثلاث : قال في الفتح وفي كلام غير واحد من العلماء أن استحباب صيام أيام البيض غير استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر انتهى
وهذا هو الحق لأن حمل المطلق على المقيد ههنا متعذر وكذلك استحباب السبت والأحد والاثنين من شهر والثلاثاء والأربعاء والخميس من شهر غير استحباب ثلاثة أيام من كل شهر وقد حكى الحافظ في الفتح في تعيين الثلاثة الأيام المطلقة عشرة أقوال وقد ذكرنا أكثرها والحق أنها تبقى على إطلاقها فيكون الصائم مخيرا وفي أي وقت صامها فقد فعل المشروع لكن لا يفعلها في أيام البيض
( فالحاصل ) من أحاديث الباب استحباب صيام تسعة أيام من كل شهر ثلاثة مطلقة وأيام البيض والسبت والأحد والاثنين في شهر والثلاثاء والأربعاء والخميس في شهر
قوله ( فذلك صيام الدهر ) وذلك لأن الحسنة بعشرة أمثالها فيعدل صيام الثلاثة الأيام من كل شهر صيام الشهر كله فيكون كمن صام الدهر

باب صيام يوم وفطر يوم وكراهة صوم الدهر

1 - عن عبد الله بن عمرو : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال صم من كل شهر ثلاثة أيام قلت إني أقوى من ذلك فلم يزل يرفعني حتى قال صم يوما وأفطر يوما فإنه أفضل الصيام وهو صوم أخي داود عليه السلام )

2 - وعن عبد الله بن عمرو قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا صام من صام الأبد )
- متفق عليهما

3 - وعن أبي قتادة : ( قيل يا رسول الله كيف بمن صام الدهر قال لا صام ولا أفطر أو لم يصم ولم يفطر )
- رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه

3 - وعن أبي موسى : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وقبض كفه )
- رواه أحمد . ويحمل هذا على من صام الأيام المنهي عنها

- حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان وابن خزيمة والبيهقي وابن أبي شيبة . ولفظ ابن حبان ( ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين ) وأخرجه أيضا البزار والطبراني قال في مجمع الزوائد ورجاله رجال الصحيح
( وفي الباب ) عن عبد الله بن الشخير عند أحمد وابن حبان بلفظ ( من صام الأبد فلا صام ولا أفطر ) وعن عمران بن حصين أشار إليه الترمذي : قوله ( فإنه أفضل الصيام ) مقتضاه أن الزيادة على ذلك من الصوم مفضولة وسيأتي البحث عن ذلك : قوله ( لا صام من صام الأبد ) استدل بذلك على كراهية صوم الدهر . قال ابن التين استدل على الكراهة من وجوه نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الزيادة وأمره بأن يصوم ويفطر . وقوله ( لا أفضل من ذلك ) ودعاؤه على من صام الأبد . وقيل معنى قوله لا صام النفي أي ما صام كقوله تعالى { فلا صدق ولا صلى } ويدل على ذلك ما عند مسلم من حديث أبي قتادة بلفظ ( ما صام وما أفطر ) وما عند الترمذي بلفظ ( لم يصم ولم يفطر ) قال في الفتح أي لم يحصل أجر الصوم لمخالفته ولم يفطر لأنه أمسك . وإلى كراهة صوم الدهر مطلقا ذهب إسحاق وأهل الظاهر وهي رواية عن أحمد . وقال ابن حزم يحرم ويدل للتحريم حديث أبي موسى المذكور في الباب لما فيه من الوعيد الشديد
( وذهب الجمهور ) كما في الفتح إلى استحباب صومه وأجابوا عن حديث ابن عمرو وحديث أبي قتادة بأنه محمول على من كان يدخل على نفسه مشقة أو يفوت حقا قالوا ولذلك لم ينه صلى الله عليه وآله وسلم حمزة بن عمرو الأسلمي وقد قال له يا رسول الله إني أسرد الصوم ويجاب عن هذا بأن سرد الصوم لا يستلزم صوم الدهر بل المراد أنه كان كثير الصوم كما وقع ذلك في رواية الجماعة المتقدمة في باب الفطر والصوم في السفر . ويؤيد عدم الاستلزام ما أخرجه أحمد من حديث أسامة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يسرد الصوم )
مع ما ثبت أنه لم يصم شهرا كاملا إلا رمضان وأجابوا عن حديث أبي موسى بحمله على من صامه جميعا ولم يفطر في الأيام المنهي عنها كالعيدين وأيام التشريق وهذا هو اختيار ابن المنذر وطائفة . وأجيب عنه بأن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا صام ولا أفطر لمن سأله عن صوم الدهر أن معناه أنه لا أجر له ولا إثم عليه ومن صام الأيام المحرمة لا يقال فيه ذلك لأنه أثم بصومها بالإجماع
وحكى الأثرم عن مسدد أنه قال معنى حديث أبي موسى ضيقت عليه جهنم فلا يدخلها وحكى مثله ابن خزيمة عن المزني ورجحه الغزالي . والملجئ إلى هذا التأويل أن من ازداد الله عملا صالحا ازداد عنده رفعة وكرامة . قال في الفتح و تعقب بأن ليس كل عمل صالح إذا ازداد العبد منه ازداد من الله تقربا بل رب عمل صالح إذا ازداد منه ازداد بعدا كالصلاة في الأوقات المكروهة انتهى
وأيضا لو كان المراد ما ذكروه لقال ضيقت عليه واستدلوا على الاستحباب بما وقع في بعض طرق حديث عبد الله بن عمرو بلفظ ( فإن الحسنة بعشرة أمثالها وذلك مثل صيام الدهر ) وبما تقدم من حديث ( من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر ) وبما تقدم في صيامه أيام البيض أنه مثل صوم الدهر . قالوا والمشبه به أفضل من المشبه فكان صيام الدهر أفضل من هذه المشبهات فيكون مستحبا وهو المطلوب . قال الحافظ وتعقب بأن التشبيه في الأمر المقدر لا يقتضي جواز المشبه به فضلا عن استحبابه وإنما المراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلثمائة وستين يوما
ومن المعلوم أن المكلف لا يجوز له صيام جميع السنة فلا يدل التشبيه على أفضلية المشبه به من كل وجه واختلف المجوزون لصيام الدهر هل هو الأفضل أو صيام يوم وإفطار يوم فذهب جماعة منهم إلى أن صوم الدهر أفضل واستدلوا على ذلك بأنه أكثر عملا فيكون أكثر أجرا وتعقبه ابن دقيق العيد بأن زيادة الأجر بزيادة العمل ههنا معارضة باقتضاء العادة التقصير في حقوق أخرى فالأولى التفويض إلى حكم الشارع وقد حكم بأن صوم يوم وإفطار يوم أفضل الصيام هذا معنى كلامه ومما يرشد إلى أن صوم الدهر من جملة الصيام المفضل عليه صوم يوم وإفطار يوم أن ابن عمرو طلب أن يصوم زيادة على ذلك المقدار فأخبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه أفضل الصيام

باب تطوع المسافر والغازي بالصوم

1 - وعن ابن عباس قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر )
- رواه النسائي

2 - وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا )
- رواه الجماعة إلا أبا داود

- الحديث الأول في إسناده يعقوب بن عبد الله القمي وجعفر بن أبي المغيرة القمي وفيهما مقال . وفيه دليل على استحباب صيام أيام البيض في السفر ويلحق بها صوم سائر التطوعات المرغب فيها
والحديث الثاني يدل على استحباب صوم المجاهد لأن المراد بقوله في سبيل الله الجهاد . قال النووي وهو محمول على من لا يتضرر به ولا يفوت به حقا ولا يختل قتاله ولا غيره من مهمات غزوه . ومعناه المباعدة عن النار والمعافاة منها مسيرة سبعين سنة

باب في أن صوم التطوع لا يلزم بالشروع

1 - عن أبي جحيفة : ( قال آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال كل فإني صائم فقال ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال نم فنام ثم ذهب يقوم فقال نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان قم الآن فصليا فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر له ذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدق سلمان )
- رواه البخاري والترمذي وصححه

- قوله ( متبذلة ) بفتح المثناة الفوقية والموحدة بعدها وتشديد الذال المعجمة المكسورة أي لابسة ثياب البذلة بكسر الموحدة وسكون الذال وهي المهنة وزنا ومعنى والمراد أنها تاركة للبس ثياب الزينة . وفي رواية للكشمهيني ( متبذلة ) بتقديم الموحدة وتخفيف الذال المعجمة والمعنى واحد :
قوله ( ليست له حاجة في الدنيا ) زاد ابن خزيمة يصوم النهار ويقوم الليل : قوله ( فقال كل ) القائل أبو الدرداء على ظاهر هذه الرواية وهي لفظ الترمذي ولفظ البخاري ( فقال كل قال فإني صائم ) فيكون القائل سلمان : قوله ( فقال ما أنا بآكل حتى تأكل ) في رواية للبزار ( فقال أقسمت عليك لتفطرن ) وكذا رواه ابن خزيمة والدارقطني والطبراني وابن حبان : قوله ( فلما كان من آخر الليل ) في رواية ابن خزيمة ( فلما كان عند السحر ) وعند الترمذي ( فلما كان عند الصبح ) وللدارقطني ( فلما كان في وجه الصبح ) : قوله ( ولأهلك عليك حقا ) زاد الترمذي وابن خزيمة ( ولضيفك عليك حقا ) وزاد الدارقطني ( فصم وأفطر وصل ونم وائت أهلك ) قوله ( صدق سلمان ) فيه دليل على مشروعية النصح للمسلم وتنبيه من غفل وفضل قيام آخر الليل وثبوت حق المرأة على الزوج في حسن العشرة وجواز النهي عن المستحبات إذا خشي أن ذلك يفضي إلى السآمة والملل وتفويت الحقوق المطلوبة وكراهة الحمل على النفس في العبادة وجواز الفطر في صوم التطوع وسيأتي الكلام عليه

2 - وعن أم هانئ : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها فدعا بشراب فشرب ثم ناولها فشربت فقالت يا رسول الله أما إني كنت صائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر )
- رواه أحمد والترمذي . وفي رواية : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شرب شرابا فناولها لتشرب فقالت إني صائمة ولكني كرهت أن أرد سؤرك فقال يعني إن كان قضاء من رمضان فاقضي يوما مكانه وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي ) . رواه أحمد وأبو داود بمعناه

3 - وعن عائشة قالت : ( أهدي لحفصة طعام وكنا صائمتين فأفطرنا ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا يا رسول الله إنا أهديت لنا هدية واشتهيناها فأفطرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا عليكما صوما مكانه يوما آخر )
- رواه أبو داود وهذا أمر ندب بدليل قوله لا عليكما )

- حديث أم هانئ أخرجه أيضا الدارقطني والطبراني والبيهقي وفي إسناده سماك وقد اختلف عليه فيه وقال النسائي سماك ليس يعتمد عليه إذا انفرد وقال البيهقي في إسناده مقال وكذلك قال الترمذي وفي إسناده أيضا هرون ابن أم هانئ قال ابن القطان لا يعرف وفي إسناده أيضا يزيد بن أبي زياد الهاشمي قال ابن عدي يكتب حديثه وقال الذهبي صدوق ردئ الحفظ وقد غلط سماك في هذا الحديث فقال في بعض الروايات أن ذلك كان يوم الفتح وهي عند النسائي والطبراني ويوم الفتح كان في رمضان فكيف يتصور أن تكون صائمة قضاء أو تطوعا
وحديث عائشة أخرجه أيضا النسائي وفي إسناده زميل . قال النسائي ليس بالمشهور وقال البخاري لا يعرف لزميل سماع من عروة ولا ليزيد يعني يزيد بن الهاد سماع من زميل ولا تقوم به الحجة . وقال الخطابي إسناده ضعيف وزميل مجهول . وأخرج الحديث الترمذي بلفظ ( أقضيا يوما آخر مكانه ) وقال رواه ابن أبي حفصة وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة عن عائشة مثل هذا يعني مرفوعا ورواه مالك بن أنس ومعمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا ولم يذكروا فيه عروة وهذا أصح لأنه روي عن ابن جريج قال سألت الزهري قلت له أحدثك عروة عن عائشة قال لم أسمع من عروة في هذا شيئا ولكني سمعت في خلافة سليمان بن عبد الملك من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث فذكره ثم أسنده كذلك . وقال النسائي هذا خطأ . وقال ابن عيينة في روايته سئل الزهري عنه أهو عن عروة فقال لا . وقال الخلال اتفق الثقات على إرساله وتوارد الحفاظ على الحكم بضعفه وضعفه أحمد والبخاري والنسائي بجهالة زميل
( وفي الباب ) عن عائشة غير الحديث المذكور في الباب : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها ذات يوم فقال هل عندكم من شيء فقدمت له حيسا فقال لقد أصبحت صائما فأكل منه ) . وقد تقدم في باب وجوب النية وزاد النسائي فأكل وقال أصوم يوما مكانه . قال النسائي هي خطأ يعني الزيادة ونسب الدارقطني الوهم فيها إلى محمد بن عمر الباهلي ولكن رواها النسائي من غير طريقه . وكذا الشافعي
( وفي الباب ) أيضا عن أبي سعيد عند البيهقي بإسناد قال الحافظ حسن قال : ( صنعت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم طعاما فلما وضع قال رجل أنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاك أخوك وتكلف لك أفطر فصم مكانه إن شئت )
( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على أنه يجوز لمن صام تطوعا أن يفطر لا سيما إذا كان في دعوة إلى طعام أحد من المسلمين . ويدل على أنه يستحب للمتطوع القضاء لذلك اليوم . وقد ذهب إلى ذلك الجمهور من أهل العلم وحكى الترمذي عن قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم رأوا عليه القضاء إذا أفطر قال وهو قول مالك بن أنس
واستدلوا بحديث عائشة المذكور . وبحديث أبي سعيد في الباب وأجيب عن ذلك بما في حديث أم هانئ من التخيير فيجمع بينه وبين حديث عائشة وأبي سعيد بحمل القضاء على الندب ويدل على جواز الإفطار وعدم وجوب القضاء حديث أبي جحيفة المتقدم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرر ذلك ولم يبين لأبي الدرداء وجوب القضاء عليه وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز
قال ابن المنير ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر إلا الأدلة العامة كقوله تعالى { ولا تبطلوا أعمالكم } إلا أن الخاص يقدم على العام كحديث سلمان وقال ابن عبد البر من احتج في هذا بقوله تعالى { ولا تبطلوا أعمالكم } فهو جاهل بأقوال أهل العلم فإن الأكثر على أن المراد بذلك النهي عن الرياء كأنه قال لا تبطلوا أعمالكم بالرياء بل أخلصوها لله وقال آخرون لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر ولو كان المراد بذلك النهي عن إبطال ما لم يفرض الله عليه ولا أوجب على نفسه بنذر أو غيره لامتنع عليه الإفطار إلا بما يبيح الفطر من الصوم الواجب وهم لا يقولون بذلك انتهى
ولا يخفى أن الآية عامة والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول والصواب ما قال ابن المنير
قوله ( لا عليكما ) فيه دليل على أنه يجوز لمن كان صائما عن قضاء أن يفطر وإثم عليه لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يستفصل هل الصوم قضاء أو تطوع ويؤيد ذلك قوله في حديث أم هانئ إن كان قضاء رمضان فاقضي يوما مكانه . قوله ( يعني ) هذه اللفظة ليست في متن الحديث

باب ما جاء في استقبال رمضان باليوم واليومين وغير ذلك

1 - عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوما فليصمه )
- رواه الجماعة

2 - وعن معاوية قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر قبل شهر رمضان الصيام يوم كذا وكذا ونحن متقدمون فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر )
- رواه ابن ماجه . ويحمل هذا على التقدم بأكثر من يومين

3 - وعن عمران بن حصين : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا قال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا أفطرت رمضان فصم يومين مكانه )
- متفق عليه . وفي رواية لهم ( من سرر شعبان ) ويحمل هذا على أن الرجل كانت له عادة بصيام سرر الشهر أو قد نذره )

- حديث معاوية في إسناده القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن مولى ابن أمية مقال والهيثم بن حميد وفيه أيضا مقال :
قوله ( لا يتقدمن أحدكم ) الخ قال العلماء معنى الحديث ( لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان ) قال الترمذي لما أخرج هذا الحديث العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان بمعنى رمضان انتهى . وإنما اقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب فيمن يقصد ذلك . وقد قطع كثير من الشافعية بأن ابتداء المنع من أول السادس عشر من شعبان واستدلوا بحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره . وقال الروياني من الشافعية يحرم التقدم بيوم أو يومين لحديث الباب ويكره التقدم من نصف شعبان للحديث الآخر
وقال جمهور العلماء يجوز الصوم تطوعا بعد النصف من شعبان وضعفوا الحديث الوارد في النهي عنه . وقد قال أحمد وابن معين أنه منكر . وقد استدل البيهقي على ضعفه بحديث الباب وكذا صنع قبله الطحاوي واستظهر بحديث أنس مرفوعا ( أفضل الصيام بعد رمضان شعبان ) لكن إسناده ضعيف كما تقدم واستظهر أيضا بحديث عمران بن حصين المذكور في الباب لقوله فيه ( من سرر شعبان ) والسرر بفتح السين المهملة ويجوز كسرها وضمها ويقال أيضا سرار بفتح أوله وكسره ورجح الفراء الفتح وهو من الاستسرار قال أبو عبيدة والجمهور المراد بالسرر هنا آخر الشهر سميت بذلك لاستسراء القمر فيها وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين ونقل أبو داود عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز أن سرره أوله ونقل الخطابي عن الأوزاعي كالجمهور وقيل السرر وسط الشهر حكاه أبو داود أيضا ورجحه بعضهم . ووجهه بأن السرر جمع سرة وسرة الشيء وسطه . ويؤيده الندب إلى صيام البيض وهي وسط وإن لم يرد في صيام آخر الشهر ندب بل ورد فيه نهي خاص بآخر شعبان لمن صامه لأجل رمضان . ورجحه النووي بأن مسلما أفرد الرواية التي فيها سرة هذا الشهر عن بقية الروايات وأردف بها الروايات التي فيها الحث على صيام البيض وهي وسط الشهر كما تقدم
وقد قال الخطابي أن بعض أهل العلم قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن سؤاله ( 1 ) عن ذلك سؤال زجر وإنكار لأنه قد نهى أن يستقبل الشهر بيوم أو يومين وتعقب بأنه لو أنكر ذلك لم يأمره بقضائه وأجاب الخطابي باحتمال أن يكون الرجل أوجبها على نفسه فلذلك أمره بالوفاء وأن يقضي ذلك في شوال وقال آخرون فيه دليل على أن النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين إنما هو لمن يقصد به التحري لأجل رمضان وأما من لم يقصد ذلك فلا يتناوله النهي وهو خلاف ظاهر حديث النهي لأنه لم يستثن منه إلا من كانت له عادة
وقال القرطبي الجمع بين الحديثين ممكن بحمل النهي على من ليست له عادة بذلك وحمل الأمر على من له عادة وهذا هو الظاهر وقد استثنى من له عادة في حديث النهي بقوله ( إلا أن يكون رجل كان يصوم صوما فليصمه ) فلا يجوز صوم النفل المطلق الذي لم تجر بها عادة وكذلك يحمل حديث معاوية المذكور في الباب بعد ثبوته على من كان معتادا للصوم في ذلك الوقت . وأما قول المصنف أنه يحمل على التقدم بأكثر من يومين فغير ظاهر لأن حديث العلاء بن عبد الرحمن المتقدم يدل على المنع من صوم النصف الآخر من شعبان وقد جمع الطحاوي بين حديث النهي . وحديث العلاء بأن حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم . وحديث الباب مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان . قال في الفتح وهو جمع حسن
( وقد اختلف ) في الحكمة في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين فقيل هي التقوى بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوة ونشاط وفيه نظر لأن مقتضى الحديث أنه لو تقدمه بصوم ثلاثة أيام أو أربعة أيام جاز . وقيل الحكمة خشية اختلاط النفل بالفرض وفيه نظر لأنه يجوز لمن له عادة كما تقدم . وقيل لأن الحكم معلق بالرؤية فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم . قال في الفتح وهذا هو المعتمد ولا يرد عليه صوم من اعتاد ذلك لأنه قد أذن له فيه وليس من الاستقبال في شيء ويلحق به القضاء والنذر لوجوبهما قال بعض العلماء يستثنى القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما فلا يبطل القطعي بالطني
وفي حديث أبي هريرة بيان لمعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الماضي ( صوموا لرؤيته ) فإن اللام فيه للتأقيت لا للتعليل . قال ابن دقيق العيد ومع كونها محمولة على التأقيت فلابد من ارتكاب مجاز لأن وقت الرؤية وهي الليل لا يكون محل الصوم وتعقبه الفاكهي بأن المراد بقوله ( صوموا ) انووا الصيام والليل كله طرف للنية . قال الحافظ فوقع في المجاز الذي فر منه لأن الناوي ليس صائما حقيقة بدليل أنه يجوز له الأكل والشرب بعد النية إلى أن يطلع الفجر
_________
( 1 ) هكذا الأصل تدبر

باب النهي عن صوم العيدين وأيام التشريق

1 - عن أبي سعيد : ( عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن صوم يومين يوم الفطر ويوم النحر )
- متفق عليه . وفي لفظ لأحمد والبخاري ( لا صوم في يومين ) . ولمسلم ( لا يصح الصيام في يومين )

- وفي الباب عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وابن عمر بنحو حديث الباب وهب في صحيح البخاري ومسلم وتفرد به مسلم من حديث عائشة . قال النووي في شرح صحيح مسلم وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك ولو نذر صومهما متعمدا لعينهما
قال الشافعي والجمهور لا ينعقد نذره ولا يلزمه قضاؤهما . وقال أبو حنيفة ينعقد ويلزمه قضاؤهما قال فإن صامهما أجزأه وخالف الناس كلهم في ذلك انتهى . وبمثل قول أبي حنيفة قال المؤيد بالله والإمام يحيى . وقال زيد بن علي والهادوية يصح النذر بصيامهما ويصوم في غيرهما ولا يصح صومه فيهما وهذا إذا نذر صومهما بعينهما كما تقدم . وأما إذا نذر صوم يوم الاثنين مثلا فوافق يوم العيد فقال النووي لا يجوز له صوم العيد بالإجماع قال وهل يلزمه القضاء فيه خلاف للعلماء وفيه للشافعي قولان أصحهما لا يجب قضاؤه لأن لفظه لم يتناول القضاء وإنما يجب قضاء الفرائض بأمر جديد على المختار عند الأصوليين انتهى
( والحكمة ) في النهي عن صوم العيدين أن فيه إعراضا عن ضيافة الله تعالى لعباده كما صرح بذلك أهل الأصول

2 - وعن كعب بن مالك : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثه وأوس ابن الحدثان أيام التشريق فناديا أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأيام منى أيام أكل وشرب )
- رواه أحمد ومسلم

3 - وعن سعد بن أبي وقاص قال : ( أمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أنادي أيام منى أنها أيام أكل وشراب ولا صوم فيها يعني أيام التشريق )
- رواه أحمد

4 - وعن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن صوم خمسة أيام في السنة يوم الفطر ويوم النحر وثلاثة أيام التشريق )
- رواه الدارقطني

5 - وعن عائشة وابن عمر قالا : ( لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي )
- رواه البخاري . وله عنهما أنهما قالا : ( الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة فإن لم يجد هديا ولم يصم صام أيام منى )

- حديث سعد بن أبي وقاص أخرجه أيضا البزار قال في مجمع الزوائد ورجالهما يعني أحمد والبزار رجال الصحيح . وحديث أنس في إسناده محمد بن خالد الطحان وهو ضعيف
( وفي الباب ) عن عبد الله بن حذافة السهمي عند الدارقطني بلفظ ( لا تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال ) يعني أيام منى وفي إسناده الواقدي . وعن أبي هريرة عند الدارقطني وفي إسناده سعد بن سلام وهو قريب من الواقدي وفيه أن المنادي بديل بن ورقاء . وأخرجه أيضا ابن ماجه من وجه آخر وابن حبان . وعن ابن عباس عند الطبراني بنحو حديث عبد الله بن حذافة وفيه والبعال وقاع النساء وفي إسناده إسماعيل بن أبي حبيب وهو ضعيف . وعن عمر بن خلدة عن أبيه عند أبي يعلى وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه بنحوه وفي إسناده موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف . وعن ابن مسعود ابن الحكم عن أمه عند النسائي ( أنها رأت وهي بمنى في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راكبا يصيح يقول يا أيها الناس إنها أيام أكل وشرب ونساء وبعال وذكر الله قالت فقلت من هذا فقالوا علي بن أبي طالب ) . وأخرجه البيهقي من هذا الوجه لكن قال إن وجدته حدثته . وأخرجه ابن يونس في تاريخ مصر من طريق يزيد بن الهاد عن عمرو بن سليم الزرقي عن أمه قال يزيد فسألت عنها فقيل إنا جدته . وعن نبيشة الهذلي عند مسلم في صحيحه بلفظ ( أيام التشريق أيام أكل وشراب ) وأخرجه ابن حبان عن أبي هريرة بنحوه وأخرجه النسائي عن بشر بن سحيم بنحوه . وعن عقبة بن عامر عند أصحاب السنن وابن حبان والحاكم والبزار بلفظ ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أيام التشريق أيام أكل وشرب وصلاة فلا يصومها أحد )
وعن عمرو بن العاص عند أبي داود : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بإفطارها وينهى عن صيامها )
( وقد استدل ) بهذه الأحاديث على تحريم صوم أيام التشريق وفي ذلك خلاف بين الصحابة فمن بعدهم . قال في الفتح وقد روى ابن المنذر وغيره عن الزبير بن العوام وأبي طلحة من الصحابة الجواز مطلقا . وعن علي عليه السلام وعبد الله ابن عمرو بن العاص المنع مطلقا وهو المشهور عن الشافعي . وعن ابن عمر وعائشة وعبيد ابن عمير في آخرين منعه إلا للمتمتع الذي لا يجد الهدي وهو قول مالك والشافعي في القديم . وعن الأوزاعي وغيره أيضا يصومها المحصر والقارن انتهى
واستدل القائلون بالمنع مطلقا بأحاديث الباب التي لم تقيد بالجواز للمتمتع واستدل القائلون بالجواز للمتمتع بحديث عائشة وابن عمر المذكور في الباب وهذه الصيغة لها حكم الرفع وقد أخرجه الدارقطني والطحاوي بلفظ : ( رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمتمتع إذا يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق ) . وفي إسناده يحيى بن سلام وليس بالقوي ولكنه يؤيد ذلك عموم الآية قالوا وحمل المطلق على المقيد واجب وكذلك بناء العام على الخاص وهذا أقوى المذاهب . وأما القائل بالجواز مطلقا فأحاديث الباب جميعها ترد عليه . قال في الفتح وقد اختلف في كونها يعني أيام التشريق يومين أو ثلاثة وسميت أيام التشريق لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها أي تنشر في الشمس . وقيل لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس . وقيل لأن صلاة العيد تقع عند شروق الشمس وقيل التشريق التكبير دبر كل صلاة انتهى
وحديث أنس المذكور في الباب يدل على أنها ثلاثة أيام بعد يوم النحر

كتاب الاعتكاف

1 - عن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف العشر الآواخر من رمضان حتى توفاه الله عز و جل )

2 - وعن ابن عمر قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف العشر الآواخر من رمضان )
- متفق عليهما . ولمسلم قال نافع ( وقد أراني عبد الله المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )

3 - وعن أنس قال : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان فلم يعتكف عاما فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين )
- رواه أحمد والترمذي وصححه . ولأحمد وأبي داود وابن ماجه هذا المعنى من رواية أبي بن كعب

- هذه الأحاديث فيها دليل على مشروعية الاعتكاف وهو متفق عليه كما قال النووي وغيره . قال مالك فكرت في الاعتكاف وترك الصحابة له مع شدة اتباعهم للأثر فوقع في نفسي أنه كالوصال وأراهم تركوه لشدته ولم يبلغني عن أحد من السلف أنه اعتكف إلا عن أبي بكر بن عبد الرحمن انتهى
ومن كلام مالك هذا أخذ بعض أصحابه أن الاعتكاف جائز وأنكر ذلك عليهم ابن العربي . وقال أنه سنة مؤكدة وكذا قال ابن بطال في مواظبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على تأكده . وقال أبو داود عن أحمد لا أعلم عن أحد من العلماء خلافا أنه مسنون وتعقب الحافظ في الفتح قول مالك أنه لم يعتكف من السلف إلا أبو بكر بن عبد الرحمن وقال لعله أراد صفة مخصوصة وإلا فقد حكى عن غير واحد من الصحابة أنه اعتكف
( واعلم ) أنه لا خلاف في عدم وجوب الاعتكاف إلا إذا نذر به
قوله ( يعتكف ) الاعتكاف في اللغة هو الحبس واللزوم والمكث والاستقامة والاستدارة قال العجاج
فهن يعكفن به إذا حجا ... عكف النبيط يلعبون الفنزجا
والنبيط قوم من العجم والفنزج بالفاء والنون والزاي والجيم لعبة للعجم يأخذ كل واحد منهم بيد صاحبه ويستديرون راقصين
وقوله ( حجا ) أي أقام بالمكان وفي الشرع المكث في المسجد من شخص مخصوص بصفة مخصوصة . قوله ( العشر الأواخر من رمضان ) فيه دليل على استحباب مداومة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان لتخصيصه صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الوقت بالمداومة على اعتكافه . قوله ( اعتكف عشرين ) فيه دليل على أن من اعتاد اعتكاف أيام ثم لم يمكنه أن يعتكفها أنه يستحب له قضاؤها وسيأتي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتكف لما لم يعتكف العشر الأواخر من رمضان العشر الأواخر من شوال

4 - وعن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه وأنه أمر بخباء فضرب لما أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان فأمرت زينب بخبائها فضرب وأمرت غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخبائها فضرب فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الفجر نظر فإذا الأخبية فقال آلبر يردن فأمر بخبائه فقوض وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الأواخر من شوال )
- رواه الجماعة إلا الترمذي لكن له منه ( كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه )

- قوله ( صلى الفجر ثم دخل معتكفه ) استدل به على أن أول وقت الاعتكاف من أول النهار وبه قال الأوزاعي والليث . والثوري . وقال الأئمة الأربعة وطائفة يدخل قبيل غروب الشمس وأولوا الحديث على أنه دخل من أول الليل ولكن إنمات يخلو بنفسه في المكان الذي أعده للاعتكاف بعد صلاة الصبح . قوله ( بخباء ) بخاء معجمة ثم باء موحدة . قوله ( وأمرت غيرها ) الخ هذا يقتضي تعميم الأوزاج وليس كذلك وقد فسر قوله من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعائشة وحفصة وزينب فقط ويؤيد ذلك ما وقع في رواية للبخاري بلفظ ( أربع قباب ) وفي رواية للنسائي ( فلما صلى الصبح إذا هو بأربعة أبنية قال لمن هذه قالوا لعائشة وحفصة وزينب ) الحديث والرابع خباؤه صلى الله عليه وآله وسلم . قوله ( آلبر ) بهمزة استفهام ممدودة وبغير مد وبنصب الراء . قوله ( يردن ) بضم أوله وكسر الراء وسكون الدال ثم نون النسوة . وفي رواية للبخاري ( انزعوها فلا أراها ) قوله ( فقوض ) بضم القاف وتشديد الواو المكسورة بعدها ضاد معجمة أي نقض : قوله ( وترك الاعتكاف ) كان الحامل له صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك خشية أن يكون الحامل للزوجات المباهاة والتنافس الناشيء عن الغيرة حرصا على القرب منه خاصة فيخرج الاعتكاف عن موضوعه أو الحامل له على ذلك أن يكون باعتبار اجتماع النسوة عنده يصير كالجالس في بيته وربما يشغله ذلك عن التخلي لما قصد من العبادة فيفوت مقصوده بالاعتكاف . قوله ( في العشر الأواخر من شوال ) في رواية في البخاري ( حتى اعتكف في العشر الأول من شوال ) ويجمع بينه وبين الرواية الأولى بأن المراد بقوله في العشر الأواخر من شوال انتهاء اعتكافه . قال الإسماعيلي فيه دليل على جواز الاعتكاف بغير صوم لأن أول شوال يوم الفطر وصومه حرام وسيأتي الكلام عليه
وقال غيره في اعتكافه في شوال دليل على أن النوافل المعتادة إذا فاتت تقضى قال المصنف رحمه الله تعالى وفيه أن النذر لا يلزم بمجرد النية وأن السنن تقضى وأن للمعتكف أن يلزم من المسجد مكانا بعينه وإن من التزم اعتكاف أيام معينة لم يلزمه أول ليلة لها انتهى
( واستدل ) به أيضا على جواز الخروج من العبادة بعد الدخول فيها وأجيب عن ذلك بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يدخل المعتكف ولا شرع في الاعتكاف وإنما هم به ثم عرض له المانع المذكور فتركه فيكون دليلا على جواز ترك العبادة إذا لم يحصل إلا مجرد النية كما قال المصنف

5 - وعن نافع عن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا اعتكف طرح له فراشه أو يوضع له سريره وراء إسطوانة التوبة )
- رواه ابن ماجه

- الحديث رجال إسناده في سنن ابن ماجه ثقات . وقد ذكره الحافظ في الفتح عن نافع أن ابن عمر كان إذا اعتكف الخ ولم يذكر أنه مرفوع . وفي صحيح مسلم عن نافع أنه قال وقد أراني عبد الله بن عمر المكان الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف فيه من المسجد
( وفيه دليل ) على جواز طرح الفراش ووضع السرير للمعتكف في المسجد وعلى جواز الوقوف في مكان معين من المسجد في الاعتكاف فيكون مخصصا للنهي عن إيطان المكان في المسجد يعني ملازمته وقد تقدم الحديث في الصلاة

6 - وعن عائشة : ( أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي حائض وهو معتكف في المسجد وهي في حجرتها يناولها رأسه وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفا )

7 - وعنها أيضا قالت : ( إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة )

8 - وعن صفية بنت حيي قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد )
- متفق عليهن

- قوله ( ترجل ) الترجيل بالجيم المشط والدهن فيه دليل على أنه يجوز للمعتكف التنظيف والطيب والغسل والحلق والتزيين إلحاقا بالترجيل . والجمهور على أنه لا يكره فيه إلا ما يكره في المسجد وعن مالك يكره الصنائع والحرف حتى طلب العلم وفيه دليل على أن من أخرج بعض بدنه من المسجد لم يكن ذلك قادحا في صحة الاعتكاف
قوله ( إلا لحاجة الإنسان ) فسرها الزهري بالبول والغائط وقد وقع الإجماع على استثنائهما واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب ويلحق بالبول والغائط القيء والفصد والحجامة لمن احتاج إلى ذلك وسيأتي الكلام على الخروج للحاجات ولغيرها . قوله ( فما أسأل عنه ) سيأتي الكلام على الخروج لزيارة المريض . قوله ( ثم قمت لأنقلب ) أي ترجع إلى بيتها : قوله ( لقلبني ) بفتح أوله وسكون القاف أي يردها إلى منزلها
( وفيه دليل ) على جواز خروج المعتكف من مسجد اعتكافه لتشييع الزائر . قوله ( في دار أسامة بن زيد ) أي التي صارت له بعد ذلك لأن أسامة إذ ذاك ليس له دار مستقلة بحيث يسكن فيها صفية وكانت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حوالي أبواب المسجد

9 - وعن عائشة قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو ولا يعرج يسأل عنه )
- رواه أبو داود

10 - وعن عائشة قالت : ( السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع )
- رواه أبو داود

- الحديث الأول في إسناده ليث بن أبي سليم وفيه مقال . قال الحافظ والصحيح عن عائشة من فعلها أخرجه مسلم وغيره وقال صح ذلك عن علي عليه السلام
والحديث الثاني أخرجه أيضا النسائي وليس فيه قالت السنة . وأخرجه أيضا من حديث مالم وليس فيه ذلك . قال أبو داود غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه قالت السنة . وجزم الدارقطني بأن القدر الذي من حديث عائشة قولها لا يخرج وما عداه ممن دونها انتهى
وكذلك رجح البيهقي ذكره ابن كثير في الإرشاد . وعبد الرحمن بن إسحاق هذا هو القرشي المدني يقال له عباد . قد أخرج له مسلم في صحيحه ووثقه يحيى بن معين وأثنى عليه غيره وتكلم فيه بعضهم
( الحديثان ) استدل بهما على أنه لا يجوز للمعتكف أن يخرج من معتكفه لعيادة المريض ولا لما يماثلها من القرب كتشييع الجنازة وصلاة الجمعة . قال في الفتح وروينا عن علي عليه السلام والنخعي والحسن البصري أن شهد المعتكف جنازة أو عاد مريضا أو خرج للجمعة بطل اعتكافه وبه قال الكوفيون وابن المنذر في الجمعة . وقال الثوري والشافعي وإسحاق أن شرط شيئا من ذلك في ابتداء اعتكافه لم يبطل اعتكافه بفعله وهو رواية عن أحمد انتهى
وعند الهادوية أنه يجوز الخروج لتلك الأمور ونحوها ولكن في وسط النهار قياسا على الحاجة المذكورة في حديث عائشة المتقدم وهو فاسد الاعتبار لأنه في مقابلة النص
قوله ( ولا يمس امرأة ولا يباشرها ) المراد بالمباشرة هنا الجماع بقرينة ذكر المس قبلها . وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك ويؤيده ما روى الطبري وغيره من طريق قتادة في سبب نزول الآية يعني قوله تعالى { ولا تباشرهن وأنتم عاكفون في المساجد } أنهم كانوا إذا اعتكفوا فخرج رجل لحاجته فلقي امرأته جامعها إن شاء فنزلت : قوله ( ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه ) فيه دليل على المنع من الخروج لكل حاجة من غير فرق بين ما كان مباحا أو قربة أو غيرهما إلا الذي لابد منه كالخروج لقضاء الحاجة وما في حكمها : قوله ( ولا اعتكاف إلا بصوم ) فيه دليل على أنه لا يصح الاعتكاف إلا بصوم وأنه شرط حكاه في البحر عن العترة جميعا وابن عباس وابن عمر ومالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وحكى فغي البحر أيضا عن ابن مسعود والحسن البصري والشافعي وأحمد وإسحاق أنه ليس بشرط قالوا يصح اعتكاف ساعة واحدة ولحظة واحدة واستدلوا بما تقدم من أنه صلى الله عليه وآله وسلم اعتكف العشر الأول من شوال ومن جملتها يوم الفطر
وبحديث عمر الآتي وأجابوا عن حديث عائشة المذكور في الباب بما تقدم من الكلام عليه وهذا هو الحق لا كما قال ابن القيم أن الراجح الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف . وقد روى عن علي وابن مسعود أنه ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجبه على نفسه ويدل على ذلك حديث ابن عباس الآتي ويؤيد قول من قال بجواز الاعتكاف ساعة أو لحظة حديث ( من اعتكف فواق ناقة فكأنما أعتق نسمة ) رواه العقيلي في الضعفاء من حديث عائشة وأنس . قال في البدر المنير هذا حديث غريب لا أعرفه بعد البحث الشديد عنه . وقال الحافظ هو منكر ولكنه أخرجه الطبراني في الأوسط قال الحافظ لم أر في إسناده ضعفا إلا أن فيه وجادة وفي المتن نكارة شديدة وذهبت العترة وأبو حنيفة إلى أن أقل مدة الاعتكاف يوم . قوله ( ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع ) فيه دليل على أن المسجد شرط للاعتكاف . قال في الفتح واتفق العلماء على مشروطية المسجد للاعتكاف إلا محمد بن عمر بن لبابة المالكي فأجازه في كل مكان وأجاز الحنفية للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها وهو المكان المعد للصلاة . وفيه قول للشافعي قديم وفي وجه لأصحابه وللمالكية يجوز للرجال والنساء لأن التطوع في البيوت أفضل وذهب أبو حنيفة وأحمد إلى اختصاصه بالمساجد التي تقام فيها الصلوات وخصه أبو يوسف بالواجب منه وأما النفل ففي كل مسجد وقال الجمهور بعمومه في كل مسجد انتهى كلام الفتح . وسيأتي قول من قال أنه يختص بالمساجد الثلاثة

11 - وعن ابن عمر : ( أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال فأوف بنذرك )
- متفق عليه . وزاد البخاري ( فاعتكف ليلة )

12 - وعن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه )
- رواه الدارقطني وقال رفعه أبو بكر السوسي وغيره لا يرفعه

- الحديث الثاني رجح الدارقطني والبيهقي وقفه وأخرجه الحاكم مرفوعا وقال صحيح الإسناد قوله ( إن عمر سأل ) لم يذكر مكان السؤال
وفي رواية للبخاري أن ذلك كان بالجعرانة لما رجعوا من حنين ويستفاد منه الرد على من زعم أن اعتكاف عمر كان قبل المنع من الصيام في الليل لأن غزوة حنين متأخرة عن ذلك : قوله ( نذرت في الجاهلية ) زاد مسلم فلما أسلمت سألت وفي ذلك رد على من زعم أن المراد بالجاهلية ما قبل فتح مكة وأنه إنما نذر في الإسلام وأصرح من ذلك ما أخرجه الدارقطني بلفظ نذران يعتكف في الشرك : قوله ( أن اعتكف ليلة ) استدل به على جواز الاعتكاف يغير صوم لأن الليل ليس بوقت صوم وقد أمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يفي بنذره على الصفة التي أوجبها وتعقب بأن في رواية لمسلم ( يوما ) بدل ليلة وقد جمع ابن حبان وغيره بأنه نذر اعتكاف يوم وليلة فمن أطلق ليلة أراد بيوم ومن أطلق يوما أراد بليلته
وقد ورد الأمر بالصوم في رواية أبي داود والنسائي بلفظ ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاله اعتكف وصم ) أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن بديل ولكنه ضعيف وقد ذكر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عن عمرو بن دينار . قال في الفتح ورواية من روى يوما شاذة وقد وقع في رواية سليمان بن بلال عند البخاري فاعتكف ليلة فدل على أنه لم يزد على نذره شيئا وأن الاعتكاف لا صوم فيه وأنه لا يشترط له حد معين
قوله ( ليس على المعكتف صيام ) استدل به القائلون بأنه لا يشترط الصوم في الاعتكاف وقد تقدم ذكرهم
وقد استدل بعض القائلين بأن الصوم شرط في الاعتكاف بقوله تعالى { ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) قال فذكر الاعتكاف عقب الصوم وتعقب بأنه ليس فيها ما يدل على تلازمهما والإلزام أن لا صوم إلا بالاعتكاف ولا قائل به وفي حديث عمر المذكور في الباب رد على من قال أن أقل الاعتكاف عشرة أيام وفيه أيضا دليل على أن النذر من الكافر لا يسقط عنه بالإسلام وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على ذلك

13 - وعن حذيفة أنه قال لابن مسعود : ( لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة أو قال في مسجد جماعة )
- رواه سعيد في سننه

14 - وعن عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت الطشت تحتها من الدم )
- رواه البخاري . وفي رواية ( اعتكف معه امرأة من أزواجه وكانت ترى الدم والصفرة والطشت تحتها وهي تصلي ) . رواه أحمد والبخاري وأبو داود

- الحديث الأول أخرجه ابن أبي شيبة ولكن لم يذكر المرفوع منه واقتصر على المراجعة التي فيه بين حذيفة وابن مسعود ولفظه ( أن حذيفة جاء إلى عبد الله فقال ألا أعجبك من قوم عكوف بين دارك ودار الأشعري يعني المسجد قال عبد الله فلعلهم أصابوا وأخطأت ) . فهذا يدل على أنه لم يستدل على ذلك بحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أن عبد الله يخالفه ويجوز الاعتكاف في كل مسجد ولو كان ثم حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما خالفه وأيضا الشك الواقع في الحديث مما يضعف الاحتجاج أحد شقيه وقد استشهد بعضهم لحديث حذيفة بحديث أبي سعيد وأبي هريرة وغيرهما مرفوعا بلفظ ( تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ) . وهو متفق عليه ولكن فيه ما يشهد لحديث حذيفة لأن أفضلية المساجد الثلاثة واختصاصها بشد الرحال إليها لا تستلزم اختصاصها بالاعتكاف
وقد حكى في الفتح عن حذيفة أن الاعتكاف يختص بالمساجد الثلاثة ولم يذكر هذا الحديث وحكى عن عطاء أنه يختص بمسجد مكة وعن ابن المسيب بمسجد المدينة :
وقوله ( أو قال في مسجد جماعة ) قيل فيه دليل لمذهب أبي حنيفة وأحمد المتقدم . قوله ( بعض نسائه ) قال ابن الجوزي ما عرفنا من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كانت مستحاضة قال والظاهر أن عائشة أشارت بقولها من نسائه أي من النساء المتعلقات به وهي أم حبيبة بنت جحش أخت زينب ولكنه يرد عليه ما وقع في البخاري في كتاب الاعتكاف بلفظ امرأة مستحاضة من أزواجه ووقع في رواية سعيد بن منصور عن عكرمة أن أم سلمة كانت عاكفة وهي مستحاضة وهذه الرواية تفيد تعيينها
وقد حكى ابن عبد البر أن بنات جحش الثلاث كن مستحاضات زينب وحمنة وأم حبيبة ويدل على ذلك ما وقع عند أبي داود عن عائشة أنها قالت استحيضت زينب بنت جحش . وقد عد مغلطاي في المستحاضات سودة بنت زمعة وقد روى ذلك أبو داود تعليقا وذكر البيهقي أن ابن خزيمة أخرجه موصولا فهذه ثلاث مستحاضات من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قوله ( من الدم ) أي لأجل الدم
( والحديث ) يدل على جواز مكث المستحاضة في المسجد وصحة اعتكافها وصلاتها وجواز حدثها في المسجد عند أمن التلويث ويلحق بها دائم الحدث ومن به جرح يسيل وقد تقدم البحث عن ذلك

باب الاجتهاد في العشر الأواخر وفضل قيام ليلة القدر وما يدعي به فيها وأي ليلة هي

1 - عن عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر )
- متفق عليه . ولأحمد ومسلم : ( كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها )

- قوله ( أحيا الليل ) فيه استعارة الإحياء للاستيقاظ أي سهره فأحياه بالطاعة وأحيا نفسه بسهره فيه لأن النوم أخو الموت
( والحديث ) فيه دليل على مشروعية الحرص على مدوامة القيام في العشر الأواخر من رمضان وإحيائها بالعبادة واعتزال النساء وأمر الأهل بالاستكثار من الطاعة فيها : قوله ( وأيقظ أهله ) أي للصلاة وفي الترمذي عن أم سلمة ( لم يكن صلى الله عليه وآله وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه ) : قوله ( وشد المئزر ) أي اعتزل النساء كما رواه عبد الرزاق عن الثوري وابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش وحكى في الفتح عن الخطابي أنه يحتمل أن يراد به الجد في العبادة كما يقال شددت لهذا الأمر مئزري أي شمرت له ويحتمل أن يراد التشمير والاعتزال معا ويحتمل أن يراد حقيقته والمجاز كمن يقول طويل النجاد لطويل القامة وهو طويل النجاد حقيقة يعني شد مئزره حقيقة واعتزل النساء وشمر للعبادة يعني فيكون كناية وهو يجوز فيها إرادة اللازم والملزوم . وقد وقع في رواية ( شد مئزره واعتزل النساء ) . فالعطف بالواو يقوي الاحتمال الأول كما قال الحافظ

2 - وعن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه

3 - وعن عائشة قالت : ( قلت يا رسول الله أرأيت أن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها قال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني )
- رواه الترمذي وصححه وأحمد وابن ماجه وقالا فيه ( أرأيت إن وافقت ليلة القدر )

- الحديث الأول قد تقدم مع شرحه في باب صلاة التراويح وأورده المصنف ههنا للاستدلال به على مشروعية قيام ليلة القدر
والحديث الثاني صححه الترمذي كما ذكر المصنف وفيه دليل على إمكان معرفة ليلة القدر وبقائها وسيأتي الكلام على ذلك
قوله ( ليلة القدر ) اختلف في المراد بالقدر الذي أضيفت إليه الليلة فقيل هو التعظيم لقوله تعالى { وما قدروا الله حق قدره } والمعنى أنها ذات قدر لنزول القرآن فيها أو لما يقع فيها من نزول الملائكة أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر وقيل القدر هنا التضييق لقوله تعالى { ومن قدر عليه رزقه } ومعنى التضييق فيها إخفاؤها عن العلم بتعيينها . وقيل القدر بمعنى القدر بفتح الدال الذي هو مؤاخي القضاء . والمعنى أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة لقوله تعالى { فيها يفرق كل أمر حكيم } وبه صدر النووي كلامه فقال قال العلماء سميت ليلة القدر لما يكتب فيها الملائكة من الأقدار لقوله تعالى { فيها يفرق } الآية
ورواه عبد الرزاق وغيره من المفسرين بأسانيد صحيحة عن مجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم . قال التور بشتى إنما جاء القدر بسكون الدال وإن كان الشائع في القدر الذي يؤاخى القضاء فتح الدال ليعلم أنه لم يرد به ذلك وإنما أريد به تفصيل ما جرى به القضاء وإظهاره وتحديده في تلك السنة لتحصيل ما يلقي إليهم فيها مقدار بمقدار
قوله ( إنك عفو ) بفتح العين وضم الفاء وتشديد الواو صيغة مبالغة . وفيه دليل على استحباب الدعاء في هذه الليلة بهذه الكلمات

4 - وعن ابن عمر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين أو قال تحروها ليلة سبع وعشرين يعني ليلة القدر )
- رواه أحمد بإسناد صحيح

5 - وعن ابن عباس : ( أن رجلا أتى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا نبي الله إني شيخ كبير عليل يشق علي القيام فأمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر فقال عليك بالسابعة )
- رواه أحمد

6 - وعن معاوية ابن أبي سفيان : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة القدر قال ليلة سبع وعشرين )
- رواه أبو داود

7 - وعن ذر بن حبيش قال : ( سمعت أبي بن كعب يقول وقيل له أن عبد الله بن مسعود يقول من قام السنة أصاب ليلة القدر فقال أبي والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان يحلف ما يستثني ووالله إني لأعلم أي ليلة هي هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها )
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه

- حديث ابن عباس أخرجه أيضا الطبراني في الكبير قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح . وقد أخرج نحوه عبد الرزاق عن ابن عمر مرفوعا والمراد بالسابعة إما السبع بقين أو لسبع مضين بعد العشرين . وحديث معاوية سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح
( وفي الباب ) عن جابر بن سمرة عند الطبراني في الأوسط بنحو حديث ابن عمر . وعن ابن مسعود عند الطبراني قال : ( سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ليلة القدر فقال أيكم يذكر ليلة الصهيا قلت أنا وذلك ليلة سبع وعشرين ) . رواه ابن أبي شيبة عن عمر وحذيفة وناس من الصحابة
وروى عبد الرزاق عن ابن عباس قال : ( دعا عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر قال ابن عباس فقلت لعمر إني لأعلم أو أظن أي ليلة هي قال عمر أي ليلة هي فقلت سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر فقال من أين علمت ذلك فقلت خلق الله سبع سموات وسبع أرضين وسبعة أيام والدهر يدور في سبع والإنسان خلق من سبع ويأكل من سبع ويسجد على سبع والطواف والجمار وأشياء ذكرها فقال عمر لقد فطنت لأمر ما فطنا له ) . وقد أخرج نحو هذه القصة الحاكم وإلى أن ليلة القدر ليلة السابع والعشرين ذهب جماعة من أهل العلم وقد حكاه صاحب الحلية من الشافعية عن أكثر العلماء وقد اختلف العلماء فيها على أقوال كثيرة ذكر منها في فتح الباري ما لم يذكره غيره وسنذكر ذلك على طريق الاختصار فنقول القول ( الأول ) أنها رفعت حكاه المتولي عن الروافض والفاكهاني عن الحنفية ( الثاني ) أنها خاصة بسنة واحدة وقعت في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم حكاه الفاكهاني ( الثالث ) أنها خاصة بهذه الأمة جزم به جماعة من المالكية ونقله صاحب العمدة عن الجمهور من الشافعية واعترض بحديث أبي ذر عند النسائي قال ( قلت يا رسول الله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت فقال هي باقية واحتجوا بما ذكره مالك في الموطأ بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقال أعمار أمته عن أعمار الأمم الماضية فأعطاه الله ليلة القدر ) . قال الحافظ وهذا محتمل للتأويل فلا يدفع التصريح في حديث أبي ذر ( والرابع ) أنها ممكنة في جميع السنة وهو المشهور عن الحنفية وحكى عن جماعة من السلف وهو مردود بكثير من أحاديث الباب المصرحة باختصاصها برمضان ( الخامس ) أنها مختصة برمضان ممكنة في جميع لياليه . وروى عن ابن عمر وأبي حنيفة وبه قال ابن المنذر وبعض الشافعية ورجحه السبكي ( السادس ) أنها في ليلة معينة مبهمة قاله النسفي في منظومته ( السابع ) أنها أول ليلة من رمضان حكى عن أبي رزين العقيلي الصحابي . وروى ابن أبي عاصم من حديث أنس قال ليلة القدر أول ليلة من رمضان قال ابن أبي عاصم لا نعلم أحدا قال ذلك غيره ( الثامن ) أنها ليلة النصف من رمضان حكاه ابن الملقن في شرح العمدة ( التاسع ) أنها ليلة النصف من شعبان حكاه القرطبي في المفهم وكذا نقله السروجي عن صاحب الطراز ( العاشر ) أنها ليلة سبع عشرة من رمضان ودليله ما رواه ابن أبي شيبة والطبراني من حديث زيد بن أرقم قال بلا شك ولا امتراء أنها ليلة سبع عشرة من رمضان ليلة أنزل القرآن
وأخرجه أبو داود عن ابن مسعود ( الحادي عشر ) أنها مبهمة في العشر الوسط حكاه النووي وعزاه الطبري إلى عثمان بن أبي العاص والحسن البصري وقال به بعض الشافعية ( الثاني عشر ) أنها ليلة ثمان عشرة ذكره ابن الجوزي في مشكله ( الثالث عشر ) ليلة تسع عشرة رواه عبد الرزاق عن علي عليه السلام وعزاه الطبري إلى زيد بن ثابت ووصله الطحاوي عن ابن مسعود ( الرابع عشر ) أول ليلة من العشرة الآخرة وإليه مال الشافعي وجزم به جماعة من أصحابه ( الخامس عشر ) مثل الذي قبله إن كان الشهر تاما وإن كان ناقصا فليلة إحدى وعشرين وهكذا في جميع العشر وبه جزم ابن حزم ودليله حديث أبي سعيد وعبد الله بن أنيس وأبي بكرة وسيأتي ( السادس عشر ) ليلة اثنين وعشرين ودليله ما أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن أنيس أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ليلة القدر وذلك صبيحة إحدى وعشرين فقال كم ليلة قلت ليلة اثنين وعشرين فقال هي الليلة أو القابلة ( السابع عشر ) ليلة ثلاث وعشرين ودليله حديث عبد الله بن أنيس الآتي وقد ذهب إلى هذا جماعة من الصحابة والتابعين ( الثامن عشر ) أنها ليلة الرابع والعشرين ودليله ما رواه الطيالسي عن أبي سعيد مرفوعا ليلة القدر ليلة أربع وعشرين وما رواه أحمد من حديث بلال بنحوه وفيه ابن لهيعة وروى ذلك عن ابن مسعود والشعبي والحسن وقتادة ( التاسع عشر ) ليلة خمس وعشرين حكاه ابن الجوزي في المشكل عن أبي بكرة ( العشرون ) ليلة ست وعشرين قال الحافظ وهو قول لم أره صريحا إلا أن عياضا قال ما من ليلة من ليالي العشر الأخيرة إلا وقد قيل فيها أنها ليلة القدر ( الحادي والعشرون ) ليلة سابع وعشرين وقد تقدم دليله ومن قال به ( الثاني والعشرون ) ليلة الثامن والعشرين وهذا لم يذكره صاحب الفتح ولكن ظاهر قول عياض المتقدم أنه قد قيل أنها ليلة القدر وقد أسقط في الفتح القول الثاني والعشرين وذكر الثالث والعشرين بعد الحادي والعشرين فلعله سقط عليه حكاية هذا القول وقد ثبت في بعض النسخ ( الثالث والعشرون ) أنها ليلة تسع وعشرين حكاه ابن العربي ( الرابع والعشرون ) أنها ليلة الثلاثين حكاه عياض ورواه محمد بن نضر عن معاوية وأحمد عن أبي هريرة ( الخامس والعشرون ) أنها في أوتار العشر الأخيرة ودليله حديث عائشة الآتي وكذلك حديث ابن عمر قال في الفتح وهو أرجح الأقوال وصار إليه أبو ثور المزني وابن خزيمة وجماعة من علماء المذاهب انتهى
( القول السادس والعشرون ) مثله بزيادة الليلة الأخيرة ويدل عليه حديث أبي بكرة الآتي وقد أخرج أحمد من حديث عبادة بن الصامت ما يدل على ذلك ( السابع والعشرون ) تنتقل في العشر الأواخر كلها قاله أبو قلابة ونص عليه مالك والثوري وأحمد وإسحاق وزعم الماوردي أنه متفق عليه ويدل عليه حديث أبي سعيد الآتي ( الثامن والعشرون ) مثله أن بعض ليالي العشر أرجى من بعض قال الشافعي أرجاها ليلة إحدى وعشرين ( التاسع والعشرون ) مثل السابع والعشرين إلا أن أرجاها ليلة ثلاث وعشرين ولم يذكر في الفتح قائله ( الثلاثون ) كذلك إلا أن أرجاها ليلة سبع وعشرين ولم يحك صاحب الفتح من قاله ( الحادي والثلاثون ) أنها تنتقل في جميع السبع الأواخر ويدل عليه حديث ابن عمر الآتي وقد اختلف أهل هذا القول هل المراد السبع من آخر الشهر أو آخر سبعة تعد من الشهر قال في الفتح ويخرج من ذلك القول ( الثاني والثلاثون ) القول ( الثالث والثلاثون ) أنها تنتقل في النصف الأخير ذكره صاحب المحيط عن أبي يوسف ومحمد وحكاه إمام الحرمين عن صاحب التقريب ( الرابع والثلاثون ) ليلة ست عشرة أو سبع عشرة رواه الحرث بن أبي أسامة من حديث عبد الله بن الزبير ( الخامس والثلاثون ) ليلة سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين رواه سعيد بن منصور من حديث أنس بإسناد ضعيف ( السادس والثلاثون ) أول ليلة من رمضان أو آخر ليلة منه رواه ابن أبي عاصم من حديث أنس بإسناد ضعيف ( السابع والثلاثون ) ليلة تاسع عشرة أو إحدى عشرة أو ثلاث وعشرين رواه أبو داود من حديث ابن مسعود بإسناد فيه مقال وعبد الرزاق من حديث علي بسند منقطع وسعيد بن منصور من حديث عائشة بسند منقطع أيضا ( الثامن والثلاثون ) أول ليلة أو تاسع ليلة أو سابع عشرة أو إحدى وعشرين أو آخر ليلة رواه ابن مردويه في تفسيره عن أنس بإسناد ضعيف ( التاسع والثلاثون ) ليلة ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين ودليله حديث ابن عباس الآتي ولأحمد نحوه من حديث النعمان بن بشير ( القول الأربعون ) ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين ويدل عليه حديث ابن عباس الآتي وأخرج البخاري نحوه من حديث عبادة بن الصامت ( الحادي والأربعون ) أنها منحصرة في السبع الأواخر ويدل عليه حديث ابن عمر الآتي وفي الفرق بينه وبين القول الحادي والثلاثين خفاء ( الثاني والأربعون ) ليلة اثنين وعشرين أو ثلاث وعشرين ويدل عليه حديث عبد الله بن أنيس عند أحمد ( الثالث والأربعون ) أنها في إشفاع العشر الوسط والعشر الأواخر . قال الحافظ قرأته بخط مغلطاي ( الرابع والأربعون ) أنها ليلة الثالثة من العشر الأواخر أو الخامسة منه رواه أحمد من حديث معاذ قال في الفتح والفرق بينه وبين ما تقدم أن الثالثة تحتمل ليلة ثلاث وعشرين وتحتمل ليلة سبع وعشرين ( الخامس والأربعون ) أنها في سبع أو ثمان من أول النصف الثاني رواه الطحاوي من حديث عبد الله بن أنيس هذا جملة ما ذكره الحافظ في الفتح أوردناه مختصرا مع زوائد مفيدة
ومما ينبغي أن يعد قولا خارجا عن هذه الأقوال قول الهادوية أنها في تسع عشرة وفي الإفراد بعد العشرين من رمضان واستدلوا على أنها في الإفراد بعد العشرين بما استدل به أهل القول الخامس والعشرين على أنها قد تكون في ليلة تسع عشرة بما أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال التمسوا ليلة القدر في سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين أو تسع وعشرين ) . قال الهيثمي بعد أن ساقه في مجمع الزوائد فيه أبو الهزم وهو ضعيف فيكون هذا القول هو السادس والأربعين وينبغي أن يجعل ما اشتمل عليه هذا الحديث القوي السابع والأربعين وإما كونها مبهمة في جميع السنة فلا ينبغي أن يجعل قولا خارجا عن هذه الأقوال لأنه عين القول الرابع منها وأرجح هذه الأقوال هو القول الخامس والعشرون أعني أنها في أوتار العشر الأواخر قال الحافظ وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين قوله ( وإمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها ) قد ورد لليلة القدر علامات أكثرها لا تظهر إلا بعد أن تمضي منها طلوع الشمس على هذه الصفة
وروى ابن خزيمة من حديث ابن عباس مرفوعا : ( ليلة القدر طلقة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة )
ولأحمد من حديث عبادة : ( لا حر فيها ولا برد وأنها ساكنة صاحية وقمرها ساطع ) . وفي علاماتها أحاديث . منها عن جابر ابن سمرة عند ابن أبي شيبة وعن جابر بن عبد الله عند ابن خزيمة وعن أبي هريرة عنده وعن ابن مسعود عند ابن أبي شيبة وعن غيرهم

8 - وعن أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ثم اطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه فقال إني اعتكفت العشر الأول التمس هذه الليلة ثم اعتكف العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لي أنها في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف فاعتكف الناس معه قال وإني أريتها ليلة و وتر وإني أسجد في صبيحتها في طين وماء فأصبح من ليلة إحدى وعشرين وقد قام إلى الصبح فمطرت السماء فوكف المسجد فأبصرت الطين والماء فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة أنفه فيها الطين والماء وإذا هي ليلة إحدى عشر من العشر الأواخر )
- متفق عليه ولكن لم يذكر في البخاري اعتكاف العشر الأول

- قوله ( العشر الأوسط ) هكذا في أكثر الروايات والمراد به العشر الليالي وكان القياس أن يوصف بلفظ التأنيث لأن مرجعها مؤنث لكن وصف بالمذكر على إرادة الوقت أو الزمان والتقدير الثلث كأنه قال الليالي العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر ووقع في الموطأ العشر الوسط بضم الواو والسين جمع وسط ويروى بفتح السين مثل كبر وكبر ورواه الباجي في الموطأ بإسكانها على أنه جمع واسط كبازل وبزل وهذا يوافق رواية الأوسط :
قوله ( في قبة تركية ) أي قبة صغيرة من لبود : قوله ( فأصبح من ليلة إحدى وعشرين ) في رواية للبخاري ( فخرج في صبيحة عشرين ) وظاهرها يخالف رواية الباب وقد قبل أن المراد بقوله فأصبح من ليلة إحدى وعشرين أي من الصبح الذي قبلها وهو تعسف وقد وقع في البخاري ما هو أوضح من ذلك بلفظ ( فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ) . قوله ( وروثة أنفه ) بالثاء المثلثة وهي طرفه ويقال لها أيضا أرنبة الأنف كما جاء في رواية أخرى
( والحديث ) فيه دليل على أن ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان وقد تقدم بسط الكلام في ذلك

9 - وعن عبد الله بن أنيس : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني أسجد صبيحتها في ماء وطين قال فمطرنا في ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه )
- رواه أحمد ومسلم وزاد وكان عبد الله بن أنيس يقول ثلاث وعشرين

- وفي الباب عن رجل من بني بياضة له صحبة مرفوعا عند إسحاق في مسنده قال : ( قلت يا رسول الله إن لي بادية أكون فيها فمرني بليلة القدر فقال انزل ليلة ثلاث وعشرين )
وعن ابن عمر مرفوعا ( من كان متحريها فليتحرها ليلة سابعة ) . قال فكان أيوب يغتسل ليلة ثلاث وعشرين ويمس الطيب
وعن ابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس أنه كان يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين . وروى عبد الرزاق من طريق يونس بن سيف سمع سعيد بن المسيب يقول استقام كلام القوم على أنها ليلة ثلاث وعشرين . وروى نحو ذلك من طريق إبراهيم عن الأسود عن عائشة . ومن طريق مكحول أنه كان يراها ليلة ثلاث وعشرين كذا في الفتح وقد استدل بحديث الباب من قال إنها ليلة ثلاث وعشرين كما تقدم
قوله ( يقول ثلاث وعشرين ) هكذا في معظم النسخ من صحيح مسلم وفي بعضها ثلاث وعشرون قال النووي وهذا ظاهر والأول جائز على لغة شاذة أنه يجوز المضاف ويبقى المضاف إليه مجرورا أي ليلة ثلاث وعشرين

10 - وعن أبي بكرة : ( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول التمسوها في تسع بقين أو سبع بقين أو خمس بقين أو ثلاث بقين أو آخر ليلة قال وكان أبو بكرة يصلي في العشرين من رمضان صلاته في سائر السنة فإذا دخل العشر اجتهد )
- رواه أحمد والترمذي وصححه

- وفي الباب عن عبادة بن الصامت عند أحمد والحديث يدل على أن ليلة القدر ترجى مصادفتها لتسع ليال بقين من الشهر أو سبع أو خمس أو ثلاث أو آخر ليلة وهو أحد الأقوال المتقدمة
قال الترمذي في جامعه وروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة القدر أنها ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين وآخر ليلة من رمضان قال قال الشافعي كان هذا عندي والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجيب على نحو ما يسئل عنه يقال له تلتمسها في ليلة كذا فيقول التمسوها في ليلة كذا قال الشافعي وأقوى الروايات عندي فيها ليلة إحدى وعشرين انتهى

11 - وعن أبي نضرة عن أبي سعيد في حديث له : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج على الناس فقال يا أيها الناس إنها كانت أبينت لي ليلة القدر وإني خرجت لأخبركم بها فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان فنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان التمسوها في التاسعة والخامسة والسابعة قال قلت يا أبا سعيد إنكم أعلم بالعدد منا فقال أجل نحن أحق بذاك منكم قال قلت ما التاسعة والخامسة والسابعة قال إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها اثنان وعشرون فهي التاسعة فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة فإذا مضت خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة )
- رواه أحمد ومسلم

- قوله ( يحتقان ) بالحاء المهملة بعدها مثناة فوقية ثم قاف مشددة ومعناه يطلب كل واحد منهما حقه ويدعي أنه المحق وفيه أن المخاصمة والمنازعة مذمومة وأنها سبب للعقوبة المعنوية : قوله ( فإذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها اثنان وعشرون ) هكذا في بعض نسخ مسلم وفي أكثرها ثنتين وعشرين بالياء . قال النووي وهي أصوب والنصب بفعل محذوف تقديره أعني ثنتين وعشرين انتهى وجعل النصب على الاختصاص أصوب من الرفع بتقدير مبتدأ لأجل قوله بعد ذلك فهي التاسعة لأنه يصير تقدير الكلام فالتي تليها هي اثنان وعشرون فهي التاسعة ولا يخفى أنها عبارة نابية بخلاف النصب على الاختصاص فإنه يصير التقدير فالتي تليها أعني ثنتين وعشرين فهي التاسعة فإنها عبارة خالية عن ذلك
( والحديث ) يدل على أن ليلة القدر يرجى وجودها في تلك الثلاث الليالي

12 - وعن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى )
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود . وفي رواية : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي في العشر في سبع يمضين أو في تسع يبقين يعني ليلة القدر ) . رواه البخاري

- قوله ( في تاسعة تبقى ) يعني ليلة اثنين وعشرين : قوله ( في خامسة تبقى ) يعني ليلة ست وعشرين : قوله ( في سبع يمضين أو تسع يبقين ) هكذا رواية المصنف رحمه الله بتقديم السين في الأولى والتاء في الثانية . قال في الفتح الأكثر بتقديم السين في الثاني وتأخيرها في الأول وبلفظ المضي في الأول والبقاء في الثاني وللكشمهيني بلفظ المضي فيهما
وفي رواية الإسماعيلي بتقديم السين في الموضعين انتهى . والمراد في سبع ليال تمضي من العشر الأواخر أو في تسع ليال تبقى منها فتكون في ليلة سبع وعشرين أو ليلة اثنين وعشرين وقد تقدم الخلاف في ذلك

13 - وعن ابن عمر : ( أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريا فليتحرها في السبع الأواخر )
- أخرجاه . ولمسلم قال : ( أري رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرى رؤياكم في العشر الأواخر فاطلبوها في الوتر منها )

14 - وعن عائشة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان )
- رواه مسلم والبخاري . وقال ( في الوتر من العشر الأواخر )

- قوله ( أورا ليلة القدر ) بضم أوله على البناء للمجهول أي قيل لهم في المنام أنها في السبع الأواخر . قال في الفتح والظاهر أن المراد به أواخر الشهر وقيل المراد به السبع التي أولها ليلة الثاني والعشرين وآخرها ليلة الثامن والعشرين فعلى الأول لا تدخل ليلة إحدى وعشرين ولا ثلاث وعشرين وعلى الثاني تدخل الثانية فقط ولا تدخل ليلة التاسع والعشرين . ويدل على الأول ما في البخاري في كتاب التعبير من صحيحه ( أن ناسا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر وأن ناسا رأوا أنها في العشر الأواخر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم التمسوها في السبع الأواخر ) وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى المتفق عليه من الروايتين فأمر به
وقد رواه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري بلفظ ( رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين أو كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم التمسوها في العشر البواقي في الوتر منها ) . ورواه أحمد من حديث علي مرفوعا ( إن غلبتم فلا تغلبوا في التسع البواقي ) قوله ( أري بفتحتين ) أي أعلم : قوله ( رؤياكم ) قال عياض كذا جاء بإفراد الرؤيا والمراد مرائيكم لأنها لم تكن رؤيا واحدة وإنما أراد الجنس . قال ابن التين كذا روى بتوحيد الرؤيا وهو جائز لأنها مصدر : قوله ( تواطأت ) بالهمزة أي توافقت وزنا ومعنى . وقال ابن التين بغير همزة والصواب بالهمز وأصله أن يطأ الرجل برجله مكان وطء صاحبه
( وفي الحديث ) دلالة على عظم قدر الرؤيا وجواز الاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجودية بشرط أن لا يخالف القواعد الشرعية هكذا في الفتح : قوله ( تحروا ليلة القدر ) في رواية للبخاري ( التمسوا ) وفي حديث عائشة دليل على أن ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر وقد تقدم أنه القول الراجح
( فائدة ) قال الطبري في إخفاء ليلة القدر دليل على كذب من زعم أنه يظهر في تلك الليلة للعيون ما لا يظهر في سائر السنة إذ لو كان حقا لم يخف على كل من قام ليالي السنة فضلا عن ليالي رمضان وتعقبه ابن المنير بأنه لا ينبغي إطلاق القول بالتكذيب لذلك بل يجوز أن يكون ذلك على سبيل الكرامة لمن شاء الله من عباده فيختص بها قوم دون قوم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحصر العلامة ولم ينف الكرامة قال ومع ذلك فلا يعتقد أن ليلة القدر لا ينالها إلا من رأى الخوارق بل فضل الله تعالى واسع ورب قائم تلك الليلة لم يحصل منها إلا على العبادة من غير رؤية خارق وآخر رأى الخوارق من غير عبادة والذي حصل على العبادة أفضل والعبرة إنما هي بالاستقامة بخلاف الخارق فقد يقع كرامة وقد يقع فتنة . وقيل أن المطلع على ليلة القدر يرى كل شيء ساجدا وقيل يرى الأنوار ساطعة في كل مكان حتى في المواضع المظلمة وقيل يسمع سلاما أو خطابا من الملائكة وقيل من علاماتها استجابة دعاء من وفق لها

كتاب المناسك

باب وجوب الحج والعمرة وثوابها

1 - عن أبي هريرة قال " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي . فيه دليل على أن الأمر لا يقتضي التكرار

2 - وعن ابن عباس قال " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا أيها الناس كتب عليكم الحج فقال الأقرع بن حابس فقال أفي كل عام يا رسول الله فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها الحج مرة فمن زاد فهو تطوع "
- رواه أحمد والنسائي بمعناه

- الحديث الأول تمامه ثم قال " ذروني ما تركتكم " وفي لفظ " ولو وجبت ما قمتم بها " والحدي الثاني أخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرطهما ( وفي الباب ) عن أنس عند ابن ماجه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب عليكم الحج فقيل يا رسول الله في كل عام فقال لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لم تقوموا بها ولو لم تقوموا بها عذبتم " قال الحافظ ورجاله ثقات . وعن علي عليه السلام عند الترمذي والحاكم وسنده منقطع . قوله " باب وجوب الحج والعمرة " الحج بفتح الحاء هو المصدر وبالفتح والكسر هو الاسم منه وأصله القصد ويطلق على العمل أيضا وعلى الأنيان مرة بعد أخرى وأصل العمرة الزيادة وقال الخليل الحج كثرة لقصد إلى معظم ووجوب الحج معلوم بالضرورة الدينية ( وأختلف ) في العمرة فقيل واجبة . وقيل مستحبة وللشافعي قولان أصحهما وجوبها وسيأتي تفصيل ذلك قريبا ( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على أن الحج لا يجب إلى مرة واحدة وهو مجمع عليه كما قال النووي والحافظ وغيرهما وكذلك العمرة عند من قال بوجوبها لا تجب إلى مرة إلى أن ينذر بالحج أو العمرة وجب الوفاء بالنذر بشرطه . وقد اختلف هل الحج على الفور أو التراخي وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى . واختلف أيضا في وقت ابتداء افتراض الحج فقيل قبل الهجرة قال في الفتح وهو شاذ وقيل بعدها ثم أختلف في سنته فالجمهور على أنها سنة ست لانه نزل فيها قوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } قال في الفتح وهذا ينبني على أن المراد بالأتمام ابتداء الفرض ويؤيده قراءة قلقمة ومسروق وإبراهيم النخعي بلفظ ( وأقيموا ) أخرجه الطبراني بأسانيد صحيحة عنهم . وقيل المارد بالأتمام الإكمال بعد الشروع وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك . وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج وكان قدومه على ما ذكر الواقدي سنة خمس . وهذا يدل أن ثبت على تقدمه على سنة خمس أو وقوعه فيها وقيل سنة تسع حكاه النووي في الروضة والماوردي في الأحكام السلطانية ورجح صاحب الهدى أن افتراض الحج كان في سنة تسع أو عشر واستدل على ذلك بأدلة فلتؤخذ منه : قوله " لوقلتها لوجبت " استدل به على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مفوض في شرع الأحكام . وفي ذلك خلاف مبسوط في الأصول

3 - وعن أبي رزين العقيلي " أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن فقال حج عن أبيك واعتمر "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي

- الحديث يدل على جواز حج الولد عن أبيه العاجز عن المشي وسيأتي الكلام عليه في باب وجوب الحج على المعضوب وذكره المصنف رحمه الله تعالى في هذا الباب للاستدلال به على وجوب الحج والعمرة . قال الإمام أحمد لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا ولا أصح منه انتهى . وقد جزم بوجوب العمرة جماعة من أهل الحديث وهو المشهور عن الشافعي وأحمد وبه قال إسحاق والثوري والمزني والناصر والمشهور عن المالكية أن العمرة ليست بواجبة وهو قول الحنفية وزيد بن علي والهادوية ولا خلاف في المشروعية . وقد روى في الجامع الكافي القول بوجوب العمرة عن علي وابن عباس وابن عمر وعائشة وزين العابدين وطاوس والحسن البصري وابن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء ( واستدل ) القائلون . بعدم الوجوب بما أخرجه الترمذي وصححه وأحمد والبيهقي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن جابر " أن اعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي فقال لا وأن تعتمر خير لك " وفي رواية " أولى لك " وأجيب ع الحديث بإن في أسناده الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف وتصحيح الترمذي له فيه نظر لأن الأكثر على تضعيف الحجاج واتفقوا على أنه مدلس . قال النووي ينبغي أن لا يغتر بالترمذي في تصحيحه فقد اتفق الحفاظ على تضعيفه انتهى . على أن تصحيح الترمذي له إنما ثبت في رواية الكروخي فقط وقدنبه صاحب الإمام على أنه لم يرد على قوله حسن في جميع الروايات عته إلى في رواية الكروخي وقد قال ابن حزم أنه مكذوب باطل وهو إفراض لأن الحجاج وإن كان ضعيفا فليس متهما بالوضع وقد رواه البيهقي من حديث سعيد بن عقير عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر بنحوه . ورواه ابن جريج عن ابن المنكدر عن جابر ورواه ابن عدي من طريق أبي عصمة عن ابن المنكدر عن أبي صالح وأبو عصمةقد كذبوه ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند الدارقطني وابن خزم والبيهقي " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الحج جهاد والعمرة تطوع " وإسناده ضعيف كما قال الحافظ . وعن طلحة عند ابن ماجه بإسناد ضعيف . وعن ابن عباس عند البيهقي قال الحافظ ولا يصح من ذلك شيء وبهذا تعرف أن الحديث من قسم الحسن لغيره وهو محتج به عند الجمهور ويؤيده ما عند الطبراني عن أبي أمامة مرفوعا " من مشى إلى صلاة مكتوبة بأجره كحجة ومن مشى إلى صلاة تطوع فأجره كعمرة " واستدل القائلون بوجوب العمرة بما أخرجه الدارقطني من حديث زيد بن ثابت بلفظ " الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت " وأجيب عنه بأن في إسناده إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف وفي الحديث أيضا انقطاع ورواه البيهقي موقوفا على زيد . قال الحافظ وإسناده أصح وصححه الحاكم ورواه ابن عدي عن جابر وفي إسناده ابن لهيعة ( وفي الباب ) عن عمر في سؤال جبريل وفيه " وأن تحج وتعتمر " أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني وغيرهم وعن عائشة عند أحمد وابن ماجه قالت " يا رسول الله على النساء جهاد قال عليهن جهاد لاقتال فيه الحج والعمرة " وسيأتي والحق عدم وجوب العمرة لأن البراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلى بدليل به التكليف ولا دليل يصلح لذلك لا سيما مع اعتضادها بما تقدم من الأحاديث القاضية بعدم الوجوب . ويؤيد ذلك اقتصاره صلى الله عليه وآله وسلم على الحجج في حديث بني الإسلام على خمس واقتصار الله جل جلاله على الحج في قوله تعالى { ولله على الناس حج البيت } وقد استدل على الوجوب بحديث عمر الآتي قريبا وسيأتي الجواب عنه . وأما قوله تعالى { واتموا الحج والعمرة لله } فلفظ التمام مشعر بأنه إنما يجب بعد الأحرام . لا قبله ويدل على ذلك ما أخرجه الشيخان وأهل السنن وأحمد والشافعي وابن أبي شيبة عن يعلى بن أمية " قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق فقال كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي فأنزل الله تعالى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الآية . فهذا السبب في نزول الآية والسائل قد كان أحرمم وإنما سأل كيف يصنع

4 - وعن عائشة " قالت قلت يا رسول الله هل على النساء من جهاد قال نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة "
- رواه أحمد وابن ماجه وإسناده صحيح

- الحديث فيه دليل على أن الجهاد غير واجب على النساء وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على ذلك فيه وإشارة إلى وجوب العمرة وقد تقدم البحث عن ذلك

5 - وعن أبي هريرة قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي الأعمال أفضل قال إيمان بالله وبرسوله قال ثم ماذا قال ثم الجهاد في سبيل الله قيل ثم ماذا قال ثم حج مبرور "
- متفق عليه . وهو حجة لمن فضل نفل الحج على نفل الصدقة

6 - وعن عمر بن الخطاب " قال بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء رجل فقال يا محمد ما الإسلام قال الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان " وذكر في باقي الحديث وأنه قال " هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم "
- رواه الدارقطني وقال هذا إسناد ثابت صحيح . ورواه أبو بكر الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين

7 - وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلى الجنة "
- رواه الجماعة إلا أبا داود

- قوله " إيمان بالله " الخ فيه دليل على أن الإيمان بالله وبرسوله أفضل من الجهاد والجهاد أفضل من الحج المبرور . وقد اختلفت الأحاديث المشتملة على بيان فاضل الأعمال من مفضولها فتارة تجعل الأفضل الجهاد وتارة الإيمان وتارة الصلاة وتارة غير ذلك وأحق ما قيل في الجمع بينها أن بيان الفضيلة يختلف باختلاف المخاطب فإذا كان المخاطب ممن له تأثير في القتال وقوة على مقارعة الأبطال قيل له أفضل الأعمال الجهاد وإذا كان كثير المال قيل له أفضل الأعمال الصدقة ثم كذلك يكون الأختلاف على حسب اختلاف المخاطبين " قوله " مبرور " قال ابن خالوية المبرور المقبول وقال غيره الذي لا يخالطه شيء من الأثم ورجحه النووي وقيل غير ذلك . وقال القرطبي الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه فوقع موقعا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل . ولأحمد والحاكم من حديث جابر " قالوا يا رسول الله ما بر الحج قال إطعام الطعام وإفشاء السلام " قال في الفتح وفي إسناده ضعيف ولوثبت كان هو المتعين دون غيره . قوله " ما الإسلام " إلى قوله " وتحج البيت " قد تقدم الكلام على هذه الكلمات في أوائل كتاب الصلاة . قوله " وتعتمر " فيه متمسك لمن قال بوجوب العمرة لكنه لا يكون مجرد اقتران العمرة بهذه الأمور الواجبة دليلا على الوجوب لما تقرر من الأصول من ضعف دلالة الاقتران لاسيما وقد عارضها ما سلف من الأدلة القاضية بعدم الوجوب ( فإن قيل ) إن وقوع العمرة في جواب من سأل عن الإسلام يدل على الوجوب فيقال ليس كل أمرمن الإسلام واجبا والدليل على ذلك حديث شعب الإسلام والإيمان فإنه أشتمل على أمور ليست بواجبة بالإجماع . قوله " كفارة لما بينهما " أشار ابن عبد البر إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر قال وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر قال وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى المراد تعميم ذلك ثم بالغ في الإنكار عليه وقد تقدم البحث عن مثل هذا مواضع من هذا الشرح وقد استشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر يكفر للصغائر فماذا تكفر العمرة وأجيب بأن تكفير العمرة مقيد بزمنها وتكفير الأجتناب للكبائر عام لجميع عمر العبد فتغايرا من هذه الحيثية وقد جعل البخاري هذا الحديث المذكور من جملة أدلة وجوب العمة وفضلها وهو لا يصلح للاستدلال به على الوجوب وقد قيل أنه أشار إلى ماورد في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعة " تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة بينهما تنفي الذنوب والفقر كما ينفي الكبر خبث الحديد وليس للحجة المبرورة جزاء إلى الجنة " فإن ظاهرة التسوية بين أصل الحج والعمرة ولكن الحق ما أسلفناه لأن هذا استدلال بمجرد الاقتران وقد تقدم ما فيه وأما الأمر بالمتابعة فهو مصروف عن معناه الحقيقي بما سلف ( وفي الحديث ) دلالة على استحباب الاستكثار من الاعتمار خلافا لقول من قال يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية ولمن قال يكره أكثر من مرة في الشهرمن غيرهم واستدل للمالكية بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعلها إلى من سنة إلى سنة وأفعاله على الوجوب أو الندب وتعقب بأن المندوب لا ينحصر في أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لدفع المشقة على أمته وقد ندب إلى العمرة بلفظه فثبت الأستحباب من غير تقييد واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبسا بالحج إلى من نقل عن الحنفية أنها تكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق . وعن الهادي انها تكره في أيام التشريق فقط وعن الهادوية أنها تكره في أشهر الحج لغير المتمتع والقارن إذ يشتغل بها عن الحج ويجاب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر في عمره ثلاث عمر مفردة كلها في أشهر الحج وسيأتي لهذا مزيد بيان في باب جواز العمرة في جميع السنة

باب وجوب الحج على الفور

1 - عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال تعجلوا إلى الحج يعني الفريضة فإن أحدكم ما يعرض له "
- رواه أحمد

2 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل أو أحدهما عن الآخر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتعرض الحاجة "
- رواه أحمد وابن ماجه وسيأتي قوله عليه السلام " من كسر أوعرج فقد حل وعليه الحج من قابل "

3 - وعن الحسن قال " قال عمر بن الخطاب لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين "
- رواه سعيد في سننه

- حديث ابن عباس الآخر في إسناده إسماعيل بن خليفة العبسي أبو اسرائيل وهو صدوق ضعيف الحفظ . وقال ابن عدي عامة ما يرويه يخالف فيه الثقات وحديث من كسر أو عرج يأتي إن شاء الله تعالي في باب الفوات والاحصار وأثر عمر اخرجه أيضا البيهقي ( وفي الباب ) عن أبي أمامة مرفوعا عند سعيد ابن منصور في سننه وأحمد وأبي يعلى والبيهقي بلفظ " من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو مشقة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج فليمت إن شاء الله يهوديا وإن شاء نصرانيا " ولفظ أحمد " من كان ذا يسار فمات ولم يحج " ثم ذكره كما سلف وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وشريك وهو سيء الحفظ وقد خالفه سفيان الثوري فأرسله رواة أحمد عن ابن سابط عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذا رواه ابن أبي شيبة مرسلا وله طريق أخرى عن علي مرفوعا عند الترمذي بلفظ " من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذلك لأن الله تعالى قال في كتابه ولله حج البيت من استطاع إليه سبيلا " قال الترمذؤي غريب في إسناده مقال والحرث يضعف وهلال بن عبد الله الراوي له عن أبي إسحاق مجهول . وقال العقيلي لا يتابع عليه وقد روي عن علي موقوفا ولم يرو مرفوعا من طريق أحسن من هذا . وقال المنذري طريق أبي أمامة على ما فيها أصلح من هذه وقد روى من طريق ثالثة عن أبي هريرة رفعه عند ابن عدي بلفظ " من مات ولم يحج حجة الإسلام في غير وجع حابس أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر ليمت أي الميتتين شاء إما يهوديا أو نصرانيا " وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا وبذلك يتبين مجازفة ابن الجوزي في عده لهذا الحديث من الموضوعات فإن مجموع تلك الطرق لا يقصر عن كون الحديث حسن لغيره وهو محتج به عند الجمهور ولا يقدح في ذلك قول العقيلي والدارقطني لا يصح في الباب شيء لأن نفي الصحة لا يستلزم نفي الحسن وقد شد من عضد هذا الحديث الموقوف الأحاديث المذكورة في الباب قال الحافظ وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط علم أن لهذا الحديث أصلا ومحمله على من استحل الترك ويتبين بذلك خطأ من إدعى إنه موضوع انتهى . وقد استدل المصنف بما ذكره في الباب على أن الحج واجب على الفور . ووجه الدلالة من حديث ابن عباس الأول والثاني ظاهرة ووجهها من حديث " من كسر أو عرج " قوله " وعليه الحج من قابل " ولو كان على التراخي لم يعين العام القابل ووجهها من أثر عمر ومن الأحاديث التي ذكرناها ظاهر وغلى القول بالفوري ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد وبعض أصحاب الشافعي ومن أهل البيت زيد بن علي والهادي والمؤيد بالله والناصر . وقال الشافعي والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد . ومن أهل البيت القاسم ابن إبراهيم وأبو طالب أنه على التراخي واحتجوا بأنه صلى الله عليه وآله وسلم حج سنة عشر وفرض الحج كان سنة ست أو خمس وأجيب بأنه قد أختلف في الوقت الذي فرض عليه الحج ومن جملة الأقوال أنه فرض في سنة عشر فلا تأخير ولو سلم أنه فرض قبل العاشرة فتراخيه صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان لكراهة الأختلاط في الحج بأهل الشرك لأنهم كانا يحجون ويطوفون بالبيت عراة فلما طهر الله البيت الحرام منهم حج صلى الله عليه وآله وسلم فتراخيه لعذر ومحل النزاع التراخي مع عدمه

باب وجوب الحج على المعضوب إذا أمكنته الاستنابة وعن الميت إذا كان قد وجب عليه

1 - عن ابن عباس " أن إمراءة من خثعم قالت يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره قال فحجي عنه "
- رواه الجماعة

2 - وعن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءته أمراة شابة من خثعم فقالت إن أبي كبير وقد أفند وأدركته فريضة الله في الحج ولا يستطيع أداءها فيجزي عنه أن أؤديها عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعم "
- رواه أحمد والترمذي وصححه

3 - وعن عبد الله بن الزبير قال " جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل والحج مكتوب عليه أفأحج عنه قال أنت أكبر ولده قال نعم قال أرأيت لو كان على أبيك دين فضيته عنه أكان يجزي ذلك عنه قال نعم قال فأحجج عنه "
- رواه أحمد والنسائي بمعناه

- حديث علي أخرجه أيضا البيهقي وحديث ابن الزبير قال الحافظ إن إسناده صالح . قوله " إن فريضة الله أدركت أبي " قد اختلف هل المسؤل عنه رجل أو أمرأة كما وقع الاختلاف في الروايات في السائل ففي بعض الروايات أنه إمرأة وفي بعضها أنه رجل وقد بسط ذلك في الفتح : " شيخا " قال الطيبي هو حال والمعنى أنه وجب عليه الحج بأن أسلم وهو بهذه الصفة : قوله " قال فحجي عنه " في رواية للبخاري قال نعم : قوله " وقد أفند " بهمزة مفتوحة ثم فاء ساكنة بعدها نون مفتوحة ثم دال مهملة قال في القاموس الفند بالتحريك الخرف وإنكار العقل بهرم أو مرض والخطأ في القول والرآي والكذب كالإفناد ولا تقل عجوز مفندة لأنها لم تكن ذات رأي أبدا وفنده تفنيدا أكذبه وعجزه وخطأ رأية كافنده انتهى . : قوله " أنت أكبر ولده " فيه دليل على أن المشروع ان يتولى الحج عن الأب العاجز أكبر أولاده قوله " أرأيت " الخ فيه مشروعة القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه وفيه تشبيه ما أختلف فيه وأشكل بما أتفق عليه وفيه أنه يستحب التنبيه على وجه الدليل لمصلحة ( وأحاديث ) الباب تدل على أنه يجوز الحج من الولد عن والده إذا كان غير قادر على الحج وقد أدعى بعضهم أن هذه القصة مختصة بالخثعمية كما أختص سالم مولى أبي حذيفة بجواز إرضاع الكبير حكاه ابن عبد البر وتعقب بأن الأصل عدم الخصوص وأماما رواه عبد الملك بن حبيب صاحب الواضحة بإسنادين مرسلين في هذا الحديث في هذا الحديث فزاد حجي عنه وليس لأحد بعده فلا حجة في ذلك لضعف إسنادهما مع الإرسال والظاهر عدم اختصاص جواز ذلك بالابن وقد ادعة جماعة من أهل العلم أنه خاص به . قال في الفتح ولا يخفى أنه جمود وقال القرطبي رأي مالك أن ظاهر حديث الخثعمية مخالف للقرآن فيرجح ظاهر القرآن ولا شك في ترجحه من جهة تواتره انتهى ولكنه يقال هو عموم مخصوص بأحاديث الباب ولا تعارض بين عام وخاص وهذه الأحاديث ترد على محمد بن الحسن حيث قال فمن الحج يقع عن المباشر وللمحجوج عنه أجر نفقته وقد اختلفوا فيما إذا عوفى المعضوب فقال الجمهور لا يجزئه لأنه تبين أنه لم يكن مأيوسا عنه . وقال أحمد وأسحق لانلزمه الإعادة لئلا تفضى إلى إيجاب حجتين وأجيب بأن العبرة بالانتهاء وقد انكشف إن الحجة الأولى غير مجزئة

4 - وعن ابن عباس " إن إمرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت أن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته أقضوا الله فالله أحق بالوفاء "
- رواه البخاري والنسائي بمعناه . وفي رواية لأحمد والبخاري بنحو ذلك وفيها قال " جاء رجل فقال أن أختي نذرت أن تحج " وهو يدل على صحة الحج عن الميت من الوارث وغيره حيث لم يستفصله أوارث هوأم لا وشبهه بالدين

5 - وعن ابن عباس قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل فقال إن أبي مات وعليه حجة الإسلام أفاحج عنه قال أرأيت لو أن أباك ترك دينا عليه أقضيته عنه قال نعم قال فأحجج عن أبيك "
- رواه الدارقطني

- حديث ابن عباس الآخر أخرجه النسائي والشافعي وابن ماجه : قوله " إن أمي نذرت " الخ قيل إن هذا الحديث مضطرب لأنه قد روى أن هذه المرأة قالت إن أمي ماتت وعليها صوم شهر كما تقدم في الصيام وأجيب بأنه محمول على أن المرأة سألت عن كل من الصوم والحج ويؤيد ذلك ماعند مسلم عن بريدة " أن امرأة قالت أن أمي " وفيه " يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفاصوم عنها قال صومي عنها قالت إنها لم تحج أفأحج عنها قال حجي عنها " قوله " قال نعم " فيه دليل على صحة النذر بالحج ممن لم يحج فإذا حج أجزأ عن حجة الإسلام عند الجمهور وعليه الحج عن النذر وقيل يجزيء عن النذر ثم يحج عن حجة الإسلام وقيل يجزيء عنهما ( وفيه دليل ) أيضا على إجزاء الحج عن الميت من الولد وكذلك من غيره ويدل على ذلك قوله " اقضوا الله فالله أحق بالوفاء " وروى سعيد بن منصور وغيره عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه لا يحج أحد عن أحد ونحوه عن مالك والليث . وعن مالك أن أوصى بذلك فليحج عنه وإلا فلا : قوله " أكنت قاضيته " فيه دليل على أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله كما أن عليه قضاء ديونه وقد أجمعوا على أن دين الآدمي من رأس المال فكذلك ما شبه به في القضاء ويلحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من نذر أو كفارة أو زكاة أو غير ذلك : قوله " فالله أحق بالوفاء " فيه دليل على أنه حق الله مقدم على حق الآدمي وهو أحد أقوال الشافعي وقيل بالعكس وقيل سواء : قوله " جاء رجل فقال إن أختي " الخ لامنافاة بين هذه الرواية والأولى لأنه يحتمل أن تكون القصة متعددة وأن تكون متحدة ولكن النذر وقع من الأخت والأم فسأل الأخ عن نذر أخته والبنت عن نذر الأم ( وقد استدل ) المصنف بهذه الرواية على صحة الحج من غير الوارث لعدم استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم للأخ هل هو وارث أولا وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما تقرر في الأصول ( واستدل ) بأحاديث الباب على أنه يصح ممن لم يحج أن يحج نيابة عن غيره لعدم استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم لمن سأله عن ذلك وبه قال الكوفيون وخالفهم الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه واستدلوا بحيث ابن عباس الآتي في باب من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه وسيأتي الكلام فيه . قوله " إن أبي مات وعليه حجة الإسلام " الخ فيه دليل على أنه يجوم للابن أن يحج عن أبيه حجة الإسلام بعد موته وإن لم يقع منه وصية ولا نذر ويدل على الجواز من غير الولد حديث الذي سمعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لبيك عن شبرمة وسيأتي

باب اعتبار الزاد والراحلة

1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله عز و جل { استطاع إليه سبيلا } قال قيل يا رسول الله ما السبيل قال الزاد والراحلة "
- رواه الدارقطني

2 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الزاد والراحلة يعني قوله من استطاع إليه سبيلا "
- رواه ابن ماجه

- الحديث الأول أخرجه أيضا الحاكم وقال صحيح على شرطهما والبيهقي كلهم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعا قال البيهقي الصواب عن قتادة عن الحسن مرسلا . قال الحافظ وسنده صحيح إلى الحسن ولا أرى الموصول إلا وهما وقد رواه الحاكم من حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس أيضا إلا أن الراوي عن حماد هو أبو قتادة عبدالله بن واقد الحراني وهو منكر الحديث كما قال أبو حاتم ولكنه قد وثقه أحمد . والحديث الثاني أخرجه أيضا الدارقطني قال الحافظ وسنده ضعيف . ورواه ابن المنذر من قول ابن عباس ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند الشافعي والترمذي وحسنه وابن ماجه والدارقطني وفي إسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي بخاء معجمة مضمومة ثم واو ثم زاي معجمة وقد قال فيه أحمد والنسائي متروك الحديث وعن جابر وعلي وابن مسعود وعائشة وعبد الله بن عمر وعند الدارقطني من طرق قال الحافظ كلها ضعيفة . وقد قال عبد الحق أن طرق الحديث كلها ضعيفة . وةقال أبو بكر بن المنذر لا يثبت الحديث في ذلك مسندا والصحيح من الروايات رواية الحسن المرسلة ولا يخفى أن هذه الطرق يقوي بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها وبها استدل من قال أن الاستطاعة المذكورة في القرآن هي الزاد والراحلة وقد حكى في البحر عن الأكثر أن الزاد شرط وجوب وهو أن يجد ما يكفيه ويكفي من يعول حتى يرجع . وحكى أيضا عن ابن عباس وابن عمر والثوري والهادوية وأكثر الفقهاء أن الراحلة شرط وجوب وقال ابن الزبير وعطاء وعكرمة ومالك أن الاستطاعة الصحة لا غير . وقال مالك والناصر والمرتضى وهو مروي عن القاسم أن من قدر على المشي لزمه أنه من لم يجد راحلة لقوله تعالى ( يأتوك رجالا ) قال مالك ومن عادته السؤال لزمه وإن لم يجد الزاد وفي كتب الفقه تفاصيل في قدر افستطاعة ليس هذا محل بسطها والذي دل عليه الدليل هو اعتبار الزاد الراحلة

باب ركوب البحر للخحج إلا أن يغلب على ظنه الهلاك

1 - عن عبد الله بن عمرو " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا في سبيل الله عز و جل فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا "
- رواه أبو داود وسعيد بن منصور في سننهما

2 - وعن أبي عمران الجوني قال " حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغزونا نحو فارس فقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بات فوق بيت ليس له إجار فوقع فمات فقد برئت منه الذمة ومن ركب البحر عند ارتجاجه فمات برئت منه الذمة "
- رواه أحمد

- الحديث الأول أخرجه أيضا البيهقي قال أبو داود رواته مجهولون وقال الخطابي ضعفوا إسناده وقال البخاري ليس هذا الحديث بصحيح ورواه البزار من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعا وفي إسناده ليث بن أبي سليم
والحديث الثاني في إسناده زهير بن عبد الله قال الذهبي هو مجهول لا يعرف وأخرج هذا الحديث أبو داود عن عبد الله بن علي يعني شيبان قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بات على ظهر بيت ليس له حجار فقد برئت منه الذمة " وبوب عليه باب النوم على سطح غير محجر وسكت عنه هو والمنذري . قوله " ليس له أجار " الإجار بهمزة مكسورة بعدها جيم مشددة وآخره راء مهملة هو ما يرد الساقط من البناء من حائط على السطح أو نحوه ورواية أبي داود ليس له حجار كما تقدم قال المنذري هكذا وقع في روايتنا حجار براء مهملة بعد الألف ويدل عليه تبويب أبي داود على هذا الحديث كما تقدم فإنه قال على سطح غير محجر والحجار جمع حجر بكسر الحاء أي ليس عليه شيء يستره يمنعه من السقوط ويقال احتجرت الأرض إذا ضربت عليها منارا تمنعها به عن غيرك أو يكون من الحجر أي حظيرة الإبل وحجرة الدار وهو راجع إلى المنع أيضا ورواه البخاري أيضا بالياء حجي وذكر أنه يروى بكسر الحاء وفتحها قال غيره فمن كسر شبهه بالحجي الذي هو العقل لأن الستر يمنع من الفساد ومن فتحه قال الحجي مقصور الطرف والناحية وجمعه أحجاء قال المنذري وقد روى أيضا أحجاب بالباء قوله " عند ارتجاجه " الارتجاج الاضطراب ( والحديث ) الأول يدل على عدم جواز ركوب البحر لكل أحد إلا للحاج والمعتمر والغازي ويعارضه حديث أبي هريرة المتقدم في أول هذا الكتاب لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر على الصيادين لما قالوا له " إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء " وروى الطبراني في الأوسط من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتجرون في البحر وفي سماع الحسن من سمرة مقال معروف وغاية ما في ذلك أن يكون ركوب البحر للصيد والتجارة مما خصص به عموم مفهوم حديث الباب على فرض صلاحيته للاحتجاج ( والحديث الثاني ) يدل على عدم جواز المبيت على سطوح التي ليس لها حائط . وعلى جواز ركوب البحر في أوقات اضطرابه

باب النهي عن سفر المرأة للحج وغيره إلا بمحرم

1 - عن ابن عباس " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب يقول لا يخلون رجل بإمرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقال رجل فقال يا رسول الله إن إمرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت غزوة كذا وكذا قال فانطلق فحج مع إمرأتك "

2 - وعن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم "
- متفق عليهما

3 - وعن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نههى أن تسافر المرأة مسيرة يومين أو ليلتين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم "
- متفق عليه . وفي لفظ قال " لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو زوجها أو إبنها أو أخوها أو ذو محرم منها "
- رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي

4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يحل لإمرأة تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها "
- متفق عليه . في رواية مسيرة يوم . وفي رواية مسيرة ليلة . وفي رواية " لا تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم " رواهن أحمد ومسلم . وفي رواية لأبي داود " بريدا "

- قوله " لا يخلون رجل بامرأة " الخ فيه منع الخلوة بالأجنبية وهو إجماع كما قال في الفتح وتجوز الخلوة مع وجود المحرم واختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات فقيل يجوز لضعف التهمة وقيل لا يجوز بل لا بد من المحرم وهو ظاهر الحديث
وقوله " ولا تسافر المرأة " أطلق السفر ههنا وقيده في الأحاديث المذكورة بعده . قال في الفتح وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقديرات . قال النووي ليس المراد من التحديد ظاهره بل كل ما يسمى سفرا فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه . وقال ابن التين وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين . وقال المنذري يحتمل أن يقال أن اليوم المفرد والليلة المفردة بمعنى اليوم والليلة يعني فمن أطلق يوما أراد بليلته أو ليلة أراد بيومها قال ويحتمل أن يكون هذا كله تمثيلا لأوائل الأعداد فاليوم أول العدد والإثنان أول التكثير والثلاث أول الجمع ويحتمل أنه ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها فيؤخذ بأقل ما ورد من ذلك وأقله الرواية التي فيها ذكر البريد كما في رواية أبي هريرة المذكورة في الباب وقد أخرجها الحاكم والبيهقي وقد ورد من حديث ابن عباس عند الطبراني ما يدل على اعتبار المحرم فيما دون البريد ولفظه " لا تساف ر المرأة ثلاثة أميال إلا مع زوج أو ذي محرم " وهذا هو الظاهر أعني الأخذ بأقل ما ورد لأن ما فوقه منهي عنه بالأولى والتنصيص على ما فوقه كالتنصيص على الثلاث واليوم والليلة واليومين والليلتين لا ينافيه لأ ن الأقل موجود في ضمن الأكثر وغاية الأمر أن النهي عن الأكثر يدل بمفهومه على أن ما دونه غير منهي عنه والنهي عن الأقل منطوق وهو أرجح من المفهوم وقالت الحفية أن المنع ميد بالثلاث لأنه متحقق وما عداه مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقين . ويوض بأن الرواية المطلقة شلملة لكل سفرينبغي الأخذ بها وطرح ما سواها فإنه مشكوك فيه والولى أن يقال أن الرواية المطلقة مقيدة بأقل ما ورد وهي رواية اللأميال إن صحت وإلا فرواية البريد . وقال سفيان يعتبر المحرم في المسافة البعيدة لا القريبة وقال أحمد لا يجب الحج على المرأة إذا لم تجد محرما . وإلى كون المحرم شرطا في الحج ذهبت العترة وأبو حنيفة والنخعي وإسحاق والشافعي في أحد قوليه على خلاف بينهم هل هو شرط أداء أو شرط وجوب . وقال مالك وهو مروى عن أحمد أنه لا عتبر المحرم في سفر الفريضة وروى عن الشافعي وجعلوه مخصوصا من عموم الأحاديث بالإجماع . ومن جملة سفر الفريضة سفر الحج وأجيب بأن المجمع عليه إنما هو سفر الضرورة فلا يقاس عليه سفر الاختيار كذا قال صاحب المغني . وأيضا وقع عند الدارقطني بلفظ " لا تحجن امرأة إلا ومعها زوج " وصححه أبو عوانة . وفي رواية للدارقطني أيضا عن أبي أمامة مرفوعا " لا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام أو تحج إلا ومعها زوجها " فكيف يخص سفر الحج من بقية الأسفار . وقد قيل أن اعتبار المحرم إنما هو في حق من كانت شابة لا في حق العجوز لأنها لا تشتهي . وقيل لا فرق لأن لكل ساقط لاقطا وهو مراعاة للأمر النادر وقد أحتج أيضا من لم يعتبر المحرم في سفر الحج بما في البخاري من حديث عدي بن حاتم مرفوعا بلفظ
يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها
وتعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه وأجيب عن هذا بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز والأولى على ما قال المتعقب جمعا بينه وبين أحاديث الباب . قوله " إلا مع ذي محرم " يعني فيحل لها السفر . قال في الفتح وضابط المحرم عند العلماء من محرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها خرج بالتأبيد زوج الأخت والعمة وبالمباح أم الموطوءة بشبهة وبنتها وبحرمتها الملاعنة . واستثنى أحمد الأب الكافر فقال لا يكون محرما لإبنته المسلمة لأنه لا يؤمن أن يفتنها عن دينها ومقتضاه إلحاق سائر القرابة الكفار لوجود العلة . وروي عن البعض أن العبد كمالمحرم وقد روى سعيد بن منصور من حديث ابن ابن عمر مرفوعا " سفر المرأة مع عبدها ضيعة " قال الحافظ لكن في إسناده ضعف قال وينبغي لمن قال بذلك ان يقيده بما إذا كانا في قافلة بخلاف ما إذا كانا وحدهما فلا لهذا الحديث : قوله " فحج مع امرأتك " فيه دليل على أن الزوج داخل في مسمى المحرم أو قائم مقامه . قال في الفتح وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فأوجب على الزوج السفر مع امرأته إذا لم يكن لها غيره وبه قال أحمد ووهو وجه للشافعي والمشهور أنه لا يلزمه كالولي في الحج عن المريض فلو امتنع إلا بأجرة لزمتها لأنه من سبيلها فصار في حقها كالمؤنة واستدل به على أنه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض وبه قال أحمد وهو وجه للشافعية والأصح عندهم أنه لو منعها لكون الحج على التراخي . وقد روى الداقطني عن ابن عمر مرفوعا في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها في الحج ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها وأجيب عنه بأنه محمول على حج التطوع جمعا بين الحديثين ونقل ابن المنذر الإجماع على أن للرجل منع زوجته عن الخروج في الأسفار كلها وإنما اختلفوا فيما إذا كان واجبا وقد استدل ابن حزم بهذا الحديث على أ ه يجوز للمرأة السفر بغير زوج ولا محرم لكونه صلى الله عليه وآله وسلم لم يعب عليها ذلك السفر بعد أن أخبره زوجها وتعقب بأنه لو لم يكن ذلك شرطا لما أمر زوجها بالسفر معها وترك الغزو والذي كتب فيه : قوله " إلا ومعها أبوها " الخ وقع في هذه الرواية بيان بعض المحارم : وقوله " أو ذو محرم منها " من عطف العام على الخاص ( وأحاديث ) الباب تدل على أنه لا يجب الحج على المرأة إلا إذا كان لها محرم . قال ابن دقيق العيد هذه المسألة تتعلق بالعامين إذا تعارضا فإن قوله تعالى ( ولله على الناس حج البيت ) الآية عام في الرجال والنساء فمقتضاه أن الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب الحج على الجميع . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تسافر المرأة إلا مع محرم " عام في كل سفر فيدخل فيه الحج فمن أخرجه عن خص الحديث بعموم الآية ومن أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث فيحتاج إلى الترجيح من خارج انتهى . ويمكن أن يقال أن أحاديث الباب لا تعارض الآية لأنها تضمنت أن المحرم في حق المرأة من جملة افستطاعة على السفر التي أطلقها القرآن وليس فيها إثبات أمر غير الاستطاعة المشروطة حتى تكون من تعارض العمومين ( لا يقال ) الاستطاعة المذكورة قد بينت بالزاد والراحلة كما تقدم لأنا نقول قد تضمنت أحاديث الباب زيادة على ذلك البيان باعتبار النساء غير منافية فيتعين قبولها على أن التصريح بغير اشتراط المحرم في سفر الحج لخصوصه كما في الرواية التي تقدمت مبطل لدعوى التعارض

باب من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه

1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال من شبرمة قال أخ لي أو قريب لي قال حججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة "
- رواه أبو داود وابن ماجه . وقال " فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة " والدارقطني وفيه قال " هذه نك وحج عن شبرمة "

- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان وصححه البيهقي وقال إسناده صحيح وليس في هذا الباب أصح منه وقد روى موقوفا والرفع زيادة يتعين قبولها إذا جاءت من طريق ثقة وهي ههنا كذلك لأن الذي رفعه عبدة بن سليمان قال الحافظ وهو ثقة محتج به في الصحيحين وقد تابعه محمد بن بشر ومحمد بن عبيد الله الأنصاري وكذا رجح عبد الحق وابن القطان رفعه ورجحه الطحاوي أنه موقوف وقال أحمد رفعه خطأ . وقال ابن المنذر لا يثبت رفعه وقد أطال الكلام صاحب التلخيص ومال إلى صحته : قوله " سمع رجلا " زعم ابن باطيش أن اسم الملبي نبيشة قال الحافظ وهو وهم منه فإنهاسم الملبي عنه فيما زعم الحسن بن عمارة وخالفه الناس فيه فقالوا أنه شبرمة وقد قيل أن الحسن بن عمارة رجع عن ذلك وقد بين الدارقطني في السنن وظاهر الحديث أنه لا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره وسواء كان مستطيعا أو غير مستطيع لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستفصل الرجل الذي سمعه يلبي عن شبرمة وهو ينزل منزلة العموم وإلى ذلك ذهب الشافعي والناصر وقال الثوري والهادي والقاسم أنه يجزي حج من لم يحج عن نفسه ما لم يتضيق عليه واستدل لهم في البحر بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " هذه عن نبيشة وحج عن نفسك " فكأنهم جمعوا بين هذا وبين حديث الباب بحمل حديث الباب على من كان مستطيعا ولكن الحديث الذي غستدل لهم به صاحب البحر لا أدرؤي من رواه ولم أقف عليه في شيء من كتب الحديث المعتمدة فينبغي افعتماد على حديث الباب ومن زعم أ ه في السنة ما يعارضه فليطلب منه التصحيح لمدعاه . وقد روى الدارقطني حديث نبيشة موافقا لحديث شبرمة لا مخالفا له كما زعم صاحب البحر وتقدم قول من قال أن اسم شبرمة نبيشة

باب صحة حجة الصبي والعبد من غير إيجاب له عليهما

1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقي ركبا بالروحاء فقال من القوم قالوا المسلمون فقالوا من أنت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت ألهذا حج قال نعم ولك أجر "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي

2 - وعن السائب بن يزيد قال " حج بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين "
- رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه

3 - وعن جابر قال " حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم "
- رواه أحمد وابن ماجه

4 - وعن محمد بن كعب القرظي " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما صبي حج به أهله فمات أجزأت عنه فإن أدرك فعليه الحج وأيما رجل مملوك ج به أهله فمات أجزأت عنه فإن أعتق فعليه الحج "
- ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنة عبد الله هكذا مرسلا

- حديث جابر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة وفي إسناده أشعث بن سوار وهو ضعيف ورواه الترمذي من هذا الوجه بلفظ آخر قال " كنا إذا حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان " قال ابن القطان ولفظ ابن أبي شيبة أشبه بالصواب فإن المرأة لا يلبي عنها غيرها أجمع على ذلك أهل العلم . وأخرج الترمذي أيضا من حديث جابر نحو حديث ابن عباس واستغربه وحديث محمد بن كعب أخرجه أيضا أبو داود في المراسيل وفيه راو مبهم ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند البخاري " أنه بعثه صلى الله عليه وآله وسلم في الثقل " بفتح المثلثة والقاف ويجوز إسكانها أي الأمتعة ووجه الدلالة منه أن ابن عباس كان دون البلوغ ( استدل ) بأحاديث الباب من قال أنه يصح حج الصبي ابن بطال أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ إلا أنه إذا حج كان له تطوعا عند الجمهور وقال أبو حنيفة لا يصح إحرامه ولا يلزمه شيء من محظورات الإحرام وإنما يحج به على جهة التدريب وشذ بعضهم فقال إذا حج الصبي أجزأه ذلك عن حجة الإسلام لظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم " نعم " في جواب قولها ألهذا حج . وإلى مثل ما ذهب إليه أبو حنيفة ذهبت الهادوية وقال الطحاوي لا حجة في قوله صلى الله عليه وآله وسلم نعم على أنه يجزئه عن حجة افسلام بل فيه حجة على من زعم أنه لا حج له قال لأن ابن عباس راوي الحديث قال أيما غلام حج به أهله ثم بلغ فعليه حجة أخرى ثم شاقه بإسناد صحيح وقد أخرج هذا الحديث مرفوعا الحاكم وقال على شرطهما والبيهقي وابن حزم وصححه وقال ابن خزيمة الصحيح موقوفا وأخرجه كذلك قال البيهقي تفرد برفعه محمد بن المنهال ورواه الثوري عن شعبة موقوفا ولكنه قد تابع محمد بن المنهال على رفعه الحرث بن شريح أخرجه كذلك الإسماعيلي والخطيب ويؤيد صحة رفعه ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس قال احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس فذكره وهو ظاهر في الرفع . وقال أخرج ابن عدي من حديث جابر بلفظ " لو حج صغير حجة لكان عليه حجة أخرى " . ومثل هذا حديث محمد بن كعب المذكور في الباب فيؤخذ من المجموع هذه الأحاديث أنه يصح حج الصبي ولا يجزئه عن حجة افسلام إذا بلغ وهذا هو الحق فيتعين المصير إليه جمعا بين الأدلة . قال القاضي عياض أجمعوا على أنه لا يجزئه إذا بلغ عن فريضة الإسلام إلا فرقة شذت فقالت يجزئه لقوله نعم . وظاهره استقامة كون حج الصبي حجا مطلقا . والحج إذا أطلق تبادر منه إسقاط الواجب ولكن العلماء ذهبوا إلى خلافه ولعل ميتندهم حديث ابن عباس يعني المتقدم فقال وقد ذهبت طائفة من أهل البدع إلى منع الصغير من الحج قال النووي وهو مردود لا يلتفت غليه لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وإجماع الأمة على خلافه انتهى . وقد احتج أصحاب الشافعي بحديث ابن عباس الذي ذكره المصنف رحمة الله على أن الأم تحرم عن الصبي وقال ابن الصباغ ليس في الحديث دلالة على ذلك

أبواب مواقيت الإحرام وصفته وإحكامه

باب المواقيت المكانية وجواز التقدم عليها

1 - عن ابن عباس قال " وقت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم قال فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها "

2 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن قال ابن عمر وذكر لي ولم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ومهل أهل اليمن من يلملم "
- متفق عليهما زاد أحمد في رواية وقاس الناس ذات عرق بقرن

- قوله " وقت " المراد بالتوقيت هنا التحديد ويحتمل أن يريد به تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر . وقال القاضي عياض وقت أي حدد قال الحافظ وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة ثم إتسع فيه فأطلق على المكان أيضا قال ابن الأثير التأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة يقال وقت الشيء بالتشديد يؤقته ووقته بالتخفيف يقته إذا بين مدته ثم اتسع فيه فقيل للموضع ميقات . وقال ابن دقيق العيد أن التأقيت في اللغة تعليق الحكم بالوقت ثم استعمل للتحديد والتعيين وعلى هذا فالتحديد من لوازم الوقت وقد يكون وقت بمعنى أوجب ومنه قوله تعالى { أن الصلاة كانت على المؤمنين كنابا موقوتا } : قوله " لأهل المدينة ذا الحليفة " بالحاء المهملة والفاء مصغرا قال في الفتح مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين قاله ابن حزم وقال غيره بينهما عشر مراحل . قال النووي بينها وبين المدينة ستة أميال ووهم من قال بينهما واحدوهو ابن الصباغ وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب وفيها بئر يقال لها بئر على انتهى : قوله " الجحفة " بضم الجيم وسكون المهملة قال في الفتح وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أوست وفي قول النووي في شرح المهذب ثلاث مراحل نظر وقال في القاموس هي على اثنين وثمانين ميلا من مكة وبها غدير خم كما قال صاحب النهاية . قوله " قرن المنازل " بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون وضبطه صاحب الصحاح بفتح الراء وغلطة صاحب القاموس وحكى النووي الأتفاق على تخطئته وقيل أنه بالسكون الجبل وبالفتح الطريق حكاه عياض عن القابسي قال في الفتح والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان . قوله " يلملم " بفتح التحتانية واللام وسكون الميم بعدها لام مفتوحة ثم ميم قال في القاموس ميقات أهل اليمن على مرحلتين من مكة وقال في الفتح كذلك وزاد بينهما ثلاثون ميلا : قوله " فهن " أي المواقيت المذكورة وهي ضمير جماعة المؤنث واصله لما يعقل وقد يستعمل فيما لا يعقل لكن فيما دون العشرة كذا في الفتح : قوله " لهن " أي للجماعات المذكورة ويدل عليه ما وقع في رواية في الصحيحين بلفظ " هن لهم أو لأهلهن " على حذف المضاف كما وقع في البخاري بلفظ " هن لاهلن " : قوله " ولمن أتى عليهن " أي على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة فإذا أراد الشامي الحج فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتى الجحفة التي هي ميقاته الأصلي فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور وادعى النووي الإجماع على ذلك وتعقب بأن المالكية يقولون يجوز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه وبه قالت الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية وهكذا ما كان من البلد ان خارجا عن البلدان المذكورة فإن ميقات أهلها الميقات الذي يأتون عليه : قوله " فمن كان دونهن " أي بين الميقات ومكة : قوله " فمهله من أهله " أي فميقاته من محل أهله وفي رواية للبخاري " فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ " أي من حيث أنشأ الأحرام إذا سافر من مكانه إلى مكة قال في الفتح وهذا متفق عليه إلا ما روى عن مجاهد انه قال ميقات هؤلاء نفس مكة ويدخل في ذلك من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بد اله بعد ذلك النسك فإنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات : قوله " يهلون منها " الأهلال رفع الصوت لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الأحرام ثم أطلق على نفس الأحرام اتساعا والمراد بقوله يهلون منها أي من مكة ولا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للأحرام منه وهذا في الحج وأما في العمرة فيجب الخروج إلى أدنى الحل كما سيأتي قال المحب الطبري لا أعلم أحدا جعل مكة ميقاتا للعمرة واختلف في القارن فذهب الجمهور إلى أن حكمه حكم الحاج في الأهلال من مكة . وقال ابن الماجشون يتعين عليه الخروج إلى أدنى الحل قوله " وقاس الناس ذات عرق بقرن " سيأتي الكلام عليه

3 - وعن ابن عمر " قال لما فتح هذان المصران أتوا عمر بن الخطاب فقالوا يا أمير المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حد لأهل نجد قرنا وأنه جور عن طريقنا وان أردنا قرنا شق علينا قال فأنظروا حذوها من طريقكم قال فحد لهم ذات عرق "
- رواه البخاري

4 - وروى عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق "
- رواه أبو داود والنسائي

5 - وعن أبي الزبير " أنه سمع جابرا سئل عن المهل فقال سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال مهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر الجحفة ومهل أهل العراق ذات عرق ومهل أهل نجد من قرن ومهل أهل اليمن من يلملم "
- رواه مسلم . وكذلك أحمد وابن ماجه ورفعاه من غير شك

- حديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري وقال في التلخيص هو من رواية القاسم عنها تفرد به المعافي بن عمران عن أفلح عنه والمعافي ثقة . وحديث جابر أخرجه مسلم على الشك في رفعه كما قال المصنف وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه كذلك وجزم برفعه أحمد وابن ماجه كما ذكر المصنف ولكن في إسناد أحمد ابن لهيعة وهو ضعيف وفي إسناد ابن ماجه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو غير محتج به ( وفي الباب ) عن الحرث بن عمرو السهمي عند أبي داود . وعن أنس عند الطحاوي . وعن ابن عباس عند ابن عبد البر . وعن عبد الله بن عمرو عند أحمد وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهذه الطرق يقوى بعضها بعضا وبها يرد على ابن خزيمة حيث قال في ذات عرق أخبار لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث وعلى ابن المنذر حيث يقول لم نجد في ذات عرق حديثا يثبت قال في الفتح لعل من قال أنه غير منصوص لم يبلغه أو رأي ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق منا لا يخلو عن مقال قال لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى وممن قال بأنه غير منصوص وإنما أجمع عليه الناس طاوس وبه قطع الغزالي والرافعي في شرح السند والنووي في شرح مسلم وكذا وقع في المدونة لمالك . وممن قال بأنه منصوص عليه الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في الشرح الصغير والنووي في شرح المهذب وقد أعله بعضهم بأن العراق لم تكن فتحت حينئذ . قال ابن عبد البرهي غفلة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لكونه علم أنها ستفتح فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق وبهذا أجاب الماوردي وآخرون وقد ورد ما يعارض أحاديث الباب فأخرج أبو داود والترمذي عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت لأهل المشرق العقيق " وحسنه الترمذي ولكن في إسناده يزيد بن أبي زياد قال النووي ضعيف باتفاق المحدثين قال الحافظ في نقل الأتفاق نظر يعرف من ترجمته انتهى . ويزيد المذكور أخرج حديثه أهل السنن الأربع ومسلم مقرونا بآخر قال شعبة لا أبالي إذا كتبت عن يزيد أن لا أكتب عن أحد وهو من كبار الشيعة وعلمائها ووصفه في الميزان بسوء الحفظ وقد جمع بين هذا الحديث وبين ماقبله بأوجه . منها ان ذات عرق ميقات الوجوب والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق . منها أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن والآخر ميقات لأهل البصرة ووقع ذلك في حديث أنس عند الطبراني وإسناده ضعيف . منها ان ذات عرق كانت أولا في مواضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد حكى هذه الأوجه صاحب الفتح : قوله " لما فتح هذان المصران " بالبناء للمجهول . وفي رواية للكشميهني " لما فتح هذين المصرين " بالبناء للمعلوم والمصران تثنية مصر والمراد بهما البصرة والكوفة : قوله " أنه جور " بفتح الجيم وسكون الواو بعدها راءاي ميل والجور الميل عن القصد ومنه قوله تعالى { ومنها جائر } : قوله " فانظروا حذوها " أي اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتا وظاهره ان عمر حد لهم ذات عرق باجتهاد . ولهذا قال المصنف رحمه الله والنص بتوقيت ذات عرق ليس في القوة كغيره فإن ثبت فيلس ببدع وقوع اجتهاد عمر على وفقه فإنه كان موفقا للصواب انتهى

6 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر أربع عمر في ذي القعدة إلا التي اعتمر مع حجته . عمرته من الحديبية ومن العام المقبل ومن الجعرانة حيث قسم غنائم حنين وعمرته مع حجته "

7 - وعن عائشة " قالت نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المحصب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال اخرج بأختك من الحرم فتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت وبالصفا والمروة فجئنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في منزله في جوف الليل فقال هل فرغت قلت نعم فإذن في أصحابه بالرحيل فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة "
- متفق عليهما

8 - وعن أم سلمة " قالت سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من أهل المسجد الأقصى بعمرة أو بحجة غفر له ما تقدم من ذنبه "
- رواه أحمد وأبو داود بنحوه وابن ماجه وذكر فيه العمرة دون الحجة

- حديث أم سلمة في إسناده علي بن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي قال أبو حاتم الرازي شيخ من شيوخ المدينة ليس بالمشهور وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن كثير في حديث ام سلمة هذا اضطراب : قوله " أربع عمر " ثبت مثل هذا من حديث عائشة وابن عمر عند البخاري وغيره وأخرج البخاري من حديث البراء أنه صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر مرتين والجمع بينه وبين أحاديثهم بأن البراء لم يعد عمرته التي حجته لأن حديثه مقيد بكون ذلك في ذي القعدة والتي في حجته كانت في ذي الحجة وكأنه أيضا لم يعد التي صد عنها وإن كانت وقعت في ذي القعدة أو عدها ولم يعد الجعرانة لخفائها عليه كما خفيت على غيره ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند عبد الرزاق " قال اعتمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث عمر في ذي القعدة " . وعن عائشة عند سعيد بن منصور " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر ثلاث عمر مرتين في ذي القعدة وعمرة في شوال " قال في الفتح وإسناده قوي وقولها في شوال مغاير لقول غيرها . ويجمع بينهما بأن ذلك وقع في آخر شوال وأول ذي القعدة ويؤيده م رواه ابن ماجة بإسناد صحيح عن عائشة بلفظ طلم يعتمر صلى الله عليه وآله وسلم إلا في ذي القعدة " وفي البخاري عن عائشة " أنها لما سمعت ابن عمر يقول اعتمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربع عمر إحداهن في رجب قالت يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط " وروى الدارقطني عن عائشة أنها قالت " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت " الحديث . وقد قدمنا الكلام عليه في قصر الصلاة . قال ابن القيم في الهدى ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان قط وقال لا خلاف أن عمره صلى الله عليه وآله وسلم لم تزد على أربع فلو كان قد اعتمر في رجب لكانت خمسا ولو كان قد اعتمر في رمضان لكانت ستا إلا أن يقال بعضهن في رجب وبعضهن في رمضان وبعضهن في ذي القعدة وهذا لم يقع وإنما الواقع اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس وابن عباس وعائشة : قوله " من الجعرانة " قال في القاموس الجعرانة وقد تكسر العين وتشدد الراء . وقال الشافعي التشديد خطأ موضع بين مكة والطائف سمي بريطة بنت سعد وكانت تلقب بالجعرانة انتهى . قوله " المحصب " هو على ما في القاموس الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح وموضع رمى الجمار بمنى : قوله " اخرج بأختك من الحرم " لفظ البخاري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم " وقد وقع الخلاف هل يتعين التنعيم لمن اعتمر من مكة قال الطحاوي ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن كان بمكة إلا التنعيم ولا ينبغي مجاوزته كما لا ينبغي مجاوزة المواقيت التي للحج وخالفهم آخرون فقالوا ميقات العمرة الحل وإنما أمر عائشة بالإحرام من التنعيم لأنه كان أقرب الحل إلى مكة ثم روى عن عائشة في حديثها أنها قالت فكان أدنانا من الحرم التنعيم فاعتمرت منه قال فثبت بذلك أن التنعيم وغيره سواء في ذلك وقال صاحب الهدى ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة ولا أعتمر بعد الهجرة إلا داخلا إلى مكة ولم يعتمر قط خارجا من مكة إلى الحل ثم يدخل إلى مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم ولا ثبت عند أحد من الصحابة فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها قال في الفتح وبعد أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته انتهى . ولكنه إنما يدل على المشروعية إذا لم يكن أمره صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لأجل تطييب قلبها كما قيل : قوله " من المسجد الأقصى " فيه دليل على جواز تقديم الإحرام على الميقات ويؤيد ذلك ما أخرجه الشافعي في الأم عن عمر والحاكم في المستدرك بإسناد قوي عن علي عليه السلام " أنهما قالا إتمام الحج والعمرة في قوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } بأن تحرم لهما من دويرة أهلك " بل قد ثبت ذلك مرفوعا من حديث أبي هريرة قال في الدار المنثور وأخرج ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعال أتمموا الحج والعمرة لله قال إن من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك وأما قول صاحب المنار أنه لو كان أفضل لما تركه جميع الصحابة فكلام على غير قانون الاستدلال وقد حكى في التلخيص أنه فسره ابن عينية فيما حكاه عنه أحمد بأن ينشئ لهما سفرا من أهله ولكن لا يناسب لفظ إلا هلال الواقع في حديث الباب ولفظ الإحرام الواقع في حديث أبي هريرة وفي تفسير على وعمر وقد قمنا في باب حكم العمرة تفسير آخر للآية

باب دخول مكة بغير إحرام بعذر

1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام "
- رواه مسلم والنسائي

2 - وعن مالك عن ابن شهاب عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال أقتلوه قال مالك ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ محرما "
- رواه أحمد والبخاري

- قوله " عمامة سوداء " فيه جواز لبس السواد وإن كان البياض أفضل منه لما سلف في اللباس في الجنائز قوله " وعلى راسه المغفر " زاد أبو عبيد القاسم بن سلام في روايته من حديد وكذا رواه عشرة من أصحاب مالك خارج الموطأ . قال القاضي عياض وجه الجميع بينه وبين قوله " وعلى رأسه عمامة سوداء " إن أول دخوله وعلى رأسه المغفر ثم بعد ذلك كان على راسه العمامة بدليل قوله في بعض الروايات فخطب الناس وعليه عمامة سوداء " قوله " فقال ابن خطل الخ إنما قتله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان ارتد عن الإسلام وقتل مسلما كان يخدمه وكان يهجو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسبه وكان له قينتان تغنيان بهجاء المسلمين . واسم أبي خطل عبد العزى وقال محمد بن إسحاق اسمه عبد الله وقال ابن الكلبي اسمه غالب وخطل بخاء معجمة وطاء مهملة مفتوحتين ( والحديثان يدلان ) على جواز دخول مكة للحرب بغير إحرام وقد اعترض عليه بأن القتال في مكة خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما ثبت في الصحيح " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فإن ترخص أحد لقتال لقتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها فقولوا إن الله تعالى أذن لرسوله ولم يأذن لكم " فدل على عدم جواز قياس غيره عليه ويجاب بأن غاية ما في هذا الحديث اختصاص القتال به صلى الله عليه وآله وسلم وأما جواز المجاوزة فلا وأمته أسوته في أفعاله وقد اختلف في اختلف في المجاوزة لغير عذر فمنعه الجمهور وقالوا لا يجوز إلا بإحرام من غير فرق بين من دخل لأحد النسكين أو لغيرهما ومن فعل إثم ولزمه دم وروى عن ابن عمر والناصر وهو الأخير من قولي الشافعي وأحد قولي أبي العباس أنه لا يجب الإحرام إلا على من دخل لأحد النسكين لا على من أراد مجرد الدخول ( استدل الأولون ) بقوله تعالى { وإذا حللتم فاصطادوا } وأجيب بأنه تعالى قدم تحريم الصيد عليهم وهم محرمون في قوله تعالى { إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم } وقد علم أنه لا إحرام إلا عن أحد النسكين ثم أخبرهم بإباحة الصيد لهم إذا حلوا فليس في الآية ما يدل على المطلوب واستدلوا ثانيا بحديث ابن عباس عند البيهقي بلفظ " لا يدخل أحد مكة إلا محرما " قال الحافظ وإسناده جيد ورواه ابن عدي مرفوعا من وجهين ضعيفين . وأخرجه ابن أ [ ي شيبة عنه بلفظ " لا يدخل أحد مكة بغير إحرام إلا الحطابين والعمالين وأصحاب منافعها " وفي إسناده طلحة ابن عمرو وفيه ضعف وروى الشافعي عنه أيضا أنه كان يرد من جاوز الميقات غير محرم . وقد اعتذر بعض المتأخرين عن حديث ابن عباس هذا بأنه موقوف على ابن عباس من تلك الطريق التي ذكرها البيهقي ولا حجة فيما عداها ثم عارض ما ظنه موقوفا بما أخرجه مالك في الموطأ أن ابن عمر جاوز الميقات غير محرم فإن صح ما إدعاه من الوقف فليس في غيجاب الإحرام على من أراد المجاوزة لغير النسكين دليل وقد كان المسلمون في عصره صلى الله عليه وآله وسلم يختلفون إلى مكة لحوائجهم ولم ينقل أنه أمر أحدا منهم بإحرام كقصة الحجاج بن علاط وكذلك قصة أبي قتادة لما عقر حمار الوحش داخل الميقات وهو حلال وقد كان أرسله لغرض قبل الحج فجاوز الميقات لا بنية الحج ولا العمرة فقرره صلى الله عليه وآله وسلم ولا سيما مع ما يقضي بعدم الوجوب من استصحاب البراء الأصلية إلى أن يقوم دليل ينقل عنها

باب ما جاء في أشهر الحج وكراهة الإحرام به قبلها

1 - عن ابن عباس " قال من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج "
- أخرجه البخاري وله عن ابن عمر قال " اشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة " وللدارقطني مثله عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير

2 - وروى عن أبي هريرة قال " بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم الحج بمنى لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الأكبر يوم النحر "
- رواه البخاري

3 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال أي يوم هذا فقالوا يوم النحر قال هذا يوم الحج الأكبر "
- رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه

- قوله " عن ابن عباس " علقه البخاري ووصله ابن خزيمة والحاكم والدارقطني من طريق الحكم عن مقسم عنه بلفظ " لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهره " ورواه ابن خزيمة من وجه آخر عنه بلفظ " لا يصلح أن يحرم بالحج أحد إلا في أشهر الحج " قوله " وعن ابن عمر " علقه البخاري ووصله الطبري والدارقطني من طريق ورقاء عن عبد الله بن دينار عنه : قوله " ويوم الحج الأكبر يوم النحر " إنما سمي بذلك لأن تمام أعمال الحج يكون فيه أو إشارة بالأكبر إلى الأصغر أعني العمرة ( وقد استدل ) المصنف بهذه الآثار على كراهة الإحرام بالحج قبل أشهر الحج وقد روى مثل ذلك عن عثمان وقال ابن عمر وابن عباس وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين أنه لا يصح الإحرام بالحج إلا فيها وهو قول الشافعي وقد تقرر في الأصول أن قول الصحابي ليس بحجة وليس في الباب إلا أقوال الصحابة إلا أن يصح ما ذكرنا عن ابن عباس من قوله فإن من سنة الحج الخ فإن هذه الصيغة لها حكم الرفع وقد قدمنا في آخر باب المواقيت ما يدل على استحباب الإحرام من دويرة الأهل وظاهره عدم الفرق بين من يفارق دويرة أهله قبل دخول أشهر الحج أو بعد دخولها إلا أنه يقوي المنع من الأحرام قبل أشهر الحج أن الله سبحانه ضرب لأعمال الحج أشهرا معلومة والإحرام عمل من أعمال الحج فمن إدعى أنه يصح قبلها فعليه الدليل ( وقد أجمع العلماء ) على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال لكن اختلفوا هل هي بكمالها أو شهران وبعض الثالث فذهب إلى الأول مالك وهو قول للشافعي وذهب غيرهما من العلماء إلى الثاني ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون عشر ليال من ذي الحجة وهل يدخل يوم النحر أو لا فقال أحمد وأبو حنيفة نعم وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه لا وقال بعض أتباعه تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ ويرد على من أخرج يوم النحر من أشهر الحج قوله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم النحر " هذا يوم النحر الأكبر " كما في حديث ابن عمر المذكور في الباب

باب جواز العمرة في جميع السنة

1 - عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال عمرة في رمضان تعدجل حجة "
- رواه الجماعة إلا الترمذي لكنه له من حديث أم معقل

2 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر أربعا إحداهن في رجب "
- رواه الترمذي وصححه

3 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر عمرتين عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال "
- رواه أبو داود

4 - وعن علي رضي الله عنه " قال في كل شهر عمرة "
- رواه الشافعي

- حديث أم معقل أخرجه أيضا النسائي من طريق معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن امرأة من بني أسد يقال لها أم معقل " قالت أردت الحج فاعتل بعيري فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة في رمضان تعدل حجة " وقد اختلف في إسناده فرواه مالك عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن قالت جاءت امرأة فذكره مرسلا ورواه أبو داود من طريق عمارة بن عمير وغيره عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي معقل . ورواه أبو داود من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر ابن عبد الرحمن عن رسول مروان عن أم معقل ويجمع بين الروايتين بتعدد الواقعة . وأما حديث ابن عباس فقد قدمنا في باب المواقيت ما يخالفه وحدييث عائشة سكت عنه أبو داود ورجال إسناده رجال الصحيح وحديث علي أخرجه البيهقي من طريق الشافعي بإسناد صحيح " قوله " تعدل حجة " فيه دليل على أن العمرة في رمضان تعدل حجة في الثواب لا لأنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى هذا الحديث نظير ما جاء " أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن " وقال ابن العربي حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من الله ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها . وقال ابن الجوزي فيه أن ثواب العمل يزيد بززيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص المقصد : قوله " اعتمر أربعا " قد تقدم الكلام في عدد عمره صلى الله عليه وآله وسلم والاختلاف في ذلك وقد وقع خلاف هل الأفضل العمرة في رمضان لهذ الحديث أو في أشهر الحج لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعتمر إلا فيها فقيل أن العمرة في رمضان لغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل وأما في حقه فما صنعه فهو أفضل لأنه فعله للرد على أهل الجاهلية الذين كانوا يمنعون من الاعتمار في أشهر الحج ( وأحاديث الباب ) وما ورد في معناها مما تقدم تدل على مشروعية العمرة في أشهر الحج وإليه ذهب الجمهور وذهبت الهادوية إلى أن العمرة في أشهر الحج مكروهة وعللوا ذلك بأنها تشغل عن الحج في وقته وهذا من الغرائب التي يتعجب الناظر منها فإن الشارع صلى الله عليه وآله وسلم إنما جعل عمره كلها في أشهر الحج لإبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع الاعتمار فيها كما عرفت فما الذي سوغ مخالفة هذه الأدلة الصحيحة والبراهين الصريحة وألجأ إلى مخالفة الشارع ومافقة ما كانت عليه الجاهلية ومجرد كونها تشغل عن أعمال الحج لا يصلح مانعا ولا يحسن نصبه في مقابلة الأدلة الصحيحة وكيف يجعل مانعا وقد اشتغل بها المصطفي في أيام الحج وأمر غيره بالاشتعال بها فيها ثم أي شغل لمن لم يرد الحج أو أراده وقدم مكة من أول شوال لا جرم من لم يشتغل بعلم السنة المطهرة حق افشتغال يقع في مثل هذه المضايق التي هي السم القتال والداء العضال . وحكى في البحر عن الهادي أنها تكره في أيام التشريق قال أبو يوسف ويوم النحر قال أبو حنيفة ويوم عرفة

باب من يصنع من أراد الإحرام من الغسل والتطيب ونزع المخيط وغيره

1 - عن ابن عباس رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أن النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها غير أن لا تطوف بالبيت "
- رواه أبو داود والترمذي

2 - وعن عائشة قالت " كنت أطيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند إحرامه بأطيب ما أجد " وفي رواية " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد ثم أرى وبيض الدهن في رأسه ولحيته بعد ذلك أخرجاهما

- حديث ابن عباس في إسناده خصيف بن عبد الرحمن الحراني كنيته أبو عون . قال المنذري وقد ضعفه غير واحد وقال في التقريب صدوق سيء الحفظ خلط بآخره ورمى بالإرجاء ( وقد استدل ) المصنف بهذا الحديث على أنه يشرع للمحرم الاغتسال عند ابتداء الإحرام وهو محتمل لإمكان أن يكون الغسل لأجل قذر الحيض ولكن في الباب أحاديث تدل على مشروعية الغسل للإحرام وقد تقدمت في أبواب الغسل فليرجع إليها : " قوله عند إحرامه " أي في وقت إحرامه وللنسائي حين أراد أن يحرم . وفي البخاري لإحرامه ولحله " قوله وبيض " بالموحدة المكسورة وبعدها تحتية ساكنة وآخر صاد مهملة وهو البريق . وقال الإسماعيلي أن الوبيص زيادة على البريق وأن المراد به التلألؤ وأنه يدل على وجود عين قائمة لا الريح ( واستدل بالحديث ) على استحباب التطييب عند إرادة الإحرام ولو بقيت رائحته عند الإحرام وعلى أنه لا يضر بقاء رائحته ولونه وإنما المحرم ابتداؤه بعد الإحرام قال في الفتح وهو قول الجمهور وذهب ابن عمر ومالك ومحمد بن الحسن والزهري وبعض أصحاب الشافعي ومن أهل البيت الهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله وأبو طالب إلى أنه لا يجوز التطييب عند الإحرام واختلفوا هل هو محرم أو مكروه وهل تلزم الفدية أولا واستدلوا على عدم الجواز بأدلة منها ما وقع عند البخاري وغيره بلفظ " ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرما " والطواف الجماع ومن لازمه الغسل بعده فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم اغتسل بعد أن تطيب . وأجيب عن هذا بما في البخاري أيضا بلفظ " ثم أصبح محرما ينضح طيبا " وهو ظاهر في أن نضح الطيب وظهور رائحته كان في حال إحرامه ودعوى بعضهم أن فيه تقديما وتأخيرا أو التقدير طاف على نسائه ينضح طيبا ثم أصبح محرما خلاف الظاهر ويرده قول عائشة المذكور ثم ارى وبيص الدهن في رأسه ولحيته بعد ذلك . وفي رواية لها ثم أراه في رأسه ولحيته بعد ذلك . وفي رواية للنسائي وابن حبان " رأيت الطيب في مفرقه بعد ثلاث وهو محرم " وفي رواية متفق عليها " كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أيام " ولمسلم " وبيص المسك " وسيأتي ذلك في باب منع المحرم من ابتداء الطيب ومن أدلتهمم نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الثوب الذي مسه الورس والزعفران كما سيأتي في أبواب ما يتجنبه المحرم وأجيب بأن تحريم الطيب على من قد صار محرما مجمع عليه والنزاع إنما هو في التطيب عند إرادة الأحرام واستمرار أثره لا غبتدائهز ومنها أمره صلى الله عليه وآله وسلم للأعرابي بنزع المنطقة وغسلها عن الخلوق وهو متفق عليه ويجاب عنه بمثل الجواب عن الذي قبله ولا يخفي ان غاية هذين الحديثين تحريم لبس ما مسه الطيب . ومحل النزاع تطييب البدنولكنه سيأتي في باب ما يصنع من أحرم في قميص أمره صلى الله عليه وآله وسلم لمن سأله بأنه يغسل الخلوق عن بدنه وسيأتي الجواب عنه
وقد أجاب عن حديث الباب المهلب وأبو الحسن القصار وابو الفرج من المالكية بأن ذلك من خصائصه ويرده ما أخرجه أبو داود وابن أبي شيبة عن عائشة قالت " كنا ننضح وجوهنا بالسك المطيب قبل أن نحرم ثم نحرم فنعرق ويسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا ينهانا " وهو صريح في بقاء عين الطيب وفي عدم اختصاصه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم . وسيأتي الحديث في باب منع المحرم من ابتداء الطيب . قال في الفتح ولا يقال أن ذلك خاصا بالنساء لأنهم أجمعوا أن النساء والرجال سواء في تحريم استعمال الطيب إذا كانوا محرمين وقال بعضهم كان ذلك طيبا لا رائحة له لما وقع في رواية عن عائشة " بطيب لا يشبه طيبكم " قال بعض رواته يعني لا بقاء له أخرجه النسائي . ويرده ما تقدم في الذي قبله وأيضا المراد بقولها لا يشبه طيبكم أي أطيب منه كما يدل على ذلك ما عند مسلم عنها بلفظ " بطيب فيه مسك " وفي أخرى له عنها " كأني أنظر إلى وبيص المسك " وأوضح من ذلك قولها في حديث الباب بأطيب ما نجد ولهم جوابات أخرى غير ناهضة فتركها أولى . والحق أن المحرم من الطيب على المحرم هو ما تطيب به ابتداء بعد إحرامه لا ما فعله عند إرادة الإحرام وبقي أثره لونا وريحا ولا يصح أن يقال لا يجوز استدامة الطيب قياسا على عدم جواز استدامة اللباس لأن استدامة اللبس لبس يخلاف استدامة الطيب فليست بطيب سلمنا استواءهما فهذا قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار

3 - وعن ابن عمر في حديث له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين "
- رواه أحمد

- هذا الحديث ذكره صاحب المذهب عن ابن عمر . قال الحافظ كأنه أخذه من كلام ابن المنذر فإنه ذكره كذلك بغير إسناد وقد بيض له المنذري والنواوي في الكىلام على المذهب ووهم من عزاه إلى الترمذي وقد عزاه المصنف إلى أحمد قال في مجمع الزوائد أخرجه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن وهو ببعض ألفاظه للجماعة كلهم كما سياتي في باب ما يتجنبه المحرم من اللباس وهو أيضا متفق على بعض ما فيه من حديث ابن عباس ( وفيه دليل ) على أنه يجوز للمحرم لبس الإزار والرداء والنعلين وفي البخاري من حديث ابن عباس قال " انطلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة بعد ما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرات التي تردع على الجلد " قوله " وليقطعهما أسفل الكعبين " الكعبان هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم وهذا هو المعروف عند أهل اللغة واستدل به على اشتراط القطع خلافا للمشهور عن أحمد فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع واستدل على ذلك بحديث ابن عباس الآتي في باب ما يتجنبه المحرم من اللباس بلفظ " ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين " ويجاب عنه بأن حمل المطلق على المقيد لازم وهو من جملة القائلين به وأجاب الحنابلة بجوابات أخر لعله يأتي ذكر بعضها عند ذكر حديث ابن عباس

4 - وعن ابن عمر قال " بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة " . " متفق عليه " . وفي لفظ ما أهل إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره "
- أخرجاه : وللبخاري " إن ابن عمر كان إذا أراد الخروج إلى مكة أدهن بدهن ليس له رائحة طيب ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ثم يركب فإذا أستوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل "

5 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا على حبل البيداء أهل "
- رواه أبو داود

6 - وعن جابر " أن إهلال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذي الحليفة حين أستوت به راحلته "
- رواه البخاري . وقال رواه أنس وابن عباس

7 - وعن سعيد بن جبير قال " قلت لابن عباس عجبا لأختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إهلاله فقال إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت منه حجة واحدة فمن هنالك اختلفوا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاجا فلما صلى في مسجده في ذي الحليفة ركعيتيه أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه فسمع ذلك منه أقوام فحفظوا عنه ثم ركب فلما أستقلت به ناقته أهل فأدرك ذلك منه أقوام فحفظوا عنه وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون إرسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا إنما أهل حين استقلت به ناقته ثم مضى فلما علا على شرف البيداء أهل فأدرك ذاك أقوام فقالوا إنما أهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين علا على شرف البيداء وأيم الله لقد أوجب في مصلاه وأهل حين استقلت به راحلته وأهل حين علا شرف البيداء "
- رواه أحمد وأبو داود . ولبقية الخمسة منه مختصرا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل في دبر الصلاة "

- حديث أنس الذي عزاه المصنف إلى أبي داود أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح إلى أشعث بن عبد الملك الحمراني وهو ثقة . وحديث ابن عباس الذي رواه عنه سعيد بن جبير في إسناده خصيف بن عبد الرحمن الحراني وهو ضعيف ومحمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث . وقد أخرجه الحاكم من طريق أخر عن عطاء عن ابن عباس وأخرج أيضا ما أخرجه الخمسة من حديثه مختصرا . قوله " بيداؤكم " البيداء هذه فوق علمي على علمي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي قاله أبو عبيد البكري وغيره وكان ابن عمر إذا قيل له الإحرام من البيداء أنكر ذلك وقال البيداء الذي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني بقولكم أنه أهل منها وإنما أهل من مسجد ذي الحليفة وهو يشير إلى قول ابن عباس عند البخاري أنه صلى الله عليه وآله وسلم ركب راحلته حتى استوت على البيداء أهل . وإلى حديث أنس المذكور في الباب والتكذيب المذكور المراد به الأخبار عن الشيء على خلاف الواقع وإن لم يقع على وجه العمد : قوله " ادهن بدهن ليست له رائحة طيبة " فيه جواز الأدهان بالأدهان التي ليست لها رائحة طيبة وقد ثبت من حديث ابن عباس عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ادهن ولم ينه عن الدهن . قال ابن المنذر أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والشيرج وان يستعمل ذلك في جميع بدنه رأسه ولحيته وأجمعوا على أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه وفرقوا بين الطيب والزيت في هذا فقياس كون المحرم ممنوعا من استعماله الطيب في رأسه أن يباح له استعمال الزيت في رأسه وقد تقدم الكلام في الطيب : قوله " على حبل البيداء " بالحاء المهملة هو الرمل المستطيل وهو المراد بقوله في الرواية الأخرى " على شرف البيداء " والشرف المكان العالي : قوله " فمن هناك اختلفوا " الخ هذا الحديث بزول به الأشكاك ويجمع بين الروايات المختلفة بما فيه فيكون شروعه صلى الله عليه وآله وسلم في الأهلال بعد الفراغ من صلاته بمسجد ذي الحليفة في مجلسه قبل أن يركب فنقل عنه من سمعه يهل هنالك أنه أهل بذلك المكان ثم أهل لما أستقلت به راحلته فظن من سمع أهلاله عند ذلك أنه شرع فيه في ذلك الوقت لأنه لم سمع أهلاله بالمسجد فقال إنما أهل حين استقلت به راحلته ثم روى كذلك من سمعه يهل على شرف البيداء . وهذا يدل على أن الأفضل لمن كان ميقاته ذا الحليفة أن يهل في مسجدها بعد فراغه من الصلاة ويكرر الأهلال عند ان يركب على راحلته وعندان يمر بشرف البيداء قال في الفتح وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل

باب الاشتراط في الإحرام

1 - عن ابن عباس " ان ضباعة بنت الزبير قالت يا رسول الله إني امرأة ثقيلة وأريد الحج فيكف تأمرني أهل فقال أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني قال فأدركت "
- رواه الجماعة إلا البخاري وللنسائي في رواية " وقال فإن لك على ربك ما استثنيت "

2 - وعن عائشة قالت " دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها لعلك أردت الحج قالت والله ما أجدني إلى وجعة فقال لها حجي واشترطي وقولي اللهم محلى حيث حبستني وكان تحت المقداد ابن الأسود "
- متفق عليه

3 - وعن عكرمة عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحرمي وقولي أن محلي حيث تحبسني فان حبست أو مرضت فقد حللت من ذلك بشرطك على ربك عز و جل "
- رواه أحمد

- حديث عكرمة أخرجه أيضا ابن خزيمة ( وفي الباب ) عن أنس عند البيهقي وعن جابر عنده . وعن ابن مسعود وأم سليم عنده أيضا . وعن أم سلمة عند أحم الطبراني في الكبير وفي إسناده ابن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث وبقية رجاله رجال الصحيح وعن ابن عمر عند الطبراني في الكبير وفيه علي بن عاصم وهو ضعيف قال العقيلي روى عن ابن عباس قصة ضباعة بأسانيد ثابته جياد انتهى : وقد غلط الأصلي غلطا فاحشا فقال إنه لا يثبت في الأشتراط حديث وكأنه ذهل عما في الصحيحين . وقال الشافعي لوثبت حديث عائشة في الأستثناء لم أعده إلى غيره لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله . قال البيهقي فقد ثبت هذا الحديث من أوجه . قوله " ضباعة " بضم المعجمة بعدها موحدة قال الشافعي كنيتها أم حكيم وهي بنت عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبوها الزبير بن عبد المطلب بن هاشم ووهم الغزالي الأسلمية وتعقبه النووي وقال صوابه الهاشمية . قوله " محلى " بفتح الميم وكسر المهملة أن مكان إحلالي ( وأحاديث الباب ) تدل على أن من اشتراط هذا الأشتراط ثم عرض له ما يحبسه عن الحج جاز له التحلل وأنه لا يجوز التحلل مع عدم الاشتراط وبه قال جماعة من الصحابة منهم علي وابن مسعود وعمر وجماعة من التابعين وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور وهو المصحح للشافعي كما قال النووي . وقال أبو حنيفة ومالك وبعض التابعين وإليه ذهب الهادي أنه لا يصح الأشتراط وهو مروي عن ابن عمر . قال البيهقي لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة لقال به ولم ينكر الأشتراط وهو مروي عن ابن عمر . قال البيهقي لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة لقال به ولم ينكر الأشتراط كما لم ينكره أبوه انتهى . وقد اعتذروا عن هذه الأحاديث بأنها قصة عين وأنها مخصوصة بضباعة وهو يتنزل على الخلاف المشهور في الأصول في خطابه صلى الله عليه وآله وسلم لواحد هل يكون غيره فيه أم لا داعي بعضهم إن الاشتراط منسوخ روى ذلك عن ابن عباس لكن بإسناد فيه الحسن بن عمارة وهو متروك وادعى بعض أنه لم يثبت وقد تقدم الجواب عليه

باب التخيير بين التمتع والأفراد والقران وبيان أفضلها

1 - عن عائشة قالت " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل قالت وأهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج وأهل به ناس معه وأهل معه ناس بالعمرة والحج وأهل ناس بعمرة وكنت فيمن أهل بعمرة "
- متفق عليه

2 - وعن عمران بن حصين قال " نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينزل قرآن بحرمه ولم منه عنها حتى مات "
- متفق عليه . ولأحمد ومسلم " نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى يعني متعة الحج وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لم تنزل آية تفسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها حتى مات "

3 - وعن عبد الله بن شقيق " أن عليا كان يأمر بالمتعة وعثمان ينهي عنها فقال عثمان كلمة فقال علي لقد علمت إنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عثمان أجل ولكنا كنا خائفين "
- رواه أحمد ومسلم

4 - وعن ابن عباس قال " أهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعمرة وأهل أصحابه بالحج فلم يحل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا من ساق الهدى من أصحابه وحل بقيتهم "
- رواه أحمد ومسلم . وفي رواية قال " تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر عثمان كذلك وأول من نهى عنها معاوية " . رواه أحمد والترمذي

- الرواية الأخرى حسنها الترمذي . قوله " فقال من أراد منكم أن يهل " الخ فيه الأذن منه صلى الله عليه وآله وسلم بالحج إفرادا وقرانا تمتعا . والأفراد هو الاهلال بالحج وحده والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء ولا خلاف في جوازه والقرآن هو الاهلال بالحج والعمرة معا وهو أيضا متفق على جوازه أو الأهلال بالعمرة ثم يدخل عليها الحج أو عكسه وهذا مختلف فيه والتمتع هو الأعتمال في أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة والأهلال بالحج في تلك السنة ويطلقة التمتع في عرف السلف على القرآن . قال ابن عبد البر ومن التمتع أيضا القرآن ومن التمتع أيضا فسخ الحج إلى العمرة انتهى . وقد حكى النووي في شرح مسلم الإجماع على جواز الأنواع الثلاثة وتأويل ما ورد من النهي عن التمتع من بعض الصحابة . قوله " وأهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج " احتج به من قال كان حجه صلى الله عليه وآله وسلم مفردا وأجيب بأنه لا يلزم من أهلاله بالحج أن لا يكون أدخل عليه العمرة ( واعلم ) أنه قد اختلف في حجه صلى الله عليه وآله وسلم هل كان قرانا أو تمتعا أو أفرادا وقد اختلفت الأحاديث في ذلك فروى أنه حج قرانا من جهة جماعة من الصحابة منهم ابن عمر عند الشيخين وعنه عند مسلم وعائشة عندهما أيضا وعنها عند أبي داود وعنها عند مالك في الموطأ وجابر عند الترمذي وابن عباس عند أبي داود وعمر بن الخطاب عند البخاري وسيأتي والبراء بن عازب عند أبي داود وسيأتي وعلى عند النسائي وعنه عند الشيخين وسيأتي . وعمران بن حصين عند مسلم . وأبو قتادة عند الدارقطني . قال ابن القيم وله طرق صحيحة وسراقة بن مالك عند أحمد وسيأتي ورجال إسناده ثقات . وأبو طلحة الأنصاري عند أحمد وابن ماجه في إسناده الحجاج بن ارطأة والهرماس بن زياد الباهلي عند أحمد أيضا وابن أبي أوفى عند البزار بإسناد صحيح . وأبو سعيد عند البزار . وجابر بن عبد الله عند أحمد وفيه الحجاج بن أرطأة وأم سلمة عنده أيضا . وحفصة عند الشيخين وسعد ابن أبي وقاص عند النسائي والترمذي صححه . وأنس عند الشيخين وسيأتي وأما حجة تمتعا فروى عن عائشة وابن عمر عند الشيخين وسيأتي وعلي وعثمان عند مسلم وأحمد كما في الباب وابن عباس عند أحمد والترمذي كما في الباب أيضا . وسعد بن أبي وقاص كما سيأتي وأما حجة افرادا فروي عن عائشة كما في حديث الباب وعنها عند البخاري كما سيأتي . وعن ابن عمر عند أحمد ومسلم كما سيأتي أيضا وابن عباس عند مسلم . وجابر عند ابن ماجه وعنه عند مسلم
( وقد اختلفت ) الأنظار واضطربت الأقوال لاختلاف هذه الأحاديث فمن أهل العلم من جمع بين الروايات كالخطابي فقال ان كلا أضاف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أمر به اتساعا ثم رجح أنه صلى الله عليه وآله وسلم أفرد الحج وكذا قال عياض وزاد فقال وأما احرامه فقد تظافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردا وأما رواية من روى التمتع فمعناه أنه أمر به لأنه صرح بقوله " ولولا أن معي الهدى لاحللت " فصح أنه لم يتحلل . وأما رواية من روى القران فهو أخبار عن آخر أحواله لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادي وقيل قل عمرة في حجة . قال الحافظ وهذا الجمع هو المعتمد وقد سبق إليه قديما ابن المنذر وبينه ابن حزم في حجة الوداع بيانا شافيا ومهده المحب الطبري تمهيدا بالغا يطول ذكره ومحصله ان كل من روى عنه الافراد حمل على ما أهل به في أول الحال كل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به وكل من روى عنه القران أراد ما أستقر عليه الأمر وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية جمعا حسنا فقال ما حاصله أن التمتع عند الصحابة يتناول القران فتحمل عليه رواية من روى أنه حج تمتعا وكل من روى الأفراذ قد روى أنه حج صلى الله عليه وآله وسلم تمتعا وقرانا فيتعين الحمل على القران وأنه أفرد أعمال الحج ثم فرغ منا وأتى بالعمرة . ومن أهل العلم من صار إلى التعارض فرجح نوعا وأجاب عن الأحاديث القاضية بما يخالفه وهي جوابات طويلة أكثرها متسفة وأورد كل منهم لما اختاره مرجحات أقواها وأولاها مرجحات القران فإنه لا يقاومها شيء من مرجحات غيره . منها أن أحاديثه مشتملة على زيادة على من روى الأفراد وغيره والزيادة مقبولة إذا خرجت مخرج صحيح فكيف إذا ثبتت من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة . ومنها أن من روى الأفراد والتمتع اختلف عليه في ذلك لأنهم جميعا روى عنهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم حج قرانا . ومنها أن روايات القرآن لا تحتمل التأويل بخلاف روايات الأفراد والتمتع فإنها تحتمله كما تقدم
ومنها أن رواة القران أكثر كما تقدم . ومنها أن فيهم من أخبر عن سماعه لفظا صريحا وفيهم من أخبر عن اخباره صلى الله عليه وآله وسلم بأنه فعل ذلك وفيهم من أخبر عن أمر ربه بذلك . ومنها أنه النسك الذي أمر به كل من ساق الهدى فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدى ثم يسوق هو الهدى ويخالفه وقد ذكر صاحب الهدى مرجحات غيره هذه ولكنها مرجحات باعتبار أفضلية القران على التمتع والأفراد لا باعتبار أنه صلى الله عليه وآله وسلم حج قرانا وهو بحث آخر قد اختلفت فيه المذاهب اختلافا كثيرا فذهب جمع من الصحابة والتابعين وأبو حنيفة وإسحاق ورجحه جماعة من الشافعية منهم النووي والمزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي وتقي الدين السبكي إلى أن القران أفضل . وذهب جمع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كمالك وأحمد والباقر والصادق والناصر وأحمد بن عيسى وإسماعيل بن جعفر الصادق وأخيه موسى والأمامية إلى أن التمتع أفضل . وذهب جماعة من الصحابة وجماعة من بعدهم وجماعة من الشافعية وغيرهم ومن أهل البيت الهادي والقاسم والأمام يحيى وغيرهم من متأخريهم إلى أن الأفراذ أفضل وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أن الأنواع الثلاثة الفضل سواء قال في الفتح وهو مقتضى تصرف ابن خزيمة في صحيحه . وقال أبو يوسف القران والتمتع في الفضل سواء وهما أفضل من الافراد . وعن أحمد من ساق الهدى فالقران أفضل له ليوافق فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن لم يسق الهدى فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه وأمر به أصحابه زاد بعض أتباعه ومن أراد أن ينشئ لعمرته من بلد سفره فالأفراد أفضل له قال وهذا أعدل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة ولكن المشهور عن أحمد أن التمتع أفضل مطلقا وقد احتج القائلون بأن القران أفضل بحجج منها أن الله اختاره لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم . ومنها أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم دخلت العمرة في الحج إلىيوم القيامة يقتضى أنها قد صارت جزأ منه أو كالجزء الداخل فيه بحيث لا يفصل بينها وبينه ولا يكون ذلك إلا مع القران . ومنها أن النسك الذي اشتمل على سوق الهدى افضل واستدل من قال بأن التمتع أفضل بما اتفق عليه من حديث جابر وغير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى ولجعلتها عمرة " قالوا و رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتمنى إلا الأفضل واستمراره في القران إنما كان لاضطرار السوق إليه وهذا هو الحق فإنه لا يظن أن نسكا أفضل من نسك اختاره صلى الله عليه وآله وسلم لافضل الخلق وخير القرون وأما ما قيل من أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال كذلك تطبيبا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته ففاسد لان المقام مقام تشريع للعبادة وهو لا يجوز عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يخبر بما يدل على أن ما فعلوه من التمتع أفضل مما استمر عليه من القران والأمر على خلاف ذلك وهو هذا الا تغرير يتعالى مقام النبوة بالجملة لم يوجد في شيء من الأحاديث ما يدل على أن بعض الأنواع أفضل من بعض غيره هذا الحديث فالتمسك به متعين ولا ينبغي أن يلتفت إلى غيره من الرجحات فإنها في مقابلته ضائعة
( واحتج ) من قال بأن الأفراد أفضل أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أفردوا الحج وواظبوا على إفراده فلولم يكن أفضل لم يواظبوا عليه وبأن الافراد لا يجب فيه دم قال النووي بالإجماع وذلك لكماله ويجب الدم في التمتع والقران وهو دم جبران لفوات الميقات وغيره فكان مالا يحتاج إلى جبران أفضل . ومنها أن الأمة أجمعت على جواز الافراد من غير كراهة وكره عمر وعثمان وغيرهما التمتع وبعضهم ويجاب عن هذا كله بأن الافراد لو كان أفضل لفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو تمنى فعله بعد أن صار ممنوعا بالسوق والكل ممنوع والسند ما سلف من أنه صلى الله عليه وآله وسلم حج قرانا وأظهر أنه كان يود أن يكون حجه تمتعا وهذان البحثان أعني تعيين ما حجه صلى الله عليه وآله وسلم من الأنواع وبيان ما هو الأفضل منها من المضايق ومواطن البسط وفيما حررناه مع كونه في غاية الإيجاز ما يغني اللبيب

5 - وعن حفصة أم المؤمنين " قالت قلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما شأن الناس حلو ولم تحل من عمر تلك قال أني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل من الحج "
- رواه الجماعة إلا الترمذي

6 - وعن غنيم بن قيس المازني قال " سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة في الحج فقال فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعروش يعني بيوت مكة يعني معاوية "
- رواه أحمد ومسلم

7 - وعن الزهري عن سالم عن أبيه قال " تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدى من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدى ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى الميطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وطاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أشواط من السبع ومشى أربعة أطواف ثم ركع حين قضي طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يتحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجة ونحر هدية يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهدى فساق الهدى " . وعن عروة عن عائشة مثل حديث سالم عن أبيه " متفق عليه

- قوله " ولم تحل " في رواية للبخاري " ولم تحلل " بلامين وهو إظهار شاذ وفيه لغة معروفة . قوله " لبدت " بتشديد الموحدة أي شعر رأسي وهو أن يجعل فيه شيء ملتصق ويؤخذ منه استحباب ذلك للمحرم . قوله " فلا أحل من الحج " يعني حتى يبلغ الهدى محله . واستدل به على أن من اعتمر فساق هدايا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هدية يوم النحر . قوله " بالعروش " جمع عرش يقال لمكة وبيوتها كما في القاموس . قوله " تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ قال المهلب معناه أمر ذلك لأنه كان ينكر على أنس قوله أنه قرن ويقول أ ه كان مفردا . وله " فأهل بالعمرة " قال المهلب معناه أمرهم بالتمتع وهو أن يهلوا بالعمرة أولا ويقدموها قبل الحج قال ولا بد من هذا التأويل لدفع التناقض عن ابن عمر . وقال ابن المنير أن حمل قوله تمتع على معنى أمر من أبعد التأويلات والاستشهاد عليه بقوله رجم وإنما أمر بالرجم من أوهن الاستشهادات لأن الرجم وظيفة الإمام والذي يتولاه إنما يتولاه نيابة عنه وأما أعمال الحج من إفراد وقران وتمتع فإنه وظيفة كل أحد عن نفسه ثم أورد تأويل آخر وهو أن الراوي عهد أن الناس لا يفعلون إلا كفعله لا سيما مع قوله " خذوا عني مناسككم " فلما تحقق أن الناس تمتعوا ظن أنه صلى الله عليه وآله وسلم تمتع فأطلق ذلك . قال الحافظ ولا يتعين هذا أيضا بل يحتمل أن يكون معنى قوله تمتع محمولا على مدلوله اللغوي وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها وغيره . قال النووي إن هذا هو المتعين " قوله " بالعمرة إلى الحج . قال المهلب أيضا أي أدخل المرة على الحج . قوله " فإنه لا يحل من شيء حرم عليه " تقدم بيانه : قوله " وليقصر " قال النووي معناه أنه ليفعل الطواف والسعي والتقصير يصير حلالا وهذا دليل على أن الحلق والتقصير نسك وهو الصحيح وقيل استباحة محظور قال وإنما أمره بالتقصير دون الحلق مع أن الحلق أفضل ليبقى له شعر يحلقه في الحج : قوله " وليحل " هو أمر معناه الخبر أي قد صار حلالا فله فعل كل ما كان محظورا عليه في الإحرام : قوله " ثم يهل بالحج " أي يحرم وقت خروجه إلى عرفة ولهذا أتي بثم الدالة على التراخي فلم يرد أنه يهل بالحج عقب احلالا من العمرة : قوله " وليهد " أي هدى التمتع قوله " فمن لم يحل " الخ أي لم يجد الهدى بذلك المكان أو لم يجد ثمنه أو كان يجد هديا ولكن يمتنع صاحبه من بيعه أو يبيعه بغلاء فينتقل إلى الصوم كما هو نص القرآن والمراد بقوله تعالى { في الحج } أي بعد الاحرام به . قال النووي هذا هو الأفضل . وإن صامها قبل الأهلال بالحج أجزأه على الصحيح . وأما قبل التحلل من العمرة فلا على الصحيح . وجوزه الثوري وأهل الرأي : قوله " ثم خب " سيأتي الكلام عليه في الطواف ويأتي الكلام أيضا على صلاة الركعتين والسعي بين الصفا والمروة ونحر الهدى والأفاضة وسوق الهدى ( وقد استدل ) بالأحاديث المذكورة على أن حجة صلى الله عليه وآله وسلم كان تمتعا وقد تقدم الكلام على ذلك في أول الباب . قوله " من أهدى فساق الهدى " الموصول فاعل قوله فعل أي فعل من أهدى فساق الهدى مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وأغرب الكرماني فشرحه على ان فاعل فعل هو ابن عمر راوي الخبر وفصل في رواية أبي الوقت بين قوله فعل وبين قوله من أهدى بلفظ باب قال في الفتح وهذا خطأ شنيع وقال أبو الوليد أمرنا أبو ذران نضرب على هذه الترجمة يعني قوله من أهدى وساق الهدى وذلك لظنه بأنها ترجمة من البخاري فحكم عليها بالوهم

7 - وعن القاسم عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم افرد الحج "
- رواه الجماعة إلا البخاري

8 - وعن نافع عن ابن عمر قال " أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج مفردا "
- رواه أحمد ومسلم . ولمسلم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل بالحج مفردا "

9 - وعن بكر المزني عن أنس قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا يقول لبيك عمرة وحجا "
- متفق عليه

10 - وعن أنس أيضا " قال خرجنا نصرخ بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نجعلها عمرة وقال لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لجعلتها عمرة ولكن سقت الهدى وقرنت بين الحج والعمرة "
- رواه أحمد

11 - وعن عمر بن الخطاب قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بوادي العقيق يقول أتاني الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة "
- رواه أحمد والبخاري وابن ماجه وأبو داود وفي رواية للبخاري " وقل عمرة وحجة "

- قوله " أفرد الحج " قد تقدم إن رواية الافراد غير منافية لرواية القران لأن من روى القرآن ناقل للزيادة وغاية الأمر أن يجمع بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أهل أولا بالحج مفردا ثم أضاف إليه العمرة وأما قول ابن عمر أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج مفردا فليس فيه ما ينافي قول من قال أن حجة صلى الله عليه وآله وسلم كان قرانا أو تمتعا لأنه أخبر عن اهلالهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يخبر عن أهلاله صلى الله عليه وآله وسلم : قوله " يقول لبيك عمرة وحجة " هو من أدلة القائلين بأن حجة صلى الله عليه وآله وسلم كان قرانا وقد رواه عن أنس جماعة من التابعين منهم الحسن البصري وأبو قلابة وحميد بن هلال وحميد بن عبد الرحمن الطويل وقتادة ويحيى بن سعيد الأنصاري وثابت البناتي وبكر ابن عبد الله المزني وعبد العزيز بن صهيب وسليمات ابن أبي إسحاق وزيد بن أسلم ومصعب بن سليم وأبو قدامة عاصم بن حسين وسويد بن حجر الباهلي قوله " خرجنا نصرخ بالحج فيه حجة للجمهور والقائلين أنه يستحب رفع الصوت بالتلبية وقد أخرج مالك في الموطأ وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم من طريق خلاذ بن السائب عن أبيه مرفوعا جاء في جبريل فأمرني أن آمر أصحابي يرفعون أصواتهم بالاهلال وروى ابن القاسم عن مالك أنه لا يرفع الصوت بالتلبية إلا عند المسجد الحرام ومسجد منى . قوله " لواستقبلت " الخ هو متفق عليه مثل معناه من حديث جابر وبه استدل من قال بأن التمتع أفضل أنواف الحج وقد تقدم البحث عن ذلك . قوله أتاني الليلة آت هن جبريل كما في الفتح : قوله " فقال صل في هذا الوادي المبارك " هو وادي العقيق وهو بقرب العقيق بينه وبين المدينة أربعة أميال وروى الزبير بن بكار في أخبار المدينة أن تبعا لما انحدر في مكان عند رجوعه من المدينة قال هذا عقيق الأرض فسمى العقيق : قوله " وقل عمرة في حجة " برفع عمرة في أكثر الروايات وبنصبها في بعضها باضمار فعل أي جعلتها عرمو وهو دليل على أن حجة صلى الله عليه وآله وسلم كان قرانا وأبعد من قال أن معناه أنه يعتمر في تلك السنة بعد فراغ حجة . وظاهر حديث عمر هذا أن حجة صلى الله عليه وآله وسلم القران كان بأمر من الله فكيف يقول صلى الله عليه وآله وسلم لو استقبلت من ما استدبرت لجعلتها عمرة فينظر في هذا فإن أجيب بأنه إنما قال ذلك تطيبا لخواطر أصحابه فقد تقدم أنه تعزير لا يليق نسبة مثله إلى الشارع

12 - وعن مروان بن الحكم " قال شهدت عثمان وعليا وعثمان ينهي عن المتعة وان يجمع بينما فلما رأى ذلك على أهل بهما لبيك بعمرة وحجة وقال ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقول أحد "
- رواه البخاري والنسائي

13 - وعن الصبي بن معبد قال " كنت رجلا نصرانيا فأسلمت فاهللت بالحج والعمرة قال فسمعني زيد بن صوخان وسلمان بن ربيعة وأنا أهل بهما فقالا لهذا أضل من بعير أهله فكأنما حمل على بكلمتيهما جبل فقدمت على عمر بن الخطاب فأخبرته فاقبل عليهما فلامهما وأقبل على فقال هديت لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد وابن ماجه والنسائي

- الحديث أخرج نحوه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح . قوله " وان يجمع بينهما " يحتمل أن تكون الواو عاطفة فيكون نهى عن التمتع والقران معا ويحتمل أن يكون عطفا تفسيريا وهو على ما تقدم أن السلف كانوا يطلقون على القران تمتعا فيكون المراد ان يجمع بينهما قرانا أو ايقاعا لها في سنة واحدة بتقديم العمرة على الحج وقد زاد مسلم أن عثمان قال لعلي دعنا عنك فقال علي أني لا أستطيع ان أدعك وقد تقدم في أول الباب أن عثمان قال أجل ولكنا كنا خائفين : قوله " عن الصبي " هو بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة بعدها تحتية قال في التقريب صبي بالتصغير ابن معبد التغلبي بالمثناة والمعجمة وكسر اللام ثقة مخضرم نزل الكوفة من الثانية : قوله " زيد بن صوخان " بضم الصاد المهملة بعدها واو ساكنة ثم معجمة مخففة : قوله " فكأنما حمل على بكلمتيهما جبل " يعني أنه ثقل عليه ما سمعه منهما من ذلك اللفظ الغليظ : قوله " هديت لسنة نبيك " هو من أدلة القائلين بتفضيل القران ولا يخفى أنه لا يصح للاستدلال به على الأفضلية لأنه لا خلاف أن الثلاثة الأنواع ثابتة من سنته صلى الله عليه وآله وسلم إما بالقول أو بالفعل ومجرد نسبة بعضها إلى السنة لا يدل على أنه أفضل من غيره مع كونها مشتركة في ذلك

14 - وعن سراقة بن مالك قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال وقرن رسول الله في حجة الوداع "
- رواه أحمد

15 - وعن البراء بن عازب قال " لما قدم على من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وجدت فاطمة قد لبست ثيابا صبيغا وقد نضحت البيت بنضوح فقالت مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر أصحابه فحلوا قال قلت لها إني أهلك باهلال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال فأيتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي كيف صنعت قال قلت فقال لي انحر من البدن سبعا وستين أو ستا وستين وانسك لنفسك ثلاثا وثلاثين أو أربعا وثلاثين وأمسك لي من كل بدنة منها بضعة "
- رواه أبو داود

- حديث سراقة في إسناده داود بن يزيد الاودي وهو ضعيف . وقد أخرج نحوه أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عباس . وسيأتي في باب فسخ الحج وحديث البراء أخرجه أيضا النسائي . وفي إسناده يونس بن إسحاق السبيعي . وقد احتج به مسلم . وأخرج له جماعة . وقال الإمام أحمد حديثه فيه زيادة على حديث الناس وقال البيهقي كذا في هذه الرواية وقرنت وليس ذلك في حديث جابر حين وصف قدوم علي واهلاله . وحديث جابر أصح سندا وأحسن سياقة ومع حديث جابر حديث أنس يريد أن حديث أنس ذكر فيه قدوم علي وذكر اهلاله وليس فيه قرنت وهو في الصحيحين : قوله " دخلت العمرة في الحج " قد تقدم أنه يدل على أفضلية القران لمصير العمرة جزأ من الحج أو كالجزء : قوله " صبيغا " فعيل ههنا بمعنى مفعول أي مصبوغات : قوله " وقد نضحت " بفتح النون والضاد المعجمة والحاء المهملة : قوله " بنضوح " بفتح النون وضم الضاد المعجمة بعد الواو حاء مهملة وهي ضرب من الطيب : قوله " فقالت " ههنا كلام محذوف تقديره فانكر عليها صبغ ثيابها ونضج بيتها بالطيب فقالت الخ : قوله " قد أمر أصحابه فحلوا " في رواية لمسلم فوجد فاطمة ممن حلت ولبست صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها قالت أمرني أبي بهذا " قوله : " أو ستا وستين " هكذا في سنن أبو داود وكان جملة الهدى الذي قدم به على من اليمن والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مائة كما في صحيح مسلم . وفي لفظ لمسلم " فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر " قال النووي والقرطبي ونقله القاضي عن جميع الرواة . إن هذا هو الصواب لا ما وقع في رواية مسلم " ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر وطبخت فأكل هو وعلي من لحمها وشرابها من مرقها " واستدل بحديث سراقة والبراء من قال إن حجه صلى الله عليه وآله وسلم كان قرانا وقد تقدم الكلام على ذلك واستدل بحديث علي على صحة الإحرام معلقا وعلى جواز الأشتراك في الهدى وسيأتي الكلام على ذلك

باب إدخال الحج على العمرة

1 - عن نافع قال " أراد ابن عمر الحج عام حجة الحرورية في عهد ابن الزبير فقيل له إن الناس كائن بينهم قتال فنخاف أن يصدوك فقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة أذن أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشهدكم أن قد أوجبت عمرة ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال ما شأن الحج والعمرة إلا واحد أشهدكم أني قد جمعت حجة مع عمرتي واهدى هديا مقلدا اشتراه بقديد وانطلق حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبالصفا ولم يزد على ذلك ولم يحلل من شيء حرم منه حتى يوم النحر فحلق ونحر ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافة الأول ثم قال هكذا أصنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفق عليه

- قوله " حجة الحرورية " هم الخوارج ولكنهم حجوا في السنة التي مات فيها يزيد بن معاوية وأربع وستين وذلك قبل أن يتسمى ابن الزبير بالخلافة ونزل الحجاج بابن الزبير في سنة ثلاث وسبعين وذلك في آخر أيام ابن الزبير فأما أن يحمل على أن الراوي أطلق على الحجاج وأتباعه حرورية لجامع ما بينهم من الخروج على أئمة الحق وأما أن يحمل على تعدد القصة وإن الحرورية حجة سنة اخرى ولكنه يؤيد الأول ما في بعض طرق البخاري من طريق الليث عن نافع بلفظ حين نزل الحجاج بابن الزبير وكذا لمسلم من رواية يحيى القطان : قوله " كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " في رواية للبخاري " كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " . قوله " أشهدكم أني قد أوجبت عمرة " يعني من أجل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية . قال النووي معناه أن صددت عن البيت وأحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العمرة . وقال عياض يحتمل إن المراد أنه أوجب عمرة كما أوجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحتمل أنه أراد الأمرين من الإيجاب والأحلال . قال الحافظ وهذا هو الأظهر . قوله " ما شأن الحج والعمرة إلا واحد " يعني فيما يتعلق بالاحصار والاحلال : قوله " ولم يزد على ذلك " هذا يقتضي أنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة وهو مشكل وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليه ( وفي الحديث ) فوائد منا ما بوب له المصنف من جواز ادخال الحج على العمرة وإليه ذهب الجمهور لكن بشرط أن يكون الأدخال قبل الشروع في طواف العمرة وقيل ان كان قبل مضى أربعة أشواط صح وهو قول الحنفية وقيل ولو بعد تمام الطواف وهو قول المالكية ونقل ابن عبد البر أن أبا ثور شذ فمنع ادخال الحج على العمرة قياسا على منع ادخال العمرة على الحج . ومنها أن القارن يقتصر على طواف واحد . ومنها أن القارن بهدى وشذ ابن حزم فقال لا هدى على القارن . ومنها جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجى السلامة قاله ابن عبد البر . ومنها إن الصحابة كانوا يستعملون القياص ويحتجون به

2 - وعن جابر " انه قال أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحج مفرد وأقبلت عائشة بعمرة حتى إذا كنا بسرف عركت حتى إذا قدمنا مكة طفنا بالكعبة والصفا والمروة فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدى فقلنا حل ماذا قال الحل كله فواقعنا النساء وتطيبنا بالطيب ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلى أربع ليال ثم أهللن يوم التروية ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عائشة فوجدها تبكي فقال ما شأنك قالت شأني قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن فقال إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ثم قال قد حللت من حجتك وعمرتك جميعا فقالت يا رسول الله اني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حين حججت قال فأذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم وذلك ليلة الحصبة "
- متفق عليه

- قوله " بحج مفرد " استدل به من قال إن حجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان مفردا وليس فيه ما يدل على ذلك لأن غاية ما فيه أنهم أفردوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس فيه إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفرد الحج ولو سلم أنه يدل على ذلك فهو مؤول بما سلف . قوله " عركت " بفتح العين المهملة والراء أي حاضت يقال عركت تعرك عروكا كقعدت تقعد قعودا " حل ماذا " بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام وحذف التنوين للإضافة وما استفهامية أي الحل من أي شيء ذا وهذا السؤال من جهة من جوز أنه حل من بعض الأشياء دون بعض . قوله " الحل كله " أي الحل الذي لا يبقى معه شيء من ممنوعات الأحرام بعد التحلل المأمور به . قوله " ثم أهللنا يوم التروية " هو اليوم الثامن من ذي الحجة قوله " أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي " الخ هذا الغسل قيل هو الغسل للاحرام ويحتمل أن يكون الغسل من الحيض . قوله " حتى إذا طهرت " بفتح الهاء وضمها والفتح أفصح . قوله " من حجتك وعمرتك " هذا تصريح بأن عمرتها لم تبطل ولم تخرج منها وإن ما وقع في بعض الروايات من قوله ارفضي عمرتك وفي بعضها دعى عمرتك متأول : قال النووي إن قوله حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة ثم قال قد حللت من حجتك وعمرتك يستنبط منه ثلاث مسائل حسنة . احداها إن عائشة كانت قارنة ولم تبطل عمرتها وإن الرفض المذكور متأول . الثانية إن القارن يكفيه طواف واحد هو مذهب الشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة وطائفة يلزمه طوافان وسعيان . الثالثة إن السعي بين الصفا والمروة يشترط وقوعه بعد طواف صحيح . وموضع الدلالة إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرها أن تصنع ما يصنع الحاج غير الطواف بالبيت ولم تسع كما لم تطف فلو لم يكن السعي متوفقا على تقدم الطواف عليه لما أخرته قال واعلم إن طهر عائشة هذا المذكور كان يوم السبت وهو يوم النحر في حجة الوداع وكان ابتداء حيضها هذا يوم السبت أيضا لثلاث خلون من ذي الحجة سنة إحدى عشرة ذكره أبو محمد بن حزم في كتابه حجة الوداع . قوله " فاذهب بها يا عبد الرحمن " الخ قد تقدم شرح هذا في أول كتاب الحج . والحديث ساقه المصنف رحمه الله ههنا للاستدلال به على جواز ادخال الحج على العمرة وقد تقدم ما فيه من الخلاف والأشتراط وللحديث فوائد يأتي ذكرها في مواضعها

باب من أحرم مطلقا أو قال أحرمت بما أحرم به فلان

1 - عن أنس " قال قدم علي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال بما أهللت يا علي فقال أهللت باهلال كهلال النبي قال لولا أن معي الهذى لأحلت "
- متفق عليه . رواه النسائي من حديث جابر وقال فقال " لعلي بما أهللت قال قلت اللهم أني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "

2 - وعن أبي موسى قال " قدمت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال سقت من هدي قلت لا قال فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل قال فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي "
- متفق عليه . وفي لفظ " قال كيف قلت حين أحرمت قال قلت لبيك باهلال كاهلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " . وذكره أخرجاه

- قوله في حديث علي " لولا معي الهدى لاحللت " قال البخاري زاد محمد ابن بكر عن ابن جريج قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أهللت يا علي قال بما أهل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فاهد وامكث حراما كما أنت : قوله " ثم أتيت امرأة من قومي " في رواية للبخاري امرأة من قيس والمتبادر من هذا الأطلاق أنها من قيس عيسلان وليس بينهم وبين الأشعري نسبة . وفي رواية من نساء بني قيس قال الحافظ فظهر لي من ذلك أن المراد بقيس أبوه قيس بن سليم والد أبي موسى الأشعري وإن المرأة زوج بعض اخوته فقد كان لأبي موسى من الأخوة أبو رهم وأبو بردة قيل ومحمد ( والحديثان ) يدلان على جواز الاحرام كاحرام شخص يعرفه من أراد ذلك وأما مطلق الاحرام على الابهام فهو جائز ثم يصرفه المحرم إلى ماشاء لكونه صلى الله عليه وآله وسلم يم ينه عن ذلك وإلى ذلك ذهب الجمهور وعن المالكية لا يصح الاحرام على الابهام وهو قول الكوفيين قال ابن المنير وكأنه مذهب البخاري لأنه أشار في صحيحه عند الترجمة لهذين الحديثين إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن وأما الآن فقد استقرت الأحكام وعرفت مراتب الاحرام فلا يصح ذلك وهذا الخلاف يرجع إلى قاعدة أصولية وهي هل يكون خطابه صلى الله عليه وآله وسلم لواحد أو لجماعة مخصوصة في حكم الخطاب العام للأمة أولا فمن ذهب إلى الأول جعل حديث علي وأبي موسى شرعا عاما ولم يقبل دعوى الخصوصية الا بدليل ومن ذهب إلى الثاني قال إن هذا الحكم مختص بهما والظاهر الأول

باب التلبية وصفتها وأحكامها

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك وكان عبد الله يزيد مع هذا لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء اليك والعمل "
- متفق عليه

2 - وعن جابر قال " أهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر قال والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا "
- رواه أحمد وأبو داود ومسلم بمعناه

3 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في تلبيته لبيك اله الحق لبيك "
- رواه أحمد وابن ماجه والنسائي

- حديث أبي هريرة صححه ابن حبان والحاكم : قوله " فقال لبيك " قال في الفتح هو لفظ مثني عند سيبويه ومن تبعه وقال يونس هو اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدى وعلى ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر وعن الفراء هو منصوب على المصدر وأصله لبالك فثنى على التأكيد أي البابا بعد الباب وهذه التثنية ليست حقيقية بل هي للتكثير والمبالغة ومعناه أجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة وقيل معناه غير ذلك . قال ابن عبد البر قال جماعة من أهل العلم معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج وهذا قد أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة في غير واحد . قال الحافظ والأسانيد إليهم قوية وهذا مما ليس للاجتهاد فيه مسرح فيكون له حكم الرفع : قوله " إن الحمد " بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها على التعليل قال في الفتح والكسر أجود عند الجمهور قال ثعلب لأن من كسر جعل معناه إن الحمد لك على كل حال ومن فتح قال معناه لبيك لهذا السبب الخاص ومثله قال ابن دقيق العيد . وقال ابن عبد البر معناهما واحد وتعقب ونقل الزمخشري إن الشافعي اختار الفتح وأبا حنيفة اختار الكسر : قوله " والنعمة لك " المشهور فيه النصب ويجوز الرفع على الابتداء ويكون الخبر محذوفا قاله ابن الانباري وكذلك الملك المشهور فيه النصب ويجوز الرفع : قوله " وكان عبد الله " الخ أخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة قال كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد " لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك ذا النعماء والفضل الحسن " قال الطحاوي بعد أن أخرجه من حديث عمر وابن مسعود وعائشة وجابر وعمرو بن معد يكرب أجمع المسلمون جميعا على ذلك غير أن قوما قالوا لابأس أن يزيد فيها من الذكر لله تعالى ما أحب وهو قول محمد والثوري والأوزاعي واحتجوا بما في الباب من حديث أبي هريرة وجابر وبالآثار المذكورة وخالفهم آخرون فقالوا لا ينبغي أن يزاد على ماعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس وبجواز الزيادة قال الجمهور . وحكى ابن عبد البرعن مالك الكراهة وهو أحد قولي الشافعي وقد اختلف في حكم التلبية فقال الشافعي وأحمد أنها سنة . وقال ابن أبي هريرة واجبة وحكاه ابن قدامة عن بعض المالكية والخطابي عن مالك وأبي حنيفة واختلف هؤلاء في وجوب الدم لتركها وقال ابن شاس من المالكية وصاحب الهداية من الحنفية أنها واجبة يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج كالتوجيه على الطريق وحكى ابن عبد البر عن الثوري وأبي حنيفة وابن حبيب من المالكية والزبيري من الشافعية وأهل الظاهر أنها ركن في الأحرام لا ينعقد بدونها وأخرج ابن سعدعن عطاء بإسناد صحيح أنها فرض وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وطاوس وعكرمة

4 - وعن السائب بن خلاد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالاهلال والتلبية "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . وفي رواية " أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال كن عجاجا ثجاجا والعج والتلبية والثج نحر البدن "
- رواه أحمد

5 - وعن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه كان إذا فرغ من تلبية سأل الله عز و جل رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار "
- رواه الشافعي والدارقطني

6 - وعن القاسم بن محمد قال " كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته إن يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه الدارقطني

7 - وعن الفضل عن العباس قال كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جمع إلى مني فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة "
- رواه الجماعة . وعن عطاء عن ابن عباس " قال يرفع الحديث انه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر "
- رواه الترمذي وصححه

8 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر "
- رواه أبو داود

- حديث السائب بن خلاد أخرجه أيضا مالك في الموطأ والشافعي عنه وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححوه وأخرج نحوه الحاكم عن أبي هريرة مرفوعا وأحمد من حديث ابن عباس . وأخرج ابن أبي شيبة عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرفعون أصواتهم حتى تبح أصواتهم " وأخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث أبي بكر الصديق أفضل الحج العج والثج " واستغر به الترمذي وحكي الدارقطني الاختلاف فيه وأشار الترمذي إلى نحوه من حديث جابر . ووصله أبو القاسم في الترغيب والترهيب ورواية متروك وهو إسحاق بن أبي فروة . وروى ابن المقري في مسند أبي حنيفة عن ابن مسعود نحوه : وأخرجه أبو يعلى . وحديث خزيمة في إسناده صالح ابن محمد بن أبي زائدة وهو مدني ضعيف وفيه أيضا إبراهيم بن أبي يحيى ولكنه قد تابعه عليه عبد الله بن عبيد الله الأموي أخرجه البيهقي والدارقطني . وحديث ابن عباس الأول في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وفيه مقال وحديثه الثاني قال المنذري أخرجه الترمذي وقال صحيح وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة انتهى كلام المنذري . وليس في الترمذي إلا الحديث الأول والذي عزاه إليه المصنف وهو والذي بعده حديث واحد ولكنه لما اختلف لفظهما جعلهما المصنف حديثين . قوله " إن آمر أصحابي " الخ استدل به على استحباب رفع الصوت للرجل بالتلبية بحيث لا يضر نفسه وبه قال ابن رسلان . وخرج بقوله أصحابي النساء فإن المرأة لا نجهر بها بل تقتصر على إسماع نفسها . قال الروياني فإن رفعت صوتها لم يحرم لأنه ليس بعورة على المصحح بل يكون مكروها وكذا قال أبو لطيب وابن الرفعة وذهب داود إلى أن رفع الصوت واجب وهو ظاهر قوله فأمرني أن آمر أصحابي لا سيما وأفعال الحج وأقواله بيان لمجمل واجب هو قول الله تعالى { ولله على الناس حج البيت } وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم " : قوله " حتى رمى جمرة العقبة " فيه دليل على أن التلبية إذا دخل الحرم وهو مذهب ابن عمر لكن يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة . وقالت طائفة يقطعها إذا راح إلى المووقف رواه ابن المنذر وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة وسعد ابن أبي وقاص وعلي وبه قال مالك وقيده بزوال الشمس يوم عرفة وهو قول الأوزاعي والليث . وعن الحسن البصري مثله لكن قال إذا صلى الغداة يوم عرفة واختلف الأولون هل يقطع التلبية مع رمى أول حصاة وعند تمام الرمي فذهب جمهور إلى الأول وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي ويدل لهم ما روى ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال " أفضت عمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ويكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة " قال ابن خزيمة هذا حديث صحيح مفسرا لما أبهم في الروايات الأخرى وأن المراد حتى رمي جمرة العقبة أي أتم رميها انتهى . والأمر كما قال ابن خزيمة فإن هذه زيادة مقبولة خارجة من مخرج صحيح غير منافية للمزيد وقبولها متفق عليه كما تقرر في الأصول : قوله " حتى يستلم الحجر " ظاهره أن يلبي في حال دخول المسجد بعد رؤية البيت وفي حال مشية حتى يشرع في الاستلام ويستثنى منه الأوقات التي فيها دعاء مخصوص وقد ذهب إلى ما دل عليه الحديث من ترك التلبية عند الشروع في الاستلام أبو حنيفة والشافعي في الجديد وفال في القديم يلبي ولكنه يخفض صوته وهو قول ابن عباس وأحمد

باب ما جاء في فسخ الحج إلى العمرة

1 - عن جابر قال " أهللنا بالحج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا فقال يا أيها الناس أحلوا فلولا الهدى معي لفعلت كما فعلتم قال فأحللنا حتى وطئنا النساء وفعلنا كما يفعل الحلال حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج "
- متفق عليه . وفي رواية " اهللنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحج خالصا لا يخالطه شيء فقدمنا مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة فطفنا وسعينا ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نحل وقال لولا هديىلحللت ثم قام سراقة بن مالك فقال يا رسول الله أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد فقال بلى هي للأبد " رواه البخاري وأبو داود ولمسلم معناه

2 - وعن أبي سعيد قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخا فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي فلما كان يوم التروية ورحلنا إلى منى أهللنا بالحج "
- رواه أحمد ومسلم

3 - وعن أسماء بنت أبي بكر قالت " خرجنا محرمين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان معه هدي فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدي فليحلل فلم يكن معي هدي فحللت وكان مع الزبير هدي فلم يحلل "
- رواه مسلم وابن ماجه . ولمسلم في رواية " قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهلين بالحج "

- قوله " وجعلنا مكة بظهر " أي جعلناها وراء أظهرنا وذلك عند إرادتهم الذهاب إلى منى : قوله " لا يخالطه شيء " يعني من العمرة ولا القران ولا غيرهما قوله " من ذي الحجة " بكسر الحاء على الأفصح . قوله : " أرأيت متعتنا هذه " أي أخبرني عن فسخنا الحج إلي عمرتنا هذه التي تمتعنا فيها بالجماع والطيب واللبس . قوله : " لعامنا هذا " أي مخصوصة به لا تجوز في غيره أم للأبد أي جميع الإعصار . ( وقد ستدل ) بهذه الأحاديث وبما يأتي بعدها مما ذكره المصنف من قال أنه يجوز فسخ الحج إلى العمرة لكل واحد وبه قال أحمد وطائفة من أهل الظاهر وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي قال النووي وجمهور العلماء من السلف والخلف إن فسخ الحج إلى العمرة هو مختص بالصحابة في تلك السنة لا يجوز بعدها قالوا وإنما أمروا به في تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج واستدلوا بحديث أبي ذر وحديث الحرث بن بلال عن أبيه وسيأتيان ويأتي الجواب عنهما قالوا ومعنى قوله للأبد جواز الاعتمار في أشهر الحج والقران فهما جائزان إلى يوم القيامة وأما فسخ الحج إلى العمرة فمختص بتلك السنة وقد عارض المجوزون للفسخ ما احتج به المانعون بأحاديث كثيرة عن أربعة عشر من الصحابة قد ذكر المصنف في هذا الباب منها أحاديث عشرة منهم وهم جابر وسراقة بن مالك وأبو سعيد وأسماء وعائشة وابن عباس وأنس وابن عمر والربيع بن سبرة والبراء وأربعة لم يذكر احاديثهم وهم حفصة وعلي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو موسى . قال في الهدي وروى ذلك عن هؤلاء الصحابة طوائف من كبار التابعين حتى صار منقولا عنهم نقلا يرفع الشك ويوجب اليقين ولا يمكن أحد أن ينكره أو يقول لم يقع وهو مذهب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومذهب حبر الأمة وبحرها ابن عباس وأصحابه ومذهب أبو موسى الأشعري ومذهب أمام أهل السنة والحديث أحمد بن حنبل وأهل الحديث معه ومذهب عبد الله ابن الحسن العنبري قاضي البصرة ومذهب أهل الظاهر انتهى . واعلم إن هذه الأحاديث قاضية بجواز الفسخ . وقول أبي ذر لا يصلح للاحتجاج به عليها إنها مختصة بتلك السنة وبذلك الركب وغاية ما فيه أنه قول صحابي فيما هو مسرح للاجتهاد فلا يكون حجة على أحد على فرض أنه لم يعارضه غيره فكيف إذا عارضه رأي غيره من الصحابة كان عباس فإنه أخرج عنه مسلم أنه كان يقول " لا يطوف بالبيت حاج الاحل " وأخرج عبد الرزاق أنه قال من جاء مهلا بالحج فإن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة شاء أم أبى فقيل له إن الناس ينكرون ذلك عليك فقال هي سنة نبيهم وإن رغموا وكابى موسى فإنه كان يفتي بجواز الفسخ في خلافة عمر كما في صحيح البخاري على ان قول أبي ذر معارض بصريح السنة كما تقدم في جوابه صلى الله عليه وآله وسلم لسراقة بقوله للأبد لما سأله عن متعتهم تلك بخصوصها مشيرا إليها بقوله متعتنا هذه فليس في المقام متمسك بيد المانعين يعتد به ويصلح لنصبه في مقابلة هذه السنة المتواترة وأما حديث الحرث بن بلال عن أبيه فسيأتي أنه غير صالح للتمسك به على فرض أنفراده فكيف إذا وقع معارضا لأحاديث أربعة عشر صحابيا كلها صحيحة وقد أبعد من قال أنها منسوخة لأن دعوى النسخ تحتاج إلى نصوص صحيحة متأخرة عن هذه النصوص وأما مجرد الدعوى فأمر لا يعجز عنه أحد
وأما ما رواه البزار عن عمر أنه قال " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحل لنا المتعة ثم حرمها علينا " فقال ابن القيم إن هذا الحديث لا سند له ولا متن أما سنده فمما لا تقوم به حجة عند أهل الحديث وأما متنه فإن المراد بالمتعة فيه متعة النساء . ثم استدل على أن المراد ذلك بإجماع الأمة على أن متعة الحج غير محرمة ويقول عمر لو حججت لتمتعت كما ذكره الأثرم في سننه . ويقول عمر لما سئل . هل نهى عن متعة الحج فقال لا أبعد كتاب الله أخرجه عنه عبد الرزاق وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم " بل للأبد " فإن قطع لتوهم ورود النسخ عليها ( واستدل ) على النسخ بما أخرجه أبو داود " أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى عمر بن الخطاب فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهي عن العمرة قبل الحج " وهو من رواية سعيد بن المسيب عن الرجل المذكور وهو لم يسمع من عمر وقال أبو سليمان الخطابي في إسناد هذا الحديث مقال وقد أعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل موته وجوز ذلك إجماع اهل العلم ولم يذكر فيه خلافا انتهى . إذا تقرر لك هذا علمت أن هذه السنة عامة لجميع الأمة وسيأتي في أخر هذا الباب بقية متمسكات الطائفتين وقد اختلف هل الفسخ على جهة الوجوب أو الجواز فما بعض إلى انه واجب قال ابن القيم في الهدى بعد أن ذكر الحديث البراء الأتي وغضبه صلى الله عليه وآله وسلم لما لم يفعلوا ما أمرهم به من الفسخ ونحن نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحج لرأينا فرضا علينا فسخه إلى عمرة تفاديا من غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واتباعا لأمره فوالله ما نسخ هذا في حياته ولا بعده ولا صح حرف واحد يعارضه ولا خص به أصحابه دون من بعدهم بل أجرى الله على لسانة سراقة أن سأله هل ذلك مختص بهم فأجابه بأن ذلك كائن لا بد فما ندري ما يقدم على هذه الأحاديث وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على من خالفه انتهى . والظاهر أن الوجوب رأي ابن عباس لقوله فيما تقدم أن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة شاء أم أبى

4 - وعن الأسود عن عائشة قالت " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا نرى إلى أنه الحج فلما قدمنا تطوفنا بالبيت وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل فحل من لم يكن ساق ونساؤه لم يسقن فأحللن قالت عائشة فحضت فلم أطف بالبيت وذكرت قصتها "
- متفق عليه

5 - وعن ابن عباس قال " كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفر ويقولون إذا برأ الدبر وعفى الأثر وأنسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر فقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا يا رسول الله أي الحل قال حل كله "
- متفق عليه

6 - وعنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه عمرة أستمتعنا به فلم يكن عند هدي فليحلل الحل كله فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي

7 - " وعنه أيضا " أنه سئل عن متعة الحج فقال أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع وأهللنا فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اجعلوا أهلا لكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة أتينا النساء ولبسنا الثياب وقال من قلد الهدى فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج وإذا فرغنا من المناسك جئنا طفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقد تم حجنا وعلينا الهدي كما قال تعالي { فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم }
- رواه البخاري

- قوله " ولانرى إلى أنه الحج " في لفظ لمسلم ولا نذكر إلا الحج وظاهر هذا أن عائشة مع غيرها من الصحابة كانوا محرمين بالحج وقد تقدم قولها " فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بالحج والعمرة ومنا من أهل بالحج " فيحتمل أنها ذكرت ما كانوا يعتادونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا الحج ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجوه الأحرام وجوز لهم الأعتمار في أشهر الحج : قوله " ونساؤه لم يسقن " أي الهدي . قوله " وذكرت قصتها " وهي كما في البخاري وغيره " فلما كانت لية الحصبة قلت يا رسول الله يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع أنا بحجة قال وما طفت ليالي قدمنا مكة قلت لافال فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فاهلي بعمرة ثم موعدك كذا وكذا فقالت صفية ما أراني الا حابستهم قال عقرا حلقا أو ما طفت يوم النحر قالت قلت بلى قال لا بأس انفري قالت عائشة فلقيني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها " قوله من أفجر الفجور هذا من أباطيلهم المستندة إلى غير أصل كسائر أخاواتها قوله " ويجعلون المحرم صفر " قال في الفتح كذا هو في جميع الأصول من الصحيحين قال النووي كان ينبغي أن يكتب بالألف ولكن على تقدير حذفها لا بد من قراءته منصوبا لأنه مصروف بلا خلاف يعني والمشهور في اللغة الربعية كتابة المنصوب بغير الألف فلا يلزم من كتابته بغير ألف أن لا يصرف فيقرأ بالألف وسبقه عياض إلى نفي الخلاف فيه لكن في المحكم كان أبو عبيدة لا يصرفه فقيل لا يمنع الصرف حتى يجتمع علتان فما هما قال المعرفة والساعة وفسره المظفري بأن مراده بالساعة الزمان والأزمنة ساعات والساعات مؤنثة انتهى . وإنما جعلوا المحرم صفرا لما كانوا عليه من النسيء في الجاهلية فكانوا يسمون المحرم صفرا ويحلونه ويؤخرون تحريم المحرم لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرمة فيضيق عليهم فيها ما يعتادون من المقاتلة والغارة والنهب فضللهم الله عز و جل في ذلك فقال { إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا } قوله " إذا برأ الدبر " بفتح الدال المهملة والموحدة أي ما كان يحصل بظهور الأبل من الحمل عليها ومشقة السفر فإنه كان يبرأ عند انصرافهم من الحج : قوله " وعفا الأثر " أي اندرس أثر الأبل وغيرها في سيرها ويحتمل أثر الدبر المذكور وهذه الالفاظ تقرأ ساكنة الراو لإرادة السجع ووجه تعليق جواز الأعتمار بانسلاخ صفر مع كونه ليس من أشهر الحج أنهم لما جعلوا المحرم صفرا وكانوا لا يستقرون ببلادهم في الغالب ويبرأ دبرابلهم إلى عند انسلاخه ألحقوه بأشهر الحج على طريق التبعية وجعلوا أول أشهر الأعتمار شهر المحرم الذي هو في الأصل صفر والعمرة عندهم في غير أشهر الحج . قوله " قال حل كله " أي الحل الذي يجوز معه كل محظورات الأحرام حتى الوطء للنساء قوله هذه عمرة استمتعنا بها هذا من متمسكات من قال إن حجه صلى الله عليه وآله وسلم كان تمتعا وتأوله من ذهب إلى خلافه بأنه أراد من تمتع من أصحابه كما يقول الرجل الرئيس في قومه فعلنا كذا وهو لم يباشر ذلك وقد تقدم الكلام على حجه صلى الله عليه وآله وسلم . قوله " فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة " قيل معناه سقط فعلها بالدخول في الحد هو على قول من لا يرى العمرة واجبة وأما من يرى أنها واجبة فقال النووي قال أصحابنا وغيرهم فيه تفسير أن أحدهما معناه دخلت أفعال العمرة في الحج في أفعال الحج إذا جمع بينهما بالقران والثاني معناه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج . قال الترمذي هكذا قال الشافعي وأحمد وإسحاق وهذه الأحاديث من أدلة القائلين بالفسخ وقد تقدم البحث في ذلك

8 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بات بذي الحليفة حتى أصبح ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما فلما قدمنا أمر الناس فحلوا حتى كان يوم التروية أهلوا بالحج قال ونحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبع بدنات بيده قياما وذبح بالمدينة كبشين أملحين "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود

9 - وعن ابن عمر " قال قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة وأصحابه مهلين بالحج فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدى قالوا يا رسول الله أيروج أحدنا إلى مني وذكره يقطر منيا قال نعم وسطعت المجامر "
- رواه أحمد

- حديث ابن عمر قال في مجمع الزوائد رجال الصحيح وهو في الصحيح باختصار وهو من احاديث الفسخ التي قال ابن القيم كلها صحاح وهو أحد الأحاديث التي قال أحمد بن حنبل ان عنده في الفسخ أحد عشر حديثا صحاحا قوله " بات بذي الحليفة حتى أصبح " فيه استحباب المبيت بميقات الاحرام " قوله وأهل الناس بهما فيه استحباب أن تكون تلبية الناس بعد تلبية كبير القوم ولفظ أبي داود " ثم أهل الناس بهما " قوله " فحلوا " أي أمر من فسخ الحج إلى العمرة ممن كان معه أن يحل من عمرته : قوله " يوم التروية " هو اليوم الثامن من ذي الحجة كما تقدم : قوله " قياما " فيه استحباب نحر الأبل قائمة : قوله " وذبح بالمدية كبشين " فيه مشروعية الأضحية وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى ويأتي إن شاء الله تعالى تفسير الاملح : قوله " وذكره يقطر منيا " فيه اشارة إلى قرب العهد بوطء النساء وفيه دليل على جواز استعمال الكلام في المبالغة . قوله " وسطعت المجامر " في رواية لابن أبي شيبة عن أسماء بنت أبي بكر ما لفظه " جئنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجاجا فجعلناها عمرة فحللنا الاحلال كله حتى سطعت المجامر بين الرجال والنساء " والمراد انهم تبخروا والبخور نوع من انواع الطيب

10 - وعن الربيع بن سبرة عن أبيه قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان بعسفان قال له سراقة بن مالك المدلجي يا رسول الله اقض لنا قوم كأنما ولدوا اليوم فقال إن الله عز و جل قد أدخل عليكم في حجكم عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل الا من كان معه هدي "
- رواه أبو داود

11 - وعن البراء بن عازب قال " حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه قال فاحرمنا بالحج فلما قدمنا مكة قال اجعلوا حجكم عمرة قال فقال الناس يا رسول الله قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة قال انظروا ما آمركم به فافعلوا فردوا عليه القول فغضب ثم انطلق حتى دخل علىعائشة وهو غضبان فرأت الغضب في وجهه فقالت من أغضبك أغضبه الله قال ومالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أبتع "
- رواه أحمد وابن ماجه

- الحديث الأول سكت عنه أبو داود ورجاله رجال الصحيح والمنذري والحديث الثاني أخرجه أيضا أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح كما قال في مجمع الزوائد وهو من الأحاديث في الفسخ التي صححها أحمد وابن القيم : قوله " بعسفان " قرية بين مكة والمدينة على نحو مرحلتين من مكة قال في الموطأ بين مكة وعسفان أربع برد : قوله " اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم " أي أعلمنا كأنما وجدوا الآن وفي رواية لأبي داود كأنما وفدوا اليوم أي كأنما وردوا عليك الأن قوله " إلامن كان معه هدي " يعني فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله قوله " فغضب " استدل به من قال بوجوب الفسخ لأن الأمر لو كان أمر ندب لكان المأمور مخيرا بين فعله وتركه ولما كان يغضب رسول الله ؟ ؟ عند مخالفته لأنه لا يغضب الا لانتهاك حرمة من حرمات الدين لا لمجرد ما أرشد إليه على جهة الندب ولا سيما وقد قالوا له قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة فقال لهم انظروا ما أمركم به فافعلوا فإن ظاهر هذا إن ذلك أمر حتم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كان أمره ذلك لبيان الأفضل أو لقصد الترخيص لهم بين بعد هذه المراجعة إن ما أمرتكم به هو الأفضل أو قال لهم أني أردت الترخيص لكم والتخفيف عنكم

12 - وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحرث بن بلال عن أبيه " قال قلت يا رسول الله سخ الحج خاصة أم للناس عامة قال بل لنا خاصة "
- رواه الخمسة إلى الترمذي وهو بلال بن الحرث المزني

13 - وعن سليم بن الأسود إن أبا ذر كان يقول " فيمن حج ثم فسخها بعمرة لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود . ولمسلم والنسائي وابن ماجه عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر " قال كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاصة " قال أحمد بن حنبل حديث بلال بن الحرث عندي ليس يثبت ولا أقول به ولا يعرف هذا الرجل يعني الحرث بن بلال وقال أرأيت لو عرف الحرث بن بلال الا أن أحد عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرون ما يرون من الفسخ أين يقع الحرث بن بلال منهم . وقال في رواية أبي داود ليس يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة وهذا أبو موسى الأشعري يفتي به في خلافة أبي بكر وشطرا من خلافة عمر . قلت ويشهد لما قاله قوله في حديث جابر " بل هي للأبد " وحديث أبي ذر موقوف وق خالفه أبو موسى وابن عباس وغيرهما

- أما حديث بلال بن الحرث ففيه ما نقله المصنف عن أحمد . وقال المنذري إن الحرث يشبه المجهول . وقال الحافظ الحرث بن بلال من ثقات التابعين وقال ابن القيم نحن نشهد بالله إن حديث بلال بن الحرث هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو غلط عليه قال ثم كيف يكون هذا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عباس يفتي بخلافه ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاص والعام واصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون ولا يقول له رجل واحد منهم هذا كان مختصا بنا ليس لغيرنا انتهى . وقد روى عن عثمان مثل قول أبي ذر في اختصاص ذلك بالصحابة ولكنهما جميعا مخالفان للمروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ذلك للأبد بمحض الرأي وقدحمل ما قالاه على محامل . أحدها أنهما أرادا اختصاص وجوب ذلك بالصحابة وهو قول ابن تيمية حفيد المصنف لا مجرد الجواز والاستحباب فهو للأمة إلى يوم القيامة . وثانيهما أنه ليس لأحد بعد الصحابة أن يبتدئ حجا قارنا أو مفردا بلا هدى يحتاج معه إلى الفسخ ولكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو التمتع لمن لم يسق الهدى والقران لمن ساقه وليس لأحد بعدهم أن يحرم بحجة مفردة ثم يفسخها أو يجعلها متعة وإنما ذلك خاص بالصحابة وهذان المحملان يعارضان ما حمل المانعون كلامهما عليه من أن المراد أن الجواز مختص بالصحابة إذا لم يكن الثاني منهما مرادا لهم راجحان عليه وأقل الأحوال أن يكون مساويين له فتسقط معارضة الأحاديث الصحيحة به . وأما ما في صحيح مسلم عن أبي ذر من أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة فيرده اجماع المسلمين على جوازها إلى يوم القيامة فإن أراد بذلك متعة الفسخ ففيه تلك الاحتمالات ( ومن جملة ) ما احتج به المانعون من الفسخ أن مثل ما قاله عثمان وأبو ذر لا يقال بالرأي ويجاب بأن هذا من مواطن الأجتهاد ومما للرأي فيه مدخل على أنه قد ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين أنه قال " تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزل القرآن فقال رجل برأية ما شاء " فهذا تصريح من عمران أن المنع من التمتع بالعمرة إلى الحج من بعض الصحابة إنما هو من محض الرأي فكما أن المنع من التمتع على العموم من قبيل الرأي كذلك دعوى اختصاص التمتع الخاص أعني به الفسخ بجماعة مخصوصة
( ومن جملة ) ماتمسك به المانعون من الفسخ حديث عائشة المتقدم حيث قالت " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج حتى قدمنا مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحرم بعمرة ولم يهد فليحل ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه ومن أهل بحج فليتم حجه " وهذا لفظ مسلم وظاهر أنه لم يأمر من حج مفردا بالفسخ بل أمره باتمام حجه . وأجيب عن ذلك بأن هذا الحديث غلط فيه عبد الملك ابن شعيب وأبوه شعيب أو جده الليث أو سيخه عقيل فإن الحديث رواه مالك ومعمر والناس عن الزهري عنها وبينوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر من لم يكن معه هدى إذا طاف وسعى أن يحل وقد خالف عبد الملك جماعة من الحفاظ فرووه على خلاف ما رواه قال في الهدى بعد أن ساق الروايات المخالفة لرواية عبد الملك فإن كان محفوظا يعني حديث عبد الملك فيتعين أن يكون قبل الأمر بالاحلال وجعله عمرة ويكون هذا أمرا زائدا قد طرأ على الأمر بالاتمام كما طرأ على التخيير بين الأفراد والتمتع والقران ويتعين هذا ولابد وإذا كان هذا ناسخا للأمر بالفسخ والأمر بالفسخ ناسخا للأذن في الأفراد فهذا محال قطعا فإنه بعد أن أمرهم بالحل لم يأمرهم بنقيضه والبقاء على الأحرام الأول وهذا باطل قطعا فيتعين ان كان محفوظا أن يكون قبل الأمر لهم بالفسخ لا يجوز غيره هذا البتة انتهى ( ومن متمسكاتهم ) ما في لفظ لمسلم من حديث عائشة أنها قالت " فأما من أهل بعمرة فحل وأما من أهل بحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر " وأجيب بأن هذا من حديث أبي الأسود عن عروة عنها وقد أنكره عليه الحفاظ قال أحمد بن حنبل بعد أن ساقه أيش في هذا الحديث من العجب هذا خطأ فقلت له الزهري عن عروة عن عائشة بخلافه قال نعم وهشام بن عروة وقد أنكره ابن حزم وأنكر حديث يحيى بن عبد الرحمن ابن حاطب عن عائشة بنحوه عند مسلم وقال لإخفاء في نكرة حديث أبي الأسود ووهنه وبطلانه والعجب كيف جاز علي من رواه قال وأسلم الوجوه للحديثين المذكورين عن عائشة أن تخرج روايتهما على أن المراد بقولها إن الذين أهلوا بحج أو بحج وعمرة لم يحلوا أنها عنت بذلك من كانت معه الهدى لأن الزهري قد خالفهما وهو أحفظ منهما وكذلك خالفهما غيره ممن له مزيد اختصاص بعائشة ثم أن حديثيهما موقوفان غير مسندين لأنهما إنما ذكرا عنها فعل من فعل ما ذكرت دون أن تذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم أن لا يحلوا ولا حجة في أحد دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلو صح ما ذكراه وقد صح أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من لا هدي معه بالفسخ فتمادى المأمورون بذلك ولم يحلوا لكانوا عصاة لله وقد أعاذهم الله من ذلك وبأهم منه قال فثبت يقيينا أن حديث أبي الأسود ويحيى إنما عني فيه من كان معه هدى وهكذا جاءت الأحاديث الصحاح بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر من معه الهدي بأن يجمع حجا مع العمرة ثم لا يحل حتى بحل منها جميعا
( ومن جملة ) ما تمسك به المانعون من الفسخ أنه إذا اختلف الصحابة ومن بعدهم في جواز الفسخ فالاحتياط يقتضي المنع منه صيانة للعبادة وأجيب بأن الاحتياط إنما يشرع إذا لم تتبين السنة فإذا ثبت فالاحتياط هوإتباعها وترك ما خالفها فإن الاحتياط نوعان احتياط للخروج من خلاف العلماء واحتياط للخروج من خلاف السنة ولا يخفى رجحان الثاني على الأول . قال في الهدي وأيضا فإن الاحتياط ممتنع فإن للناس في الفسخ ثلاثة أقوال على ثلاثة أنواع . أحدها أنه محرم . الثاني أنه واجب وهو قول جماعة من السلف والخلف . الثالث أنه مستحب فليس الاحتياط بالخروج من خلاف من حرمة أولى بالاحتياط من الخروج من خلاف من أوجبه وإذا تعذر الاحتياط بالخروج من الخلاف تعين الاحتياط بالخروج من خلاف السنة انتهى ومن متمسكاتهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بالفسخ ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج لمخالفته الجاهلية وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد اعتمر قبل ذلك ثلاث عمر في أشهر الحج كما سلف وبأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بين لهم جواز الاعتمار عند المبقات فقال من شاء أن يهل بعمرة فليفعل الحديث . في الصحيحين فقد علموا جوازها بهذا القول قبل الأمر بالفسخ ولو سلم أن الأمر بالفسخ لتلك العلة لكان أفضل لأجلها فيحصل المطلوب لأن ما فعله صلى الله عليه وآله وسلم في المناسك لمخالفة أهل الشرك مشروع إلى يوم القيامة ولا سيما وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم أن عمرة الفسخ للأبد كما تقدم . وقد أطال ابن القيم في الهدي الكلام على الفسخ ورجح وجوبه وبين بطلان ما احتج به المانعون منه فمن أحب الوقوف على جميع ذيول هذه المسألة فليراجعه وإذا كان الموقع في مثل هذا المضيق هو إفراد الحج فالحازم المتحري لدينه الوقت الواقف عند مشتبهات الشريعة ينبغي له أن يجعل حجة من الابتداء تمتعا أو قرانا فرارا مما هو مظة البأس إلى مالا بأس به فإنه وقع في ذلك فالسنة أحق بالإتباع . وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل

باب ما يجتنبه من اللباس

1 - عن ابن عمر قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يلبس المحرم قال لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين "
- رواه الجماعة . وفي رواية لأحمد قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول هذا المنبر المحرم من الثياب "

- قوله " ما يلبس المحرم قال لا يلبس " الخ قال النووي قال العلماء هذا الجواب من بديع الكلام لأن ما لا يلبس منحصرا فحصل التصريح به وأما الملبوس الجائز فغير منحصر فقال لا يلبس كذا أي ويلبس ما سواه قال البيضاوي سئل عما يلبس فأجاب بما ليس يلبس ليدل بالإلزام من طريق المفهوم على ما يجوز وإنما عدل عن الجواب لأنه أحضر وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس لأنه الحكم العارض في الإحرام المحتاج إلى بيانه إذا الجواز ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب وكان اللائق السؤال عما لا يلبس وقال غيره هذا شبه الأسلوب الحكيم ويقرب منه قوله تعالى { يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم } الخ فعدل عن جنس المنفق وهو المسئول عنه إلى جنس المنفق عليه لأنه الأهم . قال ابن دقيق العيد يستفاد منه أن المعتبر في الجواب ما يحصل به المقصود كيف كان ولو بتغيير أو زيادة ولا يشترط المطابقة انتهى . وهذا كله مبني على الرواية التي فيها السؤال عن اللبس وأما على رواية الدارقطني المذكورة فليس من الأسلوب الحكيم وقد رواها كذلك أبو عوانة قال في الفتح وهي شاذة . وأخرجه أحمد وأبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما بلفظ " أن رجلا قال يا رسول الله ما يجتنب المحرممن الثياب " وأخرجه أحمد بلفظ " ما يترك " وقد أجمعوا على أن هذا مختص بالرجل فلا يلحق به المرأة قال ابن المنذر أجمعوا على أن للمرأة لبس جميع ذلك وإنا تشترك مع الرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس وسيأتي الكلام على ذلك : وقوله " لا يلبس " بالرفع على الخبر الذي في معنى النهي وروى بالجزم على النهي . قال عياض أجمع المسلمون على أن ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم وقد نبه بالقميص على كل مخيط وبالعمائم والبرنس على غيره وبالخفاف على كل ساتر قوله " ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران " الورس بفتح الواو وسكون الراء بعدها مهملة نبت أصفر طيب الرائحة يصبغ به . قال ابن العربي ليس الورس من الطيب ولكنه نبه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملايمة الشم فيؤخذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرم وهو مجمع عليه فيما يقصد به التطيب وظاهر قوله مسه تحريم ما صبغ كله أو بعضه ولكنه لا بد عند الجمهور ومن أن يكون للمصبوغ رائحة فإن ذهبت جاز لبسه خلافا لمالك : قوله " إلا أن يجد النعلين " في لفظ للبخاري زيادة حسنة بها يرتبط ذكر النعلين بما قبلهما وهي " وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وفيه دليل على أن واجد النعلين لا يلبس الخفين المقطوعين وهو قول الجمهور . وعن بعض الشافعية جوازه والمراد بالوجدان القدرة على التحصيل . قوله " فليقطعها حتى يكونا أسفل من الكعبين " هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم وقد تقدم الخلاف في ذلك . وظاهر الحديث أنه لافدية على لبسهما إذا لم يجد النعلين وعن الخنفية تجب وتعقب بأنها لوكانت واجبة لبينها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه وقت الحاجة وتأخير البيان عنه لا يجوز . واستدل به على أن القطع شرط لجواز لبس الخفين خلافا للمشهور عن أحمد فإنه أ ] از لبسهما من غير قطع لإطلاق حديث ابن عباس الآتي وأجاب عنه الجمهور بأن حمل المطلق على المقيد واجب وهو من القائلين به وقد تقدم التنبيه على هذا في باب ما يصنع من أراد الإحرام ويأتي تمام الكلام عليه في شرح حديث ابن عباس

2 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي والترمذي وصححه وفي رواية قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينهي النساء في الإحرام عن القفازين والنقاب ومامس الورس والززعفران من الثياب " رواه أحمد وأبو داود وزاد " ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرا أو خزا أو حليا أو سراويل أو قميص

- الزييادة التي ذكرها أبو داود أخرجها أيضا الحاكم والبيهقي . قوله " لا تنتقب المرأة " نقل البيهقي عن الحاكم عن أبي على الحافظ أن قوله لا تنتقب من قول ابن عمر أدرج في الخبر وقال صاحب الإمام هذا يحتاج إلى دليل وقد حكى ابن المنذر الخلاف هل هو من قول ابن عمر أو من حديثه وقدر رواه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر موقوفا وله طرق في البخاري موصولة ومعلقة والانتقاب لبس غطاء للوجه فيه نقبان على العينين تنظر المرأة منهما . وقال في الفتح النقاب الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر . قوله " ولا تلبس القفازين " بضم القاف وتشديد الفاء وبعد الألف زاي ما تلبس المرأة في يديها فيغطى أصابعها وكفها عند معاناة الشيء كغزل ونحوه وهو لليد كالخف للرجل . قوله " وما مس الورس " الخ تقدم الكلام عليه في شرح الحديث الذي قبله . قوله " ولتلبس بعد ذلك ما أحبت " الخ ظاهره جواز لبس ما عدا ما اشتمل عليه الحديث من غير فرق بين المخيط وغيره والمصبوغ وغير وقد خالف مالك في المعصفر فقال بكراهته ومنع منه أبو حنيفة ومحمد وشبهاه بالمورس والمزعفر والحديث يرد ذلك ( واختلف العلماء ) أيضا في لبس النقاب فمنعه الجمهور وأجازته الحنفية وهو رواية عند الشافعية والمالكية وهو مردود بنص الحديث . قال في الفتح ولم يختلفوا في منعها من ستر وجهها وكفيها بما سوى النقاب والقفازين . قوله " أو حليا " بفتح الحاء وإسكان اللام وبضم الحاء مع كسر اللام وتشديد الياء لغتان قرئ بهما في السبع وهو ما تتحلى به المرأة من جلجل وسوار وتتزين به من ذهب أو فضة أو غير ذلك

3 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل "
- رواه أحمد ومسلم

4 - وعن ابن عباس قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب بعرفات من لم يجد إزارا فليلبس سراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين "
- متفق عليه . وفي رواية عن عمر بن دينار " أن أبا الشعثاء أخبره عن ابن عباس أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخطب يقول من لم يجد إزارا ووجد سراويل فليلبسها ومن لم يجد نعلين ووجد خفين فليلبسهما قلت ولم يقل قطعهما قال لا " رواه أحمد أحمد وهذا بظاهره ناسخ لحديث ابن عمر بقطع الخفين لأنه قال بعرفات في وقت الحاجة وحديث ابن عمر كان بالمدينة كما سبق في رواية أحمد والدارقطني

- قوله " فليلبس خفين " تمسك بهذا الإطلاق أحمد فأجاز للمحرم لبس الخف والسراويل للذي لا يجد النعلين والإزار على حالهما واشترط الجمهور قطع الخف وفتق السراويل ويلزمه الفدية عندهم إذا لبس شيئا منهما على حاله لقوله في حديث ابن عمر المتقدم " فليقطعهما " فيحمل المطلق على المقيد ويلحق النظير بالنظير . قال ابن قدامة الأولي قطعهما عملا بالحديث الصحيح وخروجا من الخلاف . قال في الفتح والأصح عند الشافعية والأكثر جواز لبس السروايل بغير فتق كقول أحمد واشترط الفتق محمد بن الحسن وامام الحرمين وطائفة . وعن أبي حنيفة منع السراويل للمحرم مطلقا ومثله عن مالك ( والحديثان ) المذكوران في الباب يردان عليهما ومن أجاز لبس السراويل على حاله قيده بأن لا يكون على حالة لو فتقه لكان أزارا لأنه في تلك الحال يكون واجا للازار كما قال الحافظ وقد أجاب الحنابلة على الحديث الذي أحتج به الجمهور على وجوب القطع باجوبة منها دعوى النسخ كما ذكر المصنف لأن حديث ابن عمر كان بالمدينة قبل الأحرام وحديث ابن عباس كان بعرفات كما حكى ذلك الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري . وأجاب الشافعي في الأم عن هذا فقال كلاهما صادق حافظ وزيادة ابن عمر لا تخالف ابن عباس لاحتمال أن تكون عزبت عنه أو شكل فيها أو قالها فلم ينقلها عنه بعض رواته انتهى . وسلك بعضهم طريقة الترجيح بين الحديثين قال ابن الجوزي حديث ابن عمر اختلف في وقفه ورفعه وحديث ابن عباس لم يختلف في رفعه ورد بأنه لم يختلف على ابن عمر في رفع الأمر بالقطع إلى في رواية شاذة وعورض بأنه اختلف في حديث ابن عباس فرواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا . قال الحافظ ولا يرتاب أحد من المحدثين إن حديث ابن عمر أصح من حديث ابن عباس لان حديث ابن عمر جاء بإسناد وصف بكونه أسح الأسانيد واتفق عليه عن ابن عمر غير واحد من الحفاظ منهم نافع وسالم بخلاف حديث ابن عباس فلم يأت مرفوعا لا من رواية جابر بن زيد عنه حتى قال الأصلي أنه شيخ مصري لا يعرف كذا قال وهو شيخ معروف موصوف بالفقه عند الأئمة . واستدل بعضهم بقياس الخف على السراويل في ترك القطع ورد بأنه مصادم للنص فهو فاسد الأعتبار واحتج بعضهم بقول عطاء ان القطع فساد والله لا يحب الفساد ورد بأن الفساد إنما يكون فيما نهى عنه الشارع لا فيما أذن فيه بل أوجبه . وقال ابن الجوزي يحمل الأمر بالقطع على الأباحة لا على الأشتراط عملا بالحديثين ولا يخفى أنه متكلف والحق أنه لا تعارض بين مطلق ومقيد لإمكان الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد والجمع ما أمكن هو الواجب فلا يصار إلى الترجيح ولو جاز المصير إلى الترجيح لإمكان ترجيح المطلق بأنه ثابت من حديث ابن عباس وجابر كما في الباب ورواية اثنين أرجح من رواية واحد

4 - وعن عائشة قالت " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

5 - وعن سالم " أن عبد الله يعني ابن عمر كان يقطع الخفين للمرأة المحرمة ثم حدثته حديث صفية بنت أبي عبيد أن عائشة حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قد رخص للنساء في الخفين فترك ذلك "
- رواه أبو داود

- الحديث الأول أخرجه ابن خزيمة وقال في القلب من يزيد بن أبي زياد ولكن ورد من وجه أخر ثم أخرج من طريق فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر وهي جدتها نحوه وصححه الحاكم قال المنذري قد أختار جماعة العمل بظاهر هذا الحديث وذكر الخطابي أن الشافعي علق القول فيه يعني على صحته ويزيد بن أبي زياد المذكور قد أخرج له مسلم في الخلاصة عن الذهبي أنه صدوق وقد أعل الحديث أيضا بأنه من رواية مجاهد عن عائشة وقد ذكر يحيى بن سعيد القطان وابن معين أنه لم يسمع منها . وقال أبو حاتم الرازي مجاهد عن عائشة مرسل وقد احتج البخاري ومسلم في صحيحيهما بأحاديث من رواية مجاهد عن عائشة . والحديث الثاني في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال مشهورقد قدمنا ذكره في أول هذا الشرح ولكنه لم يعنعن . قوله " فإذا حاذوا بنا " في نسخ المصنف هكذا فإذا حاذوا بنا . ولفظ أبي داود فإذا جازوا بنا بالزاي مكان الذال وفي التلخيص وغيره فإذا حاذونا . قوله " جلبابها " أي ملحفتها . قوله " من رأسها " تمسك به أحمد فقال إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق رأسها ( واستدل ) بهذا الحديث على أنه يجوز للمرأة إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها لأن المرأة تحتاج إلى ستر وجهها فلم يحرم عليها ستره مطلقا كالعورة لكن إذا سدلت يكون الثوب متجافيا عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة هكذا قال أصحاب الشافعي وغيرهم . وظاهر الحديث خلافه لأن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة فلو كان التجافي شرطا لبينه صلى الله عليه وآله وسلم . قوله " كان يقطع الخفين للمرأة " لعموم حديث ابن عمر المتقدم فإن ظاهره شمول الرجل والمرأة لولا هذا الحديث والإجماع المتقدم . قوله " فترك ذلك " يعني رجع عن فتواه وفيه دليل على أنه يجوز للمرأة أن تلبس الخفين بغير قطع

باب ما يصنع من أحرم في قميص

1 - عن يعلي بن أمية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءه رجل متضمخ بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بطيب فنظر إليه ساعة فجاءه الوحي ثم سرى عنه فقال أين الذي سألني عن العمرة أنفا فالتمس الرجل فجئ به فقال أما الطيب الذي بك فأغسله ثلاث مرات وأما الجبة فأنزعها ثم أصنع في العمرة كل ما تصنع في حجك "
- متفق عليه . وفي رواية لهم " وهو متضمخ بالخلوق " وفي رواية لأبي داود " فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخلع جبتك فخلعها من رأسه "

- قوله جاءه رجل " ذكر ابن فتحون عن تفسير الطرطوشي أن اسمه عطاء بن منية فيكون أخا يعلى بن منية لأنه يقال له يعلى بن منية بالمنية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية وهي أمه وقيل جدته . وقال ابن الملقن يجوز أن يكون هذا الرجل عمرو بن سواد وذكر الطحاوي أن الرجل هو يعلى بن أمية الراوي . قوله " ثم سرى عنه " بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة أي كشف عنه . قوله " الذي بك " هو أعم من أن يكون بثوبه أو ببدنه ولكن ظاهر قوله وأما الجبة الخ أنه أراد الطيب الكائن في البدن . قوله " ثم اصنع في العمرة كل ماتصنع في حجك " فيه دليل على أنهم كانوا يعرفون اعمال الحج . قال ابن العربي كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة فأخبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن مجراها واحد . وقال ابن المنير قوله واصنع معناه اترك لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل وأما قول ابن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة ففيه نظر لأن التروك مشتركة بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف وما بعده . قال النووي كما قال ابن بطال وزاد ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج . وقال الباجي المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق لأنه صرح له بهما فلم يبق إلا الفدية كذا قال ولا وجه لهذا الحصر لانه قد ثبت عند مسلم والنسائي في هذا الحديث لفظ " ما كنت صانعا في حجك فقال انزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذا الخلوق فقال ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك " قال الإسماعيلي ليس في حديث الباب أن الخلوق كان على الثوب وإنما فيه أن الرجل كان متصمخا . قوله " اغسل الطيب الذي بك " يوضح أن الطيب لم يكن على ثوبه وإنما كان على بدنه ولو كان على الجبة لكان في نزعها كفاية من جهة الاحرام ( واستدل ) بحديث الباب على منع استدامة الطيب بعد الاحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن وهو قول مالك ومحمد بن الحسن وأجاب الجمهور عنه بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة وهي في سنة ثمان لا خلاف وقد ثبت عن عائشة أنها طيبت رسول الله بيدها عند احرامها وكان ذلك في حجة الوداع وهي سنة عشر بلا خلاف وإنما يؤخذ بالأمر الآخر فالآخر وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقا محرما وغير محرم . وقد أجاب المصنف بهذا كما سيأتي وقد تقدم الكلام على ما يجوز من الطيب للمحرم ومالا يجوز في باب ما يصنع من أراد الاحرام ( وقد استدل ) بهذا الحديث على ان المحرم ينزع ما عليه من المخيط من قميص أو غيره ولا يلزمه عند الجمهور تمزيقه ولا شقة وقال النخعي والشعبي لا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما وعن علي نحوه وكذا عن الحسن وأبي قلابة . ورواية أبي داود المذكورة في الباب ترد عليهم ( واستدل ) بالحديث أيضا على ان من أصاب طيبا في احرامه ناسيا أو جاهلا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه ولهذا قال المصنف رحمه الله تعالى وظاهره أن اللبس جهلا لا يوجب الفدية وقد احتج من منع من استدامة الطيب وإنما وجهه أنه أمره بغسله لكراهة التزعفر للرجل لا لكونه محرما متطيبا انتهى . وقال مالك إن طال ذلك عليه لزمه دم وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية يجب مطلقا

باب تظلل المحرم من الحر أو غيره والنهي عن تغطية الرأس

1 - عن أم الحصين قالت " حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة " وفي رواية " حججنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته والآخر رافع ثوبه على رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم يظله من الشمس "
- رواهما أحمد ومسلم

2 - وعن ابن عباس " أن رجلا أو قصته راحلته وهو محرم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا وجهه ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه

- قوله " يستره من الحر " وكذا قوله " يظله من الشمس " فيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره من محمل وغيره وإلى ذلك ذهب الجمهور وقال مالك وأحمد لا يجوز ( والحديث ) يردعليهما وأجاب عنه بعض أصحاب مالك بأن هذا المقدار لا يكاد يدوم فهوكما أجاز مالك للمحرم أن يستظل بيده فإن فعل لزمته الفدية عند مالك وأحمد وأجمعوا على أنه لوقعد تحت خيمة أوسقف جاز . وقد احتج مالك وأحمد على منع التظلل بما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه أبصر رجلا على بعيره وهو محرم قد استظل بينه وبين الشمس فقال اضح لمن أحرمت له " وبما أخرجه البيهقي أيضا بإسناد ضعيف عن جاب مرفوعا " ما منمحرم يضحى للشمس حتى تغرب الا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه " قوله " واضح " بالضاد المعجمة وكذا يضحي والمراد ابرز للضحي قال الله تعالى { وأنك لا تظمأ فيها ولا يضحي } ويجاب بأن قول ابن عمر لا حجة فيه وبأن حديث جابر مع كونه ضعيفا لا يدل على المطلوب وهو المنع من التظلل ووجوب الكشف لأن غاية ما فيه أنه أفضل على أنه يبعد منه صلى الله عليه وآله وسلم أن يفعل المفضول ويدع الأفضل في مقام التبليغ : قوله " اغسلوه بماء وسدر " قد تقدم الكلام على هذا في كتاب الجنائز وساقه المصنف ههنا للاستدلال به على أنه لا يجوز تغطية رأسه ووجهه لأن التعليل بقوله فإنه يبعث ملبيا يدل على أن العلة الاحرام . قال النووي أما تخمير الرأس في حق المحرم الحي فمجمع على تحريمه . وأما وجهه فقال مالك وأبو حنيفة هو كرأسه وقال الشافعي والجمهور لا احرام في وجهه وله تغطيته وإنما يجب كشف الوجه في حق المرأة والحديث حجة عليهم وهكذا الكلام في المحرم الميت لا يجوز تغطيةرأسه عن الشافعي وأحمد وإسحاق وموافقيهم وكذلك لا يجوز أن يلبس المخيط لظاهر قوله فإنه يبعث ملبيا وخالف في ذلك مالك والأوزاعي وأبو حنيفة فقالوا يجوز تغطية رأسه والباسه المخيط والحديث يرد عليهم . وأماتغطية وجه من مات محرما فيجوز عند من قال بتحريم تغطية رأسه وتأولوا هذا الحديث على أن النهي عن تغطية وجهه ليس وجها أنما ذلك صيانة للرأس فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطوا رأسه وهذا تأويل لا يلجئ إليه ملجئ والكلام على بقية أطراف الحديث قد تقدم في الجنائز

باب المحرم يتقلد بالسيف للحاجة

1 - عن البراء قال " اعتمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذي القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم لا يدخل مكة سلاحا إلا في القراب "

2 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج معتمرا فحال كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ولا يحمل سلاحا عليهم إلا سيوفا ولا يقيم إلى ما أحبوا فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم فلما أن أقام بها ثلاثة أيام أمروه أن يخرج فخرج "
- رواهما أحمد والبخاري وهو دليل على أن للمحصر نحر هديه حيث أحصر

- قوله " إلا في القراب " بكسر القاف هو وعاء يجعل فيه راكب البعير سيفه مغمدا ويطرح فيه الراكب سوطه واداته ويعلقه في الرحب وإنما وقعت المقاضاة بينه صلى الله عليه وآله وسلم وبينهم على أن يكون سلاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه في القرابات لوجهين ذكرهما أهل العلم . الأول أن لا يظهر منه حال دخوله دخول الغالبين القاهرين لهم . والثاني أنها عرضت فتنة أو غيرها يكون في الأستعداد للقتال بالسلاح صعوبة قاله أبو إسحاق السبيعي ( وفي الحديثين ) دليل على جواز حمل السلاح بمكة للعذر والضرورة لكن بشرط أن يكون في القراب كما فعله صلى الله عليه وآله وسلم فيخصص بهذين الحديثين عموم حديث جابر عند مسلم قال قال صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح " فيكون هذا النهي فيما عدا من حمله للحاجة والضرورة وإلى هذا ذهب الجماهير من أهل العلم على حلم السلاح لغير ضرورة ولا حاجة فإن كانت حاجة جاز قال وهذا مذهب الشافعي ومالك وعطاء قال وكرهه الحسن البصري تمسكا بهذا الحديث يعني حديث النهي قال وشذ عكرمة فقال إذا احتاج إليه حمله وعليه الفدية أراد إذا كان محرما وليس المغفرا والدرع ونحوهما فلا يكون مخالفا للجماعة انتهى . والحق ما ذهب إليه الجمهور لأن فيه الجمع بين الأحاديث وهكذا يخصص بحديثي الباب عموم قول ابن عمر المتقدم في كتاب العيد وادخلت الحرم فيكون مراده لم يكن السلاح يدخل الحرم لغير حاجة إلا للحاجة فإنه قد دخل صلى الله عليه وآله وسلم غير مرة كما في دخوله يوم الفتح هو وأصحابه ودخوله صلى الله عليه وآله وسلم للعمرة كما في حديثي الباب اللذين أحدهما من رواية ابن عمر

باب منع المحرم من ابتداء الطيب دون استدامته

1 - في حديث ابن عمر " ولا ثوب مسه ورس ولا زعفران " وقال في المحرم الذي مات " لا تحنطوه "

2 - وعن عائشة قالت " كأني انظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أيام وهو محرم "
- متفق عليه . ولمسلم والنسائي وأبي داود " كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو محرم "

3 - وعن عائشة قالت " كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة فتضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الاحرام فإذا عرقت أحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا ينهانا "
- رواه أبو داود

4 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ادهن بزيت غير مقتت وهو محرم "

5 - رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخي عن سعيد بن جبير وقد تكلم يحيى ين سعيد في فرقد وقد روى عنه الناس

- حديث ابن عمر تقدم في باب ما يجتنبه المحرم من اللباس . وقله " لا تحنطوه " تقدم في باب تطييب بدن الميت من كتاب الجنائز . وحديث عائشة الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده رواته ثقات إلا الحسين بن الجنيد شيخ أبو داود وقد قال النسائي لا بأس به : قوله ابن حبان في الثقات مستقيم الأمر فيما يروى . وحديث ابن عمر في إسناده المقال الذي أشار إليه الترمذي ومن عدا فرقدا فيهم ثقات : قوله " كأني انظر إلى وبيص الطيب " قد تقدم الكلام على هذا تفسيرا وحكما في باب ما يصنع من أراد الاحرام وجزمنا هنالك بأن الحق أنه يحرم على المحرم ابتداء الطيب لا استمراره : قوله " فنضمد " بفتح الضاد المعجمة وتشديد الميم المكسورة أن نلطخ : قوله " بالسك " بضم السين المهملة وتشديد الكاف وهو نوع من الطيب معروف : قوله " فإذا عرقت " بكسر الراء : قوله " ولا ينهانا " سكوته صلى الله عليه وآله وسلم يدل على الجواز لأنه لا يسكت على باطل : قوله " غير مقتت " قال في القاموس زيت مقتت طبخ فيه الرياحين أو خلط بادهان طيبة وفيه دليل على جواز الادهان بالزيت الذي لم يخلط بشيء من الطيب . وقد قال ابن المنذر أنه أجمع العلماء على أنه يجوز للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن والشيرج وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه سوي رأسه ولحيته قال وأجمعوا على أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه وفرقوا بين الطيب والزيت في هذا وقد تقدم مثل هذا النقل عن ابن المنذر والكلام على هذا الباب قد مر فلا نعيده

باب النهي عن أخذ الشعر إلا لعذر وبيان فديته

1 - عن كعب بن عجرة قال " كان بي أذى من رأسي فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى أن الجهد قد بلغ منك ما أرى اتد شاة قلت لا فنزلت الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال هو صوم ثلاثة أيام أو اطعام ستة مساكين نصف صاع نصف صاع طعاما لكل مسكين "
- متفق عليه . وفي رواية " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زمن الحديبية فقال كأن هو ام رأسك تؤذيك فقلت أجل قال فاحلقه واذبح شاة أو صم ثلاثة أيام أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين " . رواه أحمد ومسلم وأبو داود . ولأب داود في رواية " فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي أحلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين فرقا من زبيب أو أنسك شاة فحلقت رأسي ثم نسكت "

- قوله " ما كنت أرى أن الجهد " بضم الهمزة أي أظن والجهد بالفتح المشقة قال النووي والضم لغة في المشقة أيضا وكذا حكاه القاضي عياض عن ابن دريد وقال صاحب المغنى بالضم الطاقة وبالفتح الكلفة فيتعين الفتح هنا . قوله " قد بلغ منك ما أرى " بفتح الهمزة من الرؤية : قوله " نصف صاع " في رواية عن شعبة نصف صاع طعام وفي أخرى عن أبي ليلى نصف صاع من زبيب . وفي رواية أيضا عن شعبة نصف صاع حنطة قال ابن حزم لا بد من ترجيح إحدى هذه الروايات لأنها قصة واحدة في مقم واحد في حق رجل واحد قال في الفتح المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث نصف صاع من طعام والاختلاف عليه في كونه تمرا أو حنطة لعله من تصرف الرواة وأما الزبيب فلم أره إلى في رواية الحكم . وقد أخرجه أبو داود وفي إسنادها محمد بن إسحاق وهو حجة في المغازي لا في الأحكام إذا خالف والمحفوظ رواية التمر وقد وقع الجزم عند مسلم وغيره من طريق أبي قلابة كما وقع في الباب حيث قال أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين ولم يختلف على أبي قلابة وكذا أخرجه الطبراني من طريق الشعبي عن كعب وأحمد من طريق سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني ومن طريق شعبة وداود عن الشعبي عن كعب وكذا في حديث عبد الله بن عمر وعند الطبراني وعرف بذلك قوة قول من قال لا فرق في ذلك بين التمر والحنطة وإن الواجب ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع . قوله " هوام رأسك " الهوام بتشديد الميم جمع هامة وهي ما يدب من الأحناش والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان غالبا إذا طال عهده بالتنظيف وقد وقع في كثير من الروايات أنها القمل . قوله ( فرقا ) الفرق ثلاثة آسع كما وقع عند الطبراني من طريق يحيى بن آدم عن ابن عيينة فقال فيه قال سفيان والفرق ثلاثة آصع وفيه إشعار بأن تفسير الفرق مدرج لكنه مقتضي الروايات الأخر كما في رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني عند أحمد بلفظ " لكل مسكين نصف صاع " وفي رواية يحيى بن جعدة عند أحمد أيضا " أو أطعم ستة مساكين مدين " : قوله " أو نسك شاة " لاختلاف بين العلماء إن النسك المذكور في الآية هو شاة لكنه يعكر عليه ما أخرجه أبو داود عن كعب " أنه أصابه أذى فحلق رأسه فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يهدي بقرة " وفي رواية للطبراني " فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يفتدي فافتدى ببقرة " وكذا لعبد بن حميد وسعيد بن منصور . قال الحافظ وق عارض هذه الروايات ما أصح منها من أن الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن أبي هريرة " أن كعبا ذبح شاة لاذى كان أصابه " وهذا أصوب من الذي قبله واعتمد ابن بطال على رواية نافع عن سليمان بن يسار قال أخذ كعب بأرفع الكفارات ولم يخالف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما أمر به من ذبح الشاة بل وافق وزاد وتعقبه الحافظ بأن الحديث الدال على الزيادة لم يثبت

باب ما جاء في الحجامة وغسل الرأس للمحرم

1 - عن عبد الله بن بحينة قال " احتجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو محرم بلحى جمل من طريق مكة في وسط رأسه "
- متفق عليه

2 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم وهومحرم "
- متفق عليه . وللبخاري " احتجم في رأسه وهو محرم من وجع كان به بماء يقال له لحى الجمل "

3 - وعن عبد الله بن حنين " إن ابن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء ابن عباس فقال ابن عباس يغسل المحرم رأسه وقال المسور لا يغسل المحرم رأسه قال فارسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري فوجدته يغتسل بين القرنين وهويستر بثوب فسلمت عليه فقال من هذا فقلت أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك ابن عباس يسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغتسل وهو محرم قال فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لانسان يصب عليه الماء أصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر فقال هكذا رأيته صلى الله عليه وآله وسلم يفعل "
- رواه الجماعة إلا الترمذي

- قوله " وهو محرم " زاد في رواية للبخاري بعد قوله محرم لفظ صائم : قوله " بلحى جمل " بفتح اللام وحكى كسرها وسكون المهملة وفتح الجيم والميم موضع بطريق مكة كما وقع مبينا في الرواية الثانية وذكر البكري في معجمه أنه الموضع الذي يقال له بئر جمل وقال غيره هو عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا ووهم من ظن أن المراد به لحى الجمل الحيوان المعروف وأنه كان آلة الحجم وجزم الحازمي وغيره بأن ذلك كان في حجة الوداع قوله " في وسط " بفتح المهملة أي متوسطه وهو ما فوق اليافوخ فيما بين أعلى القرنين قال الليث كانت هذه الحجامة في فاس الرأس . قال النووي إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قطع شعر فهي حرام وإن لم تتضمنه جازت عند الجمهور وكرهها مالك وعن الحسن فيها الفدية وإن لم يقطع شعرا فإن كان لضرورة جاز قطع الشعر وتجب الفدية وخص أهل الظاهر الفدية بشعر الرأس . وقال الداودي إذا أمكن مسك المحاجم بغير حلق لم يجز الحلق واستدل بهذا الحديث على جواز الفصد وربط الجرح والدمل وقطع العرق وقلع الضرس وغير ذلك من وجوه التداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهى المحرم عنه من تناول الطيب وقطع الشعر ولا فدية عليه في شيء من ذلك . قوله " بالأبواء " أي وهما نازلان بها وفي رواية العرج بفتح أوله واسكان ثانيه قرية جامعة قريبة من الابواء . قوله " بين القرنين " أي قرني البئر : قوله " أرسلني إليك ابن عباس " الخ قال ابن عبد البر الظاهر أن ابن عباس كان عند في ذلك نص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذه عن أبي أيوب أو عن غيره ولهذا قال عبد الله بن حنين لأبي أيوب يسألك كيف كان يغسل رأسه ولم يقل هل كان يغسل رأسه أولا على حسب ما وقع فيه اختلاف المسور وابن عباس : قوله " فطأطأه " أي أزاله عن رأسه . وفي رواية للبخاري " جمع ثيابه إلى صدره حتى نظرت إليه " : قوله " لانسان " قال الحافظ لم أقف على اسمه : قوله " فقال هكذا رأيته صلى الله عليه وآله وسلم يفعل " زاد في رواية للبخاري فرجعت إليهما فأخبرتهما فقال المسور لابن عباس لا أماريك أبدا أي لا أجادلك ( والحديث ) يدل على جواز الأغتسال للمحرم وتغطية الرأس باليد حاله قال ابن المنذر أجمعوا على أن للمحرم أن يغتسل من الجنابة واختلفوا فيما عدا ذلك وروى مالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام وروى عن مالك أنه كره للمحرم أن يغطي رأسه في الماء . وللحديث فوائد ليس هذا موضع ذكرها

باب ما جاء نكاح المحرم وحكم وطئه

1 - عن عثمان بن عفان " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب "
- رواه الجماعة إلا البخاري وليس للترمذي فيه " ولا يخطب "

2 - وعن ابن عمر " أنه سئل عن امرأة أراد أن يتزوجها رجل وهو خارج مكة فأراد أن يعتمر أو يحج فقال لا تتزوجها وأنت محرم نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه "
- رواه أحمد

3 - وعن أبي غطفان عن أبيه عن عمر " أنه فرق بينهما يعني رجلا تزوج وهو محرم "
- رواه مالك في الموطأ والدارقطني

4 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ميمونة وهو محرم "
- رواه الجماعة . وللبخاري " تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ميمونة وهو محرم وبني بها وهو حلال وماتت بسرف "

5 - وعن يزيد بن الأصم عن ميمونة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج بها حلالا وبنى بها حلالا وماتت بسرف قدفناها في الظلة التي بنى بها فيها "
- رواه أحمد والترمذي . ورواه مسلم وابن ماجه . ولفظهما " تزوجها وهو حلال قال وكانت خالتي وخالة ابن عباس " وأبو داود ولفظه قالت " تزوجني ونحن حلالان بسرف "

6 - وعن أبي رافع " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ميمونة حلالا وبنى بها حلالا وكنت الرسول بينهما "
- رواه أحمد والترمذي ورواية صاحب القصة والسفير فيها أولى لأنه اخبر وأعرف بها . وروى أبو داود أن سعيد بن المسيب قال وهم ابن عباس في قوله تزوج ميمومة وهو محرم "

- حديث ابن عمر في إسناده أيوب بن عتبة وهو ضعيف وقد وثق وحديث أبي رافع قال الترمذي حديث حسن ولا نعلم أحدا أسنده غير حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة قال وروى مالك بن أنس عن ربيعة عن سليمان بن يسار " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ميمونة وهو حلال " رواه مالك مرسلا وقول سعيد بن المسيب أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وفي إسناده رجل مجهول . قوله " يا ينكح المحرم ولا ينكح " الأول بفتح الياء وكسر الكاف أي لا يتزوج لنفسه والثاني بضم الياء وكسر الكاف أي لا يزوج امرأة بولاية ولا وكالة في مدة الاحرام : قال العسكري ومن فتح الكاف من الثاني فقد صحف : قوله " ولا يخطب " أي لا يخطب المرأة وهو طلب زواجها وقيل لا يكون خطيبا في النكاح بين يدي العقد والظاهر الأول : قوله " تزوج ميمونة وهو محرم " أجيب عن هذا بأنه مخالف لرواية أكثر الصحابة ولم يروه كذلك إلا ابن عباس كما قال عياض ولكنه متعقب بأنه قد صح من رواية عائشة وأبي هريرة نحوه كما صرح بذلك في الفتح وأجيب ثانيا بأنه تزوجها في أرض الحرم وهو حلال فأطلق ابن عباس على من في الحرم أنه محرم وهو بعيد وأجيب ثالثا بالمعارضة برواية ميمونة نفسها وهي صاحبة القصة وكذلك برواية أبي رافع وهو السفير وهما أخبر بذلك كما أخبر المصنف وغيره لكنه يعارض هذا المرجع أن ابن عباس روايته مصثبتة وهي أولى من النافعية ويجاب بأن رواية ميمونة وأبي رافع أيضا مثبتة لوقوع عقد النكاح والنبي صلى الله عليه وآله وسلم حلال وأجيب رابعا أن غاية حديث ابن عباس أ ه حكاية فعل وهي لا تعارض صريح القول أعني النهي عن أن ينكح المحرم أو ينكح ولكن هذا إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وهو ممكن ههنا على فرض أن رواية ابن عباس أرجح من رواية غيره وذلك بأن يجعل فعله صلى الله عليه وآله وسلم مخصصا له من عموم ذلك القول كما تقرر في الأصول في جواز تخصيص العام المتأخر بالخاص المتقدم كما هو المذهب الحق أو جعل العام المتأخر ناسخا كما ذهب إليه البعض . إذا تقرر هذا فالحق أن يحرم أن يتزوج المحرم أو يزوج غيره كما ذهب إليه الجمهور وقال عطاء وعكرمة ولأخل الكوفة يجوز للمحرم أن يتزوج كنما يجوز له أن يشتري جارية للوطء وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار . وظاهر النهي عدم الفرق بين من يزوج غيره بالولاية الخاصة أو العامة كالسلطان والقاضي . وقال بعض الشافعية والإمام يحيى أ ه يجوز أن نزوج المحرم بالولاية العامة وهو تخصيص لعموم النص بلا مخصص : قوله " بسرف " بفتح المهملة وكسر الراء موضع معروف : قوله ( في الظلة ) بضم الظاتء وتشديد اللام كل ما أظل من الشمس : قوله " التي بنى فيها " أي التي زفت إليه فيها : قوله " وهم ابن عباس " هذا هو أحد الأجوبة التي أجاب بها الجمهور عن حديث ابن عباس

7 - وعن عمر وعلي وأبي هريرة " أنهم سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج فقالوا ينفذان لوجههما حتى يقضيان حجهما ثم عليهما حج قابل والهدي قال علي فإذا أهلا بالحج من عام قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما "

8 - وعن ابن عباس أنه " سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنه "
- والجميع لمالك في الموطأ

- أثر عمر وعلي وأبي هريرة هو في الموطأ كما قال المصنف ولكنه ذكره بلاغا عنهم وأسنده البيهقي من حديث عطاء عن عمر وفيه إرسال ورواه سعيد بن منصور عن مجاهد عن عمر وهو منقطع . وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا عنه . وعن علي وهو منقطع أيضا بين الحكم وبينه . وأثر ابن عباس رواه البيهقي من طريق أبي بشر عن رجل من بني عبد الدار عنه وفيه أن أبا بشر قال لقيت سعيد بن جبير فذكرت ذلك له فقال هكذا كان ابن عباس يقول ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند أحمد أنه سئل عن رجل وامرأة حاجين وقع عليهما قبل الإفاضة فقال ليحجا قابلا . وعن ابن عمرو بن العاص عن الدارقطني والحاكم والبيهقي نحو قول ابن عمر وقد روى نحو هذه الأثار مرفوعا عند أبي داود في المراسيل من طريق يزيد بن نعيم " أن رجلا من جذام جامع امرأته وهما محرمان فسألا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اقضيا نسكا واهديا هديا " قال الحافظ رجاله ثقات مع إرساله . ورواه ابن وهب في موطئه من طريق سعيد بن المسيب مرسلا . وأثر على المذكور في الباب في التفريق أخرج نحوه البيهقي عن ابن عباس موقوفا وروى ابن وهب في موطئه عن سعيد بن المسيب مرفوعا مرسلا نحوه وفيه ابن هليعة وهو عند أبي داود في المراسيل بسند معضل : قوله " حتى يقضيا حجهما " استدل به من قال أنه يجب المضي في فاسد الحج وهم الأكثر وقال داود لا يجب كالصلاة . قوله " ثم عليهما حج قابل " استدل به من قال أنه يجب قضاء الحج الذي فسدوهم الجمهور : قوله " والهدي " تمسك به من قال أن كفارة الوطء شاة لأنها أقل ما يصدق عليه الهدي وهو مروي عن أبي حنيفة والناصر ويدل على ما قالاه قوله صلى الله عليه وآله وسلم " واهديا هديا " كما في مرسل أبي داود المذكور . وذهب الجمهور إلى أنها تجب بدنة على الزوج وبدنة على الزوجة ويجب بدنة الزوجة على الزوج أذا كانت مكرهة لا مطاعة . وقال أبو حنيفة ومحمد على الزوج مطلقا . وقال الشافعي في أحد قوليه عليهما هدى واحد لظاهر الخبر و الأثر . وقال الأمام يحيى بدنه المرأة عليها إذا لم يفصل الدليل : قوله " تفرقا حتى يقضيا حجهما " . فيه دليل على مشروعية التفرق وقد حكى ذلك في البحر عن علي وابن عباس وعثمان والعترة وأكثر الفقهاء وأختلفوا هل واجب أم لا فذهب أكثر العترة وعطاء ومالك والشافعي في أحد قوليه إلى الوجوب . وذهب الإمام يحيى والشافعي في أحد قوليه إلى الندب . وقال أبو حنيفة لا يجب ولا يندب ( واعلم ) إنه ليس في الباب من المرفوع ما تقوم به الحجة والموقوف ليس بحجة فمن لم يقبل المرسل ولا رأى حجية أقوال الصحابة فهو في سعة عن التزام هذه الأحكام وله في ذلك سلف صالح كداود الظاهري

باب تحريم قتل الصيد وضمانه بنظيره

- قال الله تعالى { فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم } الآية

1 - وعن جابر قال " جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الضبع يصيبه المحرم كبشا وجعله من الصيد "
- رواه أبو داود وابن ماجه

- الحديث أخرجه أيضا بقية أهل السنن وابن حبان وأحمد والحاكم في المستدرك قال الترمذي سألت عنه البخاري فصصحه وكذا صححه عبد الحق وقد أعل بالوقف وقال البيهقي هو حديث جيد تقوم به الحجة ورواه عن جابر عن عمر وقال لا أراه الا رفعه رواه الشافعي موقوفا وصحح وقفه من هذا الوجه الدارقطني ورواه من وجه آخر هو والحاكم مرفوعا ( وفي الباب ) عن ابن عباس عن الدارقطني والبيهقي قال البيهقي روى موقوفا عن ابن عباس والأية الكريمة أصل أصيل في وجوب الجزاء على من قتل صيدا وهو محرم ويكون الجزاء مماثلا للمقتول ويرجع في ذلك إلى حكم عدلين كما ذهب إليه مالك وهو ظاهر الآية وقيل أنه لا يرجع إلى حكم العدلين إلا فيما لا مثل له وأما فيما له فيرجع فيه إلى ما حكم به السلف وإلا يحكم فيه السلف رجع إلى ما حكم به عدلان واختلف في أي شيء تعتبر المماثلة فقيل في الشكل أو الفعل وقيل في القيمة ( والحديث يدل ) على أن الضبع صيد وإن فيه كبشا

2 - وعن محمد بن سيرين " إن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فماذا ترى فقال عمر لرجل بجنبه تعال حتى نحكم أنا وأنت فقال فحكما عليه بعنز فولي الرجل وهو يقول هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي حتى دعا رجلا فحكم معه فسمع عمر قول الرجل فدعاه فسأله هل تقرأ سورة المائدة فقال لا فقال هل تعرف هذا الرجل الذي حكم معي فقال لو أخبرتني أنك سورة المائدة لأوجعتك ضربا ثم قال إن الله عز و جل يقول في كتابه { يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة } وهذا عبد الرحمن بن عوف "
- رواه مالك في الموطأ

3 - وعن جابر " إن عمر قضي في الضبع بكبش في الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة "
- رواه مالك في الموطأ

4 - وعن الأجلح بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " في الضبع إذا أصابه المحرم كبش وفي الظبي شاة وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة قال والجفرة التي قد أرتعت "
- رواه الدارقطني . قال ابن معين الأجلح ثقة وقال ابن عدي صدوق فقال أبو حاتم لا يحتج بحديثه

- الأثر الأول رواه مالك في الموطأ عن عبد الملك بن قريب عن محمد بن سيرين وعبد الملك بن قريب هو الأصمعي وهو ثقة . والأثر الثاني لم يذكر مالك في الموطأ قوله عن جابر بل رواه عن أبي الزبير إن عمر بن الخطاب قضى في الضبع الخ وأخرجه أيضا الشافعي بسند صحيح عن عمر وأخرج البيهقي عن ابن عباس أنه قضى في الأرنب بعناق . وروى عنه الشافعي من طريق الضحاك أنه قضى بالأرنب بشاة . وأخرج البيهقي عن ابن مسعود أنه قضى في اليربوع بجفرة . ورواه الشافعي عنه من طريق مجاهد وروى أبو يعلى عن عمر وقال لا أراه إلا رفعه أنه حكم في الضبع بشاة وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع جفرة وفي الظبي كبش . وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر أنه قضى في الأرنب ببقرة . وروى إبراهيم الحربي في الغريب عن ابن عباس أنه قضى في اليربوع بحمل والحمل ولد الضان الذكر . وحديث جابر أخرجه أيضا البيهقي وأبو يعلى وقالا عن جابر رفعه وأما الدارقطني فرواه من طريق إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر يرفعه . وكذلك الحاكم . ورواه الشافعي عن مالك عن أبي الزبير موقوفا على جابروصحح وقفه الدارقطني من هذا الوجه كما سلف في أول الباب : قوله " فحكما عليه بعنز " قد وافقهما على ذلك علي وعثمان وابن عباس وابن عمر وجفرة وزيد بن ثابت وابن الزبير وكذلك وافقوا عمر في إيجاب عناق في الأرنب وجفرة في اليربوع كما حكى ذلك المهدي في البحر عنهم وهو موافق لما في حديث جابر المرفوع المذكور في الباب إلا في الظبي فإنه أوجب فهي شاة ولكنها قد تطلق الشاة على المعز . قال في القاموس الشاة الواحدة من الغنم للذكر والأنثى أو يكون من الضان والعز والظباء والبقر والنعام وحمر الوحش انتهى . قوله " جفرة " الجفرة بفتح الجيم هي الأنثى من ولد الضان التي بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها والعنز بفتح المهملة وسكون النون بعدها زاي الأنثى من المعز الجمع أعنز وعنوز وعناز

باب منع المحرم من أكل لحم الصيد إلى إذا لم يصد لاجله ولا أعان عليه

1 - عن الصعب بن جثامة أنه اهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمارا وحشيا وهو بالابواء أو بودان فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال انا لم نرده عليك إلا انا حرم "
- متفق عليه . ولأحمد ومسلم لحم حمار وحش

2 - وعن زيد بن أرقم وقال له ابن عباس يستذكره " كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدى إلى رسول الله وهو حرام فقال أهدي له عضو من لحم صيد فرده وقال أنا لا نأكله اناحرم "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي

- قوله " حمارا وحشيا " هكذا رواية مالك ولم تختلف عنه الرواة في ذلك وتابعه على ذلك عامة الرواة عن الزهري وخالفهم ابن عيينة فقال لحم حمار وحش كما وقع في الرواية الأخيرة وبين الحميدي أنه كان يقول حمار وحش ثم صار يقول لحم حمار وحش فدل على اضطرابه فيه . قال في الفتح وقد توبع على قوله لحم حمار وحش من أوجه فيها مقال ثم ساقها ولكنه يقوي ما رواه ابن عيينة حديث ابن عباس المذكور في الباب وقد أخرج مسلم من وجه آخر عن ابن عباس إن الذي أهداه الصعب بن جثامة لحم حمار وأخرجه مسلم أيضا من طريق حبيب ابن أبي ثابت عن سعيد تارة حمار وحش وتارة شق حمار قوله " بالأبواء " بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد جبل من أعمال الفرع بضم الفاء والراء بعدها مهملة قيل سمي بالأبواء لوبائه وقيل لأن السيول تتبوؤه أي تحله . قوله " أو بودان " شك من الراوي وهو بفتح الواو وتشديد الدال آخره نون موضع بقرب الجحفة . قوله " فرده " اتفقت الروايات كلها على أنه رده عليه كما قال الحافظ إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريقه بإسناد حسن من طريق عمرو بن أمية أن الصعب أهدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم قال البيهقي إن كان هذا محفوظا حمل على أنه رد الحي وقيل اللحم . قال الحافظ وفي هذا الجمع نظر فإن الطرق كلها محفوظة فلعله رده حيا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك وقبله أخرى حيث لم يصد لأجله وقد قال الشافعي في الأم أن كان الصعب اهدي له حمارا حيا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حي وان كان أهدى له لحما فقد يحتمل أن يكون قد علم أنه صيد له انتهى . ويحتمل أن يكون القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية في وقت آخر وهو وقت رجوعه صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة . قال القرطبي يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحا ثم قطع منه عضوا بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقدمه له فمن قال أهدى حمارا أراد بتمامه مذبوحا لا حيا ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحتمل أن يكون من قال حمارا أطلق وأراد بعضه مجازا ويحتمل أنه أهداه له حيا فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظانا أنا إنما رده عليه لمعنى يختص بجملته فاعلمه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات : قوله " انا لم نرده عليك " قال في الفتح قال القاضي عياض ضبطناه في الروايات بفتح الدال وأبي ذلك المحققون من أهل العربية وقالوا الصواب أنه بضم الدال لأن المضاعف من المجزوم يراعي فيه الواو التي توجبها ضمه الهاء بعدها قال وليس الفتح بغلط بل ذكره ثعلب في الفصيح نعم تعقبوه عليه بأنه ضعيف وأجازوا فيه الكسر وهو أضعف الأوجه وهي لغة حكاها الأخفش عن بني عقيل وإذا وليه ضمير المؤنث نحو درها فالفتح لازم اتفاقا كذا قال النووي : ووقع في رواية الكشميهني لم نردده بفك الأدغام وضم الأولى وسكون الثانية ولا اشكال فيه . قوله " الا أنا حرم " زاد النسائي " لانأكل الصيد " وفي حديث ابن عباس " انا لا نأكله اناحرم " وقد استدل بهذا من قال بتحريم الأكل من لحم الصيد على المحرم مطلقا لأنه أقتصر في التعليل على كونه محرما فدل على أنه سبب الامتناع خاصة وهو قول علي وابن عباس وابن عمر والليث والثوري وإسحاق والهادوية واستدلوا أيضا بعموم قوله تعالى { وحرم عليكم صيد البر } ولكنه يعارض ذلك حديث طلحة وحديث البهزي وحديث أبي قتادة وستأتي هذه الأحاديث . وقال الكوفيون وطائفة من السلف أنه يجوز للمحرم أكل لحم الصيد مطلقا وتمسكوا بالأحاديث التي ستأتي وكلا المذهبين يستلزم اطراح بعض الأحاديث الصحيحة لا موجب والحق ما ذهب إليه الجمهور من الجمع بين الأحاديث المختلفة فقالوا أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدى منه للحرم وأحاديث الرد محمولة على صاد الحلال لأجل المحرم قالوا والسبب بالأقتصار على الاحرام عند الأعتذار للصعب أن الصيد لا يحرم على المرء إذا صيد له إلا إذا كان محرما فاقتصر عن تبيين الشرط وسكت عما عداه فلم يدل على نفيه ويؤيد هذا الجمع حديث جابر الآتي

3 - وعن علي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى ببيض النعام فقال انا قوم حرم أطعموه أهل الحل "
- رواه أحمد

4 - وعن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التيمي وهو ابن أخي طلحة قال كنا مع طلحة ونحن حرم فأهدى لنا طير وطلحة راقد فمنا من أكل ومنا من تورع فلم يأكل فلما استيقظ طلحة وفق من أكله وقال أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي

- حديث علي أخرجه أيضا البزار وفي إسناده علي بن زيد وفيه كلام وقد وثق وبقية رجاله رجال الصحيح وهو حديث طويل هذا طرف منه : قوله " أطعموه أهل الحل " لا بد من تقييد هذا الأطلاق بما سلف من اعتبار القصد بأن ذلك للمحرم فيحمل هذا على أنه أخذ البيض قاصدا بأن ذلك لأجل المحرمين جمعا بين الأدلة . وكذلك لابد من تقييد حديث طلحة بأن لا يكون من أهدى لهم الطير صاده لأجلهم وقد اختلف فيما يلزم المحرم إذا أصاب بيضة نعام فقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي أنه يجب فيها القيمة وقال مالك في رواية عنه قيمة عشر بدنة وقال الشافعي في رواية عنه قيمة عشر النعامة . وقال الهادي يجب فيها صوم يوم واستدل من قال بأن الواجب القيمة بما أخرجه عبد الرزاق والدارقطني والبيهقي من حديث كعب بن عجرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في بيض نعامة أصابه محرم بقيمته " وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وشيخه حسين بن عبد الله وهما ضعيفان . وأخرجه ابن ماجه والدارقطني من حديث أبي المهزم وهو أضعف منهما . واستدل الهادي بما أخرجه الشافعي وأبو داود والدارقطني والبيهقي من حديث عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حكم في بيض النعام في كل بيضة صيام يوم " قال عبد الحق لا يسند من وجه صحيح وفي إسناد أبي داود رجل لم يسم وأخرج نحوه الدارقطني من حديث أبي هريرة وهو من طريق ابن جريج عن أبي الزناد ولم يسمع منه كما قال أبو حاتم والدارقطني . قوله " ابن عبد الله التيمي " كذا في نسخ المنتقى والصواب ابن عبيد الله مصغرا : قول " وفق من أكله " أي صوبه كذا في شرح مسلم ويحتمل أن يكون معناه دعاله بالتوفيق

5 - وعن عمير بن سلمة الضمري عن رجل من بهرز " أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد مكة حتى إذا كانوا في بعض وادي الروحاء وجد الناس حمار وحش عقيرا فذكروه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أقروه حتى يأتي صاحبه فأتى البهزي وكان صاحبه فقال يا رسول الله شأنكم هذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر فقسمه في الرفاق وهم محرمون قال ثم مررنا حتى إذا كنا بالاثاية إذا نحن بظبي حاقف في ظل فيه سهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا أن يقف عنده حتى يخبر الناس عنه "
- رواه أحمد والنسائي ومالك في الموطأ

- الحديث صحيح ابن خزيمة وغيره كما قال في الفتح : " أقروه " أي اتركره قوله " فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر " الخ ينبغي أن يقيده هذا الأطلاق بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم أن البهزي لم يصده لأجلهم بقرينة حال او مقال للجمع بين الأدلة كم تقدم : قوله " في الرفاق " جمع رفقة : قوله " بالأثاية " بضم الهمزة وكسرها بعدها ثاء مثلثة وبعد الألف تحتية موضع بين الحرمين فيه مسجد نبوي أو بئر دون العرج قال في القاموس هو بضم الهمزة ويثلث : قوله " حاقف " قال في القاموس الحاقف الرابض في حقف من الرمل أو يكون منطويا كالحقف وقد انحنى وتثنى في نومه وهو بين الحقوف انتهى : قوله " فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ إنما لم يأذن لمن معه بأكله لأمرين . أحدهما أنه حي وهو لا يجوز للمحرم ذبح الصيد الحي . الثاني أن صاحبه الذي رماه صار أحق به فلا يجوز أكله إلا بإذن ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم في حمار البهزي " أقروه حتى يأتي صاحبه للهرب أما لضعف فيه أو لجناية أصابته أن يأمر من يحفظه من أصحابه

6 - وعن أبي قتادة قال " كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منزل في طريق مكة و رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمامنا والقوم محرمون وأ ا غير محرم علم الحديبية فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذونوني وأحبوا لو أني أبصرته فالتفت فأبصرته فقمت إلى الفرس فاسرجته ثم ركبت ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم ناولوني السوط والرمح قالوا والله لا نعينك عليه فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت فشددت على الحمار فعقرته ثم جئت به وقد مات فوقعوا فيه يأكلونه ثم أ هم شكوا في أكلهم إياه وهم حرما فرحنا وخبأت العضد معي فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألناه عن ذلك فقال هل معكم منه شيء فقلت نعم فناولته العضد فأكلها وهو محرم "
- متفق عليه . ولفظه للبخاري ولهم في رواية " هو حلال فكلوه " ولمسم " هل أشار إليه إنسان أو أمره بشيء قالوا لا قال فكلوه " وللبخاري " قال منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقي من لحمها "

- قوله " أما منا " بفتح الهمزة قوله " عام الحديبية " هذا هو الصواب ووقع في رواية للبخاري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج حاجا " وهو غلط كما قال الإسماعيلي فإن القصة كانت في العمرة . وقال الحافظ لا غلط في ذلك بل هو من المجاز الشائع وأيضا فالحج في الأصل القصد للبيت فكأنه قال خرج قاصدا للبيت ولهذا يقال للعمرة الحج الأصغر . قوله " والله لا نعنيك " زاد أبو عوانة إنا محرمون وفيه دليل على أنهم قد كانوا علموا أنه يحرم على المحرم الإعانة على قتل الصيد . قوله " وخبأت " وفي رواية للبخاري فحملنا ما بقي من لحم الأتان " قوله " فكلوه " صيغة الأمر هنا للإباحة لا للوجوب لأنها وقعت جوابا عن سؤالهم عن الجواز لا عن الوجوب فوقعت على مقتضى السؤال : قوله " قال منكم أحد " الخ في رواية للبخاري قال أمنكم بزيادة الهمزة ولفظ مسلم هل منكم أحد أمره . فيه دليل على مجرد الأمر من المحرم للصائد بأن يحمل على الصيد والإشارة منه مما يوجب عدم الحل لمشاركته للصائد : قوله " أن يحمل عليها أو أشار إليها " الضمير راجع إلى الإتان لأنه لا يطلق إلا على الأنثى وهي مذكورة في رواية البخاري ولفظه فرأينا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا فنزلنا فأكلنا من لحمها ثم قلنا أنأكل لحم صيد ونحن محرموم فحملنا ما بقي من لحمها قال منكم أحد أمره الخ والروايات متفقة على إفراد الحمار بالرؤية وأفاد هذه الرواية أن الحمار من جملة حمروان المقتول كان أتانا أي أنثي لقوله فعقر منها أتانا ( والحديث ) في فوائد منها أنه يحل للمحرم لحم ما يصيده الحلال إذ لم يكن صاده لأجله ولم يقع منه إعانة له وقد تقدم الخلاف في ذلكز ومنها أن مجرد محبة المحرم أن يقع بين الحلال الصيد فيأكل منه غير قادحة في إحرامه ولا في حل الأكل منه . ومنها إنعقر الصيد ذكاته وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى . ومنها جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالقرب منه

7 - وعن أبي قتادة قال " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زمن الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم فرأيت حمارا فحملت عليه فاصطدته فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكرت أني لم أكن أحرمت وإني إنما اصطدته لك فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أني إصطدته له "
- رواه أحمد وابن ماجه بإسناد جيد . قال أبو بكر النيسابوري قوله أني إصطدته لك وأنه لم يأكل منه لا أعلم أحدا قاله في هذا الحديث غير معمر

- الحديث أخرجه أيضا الدارقطني والبيهقي وابن خزيمة وقد قال بمثل مقالة النيسابوري التي ذكرها المصنف ابن خزيمة والدارقطني والجوزقي . قال ابن خزيمة إن كانت هذه الزيادة محفوظة أحتمل أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم أكل من لحم ذلك الحمار من قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه إصطاده من أجله فلما علن امتنع وفي نظر أنه لو كان حراما عليه صلى الله عليه وآله وسلم ما أقره الله تعالى على الأكل حتى يعلمه أبو قتادة لأنه صاده لأجله ويحتمل أن يكون ذلك لبيان الجواز وأن الذي يحرم على المحرم إنما هو الذي يعلم أنه صيد من أجله وأما إذا أتى بلحم لا يدري ألحم صيد أم لا وهل صيد لأجله أم لا فحله على أصل الإباحة فلا يكون حراما عليه عند الأكل ولكنه يبعد هذا ما تقدم من أنه لم يبق إلا العضد . وقال البيهقي هذه الزيادة غريبة يعني قوله أني إصطدته لك قال والذي في الصحيحين أنه أكل منه . وقال النووي في شرح المهذب يحتمل أنه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قصتان قال ابن حزم
لا يشك أحد لأن أبا قتادة لم يصد الحمار إلا لنفسه ولإصحابه وهم محرمون فلم يمنعهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أكله وكأنه يقول بأنه يحل صيد الحلال للمحرم مطلقا وهو أحد أقوال السابقة . وقال ابن عبد البركان إصطياد أبي قتادة الحمر لنفسه لا لاصحابه وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجه أبا قتادة على طريق البحر مخافة العدو فلذلك لم يكن محرما عند اجتماعه بأصحابه لأن مخرجهم لم يكن واحدا . قال الأثرم كنت أسمع أصحاب الحديث يتعجبون من هذا الحديث ويقولون كيف جاز لأبي قتادة مجاورة الميقات بلا احرام ولا يدروز ما وجهه حتى رأيته مفسرا في حديث عياض عن أبي سعيد قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأحرمنا لما كان مكان كذا وكذا إذا نحن بأبي قتادة كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثه في شيء سماه فذكر حديث الحمار الوحشي انتهى . والحديث من جملة أدلة الجمهور القائلين بأنه يحرم صيد الحلال على المحرم إذا صاده لأجله ويحل له إذا لم يصده لأجله ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه صاده لأجله لم يأكل منه وأمر أصحابه بالأكل

8 - وعن جابر " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال صيد البر لكم حلال وأنتم حرم مالم تصيدوه أو يصد لكم "
- رواه الخمسة إلى ابن ماجه : وقال الشافعي هذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس

- الحديث أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي وهو من رواية عمرو بن أبي عمر ومولى المطلب بن عبد الله بن حنطب عن مولاه المطلب عن جابر وعمرو مختلف فيه مع كونه من رجال الصحيحين ومولاه قال الترمذي لا يعرف له سماع من جابر وقال في موضع آخر قال محمد لا أعرف له سماعا من أحد من الصحابة إلى قوله حدثني من شهد خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وقد رواه الشافعي عن عمرو عن رجل من الأنصار عن جابر . ورواه الطبراني عن عمرو وعن المطلب عن أبي موسى وفي إسناده يوسف بن خالد السمتي وهو متروك ورواه الخطيب عن مالك عن نافع عن ابن عمر وفي إسناده عثمان ابن خالد المخزومي وهو ضعيف جدا ( هذا الحديث ) صريح في التفرقة بين أن يصيده المحرم أو يصيده غيره له وبين أن لا يصيده المحرم ولا يصاد له بل يصيده الحلال لنفسه ويطعمه المحرم ومقيد لبقية الأحاديث المطلقة كحديث الصعب وطلحة وأبي قتادة ومخصص لعموم الآية المتقدمة

باب صيد الحرم وشجره

1 - عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة إن هذا البلد حرام لا يعضد شوكه ولا يختلى خلاه ولا ينفر صيده ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف فقال العباس إلا الاذخر فإنه لابد لهم منه فإنه للقيون والبيوت فقال إلا الاذخر "

2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فتح مكة قال لا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ولا تحل ساقطتها الا لمنشد فقال العباس الاذخر فانا نجعله لقبورنا وبيوتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا الاذخر "
- متفق عليهما . وفي لفظ لهم " لا يعضد شجرها بدل قوله لا يختلى شوكها "

- قوله " لا يعضد شوكها " بضم أوله وسكون المهملة وفتح الضاد المعجمة أي لا يقطع . وفي رواية للبخاري " ولا يعضد بها شجرة " قال القرطبي خص الفقهاء الشجر المنهى عنه بما ينبته الله تعالى من غير آدمي فأما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه الجمهور على الجواز . وقال الشافعي في الجميع الجزاء ورجحه ابن قدامة واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع الأول فقال مالك لاجزاء فيه بل يأثم وقال عطاء يستغفر . وقال أبو حنيفة بقيمته هدى . وقال الشافعي في العظيمة بقرة وفيما دونها شاة . قال ابن العربي اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم الا ان الشافعي أجاز قطع السواك من فروع الشجرة كذا نقله أبو ثور عنه وأجاز أيضا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها وبهذا قال عطاء ومجاهد وغيرهما وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذي بطبعه فأشبه الفواسق ومنعه الجمهور لنهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك كما في حديثي الباب والقياس مصادم لهذا النص فهو فاسد الاعتبار وهوأيضا قياس غير صحيح لقيام الفارق فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر قال ابن قدامة ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقطع من الشجر من غير صنيع الآدمي ولا بما يسقط من الورق نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا انتهى : قوله " ولا يختلى خلاه " الخلا بالخاء المعجمة مقصور وذكر ابن التين أنه وقع في رواية القابسي بالمد وهو الرطب من النبات واختلاؤه قطعه واحتشاشه واستدل به على تحريم رعيه لكونه أشد من الاحتشاش وبه قال مالك والكوفيون واختاره الطبري وتخصيص التحريم بالرطب اشارة إلى جواز رعي اليابس وجواز اختلائه وهو أصح الوجهين للشافعية لأن اليابس كالصيد الميت . قال ابن قدامة لكن في استثناء الاذخر اشارة إلى تحريم اليابس ويدل عليه إن في بعض طرق حديث أبي هريرة ولا يحتش حشيشها قال وأجمعوا على إباحة أخذ ما استنبته الناس في الحرم من بقل وزرع ومشموم فلا بأس برعيه واختلائه . قوله " ولا ينفر صيده " بضم أوله وتشديد الفاء المفتوحة قيل هو كناية عن الأصطياد وقيل على ظاهره . قال النووي يحرم التنفير وهو الأزعاج عن موضعه فإن نفره عصى تلف أولا وإن تلف في نفارة قبل سكونه ضمن وإلا فلا قال قال العلماء يستفاد من النهي عن التنفير تحريم الاتلاف بالأولى . قوله " ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف " وكذلك قوله في الحديث الثاني " ولا تحل ساقطتها إلا المنشد " يأتي الكلام على هذا في اللقطة إن شاء الله تعالى . قوله " إلا الاذخر " بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة أيضا : قال في الفتح نبت معروف عند أهل مكة طيب الريح له أصل مندفن وقضبان دقاق ينبت في السهل والحزن وأهل مكة يسقفون به البيوت بين الخشب ويسددوه به الخلل بين اللبنات في القبور . ويجوز في قوله إلا الاذخر الرفع على البدل مما قبله والنصب على الأستثناء واستدل به على جواز الأجتهاد منه صلى الله عليه وآله وسلم وعلى جواز الفصل بين المستثني والمستثنى منه والكلام في ذلك معروف في الأصول واستدل به أيضا على جواز النسخ قبل الفعل وهو ليس بواضح كما قال الحافظ : قوله " فإنه للقيون " جمع قين وهو الحداد . قوله " لقبورنا وبيوتنا " قد سلف بيان الانتفاع به في القبور والبيوت

3 - وعن عطاء " أن غلاما من قريش قتل حمامة من حمام مكة فأمر ابن عباس أن يفدى عنه بشاة "
- رواه الشافعي

- الأثر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة والبيهقي من طرق . وفي الباب عن جماعة من الصحابة منهم علي عند الشافعي وابن عمر عند ابن أبي شيبة وعن عمر وعثمان عند الشافعي وابن أبي شيبة فهؤلاء قضى كل واحد منهم بشاة في الحمامة وقد روى مثل ذلك عن جماعة من التابعين كعاصم بن عمر رواه عنه الشافعي والبيهقي وسعيد بن المسيب رواه عنه البيهقي وعن نافع ابن عبد الحرث رواه عنه الشافعي وروى عن مالك أنه قال في حمام الحرم الحزاء وفي حمام الحل القيمة

باب ما يقتل من الدواب في الحرم والاحرام

1 - عن عائشة قالت " أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرام الغراب والحدأة والعقرب الفأرة والكلب العقور "
- متفق عليه

2 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور "
- رواه الجماعة إلا الترمذي . وفي لفظ " خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والاحرام الفأرة والعقرب والغراب والحديا والكلب العقور " رواه أحمد ومسلم والنسائي

3 - وعن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر محرما بقتل حية بمنى "
- رواه مسلم

4 - وعن ابن عمر وسئل ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم فقال حدثني احدي نسوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة والغراب والحية "
- رواه مسلم

5 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال خمس كلهن فاسقة يقتلهن المحرم ويقتلن في الحرم الفأرة والعقرب والحية والكلب العقور والغراب "
- رواه أحمد

- حديث ابن عباس أورده في التخيص وسكت عنه وأخرجه أيضا البزار والطبراني في الكبير والأوسط وفي إسناده ليث ابن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس : قوله " خمس " ذكر الخمس يفيد بمفهومه نفي هذا الحكم عن غيرها وليس بحجة ولكنه عند الأكثر وعلى تقديره اعتبار فيمكن أن يكون قاله صلى الله عليه وآله وسلم أولا ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس تشترك معها في ذلك الحكم فقد ورد زيادة الحية وهي سادسة كما في حديث ابن عمر وحديث ابن مسعود وحديث ابن عباس المذكور في الباب وزاد أبو داود من حديث أبي سعيد " السبع العادي " وزاد ابن خزيمة وابن المنذر من حديث أبي هريرة الذئب والنمر فصارت تسعاقال في الفتح لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور قال ووقع ذكر الذئب في حديث مرسل أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وأبو داود من طريق سعيد بن المسيب قال قال صلى الله عليه وآله وسلم " يقتل المحرم الحية والذئب " ورجاله ثقات وأخرج أحمد من طريق حجاج بن أرطأة عن وبرة ابن عمر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الذئب للمحرم . وحجاج ضعيف وقد خولف وروي موقوفا كما أخرجه ابن أبي شيبة . قوله " خمس فواسق " قال النووي هو بإضافة خمس لا تنوينة وجوز ابن دقيق العيد الوجهين وأشار إلى ترجيح الثاني قال النووي تسميته هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية على وفق اللغة فإن أصل الفسق لغة الخروج ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عنها قشرها فوصفت بذلك لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله أو حل أكله أو خروجها بالإيذاء والإفساد . قوله " في الحل والحرام " ورد في لفظ عند مسلم أمر وعند أبي عوانة ليقتل المحرم وظاهر الأمر الوجوب ويحتمل الندب والإباحة وقد روى البزار من حديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتل العقرب والفأرة والحية والحدأة وهذا الأمر ورد بعد نهي المحرم عن القتل وفي الأمر الوارد بعد النهي خلاف معروف في الأصول حل يفيد الوجوب أولا . وفي لفظ لمسلم أذن وفي لفظ لأبي داود قتلهن حلال للمحرم . قوله " الغراب " هذا الإطلاق مقيد بما عند مسلم من حديث عائشة بلفظ الأبقع وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض ولا عذر لمن قال يحمل المطلق على المقيد من هذا وقد اعتذر ابن بطال وابن عبد البر عن قبول هذه الزيادة بأنها لم تصح لأنها من رواية قتادة وهو مدلس وقد تعقب ذلك الحافظ بأن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم وهذه الزيادة من رواية شعبة بل صرح النسائي بسماع قتادة واعتذر بأن قدامة عن هذه الرزيادة بأن الروايات المطلقة أصح وهو اعتذار فاسد لأن الترجيح فرع التعارض ولا تعارض بين مطلق ومقيد ولا بين مزيد وزيادة غير منافية
قال في الفتح وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك ويقال له غراب الزرع وأفتوا بجواز أكله فبقي ما عداع من الغربان ملحقا بالأبقع انتهى . قال ابن المنذر أباح كل من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الإحرام إلا عطاء . قال الخطابي لم يتابع أحد عطاء على هذا : قوله " والحدأة " بكسر الحاء المهملة وفتح الدال بعدها همزة بغير مد على وزن عنبة وحكى صاحب المحكم فيه المد : قوله " والعقرب " قال الفتح هذا اللفظ للذكر والأنثى وقد يقال عقربة وعقرباء وليس منها العقربان بل هي دويبة كثيرة القوائم . قال ابن المنذر لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب : قوله " والفأرة " بهمزة ساكنة ويجوز فيها التسهيل قال في الفتح ولم يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم إلا ما حكى عن إبراهيم النخعي فإنه قال فيها جزاء إذا قتلها المحرم أخرجه عنه ابن المنذر وقال هذا خلاف السنة وخلاف قول جميع أهل العلم : قوله " والكلب العقور " اختلف في المراد بالكلب العقور فروى سعيد بن منصور عن أبي هريرة بإسناد حسن كما قال الحافظ أنه الأسد وعن زيد بن أسلم أنه قال وأي كلب أعقر من الحية . وقال زفر المراد به هنا الذئب خاصة وقال في الموطأ كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب فهو عقور وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان وهو قول الجمهور . وقال أبو حنيفة والمراد به هنا الكلب خاصة ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذئب ( احتج الجمهور ) بقوله تعالى { وما علمتم من الجوارح } مكلبين فاشتقها من اسم الكلب . وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم " اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فقتله الأسد " أخرجه الحاكم بإسناد حسن وغاية ما في ذلك الإطلاق لأن اسم الكلب هنا متناول لكل ما يجوز إطلاقه عليه وهو محل النزاع
( فإن قيل ) اللام في الكلب تفيد العموم قلنا بعد تسليم ذلك لا يفيد إلا إذا كان إطلاق الكلب على كل واحد منها حقيقة وهو ممنوع والسند أنه لا يتبادر عند إطلاق لفظ الكلب إلا الحيوان المعروف والتبادر علامة الحقيقة وعدمه علامة المجاز والجمع بين الحقيقة والمجاز لا يجوز نعم إلحاقما عقر من السباع بالكلب العقور بجامع العقر صحيح وأما أنه داخل تحت لفظ الكلب فلا : قوله " من الدواب " بتشديد الباء الموحدة جمع دابة وهي ما دب من الحيوان من غير فرق بين الطير وغيره ومن أخرج الطير من الدواب فهذا الحديث من جملة ما يرد به عليه : قوله " والحدايا " بضم أوله وتشديد الياء التحتانية مقصورا وهي لغة حجازية قال قاسم بن ثابت الوحجه الهمزة وكأنه سهل ثم أضغم : قوله " والحية " قال نافع لما قيل له فالحية قال لار يختلف فيها وفي رواية ومن يشك فيها وتعقبه ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبي شيبة عن الحكم وحماد أنهما قالا لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب والأحاديث ترد عليهما وعند المالكية خلاف في قتل صغار الحيات والعقارب التي لا تؤذي

باب تفضيل مكة على سائر البلاد

1 - عن عبد الله بن عدي بن الحمراء " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت "
- رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه

2 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمكة ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك "
- رواه الترمذي وصححه

- قوله " بالحزورة " بالحزورة بفتح الحاء المهملة والزاي وفتح الواو المشددة بعدها راء ثم هاء هي الرابية الصغيرة . وفي القاموس الحزورة كقسورة الناقة المقتلة المذللة والرابية الصغيرة انتهى : قوله " إنك لخير أرض الله " فيه دليل على أن مكة خير أرض الله على الإطلاق وأحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبذلك استدل من قال انها أفضل من المدينة قال القاضي عياض إن موضع قبره صلى الله عليه وآله وسلم أفضل بقاع الأرض وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض واختلفوا في أفضلها ما عدا موضع قبره صلى الله عليه وآله وسلم فقال أهل مكة والكوفة والشافعي وابن وهب وابن حبيب المالكيان إن مكة أفضل واليه مال الجمهور وذهب عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين إلى أن المدينة أفضل واستدل الأولون بحديث عبد الله بن عدي المذكور في الباب . وقد أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم . قال ابن عبد البر هذا نص في محل الخلافة فلا ينبغي العدول عنه وقد إدعى القاضي عياض الاتفاق على استثناء البقعة التي قبر فيها صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أنها أفضل البقاع قيل لأنه قد روى أن المرء يدفن في البقعة التي أخذ منها ترابه عندما يخلق كما روى ذلك ابن عبد البر في تمهيده من طريق عطاء الخراساني موقوفا . ويجاب عن هذا بأن أفضلية البقعة التي خلق منها صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان بطريق الاستنباط ونصبه في مقابلة النص الصريح الصحيح غير لائ ق على أنه معارض بما رواه الزبري بن بكار أن جبريل أخذ التراب الذي منه خلق صلى الله عليه وآله وسلم من تراب الكعبة فالبقعة التي خلق منها من بقاع مكة وهذا لا يقصر عن الصلاحية لمعارضة ذلك الموقوف لا سيما وفي إسناده عطاء الخراساني نعم إن صح الاتفاق الذي حكاه عياض كان هو الحجة عند من يرى أن الإجماع حجة ( وقد استدل ) القائلون بأفضلية المدينة بأدلة منها حديث " ما بين قبري ومنبري روض من رياض الجنة " كما في البخاري وغيره مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها " وهذا أيضا مع كونه لا ينتهض لمعارضة ذلك الحديث المصرح بالأفضلية هو أخص من الدعوة لأن غاية ما فيه أن ذلك الموضع بخصوصه من المدينة فاضل وأنه غير محل النزاع . وقد أجاب ابن حزم عن هذا الحديث بأن قوله أنها من الحنة مجاز إذ لو كن حقيقة لكانت كما وصف الله الجنة { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى } وإنما المراد أن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة كما يقال في يوم الطيب هذا من أيام الجنة وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم " الجنة تحت ظلال السيوف " قال ثم لو ثبت أنه على الحقيقة لما كان الفضل إلا لتلك البقعة خاصة ( فإن قيل ) إن ماقرب منها أفضل مما بعد لزمهم أن يقولوا إن الجحفة أفضل من مكة ولا قائل به ومن جملة أدلة القائلين بافضلية مكة على المدينة حديث ابن الزبير عند أحمد وعبد بن حميد وابن زنجويه وابن خزيمة والطحاوي والطبراني والبيهقي وابن حبان وصححه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي بمائة صلاة " وقد روى من طريق خمسة عشر من الصحابة . ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن أفضلية المسجد لأفضلية المحل الذي هو فيه ( ومن جملة ) ما استدلوا به حديث " اللهم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إلي فأسكني في أحب البلاد إليك " أخرجه الحاكم في المستدرك ويجاب بأن النزاع في الأفضل لا فيما هو أحب والمحبة لا تستلزم الأفضلية والاستنباط لا يقاوم النص ( واعلم ) إن الاشتغال ببيان الفاضل من هذين الموضعين الشريفين كالاشتغال ببيان الأفضل من القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم والكل من فضول الكلام التي لا تتعلق به فائدة غير الجدال والخصام وقد أفضى النزاع في ذلك وأشباهه إلى فتن وتلفيق حجج واهية كاستدلال المهلب على أفضلية المدينة بأنها هي التي أدخلت مكة وغيرها من القرى في الأسلام فصار الجميع في صحائف أهلها وبأنها تنفي الخبث كما ثبت في الحديث الصحيح واجيب عن الأول بأن أهل المدينة الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة فالفضل ثابت للفريقين ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى البقعتين وعن الثاني بأن ذلك إنما هو في خاص من الناس ومن الزمان بدليل قوله تعالى { من أهل المدينة مردوا على النفاق } والمنافق خبيث بلا شك وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة ثم علي وطلحة والزبير وعمار وآخرون وهم من أطيب الخلق فدل على إن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت على أنه إنما يدل ذلك على أنها فضيلة لا إنها فاضلة

باب حرز المدينة وتحريم صيده وشجره

1 - عن علي عليه السلام قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة حرم ما بين عير إلأى ثور "
- مختصر من حديث متفق عليه

2 - وفي حديث علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة " لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقتطها إلا لمن أشاد بها ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال ولا يصلح أن نقطع فيها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره "
- رواه أحمد وأبو داود

3 - وعن عباد بن تميم عن عمه " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها وأني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة "
- متفق عليه

4 - وعن أبي هريرة قال " حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين لابتي المدينة وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى "
- متفق عليه

5 - وعن أبي هريرة في المدينة قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحرم شجرها أن يخبط أو يعضد "
- رواه أحمد

6 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشرف على المدينة فقال اللهم أني احرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم "
- متفق عليه . وللبخاري عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المدينة حرم من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " ولمسلم عن عاصم الأحوال قال " سألت أنسا أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة قال نعم هي حرام ولا يختلى خلاها فمن فعل ذلك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين "

7 - وعن أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إني حرمت المدينة حرام ما بين مأزميها أن لا يهراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح ولا يخبط فيها شجر إلا لعلف "

8 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إبراهيم حرم مكة وأني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاها ولا يصاد صيدها "
- رواهما مسلم

9 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في المدينة حرام ما بين حرتيها وحماها كلها لا يقطع شجره إلا ان يعلف منا "
- رواه أحمد

- حديث علي الثاني رجاله رجال الصحيح وأصله في الصحيحين . وحديث جابر الآخر في إسناده ابن لهيعة وحديثه حسن وفي كلام معروف . قوله " ما بين عير إلى ثور " أما عير فهو بفتح العين المهملة واسكان التحتية وأما ثور فهو بفتح المثلثة وسكون الواو بعدها راء ومن الرواة من كنى عنه بكذا ومنهم من ترك مكانه بياضا لأنهم اعتقدوا إن ذكره هنا خطأ . قال المازري قال بعض العلماء ثور هنا وهم من الراوي وإنما ثور بمكة قال والصحيح إلى أحد قال القاضي كذا قال أبو عبيد أصل الحديث من عير إلى أحد انتهى . قال النووي وكذا قال أبو بكر الحازمي الحافظ وغيره من الأئمة أن أصله من عير إلى أحد قال قلت ويحتمل أن ثورا كان اسما لجبل هناك أما احد وإما غيره فيخفى اسمه وقال مصعب الزبيري ليس بالمدينة عير ولا ثور . قال عياض لا معنى لانكار عير بالمدينة فإنه معروف وكذا قال جماعة من أهل اللغة . قال ابن قدامة يحتمل أن يكون المراد مقدار ما بين عير وثور لا أنهما بعينهما في المدينة أو سمي النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجبلين اللذين بطرفي المدينة عيرا وثورا ارتجالا وسبقه إلى الأول أبو عبيدة على ما حكاه ابن الأثير عنه وقال المحب الطبري في الأحكام قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور وتواردوا على ذلك قال فعلمنا أن ذكر ثور المذكور في الحديث الصحيح صحيح وإن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه وهذه فائدة جليلة انتهى . وقد ذكر مثل هذا الكلام في القاموس وقال أبو بكر بن حسين المراغي نزيل المدينة في مختصره لاخبار المدينة ان خلف هل المدينة ينقلون عن سلفهم إن خلف أحد من جهة الشمال جبلا صغيرا إلى الحمرة بتدوير يسمى ثورا قال وقد تحققه بالمشاهدة : قوله " لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها " قد تقدم تفسير هذه الألفاظ والكلام عليها في باب صيد الحرم وشجره : قوله " إلا لمن أشاد بها " أي رفع صوته بتعريفها أبدالا لسنة كما في غيرها ولعله يأتي في اللقطة الكلام على لقطة مكة والمدينة وغيرهما . قوله " ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال " قال ابن رسلان هذا محمول عند أهل العلم على حمل السلاح لغير ضرورة ولاحاجة فإن كانت حاجة جاز . قوله " ولا يصلح أن يقطع فيها شجرة " استدل بهذا وبما في الأحاديث المذكورة في الباب من تحريم شجرها وخبطه وعضده وتحريم صيدها وتنفيره الشافعي ومالك وأحمد والهادي وجمهور أهل العلم على أن المدينة حرما كحرم مكة يحرم صيده وشجره . قال الشافعي ومالك فإن قتل صيدا أو قطع شجرا فلا ضمان لأنه ليس بمحل للنسك فاشبه الحمى . وقال ابن أبي ذئب وابن أبي ليلى يجب فيه الجزاء كحرم مكة وبه قال بعض المالكية وهو ظاهر قوله كما حرم إبراهيم وذهب أبوحنيفة وزيد بن علي والناصر إلى أن حرم المدينة ليس يحرم على الحقيقة ولا تثبت له الأحكان من تحريم قتل الصيد وقطع الشجر ( والأحاديث ) ترد عليهم واستدلوا بحديث يا أبا عمير مافعل النغير واجيب عنه بأن ذلك كان قبل تحريم المدينة أو إنه من صيد الحل : قوله " إلا أن يعلف رجل بعيره " فيه دليل على جواز أخذ الأشجار للعلف لا لغيره فإنه لا يحل كما سلف قوله " ما بين لابتي المدينة " قال أهل اللغة اللابتان الحرتان واحدتهما لابة بتخفيف الموحدة وهي الحرة والحرة الحجارة السود وللمدينة لابتان شرقية وغربية وهي بينهما :
قوله " وجعل أثني عشر ميلا " الخ لفظ مسلم عن أبي هريرة قال " حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين لابتي المدينة قال أبو هريرة فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها وجعل اثني عشر ليلا حول المدينة حمي " انتهى والضمير في قوله جعل راجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يدل على ذلك اللفظ الذي ذكره المصنف ويدل عليه أيضا ما عند أبي داود من حديث عدي بن زيد الجذامي قال حمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل ناحية من المدينة بريدا بريدا فهذا مثل ما في الصحيحين لأن البريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال ( وهذان الحديثان ) فيهما التصريح بمقدار حرم المدينة . قوله " ان يخبط أو يعضد " الخبط ضرب الشجر ليسقط ورقه والعضد القطع كما تقدم زاد أبو داود في هذا الحديث إلا ما يساق به الجمل . قوله " ما بين جبليها " قد ادعى بعض الحنفية إن الحديث مضطرب لأنه وقع التحديد في بعض الروايات بالحرتين وفي بعضها باللابتين وفي بعضها بالجبلين وفي بعضها بعير وثور كما تقدم وفي بعضها بالمأزمين كما سيأتي . قال في الفتح وتعقب بأن الجمع بينهما واضح وبمثل هذا لا ترد الأحاديث فإن الجمع لو تعذر أمكن الترجيح ولا شك أن ما بين لابتيها أرجح لتوارد الرواة عليها ورواية جبليها لا تنافيها فيكون عند كل لابة جبل أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال وجبليها من جهة الشرق والغرب وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضر والمأزم قد يطلق على الجبل نفسه كما سيأتي قوله " اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم " قال عياض البركة هنا بمعنى النماء والزيادة وقال النووي الظاهر أن المراد البركة في نفس الكيل من المدينة بحيث يكفي المدفيها من لا يكفيه في غيرها . قوله " من كذا إلى كذا " جاء هكذا مبهما في روايات البخاري فقيل أن البخاري أبهمه عمدا لما وقع عنده أنه وهم ووقع مسلم إلى ثور فالمراد بهذا المبهم من عير إلى ثور وقد تقدم الكلام على ذلك . قوله " من أحدث فيها حدثا " أي عمل بخلاف السنة كمن ابتدع بها بدعة زاد مسلم وأبو داود في هذا الحديث " أو آوى محدثا " . قوله " فعليه لعنة الله " الخ أي اللعنة المستقرة من الله على الكفار وأضيف إلى الله على سبيل التخصيص والمراد بلغنة الملائكة والناس المبالغة في الأبعاد عن رحمة الله . وقيل المراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه في أول الأمر وليس هو كلعن الكافر واستدل بهذا على أن الحديث في المدينة من الكبائر . قوله " ما بين مأزميها " قال النووي المأزم بهمزة بعد الميم وكسر الزاي وهو الجبل وقيل المضيق بين جبلين ونحوه والأول هو الصواب هنا ومعناه ما بين جبليها انتهى . قوله " الا يهراق فيها دم " فيه دليل على تحريم اراقة الدماء بالمدينة لغير ضرورة : قوله " الا لعلف " هو باسكان اللام مصدر علفت وأما العلف بفتح اللام وهو اسم للحشيش والتبن والشعير ونحوها وفيه جواز أخذ أوراق الشجر للعلف لاخبط الأغصان وقطعها فإنه حرام قوله " عضاهها " العضاه بالقصر وكسر العين الهملة وتخفيف الضاد المعجمة كل شجر فيه شوك وحداتها عضاهة وعضهة : قوله " وحماها كلها " فيه دليل على ان حكم حمى المدينة حكمها في تحريم صيده وشجرة وقد تقدم بيان مقدار الحمى انه من كل ناحية من نواحي المدينة بريد

10 - وعن عامر بن سعد عن أبيه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني أحرم ما بين لا بتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها "

11 - وعن عامر بن سعد " أن سعدا ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبى أن يرد عليهم "
- رواهما أحمد ومسلم

12 - وعن سليمان بن عبد الله قال " رأيت سعد بن أ [ ي وقاص أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة الذي حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلبه ثيابه فجاء مواليه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم هذا الحرم وقال من رأيتموه يصيد فيه شيئا فلكم سلبه فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن إن شئتم أعطيكم ثمنه أعطيتكم "
- رواه أحمد وأبو داود وقال فيه " من أخذ أحدا يصيد فيه فليسلبه ثيابه "

- الحديث الأول تقدم الكلام عليه . والحديث الثالث أخرجه أيضا الحاكم وصححه وفي إسناده سليمان بن عبد الله المذكور قال أبو حاتم ليس بمشهور ولكن يعتبر بحديثه . قال الذهبي تابعي وثق وقد وهم البزار فقال لا يعلم روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا سعد ولا عنه إلا عامر وهذا يرد عليه وقد أخرجه أيضا أبو داود من مولى لسعد عنه ووهم أيضا الحاكم فقال في حديث سعد أن الشيخين لم يخرجاه وهو في مسلم كما عرفت : قوله " فسلبه " أي أخذ ما عليه من الثياب : قوله " نفلنيه " أي أعطانيه قال في القاموس نفله النفل ونفله وأنفله أعطاله إياه وقال أيضا النفل محركة الغنيمة والهبة : قوله " طعمة " بضم الطاء وكسرها ومعنى الطعمة الأكلة وأما الكسر فجهة الكسب وهيئته : قوله " فليسلبه ثيابه " هذا ظاهر في أنها تؤخذ ثيابه جميعها . وقال الماوردي يبقى له ما يستر عورته وصححه النووي واختاره جماعة من أصحاب الشافعي . وبقصة سعد هذه احتج من قال أن من صاد من حرم المدينة أو قطع من شجرها أخذ سلبه وهو قول الشافعي في القديم . قال النووي وبهذا قال سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة انتهى . وقد حكى ابن قدامة عن أحمد في إحدى الروايتين القول به قال وروى ذلك عن ابن أبي ذئب وابن المنذر انتهى . وهذا يرد على القاضي عياض حيث قال ولم يقل به أحد بعد الصحابة إلا الشافعي في قوله القديم ( وقد اختلف ) في السلب فقيل أنه لمن سلبه . وقيل لمساكين المدينة . وقيل لبيت المال وظاهر الأدلة أنه للسالب وأنه طعمة لكل من وجد فيه أحد يصيد أو يأخذ من شجره

باب ما جاء في صيد وج

1 - عن محمد بن عبد الله بن شيبان عن أبيه عن عروة بن الزبير عن الزبير " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن صيد وج وعضاهه حرم محرم للخ عز و جل "
- رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه . ولفظه " إن صيد وج حرام " قال البخاري ولا يتابع عليه

- الحديث سكت عنه أبو داود وحسنه المنذري وسكت عنه عبد الحق أيضا وتعقب بما نقل عن البخاري أنه لم يصح وكذا قال الأزدي وذكر الذهبي أن الشافعي صححه وذكر الحلال أن أحمد ضعفه وقال ابن حبان محمد بن عبد الله المذكور كان يخطئ ومقتضاه تضعيف الحديث فإنه ليس له غيره فإن كان أخطأ فيه فهو ضعيف وقال العقيلي لا يتابع إلا من جهة تقاربه في الضعف وقال النووي في شرح المهذب إسناده ضعيف قال وقال البخاري لا يصح وذكر الحلال في العلل أن أحمد ضعفه قوله " ابن شيبان " هكذا في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب والصواب ابن الإنسان كما في سنن أبي داود وتاريخ البخاري وكذا قال ابن حبان والذهبي والخزرجي في الخلاصة قال الذهبي في ترجمة محمد بن عبد الله بن شيبان هذا صوابه ابن إنسان وقال في ترجمة عبد الله بن إنسان له حديث في صيد وج قال ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا هذا الحديث . قوله " وج " بفتح الواو وتشديد الجيم قال ابن رسلان هو أرض بالطائف عند أهل اللغة وقال أصحابنا هو واد بالطائف . وقيل كل الطائف انتهى . وقال الحازمي في المؤتلف والمختلف في الأماكن وج اسم لحصون الطائف وقيل لواحد منها وإنما اشتبه وج بوح بالحاء المهملة وهية ناحية النعمان : قوله " وعضاهه " بكسر العين كما سلف . قال الجوهري العضاه كل شجر يعظم وله شوك : قوله " حرم " بفتح الحاء والراء الحرام كقولهم زمن وزمان . قوله " محرم لله تعالى " تأكيد للحرمة ( والحديث ) يدل على تحريم صيد وج وشجره وقد ذهب إلى كراهته الشافعي والإمام يحيى قال الشافعي في الإملاء أكره صيد وج قال في البحر بعد أن ذكر هذا الحديث إن صح فالقياس التحريم لكن منع منه الإجماع انتهى . وفي دعوى الإجماع نظر فإن قد جزم جمهور أصحاب الشافعي بالتحريم وقالوا إن مراد الشافعي بالكراهة كراهة التحريم . قال ابن رسلان في شرح السنن بعد أن ذكر قول الشافعي في الإملاء وللأصحاب فيه طريقان أصحهما هو الذي أورده الجمهور القطع بتحريمه قالوا ومراد الشافعي بالكراهة كراهة التحريم ثم قال وفيه طريقان أصحهما وهو قول الجمهور يعني من أصحاب الشافعي أنه يأثم فيؤد به الحاكم على فعله ولا يلزمه شيء لأن الأصل عدم الضمان إلا فيما ورد به الشرع ولم يرد في هذا شيء والطريق الثاني حكمه في الضمان حكم المدينة وشجرها وفي وجوب الضمان فيه خلاف انتهى . وقد قدمنا الخلاف في ضمان صيد المدينة وشجرها . وقال الخطابي لست أعلم لتحريمه معنى إلا أن يكون ذلك التحريم إنما كان في وقت معلوم إلى مدة محصورة ثم نسخ قال أبو داود في السنن وكان ذلك يعني تحريم وج قبل نزوله صلى الله عليه وآله وسلم الطائف وحصاره ثقيفا انتهى والظاهر من الحديث تأبيد التحريم ومن دعى النسخ فعليه الدليل لأن الأصل عدم وأما ضمان صيده وشجره على حد ضمان صيد الحرم الملكي فموقوف على ورود دليل يدل على ذلك لأن الأصل براءة الذمة ولا ملازمة بين التحريم والضمان

أبواب دخول مكة وما يتعلق به

باب من أين يدخل إليها

1 - عن ابن عمر قال " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل مكة دخل من الثنية العليا التي بالبطحاء وإذا خرج خرج من الثنية السفلى "
- رواه الجماعة إلا الترمذي

2 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما جاء مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها " وفي رواية " دخل عام الفتح من كداء التي بأعلى مكة "
- متفق عليهما : وروى الثاني أبو داود وزاد " ودخل في العمنرة من كدى "

- قوله " من الثنية العليا " الثنية كل عقبة في طريق أو جبل فإنا تسمى ثنية وهذه الثنية المعروفة بالثنية العليا هي التي ينزل منها إلى باب المعلى مقبرة أهل مكة وهي التي يقال لها الحجون بفتح المهملة وضم الجيم وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي ثم سهلها كلها سلطان مصر الملك المؤيد : قوله " من الثنية السفلى " هي عند باب الشبيكة بقرب شعبة الشاميين من ناحية قعيقعان وعليها باب بني في القرن السابع : قوله " من كداء " بفتح الكاف والمد قال أبو عبيدة لا تصرف وهي الثنية العليا المتقدم ذكرها : قوله " ودخل العمرة من كدا " بضم الكاف والقصر وهي الثنية السفلى المتقدم ذكرها . قال عياض والقرطبي وغيرهما اختلف في ضبط كداء وكدا فالأكثر على أن العلياء بالفتح والمد والسفلي بالقصر والضم وقيل بالعكس قال النووي وهو غلط قالوا واختلف في المعنى الذي لأجله خالف صلى الله عليه وآله وسلم بين طريقيه فقيل ليتبرك به وذكروا شيئا مما تقدم في العيد وقد تقدم بسطه هنالك وبعضه لا يتأتى اعتباره هنا . وقيل الحكمة في ذلك المناسبة نجهة العلو عند الدخول لما فيه من تعظيم المكان وعكسه الإشارة إلى فراقه وقيل لأن إبراهيم لما دخل مكة دخل منها وقيل لأنه صلى الله عليه وآله وسلم خرج منها مختفيا في الهجرة فأراد أن يدخلها ظافرا غالبا . وقيل لأن من جاء من تلك الجهة كان مستقبلا للبيت ويحتمل أن يكون ذلك لكونه دخل منها يوم الفتح فاستمر على ذلك

باب رفع اليدين إذا رأى البيت وما يقال عند ذلك

1 - عن جابر " وسئل عن الرجل يرى البيت يرفع يديه فقال قد حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكن يفعل "
- رواه أبو داود والنسائي والترمذي

2 - وعن ابن جريج قال حدثت عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ترفع الأيدي في الصلاة وإذا رأى البيت وعلى الصفا والمروة وعشية عرفة وبجمع وعند الجمرتين وعلى الميت "

3 - وعن ابن جريج " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زدهذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمر تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا "
- رواهما الشافعي في مسنده

- حديث جابر قال الترمذي إنما نعرفه من حديث شعبة وذكر الخطابي إن سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وضعفوا حديث جابر هذا الأن في إسناده مهاجر بن عكرمة المكي وهو مجهول عندهم . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا البيهقي من حديث سفيان الثوري عن أبي سعيد الشامي عن مكحول به مرسلا وأبو سعيد هذا هو المصلوب وهو كذاب . ورواه الأزرقي في تاريخ مكة من حديث مكحول أيضا بزيادة مهابة وبرا في الموضعين وكذا ذكره الغزالي في الوسيط وتعقبه الرافعي بأن البر لا يتصور من البيت وأجاب النووي بأن معناه أكثر برزائريه ورواه سعيد بن منصور في السنن له من طريق برد بن سنان سمعت ابن قسامة يول إذا رأيت البيت فقل اللهم زد فذكره مثله . ورواه الطبراني في مسند حذيفة بن أسيد مرفوعا وفي إسناده عاصم الكورى وهو كذاب وحديث ابن جريح هو معضل فيما بين ابن جريح والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي إسناده سعيد بن سالم القدح وفيه مقال . قال الشافعي بعد أن أورده ليس في رفع اليدين عند رؤية البيت شيء فلا أكرهه ولا أستحبه . قال البيهقي فكأنه لم يعتمد على الحديث لإنقطاعه ( والحاصل ) أنه ليس في الباب ما يدل على مشروعية رفع اليدين عند رؤية البيت وهو حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل . وأما الدعاء عند رؤية البيت فقد رويت فيه أخبار وآثار منها ما في الباب . ومنها ما أخرجه ابن المغلس أن عمر كان إذا نظر إلى البيت قال اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام . ورواه سعيد بن منصور في السنن عن ابن عيينة عن يحيي بن سعيد ولم يذكر عمر ورواه الحاكم أيضا وكذلك رواه البيهقي عنه

باب طواف القدوم والرمل والإضطباع فيه

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ومشى أربعا وكان يسعي ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة " وفي رواية " رمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا " وفي رواية " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ويمشي أربعة "
- متفق عليهن

- قوله " الطواف الأول " فيه دليل على أن الرمل إنما يشرع في طواف القدوم لأنه الطواف الأول . قال أصحاب الشافعي ولا يستحب الرمل إلا في طواف واحد في حج او عمرة أما إذا طاف في غير حج أو عمرة فلا رمل . قال النووي بغير خلاف ولا يشرع أيضا في كل طوافات الحج بل إنما يشرع في واحدة منها وفيه قولان مشهوران للشافعي اصحهما طواف الوداع والقول الثاني أنه يشرع إلا في طواف القدوم وسواء أراد بعده أم لا ويشرع في طواف العمرة إذ ليس فيها إلا طواف واحد . قوله " خب ثلاثا ومشى أربعا " الخبب بقتح المعجمة والموحدة بعدها موحدة أخرى هو إسراع المشي مع تقارب الخطا وهو كالرمل . وفيه دليل على مشروعية الرمل في الطواف الأول وهو الذي عليه الجمهور قالوا هو سنة . وقال ابن عباس ليس هو بسنة من شاء رمل ومن شاء لم يرمل ( وفيه أيضا ) دليل على أن السنة أن يرمل في الثلاثة الأول ويمشي على عادته في الأربعة الباقية . قوله " وكان يسعى " الخ سيأتي الكلام على السعي . قوله " من الحجر إلى الحجر " فيه دليل على أنه يرمل في ثلاثة أشواط كاملة قال في الفتح ولا يشرع تدارك الرمل فلو تركه في الثلاثة لم يقضه في الأربعة لأن هيئتها السكينة ولا تتغير وكذا قالت الهادوية قال ويختص بالرجال فلا رمل على النساء ويختص بطواف يتعقبه سعي على المشهور ولا فرق في غستحبابه بين ماشي وراكب ولا دم بتركه عند الجمهور واختلف في ذلك المالكية وقد روى عن مالك أن عليه دما ولا دليل على ذلك ( وأعلم ) أنه قد اختلف في وجوب طواف القدوم فذهبت العترة ومالك وأبو ثور وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه فرض لقوله تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق } ولفعله صلى الله عليه وآله وسلم وقوله : " خذوا عني مناسككم " وقال أبو حنيفة أنه سنة وقال الشافعي هو كتحية المسجد قالا لأنه ليس فيه إلا كفعله صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا يدل على الوجوب وأما الاستدلال على الوجوب بالآية فقال شارح البحر أنها لا تدل على طواف القدوم لأنها في طواف الزيارة إجماعا والحق الوجوب لأن فعله صلى الله عليه وآله وسلم مبين لمجمل واجب هو قوله تعالى { ولله على الناس حج البيت " وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم " وقوله " حجوا كما رأيتموني أحج " وهذا الدليل يستلزم وجوب كل فعل فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجه إلا ما خصه دليل فمن إدعى عدم وجوب شيء من أفعاله في الحج فعليه الدليل على ذلك وهذه كلية فعليك بملاحظتها في جميع الأبحاث التي ستمر بك

2 - وعن يعلي بن أمية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف مضطبعا وعليه برد "
- رواه ابن ماجة والترمذي وصححه وأبو داود وقال " ببرد له أخضر " وأحمد ولفظه " لما قدم مكة طاف بالبيت وهو مضطبع ببرد له حضرمي "

3 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه اعتمروا من جعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى "
- رواه أحمد وأبو داود
- حديث يعلي بن أمية صححه الترمذي كما ذكره المصنف وسكت عنه أبو داود والمنذري . وحديث ابن عباس أخرج نحوه الطبراني وسكت عنه أيضا أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله رجال الصحيح وقد صحح حديث الإضطباع النووي في شرح مسلم : قوله " مضطبعا " هو افتعال من الضبع بإسكان الباء الموحدة وهو العضد وهو أن يدخل إزاره تحت إبطه الأيمن ويرد طرفه على منكبه الأيسر ويكون منكبه الأيمن مكشوفا كذا في شرح مسلم للنووي وشرح البخاري للحافظ وهذه الهيئة هي المذكورة في حديث ابن عباس المذكور والحكمة في فعله أنه يعين على إسراع المشي وقد ذهب إلى استحبابه الجمهور سوى مالك قال ابن المنذر قال أصحاب الشافعي وإنما يستحب الإضطباع في طواف يسن فيه الرمل . قوله " ببرد له حضرمي " لفظ أبي داود ببرد أخضر . قوله " تحت آباطهم " قال ابن رسلان المراد أن يجعله تحت عاتقه الأيمن . قوله " ثم قذفوها " أي طرحوا طرفيها قوله " على عواتقهم " العاتق المنكب

4 - وعن ابن عباس قال " قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فقال المشركون إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركعتين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم "
- متفق عليه

5 - وعن ابن عباس قال " رمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجته وفي عمره كلها وأبو بكر وعمر والخلفاء "
- رواه أحمد

6 - وعن عمر قال " فيما الرملان الآن والكشف عن المناكب وقد أطى الله الإسلام ونفى الكفر وأهله ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

7 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه "
- رواه أبو داود وابن ماجه
- حديث ابن عباس الثاني أخرجه أحمد من طريق أبي معاوية عن ابن جريح عن عطاء عنه وذكره في التلخيص وسكت عنه . وأثر عمر أخرجه أيضا البزار والحاكم والبيهقي وأصله في البخاري مالنا وللرمل إنا كنا رأينا المشركين وقد أهلكهم الله تعالى ثم قال شيء صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا نحب أن نتركه وعزاه البيهقي إليه ومراده أصله . وحديث ابن عباس الثالث أخرجه أيضا النسائي والحاكم قوله " يقدم " بفتح الدال وأما بضم الدال فمعناه يتقدم . قوله " وهنتم " بتخفيف الهاء وقد يستعمل رباعيا . قال الفراء يقال وهنه الله وأوهنه ومعنى وهنتهم أضعفتهم . قوله " حمى يثرب " هو اسم المدينة في الجاهلية وسميت في الإسلام المدينة وطيبة وطابة . قوله " الأشواط " بفتح الهمزة وسكون المعجمة جمع شوط وهو الجري مرة إلى الغاية والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة وهذا دليل على جواز تسمية الطواف شوطا . وقال مجاهد والشعبي أنه يكره تسميته شوطا والحديث يرد عليهما قوله قوله " إلا الإبقاء " بكسر الهمزة وبالموحدة والقاف الرفق والشفقة وهو بالرفع على أنه فاعل لم يمنعه ويجوز بالنصب ( وفي الحديث ) جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار أراها بالهم ولا يعد ذلك من الرياء المذموم وفيه جواز المعارض بالفعل كما تجوز بالقول . قال في الفتح وربما كانت بالفعل أولي . قوله " وفي عمره كلها " فيه دليل علة مشروعية الرمل في طواف العمرة . قوله " فيما الرملان " بإثبات الف ما الاستفهامية وهي لغة والأكثر يحذفونها والرملان مصدر رمل . قوله " والكشف عن المناكب " هو الإضطباع . قوله " ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زاد الإسماعيلي في آخره ثم رمل ( وحاصله ) أن عمر كان قد هم بترك الرمل في الطواف لأنه عرف سببه وقد انقضى فهم أن يتركه لفقد سببه ثم رجع عن ذلك لاحتمال أن يكون له حكمة ما اطلع عليها فرأى أن الإتباع أولى ويؤيد مشروعية الرمل على الإطلاق ما ثبت في حديث ابن عباس أنهم رملوا في حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد نفى الله في ذلك الوقت الكفر وأهله عن مكة . والرمل في حجة الوداع ثابت أيضا في حديث جابر الطويل عند مسلم وغيره

باب ما جاء في استلام الحجر الأسود وتقبيله وما يقال حينئذ

1 - عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي

2 - وعن عمر " أنه كان يقبل الحجر ويقول أني لا أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقبلك ما قبلتك "
- رواه الجماعة

3 - وعن ابن عمر وسئل عن استلام الحجر فقال " رأيت رسول الله صلى عليه وآله وسلم يستلمه ويقبله "
- رواه البخاري

4 - وعن نافع قال " رأيت ابن عمر استلم الحجربيده ثم قبل يده وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفق عليه

- حديث ابن عباس صححه ابن خزيمة وابن حيان والحاكم وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم : قوله " لا تضر ولا تنفع " أخرج الحاكم من حديث أبي سعيد أن عمر لما قال له علي بن أبي طالب أنه لا يضر ولا ينفع وذكر أن الله تعالى لما أخذ المواثيق على ولد آدم كتب ذلك في رق وألقمه الحجر وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول بأنى يوم القيامة وله لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد وفي أسناده أبو هرون العبدي وهو ضعيف جدا ولكنه يشدعضده حديث ابن عباس المتقدم قال الطبري إنما قال عمر ذلك لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية فأراد أن يعلم الناس أن استلامه أتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا لأن الحجر يضر وينفع بذاته كما كانت الجاهلية تعبد الأوثان : قوله " ولو لا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ فيه أستجاب تقبيل الحجر الأسود وإليه ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وسائر العلماء وحكى ابن المنذر عن عمر الخطاب وطاوس والشافعي وأحمد أنه يستحب بعد تقبيل الحجر السجود عليه بالجبهة وبه قال الجمهور وروى عن مالك أنه بدعة واعتراف القاضي عياض بشذوذ مالك في ذلك وقد أخرج الشافعي والبيهاقي عن ابن عباس موقوفا " أنه كان يقبل الحجر الأسود ويسجد عليه "
رواه الحاكم والبيهقي من حديثه مرفوعا . ورواه أبو داود الطياسي والدرامي وابن خزيمه و أبو بكر البراز وأبوعلي ابن السكن والبيهقي من حديث جعفر بن عبد الله الحميدي
وقيل المخزومي بإسناد متصل بابن عباس أنه رأى عمريقبله ويسجد عليه ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل هذا وهذا لفظ الحاكم . قال الحافظ قال العقيلي في حديثه هذا يعني جعفر بن عبد الله وهم واضطراب : قوله " يستلمه ويقبله " فيه دليل علي أنه يستجب الجمع بين استلام الحجر وتقبيله والاستلام المسح باليد والتقبيل لها كما في حديث ابن عمر الأخر والتقبيل يكون بالفم فقط

5 - وعن ابن عباس قال " طاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن "
- متفق عليه . وفي لفظ " طاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده ومبر " رواه أحمد والبخاري

6 - وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة " قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بالبيت ويستلم الحجر بمحجن معه ويقبل المحجن "
- رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه

7 - وعن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له يا عمر أنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر "
- رواه أحمد

- حديث عمر في إسناده راو لم يسم : قوله " بمحجن " بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم بعدها نون هو عصا محنية الرأس والحجن الإعوجاج وبذلك سمي الحجون والاستلام افتعال من السلام بالفتح أي التحية قاله الأزهري . وقيل من السلام بالكسر أي الحجارة والمعنى أنه يومي بعصاه إلى الركن حتى يصيبه : قوله " وكبر " فيه دليل على استحلال التكبير حال استلام الركن : قوله " ويقبل المحجن " في رواية ابن عمر المتقدمة أنه استلم الحجر بيده من قبل وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعله . ولسعيد بن منصور من طريق عطاء قال رأيت أبا سعيد وأبا هريرة وابن عمر وجابر إذا استلموا الحجر قبلوا أيديهم قيل وابن عباس قال وابن عباس أحسبه قال كثيرا قال في الفتح ولهذا قال الجمهور أن السنة أن يستلم الركن ويقبل يده فإن لم يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشيء في يده وقبل ذلك الشيء فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك . وعن مالك في رواية لا يقبل يده وبه قال القاسم بن محمد بن أبي بكر وفي رواية عند المالكية يضع يده على فمه من غير تقبيل وقد استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الحجر وكذلك تقبيل المحجن جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره وقد نقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم متقبيل قبره فلم ير به باسا واستبعد بعض أصابه صحة ذلك ونقل عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين كذا في الفتح : قوله " قال له عمر إنك رجل قوي " الخ فيه دليل على أنه لا يجوز لمن كان له فضل قوة أن يضايق الناس إذا أجتمعوا على الحجر لما يتسبب عن ذلك من أذية الضعفاء والإضرار بهم ولكنه يستلمه خاليا أن تمكن وإلا أكتفى بالإشارة والتهليل والتكبير مستقبلا له وقد روى الفاكهي من طرق عن ابن عباس كراهة المزاحمة وقال لا يؤذي ولا يؤذى

باب استلام الركن اليماني مع الركن الاسود دون الآخرين

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن مسح الركن اليماني والركن الأسود يحط الخطايا حطا "
- رواه أحمد والنسائي

2 - وعن ابن عمر " قال لم أر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمس من الأركان اليمانيين "
- رواه الجماعة إلا الترمذي لكن له معناه من رواية ابن عباس

3 - وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يدع ان يستلم الحجر والركن اليماني في كل طوافه
- رواه أحمد وأبو داود

4 - وعن ابن عباس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الركن اليماني ويضع خده عليه "
- رواه الدارقطني

5 - وعن ابن عباس قال " كان النبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا استلم الركن اليماني قبله "
- رواه البخاري في تاريخه

- حديث ابن عمر الأول في إسناده عطاء بن السائب وهو ثقة ولكنه اختلط وحديثه الثالث في إسناده عبد العزيز بن أبي رواد وفيه مقال قال يحيى بن سليم الطائفي كان يرى الارجاء وقال يحيى القطان هو ثقة لا يترك لرأي أخطأ فيه وقال ابن المبارك كان يتكلم ودموعه تسيل ووثقه ابن معين وأبو حاتم . وقال ابن عدي في أحاديثه مالا يتابع عليه . وحديث ابن عباس الذي فيه أنه كان صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الركن اليماني ويضع خده عليه رواه أبو يعلى وفي إسناده عبد الله بن مسلم ين هرمز وهو ضعيف قوله " إلا اليمانيين " بتخفيف الياء على المشهور لأن الألف عوض عن ياء النسبة فلو شددت كان جمعا بين العوض والمعوض وجوزه سيبويه وإنما اقتصر صلى الله عليه وآله وسلم على استلام اليمانيين لما ثبت في الصحيحين من قول ابن عمر إنهما على قواعد إبراهيم دون الشاميين ولهذا كان ابن الزبير بعد عمارته للكعبة على قواعد إبراهيم يستلم الأركان كلها كما روى ذلك عنه الأزرقي في كتاب مكة فعلى هذا يكون للركن الأول من الأركان الأربعة فضيلتان كونه الحجر الأسود وكونه على قواعد إبراهيم وللثاني الثانية فقط وليس للآخرين اعني الشاميين شيء منها فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني فقط ولا يقبل الآخران ولا يستلمان على رأي الجمهور . وروى ابن المنذر وغيره استلام الاركان جميعا عن جابر وأنس والحسن والحسين من الصحابة وعن سويد بن غفلة من التابعين وقد أخرج البخاري ومسلم أن عبيد بن جريج قال لابن عمر رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها فذكر منها ورأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين وفيه دليل على أن الذين رآه عبيد كانوا لا يقتصرون في الاستلام على الركنين اليمانيين قوله ويضع خده فيه مشروعية وضع الخد على الركن اليماني وتقبيله وقد ذهب إلى استحباب تقبيل الركن اليماني بعض أهل العلم كما قال صاحب الفتح تمسكا بما ذكره المصنف من حديث ابن عباس عند البخاري في التاريخ والدارقطني ولكن الثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يستلمه فقط نعم ليس في اقتصار ابن عمر على التسليم ما ينفي التقبيل فإن صح ما روى عن ابن عباس تعين العمل به

باب الطائف يجعل البيت عن يساره ويخرج في طوافه عن الحجر

1 - عن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم قدم مكة أبى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا "
- رواه مسلم والنسائي

2 - وعن عائشة قالت " سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الحجر أمن البيت هو قال نعم قلت فما لهم لم يدخلوه في البيت قال إن قومك قصرت بهم النفقة فما شأن بابه مرتفعا قال فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاؤا ويمنعوا من شاؤا ولولا أن قومك حديث عهد بالجاهيلة فاخاف ان تنكر قلوبهم ان أدخل الحجر في البيت وأن الصق بابه الأرض "
- متفق عليه . وفي رواية قالت " كنت أحب أن أدخل البيت اصلي فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدي فأدخلني الحجر فقال لي صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت فإنم هو قطعة من البيت ولكن قومك استقصروا حين بنوا الكعبة فأخرجون من البيت "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي وفيه إثبات التفل في الكعبة

- قوله " أتى الحجر فاستلمه " الخ فيه دليل علي أنه يستحب أن يكون ابتداء الطواف من الحجر الأسود فرض . قوله " ثم مشى على يمينه " استدل به على مشروعية مشى الطوائف بعد استلام الحجر على يمينه جاعلا البيت على يساره . وقد ذهب إلى أن هذه الكيفية شرط لصحة الطواف الأكثر قالوا فلو عكس لم يجزه قال في البحر ولا خلاف إلا عن محمد بن داود الأصفهاني وأنكروا عليه وهموا بقتله انتهى : ولا يخفاك أن الحكم على بعض أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج بالوجوب لأنها بيان لمجمل واجب وعلى بعضها بعدمه تحكم محض لفقد دليل يدل على الفرق بينها . قوله " أمن البيت هو قال نعم " هذا ظاهر بأن الحجر كله من البيت ويدل على ذلك أيضا قوله في الرواية الثانية " فإنما هو قطعة من البيت " وبذلك كان يفتي ابن عباس فأخرج عبد الرزاق أنه قال لو وليت من البيت ما ولي ابن الزبير لأدخلت الحجر كله في البيت ولكن ما ورد من الروايات القاضية بأنه كله من البيت مقيد بروايات صحيحة منها عند مسلم من حديث عائشة بلفظ " حتى أزيد فيه من الحجر " وله من وجه آخر عنها مرفوعا بلفظ " فإن بدا لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي لأرك ما تركوا منه فأراها قريبا من سبعة أذرع وله أيضا عنها مرفوعا بلفظ " وزدت فيها من الحجر سبعة أذرع " وفي رواية للبخاري عن عروة " إن ذلك مقدار ستة أذرع " ولسفيان بن عيينة في جامعه أن ابن الزبير زاد ستة أذرع وله أيضا عنه أنه زاد ستة أذرع وشبرا وهذا ذكره الشافعي في عدد من لقيهم من أهل العلم من قريش كما أخرجه البيهقي في المعرفة عنه . وقد اجتمع من الروايات ما يدل على أن الزيادة فوق ستة أذرع ودون سبعة . وأما ما ورد مسلم عن عطاء عن عائشة مرفوعا بلفظ " لكنت أدخل فيها من الحجر خمسة أذرع " فقال في الفتح هي شاذة والروايات السابقة أرجح لما فيها من الزيادة عن الثقات الحفاظ . قال الحافظ ثم ظهر لي لرواية عطاء وجه أنه أريد بها ما عدا الفرجة التي بين الركن والحجر فتجمع مع الروايات الأخرى فإن الذي عدا الفرجة أربعة أذرع وشيء ولهذا وقع عند الفاكهي من حديث أبي عمرو بن عدي بن حمراء " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعائشة في هذه القصة ولأدخلت فيها من الحجر أربعة أذرع فيحمل هذا على إلغاء الكسر ورواية عطاء على جبره وتحصيل الجمع بين الروايات كلها بذلك : قوله " أن قومك " أي قريشا : قوله " قصرت بهم النفقة " بتشديد الصاد أي النفقة الطبية التي أخرجوها لذلك كما جزم به الأزرقي وغيره وتوضيحه ما ذكره ابن إسحاق في السيرة عن أبي وهب المخزومي أنه قال لقريش لا تدخلوا فيه من كسبكم إلا طيبا ولا تدخلوا فيه مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس : قوله " ليدخلوا من شاؤا " زاد مسلم " فكان الرجل إذا أراد أن يدخلها يدعونه ليرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط " قوله " حديث عهد " في لفظ للبخاري " حديث عهدهم " بتنوين حديث : قوله " فأخاف أن تنكر قلوبهم " في رواية للبخاري تنفر ونقل ابن بطال عن بعض علمائهم أن النفر التي خشيها صلى الله عليه وآله وسلم أن ينسبوه إلى الفجر دونهم وجواب لولا محذوف وقد رواه مسلم بلفظ " فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الحجر " ورواه الإسماعيلي بلفظ " لنظرت فأدخلت " وفيه دليل على أنه يجوز للعالم ترك التعريف ببعض أمور الشريعة إذا خشى نفرة قلوب العامة عن ذلك

باب الطهارة والسترة للطواف

1 - في حديث أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يطوف بالبيت عريان "

2 - وعن عائشة " أن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت "
- متفق عليهما

3 - وعن عائشة " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف "
- رواه أحمد وهو دليل على جواز السعي مع الحدث

4 - وعن عائشة أنها قالت " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا نذكر إلى الحج حتى جئنا سرف طمست فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أبكي فقال مالك لعلك نفست فقالت نعم قال هذا شيء كتبه الله عز و جل على بنات آدم افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري "
- متفق عليه . ولمسلم في رواية " فأقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي "

- حديث عائشة الثاني أخرجه باللفظ المذكور ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من حديث ابن عمر وأخرج نحوه الطبراني عنه بإسناد فيه متروك وقد تقدم نحوه من حديث ابن عباس في باب ما يصنع من أراد الإحرام . قوله " لا يطوف بالبيت عريان " فيه دليل على أنه يجب ستر العورة في حال الطواف . وقد اختلف هل الستر شرط لصحة الطواف أولا فذهب الجمهور الجمهور إلى أنه شرط وذهبت الحنفية والهادوية إلى أنه ليس بشرط فمن طاف عريانا عند الحنفية أعاد ما دام بمكة فإن خرج لزمه دمز وذكر ابن إسحاق في سب طواف الجاهلية كذلك أن قريشا ابتدعت قبل الفيل أو بعده أن لا يطوف بالبيت أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلا بثياب أحدهم فإن لم يجد طاف عريانا فإن خالف فطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ ثم لم ينتفع بها فجاء الإسلام بهدم ذلك . قوله " توضا ثم طاف " لما كان هذا الفعل بيانا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم " صلح للاستدلال به على الوجوب والخلاف في كون الطهارة شرطا أو غير شرط كالخلاف في الستر : قوله " تقتضي المناسك كلها " أي نفعل المناسك كلها وفيه دليل على أن الحائض تسعى . ويؤيده قوله في حديث عائشة المذكور في الباب " افعلي ما يفعل الحاج " الخ ولكنه قد زاد ابن أبي شيبة من حديث ابن عمر الذي أشرنا إليه بعد قوله إلا الطواف ما لفظه وبين الصفا والمروة وكذلك زاد هذه الزيادة الطبراني من حديثه . وقد قال الحافظ أن إسناد ابن أبي شيبة صحيح : وقد ذهب الجمهور إلى أن الطهارة غير واجبة ولا شرط في السعي ولم يحك ابن المنذر القول بالوجوب إلا عن الحسن البصري . قال في الفتح وقد حكى المجد ابن تيمية من الحنابة يعني المصنف رواية عندهم مثله . قوله " نفست " بفتح النون وكسر الفاء الحيض وبضم النون وفتحها الولادة والطمث الحيض أيضا . قوله " حتى تطهري " بفتح التاء والطاء المهملة وتشديد الهاء أيضا وهو على حذف أحد التاءين وأصله تتطهري والمراد بالطهارة الغسل كما وقع في رواية مسلم المذكور في الباب ( والحديث ) ظاهر في نفي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل والنهي يقتضي الفساد المرادف للبطلان فيكون طواف الحائض باطلا وهو قول الجمهور وذهب جمع من الكوفيين إلى أن الطهارة غير شرط وروي عن عطاء إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدا ثم حاضت أجزأ عنها

باب ذكر الله في الطواف

1 - عن عبد الله بن السائب قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول بين الركن اليماني والحجر ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار "
- رواه أحمد وأبو داود وقال " بين الركنين "

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال وكل به يعني الركن اليماني سبعون ملكا فمن قال اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا آمين "

3 - وعن أبي هريرة " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من طاف بالبيت سبعا ولا يتكلم إلا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله محيت عنه عشر سيآت وكتب له له عشر حسنات ورفع له بها عشر درجات "
- رواهما ابن ماجة

4 - وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ولفظه " إنما جعل رمي الجمار بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله تعالى "

- حديث عبد الله بن السائب أخرجه أيضا النسائي وصححه ابن حبان والحاكم وحديث أبي هريرة الأول في إسناده إسماعيل ابن عياش وفيه مقال وفي إسناده أيضا هشام بن عمار وهو ثقة تغير باخرة . والحديث قد ذكره الحافظ في التلخيص . حديثه الثاني ساقه ابن ماجه هو وحديثه الأول المذكور هنا بإسناد واحد وفيه إسماعيل بن عياش وهشام بن عمار وقد ذكره في التلخيص أيضا وقال . إسناده ضعيف . وحديث عائشة سكت عنه أبو داود وذكر المنذري أن الترمذي قال إنه حديث ضعيف حسن صحيح ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند ابن ماجه والحاكم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو بهذا الدعاء بين الركنين اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه وأخلف على كل غائبة لي بخير " وعن أبي هريررة عند البزار غير ما ذكره المصنف " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول اللهم أني أعوذ بك من الشك والشرك والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق " وعن عبد الله بن السائب حديث آخر عند ابن عساكر من طريق بن ناجية بسند له ضعيف " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في ابتداء طوافه بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد " قال الحافظ لم أجده هكذا وقد ذكره صاحب المهذب من حديث جابر وقد بيض له المذري والنووي ورواه الشافعي عن ابن أبي نحيج . قال أخبرت " ان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يا رسول الله كيف نقول إذا استلمنا قال قولوا بسم الله والله أكبر إيمانا وتصديقا لما جاء به محمد " قال في التلخيص وهو في الأم عن سعيد بن سالم عن ابن جريج ( وفي الباب ) أيضا عن ابن عمر من حديثه " كان إذا استلم الحجر قال بسم الله والله أكبر " وسنده صحيح وروى العقيلي أيضا من حديثه " كان إذا أراد أن يستلم يقول اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك واتباعا لسنة نبيك ثم يصلي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم يستلمه " رواه الواقدي في المغازي مرفوعا . وعن علي عند البيهقي والطبراني من طريق الحرث الأعور " أنه كان إذا مر بالحجر الأسود فرأى عليه زحاما استقبله وكبر ثم قال اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك لسنة نبيك " وعن عمر عند أحمد وقد تقدم في باب ما جاء في استلام الحجر ( وأحاديث ) الباب تدل على مشروعية الدعاء بما اشتملت عيه في الطواف وقد حكى في البحر عن الأكثر أنه لادم على من ترك مسنونا . وعن الحسن البصري والثوري وابن الماجشون أنه يلزم

باب الطواف راكبا لعذر

1 - عن أم سلمة " أنها قدمت وهي مرضة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال طوفي من وراء الناس وأنت راكبة "
- رواه الجماعة إلى الترمذي

2 - وعن جابر قال " طاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبيت وبالصفا والمروة في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه لأن يراه الناس وليشرف ويسألوه فإن الناس غشوه "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي

3 - وعن عائشة " قالت طاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع على بعيره يستلم الركن كراهية ان يصرف عنه الناس "
- رواه مسلم

4 - وعن ابن عباس " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته كلما أتى على الركن استلم الركن بمحجن فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين "
- رواه أحمد وأبو داود

5 - وعن أبي الطفيل " قال قلت لابن عباس أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا أسنة هو فإن قومك يزعمون أنه سنة قال صدقوا وكذبوا قلت وما قولك صدقوا وكذبوا قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى العواتق من البيوت قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يضرب الناس بين يديه فلما كثروا عليه ركب والمشي والسعي أفضل "
- رواه أحمد ومسلم

- حديث ابن عباس الأول في إسناده يزيد بن أبي زياد ولا يحتج به وقال البيهقي في حديث يزيد ين أبي زياد لفظة لم يوافق عليها وهي قوله " وهو يشتكي وقد أنكر الشافعي وقال لا أعلمه اشتكى في تلك الحجة : قوله " طوفي من وراء الناس " هذا يقتضي منع طواف الراكب في المطاف . قال في الفتح لا دليل في طوافه صلى الله عليه وآله وسلم راكبا على جواز الطواف راكبا بغير عذر وكلام الفقهاء يقتضي الجواز إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيها قال والذي يترجح المنع لأن طوافه صلى الله عليه وآله وسلم وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد فإذا حوط امتنع داخله إذ لا يؤمن التلويث فلا يجوز بعد التحويط بخلاف ما قبله فإن كان لا يحرم التلويث كما في السعي : قوله " لأن يراه الناس " الخ فيه بيان العلة التي لأجلها طاف صلى الله عليه وآله وسلم راكبا وكذلك قول عائشة كراهية أن يصرف الناس عنه . وفي رواية لمسلم كراهية أن يضرب بالباء الموحدة . قال النووي وكلاهما صحيح . وكذلك قول ابن عباس وهو يشتكي وقد ترجم عليه البخاري فقال باب المريض يطوف راكبا وكأنه أشار إلى هذا الحديث وكذلك قول ابن عباس في حديثه الأخر فلما كثروا عليه فإن هذه الألفاظ كلها مصرحة بأن طوافه صلى الله عليه وآله وسلم كان لعذر فلا يلحق به من لا عذر . وقد استدل أصحاب مالك وأحمد بطوافه صلى الله عليه وآله وسلم راكبا على طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه قالوا لأنه لا يؤمن ذلك من البعير ولو كان نجسا لما عرض المسجد له ويرد ذلك بوجوه إما أولا فلأنه لم يكن إذ ذاك قد حوط المسجد كما تقدم وأما ثانيا فلأنه ليس من لازم الطواف على البعير أن يبول وأما ثالثا فلأنه يطهر منه المسجد كما أنه صلى الله عليه وآله وسلم أقر ادخال الصبيان الأطفال المسجد مع أنه لا يؤمن بولهم وأما رابعا فلأنه يحتمل أن تكون راحلته عصمت من التلويث حينئذ كرامة له : قوله " صدقوا وكذبوا " الخ لفظ أبي داود " قال صدقوا وكذبوا قلت ما صدقوا وكذبوا قال صدقوا قد طاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الصفا والمروة على بعير وكذبوا ليست بسنة " وحديث ابن عباس هذا يدل على جواز الطواف بين الصفا والمروة للراكب لعذر قال ابن رسلان في شرح السنن بعد أن ذكر حديث ابن عباس هذا مالفظه وهذا الذي قاله ابن عباس مجمع عليه انتهى . يعني ففي كون الطواف بصفة الركوب سنة بل الطواف من الماشي أفضل

باب ركعتي الطواف والقراءة فيهما واستلام الركن بعدهما

- رواهما ابن عمر وابن عباس وقد سبق

1 - وعن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى ركعتين فقرأ فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ثم عاد إلى الركن فاستلمه ثم خرج إلى الصفا "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وهذا لفظه وقيل للزهري أن عطاء يقول " تجزي المكتوبة من ركعتي الطواف فقال السنة أفضل لم يطف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسبوعا إلا صلى ركعتين " . أخرجه البخاري

- حديث ابن عمر الذي أشار إليه المصنف تقدم في باب استلام الركن اليماني وكذلك تقدم في باب ما جاء في استلام الحجر وحديث ابن عباس المشار إليه تقدم في مواضع منها باب استلام الحجر وكذلك باب استلام الركن اليماني وفي باب الطواف راكبا قوله " واتخذوا " في الروايات بكسر الخاء على الأمر وهي إحدى القراءتين والأخرى بالفتح على الحبر والأمر دال على الوجوب . قال في الفتح لكن انعقد الإجماع على جواز الصلاة إلى جميع جهات الكعبة فدل على عدم التخصيص وهذا بناء على أن المراد بمقام إبراهيم الذي فيه أثر قدميه وهو موجود الآن . وقال مجاهد المراد بمقام إبراهيم الحرم كله والأول أصح : قوله " فقرأ فاتحة الكتاب " الخ فيه استحباب القراءة بهاتين السورتين مع فاتحة الكتاب واستلام الركن بعد الفراغ وقد اختلف في وجوب هاتين الركعتين فذهب أبو حنيفة وهو مروي عن الشافعي في أحد قوليه إلى انهما واجبتان وبه قال الهادي والقاسم واستدلوا بالآية المذكورة وأجيب عن ذلك بأن الأمر فيها إنما هو باتخاذ المصلى لا بالصلاة وقد قال الحسن البصري وغيره إن قوله مصلى أي قبلة وقال مجاهد أي مدعى يدعى عنده . قال الحافظ ولا يصح حمله عن مكان الصلاة لأنه لا يصلي فيه بل عند قال ويترجح قول الحسن بأنه جاز على المعنى الشرعي واستدلوا ثانيا بالأحاديث التي فيها إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى ركعتين بعد فراغه من الطواف ولازم ذلك من جملتها ما ذكره المصنف في الباب قالو وهي قالو وهي بيان مجمل واجب فيكون ما اشتملت عليه واجبا وقال مالك والشافعي في أحد قوليه والناصر انهما سنة لما تقدم في الصلاة من حديث ضمام ابن ثعلبة لما قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن أخبره بالصلوات الخمس هل على غيرها قال لا إلا أن تطوع وقد أسلفنا في الصلاة الجواب عن هذا الدليل . قوله " الاصلي ركعتين " استدل به من قال إنا لا تجزئ المكتوبة عن ركعتي الطواف وتعقب بأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم إلا صلى ركعتين أعم من أن يكون ذلك نفلا أو فرضا لأن الصبح ركعتان

باب السعي بين الصفا والمروة

1 - عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراء هم وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي تدور به ازاره وهو يقول اسموا فإن الله كتب عليكم السعي

2 - وعن صفية بنت شيبة " إن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين الصفا والمروة يقول كتب عليكم السعي فاسعوا "
- رواهما أحمد

- الحديث الأول أخرجه الشافعي أيضا وغيره من حديث صفية بنت شيبة عن حبيبة فلعل المرأة المبهمة في حديث صفية هي حبيبة وفي إسناده عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف وله طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة والطبراني عن ابن عباس . قال في الفتح وإذا انضمت إلى الأولى قويت قال واختلف على صفية بنت شيبة في اسم الصحابية التي أخبرتها به ويجوز أن تكون أخذته عن جماع فقد وقع عند الدارقطني عنها أخبرتني نسوة من بني الدار فلا يضره الاختلاف وحديث صفية بنت شيبة قال في مجمع الزوائد في إسناد موسى بن عبيدة وهو ضعيف والعمدة في الوجوب قوله صلى الله عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم " قوله " تجراه " قال في الفتح يكسر المثناة وسكون الجيم بعدها راء ثم الف ساكنة ثم هاء ( 1 ) [ ( 1 ) قوله في نيل الأوطار بكسر المثناة الخ لكن في القاموس في مادة جزأ بالزاي وحببية بنت أبي نجزأة بضم التاء وسكون الجيم صحايبية اه مصحح ] . وهي إحدى نساء بني عبد الدار : قوله " تدور به إزاره " في لفظ آخر " وإن نئزره ليدور من شدة السعي " والضمير في قوله به يرجع إلى الركبتين أي تدور إزاره بركبتيه . قوله " فإن الله كتب عليكم السعي " استدل به من قال بأن السعي فرض وهم الجمهور وعند الحنفية أنه واجب يجبر بالدم وحكاه في البحر عن العترة وبه قال الثوري في الناسي خلاف العامد وبه قال عطاء وعنه أنه سنة لا يجب بتركه شيء وبه قال أنس فيما نقله عنه ابن المنذر واختلف عن أحمد كهذه الأقوال الثلاثة . وقد أغرب الطحاوي فقال قد أجمع العلماء على أنه لو حج ولم يطف بالصفا والمروة أن حجة قد تم وعليه دم والذي حكاه صاحب الفتح وغيره عن الجمور أنه ركن لا يجبر بالدم ولا يتم الحج بدونه وأغرب ابن العربي فحكى أن السعي ركن في العمرة بالإجماع وإنما الخلاف في الحج وأغرب أيضا المهدي في البحر فحكى الإجماع على الوجوب . قال ابن المنذر إن ثبت يعني حديث حبيبة فهو حجة في الوجوب قال في الفتح العمدة في الوجوب قوله صلى الله عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم " قلت وأظهر من هذا في الدلالة على الوجوب حديث مسلم " ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يلطف بين الصفا والمروة "

3 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من طوافه أبي الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع بيديه فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو "
- رواه مسلم وابو داود

4 - وعن جابر " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاف وسعى رمل ثلاثا ومشى أربعا ثم قرأ وإتخذوا من مقام إ براهيم مصلى فصلى سجدتين وجعل المقام بينه وبين الكعبة ثم استلم الركن ثم خرج فقال إن الصفا والمروة من شعائر الله فأبدؤا بما بدأ الله به "
- رواه النسائي . وفي حديث جابر " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما دنا من الصفا قرأ أن الصفا والمروة منشعائر الله أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقى عليه حيى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال لا إله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير لا إله إلا الله وحه أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك فقال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة حتى إنصبت قدماه فيبطن الوادي حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا " . رواه مسلم وكذلك أحمد والنسائي بمعناه

- قوله " فعلا عليه " استدل به من قال بأن صعود الصفا واجب وهو أبو حفص بن الوكيل من أصحاب الشافعي وخالفه غيره من الشافعية وغيرهم فقالوا هو سنة وقد تقدم ان فعله صلى الله عليه وآله وسلم بيان لمجمل واجب : قوله " فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء " فيه استحباب الحمد والدعاء على الصفا . قوله " طاف وسعى رمل ثلاثا " فيه دليل على أنه يستحب أن يرمل في ثلاثة أشواط ويمشي في الباقي قوله " واتخذوا " الآية قد تقدم أن الروايات بكسر الخاء وهي إحدى القرائتين : قوله " إن الصفا والمروة من شعائر الله " قال الجوهري الشعائر أعمال الحج وكل ما جعل علما لطاعة الله . قوله " فابدؤا بما بدأ الله به " بصيغة الأمر في رواية النسائي وصححه ابن حزم والنووي في شرح مسلم وله طرق عند الدارقطني ورواه مسلم بلفظ " أبدا بصيغة الخبر كما في الرواية المذكورة في الباب ورواه أحمد ومالك وابن الجارود وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والنسائي أيضا نبدأ بالنون قال أبو الفتح القشيري مخرج الحديث عندهم واحد وقد اجتمع مالك وسفيان ويحيى بن سعيد القطان على رواية نبدأ بالنون التي للجمع قال الحافظ وهم أحفظ من الباقين وقد ذهب الجمهور إلى البداءة بالصفا والختم وبالمروة شرط وقال عطاء يجزي الجاهل العكس وذهب الأكثر إلى ان من الصفا إلى المروة شوط ومنها إليه شوط آخر وقال الصيرفي وابم خيران وابن جرير بل من الصفا شوط ويدل على الأول ما في حديث جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم فرغ من آخر سعيه بالمروة : قوله " لما دنا من الصفا قرأ " الخ فيه دليل على أنها تستحب قراءة هذه الآية عند الدنو من الصفا وأنه يستحب صعود الصفا واستقبال القبلة والتوحيد والتكبير والتهليل وتكرير الدعاء والذكر بين ذلك ثلاث مرات وقال جماعة من أصحاب الشافعي بكرر الذكر ثلاثا والدعاء مرتين فقط قال النووي والصواب الأول : قوله " وهزم الأحزاب وحده " معناه هزمهم بغير قتال من الآدميين ولا سبب من جهتهم والمراد بالأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الخندق وكان الخندق في شوال سنة سنة أربع من الهجرة وقيل سنة خمس : قوله " حتى انصبت قدماء في بطن الوادي " هكذا في جميع نسخ مسلم كما نقله القاضي قال وفيه اسقاط لفظة لا بد منها وهي حتى انصبت قدماه رمل في بطن الوادي فسقطت لفظة رمل ولا بد منها وقد ثبتت هذه اللفظة في غير رواية مسلم وكذا ذكرها الحميدي في الجمع بين الصحيحين وفي الموطأ حتى أنصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى خرج منه وهو بمعنى رمل قال النووي وقد وقع في بعض نسخ صحيح مسلم حتى انصبت قدماه في بطن الوادي سعى كما وقع في الموطأ وغيره ( وفي الحديث ) استباب السعى في بطن الوادي حتى يصعد ثم يمشي باقي المسافة إلى المروة على عادة مشيه وهذا السعي مستحب في كل مرة من المرات السبع في هذا الموضع والمشي مستحب فيما قبل الوادي وبعده ولو مشى في الجميع أو سعى أجزأه وفاتته الفضيلة وبه قال الشافعي ومن وافقه وقال مالك فيمن ترك السعي الشديد في موضعه تجب عليه الإعادة وله رواية أخرى موافقة لقول الشافعي . قوله " إذا صعدنا " بكسر العين : قوله " ففعل على المروة كما فعل على الصفا " فيه دليل على أنه يستحب عليها ما يستحب على الصفا من الذكر والدعاء والصعود

باب النهي عن التحلل بعد السعي إلا للمتمتع إذا لم يسبق هديا وبيان متى يتوجه المتمتع إلى منى ومتى يحرم بالحج

1 - عن عائشة قالت " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمنا من أهل بالحج منا من أهل بالعمرة ومنا من أهل بالحج والعمرة وأهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج فأما من أهل بالعمرة فاحلوا حين طافوا بالبيت وبالصفا والمروة وأما من أهل بالحج أو بالحج والعمرة فلم يحلوا إلى يوم النحر "

2 - وعن جابر أنه حج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم ساق البدن معه وقد أهلوا بالحج مفردا فقال لهم أحلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج فاجعلوا التي قدمتم بها متعة فقالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج فقال افعلوا ما أمرتكم ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدى محله ففعلوا "
- متفق عليهما . وهو دليل على جوازالفسخ وعلى وجوب السعي وأخذ الشعر للتحلل بالعمرة

3 - وعن جابر قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أحللنا ان نحرم إذا توجهنا إلى منى فأهللنا من الأبطح "
- رواه مسلم

- قوله " وأهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " قد تقدم استدلال من بهذا على إن حجة صلى الله عليه وآله وسلم كان افرادا وتقدم الجواب عن ذلك : قوله " فأ'حلوا حين طافوا بالبيت " فيه دليل المذهب الجمهوران المعتمر لا يحل حتى يطوف ويسعى إلا ما شذ به ابن عباس فقال يحل من العمرة بالطواف ووافقه ابن راهويه ونقل القاضي عياض عن بعض أهل العلم ان بعض الناس ذهب إلى ان المعتمر لا يحل إذا دخل الحرم حل وان لم يطف ولم يسع وله ان يفعل كل ما حرم على المحرم ويكون الطواف والسعى في حقه كالرمي والمبيت في حق الحاج وهذا من شذوذ المذاهب وغريبها وغفل القطب الحلبي فقال فيمن استلم الركن في ابتداء الطواف وأحل حينئذ أنه لا يحصل له التحلل بالإجماع قوله " أحلوا من إحرامكم " أي أجعلوا حجكم عمرة وتحللوا منها بالطواف والسعي : قوله " وقصروا " أمرهم بالتقصير لانهم يهلون بعد قليل باحج فأخر الحلق له لان بين دخولهم وبين يوم التروية أربعت أيام فقط : قوله " متعة " أي ؟ أجعلوا الحجة المفردة التي أهللتم بها عمرة تحللوا منها فتصيروا ومتمتيعين فأطلق على العمرة أنها متعة مجازا والعلاقة بينهما ظاهرة وفي رواية لمسلم " فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة " ونحوه في رواية البتقر عن جابر وفي الحديث الطويل عن مسلم : قوله " قال أفعلوا ما أمرتكم " فيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وآله وسلم من لطفه بأصحابه وحلمه عنهم : قوله " لا يحل مني الحرام " بكسر الحاء من يحل والمعنى لا يحل مني ما حرم علي . ووقع في مسلم لا يحل مني حراما بالنصب على المفعولية وعلى هذا فيقرأ يحل بضم أوله والفاعل محذوف تقديره لا يحل طول المكث أو نحو ذلك مني شيئا حراما حتىيبلغ الهدى محله أي إذا نحرته يوم مني واستدل به على أن أعتمر فساق هديا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر ومثله ما في البخاري من حديث عائشة بلفظ منآحرم بعمرة فأهدي فلا يحل حتى ينحر وت ؟ أول ذلك المالكية والشافعية على أن معناه ومن أحرم بعمرة فأهد فأهل بالحج فلا يحل حتى يحل هديه ولا يخفي مافيه من التعسف : قوله " أن نحرم إذا توجهنا إلى منى " فيه الدليل على من حل من إحرامه يحرم بالحج إذا توجه إلى منى

4 - وعن معاوية " قصرت من رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند المروة بمشقص "
- متفق عليه ولفظ أحمد " أخذت من أطراف شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أيام العشر بمشقص وهو محرم "

- قوله " قصرت " أي أخذت من شعر رأسه وهو يشعر بأن ذلك كان في نسك أو في حج أو عمرة وقد ثبت أنه حلق في حجته فتعين أن يكون في عمرة ولا سيما وقد روى مسلمأنذلك كان في المروة وهذا يحتمل أن
يكون في عمرة القضية أو الجعرانة ولكن قوله في الرواية الأخرى في أيام العشر يدل على أن ذلك كان في حجة الوداع لأنه لم يحج غيرها وفيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله كماتقدم في الأحاديث الثابتة في الصحيحين غيرها وقد بالغ النووي في الرد على من زعم أن ذلك كان في حجة الوداع فقال هذا الحديث محمول على أن معاوية قصر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عمرة الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع كان قارن وثبت أنه حلق بمنى وفرق أو طرحة شعره بين الناس فلا يصح حمل تقصير معاوية على حجة الوداع ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع لأن معاوية لم يكن حينئذ مسلما إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان على الصحيح المشهور ولا يصح قوله من حمله على حجة الوداع وزعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان متمتعا لأن هذا غلط فاحش فقد تظافرت الأحاديث في مسلم وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قيل لهم ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك فقال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر " قال الحافظ متعقبا لقوله لا يصح حمله على عمرة القضاء ما لفظه قلت يمكن الجمع بينهما بأنه كان أسلم خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح . وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة معاوية تصريحا بأنه أسلم بين الحديبية والقضية وأنه كان يخفي إسلامه خوفا من أبويه ولا يعارضه قول سعد المتقدم فعلناها يعني العمرة وهذا يعني معاوية كافر بالعروش لأنه أخبر بما استصحبه من حاله ولم يطلع على إسلامه لكونه كان يخفيه ولا ينافيه أيضا ما رواه الحاكم في الإكليل أن الذي حلق رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عمرته التي اعتمرها من الجعرانة أبو هند عبد بني بياضة لأنه يمكن الجمع بأن يكون معاوية قصيرة عنه أولا وكان الحلاق غائبا في بعض حاجاته ثم حضر فأمره أن يكمل إزالة الشعر بالحلق لإنه أفضل ففعل ولا يعكر على كون ذلك في عمرة الجعرانة إلا رواية أحمد المذكورة في الباب إن ذلك كان في أيام العشر إلا أنها كما قال ابن القيم معلولة أو وهم من معاوية وقد قال قيس بن سعد راويها عن عطاء عن ابن عباس عنه والناس ينكروا هذه على معاوية . قال ابن القيم وصدق قيس فنحن نحلف بالله أن هذا ما كان في العشر قط . وقال في الفتح أنها شاذة قال وأظن بعض رواتها حدث بها بالمعنى فوقع له ذلك انتهى وأيضا قد ترك ابن الجوزي في جامع المسانيد رواية أحمد هذه وقد ذكر أنه لم يترك فيه من مسند أحمد إلا ما لم يصح وقال بعضهم يحتمل أن يكون في قول معاوية قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذف تقديره قصرت أنا شعري عن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعقب بأنه يرد ذلك قوله في رواية أحمد قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند المروة . وقال ابن حزم يحتمل أن يكون معاوية قصر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقية شعر لم يكن الحلاق استوفاه يوم النحر وتعقبه صاحب الهدى بأن الحالق لا يبقي شعرا يقصر منه ولا سيما قد قسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم شعره بين أصحابه الشعرة والشعرتين وقد وافق النووي على ترجيح كون ذلك في عمرة الجعرانة المحب الطبري وابن القيم قال الحافظ وفيه نظر لأنه جاء أنه حلق في الجعرانة ويجاب عنه بأن الجمع ممكن كما سلف قوله : " بمشقص " بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح القاف وآخرح صاد مهملة قال القزاز هو نصل عريض يرمى به الوحش وقال صاحب المحكم هو الطويل من النصال وليس بعريض وكذا قال أبو عبيد

5 - وعن ابن عمر " أنه كان يحب إذا استطاع أن يصلي الظهر بمنى من يوم التروية وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر بمنى "
- رواه أحمد

6 - وعن ابن عباس قال " صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . وللأحمد في رواية " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنى خمس صلوات "

7 - وعن عبد العزيز بن رفيع قال " سئلت أنسا فقلت أخبرني بشيء عقلته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أين صلى الظهر يوم التروية قال بمنى قلت فأين صلى العصر يوم النفر قال بالأبطخ ثم قال افعل كما يفعل أمراؤك "
- متفق عليه

- حديث ابن عمر أخرجه أيضا في الموطأ لكن موقوفا على ابن عمر وحديث ابن عباس أخرجه أيضا الترمذي والحاكم وأخرج ابن خزيمة والحاكم عن ابن الزبير قال من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر وما بعدها والفجر بمنى ثم يغدون إلى عرفة . قولهه " من يوم التروية " بفتح المثناة وسكون الراء وكسر الواو وتخفيف التحتانية وإنما سمي بذلك لأنهم كانوا يروون إبلهم فيه ويتروون من الماء لأن تلك الأماكن لم يكن فيها إذ ذاك آبار ولا عيون وأما الآن فقد كثرت جدا واستغنوا عن حمل الماء قوله " يوم النفر " بفتح النون وسكون الفاء . والأبطح البطحاء التي بين مكة ومنى وهي ما انبطح من الوادي واتسع وهي التي يقال لها المحصب والمعرس . وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة : قوله " افعل كما يفعل أمراؤك " لما بين له المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم خشى عليه أن يحرص على ذلك فينسب إلى المخالفة أو تفوته الصلاة مع الجماعة فأمره بأن يفعل كما يفعل أمراؤه إذ كانوا لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين فأشار إلى أن الذي يفعلونه جائز وإن الاتباع أفضل ( وأحاديث الباب ) تدل على أن السنة أن يصلي الحاج الظهر يوم التروية بمنى وهو قول الجمهور . وروى لثوري في جامعه عن عمر وبن دينار قال رأيت ابن الزبير صلى الظهر يوم التروية بمكة وقد تقدم عنه إن السنة أن يصليها بمنى فلعله صلى بمكة للضرورة أو لبيان الجواز . وروى ابن المنذر من طريق ابن عباس قال إذا زاغت الشمس فليرح إلي مني قال ابن المنذر أيضا بعد أن ذكر حديث ابن الزبير السابق به علماء الأمصار قال ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئا ثم روى عن عائشة أنها لم تخرج من مكة يوم التروية حتى دخل الليل وذهب ثلثه قال أيضا والخروج إلى منى في كل وقت مباح إلا ان الحسن وعطاء قالا لابأس ان يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم او يومين وكرهه مالك وكره الاقامة بمكة يوم التروية حتى يمس إلا أن أدركه وقت الجمعة فعليه أن يصليها قبل أن يخرج وفي الحديث الآخر أيضا متابعة أولى الأمر والأحتراز عن مخالفة الجماعة

8 - وفي حديث جابر قال " لما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقية من شعر تضرب له منمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تشك انه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصوا فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا "
- مختصر من مسلم

- قوله " لما كان يوم التروية " الخ قد تقدم الكلام على هذا قوله : " وركب " الخ قال النووي فيه بيان سنن . أحدها ان الركوب في تلك المواضع أفضل من المشي كما أنه في جملة الطريق أفضل من المشي هذا هو الصحيح في الصورتين ان الركوب أفضل وللشافعي قول آخر ضعيف ان المشي أفضل وقال بعض أصحاب الشافعي الأفضل في جملة الحج الركوب الا في مواطن المناسك وهي مكة ومنى ومزد لفة وعرفات والتردد بينها . السنة الثانية ان يصلي بمنى هذه الصلوات الخمس . السنة الثالثة أن يبيت بمنى هذه الليلة وهي ليلة التاسع من ذي الحجة وهذا المبيت سنة ليس بركن ولا واجب فلو تركه فلا دم عليه بالإجماع انتهى . قوله " ثم مكث قليلا " الخ فيه دليل على أن السنة ان لا يخرجوا من منى حتى تطلع الشمس وهذا متفق عليه قوله : " وأمر بقبة " فيه استحباب النزول بنمرة إذا ذهبوا من منى لان السنة ان لا يدخلوا عرفات إلا بعد زوال الشمس وبعد صلاتي الظهر والعصر جميعا فإذا زوال الشمس ساربهم الامام إلى مسجد إبراهيم وخطب بهم خطبتين خفيفتين وتخلف الثانية جدا فإذا فرغ منهما صلى بهم الظهر والعصر جامعا فإذا فرغوا من الصلاة ساروا إلى الموقف . قوله " بنمرة " بفتح النون وكسر الميم ويجوز اسكان الميم وهي موضع بجنب عرفات وليست من عرفات : قوله " ولا تشك قريش " الخ يعني ان قريشا كانت تقف في الجاهلية بالمشعر الحرام وهو جبل بالمزاد لفة يقال له قزح فظنوا ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيوافقهم قوله " فاجاز " أي جاوز المزد لفة ولم يقف بها بل توجه إلى عرفات : قوله " أمر بالقصوا " بفتح القاف والقصر ويجوز المد قال ابن الاعرابي القصوا التي قطع اذنها والجدع أكبر منه . وقال أبو عبيدة القصوا المقطوعة الاذن عرضا وهو اسم لناقته صلى الله عليه وآله وسلم : قوله " فرحلت " بتخفيف الحاء المهملة أي جعل عليها الرحل قوله بطن الوادي هو وادي عرفة بضم العين وفتح الراء بعدها نون . قوله " فخطب " الخ فيه استحباب الخطبة للإمام بالحجيج يوم عرفة في هذا الموضع وهوسنة باتفاق جماهير العلماء وخالف في ذلك المالكية : قوله " ان دماءكم " الخ قد تقدم شرح هذا في باب استحباب الخطبة يوم النحر من أبواب العيد

باب المسير من منى إلى عرفة والوقوف بها وأحكامه

1 - عن محمد بن أبي بكر بن عوف قال " سألت أنسا ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية كيف كنتم تصنعون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كان يلبي الملبى فلا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه "
- متفق عليه

2 - وعن ابن عمر قال " غدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من منى حين صلى الصبح في صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل بنمرة وهي منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس ثم راح فوقف على الموقف من عرفة "
- رواه أحمد وأبو داود

3 - وعن عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال " أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت يا رسول الله إني جئت من جبلي طيئ أكللت راحتي واتعبت نفسي والله ماتركت من جبل غلا وقفت عليه فهل لي من حج فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا ونهارا فقد تم حجه وقضى تفثه "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي وهو حجة في أن نهار عرفة كله وقت للوقوف

- حديث ابن عمر في إسناده محمد بن إسحاق وفيه كلام معروف قد تقدم ولكنه قد صرح هنا بالتحديث وبقية رجلا إسناده ثقات وحديث عروة بن مضرس أخرجه ايضا ابن حبان والحاكم والدارقطني وصححه الحاكم والدارقطني والقاضي أبو بكر بن العربي على شرطهما : قوله " ونحن غاديان أي ذاهبان غدوة : قوله " كيف كنتم تصنعون " أي من الذكر . وفي رواية لمسلم ما يقول في التلبية في هذا اليوم قوله " فلا ينكر عليه " بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية للبخاري لا يعيب أحدنا على صاحبه والحديث يدل على التخيير بين التكبير والتلبية لتقريره صلى الله عليه وآله وسلم لهم على ذلك : قوله غدا بالغين المعجمة أي سار غدوة : قوله حين صلى الصبح ظاهره انه توجه من منى حين صلى الصبح بها ولكن قد تقدم في حديث جابر المذكور في الباب الذي قبل هذا انه كان بعد طلوع الشمس . قوله وهي منزل الامام الخ قال ابن الحاج المالكي وهذا الموضع يقال له الاراك قال الماوردي يستحب أن ينزل بنمرة حيث نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عند الصخرة الساقطة بأصل الجبل على يمين الذاهب إلى عرفات : قوله " راح " أي بعد زوال الشمس : قوله " مهجرا " بتشديد الجيم المكسورة قال الجوهري التهجير والتهجير السير في الهاجرة والهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر والتوجه وقت الهاجرة في ذلك اليوم سنة لما يلزم من تعجيل الصلاة ذلك اليوم وقد اشار البخاري إلى هذا الحديث في صحيحه فقال باب التهجير بالرواح يوم عرفة أي من نمرة : قوله " فجمع بين الظهر والعصر " قال ابن المنذر اجمع أهل العلم على ان الامام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة وكذلك من صلى مع الامام وذكر أصحاب الشافعي انه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه شتة عشر فرسخا الحاقا له بالقصر قال وليس بصحيح فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم ولم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر فقال أتموا فانا سفر ولوحرم الجمع لبينه لهم إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة قال ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين خلاف في الجمع بعرفة والمزدلفة بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره . قوله " ثم خطب الناس " فيه دليل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم خطب بعد الصلاة . قوله " ابن مضرس " بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة ثم سين مهملة . قوله " ابن لام " هو بوزن جام قوله " من جبلي طييء " هما جبل سلمى وجبل اجا قاله المنذري . وطيئ بفتح الطاء وتشديد الياء بعدها همزة . قوله " أكللت " أي أعييت . قوله " من حبل " بفتح الحاء المهملة واسكان الموحدة أحد حبال الرمل وهو ما اجتمع فاستطال وارتفع قاله الجوهري : قوله " صلاتنا هذه " يعني صلاة الفجر . قوله " ليلا أو نهارا فقد تم حجه " تمسك بهذا بن حنبل فقال وقت الوقوف لا يختص بما بعد الزوال بل وقته ما بين طلوع الفجر يوم عرفة وطلوعه يوم العيد لأن لفظ الليل والنهار مطلقان وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد بالنهار ما بعد الزوال بدليل أنه صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله فكأنهم جعلوا هذا الفعل مقيدا لذلك المطلق ولا يخفى ما فيه : قوله " وقضى تفثه " قيل المراد به أنه أتى بما عليه من المناسك والمشهور أن التفث ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر أو حلقه وحلق العانة ونتف الأبط وغيره من خصال الفطرة ويدخل في ضمن ذلك نحر البدن وقضاء جميع المناسك لأنه لا يقضي التفث إلا بعد ذلك وأصل التفث الوسخ والقذر

4 - وعن عبد الرحمن بن يعمر " أن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو واقف بعرفة فسألوه فأمر مناديا ينادي الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك أيام منى ثلاثة أيام فمن تعجل في يومين فلا أثم عليه ومن تأخر فلا أثم عليه وأردف رجلا ينادي بهن "
- رواه الخمسة

5 - وعن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال نحرت ههنا ومني كلها منحر فانحروا في رحالكم ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف ووقفت ههنا وجمع كلها موقف "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود . ولابن ماجه وأحمد أيضا نحوه وفيه " وكل فجاج مكة طريق ومنحر "

- حديث عبد الرحمن بن يعمر أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي : قوله " فسألوه " أي قالوا كيف حج من لم يدرك يوم عرفة كما بوب عليه البخاري : قوله " الحج عرفة " أي الحج الصحيح حج من أدرك يوم عرفة قال الترمذي قال سفيان الثوري والعمل على حديث عبد الرحمن بن يعمر عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم أن من لم يقف بعرفات قبل الفجر فقد فاته الحد ولا يجزئ عنه أن جاء بعد طلوع الفجر ويجعلها عمرة وعليه الحج من قال وهو قول الشافعي وأحمد وغيرهما . قوله " من جاء ليلة جمع " أي ليلة المبيت بالمزدلفة ظاهره أنه يكفي الوقوف في جزء من أرض عرفة ولو في لحظة لطيفة في هذا الوقت وبه قال الجمهور وحكى النووي قولا أنه لا يكفي الوقوف ليلا ومن اقتصر عليه فقد فاته الحج والأحاديث الصحيحة ترده : قوله " أيام منى " مرفوع على الابتداء وخبره قوله ثلاثة أيام وهي الأيام المعدودات وأيام التشريق وأيام رمي الجمار وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر منها لاجماع الناس على أنه لا يجوز النفر يوم ثاني النحر ولو كان يوم النحر من الثلاث لجاز أن ينفر من شاء في ثانية قوله " فمن تعجل في يومين " أي من أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني منها فلا أثم عليه في تعجيله ومن تأخيره . وقيل المعنى ومن تأخر عن الثالث إلى الرابع ولم ينفر مع العامة فلا إثم عليه والتخيير ههنا وقع بين التفاضل والأفضل لأن المتأخر أفضل فإن قيل إنما يخاف الإثم المتعجل فما بال المتأخر الذي أتى بالأفضل ألحق به فالجواب أن المراد من عمل بالرخصة وذهب بعضهم إلى المراد وضع الإثم عن المتعجل دون المتأخر ولكن ذكرا معا والمراد أحدهما . قوله " ينادي بهن " أي بهذه الكلمات : قوله " نحرت ههنا ومنى كلها منحر " يعني كل بقعة منها يصح النحر فيها وهو متفق عليه لكن الأفضل النحر في المكان الذي نحر فيه صلى الله عليه وآله وسلم كذا قال الشافعي ومنحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو عند الجمرة الأولى التي تلي مسجد منى كذا قال ابن التين . وحد منى من وادى محسر إلى العقبة : قوله " في رحالكم " المراد بالرجال المنازل قال أهل اللغة رحل الرجل منزل سواء كان من حجر أو مدرأ وشعر أو وبر : قوله " ووقفت ههنا " يعني عند الصخرات وعرفة كلها موقف يصح الوقوف فيها ( وقد أجمع العلماء ) على أن من وقف في أي جزء كان من عرفات صح وقوفه ولها أربعة حدود . حد إلى جادة طريق المشرق . والثاني إلى حافات الجبل الذي وراء أرضها . والثالث إلى البساتين التي تلي قرنيها على اليسار مستقبل الكعبة . والرابع وادي عرنة بضم العين وبالنون وليست هي ولا نمرة من عرفات ولا من محرم : قوله " وجمع كلها موقف " وجمع بإسكان الميم هي المزدلفة كما تقدم وفيه دليل على أنها كلها موقف كما أن عرفات كلها موفق : قوله " وكل فجاج مكة طريق " الفجاج بكسر الفاء جمع فج وهو الطري الواسعة والمراد أنها طريق من سائر الجهات والأقطار التي يقصدها الناس للزيادرة والإتيان إليها من كل طريق واسع وهذا متفق عليه ولكن الأفضل الدخول إليها من الثنية العليا التي دخل منها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما تقدم وهذه الزيادة روارها أبو داود كما رواه أحمد وابن ماجة

6 - وعن أسامة بن زيد قال " كنت ردف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى "
- رواه النسائي

7 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير "
- رواه أحمد والترمذي ولفظه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "

- حديث أسامة إسناده في سنن النسائي هكذا أخبرنا يعقوب بن إبراهيم عن هشيم حدثنا عبد الملك عن عطاء قال قال أسامة فذكره هؤلاء كلهم رجال الصحيح وعبد الملك هو ابن عبد العزيز المعروف بابن جريح . وحديث عمرو بن شعيب في إسناده حماد بن أبي حميد وهو ضعيف ( وفي الباب ) عن ابن عمر بنحوه عن العقيلي في الضعفاء وفي إسناده فرج بن فضاله وهو ضعيف وقال البخاري منكر الحديث . وعن علي عليه السلام عند الطبراني في المناسك بنحوه وفي إسناده قيس بن الربيع وأخرجه البيهقي عنه بزيادة " اللهم اجعل ي قلبي نورا وفي بصري نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري " وفي إسناده موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف وتفرد به عن أخيه عبد الله عن علي عليه السلام قال البيهقي ولم يدرك عبد الله عليا . وعن طلحى بن عبد الله بن كريز بفتح الكاف وآخره زاي عند مالك في الموطأ مرسلا ورواه البيهقي عن مالك موصولا وضعفه وكذا " ابن عبد البر في التمهيد قوله " فرفع يديه " فيه دليل على أن عرفة من المواطن التي يشرع فيها رفع اليدين عند الدعاء فيخصص به العموم حديث انس المتقدم في صلاة الاستسقاء قوله " وهو رافع يده الأخرى " فيه دليل على أن رفع إحدى اليدين عند الدعاء إذا منع من رفع الأخرى عذر لا بأس به . قوله " دعاء يوم عرفة " رجح المزي جر دعاء ليكون قوله لا إله إلا الله خبرا لخير الدعاء ولخير ما قلت أنا والنبيون ويؤيده ما وقع في الموطأ من حديث طلحة بلفظ " أفضل الدعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله " وما وقع عند العقيلي من حديث ابن عمر بلفظ " أفضل دعائي ودعاء الأنبياء قبلي عشية عرفة لا إله إلا الله " ( وأحاديث ) الباب تدل على مشروعية الاستكثار من هذا الدعاء يوم عرفة وأنه خير ما يقال في ذلك اليوم

8 - وعن سالم بن عبد الله " أن عبد الله بن عمر جاء إلى الحجاج بن يوسف يوم عرفة حين زالت الشمس وأنا معه فقال الرواح إن كنت تريد السنة قال هذه الساعة قال نعم قال سالم فقلت للحجاج إن كنت تريد تصيب السنة فاقصر الخطبة وعجل الصلاة فقال عبد الله بن عمر صدق "
- رواه البخاري والنسائي

9 - وعن جابر قال " راح النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الأولى ثم أذن بلال ثم أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة وبلال من الأذان ثم أقام بلال فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر "
- رواه الشافعي

- حديث جابر أخرجه أيضا لبيهقي وقال تفرد به إبراهيم بن أبي يحيى . وفي حديث جابر الطويل الذي أخرجه مسلم ما يدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم خطب ثم أذن بلال ليس فيه ذكر أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الخطبة الثانية وهو أصح ويترجح بأمر معقول هو أن المؤذن قد أمر بالإنصات للخطبة فكيف يؤذن ولا يستمع الخطبة . قال المحب الطبري وذكر الملافي سيرته أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من خطبته اذن بلال وسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فرغ بلال من الأذان تكلم بكلمات ثم أناخ راحلته وأقام بلال الصلاة وهذا أولى مما ذكره الشافعي إذ لا يفوت به سماع الخطبة من المؤذن قوله " فأقصر الخطبة " الخ قال ابن عبد البر هذا الحديث يدخل عندهم في المسند لأن المراد بالسنة سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أطلقت ما لم تضف إلى صاحبها كسنة العمرين انتهى . والكلام على ذلك مستوفي في الأصول وقد تقدم حديث ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يروح عند صلاة الظهر " وقدمنا أن ظاهره يخالف حديث جابر الطويل عند النبي أن توجهه صلى الله عليه وآله وسلم من نمرة كانت حين زاغت الشمس والمصنف رحمه الله تعالى اختصر هذه القصة الواقعة بين ابن عمر والحجاج وهي في البخاري أطول من هذا المقدار وكذلك في سنن النسائي

باب الدفع إلى مزدلفة ثم منها إلى منى وما يتعلق بذلك

1 - عن أسامة بن زيد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أفاض من عرفات كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص "
- متفق عليه

2 - وعن الفضل بن عباس وكان رديف النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا عليكم السكينة هو كاف ناقته حتى دخل محسرا وهو من منى وقال عليكم بحصى الخذف الذي يرمي به الجمرة "
- رواه أحمد ومسلم

3 - وفي حدبث جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم إضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفججر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصوا حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى اسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطي التي خرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصي الخذف رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر "
- رواه مسلم

- قوله " العنق " بفتح المهملة والنون وهو السير الذي بين الإبطاء والإسراع . وفي المشارق أنه سير سهل في سرعة . وقال القزاز هو سير سريع وقال في القاموس هو الخطوة الفسيح وانتصب العنق على الصدر المؤكد للفظ الفعل . قوله " فجوة " بفتح الفاء وسكون الجيم المكان المتسع . قوله " نص " بفتح النون وتشديد المهملة أي أسرع قال ابن عبد البر في هذا الحديث كيفية السير في الدفع من عرفة إلى المزدلفة لأجل الاستعجال للصلاة لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء بالمزدلفة فيجمع بين المصلحتين من الوقار والسكينة عند الزحمة ومن الإسراع عند عدم الزحام : قوله " وهو كاف ناقته " الخ هذا محمول على حال الزحام دون غيره بدليل حديث أسامة المتقدم وكذلكيحمل حديث ابن عباس عن أسامة عند أبي داود وغيره " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أردفه حين أفاض من عرفة وقال أيها الناس عليكم بالسكينة أن البر ليس بالإيجاف قال فما رأيت ناقة رافعة يدها حتى أتى جمعا " وقد حمله علة مثل ما ذكر ابن خزيمة قوله " الخذف " بخاء معجمة مفتوحة وذال معجمة ساكنة ثم فاء . قال العلماء حصى الحذف كقدر حبة الباقلا : قوله " فصلى بها المغرب والعشاء " استدل به على جمع التأخير بمزدلفة . قال في الفتح وهو إجماع لكنه عند الشافعية وطائفة بسبب السفر انتهى . وقد قدمنا الجواب عن هذا : قوله " ولم يسبح بينهما " أي لم يتنفل وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ترك التطوع بين الصلاتين بالمزدلفة قال لأنهم اتفقوا على أن السنة الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة ومن تنفل بينهما لم يصح أنه جمع انتهى . ويشكل على ذلك ما في البخاري عن ابن مسعود أنه صلى بعد المغرب ركعتين ثم دعا بعشائه فتعشى ثم صلى العشاء : قوله " القصوا " قد تقدم ضبطها : قوله " فاستقبل القبلة " الخ فيه استحباب استقبال القبلة بالمشعر الحرام والدعاء والتكبير والتهليل والتوحيد والوقوف به إلى الأسفار والدفع منه قبل طلوع الشمس وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم مجاهد وقتادة والزهري والنوري إلى أن من لم يقف بالمشعر فقد ضيع نسكا وعليه دم وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وأبي ثور وروى عن عطاء والأوزاعي أنه لا دم عليه وإنما هو منزل من شاء نزل به ومن شاء لم ينزل به . وذهب ابن بنت الشافعي وابن خزيمة إلى أن الوقوف به ركن لا يتم الحج إلا به وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه وروى عن علقمة والنخعي واحتج الطحاوي بأن الله عز و جل لم يذكر الوقوف بها بغير ذكر أن حجه تام فإذا كان الذكر المذكور في القرآن ليس من تمام الحج فالمواطن الذي يكون فيه الحج الذكر أحري أن لا يكون فرضا : قوله " حتى أسفر جدا " بكسر الجيم أي أسفارا بليغا وهذا يرد إلى ما ذهب إليه مالك من أن الدفع قبل الإسفار . قوله " محسر " الخ بكسر السين المهملة قبلها حاء مهملة وليس هو من مزدلفة ولا منى بل هو مسيل بينهما وقيل أنه من منى وفيه دليل على أنه يستحب لمن بلغ وادي محسر إن كان راكبا أن يحرك دابته وإن كان ماشيا أسرع في مشيه : قوله " فرماها " الخ سيأتي الكلام على الرمي

4 - وعن عمر قال " كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس ويقولون أشرق ثبير فخالفهم النبي ؟ ؟ فأفاض قبل طلوع الشمس "
- رواه الجماعة إلا مسلما لكن في رواية أحمد وابن ماجة " أشرق ثبير كيما نغير "

- قوله " لا يفيضون " بضم أوله أي من المزدلفة . قوله " اشرق " بفتح الهمزة فعل أمر من الإشراق أي أدخل في الشروق وظن بعضهم أنه ثلاثي فضبطه بكسر الهمزة من شرق وليس بواضح والمعنى لتطلع عليك الشمس . قوله " ثبير " بفتح المثلثة وكسر الموحدة وسكون التحتية بعدها راء مهملة وهو جبل معروف بمكة وهو أعظم جبالها . قوله " فأفاض قبل طلوع الشمس " الإفاضة الدفعة كما قال الأصمعي . ولفظ أبي داود فدفع قبل طلوع الشمس . قوله " كيما نغير " قال الطبري معناه كيما ندفع وهو من قولهم أغار الفرس إذا أسرع ( والحديث ) فيه مشروعية الدفع من الموقف بالمزدلفة قبل طلوع الشمس عند الأسفار وقد نقل الطبري الإجماع على أن من لم يقف فيها حتى طلعت الشمس فاته الوقوف . قال ابن المنذر وكان الشافعي وجمهور أهل العلم يقولون بظاهر هذا الحديث وما ورد في معناه وكان مالك يرى أن يدفع قبل الإسفار وهو مردود بالنصوص

5 - وعن عائشة " قالت كانت سودة امرأة ضخمة ثبطة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تفيض من جمع بليل فأذن لها "
- متفق عليه

6 - وعن ابن عباس قال " أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المزدلفة في ضعفه أهله "
- رواه الجماعة

7 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن لضعفه الناس من المزدلفة بليل "
- رواه أحمد

8 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوضع في واد محسر وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الحذف "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي

- قوله " ثبطة " بفتح المثلثة وكسر الموحدة بعدها مهملة خفيفة أي بطيءة الحركة لعظم جسمها . قوله " في ضعفة أهله " الضعفة بفتح الضاد المعجمة والعين المهملة جمع ضعيف وهم النساء والصبيان والخدم : قوله " أوضع " أي أسرع السير بإبله يقال وضع البعير وأوضعه راكبه أي أسرع به السير . قوله " بمثل حصى الحذف " تقدم ضبطه وتفسيره وحديث عائشة وابن عباس وابن عمر فيها دليل على جواز الإفاضة قبل طلوع الشمس وفي بقية جزء من الليل لمن كان من الضعفة . وحديث جابر يدل على أنه يشرع الإسراع بالمشي في واد محسر . قال الأزرقي وهو خمسمائة ذراع وخمسة وأربعون ذراعا وإنما شرع افسراع فيه لأن العرب كانوا يقفون فيه ويذكرون مفاخر آبائهم فاستحب الشارع مخالفتهم وحكى الرافعي وجها ضعيفا أنه لا يستحب الإسراع للماشي

باب رمي جمرة العقبة يوم النحر وأحكامه

1 - عن جابر قال " رمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجمرة يوم النحر ضحي وأما بعد فإذا زالت الشمس "
- أخرجه الجماعة

2 - وعن جابر قال " رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول لتأخذوا عني مناسككم فأني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي

3 - وعن ابن مسعود " أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع وقال هكذا رمى الذي انزلت عليه سورة البقرة "
- متفق عليه ولمسلم في رواية جمرة العقبة وفي رواية لأحمد " انه انتهى إلى جمرة العقبة فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات وهو راكب يكبر مع كل حصاة وقال اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا ثم قال ههنا كان يقوم الذي أنزلت عليه سورة البقرة "

- قوله " الجمرة " يعني جمرة العقبة . قوله " يوم النحر ضحي " لاخلاف أن هذا الوقت هو الأحسن لرميها واختلف فيمن رماها قبل الفجر فقال الشافعي يجوز تقدمه من نصف الليل وبه قال عطاء وطاوس والشعبي وقالت الحنفية وأحمد وإسحاق والجمهور أنه لا يرمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس ومن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر جازو أن رماها قبل الفجر أعاد وحكى المهدي في البحر عن العترة والشافعي أن وقت الرمي من ضحى يوم النحر واستدل القائلون بأن وقت الرمي من وقت الضحى بحديث الباب وبحديث ابن عباس الآتي قالوا وإذا كان من رخص له النبي صلى الله عليه وآله وسلم منعه أن يرمي قبل طلوع الشمس فمن لم يرخص له أولى ( واحتج المجوزون ) للرمي قبل الفجر أسماء الآتي ولكنه مختص بالنساء كما سيأتي ولا حاجة إلى الجمع بينه وبين حديث ابن عباس بحمل حديث ابن عباس على الندب كما ذكره صاحب الفتح . قال ابن المنذر السنة أن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر لأن فاعله مخالف للسنة ومن رماها حينئذ فلا اعادة عليه إذ لا أعلم أحدا قال لا يجزئه انتهى . والأدلة تدل على أن وقت الرمي من بعد طلوع الشمس لمن كان لا رخصة له ومن كان له رخصة كالنساء وغيرهن من الضعفة جاز قبل ذلك ولكنه لا يجزئ في أول ليلة النحر اجماعا وسيأتي بقية الكلام على هذا ( واعلم ) أنه قد قيل أن الرمي واجب بالإجماع كما حكى ذلك في البحر واقتصر صاحب الفتح على حكاية الوجوب عن الجمهور وقال انه عند المالكية سنة وحكى عنهم أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه وحكى ابن جرير عن عائشة وغيرها أن الرمي إنما شرع حفظا للتكبير فإن تركه وكبر اجزأه والحق أنه واجب لما قدمنا من أن أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم بيان لمجمل واجب هو قوله تعالى { ولله على الناس حج البيت } وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم " . قوله " على راحلته " استدل به على أن رمي الراكب لجمرة العقبة أضل من رمي الراجل وبه قالت الشافعية والحنفية والناصر والإمام يحيى وقال الهادي والقاسم إن رمي الراجل أفضل وأجابوا عن الحديث بأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان راكبا لعذر الأزدحام . قوله " لتأخذوا " بكسر اللام قال النووي هي لام ومعناه خذوا مناسككم قال وهكذا وقع في رواية غير مسلم وتقدير الحديث أن هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته والمعنى اقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس . قال النووي وغيره هذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج وهو نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة كما رأيتموني أصلي . قال القرطبي ويلزم من هذين الأصلين أن الأصل في أفعال الصلاة والحج الوجوب إلا ما خرج بدليل كما ذهب إليه أهل الظاهر وحكى عن الشافعي انتهى وقد قدمنا في الصلاة أن مرجع واجباتها إلى حديث المسيء فلا يجب غير ما اشتمل عليه إلا بدليل يخصه وقد قدمنا أن افعال الحج وأقواله الظاهر فيها الوجوب إلا ما خرج بدليل كما قالت الظاهرية وهو الحق قال القرطبي روايتنا لهذا الحديث بلام الجر المفتوحة والنون هي مع الألف ضمير أي يقول لنا خذوا مناسككم فيكون قوله لنا صلة للقول قال وهو الأفصح وقد روى لتأخذوا ماسككم بكسر اللام للامر وبالتاء المثناة من فوق وهي لغة شاذة قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى { فبذلك فلتفرحوا } انتهى
والأولى أن يقال انها قليلة لاشاذة لورودها في كتاب الله تعالى وفي كلام نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وفي كلام فصحاء العرب وقد قرأ بها عثمان بن عفان وأبي وأنس والحسن وأبو رجاء وابن هرمز وابن سيرين وأبو جعفر المدني والسلمي وقتادة والجحدري وهلال بن يساف والأعمش وعمرو بن قائد والعباس بن الفضل الأنصاري قال صاحب اللوامح وقد جاء عن يعقوب كذلك قال ابن عطية وقرأ بها ابن القعقاع وابن عامر وهي قراءة جماعة من المسلمين كثيرة وما نقله ابن عطية عن ابن عامر هوخلاف قراءته المشهورة : قوله " لعلي لا أحج بعد حجتي هذه " فيه اشارة إلى توديعهم واعلامهم بقرب وفاته صلى الله عليه وآله وسلم ولهذا سميت حجة الوداع . قوله " إلي الجمرة الكبرى " هي جمرة العقبة . قوله " فجعل البيت عن يساره " فيه أنه يستحب لمن وقف عند الجمرة أن يجعل مكة عن يساره وله " ومنى عن يمينه " فيه أنه يستحب أن يجعل منى على جهة يمينه ويستقبل الجمرة بوجهه قوله " ورمى بسبع " فيه دليل على أن رمي الجمرة يكون سبع حصيات وهو يرد قول ابن عمر ما أبالي رميت الجمرة بست أو بسبع وسيأتي في باب المبيت بمنى متمسك لقوله وروى عن مجاهد أنه لاشيء على من رمى بست وعن طاوس يتصدق بشيء وعن مالك والأوزاعي من رمى بأقل من سبع وفاته التدارك يجبره بدم وعن الشافعية في ترك حصاة مد وفي ترك حصاتين مدان وفي ثلاثة فأكثر دم وعن الحنفية أن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث فنصف صاع والاقدم : قوله " سورة البقرة " خصها بالذكر لان معظم أحكام الحج فيها : قوله " سورة البقرة " خصها بالذكر لأن معظم أحكام الحج فيها : قوله " يكبر مع كل حصاة وقد استدل بهذا على اشتراط رمي الجمرات بواحدة بعد واحدة من الحصى لأن التكبير مع كل حصاة يدل على ذلك وروى عن عطاء أنه يجزيء ويكبر لكل حصاة تكبيرة وقال الأصم يجزى مطلقا وقال الحسن البصري يجزىء الجاهل فقط وقال الناصر والحنفية يجزىء عن واحدة مطلقى وقالت الهادوية لا يجزىء بل يستأنف . قوله " وقال اللهم " الخ فيه استحباب هذا الدعاء مع التكبير قال في الفتح وأجمعوا على أن من لم يكبر لا شيء عليه انتهى

4 - وعن ابن عباس قال " قدمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع فجعل يلطح أفخاذنا ويقول أبيني لا ترموا حتى تطلع الشمس "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي ولفظه " قدم ضعفة أهلة وقال لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس "

5 - وعن عائشة قالت " أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني عندها "
- رواه أبو داود

6 - وعن عبد الله مولى أسماء عن أسماء " أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت يا بني هل غاب القمر قلت لا فصلت ساعة ثم قالت يابني غاب القمر قلت نعم قالت فارتحلوا فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا قالت يابني ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذن للظعن "
- متفق عليه

7 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث به مع أهله إلى منى يوم النحر فرموا الجمرة مع الفجر "
- رواه أحمد

- حديث ابن عباس الأول أخرجه أيضا الطحاوي وابن حبان وصححه وحسنه الحافظ في الفتح وله طرق وحديث عائشة أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ورجاله رجال الصحيح . وحديث ابن عباس الثاني أخرجه أيضا النسائي والطحاوي ولفظه " بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أهله وأمرني ان أرمي مع الفجر " وهو في الصحيحين بلفظ " كنت فيمن قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى " . قوله " أغيلمة " منصوب على الاختصاص أو على الندب قال في النهاية تصغير أغلمة بسكون الغين وكسر اللام جمع غلام وهو جائز في القياس ولم يرد في جمع الغلام أغلمة وإنما ورد غلمة بكسر الغين والمراد بالأغيلمة الصبيان ولذلك صغرهم : قوله " على جمرات " بضم الحاء المهملة والميم جمع لحمر وحمر جمع لحمار . قوله " فجعل يلطح " بفتح الياء التحتية والطاء المهملة وبعدها حاء مهملة . قال الجوهري اللطح الضرب اللين على الظهر ببطن الكف انتهى . وإنما فعل ذلك ملاطفة لهم . قوله " أبينى " بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وسكون ياء التصغير وبعدها نون مكسورة ثم ياء النسب المشددة كذا قال ابن رسلان في شرح السنن . وقال في النهاية الا بيني بوزن الأعيمي تصغير الابنا بوزن الأعمى وهو جمع ابن . قوله " حتى تطلع الشمس " استدل بهذا من قال إن وقت رمي جمرة العقبة من بعد طلوع الشمس وقد تقدم الكلام على ذلك . وأما وقت رمي غيرها فسيأتي في باب المبيت بمنى . قوله " فبل الفجر " هذا مختص بالنساء كما أسلفنا فلا يصلح للتمسك به على جواز الرمي لغيرهن من هذا الوقت لورود الأدلة القاضية بخلاف ذلك كما تقدم ولكنه يجوز لمن بعث معهن من الضعفة كالعبيد والصبيان أن يرمي في وقت رميهن كما في حديث أسماء وحديث ابن عباس الآخر : قوله " فأفاضت " أي ذهبت لطواف الإفاضة ثم رجعت إلى منى : قوله " يعني " هو من تفسير أبي داود قوله " عندها " يعني أم سلمة أي في نوبتها من القسم : قوله " فارتحلوا " في رواية مسلم فارحل بي : قوله " ياهنتاه " بفتح الهاء والنون وقدتسكن النون بعدها مثناة فوقية وآخرها هاء ساكنة هذا اللفظ كناية عن شيء لا تذكره باسممه وهو بمعنى يا هذه : قوله " ما أرانا " بضم الهمزة بمعنى الظن وفي رواية مسلم لقد غلسنا بالجزم وفي رواية الموطأ " لقد جئنا بغلس " وفي رواية أبي داود " انا رمينا الجمرة بليل وغلسنا " قوله " اذن للظعن " بضم الظاء المعجمة جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج ثم أطلق على المرأة مطلقا ( وفي هذا الحديث ) دليل على أنه يجوز للنساء الرمي لجمرة العقبة في النصف الأخير من الليل وقد تقدم الخلاف في ذلك واستدل به على اسقاط المرور وبالمشعر عن الظعينة ولا دلالة فيه على ذلك لأن غاية ما فيه السكوت عن المرور بالمشعر وقد ثبت في البخاري وغيره عن ابن عمر أنه كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل ثم يقدمون مني لصلاة الفجر ويرمون : قوله " مع الفجر " فيه دليل على أنه يجوز للنساء ومن معهن من الضعفة الرمي وقت الفجر كما تقدم

باب النحر والحلاق والتقصير وما يباح عندهما

1 - عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزلة بمنى ونحر ثم قال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

2 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال وللمقصرين "
- متفق عليه

- قوله " إلى جانبه الأيمن " فيه استحباب البداءة في حلق الرأس بالشق الأيمن من رأس المحلوق وهو مذهب الجمهور وقال أبو حنيفة يبدأ بجانبه الأيسر لأنه على يمين الحالق والحديث يرد عليه والظاهر أن هذا الخلاف يأتي في قص الشارب قوله " ثم جعل يعطيه الناس " فيه مشروعية التبرك بشعر أهل الفضل ونحوه وفيه دليل على طهارة شعر الأدمي وبه قال الجمهور وقد تقدم الكلام على ذلك في أبواب الطهارة قوله : " اللهم اغفر للمحلقين " لفظ أبي داود " ارحم " كذا في رواية البخاري وفيه دليل على الترحم على الحي وعدم اختصاصه بالميت " قوله " وللمقصرين " هو عطف على محذوف تقديره قل وللمقصرين ويسمى عطف التلقين ( والحديث ) يدل على أن الحلق أفضل من التقصير لتكريره صلى الله عليه وآله وسلم الدعاء للمحلقين وترك الدعاء للمقصرين في المرة الأولى والثانية مع سؤالهم له ذلك وظاهر صيغة المحلقين أنه يشرع حلق جميع الرأس لانه الذي تقتضيه الصيغة إذ لا يقال لمن حلق بعض رأسه أنه حلقه الا مجازا وقد قال بوجوب حلق الجميع أحمد ومالك واستحبه الكوفيون والشافعي ويجزىء البعض عندهم واختلفوا في مقداره فعن الحنفية الربع الا أن أبا يوسف قال النصف وعن الشافعي أقل ما يجب حلق ثلاث شعرات وفي وجه لبعض أصحابه شعرة واحدة وهكذا الخلاف في التقصير ( وقد اختلف ) أهل العلم في الحلق هل هو نسك أو تحليل محظور فذهب إلى الأول الجمهور وإلى الثاني عطاء وأبو يوسف ورواية عن أحمد وبعض المالكية والشافعي في رواية عنه ضعيفة وخرجه أبو طالب للهادي والقاسم وقد اختلف أيضا في الوقت الذي قال فيه رسول الله هذا القول فقيل إنه كان يوم الحديبية وقيل في حجة الوداع وقد دلت على الأول أحاديث وعلى الثاني أحاديث أخر وقيل إنه كان في الموضعين أشار إلى ذلك النووي وبه قال ابن دقيق العيد قال الحافظ وهو المتعين لتظافر الروايات بذلك في الموضعين وهذا هو الراجح لأن الروايات القاضية بأن ذلك كان في الحديبية لا تنافي الروايات القاضية بأن ذلك كان في حجة الوداع وكذلك العكس فيتوجه العمل بها في جميعها والجزم بما دلت عليه وقد أطال صاحب الفتح الكلام في تعيين وقت هذا القول فمن أحب الإحاطة بجميع ذيول هذا البحث فليرجع إليه

3 - وعن ابن عمر رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبد رأسه وأهدى فلما قدم مكة أمر نساءه أن يحللن قلن مالك أنت لم تحل أني قلدت هديى ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل من حجتي وأحلق رأسي "
- رواه أحمد وهو دليل على وجوب الحلق

4 - وعن ابن عباس رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس على النساء الحلق إنما على النساء التقصير "
- رواه أبو داود والدارقطني

- حديث ابن عمر هو في البخاري عنه عن حفصة ولكن ليس فيه وأحلق رأسي . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا الطبراني وقد قوى إسناده البخاري في التاريخ وأبو حاتم في العلل وحسنه الحافظ وأعله ابن قطان ورد عليه ابن المواق فأصابه ( وقد استدل ) بحديث ابن عمر على أنه يتعين الحلق على من لبد رأسه وبه قال الجمهور كما نقله ابن بطال وقالت الحنفية لا يتعين بل إن شاء قصر قال في الفتح وهذا قول الشافعي في الجديد قال وليس للأول دليل صريح انتهى . ولا يخفى أن الحديث الذي ذكره المصنف دليل صريح ويؤيده أن الحلق معلوم من حالة صلى الله عليه وآله وسلم في حجه كم في صحيح البخاري عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حلق في حجته " قوله " ليس على النساء الحلق " الخ فيه دليل على أن المشروع في حقهن التقصير وقد حكى الحافظ الإجماع على ذلك قال جمهور الشافعية فإن حلقت حلقت أجزأها قال القاضي أبو الطيب والقاضي حسين لا يجوز وقد أخرج الترمذي من حديث علي عليه السلام نهى أن تحلق المرأة رأسها

5 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رميت الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء فقال رجل والطيب فقال ابن عباس أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضمخ رأسه بالمسك أفطيب ذلك أم لا "
- رواه أحمد

6 - وعن عائشة قالت " كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك "
- متفق عليه . وللنساء " طيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحرمه حين أحرم ولحله بعدما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت "

- حديث ابن عباس أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث الحسن العرب \ ني عنه قال في البدر المنير إسناده حسن كما قال المنذري إلا أن يحيى بن معين وغيره قالوا يقال أن الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس ( وفي الباب ) عن عائشة غير حديث الباب عند أحمد وأبي داود والدارقطني والبيهقي مرفوعا بلفظ " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء " وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف وعن أم سلمة عند أبي داود والحاكم والبيهقي بنحوه وفي إسناده محمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث : قوله " فقد حل لكم كل شيء إلا النساء " استدلت به العترة والحنفية والشافعية على أنه يحل بالرمي لجمرة العقبة كل محظور من محظورات الإحرام إلا الوطء للنساء فإنه لا يحل به بالإجماع قال مالك والطيب . وروى نحوه عن عمر وابن عمر وغيرهما وقال الليث إلا النساء والصيد وأحاديث الباب ترد عليهم ( وقد استدل ) المانعون من الطيب بعد الرمي بما أخرجه الحاكم عن ابن الزبير أنه قال إذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت وقال إن ذلك من سنة الحج وبما أخرجه النسائي عن ابن عرم أنه قال إذا رمى وحلق حل له كل شيء إلا النساء والطيب ولا يخفى أن هذين الأثرين لا يصلحان لمعارضة أحاديث الباب وعلى فرض أن الأول منهما مرفوع فهو أيضا لا يعتد به بجنب الأحاديث المذكورة ولا سيما وهي مثبتة بحل الطيب قوله " أفطيب ذلك أم لا " هذا استفهام تقرير لأن السامع لا بد أن يقول نعم وقد ثبت أن المسك أطيب الطيب كما سلف قوله " قبل أن يحرم " قد تقدم الكلام على هذا مبسوطا . قوله " ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت " أي لأجل إحلاله من إحرامه قبل أن يطوف طواف الإفاضة وذلك بعد أن رمى جمرة العقبة كما وقع في الرواية الأخرى

باب الإفاضة من منى للطواف يوم النحر

1 - عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى "
- متفق عليه

2 - وفي حديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انصرف إلى المنحر فنحر ثم ركب فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر "
- مختصر من مسلم

- قوله " أفاض " أي طاف بالبيت وفيه دليل على أنه يستحب فعل طواف الإفاضة يوم النحر أول النهار . قال النووي وقد أجمع العلماء أن هذا الطواف وهو طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق فإن أخره عنه وفعله في أيام التشريق وأتى به بعدها أجزأه ولا شئ عليه عند الجمور . وقال أبو حنيفة ومالك إذا تطاول لزم معه دم أنتهى . وكذا حكى الإجماع على فرضية طواف الزيارة وأنه لا يجبره وأن وقته من يوم النحر الإمام المهدي في البحر وطواف الإفاضة وهو المأمور به في قوله تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق } وهو الذي يقال له طواف الزيادة قوله " فصلى الظهر بمنى " وقوله في الحديث الآخر " فصلى بمكة الظهر " ظاهر هذا التنافي وقد جمع النووي بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أفاض قبل الزوال وطاف وصلى الظهر بمكة في أول النهار ثم رجع إلى منى وصلى بها الظهر مرة أخرى إماما بأصحابه كما صلى بهم في بطن نخل مرتين مرة بطائفة ومرة بأخرى فروى ابن عمر صلاته بمنى وجابر صلاته بمكة وهما صادقان . وذكر ابن المنذر نحوه ويمكن الجمع بأن يقال أنه صلى بمكة ثم رجع إلى منى فوجد أصحابه يصلون الظهر فدخل معهم متنقلا لأمره صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لمن وجد جماعة يصلون وقد صلى

باب ما جاء في تقديم النحر والحلق والرمي والإفاضة بعضها على بعض

1 - عن عبد الله بن عمر " قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة فقال يا رسول الله حلقت قبل أن أرمي قال أرم ولا حرج وأتاه آخر فقال أني ذبحت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وأتى آخر فقال أني أفضت إلى البيت قبل ان أرمي فقال ارم ولا حرج " وفي رواية عنه " انه شهد كذا ثم قام آخر فقال كنت أحسب أن كذا قبل كذا حلقت قبل أن أنحر نحرت قبل أن أرمي وأشباه ذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم افعل ولا حرج لهن كلهن فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال افعل ولا حرج "
- متفق عليه . ولمسلم في رواية " فما سمعته يسئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض وأشباهها إلا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم افعلوا ولا حرج "

2 - وعن علي عليه السلام قال " جاء رجل فقال يا رسول الله حلقت قبل أن أنحر قال أنحر ولا حرج ثم أتاه آخر فقال يا رسول الله أني أفضت قبل أن أحلق قال احلق أو قصر ولا حرج "
- رواه أحمد . وفي لفظ " قال أني أفضت قبل أن أحلق قال احلق أو قصر ولا حرج قال وجاء آخر فقال يا رسول الله أني ذبحت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج "
- رواه الترمذي وصححه

3 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال لا حرج "
- متفق عليه . وفي رواية " سأله رجل فقال حلقت قبل أذبح قال إذبح ولا حرج وقال رميت بعدما أمسيت فقال أفعل ولا حرج " . رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه والنسائي . وفي رواية قال " قال رجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم زرت قبل أن أرمي قال لا حرج قال حلقت قبل أن أذبح قال لا حرج قال ذبحت قبل أن أرمي قال لا حرج "
- رواه البخاري

- قوله " في يوم النحر " في رواية للبخاري إن ذلك كان في حجة الوداع وفي له يخطب يوم النحر كما في الباب وفي أخرى له أيضا على راحلته قال القاضي عياض جمع بعضهم بين هذه الروايات بإنه موقف واحد على أن معنى خطب أنه علم الناس لا أنا خطبة من خطب الحج المشروعة قال ويحتمل أن يكون ذلك في موطنين أحدهما على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر وذلك وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم وصوب النووي هذا الاحتمال الثاني فإن قيل لامنافاة بين هذا الذي صوبه وبين ما قبله فإنه ليس في شيء من طرق الأحاديث بيان الوقت الذي خطب فيه الناس فيجاب بأن في رواية حديث ابن عباس التي ذكرها المصنف رميت بعد ما أمسيت وهي تدل على إن هذه القصة كانت بعد الزوال لأن المساء إنما يطلق على ما بعد الزوال وكأن السائل علم إن السنة للحجاج ان يرمي الجمرة أول ما يقدم ضحي فلما أخرها إلى بعد الزوال عن ذلك ( والحاصل ) أنه قد أجتمع من الروايات أن ذلك كان في حجة الوداع يوم النحر بعد الزوال عند الجمرة والرجل المذكور في هذه الأحاديث قال الحافظ في الفتح لم نقف بعد البحث الشديد على أثم أحد ممن سأل في هذه القصة قوله " حلقت قبل أن أرمي " في هذه الرواية قدم السؤال عن الحلق قبل الرمي وفي الرواية الثانية قدم السؤال عن الحلق قبل النحر وكذلك في حديث علي عليه السلام وفي الرواية الأخرى منه قدم الإفاضة قبل الحلق وفي الرواية الثالثة منه قدم الذبح قبل الرمي وفي رواية ابن عباس قدم الحلق قبل الذبح وفي الرواية الأخرى منه قدم الزيارة قبل الرمي ( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على جواز تقديم بعض الأمور المذكورة فيها على بعض وهي الرمي والحلق والتقصير والنحر وطواف الإفاضة وهو إجماع كما قال ابن قدامة في المغني قال في الفتح إلا أنهم أختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع قال القرطبي روي عن ابن عباس ولم يثبت عنه أن من قدم شيئا على شيء فعليه دم وبه قال سعيد بن جبير وقتادة والحسن والنخعي وأصحاب الرأي وتعقبه الحافظ بأن نسبة ذلك إلى النخعي أصحاب الرأي فيها نظر وقال أنهم لا يقولون بذلك إلا في بعض المواضع وإنما أوجبوا الدم لأن العلماء قد أجمعوا على أنها مترتبة أولها رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة ولم يخالف في ذلك أحد إلا أن ابن جهم المالكي استثنى القارن فقال لا يحلق حتى يطوف ورد عليه النووي بالإجماع فالمراد بإجابهم الدم على من قدم شيئا على شيء يعنون من الأشياء المذكورة في هذا الترتيب المجمع عليه بأن فعل ما يخالفه . وقد روى إيجاب الدم عن الهادي والقاسم
وذهب جمهور العلماء من الفقهاء وأصحاب الحديث إلى الجواز وعدم وجوب الدم قالوا لأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا حرج يقتضي رفع الأثم والفدية معا لأن المراد بنفي الحرج نفي الضيق وإيجاب أحدهما فيه ضيق وأيضا لوكان الدم واجبا لبينه صلى الله عليه وآله وسلم لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وبهذا يندفع ما قاله الطحاوي من أن الرخصة مختصة بمن كان جاهلا أو ناسيا لا من كان عامدا فعليه الفدية . قال الطببري لم يسقط النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لم يجزئ لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضيعان غير أثم الحكم الذي يلزمه بالحج كما لو ترك الرمي ونحوه فإنه لا يأثم بتركه ناسيا أو جاهلا لكن يجب عليه الإعادة قال والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك بعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجبا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض من تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج انتهى . وذهب بعضهم إلى تخصيص الرخصة بالناس والجاهل دون العامد واستدل على ذلك لقوله في حديث ابن عمرو فما سمعته يومئذ يسأل عن أمر ينسى أو يجهل الخ وبقوله في رواية للشيخين من حديثه " إن رجلا قال له صلى الله عليه وآله وسلم لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال أرم ولا حرج " وذهب أحمد إلى التخصص المذكور كما حكى ذلك عنه الأثرم وقد قوى ذلك ابن دقيق العيد فقال ما قاله أحمد قوي منجهة أن الدليل دل على وجوب إتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحج بقوله " خذوا عني مناسككم " وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل لم أشعر فيختص هذا الحكم بهذه الحالة وتبقى صورة العمد على أصل وجوب الإتباع في الحج وأيضا الحكم إذاىرتب على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يجز أطراحه ولا شك أن عدم الشعور مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يجوز إطراحه بالحاق العمد إذ لا يساويه . وأما التمسك بقول الراوي فما سئل عن شئ الخ لاشعاره بأن الترتيب مطلقا غير المراعة فجوابه أن الأخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه فلا يبقى حجة في حال العمد كذا بالفتح . ولا يخفاك أن السؤال له صلى الله عليه وآله وسلم وقع من جماعة كما في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه ولفظ حديثه عند أبي داود قال " خرجت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاجا فكان الناس يأتونه فمن قائل يا رسول الله سعيت قبل أن أطواف أوقدمت شيئا فكان يقول لا حرج لا حرج ويدل على تعدد السائل قول ابن عمرو في حديثه المذكور في الباب وأتاه آخر فقال أني أفضت الخ وقول علي علىه السلام في حديثه المذكور وأتاه آخر : قوله " وجاء أخر " وتعليق سؤال بعضهم بعدم الشعور لا يستلزم سؤال غيره به حتى يقال أنه يختص الحكم بحالة عدم الشعور ولا يجوز إطراحها بالحاق العمد بها ولهذا يعلم أن التعويل في التخصيص على وصف عدم الشعور المذكور في سؤال بعض السائلين غير مفيد للمطلوب نعم إخبار ابن عمرو عن أعم العام وهو قوله " فما سأل يومئذ عن شيء " مخصص بإخباره مرة أخرى عن أخص منه مطلقا وهو قوله فما سمعته يومئذ يسئل عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل ولكن عند من جوزالتخصيص بمثل هذا المفهوم . قوله " رميت بعدما أمسيت " فيه دليل على أن من رمى بعد دخول وقت المساء وهو الزوال صح رميه ولا حرج عليه في ذلك

باب استحباب الخطبة يوم النحر

1 - عن الهرماس بن زياد قال " رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى "
- رواه أحمد وأبو داود

2 - وعن أبي أمامة قال سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنى يوم النحر "
- رواه أبو داود

3 - وعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن بمنى ففتحت اسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع أصبعيه السبابتين ثم قال بحصي الخذف ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد ثم نزل الناس بعد ذلك "
- رواه أبو داود والنسائي بمعناه

4 - وعن أبي بكر قال " خطبنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر فقال أتدرون أي يوم هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قال أي شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليست البدلة قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرم يوم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم أشهد فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض "
- رواه أحمد والبخاري

- الأحاديث المذكورة في هذا الباب قد قدمها المصنف رحمه الله تعالى في كتاب العيدين بالفاظها المذكورة ههنا من دون زيادة ولا نقصان ولم تجر له عادة بمثل هذا وقد شرحناها هنالك وذكرنا ما في الباب من الأحاديث التي لم يذكرها وسنذكرها ههنا فوائد لم نتعرض لذكرها هنالك تتعلف بالفاظ هذه الأحاديث . فقوله " العضباء " هي مقطوعة الأذن . قال الأصمعي كل قطع في الأذن جدع فإن جاوز الربع فهي عضباء . وقال أبو عبيدة أن الغضباء التي قطع نصف أذنها فما فوق وقال الخليل هي مشقوقة الأذن قال الحربي الحديث يدل على أن العضباء اسم لها وإن كانت عضباء الأذن فقد جعل اسمها هذا . قوله " يوم الأضحى بمنى " وهذه هي الخطبة الثالثة بعد صلاة الظهر فعلها ليعلم الناس بها المبيت والرمي في أيام التشريق وغير ذلك مما بين أيديهم . قوله " ففتحت " بفتح الثانية وكسر الفوقية بعدها أي اتسع سمع اسماعنا وقوى من قولهم قارورة فتح بضم الفاء والتاء أي واسعة الرأس قال الكسائي ليس لها صمام ولا غلاف وهكذا صارت أسماعهم لما سمعوا صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا من بركات صوته إذا سمعه المؤمن قوى سمعه واتسع مسلكه حتى صار يسمع الصوت من الأماكن البعيدة ويسمع الأصوات الخفية . قوله " ونحن في منازلنا " فيه دليل على أنهم لم يذهبوا لسماع الخطبة بل وقفوا في رحالهم وهم يسمعونها ولعل هذا كان فيمن له عذر منعه من الحضور لاستماعها وهو الائق بحال الصحابة رضي الله عنهم . قوله " فطفق يعلمهم " هذا انتقال من التكلم إلى الغيبة وهو اسلوب من أساليب البلاغة مستحسن . قوله حتى بلغ الجمار يعني المكان الذي ترمى الجمار والجمار هي الحصى الصغار التي يرمي بها الجمرات : قوله " فوضع أصبعيه السبابتين " زاد في نسخة لأبي داود في أذنيه وإنما فعل ذلك ليكون أجمع لصوته في اسماع خطبته ولهذا كان بلال يضع أصبعيه في صماخ أذنيه في الأذان وعلى هذا ففي الكلام تقديم وتأخير وتقديره فوضع أصبعيه السبابتين في أذنيه حتى بلغ الجمار قوله " ثم قال " يحتمل أن يكون المراد بالقول القول النفسي كما قال تعالى { ويقولون في أنفسهم } ويكون المراد به هنا النية للرمي . قال أبو حبان تراكيب القول الست تدل على معنى الخفة والسرعة فلهذا عبر هنا بالقول . قوله " بحصي الخذف " قد قدمنا في كتاب العيدين أنه بالخاء والذال المعجمتين قال الأزهري حصي الخذف صغار مثل النوى يرمى بها بين أصبعين قال الشافعي حصي الخذف أصغر من الأنملة طولا وعرضا ومنه من قال بقدر الباقلا . وقال النووي بقدر النواة وكل هذه المقادير متقاربة لأن الخذف بالمعجمتين لا يكون إلا بالصغير . قوله " في مقدم المسجد " أي مسجد الخيف الذي بمنى ولعل المراد بالمقدم بالجهة قوله " ثم نزل الناس " برفع الناس على أنه فاعل وفي نسخة من سنن أبي داود ثم نزل الناس بتشديد الزاي ونصب الناس وقد قدمنا شرح حديث أبي بكرة في كتاب العيدين مستكملا

باب إكفاء القارن لنسكيه بطواف واحد وسعي واحد

1 - عن ابن عمر " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قرن بين حجة وعمرته أجزأ لهما طواف واحد "
- رواه أحمد وابن ماجه . وفي لفظ " من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد منهما حتى يحل منهما جميعا " رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب وفيه دليل على وجوب السعي ووقوف التحلل عليه

2 - وعن عروة عن عائشة قالت " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا فقدمت وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إليه فقال انقضى رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعى العمرة قالت ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت فقال هذه مكان عمرتك قالت فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا طوافا آخر واحدا "
- متفق عليه

3 - وعن طاوس عن عائشة " أنها أهلت بالعمرة بالحج فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم النفر يسعك طوافك وعمرتك فأبت فعثلا بها مع عبد الرحمن إلى تنعيم فاعتمرت بعد الحج "
- رواه أحمد مسلم

4 - وعن مجاهد عن عائشة " أ ها حاضت بسرف فتطهرت بعرفة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجزي عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك "
- رواه مسلم وفيه تنبيه على وجوب السعي

- حديث ابن عمر أخرجه أيضا سعيد بن منصور مرفوعا بلفظ " من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد " وأعله الطحاوي بأن الدراوردي أخطأ فيه وأن الصواب أنه موقوف وتمسك في تخطئته بما رواه أيوب والليث وموسى ابن عقبة وغير واحد من نافع نحو سياق ما في الباب من أن ذلك وقع لابن عمر وأنه قال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك لأن روى هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الفتح وهو تعليل مردود فالدراوردي صدوق وليس ما رواه مخالفا لما رواه غير فلا مانع من أن يكون الحديث عن نافع على الوجهين . وفي الباب عن جابر عند مسلم وأبي داود بلفظ " لم يطف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة وإلا طوافا واحد " وأخرج عبد الرزاق عن طاوس بإسناد صحيح نه حلف ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحجته وعمرته إلا طوافا واحدا وأخرج البخاري عن ابن عمر أنه طاف لحجته وعمرته طوافا واحدا وأخرج البخاري عن ابن عمر أنه طاف لحجته وعمرته طوافا واحدا بعد أن قال إنه سيفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخرج عنه من وجه آخر أنه رأى أن يقضي طواف الحج والعمرة بطوافه الأول يعني الذي طاف يوم النحر للإفاضة وقال كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( وبهذه الأدلة ) تمسك من قال أنه يكفي القارن لحجته وعمرته واحدوسعي واحد وهو مالك والشافعي وإسحاق وداود وهو محكىعن ابن عمر وجابر وعائشة كذا قال النووي وقال زيد بن علي وابو حنيفة وأصحابه والهادي والناصرقال النووي وهومحكى عن ابن أبي طالب عليه السلام وابن مسعود والشعبي والنخفي انه يلزم القارن طوافان وسعيان واجابواعن حديث ابن عمر . ومنها جوابه عن حديث عائشة بأنها أرادت بقولها جمعوا بين الحج والعمرة جمع متعة لا جمع قران وهذا مما يتعجب منه فإن حديث عائشة مصرح بفصل من تمتع ممن قرن وما يفعله كل واحد منهما كما في حديث الباب المذكور فإنها قالت فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة ثم قالت وأما الذين جمعوا الخ واستدلوا علي ما ذهبوا بما أخرجه عبد الرزاق والدار قطني وغيرهما عن علي عليه السلام أنه جمع بين الحج والعمرة وطاف لهما طوافين وسعي لهما سعيين ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الحافظ وطرفة ضعيفة وكذا روى نحوه من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف ومن حديث ابن عمر بإسناد فيه الحسن بن عمارة وهو متروك قال ابن حزم لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن أحد من الصحابة في ذلك أصلا وتعقبه في الفتح بأنه قد روى الطحاوي وغيره مرفوعا عن علي وابن مسعود ذلك باسانيد لا بأس بها انتهى فينبغي ان يصار إلى الجمع كما قال البيهقي ان ثبتت الرواية انه طاف طوافين فيحمل على الطواف القدوم وطواف الإفاضة واما السعي مرتين فلم يثبت انتهى على انه يضعف ماروي عن علي عليه السلام مافي الفتح من انه قد روي آل بيته عنه مثل الجماعة قال جعفر بن محمد الصادق عن ابيه انه كان يحفظ عن علي للقارن طوافا واحدا خلاف مالقول أهل العراق ومما يضعف ما روى عنه من تكرار الطواف ان مثل طرقه عنه رواية عبد الرحمن ابن اذنية عنه وقد ذكر فيها أنه يمنع من ابتداء الاهلال بالحج بان يدخل علبه عمرة وان القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين والذين احتجوا بحديثه لا يقولون بامتناع ادخال العمرة على الحج فإن كان الطريق صحيحة عندهم لزمهم العمل بما دلت عليه والافلا حجة فيها ويضعف ايضا ما روى عن ابن عمر من تكرار الطواف انه قد ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما من طرق كثيرة الا كتفاء بطواف واحد أبو ثور على الاكتفاء بطواف واحد للقارن بحجة نظرية فقال قد أجزنا للحج والعمرة معا سفرا واحدا واحراما واحد وتلبية واحدة فكذلك يجزى عنهما طواف واحدوسعي واحد حكى هذا عنه ابن المنذر ومن جملة ما يحتج به على انه لهما طواف واحد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وهو صحيح وقد تقدم وذلك لانها بعد دخولها فيه لا تحتاج إلى عمل آخر غير عمله والسنة الصحيحة الصريحة أحق بالاتباع فلا يلتفت إلى ما خالفها : قوله " وامتشطى " فيه دليل على انه لا يكره الامتشاط للمحرم . وقيل انه مكروه قال النووي وقد تأول العلماء فعل عائشة هذا على أنها كانت معذورة بأن كان برأسها أذى فأباح لها الامتشاط كما أباح لكعب بن عجرة الحلق للأذى وقيل ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الأمتشاط بالمشط بل تسريح الشعر بالأصابع عند الفعل للإحرام بالحج لا سيما ان كانت لبدت رأسها كما هو السنة وكما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يصح غسلها إلا بإيصال إلى جميع شعرها ويلزم من هذا نقضه . قوله " يسعك " الخ المراد بالوسع هنا الأجزاء كما في الرواية الأخرى

باب المبيت بمعنى ليالي منى ورمي الجمار في أيامها

1 - عن عائشة " قالت أفاض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أخر يوم حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع حصاة ويقف عند الأولى وعند الثانية فيطيل القيام ويتضرع ويرمي الثالثة لا يقف عندها "
- رواه أحمد وابو داود

2 - وعن ابن عباس " قال استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيت بمكة مني من أجل سقايته فأذن له "
- متفق عليه ولهم مثله من حديث ابن عمر

3 - وعن ابن عباس قال " رمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجمار حين زالت الشمس رمينا "
- رواه البخاري وابن ماجه والترمذي

4 - و عن ابن عمر قال " كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا "
- رواه البخاري وابن داود

5 - وعن ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رمى الجمار مشى اليها ذاهبا وراجعا "
- رواه الترمذي وصححه . وفي لفظ عنه " أنه كان يرمي الجمرة يوم النحر راكبا ةسائر ذلك ماشيا ويخبرهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك " رواه أحمد

- حديث عائشة اخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وحديث ابن عباس الثاني حسنه الترمذي وأخرج نحوه مسلم في صحيحه من حديث جابر ويؤيده حديث ابن عمر المذكور في الباب عند البخاري وحديث ابن عمر الثاني باللفظ الآخر أخرج نحوه أبو داود عنه بلفظ أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيا ذاهبا وراجعا ويخبر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك وقد أخرج الترمذي نحوه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ أنه كان بمشي إلى الجمار قوله " فمكث بها ليال أيام التشريق " هذا من جملة ما استدل به الجمهور على أن المبيت بمنى واجب وأنه من جملة مناسك الحج ومن أدلتهم على ذلك حديث ابن عباس المذكور في أذنه صلى الله عليه وآله وسلم للعباس . ومنها ما أخرجه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم عن عاصم بن عدي " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص للرعاء أن يتركوا المبيت بمنى " وسيأتي والتعبير بالرخصة يفضي أن مقابلها عزيمة وأن الأذن وقع للعلة المذكورة وإذ لم توجد أو مافي معناها لم يحصل وقد اختلف في وجوب الدم لتركه فقيل يجب عن كل ليلة دم روى ذلك عن المالكية وقيل صدقة بدرهم وقيل إطعام وعن الثلاث دم هكذا روي عن الشافعي وهو رواية عن أحمد والمشهور عنه وعن الحنفية لا شيء عليه . قوله " يكبر مع كل حصاة " حكى الماوردي عن الشافعي أن صفته الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد . قوله " ويقف عند الأولى " الخ فيه استحباب الوقوف عند الجمرة الأولى والثانية وهي الوسطى والتضرع عندها وترك القيام عند الثالثة وهي جمرة العقبة : قوله " استأذن العباس " الخ قيل أن جواز ترك المبيت يختص بالعباس وقيل يدخل معه بنو هاشم وقيل كل من أحتاج إلى السقاية وهو جمود يرده حديث عاصم بن العدي الآتي . وقيل يجوز الترك لكل من له عذر يشابه الأعذار التي رخص لأهلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو قول الجمهور وقيل يختص بأهل السقاية ورعاة الأبل وبه قال أحمد وأختاره ابن المنذر : قوله " حين زالت الشمس " وكذا قوله في حديث عائشة " إذا زالت الشمس " وقوله في حديث ابن عمر " فإذا زالت الشمس رمينا " هذه الروايات تدل على أنه لا يجزي رمي الجمار في غير يوم الأضحى قبل زوال الشمس بل وقته بعد زوالها كما في البخاري وغيره من حديث جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم رمى يوم النحر ضحى ورمى بعد ذلك بعد الزوال وإلى هذا ذهب الجمهور وخالف في ذلك عطاء وطاوس فقالا يجوز الرمي قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزيه والأحاديث المذكورة ترد على الجميع : قوله " نتحين " نتفعل من الحين وهو الزمان أي نراقب الوقت المطلوب : قوله " مشى إليها " أجمعوا على أن اتيان الجمار ماشيا وراكبا جائز ولكن أختلفوا في الأفضل وقد تقدم الخلاف في ذلك في رمي جمرة العقبة وفي غيرها قال الجمهور المستحب المشي وذهب البعض إلى استحباب الركوب يوم النحر والمشي في غيره والذي ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم الركوب لرمي جمرة العقبة يوم النحر والمشي بعد ذلك مطلقا

6 - وعن سالم عن ابن عمر " انه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم يتقدم فيسهل فيقوم مستقبل القبلة طويلا ويدعو ويرفع يديه ثم يرى الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل فيقوم مستقبل القبلة ثم يدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا ثم يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف ويقول هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعله "
- رواه أحمد والبخاري

7 - وعن عاصم بن عدي " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص لرعاء الأبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر ثم يرمون الغداة ومن بعد الغد ليومين ثم يرمون يوم النفر "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . وفي رواية " رخص للرعاء ان يرموا يوما ويدعوا يوما " رواه أبو داود والنسائي

8 - وعن سعد بن مالك قال " رجعنا في الحجة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعضنا يقول رميت بسبع حصيات وبعضنا يقول رميت بست حصيات ولم يعب بعضهم على بعض "
- رواه أحمد والنسائي

- حديث عاصم بن عدي أخرجه مالك والشافعي وابن حبان والحاكم وفي الباب عن ابن عمرو بن العاص عند الدارقطني بإسناد ضعيف ولفظه " رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للرعاء أن يرموا بالليل واية ساعة شاؤا من النهار " وعن ابن عمر عند البزار والحاكم والبيهقي بإسناد حسن . وحديث سعد بن مالك سياقه في سنن النسائي هكذا أخبرني يحيى بن موسى البلخي حدثنا سفيان بن عيينه عن ابن أبي نجيح قال مجاهد قال سعد فذكره ورجاله رجال الصحيح . وقد أخرج نحوه النسائي من حديث ابن عباس وأخرج أبو داود عن ابن عباس " أنه سئل عن أمر الجمار فقال ما أدري رماها رسول الله بست أو بسبع " قوله " الجمرة الدنيا " بضم الدال وبكسرها أي القريبة إلى جهة مسجد الخيف وهي أولى الجمرات التي ترمي ثاني يوم النحر : قوله " فيسهل " بضم التحتية وسكون المهلمة أي يقصد السهل من الأرض وهو المكان المستوي الذي لا ارتفاع فيه . قوله " ويرفع يديه " فيه استحباب رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة وروي عن مالك أنه مكروه قال ابن المنذر لا أعلم أحدا أنكر رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة إلا ماحكى عن مالك : قوله " ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال أي يمشي إلى جهة الشمال " وفي رواية للبخراي " ثم ينحدر ذات الشمال مما يلي الوادي " قوله " ويقوم طويلا " فيه مشروعية القيام عند الجمرتين وتركه عند جمرة العقبة ومشروعية الدعاء عندهما قال ابن قدامة لا نعلم لما تضمنه حديث ابن عمر هذا مخالفا إلا ما روى عن مالك من ترك رفع اليدين عند الدعاء : قوله " ويدعوا يوما " أي يجوز لهم أن يرموا اليوم الأول من أيام التشريق ويذهبوا إلى أبلهم فيبيتوا عندها ويدعوا يوم النفر الأول ثم يأتوا في اليوم الثالث فيرموا ما فاتهم في اليوم الثاني مع رمي اليوم الثالث وفيه تفسير ثان وهو أنهم يرمون جمرة العقبة ويدعون رمي ذلك اليوم ويذهبون ثم يأتون في اليوم الثاني من التشريق فيرمون ما فاتهم ثم يرمون عن ذلك اليوم كما تقدم وكلاهما جائز وإنما رخص للرعاء لأن عليهم رعي الأبل وحفظها لتشاغل الناس بنسكهم عنها ولا يمكنهم الجمع بين رعيها وبين الرمي والمبيت فيجوز لم ترك المبيت للعذر والرمي على الصفة المذكورة وقد تقدم الخلاف في الحاق بقية المعذورين بهم في أول الباب : قوله " ولم يعب بعضهم على بعض " استدل به من قال أنه يجوز الاقتصار على أقل من سبع حصيات وقد تقدم ذكر القائلين بذلك في باب رمي جمرة العقبة ولكن هذا الحديث لا يكون دليلا بمجرد ترك إنكار الصحابة على بعضهم بعضا إلا أن يثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطلع على شيء من ذلك وفرره

باب الخطبة أوسط أيام التشريق

1 - عن سراء بنت نبهان قالت " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الرؤوس فقال أي يوم هذا قلنا الله ورسوله أعلم قال أليس أوسط أيام التشريق "
- رواه أبو داود . وقال وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي أنه خطب أوسط أيام التشريق

2 - وعن ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجلين من بني بكر قالا " رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي خطب بمنى "
- رواه أبي داود

3 - وعن أبي نضرة " قال حدثني من سمع خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أوسط أيام التشريق فقال يا أيها الناس إلا أن أباكم واحد ألا لافضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى أبلغت قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد

- حديث سراء بنت نبهان سكت عنه أبو داود والمنذري وقال في مجمع الزوائد رجاله ثقات وحديث الرجلين من بني بكر سكت عنه أيضا أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله رجال الصحيح . وحديث أبي نضرة قال في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح . قوله " سراء " بفتح السين المهملة وتشديد الراء والمد والقيل القصر بنت نبهان الغنوية صحابية لها حديث واحدقاله صاحب التقريب : قوله " يوم الرؤوس " بضم الراء والهمزة بعدها وهو اليوم الثاني من أيام التشريق سمى بذلك لأنهم كانوا يأكلون فيه رؤوس الأضاحي : قوله " أي يوم هذا " سأل عنه وهو عالم به لتكون الخطبة أوقع في قلوبهم وأثبت قوله " أي يوم هذا " سأل عنه وهو عالم به لتكون الخطبة أوقع في قلوبهم وأثبت قوله " الله ورسوله أعلم " هذا من حسن الأدب في الجواب للأكابر والاعتراف بالجهل ولعلهم قالوا ذلك لانهم ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه كما وقع في حديث أبي بكرة المتقدم : قوله " عم أبي حرة " بضم الحاء المهملة وتشديد الراء واسم أبي حرة حنيفة وقيل حكيم . والرقاشي بفتح الراء وتخفيف القاف وبعد الألف شين معجمة قوله " أوسط أيام التشريق " هو اليوم الثاني من أيام التشريق : قوله " ألا ان ربكم واحد " الخ هذه مقدمة لنفي فضل البعض على البعض بالحسب والنسب كما كان في زمن الجاهلية لأنه إذا كان الرب واحدا وأبو الكل واحدا لم يق لدعوى الفضل بغير التقوى موجب وفي هذا الحديث حصر الفضل في التقوى ونفيه عن غيرها وانه لافضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ولا لأسود على أحمر إلا بها ولكنه قد ثبت في الصحيح ان الناس معادن كمعادن الذهب خيارهمه في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ففيه إثبات الخيار في الجاهلية ولا تقوى هناك وجعلهم الخيار في الإسلام بشرط الفقه في الدين وليس مجرد الفقه في الدين سببا لكونهم خيارا في الإسلام وإلا لما كان لاعتبار كونهم خيارا في الجاهلية معنى ولكان كل فقيه في الدين من الخيار وان لم يكن من الخيار في الجاهلية وليس أيضا سبب كونهم خيارا في الإسلام مجرد التقوى وإلا لما كان لذكر كونهم خيارا في الجاهلية معنى ولكان كل متق من الخيار من غير نظر إلى كونه من خيار الجاهلية فلا شك ان هذا الحديث يدل على ان لشرافة الانساب وكرم النجار مدخلا في كون أهلها خيارا وخيار القوم افاضلهم وان لم يكن لذلك مدخل باعتبار أمر الدين والجزاء الأخروي فينبغي أن يحمل حديث الباب على الفضل الأخروي ( وأحاديث الباب ) تدل على مشروعية الخطبة في أوسط أيام التشريق وقد قدمنا في كتاب العيدين ان من الخطب المستحبة في الحج وبينا هنالك كم يستحب من الخطب في الحج

باب نزول المحصب إذا نفر من منى

1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به "
- رواه البخاري

2 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع هجعة ثم دخل مكة وكان ابن عمر يفعله "
- رواه أحمد وأبو داود والبخاري بمعناه

3 - وعن الزهري عن سالم " أن أبا بكر وعمر وابن عمر وكانوا ينزلون الأبطح قال الزهري وأخبرني عروة عن عائشة إنها لم تكن تفعل ذلك وقالت إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان منزلا اسمح لخروجه "
- رواه مسلم

4 - وعن عائشة قالت " نزول الأبطح ليس بسنة إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان اسمح لخروجه إذا خرج "

5 - وعن ابن عباس قال " التحصيب ليس بشيء إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفع عليهما

- قوله : " بالمحصب " بمهملتين وموحدة على وزن محمد وهو اسم لمكان متسع بين جبلين وهو إلى منى أقرب من مكة سمي بذلك لكثرة ما به من الحصا من جر السيول ويسمى بالأبطح وخيف بني كنانة : قوله " ثم هجع هجعة " أي اضطجع ونام يسيرا قوله " اسمح لخروجه " أي أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوي البطىء والمقتدر ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة : قوله " ليس التحصيب بشيء " أن من المناسك التي يلزم فعلها . وقد نقل ابن المنذر الخلاف في استحباب نزول المحصب مع الاتفاق انه ليس من المناسك وقد روى أحمد عن عائشة أنها قالت " والله ما نزلها يعني الحصبة إلا من أجلي " وروى مسلم وأبو داود وغيرهما عن أبي رافع قال " لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل " انتهى أن النزول مستحب لتقريره صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وفعله وقد فعله الخلفاء بعده كما رواه مسلم عن ابن عمر ومما يدل على استحباب التحصيب ما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أسامة بن زيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريشا على الكفر " يعني المحصب وذلك أن بني كنانة حالفة قريشا على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يؤوهم ولا يبايعوهم قال الزهري والخيف الوادي . وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال حين أراد أن ينفر من منى نحن نازلون غدا " فذكر نحوه وحكى النووي عن القاضي عياض أنه مستحب عند جميع العلماء قال في الفتح والحاصل ان من نفى انه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شيء ومن اثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى الله عليه وآله وسلم لا الإلزام بذلك ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به بعض الليل كما دل عليه حديث أنس وابن عمر

باب ما جاء في دخول الكعبة والتبرك بها

1 - عن عائشة قالت " خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عندي وهو قرير العين طيب النفس ثم رجع إلي وهو حزين فقلت له فقال اني دخلت الكعبة ووددت أن لم أكن فعلت أني أخاف أن أكون أتعبت أمتي من بعدي "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي

2 - وعن أسامة بن زيد قال " دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيت فجلس فحمد الله واثنى عليه وكبر وهلل ثم قام إلى ما بين يديه من البيت فوضع صدره عليه وخده ويديه ثم هلل وكبر ودعا ثم فعل ذلك بالأركان كلها ثم خرج فأقبل على القبلة وهو على الباب فقال هذه القبلة هذه القبلة مرتين أو ثلاثة "
- رواه أحمد والنسائي

3 - وعن عبد الرحمن بن صفوان قال " لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة انطلقت فوافقته قد خرج من الكعبة وأصحابه قد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسطهم "
- رواه أحمد وأبو داود

4 - وعن إسماعيل بن أبي خالد قال قلت " لعبد الله بن أبي أوفى أدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم البيت في عمرته قال لا "
- متفق عليه

- حديث عائشة أخرجه أيضا وصححه ابن خزيمة والحاكم . وحديث أسامة رجاله رجال الصحيح وأصله في صحيح مسلم بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يصل في البيت ولكنه كبر في نواحيه " وحديث عبد الرحمن بن صفوان في إسناده يزيد بن أبي زياد ولا يحتج بحديثه وقد ذكر الدارقطني أن يزيد بن أبي زياد تفرد به عن مجاهد ولكنه ذكر الذهبي أنه صدوق من ذوي الحفظ وذكر في الخلاصة أنه كان من الأئمة الكبار وقد تقدم الكلام فيه في غير موضع : قوله " وودت أني لم أكن فعلت " فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل الكعبة في غير عام الفتح لأن عائشة لم تكن معه فيه ايما كانت معه في غيره وقد جزم جمع من أهل العلم أنه لم يدخل إلا في عام الفتح وهذا الحديث يرد عليهم وقد تقرر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدخل البيت في عمرته كما في حديث ابن أبي أوفى المذكور في الباب فتعين أن يكون دخله في حجته وبذلك جزم البيهقي . وقد أجاب البعض عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك لعائشة بالمدينة بعد رجوعه من غزوة الفتح وهو بعيد جدا . وفيه أيضا دليل على أن دخول الكعبة ليس من مناسك الحج وهو مذهب الجمهور وحكى القرطبي عن بعض العلماء إن دخولها من المناسك وقد ذهب جماعة من اهل العلم إلى أن دخولها مستحب ويدل على ذلك ما أخرج ابن خزيمة والبيهقي من حديث ابن عباس من دخل البيت دخل في جنة وخرج مغفورا له وفي إسناده عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف ومحل استحبابه مالم يؤذ أحدا بدخوله ويدل على الاستحباب أيضا حديث أسامة وعبد الرحمن بن صفوان المذكوران في الباب : قوله " وخده ويديه " فيه استحباب وضع الخد والصدر على البيت وهو ما بين الركن والباب ويقال له الملتزم كما روى الطبراني عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال الملتزم ما بين الركن والباب . وأخرجه البيهقي في شعب الأيمان من طريق أبي الزبير عن ابن عباس مرفوعا ورواه عبد الرزاق بإسناد يصح عنه وقوفا وسمى بذلك لأن الناس يلتزمونه : قوله " ثم فعل ذلك بالأركان كلها " فيه دليل على مشروعية وضع الصدر والخد على جميع الأركان مع الهليل والتكبير والدعاء قوله " من الباب إلى الحطيم " هذا تفسير للمكان الذي استلموه من البيت والحطيم هو ما بين الركن والباب كما ذكره محب الدين الطبري وغيره وقال مالك في المدونة الحطيم ما بين الباب إلى المقام وقال ابن حبيب هوما بين الحجر الأسود إلى الباب إلى المقام وقيل هو الشاذروان وقيل هو الحجر الأسود كما يشعر به سياق الحديث وسمى حطيما لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالإيمان ويستجاب فيه الدعاء المظلوم على الظالم وقل من حلف هنالك كاذبا غلا عجلت له العقوبة . وفي كتب الحنفية إن الحطيم هو الموضع الذي فيه الميزاب : قوله " وسطهم " قال الجوهري تقول جلست وسط القوم بالتسكين لأنه ظرف وجلست وسط الدار بالفتح لأنه اسم قال وكل وسط يصلح فيه بين فهو وسط بالاسكان وإن لم يصلح بين فهو وسط بالفتح قال الأزهري كل ما بين بعضه من بعض كوسط الصف والقلادة والسبحة وحلقه الناس فهو بالاسكان وما كان منضما لا يبين بعضه من بعض كالساحة الدار والراحبة فهو وسط بالفتح . قال وقد اجازوا في المفتوح الاسكان ولم يجيزوا في الساكن الفتح : قوله " أدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم البيت في عمرته " بهمزة الاستفهام قال النووي قال العلماء سبب ترك دخوله ما كان في البيت من الأصنام والصور ولم يكن المشركون يتركونه ليغيرها فلما كان في الفتح أمر بإزالة الصور ثم دخلها يعني كما ثبت في حديث ابن عباس عند البخاري وغيره ويحتمل أن يكون دخوله البيت لم يقع في الشرط فلو أراد دخوله لمنعوه كما منعوه من الإقامة بمكة فوق ثلاث

باب ما جاء في ماء زمزم

1 - عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماء زمزم لما شرب له "
- رواه أحمد وابن ماجه

2 - وعن عائشة " أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحمله "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب

3 - وعن ابن عباس " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس يا فضل اذهب إلى أمك فأت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشراب من عندها فقال اسقني يا رسول الله انهم يجعلون أيديهم فيه قال اسقني فشرب ثم أتى زمزم وهو يستقون ويعملون فيها فقال اعملوا فإنكم على عمل صالح ثم قال لولا ان تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل يعني على عاتقه وأشار إلى عاتقه "
- رواه البخاري

4 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ان آية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلعون من ماء زمزم "
- رواه ابن ماجه

5 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماء زمزم لما شرب له ان شربته تستشفي به شفاك الله وان شربته يشبعك أشبعك الله به وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله وهي هزمة جبريل وسقيا إسماعيل "
- رواه الدارقطني

- حديث جابر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة والبيهقي والدارقطني والحاكم وصححه المنذري والدمياطي وحسنه الحافظ وفي إسناده عبد الله بن المؤمل وقد تفرد به كما قال البيهقي وهو ضعيف واعله ابن القطان به وقد رواه البيهقي من طريق اخرى عن جابر وفيها سويد بن سعيد وهو ضعيف جدا وان كان مسلم قد أخرجه له فإنما أخرج له في المتابعات قال الحافظ وأيضا فكان أخذه عنه قبل أن يعمى ويفسد حديثه وكذلك أمر أحمد ابن حنبل ابنه بالأخذ عنه كان قبل عماه ولما عمي صار يلقن فيتلقن وقال يحيى بن معين لو كان لي فرس ورمح لغزوت سويدا من شدة ما كان يذكر له عنه من المناكير وأخرجه الطبراني من طريق ثالثة . وحديث عائشة أخرجه البيهقي والحاكم وصححه . وحديث ابن عباس الأول أخرجه أيضا الدارقطني والحاكم من طريق ابن أبي مليكة قال " جاء رجل إلى ابن عباس فقال من أين جئت قال شربت من ماء زمزم قال ابن عباس أشربت منها كما ينبغي قال وكيف ذاك يا ابن عباس قال إذا شربت منا استقبل القبلة واذكر اسم الله وتنفس ثلاثا وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال آية بيننا وبين المنافقين انهم لا يتضلعون من زمزم " وحديثه الثاني أخرجه أيضا الحاكم وزاد الدارقطني على ما ذكره المصنف " وان شربته مستعيذا أعادك الله قال فكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال اللهم أني سألت علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء " . وهذا الحديث هو من طريق محمد بن سعيد الجارودي عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال في التلخيص والجارودي صدوق الا ان روايته شاذة فقد رواه حفاظ أصحاب ابن عيينة كالحميدي وابن أبي عمر وغيرهما عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد من قول ابن عباس ومما يقوي الرفع ما أخرجه الدينوري في المجالسة قال كنا عند ابن عيينة فجاء رجل فقال يا أبا محمد الحديث الذي حدثتنا به عن ماء زمزم صحيح قال نعم قال فأني شربته الآن لتحدثني مائة حديث قال اجلس فحدثه مائة حديث ( وفي الباب ) عن أبي ذر مرفوعا عند أبي داود الطيالسي في مسنده قال زمزم مباركة إنها طعام طعم وشفاء سقم وهو بهذا اللفظ في صحيح مسلم . وعن جابر غير حديث الباب عند مسلم " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم شرب منه " قوله " ماء زمزم لما شرب له " فيه دليل على أن ماء زمزم ينفع الشارب لأي أمر ضربه لاجله سواء كان من أمور الدنيا أو الأخرة لأن ما في قوله لما شرب له من صيغ العموم : قوله " كان يحمله " فيه دليل على أنه لابأس بحمل ماء زمزم إلى المواطن الخارجة عن مكة : قوله " لولا أن تغلبوا " وذلك بأن يظن الناس أن النزع سنة فينزع كل رجال لنفسه فيغلب اهل السقاية عليها وفي هذا الحديث استحباب الشرب من ماء زمزم وما قيل من أن الشرب جبلي فلا يدل على الاستحباب إذا تأسى في الجبلي مدفوع بأن القصد إلى ذلك المحل والأمر بالنزع وإعطاء أسامة الفضلة ليشربها من غير أن يستدعي الماء كما في صحيح مسلم مما يدل على أن الشرب للفضيلة لا للحاجة . قوله " لا يتصلعون " أي لا يرون من ماء زمزم قال في القاموس وتضلع امتلأ شبعا أوريا حتى بلغ الماء أضلاعه انتهى . قوله " هزمه " بالزاي أي حفرة جبريل لأنه ضربها برجله فنبع الماء قال في القاموس هزمه يهزمه غمزه بيده فصارت فيه حفرة ثم قال والهزائم البئار الكبيرة الغزر الماء . قوله " وسقيا اسمعيل " أي أظهره الله ليسقى به اسمعيل في أول الأمر

باب طواف الوداع

1 - عن ابن عباس قال " كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال " رسول الله لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه . وفي رواية " أمر الناس أن كون آخر عهدهم بالبيت لا أنه خفف عن المرأة الحائض " . متفق عليه

2 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص للحائض أن تصدر قبل أن تطوف بالبيت إذا كانت قد طافت في الإفاضة "
- رواه أحمد

3 - عن عائشة " قالت حاضت صفية حيى بعدما أفاضت قالت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أحابستنا هي قلت يا رسول الله إنها قد أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة قال فلتنفر إذن "
- متفق عليه

- قوله " لا ينفر أحد " الخ فيه دليل على وجوب طواف الوداع قال النووي وهو قول أكثر العلماء ويلزم بتركه دم . وقال مالك وداود وابن المنذر هو سنة لا شيء في تركه . قال الحافظ والذي رأيته لابن المنذر في الأوسط أنه واجب للأمر به إلا إنه لا يجب بتركه شيء انتهى . وقد اجتمع في طواف الوداع أمره صلى الله عليه وآله وسلم به وتهيه عن تركه وفعله الذي هو بيان للمجمل الواجب ولا شك إن ذلك يفيد الوجوب : قوله " أمر الناس " بالبناء على مالم يسم فاعله وكذا قوله حفف : قوله " إذا كانت قد طافت طواف الإفاضة " قال ابن المنذر قال عامة الفقهاء بالأمصار ليس على الحائض التي أفاضت طواف وداع وروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضا لطواف الوداع فكأنهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها قال وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة . وروى ابن أبي شيبة من طريق القاسم ابن محمد كان الصحابة يقولون إذا أفاضت قبل أن تحيض فقد فرغت الا عمر . وقد روى أحمد وأبو داود والنسائي والطحاوي عن عمر أه قال ليكن آخر عهدها بالبيت وفي رواية كذلك حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . واستدل الطحاوي بحديث عائشة على نسخ حديث عمر في حق الحائض : وكذلك استدل على نسخه بحديث أم سلمة عند أبي داود الطالسي أنها قالت حضت بعدما طفت بالبيت فأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن انفر وحاضت صفية فقالت لها عائشة حبستنا فأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تنفر . ورواه سعيد بن منصور في كتاب المناسك وإسحاق في مسنده والطحاوي وأصله في البخاري ويؤيد ذلك ما أخرجه النسائي والترمذي وصححه الحاكم عن ابن عمر قال " من حج فليكن آخر عهده بالبيت إلا الحيض لهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " قوله فاتنفر اذن أي فلا حبس علينا حينئذ لانا قد أفاضت فلامانع من التوجه والذي يجب عليها قد فعلته وفي رواية للبخاري فلا بأس انفري وفي رواية له أخرجي وفي رواية فلتنفر ومعانيها متقاربة والمراد بها الرحيل لأجل من تحيض ممن لم تطف للإفاضة وتعقب باحتمال أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم أراد بتأخير الرحيل اكرام صفية كما احتبس بالناس على عقد عائشة . وأما ما أخرجه البزار من حديث جابر والثقفي في فوائده من حديث أبي هريرة مرفوعا أميران وليسا باميرين من تبع جنازة فليس ينصرف حتى تدفن أو يأذن أهلها والمرأة تحج أو تعتمر مع قوم فتحيض قبل الطواف الركن فليس لهم أن ينصرفوا حتى تطهر أو تأذن لهم ففي إسناد كل واحد منا ضعيف شديد الضعيف كما قال الحافظ

باب ما يقول إذا قدم من حج أو غيره

1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قفل من غزو أوحج أو عمرة يكبرعلى كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون . صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده "
- متفق عليه

- قوله " شرف " هو المكان العالي كما في القاموس وغيره وفي رواية لمسلم " كان إذا أوفى على ثنية أوفدفد كبر " قوله " آيبون " أي راجعون وهو وما بعده اخبار لمبتدأ مقدر أي نحن آيبون الخ : قوله " صدق الله وعده " أي في إظهار الدين وكون العاقبة للمتقين وغير ذلك مما وعد به سبحانه أن الله لا يخلف الميعاد : قوله " وهزم الأحزاب وحده " أي من غير قتال من الآدمين والمراد بالأحزاب الذي اجتمعوا يوم الخندق وتحزبوا على صلى الله عليه وآله وسلم كما تقدم فأرسل الله عليهم ريحا وجنودا وهذا هو المشهور إن المراد بالأحزاب أحزاب يوم الخندق . قال القاضي عياض ويحتمل ان المراد أحزاب الكفر في جميع الأيام والمواطن ( والحديث ) فيه استحباب التكبير والتهليل والدعاء المذكور عند كل شرف من الأرض يعلوه الراجع إلى وطنه من حج أو عمرة أو غزو

باب الفوات والاخصار

1 - عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى قال فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا صدق "
- رواه الخمسة . وفي رواية لأبي داودوابن ماجه " من عرج أو كسر أومرض " فذكر معناه . وفي رواية ذكرها أحمد في رواية المروزي " من حبس بكسر أو مرض "

2 - وعن ابن عمر " أنه كان يقول اليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت والصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم ان لم يجد هديا "
- رواه البخاري والنسائي

3 - وعن عمر بن الخطاب " أنه أمر أبا أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهبار بن الأسود حين فلهما الحج فاتيا يوم النحر بعمرة ثم يرجعا حلالا ثم يحجا عاما قابلا ويهديا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله "

4 - وعن سليمان بن يسار " إن ابن حزابة المخزومي صرع ببعض طرق مكة وهومحرم بالحج فسأل عن الماء الذي كان فوجد عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومروان ابن الحكم فذكر لهم الذي عرض له وكلهم امره أن يتداوى بمالابد منه ويفتدي فإذا صح اعتمر فحل من احرامه ثم عليه ان يحج قابلا ويهدي " ز

5 - وعن ابن عمر " أنه قال من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت "
- وهذه الثلاثة لمالك في الموطأ

6 - وعن ابن عباس قال " لاحصر الا حصر العدو "
- رواه الشافعي في مسنده

- حديث الحجاج بن عمر سكت عنه أبو داود والمنذري وحسنه الترمذي . وأخرجه أيضا ابن خزيمة والحاكم والبيهقي . وأثر عمر بن الخطاب أخرجه أيضا البيهقي وأخرج عن عمر أنه أمر من فاته الحج أن يهل بعمرة وعليه الحج من قابل وأخرج أيضا عن زيد بن ثابت مثله . وأخرج نحوه عن عمر من طريق أخرى . والأثر الذي رواه سليمان بن يسار رواه مالك عن يحيى بن سعيد عنه ولكن سليمان بن يسار لم يدرك القصة . وأثر ابن عمر الحافظ إسناده . قوله " من كسر " بضم الكاف وكسر السين . قوله " أو عرج " بفتح المهملة والراء أي أصابه شيء في رجله وليس يخلقة فإذا كان خلقة قيل عرج بكسر الراء . قوله " فقد حل " تمسك بظاهر هذا أبو ثور وداود فقالا أنه يحل في مكانه بنفس الكسر والعرج وأجمع بقية العلماء على انه يحل من كسر أو عرج ولكن اختلفوا فيما به يحل وعلام يحمل هذا الحديث فقال أصحاب الشافعي أنه يحمل على ما إذا شرط التحلل به فإذا وجد الشرط صار حلالا ولا يلزم الدم وقال مالك وغيره يحل بالطواف بالبيت لا يحله غيره ومن خالفه من الكوفيين يقول يحل بالنية والذبح والحلق وسيأتي الكلام على ذلك . قوله " أو مرض " الاحصار لا يختص بالأعذار المذكورة بل كل عذر حكمه حكمها كاعواز النفقة والضلال في الطريق وبقاء السفينة في البحر وبهذا قال كثير من الصحابة قال النخعي والكوفيون الحصر بالكسر والمرض والخوف وقال آخرون منهم مالك والشافعي وأحمد لا حصر الا بالعدو وتمسكوا بقول ابن عباس المذكور في الباب وحكى ابن جرير قولا أنه لا حصر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والسبب في هذا الاختلاف أنهم اختلفوا في تفسير الاحصار فالمشهور عن أكثر أهل اللغة منهم الأخفش والكسائي والفراء وأبو عبيدة وابن السكيت وثعلب وابن قتيبة وغيرهم ان الاحصار إنما يكون بالمرض وأما بالعدو فهو الحصر وقال بعضهم ان احصر حصر بمعنى واحد : قوله " سنة نبيكم " قال عياض ضبطناه سنة بالنصب على الاختصاص وعلى اضمار فعل أي تمسكوا وشبهه وخبر حسبكم طاف بالبيت ويصح الرفع على ان سنة خبر حسبكم أو الفاعل وحسبكم بمعنى الفعل ويكون ما بعدهما تفسيرا للسنة . وقال السهيلي من نصب سنة فهو باضمار الامر كانه قال الزموا سنة نبيكم . قوله " طاف بالبيت " أي إذا أمكنه ذلك وقع في رواية عبد الرزاق ان حبس أحدا منكم حابس عن البيت فإذا وصل طاف . قوله " حتى يحج عاما قابلا " استدل به على وجوب الحج من القابل على من أحصر وسيأتي الخلاف فيه . قوله " فيهدي " فيه دليل على وجوب الهدى على المحصر ولكن الاحصار الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما في العمرة فقاس العلماء الحج على ذلك وهو من الالحاق بنفي الفارق وإلى وجوب الهدى ذهب الجمهور وهو ظاهر الأحاديث الثابتة عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه فعل ذلك في الحديبية ويدل عليه قوله تعالى { فإن احصرتم فما استيسر من الهدى } وذكر الشافعي انه لا خلاف في ذلك في تفسير الآية وخالف في ذلك مالك فقال أنه لا يجب الهدى على المحصر وعول على قياس الاحصار على الخروج من الصوم للعذر والتمسك بمثل هذا القياس في مقابل ما يخالفه من القرآن والسنة من الغرائب التي يتعجب من وقوع مثلها من أكابر العلماء . قوله " ابن حزابة " بضم الحاء المهملة وبعدها زاي ثم بعد الألف موحدة . قوله " فسأل على الماء " هكذا في بعض نسخ هذا الكتاب وفي بعضها عن الماء وفي نسخة صححيحة من الموطأ على الماء ومنسخ ( 1 ) [ ( 1 ) هكذا الأصل ولا وعنى ولعله ونسخ بعن أو في نسخة بعن فليحرر ] بعن : قوله " فوجد " هذه اللفظة ثابتة في نسخة من هذا الكتاب وهي ثابتة في الوطأ . وقد استدل بالآثار المذكورة في الباب على وجو ب الهدى وان الاحصار لا يكون الا بالخوف من العدو وقد تقدم البحث عن ذلك وعلى وجوب القضاء وسيأتي

باب تحلل المحصر عن العمرة بالنحر ثم الحلق حيث أحصر من حل أو حرم وإنه لاقضا عليه

1 - عن المسور ومروان في حديث عمرة الحديبية والصلح " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ الكتاب قال لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود . وللبخاري عن المسور " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحر قيل أن يحلق وأمر اصحابه بذلك "

2 - وعن المسور ومروان قالا " قلد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الهدى وأشعره بذي الحليفة وأحرم منها بالعمرة وحلق بالحديبية في عمرته وأمر أصحابه بذلك ونحر بالحديبية قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك "
- رواه أحمد

3 - وعن ابن عباس قال " إنما البدل على من نقض حجة التلذذ فأما من حبسه عدو أو غير ذلك فإنه يحل ولا يرجع وإن كان معه هدى وهو محصر نحره إن كان لا يستطيع أن يبعث به وإن استطاع أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدى محله "
- أخرجه البخاري وقال مالك وغيره ينحر هديه ويحلق في أي موضع كان ولا قضاء عليه لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا وحلوا من كل شيء قبل الطواف وقبل أن يصل الهدى إلى البيت ثم لم يذكروا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أحدا أن يقضوا شيئا ولا يعودوا له والحديبية خارج الحرم " . كل هذا كلام البخاري في صحيحه

- قوله " فانحروا ثم احلقوا " فيه دليل على أن المحصر يقدم النحر على الحلق ولا يعاض هذا ما وقع في رواية للبخاري " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حلق وجامع نساءه ومحر هديه " لأن العطف بالواو إنما هو لمطلق الجمع ولا يدل على الترتيب فإن قدم الحلق على النحر فروى ابن أبي شيبة عن علقمة ان عليه دما وعن ابن عباس مثله والظاهر عدم وجوب الدم لعدم الدليل . قوله " إنما البدل " الخ بفتح الباء الموحدة والمهملة أي القضاء لما أحصر فيه من حج أو عمرة وهذا قول الجمهور كما في الفتح وقال في البحر أن على المحصر القضاء اجماعا في الفرض العترة وأبو حنيفة وأصحابه وكذا في النفل انتهى . وعن أحمد روايتان واحتج الموجبون للقضاء بحديث الحجاج ابن عمر والسالف وهو نص في محل النزاع وبحديث ابن عمر المتقدم لقوله فيه حتى يحج عاما قابلا فيهدى بعد قوله حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبما تقدم من الآثار وقال الذين لم يوجبوا القضاء لم يذكر الله تعالى القضاء ولو كان واجبا لذكره وهذا ضعيف لأن عدم الذكر لا يستلزم العدم قالوا ثانيا قول ابن عباس يدل على عدم الوجوب ويجاب بأن قول الصحابي ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا عارض المرفوع قالوا ثالثا لم يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدا ممن أحصر معه في الحديبية بأن يقضي ولو لزمهم القضاء لأمرهم قال الشافعي إنما سميت عمرة القضاء والقضية للمقاضاة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين قريش لا على أنه أوجب عليهم قضاء تلك العمرة وهذا هو الدليل الذي ينبغي التعويل عليه ولكنه يعارضه ما رواه الواقدي في المغازي من طريق الزهري ومن طريق أبي معشر وغيرهما قالوا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه ان يعتمروا فلم يتخلف منهم إلا من قتل بخيبر أو مات وخرج جماعة معه معتمرين ممن لم يشهد الحديبية فكانت عدتهم ألفين قال في الفتح ويمكن الجمع بين هذا إن صح وبين الذي قبله بأن الأمر كان على طريق الاستحباب لأن الشافعي جازم بأن جماعة تخلفوا لغير عذر . وقد روى الواقدي أيضا من حديث ابن عمر قال لم تكن هذه العمرة قضاء ولكن كان شرطا على قريش أن يعتمر المسلمون من قابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه انتهى . ويمكن أن يقال أن ترك أمره صلى الله عليه وآله وسلم لا ينتهض لمعارضة ماتقدم مما يدل على وجوب القضاء لان ترك الأمر ربما كان لعلمهم بوجوب القضاء على من احصر بدليل آخر كحديث الحجاج بن عمرو لأن حكم الحج والعمرة واحد بقي ههنا شيء هو إن قوله وعليه الحج من قابل وقوله وعليه حجة أخرى يمكن أن يكون المراد به تأدية الحج المفروض أو ما كان يريد اداءه في عام الاحصار لا أنه القضاء المصطلح عليه لأنه لم يسبق ما يوجبه بل غاية ما هناك أنه منعه عن تأدية ما أراد فعله مانع فعليه فعله ولا يسقط بمجرد عروض المانع وتعيين العام القابل يدل على أن ذلك على الفور : قوله " بالتلذذ " بمعجمتين وهو الجماع . قوله " فأما من حبسه عدو " هكذا في نسخ هذا الكتاب عدو بفتح العين المهملة وضم الدال المهملة أيضا والواو وهي رواية أبي ذر في صحيح البخاري ورواه الأكثر بضم العين وسكون الذال المعجمة والراء مكان الواو : قوله " نحره " قد وقع الخلاف بين الصحابة فمن بعدهم في محل نحر الهدى للمحصر فقال الجمهور وذبح الهدى حيث يحل سواء كان في الحل أو الحرم وقال أبوحنيفة لا يذبحه إلا في الحرم وبه قال جماعة من أهل البيت منهم الهادي وفصل آخرون كما قال ابن عباس قال في الفتح وهو المعتمد قال وسبب اختلافهم في ذلك اختلافهم هل نحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية في الحل أو في الحرم وكان عطاء يقول لم ينحر يوم الحديبية إلا في الحرم ووافقه ابن إسحاق وقال غيره من أهل المغازي إنما نحر في الحل
( فائدة ) لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى في كتابه هذا زيارة قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان الموطن الذي يحسن ذكرها فيه كتاب الجنائز ولكنها لما كانت تفعل في سفر الحج في الغالب ذكرها جماعة من أهل العلم في كتاب الحج فاحببنا ذكرها ههنا تكميلا للفائدة ( وقد اختلفت ) فيها أقوال أهل العلم فذهب الجمهور إلى أنها مندوبة وذهب بعض المالكية وبعض الظاهرية إلى أنها واجبة وقالت الحنفية إنها قريبة من الواجبات . وذهب ابن تيمية الحنبلي حفيد المصنف المعروف بشيخ الإسلام إلى أنها غير مشروعة وتبعه على ذلك بعض الحنابلة وروى ذلك عن مالك والجوبني والقاضي عياض كما سيأتي ( احتج القائلون ) بإنها مندوبة بقوله تعالى { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول } الآية ووجه الاستدلال بها أنه صلى الله عليه وآله وسلم حي في قبره بعد موته كما في حديث " الأنبياء أحياء في قبورهم " وقد صححه البيهقي وألف في ذلك جزأ قال الأستاذ أو منصور البغدادي قال المتكلمون المحققون من أصحابنا إن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم حي بعد وفاته انتهى . ويؤيد ذلك ما ثبت إن الشهداء أحياء يرزقون في قبورهم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم وإذا ثبت أنه حي في قبره كان المجئ إليه بعد الموت كالمجئ إليه قبله ولكنه قد ورد إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم فوق ثلاث وروى فوق أربعين فإن صح ذلك قدع في الاستدلال بالآية ويعارض القول بدوام حياتهم في قبورهم ما سيأتي من أنه صلى الله عليه وآله وسلم ترد إليه روحه عند التسليم عليه نعم حديث " من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي " الذي سيأتي إن شاء الله تعالى إن صح فهو الحجة في المقام واستدلوا ثانيا بقوله تعالى { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله } الآية والهجرة إليه في حياته الوصول إلى حضرته كذلك الوصول بعد موته ولكنه لا يخفى إن الوصول إلى حضرته في حياته فيه فوائد لا توجد في الوصول إلى حضرته بعد موته منها النظر إلى ذاته الشريفة وتعلم أحكام الشريعة منه والجهاد بين يديه وغير ذلك واستدلوا ثالثا بالأحاديث الواردة في ذلك منها الأحاديث الواردة في مشروعية زيارة القبور على العموم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم داخل في ذلك دخولا أوليا وقد تقدم ذكرها في الجنائز
وكذلك الأحاديث الثابتة من فعله صلى الله عليه وآله وسلم في زيارتها . ومنها أحاديث خاصة بزيارة قبره الشريف أخرج الدارقطني عن رجل من آل حاطب عن حاطب قال قال صلى الله عليه وآله وسلم " من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي " وفي إسناده الرجل المجهول وعن ابن عمر عند الدارقطني أيضا قال قال فذكر نحوه ورواه أبو يعلى في مسنده وابن عدي في كامله وفي إسناده حفص بن أبو داود وهو ضعيف الحديث وقال أحمد فيه أنه صالح . وعن عائشة عند الطبراني في الأوسط عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله قال الحافظ وفي طريقه من لا يعرف وعن ابن عباس عند العقيلي مثله وفي إسناده فضالة بن سعد المازني وهو ضعيف . وعن ابن عمر حديث آخر عند الدارقطني بلفظ " من زار قبري وجبت له شفاعتي " وفي إسناده موسى بن هلال العبدي قال أبو حاتم مجهور أي العدالة ورواه ابن خزيمة في صحيحه من طريقه وقال إن صح الخبر فإن في القلب من إسناده شيئا وأخرجه أيضا البيهقي وقال العقيلي لا يصح حديث موسى ولا يتابع عليه ولا يصح في هذا الباب شيء وقال أحمد لا بأس به وأيضا قد تابعه عليه مسلمة بن سالم كما رواه الطبراني من طريقه وموسى بن هلال المذكور رواه عن عبيد الله بن عمر عن نافع وهوثقة من رجال الصحيح وجزم الضياء المقدسي والبيهقي وابن عدي وابن عساكر بأن موسى رواه عن عبد الله بن عمر المكبر وهوضعيف ولكنه قد وثقه ابن عدي وقال ابن معين لا بأس به وروى له مسلم مقرونا بآخر . وقد صحح هذا الحديث ابن السكن وعبد الحق وتقي الدين السبكي . وعن ابن عمر عند ابن عدي والدارقطني وابن حبان في ترجمة النعمان بلفظ " من حج ولم يزرني فقد جفاني " وفي إسناده النعمان بن شبل وهو ضعيف جدا ووثقه عمران بن موسى . وقال الدارقطني الطعن في هذا الحديث على ابن النعمان لا عليه ورواه أيضا البزار وفي إسناده إبراهيم الغفاري وهو ضعيف ورواه البيهقي عن عمر قال وإسناده مجهول وعن أنس عند ابن أبي الدنيا بلفظ " من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة " وفي إسناده سليمان بن زيد الكعبي ضعفه ابن حبان الدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات . وعن عمر عند أبي داود الطيالسي بنحوه وفي إسناده مجهول وعن عبد الله بن مسعود عن أبي الفتح الأزدي بلفظ " من حج حجة الأسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى في بيت المقدس لم يسأله الله فيما افترض عليه " وعن أبي هريرة بنحو حديث حاطب المتقدم . وعن ابن عباس عند العقيلي بنحوه وعنه في مسند الفردوس بلفظ " من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتبت له حجتان مبرورتان " وعن علي بن أبي طالب عليه السلام عن ابن عساكر " من زار قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في جواره " وفي إسناده عبد الملك بن هرون بن عنبرة وفيه مقال
قال الحافظ وأصح ما ورد في ذلك ما رواه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة مرفوعا " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " وبهذا الحديث صدر البيهقي الباب ولكن ليس فيه ما يدل على اعتبار كون المسلم عليه على قبره بل ظاهره أعم من ذلك وقال الحافظ أيضا أكثر متون هذه الأحاديث موضوعة وقد رويت زيارته صلى الله عليه وآله وسلم عن جماعة من الصحابة منهم بلال عن ابن عساكر بسند جيد وابن عمر عند مالك في الموطأ وأبو أيوب عند أحمد وأنس ذكره عياض في الشفاء وعمر عند البزار وعلي عليه السلام عند الدارقطني وغير هؤلاء ولكنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شد الرحل لذلك إلا عن بلال لأنه روى نه أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بداريا يقول يقول له ما هذه الفجوة يا بلال أما آن لك أن تزورني روى ذلك ابن عساكر واستدل القائلون بالوجوب بحديث " من حج ولم يزرني فقد جفاني " وقد تقدم قالوا والجفاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم محرم فتجب الزيارة لءلا يقع في المحرم وأجاب عن ذلك الجمهور بأن الجفاء يقال على ترك المندوب كما في ترك البر والصلة وعلى غلط الطبع كما في حديث " من بدا فقد جفا " وأيضا الحديث على إنفراد مما لا تقوم به الحجة لما سلف واحتج من قال بأنها غير مشروعة بحديث " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد " وهو في الصحيح وقد تقدم وحديث لا تتخذوا قبري عيدا رواه عبد الرزاق قال النووي في شرح مسلم اختلف العلماء في شد الرحل لغير الثلاثة كالذهاب إلى قبور الصالحين وإلى المواضع الفاضلة فذهب الشيخ أبو محمد الجويني إلى حرمته وأشار عياض إلى اختياره والصحيح عند أصحابنا أنه لا يحرم ولا يكره قالوا والمراد أن الفضيلة الثابتة إنما هي شد الرحل إلى هذه الثلاثة خاصة انتهى . وقد أجاب الجمهور عن حديث شد الرحل بأن القصر فيه إضافي باعتبار المساجد لا حقيقي قالوا والدليل على ذلك أنه قد ثبت بإسناد حسن في بعض ألفاظ الحديث " لا ينبغي للمطي أن يشدر حالها إلى مسجد تبتغي فيه الصلاة غير مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى " فالزيارة وغيرها خارجة عن النهي وأجابوا ثانيا بالإجماع على جواز شد الرحال للتجارة وسائر مطالب الدنيا وعلى وجوبه إلى عرفة للوفوق وغلى منى للمناسك التي فيها والي مزدلفة وإلى الجهاد والهجرة من دار الكفر وعلى استحبابه لطلب العلم وأجابوا عن الحديث " لا تتخذوا قبري عيدا " بأنه يدل على الحث على كثرة الزيارة لا على منعها وأنه لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيدين ويؤيده قوله " لا تجعلوا بيوتكم قبورا " أي لا تتركوا الصلاة فيها كذا قال الحافظ المنذري وقال السبكي معناه أنه لا تتخذوا لها وقتا خصوصا لا تكون الزيارة إلا فيه أو لا تتخذوا كالعيد في العكوف عليه وإظهار الزينة والاجتماع للهو وغيره كما يفعل في الأعياد بل لا يؤتى إلا للزيارة والدعاء والسلام والصلاة ثم ينصرف عنه وأجيب عما روى عن مالك من القول بكراهة زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم بأنه إنما قال بكراهة زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم قطعا للذريعة وقيل إنما كره إطلاق لفظ الزيارة لأن الزيارة من شاء نعلها ومن شاء تركها وزيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم من السنن الواجبة كذا قال عبد الحق واحتج أيضا من قال بالمشروعية بأنه لم يزل دأب المسلمين القاصدين للحج في جميع الأزمان على تباين الديار واختلاف المذاهب لوصول إلى المدينة المشرفة لقصد زيارته ويعدون ذلك من أفضل الأعمال ولم ينقل أن أحدا أنكر ذلك عليهم فكان إجماعا . ( 1 ) ب ( 1 ) أقول وللعلامة ابن تيمية حفيد المثنف هنا كلام حصل له محن في زمنه لأجله وسجن هو رضي الله عنه وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى ومنع شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين مستد لابقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لا تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد ) الحديث وبين ضعف احاديث ( من زارنيبعد مماتي فكأنما زارني في حياتي ) ورد عليه العلامة تقي الدين السبكي في مؤلف وأتى بأحاديث الزيارة مروية بسنده إلى اصولها من غير ورد عليه العلامة المقدسى في مؤلف كبير بين ضعف سندها ومتنها بما يكفي ويشفي وسماه الصارم المنكى في الرد على السبكى ( وحاصل ) ما قاله الامام ابن تيمية في رد أحاديث الزيارة ان الاحاديث الواردة في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
كلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث بل هي موضوعة لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئا منها ولم يحنج أحد من الإئمة بشيء منها بل مالك أمام أهل المدينة النبوية الذين هم أعلم الناس بحكم هذه المسألة كره أن يقول الرجل زرت قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه ولو كان هذا اللفظ معروفا عندهم أو مشروعا أو مأثورا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكرهه عالم المدينة . والإمام أحمد بن حنبل رضي اللع عنه أعلم الناس في زمانه بالسنة لما سئل عن ذلك لم يكن عنده ما يعتمد عليه في ذلك إلا حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال ما من رجل يسلم على إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام " وعلى هذا اعتمد أبو داود في سننه وكذلك مالك في الموطأ . روى عبد الله بن عمر انه كان إذا دخل المسجد قال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت ثم ينصرف وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال ( لاتتخذوا قبري عيدا وصلوا على أينما كنتم فان صلاتكم تبلغني ) وفي سنن سعيد بن منصور أن عبد الله بن حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب رأى رجلا يختلف إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويدعو عنده فقال يا هذا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تتخذوقبري عيدا وصلوا على أينما كنتم فإن صلاتكم تبلغني فما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء . ولما كره الصحابة أن يتخذ قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسجدا دفنوه في حجرة عائشة بخلاف ما اعتادوه من الدفن في الصحراء لئلا يصلى أحد على قبره ويتخذه مسجدا فيتخذ قبره وثنا . ولما كانت الحجرة النبوية منفصلة عن المسجد إلى زمن الوليد بن عبد الملك كان الصحابة والتابعون لا يدخل أحد منهم لا لصلاة هناك ولا لتمسح بالقبر ولا دعاء هناك بل هذا جميهع إنما يفعلونه في المسجد وكان السلف من الصحابة والتابعين إذا سلموا عليه أو أرادوا الدعاء دعوا مستقبليه القبلة ما لم يستقبل القبر وقال أكثر الأئمة بل يستقبل القبر عند السلام خاصة ولم يقل أحد من الإئمة أنه كان يستقبل القبر ند الدعاء الأحكاية مكذوبة تروى عن مالك ومذهبه بخلافها واتفق اللإئمة على أنه لا يتمسح بقبر صلى الله عليه وآله وسلم ولا قال طائفة من السلف في قوله تعالى { وقالوا لا تذرن إلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } قال هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا على شصورهم تماثيل ثم طال عليهم الأبد فعبدوها من وضع الأحاديث في السفر لزيتارة المشاهد التي على القبور أهل البدع الرافضة ونحوهم الذين يعطلون المساجد ويعظمون المشاهد يشرك فيها ويكذب فيها ويبتدع فيها دين لم ينزل الله به سلطانا فإن الكتاب والسنة إنما فيهما ذكر المساجد دون المشاهد والله أعلم اه من الفتاوى ببعض تصرف وهذا كله في شد الرجال وأما الزيارة فمشروعة بدونه

أبواب الهدايا والضحايا

باب في إشعار البدن وتقليد الهدي كله

1 - عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلن الدم عنها وقلدها نعلين ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي

2 - وعن المسور بن مخرمة ومروان " قالا خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الهدى وأشعره وأحرم بالعمرة "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود

3 - وعن عائشة قالت " فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم أشعرها وقلدها ثم بعث بها إلى البيت فما حرم عليه شيء كان له حلال "
- متفق عليه

4 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهدى مرة إلى البيت غنما فقلدها "
- رواه الجماعة

- قوله " فأشعرها " الإشعار هو أن يكشط جلد البدنة حتى يسيل دم ثم يسلته فيكون ذلك علامة على كونها هدايا وبكون ذكل في صفحة سنامها الأيمن وقد ذهب إلى مشروعيته الجمهور من السلف والخلف وروى الطحاوي عن أبي حنيفة كراهته والاحاديث ترد عليه وقد خالف الناس في ذلك حتى خالفه صاحبه أبو يوسف ومحمد واحتج على الكراهة بأنه من المثلة . وأجاب الخطابي بمنع كونه منها بل هو باب آخر كالكي وشق أذن الحيوان فيصير علامة وغير ذلك من الوسم وكالختان والحجامة انتهى . على أنه لو كان على المثلة لكان ما فيه من الأحاديث مخصصا له من عموم النهي عنها . وقد روى الترمذي عن النخعي أنه قال بكراهة الإشعار وبهذا يتعقب على الخطابي وابن حزم في جزمهما بأنه لم يقل بالكراهة أحد غير أبي حنيفة : قوله " وقلدها نعلين " فيه دليل على مشروعية تقليد الهدى وبه قال الجمهور قال ابن المنذر أنكر مالك وأصحاب الرأي التقليد للغنم زاد غيره وكأنه لم يبلغهم الحديث انتهى واحتجوا على عدم المشروعية بأنها تضعف عن التقليد وهي حجة أو هي من بيوت العنكبوت فإن مجرد تعليق القلادة مما لا يضعف به الهدي وأيضا أن فرض ضعفها عن بعض القلائد قلدت بما لا يضعفها وأيضا قد وردت السنة بالإشعار وهو لا يترك لكونه مظنة للضعف فيكون بترك ما ليس بمظنة لذلك مع ورود السنة به ( قيل الحكمة ) في تقليد الهدى النعل أن فيه إشارة إلى السفر والجد فيه وقال ابن المنير الحكمة فيه أن العرب تعد النعل مركوبة لكونها تقي صاحبها وتحمل عنه وعر الطريق فكأن الذي أهدى خرج عن مركوبه لله تعالى حيوانا وغيره كما خرج حين أحرم عن ملبوسه ومن ثم استحب تقليد نعلين لا واحدة وقد اشترط الثوري ذلك وقال غيره تجزيء الواحدة وقال آخرون لا تتعين النعل بل كل ما قام مقامها أجزأ . قوله " فتلت قلائد بدون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " زاد البخاري في رواية عهن كان عندي وفيه رد على من كره القلائد من الأوبار واختار من نبات الأرض وهو منقول عن ربيعة ومالك وقد ترجم البخاري على هذا الحديث باب القلائد عن العهن وهو الصوف . قوله " ثم بعث بها إلى البيت " المهدي له حالان إما أن يقصد النسك ويسوق الهدي معه فيكون التقليد والإشعار عند الإحرام وأما أن يبعث بها ويقيم فيكونان عند البعث بها من المكان الذي هو مقيم به كما في هذا الحديث ولا يحرم عليه بعد البعث بها ما يحرم على المحرم لقولها فما حرم عليه شيء كان له حلا : قوله " غنما فقلدها " فيه دليل على الجواز ان يكون الهدى من الغنم وهو يرد على الحنفية ومن وافقهم ان الهدى لا يجزئ من الغنم ويرد على مالك ومن وافقه حيث قال ان الغنم لا تقلد

باب النهي عن ابدال الهدى المعين

1 - ان ابن عمر قال " أهدى عمر نجيبا فاعطى بها ثلثمائة دينار فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله اني أهديت نجيبا ثلثمائة دينار فأبيعها واشتري بثمنها بدنا قال لا انحرها اياها "
- رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه

- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان وابن خزيمة في صحيحهما : قوله " نجيبا " النجيب والنجيبة الناقة والجمع نجائب . وفي النهاية النجيب الفاضل من كل حيوان والحديث يدل على أنه لا يجوز بيع الهدى لإبدال مثله أو أفضل ثم قال وقد تكررفي الحديث ذكر النجيب من الإبل مفردا ومجموعا وهو القوي منها الخفيف السريع انتهى . وقد جوزت الهادوية ذلك وأجاب صاحب البحر عن حديث الباب بأنه حكاية فعل لا يعلم وجهها فيحتمل أنه صلى الله عليه وآله وسلم رأى نجيبه أفضل و لا يخفي ان رد السنن الفعلية بمثل هذا يستلزم رد أكثر أفعاله يستلزم رد مالا يعلم وجهه من أقوال فيقضي ذلك إلى رد أكثر السنة باطل مخالف للآيات القرأنية القاضية باتباع الرسول والتأمي به والأخذ بما أتى به لانها لم تفرق بين ما علم وجهه وما جهل فمن ادعى العلم فعليه الدليل على ان هذه المقالة قد صارت عصي يتوكأ بها من رام صيانة مذهبه إذا خالفت الثابت من فعله صلى الله عليه وآله وسلم وان كان له وجه أوضح من الشمس ثم انهم يحتجون بأفعاله إذوافقت المذاهب و لا يقيدون الاحتجاج بمثل هذا القيد وما أكثر هذا الصنع في تصرفاتهم لمن اتبع فليأخذ المنصف من ذلك حذره فإن المعذرة الباردة في طرح سنة صحيحة مما ينفق عند اللله و لاسيما إذا كان ذلك لقصد الذب عن محض الرأي . وأما الاحتجاج على الجواز باشراكه صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام في هديه وتصرفه عن العمرة إلى الإحصار فخارج عن محل النزاع لأن ذلك تصرف لا يخرج العين عن كونها ولا يبطل به الحق الذي قد تعلق بها للمصرف وأيضا صحة الاحتجاج بالأشتراك متوقفة على معرفة صلى الله عليه وآله وسلم ساق جميع الهدى الذي أشك علي فيه عن نفسه وهو ممنوع والسند أنه لم يقلد ويشعر من ذلك الهدى الذي وقع فيه الإشراك الاناقة واحدة وأيضا ثبت أنه كان يسوق عن أهله جميعا وعلي عليه السلام منهم نعم ان صح ما إدعاه صاحب ضوء النهار من الاجماع على جواز بدال الأدون بأفضل كان حجة عند من يرى حجية الاجماع على جواز مجرد الإبدال بالأفضل ولكنه ينبغي ان يبحث عن صحة ذلك فأن الشفعي وبعض الحنفية قد احتجوا بالحديث على المنع من مطلق التصرف ولو كان للابدال بأفضل كما حكاه صاحب البحر وأما دعوى أن الواحد النجيب أظهر في تعظيم الشعائر من غيرها وإن كان كثيرا فممنوع والسند ظاهر

باب أن البدنة من الأبل والبقر عن سبع شياه وبالعكس

1 - عن ابن عباس " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتاه رجل فقال إن على بدنة وأنا موسر ولا أجدها فاشتريها فأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن "
- رواه أحمد وابن ماجه

2 - وعن جابر " قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نشترك في الأبل والبقر كل سبعة منا في بدنة "
- متفق عليه . وفي لفظ قال " لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشتركوا في الأبل والبقر كل سبعة في بدنة " رواه البرقاني على شرط الصحيحين . وفي رواية قال " اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحج والعمرة كل سبعة منا في بدنة فقال رجل لجابر ايشترك في البقر ما يشترك في الجزور فقال ما هي إلا من البدن " رواه مسلم

3 - وعن حذيفة قال " شرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجته بين المسلمين في البقرة عن سبعة "
- رواه أحمد . وعن ابن عباس قال " كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فحضر الأضحى فذبحنا البقر عن سبعة والبعير عن عشرة " رواه الخمسة إلا أبا داود

- حديث ابن عباس الأول سياق إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا محمد بن عمر حدثنا محمد بن بكر البرساني قال أخبرنا ابن جريج قال قال عطاء الخرساني عن ابن عباس فذكره ورجاله رجال الصحيح ولكن عطاء لم يسمع من ابن عباس ويشهد لصحته ما في صحيح مسلم من حديث جابر " قال نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " وهو يشهد أيضا لحديث حذيفة المذكور وقد أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وقال في مجمع الزوائد رواه أحمد ورجاله ثقات . وحديث ابن عباس الثاني حسنه الترمذي ويشهد له مافي الصحيحين من حديث رافع بن خديج أنه صلى الله عليه وآله وسلم قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير : قوله " سبع شياه " وكذا قوله " كل سبعة منا في بدنة " استدل به من قال عدل البدنة سبع شياه وهو قول الجمهور وادعى الطحاوي وابن رشد أنه إجماع ويجاب عنهما بأن الخلاف في ذلك مشهور حكاه الترمذي في سننه عن إسحاق بن راهويه . وكذا في الفتح وقال هو إحدى الروايتين عن سعيد بن المسيب وإليه ذهب ابن خزيمة واحتج له في صحيحه وقواه واحتج له ابن حزم بحديث رافع المتقدم وحكاه في البحر عن العترة وزفر واحتجوا بحديث ابن عباس الثاني المذكور في الباب ويجاب عنه بأنه خارج عن محل النزاع لانه في الاضحية فأن قالوا يقاس الهدى عليها قلنا هوقياس فاسد الاعتبار لمصادمته النصوص واحتجوا أيضا بحديث رافع ويجاب عنه أيضا بمثا هذا الجواب لان ذلك التعديل كان في القسمة وهي غير محل النزاع ويؤيد كون البدنة عن سبعة فقط أمره صلى الله عليه وآله وسلم لمن لم يجد البدنه ان يشتري سبعا فقط ولو كانت تعدل عشرا لأمره بأخراج عشر لان تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز . وظاهر أحاديث الباب جواز الاشتراك في الهدى وهو قول الجمهور من غير فرق بين أن يكون المشتركون مفترضون أو متطوعين أو بعضهم مفترضا وبعضهم متنفلا أو مريدا للحم . وقال أبو حنيفة يشترط في الاشتراك أن يكونوا كلهم متقربين ومثله عن زفر بزيادة أن تكون أسبابهم واحدة . وعن الهادوية بشرط أن يكونوا مفترضين . وعن داود وبعض المالكية يجوز في هدى التطوع دون الواجب . وعن مالك لا يجوز مطلقا وروي عن ابن عمر ذلك ولكنه روى عنه أحمد ما يدل على الرجوع : قوله " ما هي إلا من البدن " يعني البقرة فيه دليل على أنه يطلق على البقرة أنها من البدن . وفي النعاية البدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة هي بالإبل أشبه . وفي القاموس والبدنة محركة من الإبل والبقرة . وفي الفتح أن أصل البدن من الإبل والحقت بها البقر شرعا وحكى في البحر عن الهادي والشافعي والمؤيد بالله ان البدنة تختص بالإبل وعن أبي حنيفة وأصحابه والناصر أنها تطلق على البقر وعن بعض أصحاب الشافعي أنها تطلق على الشاة قال ولا وجه له وحكى فيه أيضا أن البقرة عن سبعة والشاة عن واحد إجماعا . قوله " والبعير عن عشرة " فيه دليل على أن البدنة تجزئ في الأضحية عن عشرة وسيأتي الكلام على ذلك

باب ركوب الهدي

1 - عن أنس قال " رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يسوق البدنة فقال أركبها فقال أنها بدنة قال إركبها قال نها بدنة قال إركبها ثلاثا "
- متفق عليه : ولهم من حديث أبي هريرة نحوه

2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا يسوق بدنة قد أجهده المشي فقال إركبها قال إنها بدنة قال إركبها وإن كانت بدنة "
- رواه أحمد والنسائي

3 - وعن جابر " أنه سئل عن ركوب الهدي فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي

4 - وعن علي عليه السلام " أنه سئل يركب الرجل هديه فقال لا بأس به قد كان النبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يمر بالرجال يمشون فيأمرهم بركوب هديه قال لا تتبعون شيئا أفضل من سنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد

- حديث أنس الثاني أخرجه أيضا الجوزقي من طري حميد عن ثابت عن أنس وأبو يعلى من طريق الحسن عن أنس وزاد حافيا وهو عند النسائي من طريق شعبة عن قتادة عن أنس وضعف هذه الطرق الحافظ في الفتح . وحديث علي عليه السلام . قال في الفتح أيضا إسناده صالح وقال في مجمع الزوائد في إسناده محمد بن عبيد الله بن أبي رافع وثقه ابن حبان وضعفه جماعة . وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه المصنف لفظه لفظ حديث أنس ولكنه زاد في آخره " اركبها ويلك " قوله " رأى رجلا " قال الحافظ لم أقف على إسمه بعد طول البحث . قوله " يسوق بدنة " في رواية لمسلم مقلدة وكذا في رواية للبخاري وله أيضا من طريق أبي هريرة " فلقد رأيته راكبها يساير النبي صلى الله عليه وآله وسلم والنعل في عنقها " قوله " إنها بدنة " أراد أنها بدنة مهداة إلى البيت الحرام ولو كان مراده الإخبار عن كونها بدنة لم يكن الجواب مفيد الآن كونها من الإبل معلوم فالظاهر أن الرجل ظن أنه خفي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كونها هديا فقال أنها بدنة . قال في الفتح والحق أنه لم يخف ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكونها كانت مقلدة ولهذا قال لما زاد في مراجعته ويلك ( وأحاديث الباب ) تدل على جواز ركوب الهدى من غير فرق بين ما كان منه واجبا أو تطوعا لتركه صلى الله عليه وآله وسلم للاستفصال وبه قال عروة بن الزبير ونسبه ابن المنذر إلى أحمد وإسحاق وبه قال أهل الظاهر وجزم به النووي وجماعة من أصحاب الشافعي كالقفال والماوردي وحكى ابن عبد البر عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء كراهة ركوبه لغير حاجة وحكاه الترمذي أيضا عن أحمد وإسحاق والشافعي وقيد الجواز بعض الحنفية بالاضطرار ونقله بن أبي شيبة عن الشعبي وحكى ابن منذر عن الشافعي أنه يركب إذا اضطر ركوب غير فادح وحكى ابن العربي عن مالك أنه يركب للضرورة فإذا استراح نزل يعني إذا انتهت ضرورته والدليل على اعتبار الضرورة ما في حديث جابر المذكور في الباب من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " إركبها بالمعروف إذا لجئت إليها " ونقل ابن العربي عن أبي حنيفة أنه لا يجوز ركوب الهدي مطلقا وكذا نقله المهدي في البح عنه ولكن نقل عن الطحاوي الجواز منع الحاجة ويضمن ما نقص منها بالركوب والطحاوي أقعد بمعرفة مذهب أمامه فقد وافق أبا حنيفة الشافعي على ضمان النقص في الهدي الواجب . ونقل ابن عبد البر عن بعض أهل الظاهر وجوب الركوب تمسكا بظاهر الإمام ولمخالفة ما كانوا عليه في الجاهلية من البحيرة والسائبة ورده بأن الذين ساقوا الهدي في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا كثيرا ولم يأمرأحد منهم بذلك انتهى . فتعقبه الحافظ بحديث علي عليه السلام المذكور في الباب قال وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح رواه أبو داود في المراسيل عن عطاء قال " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بالهدي إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها أو يركبها غير منهكها ( واختلف ) من أجاز الركوب هل يجوز أن يحمل عليها متاعه فمنعه مالك وأجازه الجمهور وهل يحمل عليها غيره أجازه الجمهور أيضا على التفصيل المتقدم ونقل عياض الإجماع على أ ه لا يؤجرها واختلفوا أيضا في اللبن إذا أحتلب منه شيئا فعند العترة والشافعية والحنفية يتصدق به فإن أكله تصدق بثمنه وقال مالك لا يشرب من لبنه فإن شرب لم يغرم

باب الهدى يعطب قبل المحل

1 - عن أبي قبيصة ذوئب بن حلحلة قال " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبعث معه بالبدن ثم يقول ان عطب منها شيء فخشيت عليها موتا فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه

2 - وعن ناجية الخزاعي وكان صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " قلت كيف أصنع بما عطب من البدن قال انحره وأغمس نعله في دمه واضرب صفحته وخل بين الناس وبينه فليأكلوه "
- رواه الخمسة إلا النسائي

3 - وعن هشام بن عروة عن أبيه " ان صاحب هدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدى فقال كل بدنة عطبت من الهدى فانحرها ثم ألق قلائدها في دمها ثم خل بين الناس وبينها يأكلوها "
- رواه مالك في الموطأ عنه

- حديث ناجية قال الترمذي حسن صحيح قال والعمل على هذا عند أهل العلم في هدء التطوع إذا عطب لا يأكل هو ولا أحد من أهل زفقته ويخلى بينه وبين الناس يأكلونه وقد أجزأ عنه وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا ان أكل منه شيئا غرم بقدر ما أكل منه انتهى . قوله " ثم اغمس نعلها " الخ إنما يفعل ذلك لأجل أن يعلم من مر به انه هدى فيأكله . قوله " من أهل رفقتك " قال النووي وفي المراد بالرفقة وجهان لاصحابنا أحدهما أنهم الذي يخالطون المهدي في الاب وغيره دون باقي القافلة والثاني وهو الأصح الذي يقتضيه ظاهر نص الشافعي وجمهور اصحابه ان المراد بالرفقة جميع القافلة لان السبب لذي منعت به الرفقة هو خوف تعطيبهم إياه وهذا موجود في جميع القافلة ( فإن قيل ) إذا لم تجوز والأهل القافلة أكله وقلتم بتركه في البرية كان طعمة للسباع وهذا اضاعة مال قلنا ليس فيه أضاعة بل العادة الغالبة ان سكان البوادي يتتبعون منازل الحجيج لالتقاط ساقطة ونحو ذلك وقد تأتي قافلة في أثر قافلة والرفقة بضم الراء وكسرها لغتان مشهورتان . قوله " وخل بين الناس وبينه " هذا مقيد بمن عدا المالك والرفقة كما في الحديث الأول . قوله " ان صاحب هدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " هو ناجية الخزاعي المذكور سابقا وظاهر أحاديث الباب أن الهدى إذا عطب جاز نحره والتخلية بينه وبين الناس يأكلونه غير الرفقة قطعا للذريعة وهي أن يتوصل بعضهم إلى نحره قبل أوانه والظاهر عدم الفرق بين هدى التطوع والفرض وخصصه من تقدم بهدى التطوع ولعل الوجه في ذلك ان الهدى الذي هو السبب هو هدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي بعث به وهو هدى تطوع قال النووي ولا يجوز للأغنياء الأكل منه . مطلقا لأن الهدي مستحق للمساكين فلا يجوز لغيرهم انتهى . وقد اختلفت الروايات في مقدار البدن التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففي رواية من حديث ابن عباس عند مسلم أنها ست عشرة بدنة . وفي رواية أخرى أنها ثماني عشرة ويمكن الجمع بتعدد القصة أو يصار إلى ترجيح الرواية المشتملة على الزيادة ان كانت القصة واحدة

باب الأكل من دم التمتع والقران والتطوع

1 - في صفة حديث جابر " حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ثم انصرف إلى المنحر ثلاثا وستين بدنه بيده ثم اعطي عليا عليه السلام فنحر ماغير وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها "
- رواه أحمد ومسلم

2 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حج ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر ومعها عمرة فساق ثلاثا وثلاثين بدنة وجاء علي عليه السلام من اليمن ببقيتها فيها جمل لأبي لهب في أنفه برة من فضة فنحرها وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كل بدنة ببضعة فطبخت وشرب من مرقها "
- رواه الترمذي وابن ماجه . وقال فيه " جمل لابي جهل "

3 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخمس بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يحل قالت فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ماهذا فقيل نحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أزواجه "
- متفق عليه . وهو دليل على الأكل من دم القران لأن عائشة كانت قارنة

- حديث جابر الثاني رواه الترمذي من طريق عبد الله بن أبي زياد الكوفي في زيد بن حبان عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر . وقال هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه الا من حديث زيد بن حبان ورأيت عبد الله ابن عبد الرحمن روى هذا الحديث في كتبه عن عبد الله ابن أبي زياد قال وسألت محمدا عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورأيته لا يعد هذا الحديث محفوظا . وقال إنما يروي عن الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد مرسل ثم قال حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا حبان بن هلال حدثنا همام حدثنا قتادة قلت لانس " كم حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال حجة واحجة واعتمر أربع عمر " ثم قال هذا حديث حسن صحيح وحبان بن هلال هو أبو حبيب البصري وثقه يحيى بن سعيد القطان . قوله " فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده " في مسند أحمد وسنن أبي داود " أنه صلى الله عليه وآله وسلم نحر ثلاثين بيده وأمره عليها فنحر سائرها " وقد قدمنا الترجيح بين الروايتين : قوله " وأشركه " ظاهره أنه اشركه في نفس الهدى قال القاضي عياض وعندي أنه لم يكن شريكا حقيقة بل أعطاه قدرا يذبحه قال والظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحر البدن التي جاءت معه من المدينة وكانت ثلاثا وستين كما جاء في رواية الترمذي وأعطى عليا عليه السلام البدن التي جاءت معه من اليمن وهو تمام المائة . قوله " ببضعة " بفتح الباء لاغير وهي القطعة من اللحم . قوله " برة " بضم الباء وفتح الراء مخففة وهي حلقة تجعل في أنفي البعير . قوله " ولانرى إلا الحج " بضم النون أي نظن . قوله " بلحم بقر " قد استدل بهذه الأحاديث على أنه يجوز الأكل للمهد من الهدى الذي يسوقه قال النووي وأجمع العلماء على أن الاكل من هدى التطوع وأضحيته سنة انتهى . والظاهر أن يجوز الاكل منالهدي من غير فرق ما كان تطوعا وما كان فرضا لعموم قوله تعالى { فكوا منا } ولم يفصل التمسك بالقياس على الزكاة في عدم جواز الأكل من الهدى الواجب لا ينتهض لتخصيص هذا العموم لان شرع الزكاة لمواساة الفقراء إلى المالك اخراج لها عن موضوعها وليس شرع الدماء كذلك لأنها اما الجبر نقص أو لمجرد التبرع فلا قياس مع الفارق فلا تخصيص : قوله " لان عائشة كانت قارنة " قد اختلف فيما احرمت به عائشة أولا فقيل أنها عمرة مفردة لما ثبت عنها في الصحيح انها قالت فكنت ممن أهل بعمرة . وقيل انها احرمت بالحج أولا وكانت مفردة لما ثبت عنها في الصحيح " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا نرى إلا أنه الحج " وقد اطال ابن القيم الكلام على هذا وبين الراجح من القولين ودليل من قال أنها كانت قارنة الحديث المتقدم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها يسعك غير قارنة لما ثبت في الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها وأهلي بالحج ودعى العمرة " وأجاب الجمهور بأنها لم ترفض العمرة لما في صحيح مسلم عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها بعد أن أمرها أن تهل بالحج ففعلت ووقفت المواقف كلها حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة " وكذلك قوله " يسعك طوافك لحجك وعمرتك " وقد قدمنا تأويل قوله دعى العمرة وقد استدل بقول عائشة المذكور " نحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أزواجه " أن البقرة تجزى عن أكثر من سبعة وقد ثبت في رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحر عن أزواجه بقرة " أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما وكذا في صحيح مسلم والظاهر أنه لم يتخلف أحد من زوجاته يومئذ وهن تسع ولكن لا يخفى ان مجرد هذا الظاهر لا تعارض به الأحاديث الصريحة الصحيحة السالفة المجمع على مدلولها

باب أن من بعث بهدى لم يحرم عليه شيء بذلك

1 - عن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهدي من المدينة فافتل قلائد هديه ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم "
- رواه الجماعة . وفي رواية " ان زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة ان عبد الله بن عباس قال من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه فقالت عائشة ليس كما قال ابن عباس أنا فعلت قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدي ثم قلدها بيده ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدى " اخرجاه

- قوله " ان زياد بن أبي سفيان وقع التحديث بهذا في زمن بني أمية وأما بعدهم فما كان يقال له إلا زياد بن أبيه وقبل استلحاق معاوية له كان يقال له زياد بن عبيد وكانت امه سمية مولاة الحرث بن كلدة الثقفي وهي تحت عبيد المذكور فولدت زيادا على فراشه فكان ينسب إليه فلما كان أيام معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بان زيادا ولده فاستلحقه معاوية بذلك وخالف الحديث الصحيح " أن الولد للفراش وللعاهر الحج " وذلك لغرض دنيوين وقد انكر هذه الواقعة على معاوية من انكرها حتى قيلت فيها الاشعار منها قول القائل
ألا بلغ معاوية بن حرب مغلغلة من الرجل اليماني
أتغضب أن يقال أبوك عف وترضى أن يقال ابوك زاني
وقد أجمع أهل العلم على تحريم نسبته إلى أبي سفيان وماوقع من أهل العلم في زمان بني أمية هوتقية وذكر أهل الأمهات نسبته إلى أبي سفيان في كتبهم مع كونهم لم يألفوها إلا بعد انقراض عصر بني أمية محافظة منهم على الألفاظ التي وقعت من الرواة في ذلك الزمان كما هو دأبهم . وقد وقع في صحيح مسلم ابن زياد مكان زياد وهو وهم نبه عليه الغساني ومن تبعه والصواب زياد . وكذا قال النووي وجميع من تكلم على صحيح مسلم . قوله " بيدي " فيه دفع التجوز بأن يظن ان الفتل وقع باذنها لو قالت فتلت فقط : قوله " مع أبي " بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة يعني أبا بكر الصديق رضي الله عنه واستفيد من ذلك ان وقت البعث كان في سنة تسع عام حجة أبي بكر بالناس ( وقد استدل ) بالحديثين على انه لا يحرم على من بعث بهدي شيء من الأمور التي تحل له وبه قال الجمهور . قال ابن عبد البر خالف ابن عباس في هذا جميع الفقهاء وتعقب بأنه قد قال بمقالته جماعة من الصحابة كانب عمر رواه عنه ابن أبي شيبة وابن المنذر وقيس بن سعد رواه عنه سعيد بن منصور وابن المنذر أيضا وعلي عليه السلام وعمر رضي الله عنه رواه عنهما ابن أبي شيبة وابن المنذر أيضا . ومن غير الصحابة النخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون كما قال ابن المنذر ونقل الخطابي عن أصحاب الرأي مثل قول ابن عباس وهو خطأ عنهم ما قال الحافظ وإلى مثل قول ابن عباس ذهبت الهادوية وليس في قول ابن عباس ولا قول غيره من الصحابة حجة ولاسيما إذا عارض الثابت عنه صلى الله عليه وآله وسلم نعم احتجوا بما أخرجه أحمد والطحاوي والبزار من حديث جابر قال " كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه وقال أني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا فليست فميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي " قال في الفتح وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده ويجاب عنه بأنه قال في مجمع الزوائد بعد أن ذكره رجال أحمد ثقات وذكره من طريق أخرى وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وإنما قال هكذا لان أحمد رواه عن عبد الرحمن بن عطاء أنه سمع ابني جابر يحدثان عن أبيهما فذكره . وعبد الرحمن وثقه النسائي وقواه أبو حاتم . وقال البخاري فيه نظر وبهذا يرد على المقبلي حيث قال إن هذا الحديث أخرجه ابن النجار وغالب أحاديثه الضعف والظاهر أنه لا أصل لهذا الحديث انتهى . وقد أخرج النسائي من حديث جابر أنهم كانوا إذا كانوا حاضرين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة بعث الهدى فمن شاء أحرم ومن شاء ترك هكذا في جامع الأصول وبه يحصل الجمع بين الأحاديث

باب الحث على الأضحية

1 - عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ماعمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من هرافة دم وأنه لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها وان الدم ليقع من الله عز و جل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا "
- رواه ابن ماجه والترمذي وقال هذا حديث حسن غريب

2 - وعن زيد بن أرقم قلت " أوقالوا يا رسول الله ماهذه الأضاحي قال سنة أبيكم إبراهيم قالوا مالنا منا قال بكل شعرة حسنة قالوا فالصوف قال بكل شعرة من الصوف حسنة "
- رواه أحمد وابن ماجه

3 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا "
- رواه أحمد وابن ماجه

4 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أنفقت الورق في شئ أفضل من نحيره في يوم عيد " رواه الدار قطني

- حديث عائشة رواه الترمذي عن ابن عمر ومسام بن عمر والحذاء المديني عن عبد الله بن نافع الصائغ عن ابن المثنى عن هشام بن عروة عن أبيه عنها . وقال بعد ان أذكر أن هذا الحديث حسن غريب أنه لا يعرف من حديث هشام بن عروة من هذا الوجه . وحدبث زيد بن أرقم أخرجه أيضا الترمذي فقال ويروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في الأضحية لصاحبها بكل شعرة حسنة ويروى بقرونها انتهى وحديث أبي هريرة صححه الحاكم قال الحافظ في بلوغ المرام لكن رجح الأئمة غيره وقفه . وقال في الفتح رجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره ( وفي الباب ) عن أبي سعيد عند الحاكم " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها قومي إلى ضحيتك فاشهد بها فإنه بأول قطرة منها يغفر لك ما سلف من ذنوبك " ؤفي إسناده عطية . وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنه حديث منكر . وعن عمران بن حصين عند الحاكم أيضا مثل حديث أبي سعيد وفي إسناده أبو حمزة الثمالي وهو ضعيف جدا . وعلي رضي الله عنه عند الحاكم والبيهقي مثله وفي إسناده عمرو بن خالد الواسطى وهو متروك . وعن علي رضي الله عنه ايضا من طريق أبي داود النخفى عن علي عنه ايضا من طريق أبي داود النخفى عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده عند الطبراني بلفظ " من ضحية طيبة بها نفسه محتسبا بأضحيته كانت له حجابا من النار " وأبو داود النخفي كذاب قال أحمد كان يضع الحديث . قوله " ما هذه الأضاحي " هي جمع أضحية قال الجوهري قال الأصمعي فيها أربع لغات أضحة بضم الهمزة وكسرها وجمعها أضاحي بتشديد الياء وتخفيفها واللغة الثالثة ضحية وجمعها أضاحي والرابعة أضحاة بفتح الهمزة والجمع أضحى كأرطاة وأرطى وبها سمي يوم الأضحى . قال القاضي وقيل سميت بذلك لأنها تغفل في الضحى وهو ارتفاع النهار . قال النووي وفي الأضحى لغتان التذكير لغة قيس والتأنيث لغة تميم : قوله " فلا يقربن مصلانا " هذا الحديث من جملة ما استدل به القائلون بوجوب الضحية وسيأتي الكلام على ذلك ( وأحاديث الباب ) تدل على مشروعية الضحية ولا خلاف في ذلك كما في البحر وأنها أحب الأعمال إلى الله يوم النحر وأنها تأتي يوم القيامة على الصفة التي ذبحت عليها ويقع دمها بمكان من القبول قبل أن يقع على الأرض وانها سنة إبراهيم لقوله تعالى { وفديناه بذبح عظيم } وأن للمضحي بكل شعرة من شعرات أضحيته حسنة وأنه يكره لمن كان ذا سعة تركها وأن الدراهم لم تنفق في عمل صالح افضل من الأضحية ولكن إذا وقعت لقصد التسنن وتجردت عن المقاصد الفاسدة وكانت على الوجه المطابق للحكمة في شرعها وسيأتي إن شاء الله تعالى

باب ما احتج به في عدم وجوبها بتضحية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمته

1 - عن جابر قال " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عيد الأضحى فلما انصرف اتى بكبش فذبحه فقال بسم الله والله أكبر اللهم هذا عني وعمن لم يضحي لم يضحي من أمتي "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي

2 - وعن علي بن الحسين عن أبي رافع " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أو قرنين أو ملحين فإذا صلى وخطب الناس أتى باحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم بقول اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ ثم يؤتى بالأخر فيذبحه بنفسه ويقول هذا عن محمد وآل محمد فيطعمهما جميعا المساكين ويأكل هو وأهله منهما فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المؤنة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والغرم "
- رواه أحمد

- الحديث الأول قال الترمذي هذا الحديث غريب من هذا الوجه وقال المطلب بن عبد الله بن حنطب يقال أنه لم يسمع من جابر . وقال أبو حاتم الرازي يشبه أن يكون أدركه . والحديث الثاني سكت عنه الحافظ في التلخيص وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير والبزار قال في مجمع الزوائد وإسناد أحمد والبزار حسن . وأخرج نحوه أحمد أيضا وابن ماجه والحاكم والبيهقي من حديث أبو هريرة وسيأتي في باب التضحية بالخصى : قوله " أملحين " الأملح هو الأبيض الخالص قال ابن الأعرابي وقال الأصمعي هو الأبيض المشوب بشيء من السواد وقال أبو حاتم هو الذي يخالط بياضه حمرة وقيل الأسود الذي يعلوه حمرة . وقال الكسائي هو الذي فيه بياض وسواد والبياض أكثر وقال الخطابي هو الأبيض الذي في خلل صوفه طبقات سود : قوله " أقرنين " قال النووي أي لكل واحد منهما قرنان حسنان وفيه دليل على استحباب التضحية بالأملح الأقرن . قال النووي وأجمع العلماء على جواز التضحية بالأجم وهو الذي لم يخلق الله له قرنين وأما المكسور فسيأتي الكلام فيه ( والحديثان ) يدلان على أنه يجوز للرجل أن يضحي عنه وعن أتباعه وأهله ويشركهم معه في الثواب وبه قال الجمهور وكرهه الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحديثان يردان عليهم . وقد أخرج مسلم من حديث انس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " كان يقول اللهم تقبل من محمد وآل محمد وعن أمة محمد " وسيأتي في باب الذبح بالمصلى . وأخرج وأيضا ابن ماجه والترمذي وصححه من حديث أبي أيوب ان الرجل كان يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيأتي في باب الاجتزاء بالشاة . وقد تمسك بحديثي الباب وما ورد في معناها من قال أن الأضحية غير واجبة بل سنة وهم الجمهور قال النووي وممن قال بهذا أبو بكر وعمر وبلال وأبو مسعود البدري وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وابن المنذر وداود وغيرهم انتهى . وحكاه في البحر أيضا عمن ذكر من الصحابة . وعن ابن مسعود وابن عباس وحكاه أيضا عن العترة الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث وبعض المالكية أنها واجبة على الموسر وحكاه في البحر عن مالك وقال النخعي واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى وقال محمد بن الحسن واجب على المقيم بالأمصار والمشهور عن أبي حنيفة أنه قال إنما توجيهها على مقيم يملك نصابا كذا قال النووي قال ابن حزم لا يصح على أحد من الصحابة أنها واجبة وصح أنها غير واجبة عن الجمهور ولا خلاف في كونها من شرائع الدين
( ووجه ) دلالة الحديثين وما في معناهما على عدم الوجوب أن الظاهر إن تضحيته صلى الله عليه وآله وسلم عن أمته وعن أهله تجزأ كل من لم يضح سواء كان متمكنا من الأضحية أو غير متمكن ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن حديث " على أهل كل بيت أضحية " وسيأتي في باب ما جاء في الفرع العتيرة ما يدل على وجوبها على أهل كل بيت يجدونها فيكون قرينة على أن تضحية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن غير الواجدين من أمته ولو سلم الظهور المدعي فلا دلالة له على عدم الوجوب لأن محل النزاع من لم يضح عن نفسه ولا ضحى عنه غيره فلا يكون عدم وجوبها على من كان في عصره من الأمة مستلزما لعدم وجوبها على من كان في غير عصره منهم ( فإن قيل ) هذا يستلزم أن تجزأ الشاة الواحدة عن جميع الأمة قلنا هذه المسألة أخرى خارجة عن محل النزاع سيأتي بيانها
ومن أدلة القائلين بعد الوجوب ما أخرجه أحمد عن ابن عباس مرفوعا " أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها وأمرت بالأضحى ولم تكتب عليكم " وأخرجه ايضا البزار وابن عدي والحاكم عنه بلفظ " ثلاث هن على فرائض ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى " وأخرجه أيضا أبو يعلى عنه بلفظ " كتب علي النحر ولم يكتب عليكم وأمرت بصلاة الضحى ولم تؤمروا بها " ويجاب عنه بأن في إسناد أحمد وأبو يعلي جابر الجعفى وهو ضعيف جدا في إسناد البزار وابن عدي والحاكم أن جناب الكلبي وقد صرح الحافظ ضعيف من جميع طرقه : وقد أخرجه الدارقطني بلفظ " ثلاث هن على فريضة وهن لكم تطوع الوتر وركعتا الفجر وركعتا الضحى " وأخرجه البزار بلفظ " أمرت بركعتي الفجر والوتر وليس عليكم " ورواه الدارقطني أيضا وابن شاهين في ناسخه عن أنس مرفوعا " أمرت بالوتر والأضحى ولم يعزم على " وفي إسناده عبد الله بن محرر وهو متروك واستدلوا أيضا بما أخرجه البيهقي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان كراهة أن يظن من رآهما أنها واجبة وكذلك أخرج عن ابن عباس وبلال وأبي مسعود وابن عمر ولا حجة في شيء من ذلك واستدل من قال بالوجوب بقول الله تعالى { فصل لربك وانحر } والأمر للوجوب وأجيب بأن المراد تخصيص الرب بالنحر له لا للأصنام فالأمر متوجه إلى ذلك لأنه القيد الذي يتوجه إليه الكلام ولا شك في وجوب تخصيص الله بالصلاة والنحر على أنه قد روي أن المراد بالنحر وضع اليدين حال الصلاة على الصدر كما سلف في الصلاة واستدلوا أيضا بحديث " من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا " وقد تقدم ووجه الاستدلال به انه لما نهى من كان ذا سعة عن قربان المصلى إذا لم يضح دل على أنه قد ترك واجبا فكأنه لا فائدة في التقرب مع ترك هذا الواجب قال في الفتح وليس صريحا في الإيجاب واستدلوا أيضا بحديث مخنث بن سليم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال بعرفات " يا أيها الناس على أهل كل بيت أضحية في كل عام وعتيرة " أخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه وسيأتي ما عليه من الكلام وأجيب عنه بأنه منسوخ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا فرع ولاعتيرة " ولا يخفى أن نسخ العتيرة على فرض صحته لا يستلزم نسخ الأضحية . واستدلوا أيضا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " من كان ذبح قبل أن يصلي فليذح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله " وهو متفق عليه من حديث جندب بن سفيان البجلي . وبما روى من حديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من كان ذبح قبل الصلاة فليعد " وسيأتي هو وحديث جندب في باب بيان وقت الذبح والأمر ظاهر في الوجوب ولم يأت من قال بعدم الوجوب بما يصلح للصرف كما عرفت نعم حديث أم سلمة الآتي قريبا ربما كان صالحا للصرف لقوله " وأراد أحدكم أن يضحي " لأن التفويض إلى الأرادة يشعر بعدم الوجوب

باب ما يجتنبه في العشر من أراد التضحية

1 - عن أم سلمة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره "
- رواه الجماعة إلا البخاري . ولفظ أبي داود وهو لمسلم والنسائي أيضا " من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره وأظافره حتى يضحي "

- قوله " ذبح " بكسر الذال أي حيوان يريد ذبحه فهو فعل بمعنى مفعول كحمل بمعنى محمول ومنه قوله تعالى { وفديناه بذبح عظيم } الحديث استدل به على مشروعية ترك أخذ الشعر والأظافر بعد دخول عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي ( وقد اختلف العلماء ) في ذلك فذهب سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية وقال الشافعي وأصحابه هو مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام وحكى الإمام المهدي في البحر عن الإمام يحيى والهادوية والشافعي إن ترك الحلق والتقصير لمن أراد التضحية لمن أراد التضحية مستحب . وقال أبو حنيفة لا يكره والحديث يرد عليه . وقال مالك في رواية لا يكره وفي رواية يكره وفي رواية يحرم في التطوع دون الواجب ( وأحتج ) من قال بالتحريم بحديث الباب لأن النهي ظاهر في ذلك واحتج الشافعي بحديث عائشة المتقدم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبعث بهديه ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر هديه " فجعل هذا الحديث مقتضيا لحمل حديث الباب على كراهة التنزيه ولا يخفى أن حديث الباب أخص منه مطلقا فيبنى العام على الخاص ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم ولكن على من أراد التضحية قال أصحاب الشافعي والمراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر النهي عن إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره والمنع من إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذه بنورة أو غير ذلك من شعور بدنه . قال إبراهيم المروزي وغيره من أصحاب الشافعي حكم أجزاء البدن كلها حكم الشعر والظفر ودليله ما ثبت في رواية لمسلم " فلا يمسن من شعره وبشره شيئا " ( والحكمة ) في النهي أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار . وقيل للتشبه بالمحرم حكي هذين الوجهين النووي وحكي عن أصحاب الشافعي أن الوجه الثاني غلط لأنه لا يعتزر النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم

باب السن الذي يجزئ في الأضحية وما لا يجزئ

1 - عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تذبحوا الأمسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن "
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي

2 - وعن البراء بن عازب قال " ضحى خال لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شاتك شاة لحم فقال يا رسول الله إن عندي داجنا جذعة من المعز قال إذبحها ولا تصلح لغيرك ثم قال من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين "
- متفق عليه

- قوله " الأمسنة " قال العلماء المسنة هي الثنية من كل شئ من الأبل والبقر و الغنم فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع ولا يجزئ إلا إذا عسر على المضحى وجودالمسنة . الجذع من الضأن ولا من غير
مطلقا . قال النووي و مذهب العلماء كافة إنه لا يجزئ سواء وجد غيره أم لا وحملوا هذا الحديث على الاستحباب والأفضل وتقديره يستحب لكم أن لا تذبحوا الأمسنة فأن عجزتم فجذعه ضأن وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لا تجزئ بحال وقد أجمعت الأمة على أنه ليس على ظاهره لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه فيتعين تأويل الحديث على ما ذكرنا من الاستحباب كذا قال النووي ولا يخفي أن قوله " لاتذبحوا " نهى عن التضحية بما عدا المسنة مما دونها وذبح الجذعة مقيد بتعسر المسنة فلا يجزئ مع عدمه ولا بد من مقتض للتأويل المذكور وحديث أبي هريرة وما بعده من الأحاديث المذكورة في هذا الباب تصلح لجعلها قرينة مقتضية للتأويل فيتعين المصير إليه لذلك . قوله " جذعة من الضأن " الجذع من الضأن ماله سنة تامة هذا الأشهر عن أهل اللغة وجمهور أهل العلم من غيرهم . وقيل ماله ستة أشهر . وقيل سبعة . وقيل ثمانية . وقيل عشرة . وقيل أن كان متولدا بين شاتين فستة أشهر وأن كان بين هرمين فثمانية : قوله " شاتك شاة لحم " أي ليست اضحية ولا ثواب فيها بل هو لحم لك تنتفع به : قوله " أن عندي داجنا " الخ الداجن ما يعلف في البيت من الغنم والمعز . وفي رواية لمسلم " أن عندي جذعا " وفيه دليل على ان الجذعة المعز لا تجزئ في الأضحية قال النووي وهذا متفق عليه قوله " من ذبح قبل الصلاة " يأتي شرح هذا أن شاء الله في باب بيان وقت الذبح

3 - وعن أبي هريرة قال " سمعت رسول اللله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " نعم أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن "
- رواه أحمد والترمذي

4 - عن أم بلال بنت هلال عن أبيها " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يجوز الجذع من الضأن الضحية "
- رواه أحمد وابن ماجه

5 - وعن مجاشع بن سليم " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقال أن الجذع يوفي مما توفي منه الثنية "
- رواه أبو داود وابت ماجه

6 - وعن عقبة بن عامر " قال ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجذع من الضأن "
- رواه النسائي

7 - وعن عقبة بن عامر قال قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقلت يا رسول الله أصابني جذع فقال ضح به "
- متفق عليه . وفي رواية للجماعة إلا أبا داود " أن النبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه غنما يقسمها على صحابته ضحايا فبقي عتود فذكره للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ضح به أنت " قلت العتود من ولد المعز مارعى وقوى وأتى عليه حول

- حديث أبو هريرة رواه الترمذي من طريق يوسف بن عيسى عن وكيع عن عثمان بن واقد بن كدمان بن عبد الرحمن بن كبا ش قال " جلبت غنما جذعانا الى المدينة فكسدت علي فلقيت أبا هريرة فسألته فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الحديث . وقال غريب وقد روى موقوفا وذكره الحافظ في التلخيص ولم يزد علي هذا ويشهد له حديث عبادة بن الصامت عند أبي داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي مرفرعا بلفظ " خير الصحية الكبش الأقرن " وأخرجه أيضا الترمذي وزاد " وخير الكفن الحلة " وأخرجه بنحو اللفظ الأول أيضا ابن ماجه والبيهقي من حديث أبي أمامة وفي إسناده عفير بن معدان وهو ضعيف قال الترمذي ( وفي الباب ) عن أم بلال بنت هلال عن أبيها وجابر وعقبة بن عامر ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتهى . وحديث أم بلال أخرجه أيضا ابن جربر الطبري والبيهقي وأشار إاليه الترمذي كما سلف ورجال إسناده كلهم بعضهم ثقة وبعضهم صدوق وبعضهم مقبول . وحديث مجاشع بن سليم في إسناده عاصم بن كليب قال ابن المديني لا يحتج به إذا انفرد . وقال الإمام أحمد لا بأس به وقال أبو حاتم الرازي صالح وأخرج له مسلم . وحديث عقبة الأول أخرجه أيضا ابن وذكره الحافط في التلخيص وسكت ورجاله إسناده ثقات : قوله " نعمت الاضحية الجذع من الضأن " فيه الدليل على ان التضحية بالضأن أفضل وبه قال مالك وعلل ذلك بأنها أطيب لحما . وذهب الجمهور إلى أفضل الانواع للمنفرد البدنة ثم البقرة ثم الضأن ثم المعز واحتجوا بأن البدنة تجزئ عن سبعة أو عشرة على الخلاف والبقرة تجزئ عن سبعة . وأما الشاة فلا تجزئ إلا واحد بالاتفاق وما كان يجزئ عن الجماعة إذا ضحى به الواحد كان ما يجزئ عن الواحد فقط هكذا حكى النووي الاتفاق على أن الشاى لا تجزئ إلا عن واحد وحكى المهدي في البحر عن الهادي والقاسم أنها تجزئ عن ثلاثة واحتج لهما بتضحيته صلى الله عليه وآله وسلم بالشاة عن محمد وآل محمد وأورد عليه أنه يلزم أن تجزئ عن أكثر من ثلاثة وأجاب بأنه منع من ذلك الإجماع وحكى الترمذي في سننه عن بعض أهل العلم أنها تجزئ الشاة عن أهل البيت وقال وهو قول أحمد وإسحاق واختلف أصحاب مالك فيما بعد الغنم فقبل الإبل أفضل وقيل البقر وهو الأشهر عندهم : قوله " يوفى " الخ أي يجزئ كما تجزئ الثنية . قوله " عتود " بفتح المهملة وضم الفوقية وسكون الواو وقد فسره أهل اللغة بما فسره به المصنف كما نقله النووي عنهم . قال الجوهري وخيره ما بلغ سنة وجمعه أعتدة وعتدان بادغام التاء في الدال . قال البيهقي وغيره من أصحاب الشافعي وغيرهم كانت هذه رخصة لعقبة ابن عامر كما كان مثلها رخصة لأبي بردة بن نيار في الحديث المتقدم ثم روى ذلك بإسناده صحيح عن عقبة قال " أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غنما أقسمها ضحايا بين أصحابي فبقى عتود منها فقال ضح بها أنت ولا رخصة لأحد فيها بعدك " قال وعلى هذا يحمل أيضا ما رويناه عن زيد بن خالد قال " قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أصحابه غنما فأعطاني عتودا جذعا فقال ضح به فضحيت به " وقد أخرج هذا الحديث أيضا أبو داود بإسناد حسن وليس فيه من المعز ذهب الجمهور . وعن عطاء والأوزاعي تجوز مطلقا وهو وجه لبعض الشافعية حكاه الرافعي . وقال النووي هو شاذ أو غلط وأغرب عياض فحكى الاجماع على عدم الأجزاء ( وأحاديث ) الباب تدل على أنها تجوز التضحية بالجذع من الضأن كما ذهب إليه الجمهور فيرد بها على ابن عمرو الزهري حيث قالا أنه لا يجزئ وقد تقدم الكلام في ذلك

باب مالا يضحى به لعيبه وما يكره ويستحب

1 - عن علي عليه السلام قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يضحي باعضب القري والأذن قال قتادة فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال العضب النصف فأكثر من ذلك "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي لكن ابن ماجه لم يذكر قول قتادة إلى آخره

2 - وعن البراء بن عازب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والكسير التي لا تبقي "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي

3 - وروى يزيد ذو مصر قال " أتيت عتبة بن عبد السلمي فقلت يا أبا الوليد أني خرجت التمس الضحايا فلم أجد شيئا يعجبني غير ثرمافما تقول قال ألا جئتني أضحي بها قال سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني قال نعم إنك تشك ولا أشك إنما نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المصفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة والكسراء فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها . والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله والبخقاء التي تبخق عينها والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفا وضعفا والكسراء التي لا تنقي "
- رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه ويزيد ذو مصر بكسر الميم وبالصاد المهملة الساكنة

- حديث علي عليه السلام صححه الترمذي كما ذكر المصنف وسكت عنه أبو داود والمنذري وحديث البراء أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه النووي وادعى الحاكم في كتاب الضحايا ان مسلما أخرجه وأنه مما أخذ عليه لأنه من رواية سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز وقد اختلف الناقلون فيه انتهى . وهذا خطأ منه فان مسلما لم يخرجه في صحيحه وقد ذكره علي الصواب في أواخر كتاب الحج فقال صحيح ولم يخرجاه وحديث عتبة بن عبد السلمي أخرجه أيضا الحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري : قوله " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يضحى باعضب القرن " الخ فيه دليل على أنها لا تجزئ التضحية باعضب القرن والأذن وهو ما ذهب نصف قرنه أو أذنه وذهب أبو حنيفة والشافعي والجمهور إلى أنها تجزئ التضحية بمكسور القرن مطلقا وكرهه مالك إذا كان مدمي وجعله عيبا وقال في البحر أن أعضب القرن المنهى عنه هو الذي كسر قرنه أوعضب من أصله حتى يرى الدماغ لا دون ذلك فيكره فقط ولا يعتبر الثلث فيه بخلاف ألاذن وفي القاموس أن العضباء الشاة المكسورة القرن الداخل فالظاهر ان مكسورة القرن لا تجوز التضحية بها الا أن يكون الذاهب من القرن مقدارا يسيرا بحيث لا يقال لها عضباء لأجله أو يكون دون النصف أن صح ان التقدير بالنصف المروى عن سعيد بن المسيب لغوي أو شرعي ولا يلزم تقييد هذا الحديث بما في حديث عتبة من النهي عن المستأصلة وهي ذاهبة القرن من أصله لان المستأصلة عضباء وزيادة وكذلك لا تجزى التضحية باعضب الأذن وهو ما صدق عليه اسم العضب لغة أو شرعا ولكن تفسير المصفرة المذكورة في حديث عتبة بالتي تستأصل أذنها كما ذكره المصنف ومثلة ذكر صاحب النهاية يدل على أن عضب الأذن المانع من الأجزاء هو ذلك لا دونه وهذا بعد ثبوت اتحاد مدلول عضباء الأذن والمصفرة والظاهر أنهما مختلفان فلا تجزئ عضباء الأذن وهو ذاهبة نصف الأذن أو مشقوقتها أو التي جاوز القطع ربعها على حسب الخلاف فيها بين أهل اللغة ولا المصفرة وهي ذاهبة جميع الأذن لانها عضباء وزيادة وقد قيل أن المصفرة هي المهزولة حكى ذلك صاحب النهاية واقتصر عليه صاحب التلخيص . ووجه التفسير الأول أن صماخها صار صفرا من الأذن . ووجه الثاني انها صارت صفرا من السمن أي خالية منه : قوله " أربع لا تجوز " الخ فيه دليل على أن متبينة العور والعرج والمرض لا يجوز التضحية بها إلا ما كان من ذلك يسيرا غير بين وكذلك الكثير التي لا تنقى بضم الفوقية واسكان النون وكسر القاف أي التي لا نفي لها بكسر النون واسكان القاف وهو المخ وفي رواية الترمذي والنسائي والعجفاء بدل الكسير . قال النووي وأجمعوا على ان العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء وهي المرض العجف والعور والعرج البينات لا تجزئ التضحية وكذا ما كان في معناها أو أقبح منا كالعمى وقطع الرجل وشبهه انتهى : قوله " عن المصفرة " بضم الميم واسكان الصاد المهملة وفتح الفاء وقد تقدم تفسيرها : قوله " والبخقاء " بفتح الموحدة وسكون الخاء العجمة بعدها قاف قال في النهاية البخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة وفي القاموس البخق محرك أقبح العور وأكثره غمصا أو أن لا يلتقي شفر عينه على حدقته بخق كفرح وكنصر والعين البخقاء والباخقة والبخيق والبخيقة العوراء ورجل بخيق كامير وباخق العين ومبخوقها ابخق وبخق عينه كمنع عورها وابخقها فقأها والعين نذرت انتهى . قوله " والمشيعة " قال في القاوس ونهى صلى الله عليه وآله وسلم عن المشيعة في الأضاحي بالفتح أي التي تحتاج إلى من يشيعها أي يتبعها الغنم وبالكسر وهي التي تشيع الغنم أي تتبعها لعجفها انتهى ( وهذه الأحاديث ) تدل على أنه لا يجزئ في الأضحية ما كان في أحد العيوب المذكورة ومن ادعى أنه يجزئ مطلقا أو يجزئ مع الكراهية احتاج إلى إقامة دليل يصرف النهى عن معناه الحقيقي وهو التحريم المستلزم لعدم الأجزاء ولا سيما بعد التصريح في حديث البراء الجواز

4 - وعن أبي سعيد قال " اشتريت كبشا اضحى به نعدا الذئب فأخذ الالية قال فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ضح به "
- رواه أحمد . وهو دليل علي ان العيب الحادث بعد التعين لا يضر

5 - وعن علي عليه السلام قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي

6 - وعن أبي أمامة ابن سهل قال " كما نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون بسنون "
- أخرجه البخاري

7 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال دم عفراء أحب إلى الله من دم سوادين "
- رواه أحمد والعفراء التي بياضها ليس بناصع

8 - وعن أبي سعيد قال " ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد ويمشي في سواد وينظر في سواد "
- رواه أحمد وصححه الترمذي

- حديث أبي سعيد الأول أخرجه ابن ماجه والبيهقي وفي إسناده جابر الجعفى وهو ضعيف جدا وفيه أيضا محمد بن قرظة بفتح القاف والراء قال في التلخيص غير معروف وقال في التقريب مجهول وقد قيل أنه وثقه ابن حيان ويقال انه لم يسمع من أبي سعيد قال البيهقي ورواه حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن عطية عن أبي سعيد " أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شاة قطع ذنبه يضحى بها قال ضح بها " والحجاج ضعيف . وحديث علي عليه السلام أخرجه أيضا البزار وابن حيان والحاكم والبيهقي وأعله الدار قطني . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ورواه الطبراني فب الكبير من حديث ابن عباس بلفظ " دم الشاة البيضاء عند الله أزكى من دم السواوين " وفيه حمزة النصيبي قد اتهم بوضع الحديث ورواه الطبراني أيضا وأبو نعيم من حديث كبيرة بنت سفيان نحو الأول . ورواه موقوفا على أبي هريرة ونقل عن البخاري ان رفعه لا يصح . وحديث أبي سعيد الثاني صححه ابن حيان أيضا وهوعلى شرط مسلم قاله صاحب الاقتراح وأخرج مسلم من حديث عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بكبش اقرن يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد فأتى به ليضحي به فقال يا عائشة هلمي المدية ثم قال اشحذيها بحجر ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه الحديث : قوله " فقال ضح به " فيه دليل على ذهاب الالية ليس عيبا في الضحية من غير فرق بين أن يكون ذلك بعد التعيين أو قبله كما يدل على ذلك رواية البيهقي التي ذكرناها وقالت الهادوية الامام يحيى أن ذهاب الالية عيب وتمسكوا بالقياس على ذهاب الأذن والقرن وفي فاسد الاعتبار : قوله " أن نستشرف العين والأذن " أي نشرف عليهما ونتأملهما كي لا يقع فيهما نقص وعيب . وقيل ان ذلك مأخوذ من الشرف بضم الشين وهو خيار المال أي أمرنا أن نتخيرهما . وقال الشافعي معناه أن نضحي بواسع العينين طويل الأذنين قوله " بمقابلة " بفتح الموحدة قال في القاموس هي شاة قطعت أنها من قدام وتركت معلقة ومثله في النهاية إلا أنه لم يقيد بقدام . قوله " ولا مدابرة " بفتح الموحدة أيضا هي التي قطعت أنها من جانب . وفي القاموس ما لفظه وهو مقابل ومدابر محض من أبويه وأصله من الإقبالة والإدبارة وهو شق في الأذن ثم يفتل ذلك فإن أقبل به فهو إقبالة وإن أدبر به فإدبارة والجلدة المعلقة من الأذن هي الإقبالة والإدبارة كأنها زنمة والشاة مدابرة ومقابلة وقد دابرها وقابلها انتهى : قوله " ولا شرقاء " هي مشقوقة الأذن طولا كما في القاموس . قوله " ولاخرقاء " قال في النهاية الخرقاء التي في اذنها خرق مستدير . قوله " كنا نسمن " الخ فيه استحباب تسمين الأضحية لأن الظاهر إطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وحكى القاضي عياض عن بعض أصحاب مالك كراهة ذلك يتشبه باليهود قال النووي وهذا قول باطل : قوله " دم عفراء " الخ فيه استحباب التضحية بالأعفر من الظباء ما يعلوا بيضه حمرة وأقرانه بيض والأبيض ليس بالشديد البياض انتهى . وحكي في البحر عن الإمام يحيى أنه قال الأفضل الأبيض ثم الأعفر ثو الأملح والأشمر الأطيب إجماعا لقوله { ومن يعظم شعائر الله } وما غلا لنفاسته أفضل مما رخص انتهى : قوله " بكبش أقرن " قد تقدم الكلام على ذلك " قوله " فحيل " فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضحى بالفحيل كما ضحى بالخصي : قوله " يأكل في سواد " الخ معناه أن فمه أسود وقوائمه وحول عينيه وفيه دليل على أنها تستحب التضحية بما كان على هذه الصفة

باب التضحية بالخصي

1 - عن أبي رافع قال " ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكبشين أملحين موجوأين خصيين "

2 - وعن عائشة قالت " ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكبشين سمينين عظيمين أملحين أقرنين موجوأين "
- رواهما أحمد

3 - وعن أبي سلمة عن عائشة وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين فذبح أحدهما عن أمته فلمن شهد بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وذبح الآخر عن محمد وىل محمد "
- رواه ابن ماجه

- حديث أبي رافع أخرجه أيضا الحاكم قال في مجمع الزوائد وإسناده حسن . وحديث عائشة أيضا أخرجه ابن ماجة والبيهقي والحاكم من حديثهما وحديث أبي هريرة ومدار طرقه كلها على عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه مقال وفي إسناده حديث أبي هريرة وعائشة عيسى بن عبد الرحمن بن فروة وهو ضعيف ( وفي الباب ) عن جابر عند الحاكم من طريق ابنعقيل وله شاهد من حديث جابر أيضا من طريق أخرى عند أبي داود والبيهقي وعن أبي الدرداء عند أحمد والطبراني . قوله " أملحين " قد تقدم تفسير الأملح والأقرن . والموجوء المنزوع الأنثيين كما ذكره الجوهري وغيره . وقيل هو المشقوق عرق الأنثيين والخصيتان بحالهما . قوله " : سمينين " فيه استحباب التضحية بالأقرن الأملح وقد حكى النووي الاتفاق على ذلك وقد تقدم حديث دم عفراء أحب عند الله من دم سوداوين وقد تقدم أن الأملح خالص البياض أو المشوب بحمرة والأعفر كذلك وتقدم أن مسلوب القرن لا تجوز التضحية به ( واستدل ) بأحاديث الباب على استحباب التضحية بالموجوء به قالت الهادوية والظاهر أنه لا مقتضى للاستحباب لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم التضحية بالفحيل كما مر في حديث أبي سعيد فيكون الكل سواء . واستدل بحديث أبي هريرة على أنها تجزئ الشاة عن العدد الكثير وسيأتي الخلاف في ذلك

باب الاجتزاء بالشاة لأهل البيت الواحد

1 - عن عطاء بن يسار قال " سألت أبا أيوب الأنصاري كيف كانت الضحايا فيكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهي الناس فصار كما ترى "
- رواه ابن ماجه والترمذي وصححه

2 - وعن الشعبي عن أبي سريحة قال " حملني أهلي على الجفاء بعد ما علمت من السنة كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين والآن يبخلنا جيراننا " ( 1 ) [ من التبخيل أي البخل والشح أن أكتفينا بالواحدة وبالإثنتين ]
- رواه ابن ماجه

- الحديث الأول أخرجه أيضا مالك في الموطأ وأخرجه الترمذي من طريق يحيى بن موسى عن أبي بكر الحنفي عن الضحاك بن عثمان عن عمارة بن عبد الله قال سمعت عطاء بن يسار يقول سألت أبا أيوب فذكره وقال هذا حديث حسن صحيح وعمارة بن عبد الله هو مديني وقد رواه عنه مالك بن أنس والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق واحتجا بحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضحى بكبش فقال هذا عمن لم يضح من أمتي . وقال بعض أهل العلم لا تجزئ الشاة إلا عن نفس واحدة وهو قول عبد اله بن المبارك وغيره من أهل العلم انتهى . وحديث أبي سريحة إسناده في سنن ابن ماجه إسناد صحيح . قوله " يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته " فيه دليل على أن الشاة تجزئ عن أهل البيت لأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك في عهده صلى الله عليه وآله وسلم والظاهر إطلاعه فلا ينكر عليهم ويدل على ذلك أيضا حديث " على كل أهل بيت في كل عام أضحية " وسيأتي في باب ما جاء في الفرع والعتيرة وبه قال من تقدم ذكره . وقال الهادي والقاسم تجزئ الشاة عن ثلاثة وقيل تجزئ عن واحد فقط وبه قال من السلف . وقد زعم النووي أنه متفق عليه وهو غلط وقد وافقه على دعوى الإجماع ابن رشد وكذلك زعم المهدي في البحر أنه لا قائل بأن الشاة تجزئ عن أكثر من ثلاثة وهو أيضا غلظ والحق أنها تجزئ عن أهل البيت وإن كانوا مائة نفس أو أكثر كما قضت بذلك السنة ولعل متمسك من قال أنها تجزئ عن واحد فقط القياس على الهدي وهو فاسد الاعتبار وأما من قال أنها تجزئ عن ثلاثة فقط فقدج استدل لهم صاحب البحر بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " عن محمد وآل محمد " ثم قال ولا قائل بأكثر من ثلاثة فاقتصر عليهم انتهى . ولا يخفاك أن الحديث حجة عليه لا له وأن نفي القائل بأكثر من ثلاثة ممنوع والسند ما سلف وقد اختلف في البدنة فقالت الشافعية والحنفية والجمهور أنها تجزئ عن سبعة وقالت العترة وإسحاق بن راهويه وابن خزيمة أنها تجزئ عن عشرة وهذا هو الحق هنا لحديث ابن عباس المتقدم في باب أن البدنة من الإبل والبقر عن سبع شياه والأول هو الحق في الهدي للأحاديث المتقدمة هنالك . وأما البقر فتجزئ عن سبعة فقط اتفاقا في الهدي والأضحية : قوله " فصار كما ترى " في نسخة من هذا الكتاب فصاروا كما ترى ولفظ الترمذي فصارت كما ترى

باب الذبح بالمصلى والتسمية والتكبير على الذبح والمباشرة له

1 - عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أ ه كان يذبح وينحر بالمصلى "
- رواه البخاري والنسائي وابن ماجه وأبو داود

2 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتى به ليضحي به فقال لها يا عائشة هلمي المدية ثم قال إشحذيها على حجر ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود

3 - وعن أنس قال " ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكبشين أملحين أقرنين فرأيته واضعا قدميه على صفاحهما يسمي ويكبر فذبحهما بيده "
- رواه الجماعة

4 - وعن جابر " قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عيد بكبشين فقال حين وجههما وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين اللهم منك ولك عن محمد وأمته "
- رواه ابن ماجه

- حديث جابر أخرجه أيضا أبو داود والبيهقي وفي إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال تقدم وفي إسناده أيضا أبو عياش قال في التلخيص لا يعرف : قوله " كان يذبح وينحر بالمصلى " فيه استحباب أن يكون الذبح والنحر بالمصلى وهو الجبانة ( والحكمة ) في ذلك أن يكون بمرأى من الفقراء فيصيبون من لحم الأضحية : قوله " يطأ في سواد " الخ أي بطنه وقوائمه وما حول عينيه سواد كما تقدم : قوله " هلمي المدية " أي هاتيها والمدية بضم الميم وكسرها وفتحها وهي السكين . قوله " اشحذيها " بالشين المعجمة والحاء المهملة المفتوحة وبالذال المعجمة أي حدديها وفيه استحباب إحسان الذبح وكراهة التعذيب كأن يذبح بما في حده ضعف . قوله " وأخذ الكبش " الخ هذا الكلام فيه تقديم وتأخير وتقديره فأضجعه ثم أخذ في ذبحه قائلا بسم الله الخ مضحيا وفيه استحباب إضجاع الغنم في الذبح وأنها لا تذبح قائمة ولا باركة بل مضجعة لأنه أرفق بها وبهذا جاءت الأحاديث وأجمع عليه المسلمون كما قال النووي واتفق العلماء على أن إضجاعها يكون على جانبها الأيسر حكي ذلك النووي أيضا لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار . وفيه استحباب قولا لمضحي بسم الله زكذلك تستحب التسمية في سائر الذبائح وهو مجمع عليه ولكن وقع الخلاف في وجوبها . قوله " ويكبر " فيه دليل على استحباب التكبير مع التسمية فيقول بسم الله والله أكبر . والصفحة جانب العنق وإنما فعل ذلك ليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أو تؤذيه قال النووي وهذا أصح من الحديث الذي جاء بالنهي عن ذلك . قوله " فذبحهما بيده " فيه استحباب تولي الإنسان ذبح أضحيته بنفسه فإن استناب قال النووي جاز بلا خلاف وإن استناب كتابيا كره كراهة تنزيه وأجزأه ووقعت التضحية عن الموكل هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا مالكا في إحدى الروايتين عنه فلم يجوزها ويجوز أن يستنيب صبيا وامرأة حائضا لكن يكره توكيل الصبي وفي كراهة توكيل الجائض وجهان انتهى . ومذهب الهادوية اشترط أن يكون الذابح مسلما فلا تحل عندهم ذبيحة الكافر ولا يجوز توكيله بالذبح : قوله " فقال حين وجههما وجهت " الخ فيه استحباب تلاوة هذه الآية عند توجيه الذبيحة للذبح وقد تقدم ذكرها في دعاء الاستفتاح في الصلاة

باب نحر الإبل قائمة معقوله يدها اليسرى

1 - قال الله تعالى { فاذكروا اسم الله عليها صواف } قال البخاري قال ابن عباس صواف قياما . وعن ابن عمر " أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها فقال ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفق عليه

2 - وعن عبد الرحمن بن سابط " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها "
- رواه أبو داود وهو مرسل

- حديث عبد الرحمن بن سابط هو في سنن أبي داود من حديث جابر بن عبد الله فلا إرسال وهكذا ذكره الحافظ في الفتح من حديث جابر وعزاه إلى أبي داود وقد سكت عنه هو والمنذري ورجاله رجال الصحيح وتفسير ابن عباس الذي ذكره البخاري معلقا قد وصله سعيد بن منصور وعبد بن حميد : قوله " صواف " بالتشديد جمع صاف أي مصطفة في قيامها ووقع في مستدرك الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله صواف صوافن أي قياما على ثلاث قوائم معقولة وهي قراءة ابن مسعود والصوافن جمع صافنة وهي التي رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب : قوله " إبعثها " أي أثرها يقال بعثت الناقة أي أثرتها : وقوله " قياما " مصدر بمعنى قائمة ووقع في رواية الإسماعيلي " انحرها قائمة " : قوله " سنة محمد " بنصب سنة بعامل مضمر كالاختصاص أو التقدير متبعا سنة محمد ويجوز الرفع وفي رواية الحربي فإنه سنة محمد وفي هذا الحديث والذي بعده استحباب نحر افبل على الصفة المذكورة . وعن الحنفية يستوي نحرها قائمة وباركة في الفضيلة وفي الباب عن أنس عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحر بيده سبع بدن قياما

باب بيان وقت الذبح

1 - عن جندب بن سفيان البجلي " أنه صلى الله عليه وآله وسلم يوم أضحى قال فانصرف فإذا هو باللحم وذبائح الأضحى تعرف فعرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه ذبحت قبل أن يصلي فقال من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله "
- متفق عليه

2 - وعن جابر قال " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نحر فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد ومسلم

3 - وعن أنس قال " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر من كان ذبح قبل الصلاة فليعد "
- متفق عليه . وللبخاري " من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصحاب سنة المسلمين "

- وفي الباب عن البراء عند الجماعة كلهم بلفظ " من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء " وقد تقدم بنحو هذا اللفظ : قوله " من ذبح قبل أن يصلى " في مسلم " قبل أن يصلي أو نصلي " الأولى بالياء التحتية والثانية بالنون وهو شك من الراوي . ورواية النون موافقة لقوله في أول الحديث " أنها ذبحت قبل أن يصلي " فإن المراد صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وموافقة أيضا لقوله في آخر الحديث " ومن لم يكن ذبح حتى صلينا " وهذا يدل على أن وقت الأضحية بعد صلاة الإمام لا بعد صلاة غيره فيكون المراد بقوله في حديث أنس " من كان ذبح قبل الصلاة " الصلاة المعهودة وهي صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصلاة الأئمة بعد إنقضاء عصر النبوة ويؤيد هذا ما أخرجه الطحاوي من حديث جابر وصححه ابن حبان " أن رجلا ذبح قبل أن يصلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنهي أن يذبح أحد قبل الصلاة " وظاهر قوله في حديث جابر " فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نحر " الخ أن الاعتبار بنحر الأمام وأنه لا يدخل وقت التضحية إلا بعد نحره ومن نحره ومنفعل قبل ذلك أعاد كما هو صريح الحديث ويجمع بين الحديثين بأن وقت النحر يكون لمجموع صلاة الامام ونحره . وقد ذهب إلى أن مالك فقال لا يجوز ذبحها قبل صلاة الامام وخطبته وذبحه وقال أحمد لا يجوز قبل صلاة الامام ويجوز بعدها قبل ذبح الامام وسواء عنده أهل القري والأمصار ونحوه عن الحسن والأوزاعي وإسحاق . وقال الثوري يجوز بعد صلاة المام قبل خطبته وفي أثنائها . وقال الشافعي وداود وآخرون ان وقت التضحية من طلوع الشمس فإذا طلعت ومضى قدر صلاة العيد وخطبته أجزأ الذبح بعد ذلك سواء صلى أم لا وسواء صلى المضحي أم لا وسواء كان من أهل القرى والبوادي أو منأهل الأمصار أو من المسافرين . وقال أبو حنيفة يدخل وقتها في حق أهل القرى والبوادي إذا طلع الفجر ولا يدخل في حق أهل الأمصار حتى يصلي الإمام ويخطب فإذا ذبح قبل ذلك لم يجزه . وقالت الهادوية ان وقتها يدخل بعد صلاة المضحي سواء صلى الإمام أم لا فإذا لم يصلي المضحى وكانت الصلاة واجبة عليه كان وقتها من الزوال وان كانت الصلاة غير واجبة عليه لعذر من الأعذار أو كان ممن لا تلزمه صلاة العيد فوقتها من فجر النحر ولا يخفى أن مذهب مالك هو الموافق لأحاديث الباب وبعضها يرد على بعضها . قال ابن المنذر وأجمعوا على أنها لا تجوز التضحية قبل طلوع الفجر وأما إذا لم يكن ثم إمام فالظاهر أنه يعتبر لكل مضح بصلاته . وقالربيعة فمن لا إمام له ان ذبح قبل طلوع الشمس لا تجزئه وبعد طلوعها تجزئه وآما أخر وقت التضحية فسيأتي بيانه . وقد تأول أحاديث الباب ولم يعتبر صلاة الامام وذبحه بان المراد بها الزجر عن التعجيل الذي يؤدي إلى فعلها قبل وقتها وبأنه لم يكن في عصره صلى الله عليه وآله وسلم من يصلى قبل صلاته فالتعليق بصلاته في هذه الأحاديث ليس المراد به إلا التعليق بصلاة المضحي نفسه لكنها لما كانت تقع صلاتهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير متقدمة ولا متأخرة وقع التعليق بصلاته صلى الله عليه وآله وسلم بخلاف العصر الذي بعد عصره فإنها تصلى صلاة العيد في المصر الواحد جماعات متعدة ولا يخفى بعد هذا فإنه لم يثبت أن أهل المدينة ومن حولهم كانوا لا يصلون العيد الا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يصلح للتمسك لمن جوز الذبح من طلوع الشمس أو من طلوع الفجر ما ورد من أن يوم النحر يوم ذبح لأنه كالعام وأحاديث الباب خاصة فيبنى العام على الخاص : قوله " فليذبح باسم الله " والجار والمجرور متعلق بمحذوف أي قائلا باسم الله

4 - وعن سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " كل أيام التشريق ذبح "
- رواه أحمد وهو للدارقطني من حديث سليمان ابن موسى عن عمرو بن دينار . وعن نافع بن جبير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه

- حديث جبير بن مطعم أخرجه ابن حبان في صحيحه والبيهقي وذكر الأختلاف في إسناده . ورواه ابن عدي من حديث أبي هريرة وفي إسناده معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف وذكره ابن أبي حاتم من حديث أبي سعيد وذكر عن أبيه أنه موضوع . قال ابن القيم في الهدى إن حديث جبير بن مطعم منقطع لا يثبت وصله ويجاب عنه بأن ابن حبان وصله وذكره في صحيحه كما سلف ( وقد استدل ) الحديث على أن أيام التشريق كلها أيام ذبح وهي يوم النحر وثلاثة أيام بعده وقد تقدم الخلاف فيها في كتاب العيدين وكذلك روى في الهدى عن علي عليه السلام أنه قال أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده وكذا حكاه النووي عنه في شرح مسلم وحكاه أيضا عن جبير ابن مطعم وابن عباس وعطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدي فقيه أهل الشام ومكحول والشافعي وداود الظاهري وحكاه صاحب الهدى عن عطاء والأوزاعي وابن المنذر ثم قال وروى من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " كل مني منحر وكل أيام التشريق ذبح " وروى من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع . ومن حديث أسامة بن زيد عن عطاء عن جابر قال يعقوب بن سفيان أسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون انتهى . وقال أبو جنيفة ومالك وأحمد إن وقت الذبح يوم النحر ويومان بعده . قال النووي وروى هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلي عليه السلام وابن عمر وانس وحكى ابن القيم عن أحمد أنه قال هو قول غير واحد م أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورواه الاثرم عن ابن عباس وكذا حكاه عنه في البحر واليه ذهبت الهادوية والناصر . وقال ابن سيرين ان وقته يوم النحر خاصة وقال سعيد بن جبير وجابر بن زيدان وقته يوم النحر فقط لاهل الأمصار وأيام التشريق لاهل القرى . وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أن وقته في جميع ذي الحجة فهذه خمسة مذاهب أرجحها المذهب الأول للأحاديث المذكورة في الباب وهي تقوى بعضه بعضا وقد أجاب عن ذلك صاحب البحر بجواب في عابة السقوط فقال قلنا لم يعمل به يعني حديث جبير أحد من الصحابة وقد عرفت أنه قول جماعة من الصحابة على أن مجرد ترك الصحابة من غير تصريح منهم بعدم الجواز لا يعد قادحا وأشف ما جاء به من منع من الذبح في اليوم الرابع الحدث الآتي في النهي عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث قالوا فيه دليل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط لانه لا يجوز الذبح في وقت لا يجوز فيه الأكل ونسخ تحريم الأكل لا يستلزم نسخ وقت الذبح وقد أجاب عنه ابن القيم بأنه لا يدل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط لأن الحديث دليل على نهي الذابح أن يؤخر شيئا فوق ثلاثة أيام من يوم ذبحه فلو أخر الذبح إلى اليوم الثالث لجاز له الأدخار ما بينه وما بين ثلاثة أيام وسيأتي بقية الكلام على الحديث ( ووقع الخلاف ) في جواز التضحية في ليالي أيام الذبح . فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والجمهور أنه يجوز مع كراهة . وقال مالك في المشهور عنه وعامة أصحابه ورواية عن أحمد أنه لا يجزئ بل يكون شاة لحم ولا يخفى أن لقول بعدم الاجزاء وبالكراهية يحتاج إلى دليل ومجرد ذكر الأيام في حديث الباب وان دل على اخراج الليالي بمفهوم اللقب لكن التعبير بالأيام عن مجموع الأيام والليالي والعكس مشهور متداول بين أهل اللغة لا يكاد يتبادر غيره عن الإطلاق وأما ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الذبح ليلا ففي إسناده سليمان الخبايري وهو متروك وذكره عبد الحق من حديث عطاء يسار مرسلا وفيه مبشرين عبيد وهو أيضا متروك وفي البيهقي عن الحسن نهى عن جذاذ الليل وحصاده والأصحى بلليل وهو وأن كانت الصيغة مقتضية للرفع مرسل

باب الأكل والاطعام بالأضحية وجواز ادخار لحمها ونسخ النهي عنه

1 - عن عائشة قالت " دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ادخروا ثلاثا ثم تصدقوا بما بقي بعد ذلك قالوا يا رسول الله ان الناس يتخذون الاسقية من ضحاياهم يحملون فيها الودك فقال وما ذاك قالوا نهيت أن تؤكل الأضاحي بعد ثلاث فقال إنما بينكم من أجل الدافة فكلوا وادخروا وتصدقوا "
- متفق عليه

2 - وعن جابر قال " كنا لا نأكل كل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى فرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال كلوا وتزودوا "
- متفق عليه . وفي لفظ " كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة أخرجاه " وفي لفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال بعد كلوا وتزودوا وادخروا " رواه مسلم والنسائي

3 - وعن سلمة بن الأكوع قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ضحى منكم فلا يصحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء فلما كان في العام المقبل قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا في عام الماضي قال كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فاردت أن تعينوا فيها "
- متفق عليه

4 - وعن ثوبان قال " ذبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أضحيته ثم قال يا ثوبان اصلح لي لحم هذه فلم أزل أطعمه حتى قدم المدينة "
- رواه أحمد ومسلم

5 - وعن أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يا أهل المدينة لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لهم عيالا وحشما وخدما فقال كلوا وأطعموا واحبسوا وادخروا "
- رواه مسلم

6 - وعن بريدة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة لتسع ذوو الطول على من لا طول له فكلوا ما بدالكم وأطعموا وادخروا "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه

- وفي الباب عن نبيشة الهذلي عند أحمد وأبي داود وزاد بعد قوله " وادخروا وائتجروا " أي اطلبوا الأجر بالصدقة . قوله " دف " بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء أي جاء قال أهل اللغة الدافة بتشديد الفاء قوم يسيرون جميعا سيرا خفيفا ودافة الاعراب من يريد منهم المصر والمراد هنا من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة . قوله " حضرة " بفتح الحاء وضمها وكسرها والضاد ساكنة فيها كلها وحكى فتحها وهو ضعيف وإنما تفتح إذا حذفت الهاء يقال يحضر فلان كذا قال النووي . قوله " ويجعلون " بفتح الياء وسكون الجيم مع كسر الميم وضمها ويقال بضم الياء مع كسر الميم يقال جملت الدهن اجمله بكسر الميم واجمله بضمها جملا واجملته أجمله اجمالا أي أذبته : قوله " بعد ثلاث " قال القاضي عياض يحتمل أن يكون ابتداء الثلاث من يوم ذبح الأضحية وان ذبحت بعد يوم النحر ويحتمل أن يكون من يوم النحر وان تأخر الذبح عنه قال وهذا اظهر ورجع ابن القيم الأول وهذا الخلاف لا يتعلق به فائدة عند من قال بالنسح الا باعتبار ما سلف من الاحتجاج بذلك إلى يوم الرابع ليس من أيام الذبح . قوله " إنما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا " الخ هذا وما بعده تصريح بالنسخ لتحريم أكل لحوم الأضاحي بعد الثلاث وادخارها وإليه ذهب الجماهير من علماء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم . وحكى النووي عن علي عليه السلام وابن عمر أنهما قالا يحرم للحوم الأضاحي بعد ثلاث وان حكم التحريم باق وحكاه الحازمي في الاعتبار عن علي عليه السلام أيضا والزبير وعبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر ولعلهم لم يعلموا بالناسخ ومن علم حجة علي من لم يعلم وقد أجمع على جواز الأكل والادخار بعد الثلاث من بعد عصر المخالفين في ذلك ولا أعلم أحدا بعدهم ذهب إلى ما ذهبوا إليه . قوله " كلوا " استدل بهذا الأمر ونحوه من الأوامر المذكورة في الباب من قال بوجوب الأكل من الأضحية وقد حكاه النووي عن بعض السلف وأبي الطيب بن سلمة من أصحاب الشافعي ويؤيد قوله تعالى { فكلوا منها } وحمل الجمهور هذه الأوامر على الندب والأباحة لورودها بعد الحظر وهو عند الجماعة للإباحة . وحكى النووي عن الجمهور أنه للوجوب والكلام في ذلك مبسوط في الأصول : قوله " وأطعموا " وفي حديث عائشة " وتصدقوا " فيه دليل على وجوب التصدق من الأضحية وبه قالت الشافعية إذا كانت أضحية تطوع قالوا والواجب ما يقع اسم الاطعام والصدقة ويستحب أن يكون بمعظمها قالوا وأدنى الكمال أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدى الثلث وفي قول لهم يأكل النصف ويتصدق بالنصف ولهم وجه أنه لا يجب التصدق بشيء وقال القاسم بن إبراهيم أنه يتصدق بالبعض غير مقدر قال في البحر وفي جواز أكلها جميعها وجهان عن الأمام يحيى أصحهما لا يجوز اذ يبطل به القربة وهي المقصود وقيل يجوز والقربة تعلقت باهراق الدم فان فعل لم يضمن شيئا عند الجميع إذ لا دليل قلت وفي كلام الامام يحيى نظر مع القول بأنها سنة انتهى . قوله " فأردت أن تعينوا فيها " بالعين المهملة من الاعانة هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم " أن يفش فيهم " بالفاء والشين المعجمة أي يشيع لحم الأضاحي في الناس وينتفع به المحتاجون . قال القاضي عياض في شرح مسلم الذي في مسلم أشبه وقال في المشارق كلاهما صحيح والذي في البخاري أوجه . والجهد هنا بفتح الجيم وهو المشقة والفاقة . قوله " أصلح لي لحم هذه " الخ فيه تصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق ثلاث وجواز التزود منه وان التزود منه في الأسفار لا يقدح في التوكل ولا يخرج المتزود عنه وان الأضحية مشروعة للمسافر كما تشرع للمقيم وبه قال الجمهور . وقال النخعي وأبو حنيفة لا ضحية على المسافر قال النووي وروى هذا عن علي رضي الله عنه . وقال مالك وجماعة لا تشرع للمسافر بمنى ومكة والحديث يرد عليهم . قوله " حشما " قال أهل اللغة الحشم بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة هم اللائذون بالانسان يخدمونه ويقومون باموره . وقال الجوهري هم خدم الرجل ومن يغضب له سموا بذلك لانهم يغضبون له والحشمة الغضب ويطلق على الاستحياء ومنه قولهم فلان لا تحتشم أي لا يستحي ويقال حشمته وأحشمته إذا أغضبته وإذا أخجلته فاستحي لخجله قال النووي وكأن الحشم أعم من الخدم فلهذا جمع بينهما في هذا الحديث وهو من باب ذكر الخاص بعد العام . وفي القاموس الحشمة بالكسر والحياء والانقباض احتشم منه وعنه وحشمه و أحشمه وكفرح وغضب وكسمعه أغضبه كاحشمه وحشمه . وحشمة الرجل وحشمة محركتين واحشامه خاصته الذي يغضبون له من أهل وعبيد أو جيرة والحشم محركة للواحد وهو العيال والقرابة أيضا انتهى : قوله " فكلوا ما بدا لكم " فيه دليل على عدم تقدير الأكل بمقدار وان للرجل أن يأكل من أضحيته ما شاء وان كثر مالم يستغرق بقرينة قوله وأطعموا

باب الصدقة بالجلود والجلال والنهي عن بيعها

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق